logo

logo

logo

logo

logo

مذهب الصحابي

مذهب صحابي

Alsahabi doctrine - doctrine Al Sahabi

 مذهب الصحابي

مذهب الصحابي

محمد حسن البغا

 

آراء الأصوليين في مذهب الصحابي

رتبة حجية مذهب الصحابي

أدلة المحتجين بمذهب الصحابي

أدلة غير المحتجين بمذهب الصحابي

ومن أقوال الصحابة

 

يقصد بالصحابي هنا: المجتهد من صحابة رسول اللهr العارف بالحكم الشرعي وهو الذي طالت صحبته، وهو مراد جمهور الأصوليين.

وبمذهب الصحابي: اجتهاده الذي ارتآه ولم يرفعه إلى رسول اللهr.

آراء الأصوليين في مذهب الصحابي:

اتفق الأصوليون على أن مذهب الصحابي المتفق عليه بينهم يعدّ إجماعاً قطعياً من دون ريب.

كما اتفقوا على أنه يجوز مخالفة بعضهم الآخر أو تقليد بعضهم الآخر، وعلى أن مذهبه المنتشر المشهور يعد إجماعاً مقطوعاً به إذا لم يعلم له مخالف.

وذهب جماهير الأصوليين إلى أن مذهبه غير المنتشر حجة أيضاً إذا لم يعلم له مخالف، وهو الراجح.

وذهب بعض المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه ليس بحجة، وهو مما نقل عن الشافعي.

وذهب جماهيرهم إلى أن ما يقوله الصحابي مما لا يقال بالاجتهاد من الأمور التعبدية والمقدرات الشرعية أنَّ له حكم التوقيف وهو الراجح، وعلى هذا يُحمل قول الشافعي في الجديد بالتقليد لهم، وذهب بعضهم إلى أنه ليس بحجة.

واختلف الأصوليون فيما يقوله الصحابي فيما يجري فيه الرأي والاجتهاد هل يكون حجة على التابعين ومن يليهم؛ على ما يلي:

ـ مذهب الحنفية ـ أبو بكر الرازي الحنفي والبِرْدَعَي والبزدوي والسَّرْخَسي وأتباعهم ـ والمالكية والشافعي في القديم والرواية المعتمدة عند الحنابلة أنه حجة فيتخير من أقوالهم.

ـ ونقل البيهقي وإمام الحرمين الجويني عن الشافعي في الجديد قبول قولهم وتقديمه على القياس، وقيده الزركشي بانتشار قولهم، ونقل عن الشافعي آراء فقهية توافق ذلك، لكن المعتمد لدى الشافعية هو أنه ليس بحجة.

ـ وحكى المُزَني وابن أبي هريرة وابن الرِّفعة وابن القطان أن مذهب الصحابي حجة عند الشافعي إذا اقترن بالقياس ولو ضعيفاً مقدماً له على قياس آخر غير مقترن بقول صحابي.

ـ وذهب الإمام الشافعي في الجديد والكرخي من الحنفية ونُسب إلى المالكية وبعض من الحنابلة ـ الكلوذاني ـ إلى أنه ليس بحجة وأنه قول كغيره من المجتهدين.

وقطع الغزالي وابن الرفعة والزركشي والآمدي بأن مذهب الشافعي الجديد في مذهب الصحابي أنه ليس بحجة.

قال الصيرفي: "معنى قول الشافعي في الجديد: إنه ليس بحجة؛ أنه إذا تجاذب المسألة أصلان محتملان يوافق أحدهما قول الصحابي، فيكون الدليل الذي معه قول الصحابي أولى في هذا على التقوية، وأنه أقوى المذهبين، فلا يغلط على الشافعي".

والذي يتبين أنه يعتد عند الشافعي بمذهب الصحابي إذا تأيد بدليل آخر مرجح.

رتبة حجية مذهب الصحابي:

يعدّ مذهب الصحابي ـ عند من قال به ـ حجة تلي الإجماع، ومقدمة على القياس، ولا ينسخ به، ولكن يُخص به العام ويقيد المطلق، ويُستند إليه في التأويل.

وذهب الباجي من المالكية إلى أنه لا يخص العام وفيه قولان عند الشافعية.

وإذا تعددت أقوال الصحابة فيرجَّح بكثرة العدد، فإذا تساوت الآراء عدداً؛ قدم بالأئمة.

ويعد وجود الخلفاء الأربعة مع الأقل مساوين للأكثر عدداً، فيتساوى القولان، وإذا تساوت الأقوال ومع أحدها الشيخان ـ أبو بكر وعمرـ عُدّ القول مرجحاً، وفي التساوي يرجح بحسب طرق الترجيح، ورجح ابن قدامة من الحنابلة استناد الترجيح إلى الأدلة.

وحيث خالف الصحابي القياس فينبغي على الصحابة الآخرين اتباعه لبعد مخالفتهم القياس إلا لسماع وتوقيف؛ إذ كل عالم عدل يخالف القياس ظن به الموافقة، والظاهر إصابته.

ولا يجمع بين أقوال الصحابة كما يجمع بين الأحاديث المختلفة بالتخصيص والتقييد والتأويل؛ لأنهr هو المعصوم فلا تتخالف الأدلة عنه من كل وجه فيجمع بينها ما أمكن وإلا كان النسخ، وليست كذلك أقوال الصحابة لاختلاف مقاصدهم وصدورها عن عديدين.

أمثلة مذهب الصحابي في المسائل الفقهية:

ـ ذهب عمرt إلى التفريق بين الرجل والمرأة المنكوحة في عدتها على التأبيد، وذهب عليt إلى أنه ينكحها بعد عدتها.

ـ وذهب عمرt إلى أن زوجة المفقود تتربص أربع سنين ثم تعتد ثم تنكح، وبه قال الحنابلة.

وقال عليt لا تنكح أبداً حتى يصح موت أو فراق، وبه قال الحنفية والشافعية.

ـ ولو طلق رجل امرأته في سفره فراجعها من دون علمها فتزوجت من غيره، فهي للثاني إن دخل بها في قول عمر.

وقال عليt الأول أحق بها.

ـ وذهب عثمانt إلى تغليظ الدية في الحرم فقضى بثلث فوق الدية لامرأة قتلت في الحرم.

وقدر عليُّ أقلَّ المهر بعشرة دراهم وذهب إليه الحنفية.

وقدر أنس أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة وذهب إليه الحنفية.

الأدلة:

أدلة المحتجين بمذهب الصحابي:

من القرآن الكريم:

قوله تعالى: }وَالسَّابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارَ خَالِدِينَ فِيها أَبَدَاً ذَلِكَ الْفَوْزُ العَظِيمُ{ [التوبة 100].

}كُنُتمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرٌونَ بالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ{ [آل عمران 110].

}وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً{ [البقرة 143].

فالصحابة كلهم عدول لتعديل الله لهم؛ لأن الوسط هو العدل، ولتفضيل النبيr لهم، ولنصرتهم وإنفاقهم وتنزههم، فإن لم يكونوا عدولاً فلا عدالة لغيرهم وهم أهل اللغة والنقل والرواية، وهم أول الأمة وخيرتها؛ لأن فضيلة الصحبة لا يعدلها شيء، وهو توضيح بأن أمرهم من المعروف، وهو واجب الاتباع.

اعترض بأنه ثناء ملزم بحسن الاعتقاد بدينهم ومنزلتهم لا وجوب تقليدهم.

من السنة: قولهr: "اقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر".

وقولهr: "خير الناس قرني" وهم الصحابة رضوان الله عليهم، فتكون اجتهاداتهم مقبولة لإثبات الخيرية لهم، وهم الخيار بشهادة رسول اللهr.

وقولهr: "لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه". فهم الموفقون في الرأي والاجتهاد والأبعد عن الخطأ والزلل من غيرهم ولهذا امتدحهم الله تعالى ورسولهr.

وتفيد الأحاديث أيضاً وجوب اتباع مذاهب الصحابة؛ لأن تخصيصهم بالذكر مع جواز تقليد عامة المجتهدين يراد به وجوب اتباعهم، وإلا لم يكن من فائدة لتخصيصهم.

ومن المعقول:

إن الصحابة أهل التنزيل وأهل الفضل وقد مدحهم الله تعالى بآيات كثيرة ورسولهr بأحاديث متعددة، وخصهم الله تعالى بمشاهدة الرسولr، ومعايشة التشريع ومعرفة مواقع التنزيل وأسبابه ومخارجه وأحوالهr.

ويُعلم بالمشاهدة وبدلالة الحال ما لا يعلم بسواهما، ولم يكن مثلهم، ولم يكن غيرهم مثلهم. وقد علموا مسالك الأحكام واشتهروا بالورع والعلم والعقل والاجتهاد، وإذا اختلف الصحابة لم يجز الخروج عن أقوالهم كلها لاستحالة خروج الحق عن جميعهم أو شمول الخطأ لكلهم، وآراؤهم أجمل وأولى من آرائنا، وعادتهم الفتوى بالنص.

ولكن علق ابن نظام الدين ـ من الحنفية ـ بأن تصريح الصحابي بأن هذا رأيه يحول دون قبوله على أنه سماع.

وإذا كان قولهم لا مدخل للرأي فيه فيترجح فيه الرواية والسماع، وصارت فتواهم كروايتهم، ولا يحمل قولهم على الكذب أو الباطل، لأنه يعد حكماً بفسقهم مما يبطل روايتهم، ويستحيل ذلك لما فيه من إبطال الشرع مع بُعد الظن بمجازفتهم في القول أو عدم دقتهم، وقد ظهر من عادتهم عند الفتيا الإفتاء دون رواية للنص الذي لديهم، إذ يكون الإفتاء منهم موافقاً للنص الذي لديهم فصارت فتواهم كخبر الواحد.

اعترض: بأنه لو وُجد النقل معه لرواه، لأنهم مأمورون بالتبليغ لقولهr: "من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار"، فلما لم يرووا كان اجتهادهم رأياً خاصاً فلا يكون حجة على غيرهم من المجتهدين.

إن قياس الصحابة ورأيهم لما يقترن به من احتمال التوقيف والسماع أولى من قياسنا ورأينا، فصار اجتهادهم بمنزلة خبر الواحد فيقدم على القياس.

ومن ذهب إلى حجية قول الخلفاء الأربعة أو الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم فذلك لورود النص "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" فيعد لقولهم مزية على أهل الفتوى والعلم، وكذلك لحديث: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر". فيُراد شدة التمسك والملازمة لسنتهم واجتهادهم.

اعترض: بأن هذا يدل على الاهتداء لا لزوم الاتباع، ولو عني الوجوب بـ"عليكم…" و"اقتدوا…" لحرُم على عامة الصحابة الاجتهاد والواقع خلافه، كما أنه يُراد بهذه الأحاديث لزوم الاقتداء في الرواية.

أدلة غير المحتجين بمذهب الصحابي:

إن الأدلة العامة من القرآن والسنة الآمرة بالاجتهاد لا تفرق بين صحابي وتابعي وغيرهما، فيكون الجميع داخلاً تحت الأدلة دونما تفريق.

من القرآن الكريم:

قال الله تعالى: }فَإِن تَنَازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُولِ{ [النساء 59]. وهو أمر بردِّ المتنازع فيه إلى الله ورسوله من دون ذكر الصحابي، فالرد إليه ترك للواجب.

اعترض بأن مذهب الصحابي حجة يُرجع إليها إذا لم يكن حكم الواقعة في الكتاب أو السنة.

وقال تعالى: }أطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الْرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرَ مِنكُمْ{ [النساء 59] وأولو الأمر على قول العلماء يشمل الصحابة وغيرهم.

وقال تعالى: }فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ{ [الحشر 2] وهو أمر عام بالاعتبار للصحابة وغيرهم.

ومن السنة: حديث معاذt الذي قال فيه: "أجتهد رأيي ولا آلو" فهو صريح في اللجوء إلى الرأي والاجتهاد بعد الكتاب والسنة، وهو عام في كل مجتهد.

وحديث: "نَضَّرَ الله امرأً سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".

وهو تصريح بأنه يمكن للغائب المنقول إليه الحديث؛ الاجتهادُ والفقه في الدين، فهو أفضل من بعضِ الصحابة؛ إذ ليس كل الصحابة مجتهدين.

وكذلك أحاديث: "اقتدوا باللذين من بعدي…" و"عليكم بسنتي…" و"خير الناس قرني…" فإنها مثبتة للاجتهاد، وهو كائن من الجميع، ويراد التزام طريقتهم وسلوكها في الاجتهاد عند عدم النص.

وإثبات الخيرية للصحابة لا يقتضي إلزام المجتهدين عامة بأقوالهم، ولا يعد الاجتهاد وفق الأدلة النصية تعرضاً للصحابة؛ للأمر في الأدلة بالاجتهاد من أهله في كل عصر.

وقد أجمعت الصحابة على جواز مخالفة بعضهم للآخر، ولو كان مذهب أحدهم حجة لوجب على كل واحدٍ اتباع الآخر، وهو محال.

ومن أقوال الصحابة:

وإن أقوالاً للصحابة وأعمالهم تدل على عدم الإلزام باتباع مذاهب الصحابة.

قال عمر لشريح القاضي: "فإن لم تجد في السنة فاجتهد رأيك". فقد أمر شريحاً بالعودة إلى الاجتهاد من دون مذهب الصحابة أو رأيه بعد السنة.

وسئل ابن عمر عن فريضة فقال: "سلوا سعيد بن جبير فإنه أعلم بها مني".

وسئل أنس عن مسألة فقال: "سلوا مولانا الحسن".

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: تذاكرت أنا وابن عباس وأبو هريرة عدة الحامل المتوفى عنها زوجها فقال ابن عباس: آخر الأجلين، وقلت أنا: عدتها أن تضع حملها فقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي".

وسئل عمر عن مسألة فأجاب فقال رجل: هو الصواب، فقال عمر: "والله ما يدري عمر أن هذا هو الصواب أو الخطأ ولكني لم آل عن الحق".

وهذا يثبت احتمال وجود الخطأ فلا يترك الاجتهاد لأجله.

وقال ابن مسعود في المفوَّضة: "وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان".

مما يعني احتمال الخطأ في فتواهم.

وقال زيد بن ثابت: "ليس رأيي حق على المسلمين".

ومن المعقول:

إن الله تعالى أمر بالأدلة العامة باتّباع الأدلة والاجتهاد فيها فلا يجب على المجتهد تقليد غيره إلا العامة، فيجب تقليدهم للمجتهد لعدم معرفتهم بأدلة الأحكام، وأما المجتهد فلا يجب عليه تقليد الصحابة إذا ظهرت الأدلة لديه لجواز الاجتهاد من المفضول مع الفاضل فيصح اجتهاد عامة الصحابة مقابل الشيخين، فكذلك التابعون المجتهدون لتمكنهم من تحصيل الحكم وفق شروطه.

وكذلك إن لم تثبت عصمتهم فيجوز عليهم الخطأ ولا يكون قول واحد منهم حجة ملزمة لغيره، ولا تتصور عصمتهم مع جواز اختلافهم، إذ لا يختلف المعصومون.

وإن الصحابة قد اتفقوا على جواز تخطئة بعضهم الآخر وانتقال بعضهم عن قوله إلى قول غيره مما يدل على أنهم يخطئون ويصيبون، فلا يلزم اتباع قولهم؛ لأن العبرة لأهلية الاجتهاد في الاجتهاد، فكما يجوز للصحابي مخالفة غيره من الصحابة كذلك يجوز لغيرهم مخالفتهم من التابعين وسواهم.

وإن انشغال الصحابة بنشر الدين والعلم والدفاع عن دينهم وانصرافهم عن تفريع الفروع وتدوينها صرف الناس عن تقليدهم، ولم تعرف لهم مذاهب تخصهم لتتبع كما جرى لتلامذتهم.

وإن جعل رأي الغير ملزماً على المرء ليس لأحد إلا للرسولr؛ إذ إن التابعي متمكن من الاجتهاد، فلا يجوز له التقليد.

اعترض: بأن مذهب اتباع الصحابي لا يعد تقليداً، وهو محل النزاع.

وإن كثيراً من الأعراب قد رأوا الرسولr وليس لهم الفتيا فلا يحتج بالصحبة والمشاهدة على صحة الاجتهاد، فكما يجوز للتابعي وسواهُ غير المشاهد الاجتهاد تجوز مخالفته للصحابي.

والحجة في اتباع ما اتفق عليه الصحابة في كونه إجماعاً، فيثبت بأدلة الإجماع ذاتها، وكذلك ما اشتهر ولم يخالف فيه أحد، وذلك لكثرة المجتهدين منهم، واشتهار النقل عنهم وكثرته، فلما لم ينقل دل على قبولهم له واستقراره من دون مخالفة أو إنكار مع رجوع الناس إليهم.

ويعد ما قاله الصحابي مما يخالف القياس (أي لا يقال بالاجتهاد والرأي) توقيفاً، له حكم الرواية أو النقل أو الحديث، وهو معنى التوقيف فيه عن نقلٍ عن رسول اللهr.

ولو كان قول الواحد منهم حجة لما جازت مخالفته من غيره مع كثرة ذلك، مما يعني اتفاقهم على جواز الاجتهاد من غيرهم والمخالفة لهم مقابل أقوالهم، ولو كانت حجة على التابعين مع اختلافها لأدى إلى وجوب اتباع الحجج المختلفة المتناقضة، ولا مرجح لاتباع بعضها على بعضها الآخر.

اعترض: بأن اختلاف مذاهبهم لا يخرجها عن كونها حجة، ثم يُصار فيها إلى الترجيح.

ولو كان قول الواحد منهم حجة؛ لدعا الناس إلى قوله لأن الدعاء إلى الحجة واجب، ولم يكن.

وإن ظهور الاختلاف يرجح الظن بأنه لا سماع في هذه الآراء والأقوال، فينقطع احتمال التوقيف على السماع من صاحب الوحي، وبقي القول بالرأي، والرأي لا ينسخ الرأي، فوجب العمل بالراجح.

وإن مذهب الصحابي رأي اجتهادي محتمل للخطأ فلا يقدَّم على القياس ولا يحتج به على التابعي، كما أن مذهب التابعي لا يقدم على القياس.

اعترض: بأن جواز الخطأ لا يمنع تقديمه على القياس، كخبر الواحد يقدم على القياس مع الاحتمال، وامتناع تقديم مذهب التابعي على القياس لا يعني امتناعه في حق الصحابي، للفرق بينهما.

ويعد قول الصحابي المخالف للقياس حجة؛ لأن مخالفة الصحابي للقياس لا تجوز إلا لدليل نقلي يوجبه، فلما خالفه، دل على أنه لسماعه من رسول اللهr خالفه؛ لأن التحكم في دين الله تعالى بمخالفة القياس باطل.

قال ابن السمعاني: ويجب على الصحابي الاقتداء بالصحابي المخالف للقياس.

وهذا داخل فيما لا يقال بالاجتهاد.

اعترض بأن هذا إقرار بعدم حجية مذهب الصحابي وأن العبرة للخبر، وإنما أعمل الصحابة الخبر الصريح دون الموهوم، ولو قال رأيه عن نص قاطع لذكره.

خلاصة القول: أن ما يقوله الصحابة اتفاقاً يكون إجماعاً، وما يشتهر يشبهه، وما لا يقال قياساً يحمل على التوقيف، فبقي ما اختلف فيه فأقول:

إن مذهب الصحابي حجة لا ريب فيها، فيتخيّر المجتهد من مذاهبهم إلا إن عارض ذلك دليل مخالف لا تسع مخالفته.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ الإمام الشافعي، الرسالة، تحقيق أحمد شاكر (دار التراث).

ـ السبكي وابن السبكي، الإبهاج (مكتبة الكليات الأزهرية).

ـ مصطفى ديب البغا،، أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي (دار القلم).

ـ الباجي، إحكام الفصول (مؤسسة الرسالة).

ـ الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام (دار الفكر).

ـ السرخسي، أصول السرخسي (دار المعرفة).

ـ الزركشي، البحر المحيط (وزارة الأوقاف، الكويت).

ـ ابن الحاجب، شرح مختصر المنتهى (مكتبة الكليات الأزهرية).

ـ الجصاص، الفصول في الأصول (وزارة الأوقاف، الكويت).

ـ ابن نظام الدين، فواتح الرحموت (دار صادر).

ـ ابن السمعاني، قواطع الأدلة (دار الكتب العلمية).

ـ الرازي، المحصول (دار الكتب العلمية).

ـ الغزالي، المستصفى (دار صادر).

ـ ابن بدران، نزهة الخاطر العاطر (مكتبة الكليات الأزهرية).


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام
رقم الصفحة ضمن المجلد : 56
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1050
الكل : 58481647
اليوم : 54161