logo

logo

logo

logo

logo

العقوبة

عقوبه

punishment - punition

 الْعُقُوبَة

الْعُقُوبَة

أحمد العمر

تعريف العقوبة وخصائصها تشديد العقوبة
تصنيف العقوبات وأنواعها في التشريع السوري تعليق العقوبة
تخفيف العقوبة سقوط العقوبة
 

أولاًـ تعريف العقوبة وخصائصها:

1ـ تعريف العقوبة: تعرف العقوبة The punishment بأنها جزاء جنائي يتضمن إيلاماً مقصوداً يقرره المشرع ويوقعه القاضي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة.

فالعقوبة جزاء يرتبط بارتكاب فعل جرمه القانون، ومن دون هذا الارتباط تصبح العقوبة مجرد إجراء تعسفي، ووسيلة ظلم، هدفها التنكيل بشخص بريء لا جرم له، وهذا ينافي مقتضيات العدالة وروحها. وفرض العقوبة جزاءً لجريمة يصبغها بطابع جنائي، يميزها من جزاءات أخرى ليس لها هذا الطابع، كالتعويض المدني والجزاء التأديبي، كما يصبغها بطابع اجتماعي أيضاً، لأنها مقررة لمصلحة المجتمع من أجل ضمان أمنه واستقراره، وحماية المجرم من النوازع الإجرامية الموجودة في داخله. وبناء على ذلك فالمجتمع هو صاحب الحق في العقاب، وهو وحده دون سواه الذي يملك التنازل. والعقوبة جزاء يتضمن إيلاماً، يتمثل في حرمان من توقع عليه من حق من حقوقه، بصورة كلية أو جزئية، أو بفرض قيود حين استعماله حقه، لا تفرض على سواه. وإيلام العقوبة قد يتخذ صورة الإيلام البدني، كعقوبة الإعدام التي تمس حق الحياة، أو صورة الإيلام المعنوي أو النفسي، كعقوبة نشر الحكم أو إلصاقه، التي تمس المحكوم عليه في سمعته واعتباره، وقد يكون الإيلام مادياً كالعقوبات المالية مثل الغرامة التي تمس حق الملكية.

وإيلام العقوبة مقصود، يريد به المشرع إحداث الألم لدى المحكوم عليه، لا بهدف التنكيل بالمجرم والتشفي فيه، وإنما لتحقيق أغراض العقوبة الاجتماعية، ولاسيما إصلاح المجرم وعلاجه.

2ـ خصائص وصفات العقوبة: تتسم العقوبة بعدد من الخصائص والصفات النابعة من ذاتيتها، والمميزة لها من غيرها من الجزاءات. وتمثل هذه الصفات نوعاً من الضمانات التي يجب التقيد بها عند وضع الأنظمة العقابية. وأهم خصائص وصفات العقوبة هي:

أ ـ العقوبة قانونية: وتعني أنه لا يجوز أن تفرض عقوبة على جرم ما لم يرد نص قانوني من المشرع في وقت سابق على ارتكابه، يحدد نوعها ومقدارها.

ويعبر عن هذه الصفة مبدأ «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني» الذي ورد في (المادة 29 من دستور الجمهورية العربية السورية). وتكفل هذه الصفة حقوق الأفراد وحرياتهم من الظلم والاستبداد الذي ينجم عن تعسف القاضي في حال ترك أمر تقرير العقوبة لهواه وتحكمه.

ب ـ العقوبة قضائية: ومعنى هذه الصفة أن يكون توقيع العقوبة في يد السلطة القضائية التي تختص بفرض العقوبة القانونية المقتضاة. فالقاضي، بما له من علم بالقانون وخبرة في العمل القضائي، وما يتمتع به من استقلال وحياد ترتبط به النزاهة، هو الشخص الوحيد الذي يوثق في حرصه على حقوق وحريات الأفراد، وابتعاده عن الأهواء السياسية والتسلط الإداري.

وهذه الصفة تعد من أهم الضمانات التي تصحب نظام العقوبات في مواجهة تحكم السلطة التنفيذية واستبدادها، والتي يمكن استخلاصها من نص الفقرة الأولى من (المادة 28 من الدستور) التي جاء فيها أن: «كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم».

ج ـ العقوبة شخصية: يراد بها أن العقوبة لا توقع إلا على الشخص الذي ارتكب الجريمة أو أسهم فيها، فلا يجوز أن تمتد إلى غيره ممن تربطهم به قرابة وثيقة أو صداقة متينة. وقد يحدث أحياناً أن يمتد إيلام وآثار العقوبة إلى غير المجرم، من ذويه ودائنيه، ولكن ذلك لا يخل بشخصية العقوبة، ما دامت قد حدثت بصورة تبعية، وأنها آثار غير مباشرة لها وغير مقصودة لذاتها بتدخل المشرع بتوقيع العقاب، من ذلك مثلاً أن سجن المجرم أو إعدامه قد يورث بنيه وزوجته حسرة ولوعة، وقد يفقدهم مورد رزقهم، وكذلك الحكم بالغرامة على المجرم قد يؤثر في حقوق دائنيه، فهذه الآثار لا يمكن اجتنابها إلا بإعفاء المجرم من العقوبة، وهذا أمر غير مقبول ولا معقول.

وإذا توفي المجرم بعد الحكم عليه بالعقوبة، سواء قبل تنفيذها أو في أثنائه استحال تنفيذ العقوبة فيه، ولا يجوز أن تنفذ في أحد ورثته.

د ـ العقوبة تخضع لمبدأ المساواة: وهو أن تكون العقوبة واحدة لجميع مرتكبيها، من دون تفرقة بينهم تبعاً لتفاوت مراكزهم وصفاتهم في الهيئة الاجتماعية. ولكن هذه المساواة لا تعني أن يحكم القاضي بعقوبة واحدة، نوعاً ومقداراً، على كل من يرتكب الجريمة ذاتها، لأن المجرمين متفاوتون من حيث السن والحالة الصحية والجنس، وقد تختلف ظروف ارتكابهم الجريمة ودرجة مسؤولية كل منهم ومدى خطورته الإجرامية، مما يعني أن درجة إحساس كل منهم بألم العقوبة تختلف حتماً عن درجة إحساس غيره. وبناء على ما تقدم فالمساواة لا تتحقق بإخضاع جميع الجناة لعقوبة واحدة، على الرغم مما بينهم من اختلاف وتفاوت. لذلك كثيراً ما يترك المشرع الجزائي للقاضي سلطة تقديرية في تحديد نوع ومقدار العقوبة التي يرى أنها تتناسب مع كل مجرم تبعاً لحالته الخاصة ولظروف الفعل الجرمي الذي ارتكبه، وهذا ما يسمى بنظرية تفريد العقوبة، التي تتحقق، بواسطتها، المساواة في العقوبة من جهة والوصول إلى عقوبة عادلة من جهة أخرى.

ثانياًـ تصنيف العقوبات وأنواعها في التشريع السوري:

1ـ تصنيف العقوبات: تتعدد العقوبات التي تعرفها التشريعات الجزائية. وثمة أربعة معايير لتصنيف العقوبات، تعد الأكثر شيوعاً وموضع اتفاق الفقه العقابي، وهي: جسامة العقوبة والحق الذي تصيبه ومدتها وعلاقتها بغيرها.

أ ـ تصنيف العقوبات تبعاً لجسامتها: أساس هذا التصنيف هو تفاوت العقوبات في جسامتها. وبناء على هذا المعيار تصنف العقوبات في ثلاثة أصناف: جنائية وجنحية وتكديرية.

وقد أخذ المشرع السوري بهذا المعيار في (المواد 37ـ41) من قانون العقوبات. ومن هذه المواد يتبين أن العقوبات الجنائية، مرتبة من حيث جسامتها ترتيباً تنازلياً، هي: الإعدام ـ الأشغال الشاقة المؤبدة ـ الاعتقال المؤبد ـ الأشغال الشاقة المؤقتة ـ الاعتقال المؤقت ـ الإقامة الجبرية ـ التجريد المدني. والعقوبات الجنحية، مرتبةً من حيث أشدها جسامة إلى أقلها، هي: الحبس مع التشغيل ـ الحبس البسيط ـ الإقامة الجبرية ـ الغرامة (المادتان 39ـ40). أما العقوبات التكديرية فهي عقوبتا الحبس التكديري والغرامة (المادة41).

وتظهر أهمية هذا التقسيم في أنه يتخذ أساساً لتصنيف الجرائم بحسب جسامتها إلى جنايات وجنح ومخالفات. فهذه الأنواع الثلاثة للجرائم تختلف فيما بينها تبعاً لما يقرره لها القانون من عقوبات جنائية أو جنحية أو تكديرية على التوالي.

وإذا كانت بعض العقوبات تنتمي إلى أكثر من نوع واحد، كالإقامة الجبرية والحبس البسيط والغرامة، فإنها تتباين في الحد الأدنى والحد الأقصى لكل منها.

ب ـ تصنيف العقوبات تبعاً للحق الذي تمس به: أساس هذا التصنيف هو اختلاف الحقوق التي تصيبها العقوبة المحكوم بها. وبناء عليه تصنف العقوبات في عقوبات بدنية تصيب المحكوم عليه في بدنه، وتمس حقه في سلامة جسده أو في حياته، كالجلد وقطع الأعضاء والضرب والإعدام، وعقوبات ماسة بالحرية تصيب المحكوم عليه في حريته في التنقل، فتسلبه حريته، كعقوبات الأشغال الشاقة والاعتقال والحبس، أو تقيدها فقط، كعقوبة الإقامة الجبرية، وعقوبات ماسة بالحقوق تتضمن حرمان المحكوم عليه من ممارسة بعض الحقوق أو التمتع بمزاياها، كعقوبات التجريد المدني والمنع من ممارسة بعض الحقوق المدنية، وعقوبات ماسة بالشرف والاعتبار تصيب المحكوم عليه في سمعته وقدره في المجتمع، بأن تشهر به وتنقص من قدره بين الناس، كعقوبتي نشر الحكم وإلصاقه. وأخيراً عقوبات مالية تصيب المحكوم عليه في ذمته المالية وتنقص من ثروته، كالغرامة والمصادرة.

ج ـ تصنيف العقوبات تبعاً إلى مدتها: أساس هذا التصنيف هو المدة التي يستغرقها تنفيذ العقوبة، وبناءً على هذا الأساس تصنف العقوبات في عقوبات مؤبدة يستغرق تنفيذها بقية حياة المحكوم عليه، ومثالها عقوبتا الأشغال الشاقة المؤبدة والاعتقال المؤبد، وعقوبات مؤقتة يستغرق تنفيذها فترة محددة من حياة المحكوم عليه، كالأشغال الشاقة المؤقتة والاعتقال المؤقت والحبس.

ويخرج من نطاق هذا التقسيم العقوبات التي لا يتصور أن يكون تنفيذها مؤقتاً أو مؤبداً، كعقوبة الإعدام والغرامة والمصادرة.

د ـ تصنيف العقوبات وفقاً لعلاقتها فيما بينها (أو الرابطة بينها): أساس هذا التصنيف هو اختلاف العقوبات في أهميتها كجزاء قائم بذاته. وبناء عليه تصنف العقوبات في عقوبات أصلية، وهي الجزاء الأصلي والأساسي للجريمة، ويمكن القضاء بها وحدها، من دون أن يعلق ذلك على الحكم بعقوبة أخرى، ولا يجوز تنفيذها في المحكوم عليه ما لم ينطق بها القاضي ويبين نوعها ومقدارها، كالإعدام والأشغال الشاقة والاعتقال والإقامة الجبرية والحبس والغرامة، وعقوبات فرعية، وهي جزاء ثانوي للجريمة، يقررها القانون، كأثر للحكم بالعقوبة الأصلية، من دون حاجة إلى النص عليها في قرار الحكم، كعقوبة التجريد المدني في حالة الحكم بعقوبة الأشغال الشاقة بنوعيها والاعتقال بنوعيه والإقامة الجبرية في الجنايات، وكعقوبة الحرمان من ممارسة بعض الحقوق المدنية في حالة الحكم بالحبس أو بالإقامة الجبرية في الجنح، وعقوبات إضافية، وهي أيضاً جزاء ثانوي نص عليه المشرع للجريمة، وتلحق بالعقوبة الأصلية لتكمل معنى الجزاء المقابل للجريمة، ولكنها لا تنفذ ما لم ينطق بها القاضي، ويحدد نوعها ومدتها أو مقدارها، كنشر الحكم في الجنايات والجنح، والغرامة في الجنايات، والمصادرة في بعض الأحوال. والأصل أن تكون العقوبة الإضافية جوازية تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة، تقررها متى رأت ضرورتها أو ملاءمتها، وقد تكون أحياناً وجوبية يتحتم على المحكمة الحكم بها، وإلا كان حكمها معيباً ومحلاً للنقض.

وأهمية هذا التصنيف تظهر في التزام القاضي بالنطق بالعقوبة وتحديد نوعها ومقدارها إذا كانت عقوبة أصلية أو إضافية، أما إذا كانت العقوبة فرعية فلا يلتزم القاضي بالنطق بها، وتنفذ ولو لم يرد لها ذكر في قرار الحكم. كما تظهر أهميته في أن العبرة تكون في العقوبة الأصلية، من دون العقوبات الفرعية والإضافية، فيما يخص تحديد القانون الأصلح للمتهم، وتحديد العقوبة الأشد الواجبة التطبيق في بعض حالات تعدد الجرائم، وفي تصنيف الجرائم من حيث جسامتها.

2ـ أنواع العقوبات في قانون العقوبات السوري: تناول المشرع السوري الأحكام الخاصة بالعقوبات في الفصل الأول من الباب الثاني من الكتاب الأول من قانون العقوبات، وذلك في (المواد 43 إلى 69). وقد تبنى في ذلك تصنيفها على أساس العلاقة فيما بينها إلى عقوبات أصلية وفرعية وإضافية، وقسم أيضاً العقوبات الأصلية بالنظر إلى جسامتها إلى عقوبات جنائية وجنحية وتكديرية (المواد 43ـ 62).

والتقسيم الأكثر اتباعاً، في دراسة أحكام العقوبات على تنوعها، هو الذي يراعي فيها المحل أو الموضوع الذي تصيبه، وهو الذي يقسم العقوبات إلى بدنية وماسة بالحرية وماسة بالحقوق وماسة بالاعتبار ومالية.

أ ـ العقوبات البدنية: وهي التي تصيب المحكوم عليه في بدنه، وتمس حقه في الحياة أو في سلامة جسمه. وقد كانت التشريعات القديمة تعرف أنواعاً عديدة من العقوبات البدنية، ثم انحسرت هذه العقوبات في التشريعات الحديثة، إلى أن قصرتها على عقوبة الإعدام، بل إن بعض الدول قد ألغت هذه العقوبة نهائياً من تشريعاتها.

وقد ثار الجدل بين الفقهاء، ولا يزال، حول مشروعية عقوبة الإعدام، فبعضهم ينتقدها ويطالب بإلغائها، وبعضهم الآخر يحبذها ويدافع عنها، ولكل منهم حججه.

وقد انعكس هذا الجدل في العديد من الاتفاقيات الدولية، وظهر أثره في التشريعات العقابية التي ما زالت تقر هذه العقوبة، إذ ضيقت مجال تطبيقها، وحصرته في عدد قليل من الجرائم هي أخطرها، وأحاطت فرضها بالعديد من الضمانات، كما جردت تنفيذها من أي شكل من أشكال التعذيب أو التنكيل.

ومن هذه التشريعات التشريع السوري الذي ضيق نطاق عقوبة الإعدام، وقصره على أشد الجرائم العادية خطورة. وأهم هذه الجرائم ورد في قانون العقوبات، كبعض جرائم أمن الدولة الخارجي، كالخيانة (المواد 263 ـ 266) والتجسس لمصلحة دولة معادية (المواد272ـ 274)، وبعض جرائم أمن الدولة الداخلي كالفتنة إذا وقع الاعتداء (المادة 298) والإرهاب إذا أفضى الفعل إلى موت إنسان (المادة 305)، وكجريمة القتل المقصود إذا ارتكب عمداً، أو على أحد الأصول أو الفروع، أو تمهيداً لجناية أو تنفيذاً لها أو تسهيلاً لفرار المشاركين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب (المادة 535)، وجريمة الحريق المفضي إلى موت إنسان (المادة 577)، وجريمة الاعتداء على سلامة طرق النقل إذا أفضى إلى موت إنسان (المادة 585). وبعضها ورد النص عليه في قانون المخدرات رقم 2 تاريخ 12/4/1993، كجرائم تهريب أو تصنيع المواد المخدرة أو زرع نبات من النباتات المخدرة الممنوع زرعها واستيرادها والواردة في الجدول رقم 4 الملحق بقانون المخدرات (المادة 39).

ونظراً لجسامة عقوبة الإعدام فإن المشرع السوري أوجب في كل من قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية، اتباع عدد من الإجراءات الواجبة عند الحكم بهذه العقوبة، والتي تعد ضمانات تجعل احتمال الوقوع في الخطأ في فرضها أمراً مستبعداً، وتتيح للمحكوم عليه الفرصة لتلمس أسباب العفو أو إبدال العقوبة. ومن هذه الإجراءات أنه عندما يكون الحكم بعقوبة الإعدام صادراً وجاهياً فإن النيابة العامة ملزمة بالطعن فيه أمام محكمة النقض (المادة 340 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وإذا صدقت محكمة النقض الحكم وأصبح مبرماً فلا يجوز تنفيذه إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة (المادة 43 من قانون العقوبات، المادة 454 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وهذه اللجنة تبدي رأيها في وجوب إنفاذ عقوبة الإعدام أو إبدالها بغيرها خلال خمسة أيام على الأكثر (المادة 461 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، وذلك بموجب تقرير ترفعه إلى وزير العدل (المادة 464 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، الذي يحيله إلى رئيس الدولة. ويحق لرئيس الدولة، بما له من سلطة العفو الخاص، أن يقرر إلغاء عقوبة الإعدام وتخفيفها إلى عقوبة أخرى، أو أن يصدق حكم القضاء بتنفيذ عقوبة الإعدام بإصدار مرسوم بهذا الخصوص.

وتنفذ عقوبة الإعدام شنقاً إذا كان المحكوم عليه من المدنيين، ويتم التنفيذ داخل بناء السجن أو في محل آخر يعينه المرسوم القاضي بتنفيذ العقوبة. ويحظر تنفيذ عقوبة الإعدام أيام الجمع والآحاد والأعياد الوطنية أو الدينية. وإذا كانت المحكوم عليها بالإعدام حاملاً فيؤجل تنفيذ الإعدام بها إلى أن تضع حملها (المادة 43 من قانون العقوبات والمادة 454 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ويجب أن يكون تنفيذ حكم الإعدام بحضور الأشخاص الآتي ذكرهم: ـ رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم، وفي حال تعذر حضوره ينوب عنه قاض يختاره الرئيس الأول ـ النائب العام أو أحد معاونيه ـ رئيس المحكمة البدائية التابع لها مكان التنفيذ ـ كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم ـ محامي المحكوم عليه ـ أحد رجال الدين من الطائفة التي ينتمي إليها المحكوم عليه ـ مدير السجن ـ ضابط الشرطة أو قائد الدرك التابع له مكان التنفيذ ـ طبيب السجن أو الطبيب الشرعي في المنطقة (المادة 455 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

وبعد تنفيذ حكم الإعدام تدفن جثة المحكوم عليه بمعرفة السلطة وعلى نفقتها، ما لم ترى تسليمها لذويه. ويتم الدفن في جميع الأحوال من دون أي احتفال. والحكمة من ذلك هي أن الاحتفال يتضمن معنى التكريم للمحكوم عليه، وقد يعد ذلك بمنزلة احتجاج ضمني على الحكم، وهذا يفوت بلا شك الغرض الذي يقصده المشرع من العقاب.

ب ـ العقوبات الماسة بالحرية: وهي نوعان: عقوبات مانعة للحرية يُحْرَم فيها المحكوم عليه من حريته في الحركة والتنقل، مع إلزامه بالإقامة في مكان خاص لا يغادره طوال مدة العقوبة، ويخضع لنظام يومي إلزامي، وهي الأشغال الشاقة والاعتقال والحبس، وعقوبات مقيدة للحرية تقتصر على فرض قيود على حرية المحكوم عليه في التنقل، كعقوبة الإقامة الجبرية.

(1) العقوبات المانعة للحرية: وهي الأشغال الشاقة والاعتقال والحبس.

عقوبة الأشغال الشاقة: وهي عقوبة تُسلب فيها حرية المحكوم عليه، ويُلزم بالقيام بأعمال مجهدة طوال مدة العقوبة المحكوم بها. وهي عقوبة جنائية عادية لا تفرض في الجرائم السياسية. وبالنظر إلى الأحكام التي خصها بها المشرع تعد عقوبة قاسية، وتتسم بدرجة كبيرة من الصرامة والشدة تميزها من سائر العقوباتالأخرى المانعة للحرية. فالمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة يجبرون على القيام بأشغال مجهدة تتناسب وجنسهم وعمرهم، سواء في داخل السجن أو في خارجه (المادة 45 من قانون العقوبات). كما يحبسون في أماكن خاصة مستقلة ومختلفة عن الأماكن التي يحبس فيها المحكوم عليهم بعقوبات أخرى مانعة للحرية (المادة 56 من قانون العقوبات).

وهذه العقوبة نوعان مؤبدة ومؤقتة. فالأشغال الشاقة المؤبدة الأصل فيها أن تستمر طوال حياة المحكوم عليه. ولكن نظراً لقسوة هذه العقوبة، وكونها تتعارض وفكرة الإعداد والتأهيل الاجتماعي، وتفقد المحكوم عليه الأمل في الخروج من المؤسسة العقابية إلى الحياة الاجتماعية مرة ثانية، فقد خففت التشريعات الجزائية، ومنها التشريع السوري، من قسوة هذه العقوبة بإخضاعها لنظام وقف الحكم النافذ، فقد أجاز للمحكمة الإفراج عن المحكوم عليه بعد تنفيذه عشرين سنة، إذا ثبت أنه صلح فعلاً (المادة 172 من قانون العقوبات). أما الأشغال الشاقة المؤقتة فتراوح مدتها بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة، ما لم ينطو القانون على نص خاص بخلاف ذلك (المادة 45 من قانون العقوبات).

والحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة يستتبع بحكم القانون عقوبة فرعية هي التجريد المدني مدى الحياة (المادة 63 من قانون العقوبات). أما الحكم بالأشغال الشاقة المؤقتة فيستتبع حتماً عقوبة التجريد المدني منذ اليوم الذي يصبح فيه الحكم مبرماً حتى انقضاء السنة العاشرة على تنفيذ العقوبة الأصلية (المادة 63 من قانون العقوبات). كما أن كل محكوم عليه بالأشغال الشاقة يكون في خلال تنفيذ عقوبته في حالة الحجر، تنقل ممارسة حقوقه على أملاكه، ما عدا الحقوق الملازمة للشخص، كالزواج والطلاق والإرث، إلى شخص يعين لهذا الغرض وفقاً لأحكام قانون الأحوال الشخصية المتعلقة بتعيين الأوصياء على المحجور عليهم. وكل عمل وإدارة أو تصرف يقوم به المحكوم عليه يعد باطلاً بطلاناً مطلقاً مع الاحتفاظ بحقوق الغير من ذوي النية الحسنة. وهذا الحرمان يحول من دون تسليم المحكوم عليه أياً من أمواله أو عائداتها، عدا ما يسمح به القانون أو نظام السجن. وهذا الحجر مؤقت بمدة تنفيذ العقوبة، إذ بعد أن ينهي المحكوم عليه تنفيذ عقوبته يرفع عنه الحجر، وتعاد إليه أملاكه، وعلى الوصي أن يقدم له حساباً عن مدة وصايته (المادة 50 من قانون العقوبات).

عقوبة الاعتقال: وهي عقوبة تسلب فيها حرية المحكوم عليه، مع إلزامه بالعمل في أحد الأعمال التي تنظمها إدارة السجن حسب اختياره عند البدء في تنفيذ عقوبته. وهي عقوبة جنائية عامة تفرض في الجنايات العادية والسياسية على حد سواء.

وتتفق عقوبة الاعتقال مع عقوبة الأشغال الشاقة في أنها قد تكون مؤبدة أو مؤقتة، وفي أنها توجب حتماً التجريد المدني كعقوبة فرعية، وفي أن المحكوم عليه بالاعتقال، يكون في خلال تنفيذ عقوبته في حالة الحجر القانوني، وذلك كله على النحو المبين في عقوبة الأشغال الشاقة.

ولكن عقوبة الاعتقال تتميز بأحكام خاصة تجعل منها عقوبة أقل وأخف وطأة على المحكوم عليه بالأشغال الشاقة، ويتجلى ذلك في أن المحكوم عليه بالاعتقال يلزم بأعمال أقل مشقة وجهداً من الأعمال التي يلزم بها المحكوم عليه بالأشغال الشاقة. كما أن المحكوم عليه بالاعتقال يشغل في أحد الأعمال التي تنظمها إدارة السجن والذي يختاره هو، وليس للمحكوم عليه بالأشغال الشاقة مثل هذا الاختيار. كما لا يجبر المحكوم عليه بالاعتقال على العمل خارج السجن إلا برضائه، في حين يجبر المحكوم عليه بالأشغال الشاقة على القيام بالعمل المفروض عليه في داخل السجن أو في خارجه. وأخيراً فإن المحكوم عليه بالاعتقال لا يجبر على ارتداء زي السجناء، بعكس المحكوم عليه بالأشغال الشاقة (المواد 44ـ46 من قانون العقوبات).

عقوبة الحبس: وتعني سلب حرية المحكوم عليه ووضعه في مكان معين المدة المحكوم بها عليه. والحبس في القانون السوري ثلاثة أنواع: الحبس مع التشغيل والحبس البسيط والحبس التكديري.

فالحبس مع التشغيل هو عقوبة جنحية عادية فقط، وهو أشد أنواع الحبس، يخضع فيه المحكوم عليه للنظام نفسه الذي يخضع له المحكوم عليه بعقوبة الاعتقال (المادة 51 من قانون العقوبات)، إذ يلزم بالعمل في أحد الأشغال التي تنظمها إدارة السجن، والذي يختاره هو عند البدء في تنفيذ عقوبته، ولا يمكن استخدام المحكوم عليه بالحبس مع التشغيل خارج السجن إلا برضائه، كما لا يجبر على ارتداء زي السجناء. ويجري تنفيذ هذه العقوبة في أماكن مستقلة ومختلفة عن الأماكن التي يحبس فيها المحكوم عليهم بعقوبات أخرى مانعة للحرية (المادة 56 من قانون العقوبات) والحبس البسيط عقوبة جنحية عامة، يحكم به في الجنح العادية والجنح السياسية على السواء. ويوضع المحكوم عليهم بالحبس البسيط في أماكن خاصة ومستقلة عن غيرهم من المحكوم عليهم بعقوبات مانعة للحرية (المادة 56 من قانون العقوبات) ولا يلزم المحكوم عليهم بالحبس البسيط بالعمل.

وعلى الرغم من الاختلاف السابق بين نوعي الحبس البسيط والحبس مع التشغيل، فإنهما يتفقان في المدة، إذ تراوح بين عشرة أيام وثلاث سنوات، ما لم يقض القانون في نص خاص بغير ذلك (المادة 51 من قانون العقوبات)، وفي أن الحكم بأي منهما يستتبع حتماً عقوبة فرعية هي الحرمان من الحقوق المدنية التي نصت عليها (المادة 65 من قانون العقوبات)، طوال المدة التي يستغرقها تنفيذ العقوبة الأصلية. ويتفقان كذلك في الحكم الذي تقرره (المادة 58 من قانون العقوبات)، وهو أن كل محكوم عليه بعقوبة مانعة للحرية تبلغ ثلاثة أشهر على الأقل تحسن معاملته داخل السجن بقدر صلاحه. ويشمل هذا التحسين الطعام، ونوع الشغل، وعدد ساعاته، ولزوم الصمت، والتنزه، والزيارات، والمراسلة.

ولاعتبارات إنسانية يوجب المشرع تأجيل تنفيذ عقوبة الحبس بالمرأة الحامل غير الموقوفة إلى ما بعد وضع حملها بستة أسابيع. وفي حال قضى بهذه العقوبة على زوج وزوجته لمدة تنقص عن السنة، ولا يكونان موقوفين، وكان لهما ولد دون الثامنة عشرة من عمره، وأثبتا أن لهما محلاً معروفاً للإقامة، فإن عقوبة الحبس تنفذ في الزوجين على التتالي، بحيث يؤجل تنفيذ العقوبة بأحدهما حتى يفرج عن الآخر.

أما الحبس التكديري فهو عقوبة يقضى بها على مرتكبي المخالفات (المادة 45 من قانون العقوبات)، وينفذ في المحكوم عليهم في أماكن مختلفة عن الأماكن المخصصة للمحكوم عليهم بعقوبات جنائية أو جنحية (المادة 60/2 من قانون العقوبات)، ولا يجبرون على العمل. ومدة الحبس التكديري تراوح بين يوم واحد وعشرة أيام (المادة 60/1 من قانون العقوبات).

(2) العقوبات المقيدة للحرية: وهي التي تتضمن فرض قيود على حرية المحكوم عليه، وذلك بحرمانه من ارتياد أماكن معينة، أو إلزامه بالإقامة في مكان محدد، وفرض قيود وإجراءات يتعين عليه مراعاتها والتقيد بها.

وليس في القانون السوري سوى عقوبة وحيدة مقيدة للحرية هي عقوبة الإقامة الجبرية، التي تعني إلزام المحكوم عليه بالإقامة في مكان معين يحدده القاضي من بين أماكن محددة بمرسوم. ولكن حرية القاضي في اختيار المقام المعين للإقامة مقيدة بأنه لا يمكن في حال من الأحوال، أن يكون في مكان كان للمحكوم عليه محل إقامة فيه أو سكن، أو في المكان الذي اقترفت فيه الجريمة، أو في محل سكنى المجني عليه أو أنسبائه أو أصهاره حتى الدرجة الرابعة (المادة 48/1 من قانون العقوبات). وواضح أن علة هذا القيد تكمن في إبعاد المحكوم عليه عن أماكن قد تتوافر فيها ظروف من شأنها إغراؤه بارتكاب الجريمة، وكذلك في منع المحكوم عليه من الإقامة في مكان سكنه، وأخيراً منع إقامته في مكان سكن المجني عليه أو أحد أقربائه حتى الدرجة الرابعة، وذلك احتراماً للمجني عليه وأقربائه في عدم جرح مشاعرهم بوجود الجاني أو المعتدي بينهم في المكان نفسه، ومنعاً لوقوع جريمة على المحكوم عليه ذاته من المجني عليه أو من أحد أقربائه.

والإقامة الجبرية عقوبة أصلية سياسية، إذ إنها مقررة للجرائم السياسية فقط، ولا يجوز فرضها في الجرائم العادية. وهي مؤقتة دائماً، قد تكون جنائية تراوح مدتها بين حد أدنى ثلاث سنوات وحد أعلى خمس عشرة سنة، ما لم ينطو القانون على نص خاص (المادة 44 من قانون العقوبات)، وقد تكون جنحية تراوح مدتها بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات (المادة 52 من قانون العقوبات).

وإذا غادر المحكوم عليه، لأي مدة كانت، المكان المعين له حولت عقوبة الإقامة الجبرية الجنائية إلى الاعتقال، وعقوبة الإقامة الجبرية الجنحية إلى الحبس البسيط، لمدة لا تتجاوز المدة المتبقية من العقوبة (المادة 48/2 والمادة 52/2من قانون العقوبات على التوالي).

والحكم بعقوبة الإقامة الجبرية في الجناية يوجب حتماً عقوبة فرعية هي التجريد المدني، الذي يبدأ منذ اليوم الذي يصبح فيه الحكم مبرماً ويستمر حتى انقضاء السنة العاشرة على تنفيذ العقوبة الأصلية. أما الحكم بعقوبة الإقامة الجبرية في الجنحة فيوجب عقوبة فرعية هي الحرمان من ممارسة الحقوق المدنية المنصوص عليها في (المادة 65 من قانون العقوبات) طوال مدة تنفيذ عقوبته الأصلية (المادة 63/2 والمادة 65 من قانون العقوبات على التوالي).

ج ـ العقوبات المانعة من الحقوق: وهي التي تتضمن حرمان المحكوم عليه من بعض حقوقه أو التمتع بمزاياه، وهي التجريد المدني والحرمان من بعض الحقوق المدنية.

(1) التجريد المدني: وهو عقوبة توجب حرمان المحكوم عليه من بعض حقوقه السياسية والمدنية. وقد حددت هذه الحقوق (المادة 49 من قانون العقوبات) وهي:

ـ العزل والإقصاء عن جميع الوظائف والخدمات العامة، والحرمان من كل معاش تجريه الدولة.

ـ العزل والإقصاء عن جميع الوظائف والخدمات العامة في إدارة الطائفة أو النقابة التي ينتمي إليها المحكوم عليه، والحرمان من كل معاش أو مرتب تجريه هذه الطائفة أو النقابة.

ـ الحرمان من حقه في أن يكون صاحب امتياز أو التزام من الدولة.

ـ الحرمان من حقه في أن يكون ناخباً أو منتخباً، ومن سائر الحقوق المدنية والسياسية والطائفية والنقابية.

ـ عدم الأهلية لأن يكون مالكاً أو ناشراً أو محرراً لجريدة أو لأية نشرة موقوتة أخرى.

ـ الحرمان من حق تولي مدرسة وأية مهمة في التعليم العام والخاص.

ـ الحرمان من حق حمل الأوسمة والألقاب الفخرية السورية والأجنبية.

والحقوق التي يشملها الحرمان ورد تحديدها على سبيل الحصر، فليس للقاضي أن يضيف إليها حرماناً من حقوق أخرى، كما أنها غير متجزئة، فليس للقاضي أن يعفي المحكوم عليه من إحداها.

والتجريد المدني قد يكون عقوبة أصلية أو فرعية. وهو ـ بوصفه عقوبةً أصليةً ـ من العقوبات الجنائية السياسية، فلا يفرض في الجرائم العادية، وهو مؤقت تراوح مدته، إذا لم ينطو القانون على نص خاص، بين حد أدنى ثلاث سنوات وحد أعلى خمس عشرة سنة (المادة 44 من قانون العقوبات). وللمحكمة عند الحكم بالتجريد المدني كعقوبة أصلية أن تلحق به عقوبة إضافية هي الحبس لمدة من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وإذا كان المحكوم عليه أجنبياً تحتم الحكم بالحبس. أما التجريد المدني كعقوبة فرعية فهو يلازم حتماً العقوبات الجنائية، من أشغال شاقة واعتقال وإقامة جبرية في الجنايات. فإذا كان الحكم بالأشغال الشاقة مؤبداً، أو بالاعتقال المؤبد، كان التجريد المدني مدى الحياة، وإذا كان الحكم بالأشغال الشاقة المؤقتة أو بالاعتقال المؤقت أو بالإقامة الجبرية، في الجنايات، كان التجريد المدني مؤقتاً، ينفذ منذ اليوم الذي يكتسب فيه الحكم الدرجة القطعية، ويستمر حتى انقضاء السنة العاشرة على تنفيذ العقوبة الأصلية (المادة 63 من قانون العقوبات).

وعقوبة التجريد المدني انتقدت من ناحية أولى أنها غير عادلة ولا تحقق خاصية المساواة التي يجب أن تتصف بها العقوبات، لأن بعض المحكوم عليهم بها، كالأمي، لا تشمله جميع حالات الحرمان التي تضمنتها هذه العقوبة، فهو لا يطمح إلى النيابة، ولا إلى امتلاك جريدة، ولا إلى وظيفة عامة، ولا يستطيع أن يكون مدرساً، في حين يعيش غيره من دخل الوظيفة أو الكتابة أو غير ذلك من الحقوق التي يرد عليها الحرمان. ومن ناحية ثانية إن حالات الحرمان في التجريد المدني لا تقبل التجزئة، وهذا يجعل هذه العقوبة مستعصية على التفريد القضائي للعقاب، إذ لن يستطيع القاضي أن يختار من بين حالات الحرمان ما يناسب شخصية كل مجرم وظروفه، وإنما هو ملزم بها جميعاً، مهما كان رأيه في الشخص الماثل أمامه.

وهذا ما يبرر دعوة المشرع إلى ضرورة التدخل وإعادة النظر في هذه العقوبة، بحيث يترك للمحكمة سلطة تقديرية في أن تنتقي من حالات الحرمان ما يناسب حالة كل مجرم، وأن تضيف إلى الحرمان خضوع المحكوم عليه لبعض الالتزامات والواجبات التي من شأنها أن تجعل لهذه العقوبة هدفاً تهذيبياً وتأهيلياً، بإعداد المحكوم عليه وتدريبه على الحياة الاجتماعية السليمة.

(2) المنع من الحقوق المدنية: وهو عقوبة فرعية من حيث الأصل، تلازم حتماً الحكم بعقوبة الحبس أو الإقامة الجبرية في الجنح. وقد حددت (المادة 65 من قانون العقوبات) الحقوق المدنية التي يحرم منها المحكوم عليه بهذه العقوبة، وهي: الحق في تولي الوظائف والخدمات العامة ـ الحق في تولي الوظائف والخدمات في إدارة شؤون الطائفة المدنية أو إدارة النقابة التي ينتمي إليها ـ الحق في أن يكون ناخباً أو منتخباً في جميع مجالس الدولة ـ الحق في أن يكون ناخباً أو منتخباً في جميع منظمات الطوائف والنقابات ـ الحق في حمل أوسمة سورية أو أجنبية.

وهذه العقوبة مؤقتة بالمدة التي يستغرقها تنفيذ العقوبة الأصلية. وهي تتفق مع التجريد المدني من حيث ماهيتها، في أنها حرمان من بعض الحقوق، وأن حالات الحرمان فيها غير متجزئة. ومع ذلك فإن العقوبتين تختلفان في أن التجريد المدني يتضمن حرماناً من الحقوق يزيد على ما ينطوي عليه المنع من الحقوق المدنية، كما أن التجريد المدني يكون عقوبة أصلية أحياناً، في حين أن المنع من الحقوق المدنية لا يكون عقوبة أصلية أبداً، والتجريد المدني مؤبد أحياناً، أما المنع من الحقوق المدنية فهو مؤقت دائماً.

ونص المشرع السوري في (المادة 65 من قانون العقوبات) على أنه يمكن في الحالات الخاصة التي يعينها القانون أن يُحكم مع كل عقوبة جنحية بالمنع من ممارسة حق أو أكثر من الحقوق المذكورة في المادة السابقة. وفي هذه الأحوال تكون عقوبة المنع إضافية، وهو ما صرح به المشرع نفسه في (المادة 114/2 من قانون العقوبات) بقوله: «إن المنع من بعض الحقوق المدنية الذي يقضى به على وجه إضافي وفاقاً للمادة الـ66 …». ويحق للمحكمة هنا التصرف بحالات الحرمان، بأن تقصرها على حق واحد أو أكثر. ومدة المنع في هذه الحالات تراوح بين سنة وعشر سنوات (المادة 66/2 من قانون العقوبات)، تبدأ منذ انقضاء مدة العقوبة الأصلية المانعة للحرية أو المقيدة لها (المادة 114/2 من قانون العقوبات).

د ـ العقوبات الماسة بالاعتبار (النفسية): وهي التي تمس المحكوم عليه في سمعته وقدره، فتنقص من احترامه بين الناس وتشهر به. وهذه العقوبات في التشريع السوري هي إلصاق الحكم ونشره.

(1) إلصاق الحكم: جاءت أحكام هذه العقوبة في (المادة 67 من قانون العقوبات). ويتضح منها أن إلصاق الحكم قد يكون عقوبة فرعية، وذلك في الأحكام التي تقضي بعقوبة جنائية، ومدة الإلصاق شهر واحد، وأماكن اللصق ثلاثة هي باب قاعة محكمة الجنايات التي أصدرت الحكم، وأقرب محلة من مكان ارتكاب الجناية، والمحلة التي كان فيها للمحكوم عليه محل إقامة أو سكن. وقد يكون إلصاق الحكم عقوبة إضافية، وذلك في الأحكام التي تقضي بعقوبة جنحية، ولكن لا يجوز الحكم بها إلا إذا نص القانون على ذلك، كما لا تنفذ إلا إذا نطق بها القاضي في حكمه، ومدة الإلصاق خمسة عشر يوماً، وأماكن الإلصاق ترك المشرع للقاضي تعيينها في قرار حكمه.

وفي جميع الأحوال، وسواء أكان الإلصاق عقوبة فرعية أم إضافية، فإنه لا يجوز أن يلصق من الأحكام إلا خلاصاتها، ويكون ذلك على نفقة المحكوم عليه، وللقاضي الحرية في أن يعين حجم الإعلان وحروف الطبع.

(2) نشر الحكم: جاءت أحكام هذه العقوبة في (المادة 68 من قانون العقوبات). وهي عقوبة إضافية جوازية، سواء قضى الحكم بعقوبة جنائية أو جنحية، ولكن في الحالة الأخيرة، أي إذا كان الحكم صادراً بعقوبة جنحية، فلا يجوز نشره إلا إذا كانت الجريمة من الجنح التي يجيز فيها القانون ذلك بنص خاص. ولا يجوز أن ينشر من الحكم إلا خلاصته، ما لم يرد نص استثنائي يقضي بنشر الحكم برمته. ويكون النشر في جريدة أو جريدتين يعينهما القاضي، غير أنه إذا كانت الجناية أو الجنحة قد اقترفت بواسطة جريدة أو أية نشرة دورية أخرى، جاز للقاضي أن يأمر بنشر إعلان إضافي فيها. ويلزم المحكوم عليه بنفقات نشر الحكم. ولضمان تنفيذ عقوبة نشر الحكم فرض المشرع غرامة تبدأ من مئة ليرة وقد تصل إلى ألف ليرة على المدير المسؤول للصحيفة التي اختيرت لنشر الإعلان، إذا رفض أو أرجأ نشره.

هـ ـ العقوبات المالية: وهي التي تصيب المحكوم عليه في ذمته المالية، وترمي إلى إنقاص ثروته، وهي في قانون العقوبات السوري الغرامة والمصادرة.

(1) الغرامة: لم يرد في قانون العقوبات السوري تعريف للغرامة، لكنها تُعرف فقهاً بأنها إلزام المحكوم عليه بأداء مبلغ من النقود، يحدده الحكم القضائي، إلى خزينة الدولة. وتحتل الغرامة أهمية كبيرة في التشريعات العقابية الحديثة، نتيجة لتقدم الحياة المادية، وازدياد أهمية المال في العصر الحالي في النشاط الاقتصادي وكوسيلة لمواجهة مطالب الحياة.

ومع أن الغرامة التزام مالي، فهي في التشريعات الجزائية عقوبة، لها كل خصائص العقوبات وأحكامها، وهي بذلك تفترق عن أنواع متعددة من الالتزامات المالية، التي ليس لها صفة العقوبة، كالتعويض المدني والغرامة التأديبية.

والغرامة في التشريع السوري إما عقوبة أصلية وإما عقوبة إضافية. وهي كعقوبة أصلية تكون في الجنح العادية والسياسية وفي المخالفات. ومقدار الغرامة في الجنح من مئة ليرة إلى ألف ليرة، ما لم ينص القانون على غير ذلك (المادة 53 من قانون العقوبات)، وفي المخالفات من خمس وعشرين ليرة إلى مئة ليرة (المادة 61 من قانون العقوبات). أما الغرامة كعقوبة إضافية فتكون في بعض الجنايات، وتسمى عندئذ الغرامة الجنائية (المادة 42/3 من قانون العقوبات)، ويتخير منها المشرع الجنايات التي تدفع إلى ارتكابها الرغبة في الكسب أو الإثراء غير المشروع، ويرمي من ذلك إلى حرمان المجرم من الوصول إلى ما سعى إليه أو حصل عليه فعلاً. ويراوح مبلغ الغرامة الجنائية بين خمسين ليرة وثلاثة آلاف ليرة (المادة 64/1 من قانون العقوبات)، ما لم يقض القانون بخلاف ذلك.

ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يقتضي أن يتولى المشرع مسبقاً تحديد مبلغ الغرامة في حديها الأدنى والأعلى ضمن الحدود المشار إليها أعلاه. ولكن المشرع، في بعض الحالات، لا يحدد مقدار الغرامة في حديها بمبلغ معين، بل يتم تحديدها بالنظر إلى ضرر الجريمة أو النفع الذي حققه الجاني فعلاً أو سعى إلى تحقيقه. ويطلق على الغرامة إذا حددت على هذا النحو الغرامة النسبية. ومن أمثلتها في قانون العقوبات الغرامة التي قررها المشرع في جرائم الاختلاس واستثمار الوظيفة، إذ يكون الحد الأدنى للغرامة قيمة ما يجب رده (المادتان 349 و350 من قانون العقوبات)، والغرامة المقررة في جرائم الرشوة، ويكون الحد الأدنى لها ضعفي قيمة ما أخذ أو قبل (المادة 341 من قانون العقوبات)، أو ثلاثة أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل (المادة 342 من قانون العقوبات).

والأصل أن يتم الوفاء بالغرامة اختياراً، فإذا لم يف المحكوم عليه بها في مهلة ثلاثين يوماً تبدأ من تاريخ انبرام الحكم، أجبر على الوفاء عن طريق اللجوء إلى التنفيذ الجبري، إن كان للمحكوم عليه دخل معروف قابل للحجز، فإن لم تكن له أموال يمكن التنفيذ الجبري عليها، إما لأنه قام بإخفائها وإما أنها لا تكفي لتغطية مبلغ الغرامة، أبدلت بها عقوبة مانعة للحرية وفق الأحكام التالية: إذا كانت الغرامة جنحية أبدلت بالحبس البسيط، باعتبار أن يوماً واحداً من الحبس يوازي غرامة تراوح بين خمس ليرات وعشر ليرات، بشرط أن لا تتجاوز مدة الحبس المستبدل سنة واحدة ولا الحد الأقصى لعقوبة الحبس الأصلية المقررة قانوناً للجريمة (المادة 54/2 من قانون العقوبات). وإذا كانت الغرامة تكديرية أبدلت بالحبس البسيط، باعتبار أن يوماً من هذه العقوبة يعادل غرامة من ليرتين إلى خمس ليرات، بشرط أن لا تتجاوز مدة الحبس المستبدل عشرة أيام ولا الحد الأقصى للحبس المنصوص عليه كعقوبة أصلية للجريمة (المادة 62/2 من قانون العقوبات). أما إذا كانت الغرامة جنائية فتبدل بالأشغال الشاقة إذا كانت هي العقوبة الأصلية المحكوم بها، أو إلى الاعتقال إذا كانت العقوبة الأصلية المحكوم بها هي العقوبات الجنائية الأخرى غير الأشغال الشاقة، وذلك باعتبار أن يوماً من الأشغال الشاقة أو الاعتقال يعادل مبلغاً يراوح بين خمس ليرات وعشر ليرات، بشرط أن لا تتجاوز العقوبة المستبدلة، في جميع الأحوال، سنة واحدة (المادة 64 بدلالة المادة 54 من قانون العقوبات).

وكل أداء جزئي يؤديه المحكوم عليه قبل الحبس أو في أثنائه، وكل مبلغ تم تحصيله، يحسم من أصل هذه العقوبة بالنسبة التي حددها الحكم (المادة 54/3 من قانون العقوبات).

وتطبيقاً لما تنص عليه الفقرة الثانية من (المادة 117 من قانون العقوبات) فإنه يجب، قبل إبدال الغرامة بالحبس، أن يحسم من مبلغ الغرامة ما يقابل التوقيف الاحتياطي، وذلك وفقاً للقواعد المقررة في (المواد 54 و62 و64) السالف بيانها.

وعلى أي حال فإن مدة الحبس التي يقضيها المحكوم عليه استبدالاً للغرامة والرسوم والنفقات القضائية تلاشي الدين المحكوم به للخزينة (المادة 450 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

وإذا حبس المحكوم عليه إيفاء للغرامة والرسوم والنفقات القضائية، وأظهر رغبته، وهو في السجن، في أن يفي دينه تجاه الدولة، أمر النائب العام أو من يقوم مقامه بإخراجه من السجن وإحضاره إلى النائب العام لدفع المبالغ المترتبة، بعد حسم ما يوازي منها المدة التي قضاها في الحبس (المادة 451 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

وإذا أدى المحكوم عليه لدى توقيفه المبلغ المطلوب منه بكامله أخلي سبيله في الحال، وأصبح القرار بإبدال الغرامة والرسوم والنفقات القضائية بالحبس لاغياً (المادة 452 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

(2) المصادرة: وهي عقوبة مالية تعني نزع ملكية مال جبراً عن حائزه بغير مقابل، وإضافته إلى ملكية الدولة. والمصادرة نوعان، عامة وخاصة. فالمصادرة العامة هي التي تنصب على جميع أموال المحكوم عليه، المنقولة وغير المنقولة. وهذا النوع من المصادرة نادر في قوانين العقوبات، وتتجه الدساتير والتشريعات الجزائية إلى تحريمه، وقد حظره صراحة الدستور السوري بموجب الفقرة الثانية من (المادة 15) التي جاء فيها أن: «المصادرة العامة في الأموال ممنوعة». أما المصادرة الخاصة فهي التي تنصب على شيء أو أشياء بعينها، ولهذا يسميها قانون العقوبات السوري في (المادة 42/2) بالمصادرة العينية. وقد نصت (المادة 69 من قانون العقوبات) على أحكام هذه العقوبة التي تجمل في الآتي:

المصادرة عقوبة إضافية، الأصل فيها أن تكون جوازية، تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة، وقد تكون أحياناً وجوبية بنص صريح، كما هو الحال في الفقرة الثالثة من (المادة 619 من قانون العقوبات) التي تقضي بأنه تصادر، فضلاً عن الأشياء التي نتجت من الجرم (وهو جرم تولي محل للمقامرة أو تنظيم ألعاب مقامرة ممنوعة في محل عام) أو استعملت أو كانت معدة لارتكابه، الأثاث وسائر الأشياء المنقولة التي فرش المكان وزين بها. وبطبيعة الحال فإن المصادرة كعقوبة إضافية تفترض أن المحكمة قد انتهت إلى الحكم بالإدانة وبعقوبة أصلية، لأنه لا يجوز الحكم بالعقوبات الإضافية مستقلةً.

والأشياء التي تصح مصادرتها هي الأشياء التي نتجت من الجريمة فكانت ثمرة لها، كالهدية أو المنفعة التي حصل عليها المرتشي، وثمن المواد المخدرة المعاقب على الاتجار بها، أو الأشياء التي استعملت في الجريمة، كالسلاح الذي نفذ به القتل، أو أدوات الخلع التي استعملت في السرقة، أو الأشياء التي كانت معدة لاقترافها، وهي الأشياء التي كان من شأنها أن تستعمل في ارتكاب الجريمة، لكن المجرم لم يستطع استعمالها، لوقوف الجريمة عند حد الشروع، أو لتنفيذها بوسيلة أخرى، كالآلات التي أعدها السارق لكسر الخزانة، لكنه لم يتح له استخدامها لأن المجني عليه قاومه وسلمه للشرطة، وكالمسدس الذي أعده القاتل لارتكاب القتل، لكنه نفذ القتل بطعن المجني عليه بسكين.

والأصل أنه لا محل للمصادرة إلا في الجنايات والجنح المقصودة. أما إذا كانت الجريمة جنحة غير مقصودة أو مخالفة فليس للمحكمة الحكم بالمصادرة إلا إذا قرر القانون ذلك بنص صريح.

وفي جميع الأحوال فإن المصادرة لا يجب أن تمس بحقوق الغير ذي النية الحسنة، وهو الشخص الذي لا علاقة له بالجريمة، فلم يسهم فيها بأي صفة، كشريك أو متدخل أو محرض، وأنه لم يكن عالماً بأمر الجريمة أو أن الشيء الذي أصبح له حق عليه هو ناتج من الجريمة أو استعمل فيها أو أعد لاقترافها. فإذا كان لهذا الغير حق على الشيء فلا تجوز مصادرته، بشرط أن يكون من الحقوق العينية، كحق الملكية وحق الرهن وحق الانتفاع. ويجب أن يكون حق الغير قد نشأ في وقت سابق لارتكاب الجريمة، أي إن المصادرة لا تتقيد برعاية حق الغير إذا كان قد اكتسبه بعد ارتكاب الجريمة على الشيء محل المصادرة، كما لو أن شخصاً اشترى السيارة التي حصل عليها المرتشي، والتي قضت المحكمة بمصادرتها.

وإذا لم تكن الأشياء التي ترى المحكمة وجوب مصادرتها قد ضبطت، لقيام المدعى عليه بإتلافها أو إخفائها مثلاً، منح المحكوم عليه مهلة من أجل تسليمها، فإذا لم يسلمها خلال المهلة التي تحددها المحكمة، وجب عليه أداء قيمتها. وقد ترك المشرع للمحكمة مهمة تقدير قيمة الشيء محل المصادرة، وأجاز لها عند الاقتضاء الاستعانة بخبير لتقدير القيمة الواجب أداؤها، وهذه القيمة تحصل بالطريقة المتبعة في تحصيل الغرامة.

ثالثاًـ تخفيف العقوبة:

قد يجد المشرع الجزائي أن العقوبة التي حددها للجريمة، على نحو عام ومجرد بناء على جسامتها والضرر المترتب عليها، أشد مما يجب، ولا تتناسب والظروف الواقعية التي أحاطت بالجاني وقت ارتكاب الجريمة. لذا ينص على أسباب لتخفيف العقوبة، على نحو يجعلها تلائم حالة كل مجرم وظروفه الخاصة. وهذه الأسباب تَُعَرَّف بأنها: حالات يجب فيها على القاضي، أو يجوز له، أن يحكم من أجل الجريمة بعقوبة أخف في نوعها من المقررة لها في القانون، أو النزول بها دون الحد الأدنى الذي وضعه القانون.

وأسباب التخفيف في القانون السوري نوعان: أسباب نص عليها المشرع وحصرها في القانون، وهذه تسمى الأعذار القانونية، وأسباب ترك تحديدها للقاضي استناداً إلى ظروف كل جريمة، وهذه تسمى الظروف المخففة أو الأسباب المخففة.

1ـ الأعذار القانونية: وهي نوعان أعذار محلة وأعذار مخففة.

أ ـ الأعذار المحلة: وهي أسباب نص عليها المشرع في القانون من شأنها أن تعفي المحكوم عليه من العقوبة، على الرغم من توافر جميع أركان الجريمة وشروط المسؤولية عنها. وتمنح الأعذار المحلة لاعتبارات مستمدة من السياسة العقابية، إذ يقدر المشرع أن المصلحة الاجتماعية في الإعفاء من العقوبة ترجح على المصلحة في توقيعها. ومن الحالات التي تظهر فيها هذه المصلحة، وتدعو إلى الإعفاء من العقوبة في قانون العقوبات السوري:

> الكشف عن الجريمة والمشاركين فيها، وذلك في بعض الجرائم الخطيرة التي يصعب كشفها، لارتكابها في الخفاء وتجردها من المظاهر المادية الدالة عليها، فيكافئ المشرع أحد المساهمين في الجريمة بإعفائه من العقوبة مقابل الخدمة التي يسديها للمجتمع بكشف أمر الجريمة أو المشاركين الآخرين فيها، كإعفاء المتآمر على أمن الدولة من العقوبة إذا أخبر السلطة بها قبل البدء بأي فعل مهيئ للتنفيذ (المادة 262/1 من قانون العقوبات)، وإعفاء الراشي والمتدخل من العقوبة إذا باحا بالأمر للسلطات ذات الصلاحية أو اعترفا به قبل إحالة القضية على المحكمة (المادة 344 من قانون العقوبات).

> تشجيع المجرم على عدم الاسترسال في جريمته، أو على الحيلولة دون وقوع الضرر، أو على إصلاحه وإزالته، كالإعفاء المقرر للمجتمعين للشغب إذا انصرفوا قبل إنذار السلطة لهم بالتفرق، أو إذا تفرقوا امتثالاً للإنذار (المادة 337/2 من قانون العقوبات)، وإعفاء شاهد الزور إذا رجع عن شهادته (المادة 399 من قانون العقوبات)، وإعفاء الخاطف أو المغتصب إذا تزوج بمن خطفها أو اغتصبها زواجاً شرعياً (المادة 508 من قانون العقوبات).

> الحفاظ على الروابط العائلية والصلات الأسرية بين ذوي القربى والأصهار، كإعفاء المخفي من العقوبة إذا أخفى عن وجه العدالة أحد أصوله أو فروعه أو زوجه أو أشقائه أو شقيقاته، أو أحد أصهاره من الدرجات نفسها (المادة 221/2 من قانون العقوبات).

والأثر الذي يترتب على توافر العذر المحل هو إعفاء المجرم من كل عقوبة، سواء أكانت أصلية أم فرعية أم إضافية، ولكن ذلك لا يحول دون أن ينزل بالمجرم، فيما لو ثبت أن شخصيته ذات خطورة إجرامية، تدابير الإصلاح وتدابير الاحتراز ما عدا العزلة، والتي من شأنها مواجهة هذه الخطورة. كما أن العذر المحل ذو أثر شخصي فلا يستفيد منه إلا من تقرر له، دون سواه ممن شاركوا معه في الجريمة.

ب ـ الأعذار المخففة: وهي أسباب أو ظروف نص عليها المشرع صراحة، وأوجب فيها على القاضي تخفيف العقوبة على الوجه الذي بينه في القانون. والأعذار المخففة في قانون العقوبات السوري نوعان خاصة وعامة. فالأعذار الخاصة ينحصر مجالها في جريمة أو في جرائم معينة ومحددة بذاتها، كالعذر الممنوح لمرتكب القتل أو الإيذاء حال مفاجأة زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر (المادة 548 من قانون العقوبات)، والعذر الممنوح لمرتكب السرقة أو الاحتيال أو إساءة الائتمان إذا أزال الضرر (المادة 662 من قانون العقوبات)، والعذر الممنوح لمن تجهض نفسها محافظة على شرفها، أو لمن يجهض إحدى فروعه أو قريباته من الدرجة الثانية محافظة على شرفها (المادة 531 من قانون العقوبات). وثمة أعذار مخففة أخرى نص عليها المشرع السوري في قانون العقوبات في المواد (306/2، 356/2، 400/2، 418، 442، 483، 503، 551) وغيرها. أما الأعذار العامة فهي التي تشمل جميع الجرائم أو أغلبها، وهي في قانون العقوبات السوري الدافع الشريف والعته والتسمم بالمسكرات والمخدرات الاضطراري والاستفزاز وصغر السن.

(1) الدافع الشريف: نص المشرع على هذا العذر في (المادة 192 من قانون العقوبات) وبين أثره. والعلة في اعتبار الدافع الشريف عذراً مخففاً تكمن في أن المشرع يقدر أن من يرتكب الجريمة بدافع شريف هو شخص تكشف شخصيته وظروفه أنه أقل عداوة وخطورة على المجتمع ممن كان دافعه إليها غير ذلك. فالمشرع يراعي ما ينتاب المرء من غضب وانفعال، وما يعتريه من ألم نفسي، نتيجة سوء سلوك وطيش محارمه وأقاربه بارتكابهم أفعالاً تمس بسمعته وشرفه وكرامته، فيندفع، تحت تأثير هذا الانفعال والألم النفسي، إلى ارتكاب جرائم جنائية. ولذلك يقرر له المشرع عقوبات مخففة خاصة تتلاءم مع حالته النفسية.

وتقدير توافر الدافع الشريف من عدمه أمر متروك لمحكمة الموضوع تتبينه في ضوء الظروف والملابسات التي تحيط بكل واقعة من مختلف النواحي، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تمليه بيئة المجرم، وما تكرسه التقاليد المتأصلة في مجتمعه.

وقد عرَّفت محكمة النقض السورية الدافع الشريف بأنه عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه.

والدافع الشريف يغلب أن يتوافر في الجرائم التي تتصل بالحوادث التي لها مساس بالعرض، والتي تؤثر في سمعة الإنسان وكرامته، فتؤثر في نفسيته، وتدفعه إلى ستر الفضيحة وغسل العار. والدافع الشريف يجب أن يكون منزهاً عن الانتقام والثأر، ومتجرداً من أي مغنم شخصي، ومرتداً إلى الشرف والمحافظة على الأخلاق العامة، وهو الذي إن لم يكن نبيلاً بحد ذاته، فهو على الأقل يمت إلى الشرف بصلة وثيقة. وبناء عليه لا يتوافر الدافع الشريف عند من يرتكب جريمته ابتغاء مصلحة شخصية أو لإشباع أحقاد أو إطفاء شهوة انتقام.

وجدير بالذكر أن مرور الزمن الطويل بين الاعتداء على عرض الجاني وبين ارتكابه للجريمة لا يحول دون توافر الدافع الشريف، لأن الاستفادة من هذا العذر تقوم لمجرد وقوع الجريمة تحت تأثير اعتداء المجني عليه على عرض الجاني، ولا عبرة في ذلك للزمن طال أم قصر، لأن تلك النفسية الجامحة قد تثور لأول لقاء بين الجاني والمجني عليه، وإن مضى وقت طويل على اعتداء المجني عليه على عرض الجاني، لأن أثر مثل هذا الاعتداء يكون أكثر فعالية في النفس وأبعث لثورتها وغضبها من أي اعتداء آخر يقع على صاحبها.

وأثر الدافع الشريف أنه يخول القاضي الحكم بالاعتقال المؤبد بدلاً من الإعدام، وبالاعتقال المؤبد أو لخمس عشرة سنة بدلاً من الأشغال الشاقة المؤبدة، وبالاعتقال المؤقت بدلاً من الأشغال الشاقة المؤقتة، وبالحبس البسيط بدلاً من الحبس مع التشغيل. وللقاضي أيضاً أن يعفي المحكوم عليه من لصق الحكم ونشره المفروضين عقوبةً.

(2) عذر العته: نص المشرع السوري على هذا العذر في (المادة 232 من قانون العقوبات) التي جاء فيها أنه: «من كان حين اقتراف الفعل مصاباً بعاهة عقلية وراثية أو مكتسبة أنقصت قوة الوعي أو الاختيار في أعماله يستفيد من إبدال عقوبته أو تخفيضها وفقاً لأحكام المادة الـ241».

وبذلك يتضح أن المشرع يراعي حالة الشخص الذي يعاني اعتلالاً أو اضطراباً عقلياً يؤدي إلى قصور أو عجز في نمو ملكاته الذهنية النمو الطبيعي الكامل، وعدم بلوغها مرحلة النضج، مما يترتب عليه نقصان قوة وعيه وإدراكه لأفعاله ونقص حرية الاختيار لديه.

(3) عذر التسمم بالمسكرات أو المخدرات: تناولت (المادة 235 من قانون العقوبات) النص على هذا العذر بقولها: «إذا أضعفت حالة التسمم الناتجة عن قوة قاهرة أو حدث طارئ، قوة وعي الفاعل أو إرادته إلى حد بعيد أمكن إبدال عقوبته أو تخفيضها وفقاً لأحكام المادة الـ 241».

فالمشرع يراعي وضع الشخص الذي يرتكب جريمة وهو في حالة من نقص قوة الوعي والإرادة إلى حد بعيد نتيجة تناول الكحول أو المخدرات بسبب لا إرادي. ويشترط لاستفادة المجرم من هذا العذر توافر ثلاثة شروط:

> أن يكون تناول المسكر أو المخدر لا إرادي: وقد عبر المشرع عن هذا الشرط بقوله إن حالة التسمم يجب أن تكون ناجمة عن «قوة قاهرة أو حدث طارئ»، أي بسبب لا أثر لإرادة الشخص فيه، كمن تناول المسكر أو المخدر رغماً عنه تحت تأثير إكراه أو لضرورة علاجية، أو من تناوله وهو جاهل طبيعته، كأن يتناول شراباً ليسد ظمأه ظناً منه أنه ماء فإذا به مسكر.

> أن يترتب على تناول المسكر أو المخدر إنقاص أو إضعاف قوة الوعي والإرادة إلى حد بعيد، ويعود تقدير ذلك إلى قاضي الموضوع.

> أن يكون نقص الوعي أو الإرادة معاصراً لارتكاب الفعل، إذ العبرة في توافر شروط المسؤولية الجزائية أو عدم توافرها، هي لوقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة، أما الفترة السابقة أو اللاحقة على هذا الوقت فليست بذات أهمية.

(4) عذر الإثارة: نصت (المادة 242 من قانون العقوبات) على أنه: «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة التي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه».

وعلة هذا العذر هي الحالة النفسية التي تسيطر على الشخص وتشل تفكيره، إذ إن من يرتكب الجريمة في ثورة الغضب الشديد يكون في حالة من الاضطراب تضعف معها سيطرته على أعصابه وعلى إرادته، فتنقص تبعاً لذلك أهليته للمسؤولية الجزائية، ومن ثم يخفف المشرع عقابه، لأنه يرى فيه شخصاً أقل خطورة ممن يرتكب جريمته بنفس هادئة مطمئنة، ومسيطر على إرادته.

وللاستفادة من عذر الإثارة يتعين توافر الشروط التالية:

> صدور عمل غير محق من المجني عليه على جانب من الخطورة: وهذا الشرط يتضمن في حقيقته عدداً من الشروط هي:

ـ يجب أن يصدر من المجني عليه عمل؛ وإذا كان القانون لم يعين نوع هذا العمل، وهل يستوي فيه أن يكون عملاً مادياً أو معنوياً، فإن الراجح في الفقه والقضاء أن العمل يجب أن يكون مادياً وإيجابياً.

ـ ويتعين أيضاً أن يكون العمل الذي صدر من المجني عليه غير محق أي غير مشروع، فهو الذي يبرر ردة الفعل عليه. أما إذا كان العمل محقاً انتفى العذر لتخلف أحد شروطه، كالشرطي المكلف بموجب مذكرة توقيف بإلقاء القبض على متهم بارتكاب جريمة، فهو يقوم بعمل محق، وعليه ليس لهذا المتهم، إن قاوم الشرطي، أن يستفيد من العذر المخفف.

ـ كما يجب أن يكون هذا العمل على جانب من الخطورة، بحيث يحدث تأثيراً بالغاً في نفس المثار، يفقده إرادته فقداناً جزئياً. ويعود تقدير خطورة العمل إلى قاضي الموضوع في ضوء الظروف التي سبقته أو رافقته. ويترتب على ما تقدم أن مجرد الأقوال، كالذم أو القدح أو التحقير، وجميع التصرفات القولية، كالتهديد بالقول لا تعدّ من قبيل الأعمال المثيرة.

ـ كما يتطلب هذا الشرط أن يكون العمل الخطير قد صدر من المجني عليه شخصياً، لا من غيره، أياً كانت الصلة التي تربطه به، كرابطة الأبوة أو البنوة أو الزوجية.

> سورة الغضب الشديد: لا يكفي للاستفادة من عذر الإثارة أن يصدر من المجني عليه عمل على جانب من الخطورة، بل يجب أن يؤدي هذا العمل إلى وجود الجاني في حالة من الغضب عبر عنها المشرع السوري بالغضب الشديد. فالغضب الداعي لتخفيف العقوبة يجب أن يكون في عنفوان الشدة، بحيث يفقد الجاني تحت سلطانها السيطرة على أعصابه ويفلت منه زمام نفسه ويختل ميزان تفكيره.

وتحديد كمية ودرجة الغضب الذي وصل إليه الجاني متروك لتقدير محكمة الأساس، لأنه من الأمور الموضوعية التي يجب أن تدرس بعناية في كل قضية على حدة، وتوزن بمقدارها، مع النظر إلى حالة الفاعل ومركزه الاجتماعي وسنه وثقافته وتأثير الفعل في نفسه، وبالنظر أيضاً إلى حالة المعتدى عليه وسنه وحالته ومركزه ووسطه.

> وقوع الجريمة في أثناء ثورة الغضب الشديد: وضرورة هذا العذر تتطلب العلة من الاستفادة من عذر الإثارة، وهي أن الجاني يأتي فعله وهو في حالة نفسية يفقد فيها سيطرته على أعصابه المهتاجة، ولا يعود قادراً على التحكم بإرادته.

وهذا الشرط لا يعني أن يرتكب الجاني فعله فور وقوع الفعل المثير من المجني عليه، ذلك أن مرور فترة معقولة من الزمن بين فعل المجني عليه وفعل الجاني لا يحول دون استفادته من العذر المخفف، ما دام الجاني قد ارتكب فعله تحت تأثير الغضب الشديد، لأن آثاره لا تزول إلا إذا تبين أن الفاعل قد ارتكب الجريمة بنفس هادئة بعد أن ذهبت عنه حالة التوتر والانفعال. وليست العبرة في ذلك عدد الساعات التي تمضي بين حالة الاضطراب ووقوع الجريمة، بل العبرة لما يقع في تلك الفترة من الهدوء والاطمئنان.

ومن نافلة القول أن الجاني إذا بيَّت النية لارتكاب جريمته في أعقاب إثارة علم بحدوثها، فلا يستفيد من العذر المخفف، لأن ذلك يعني التفكير الهادئ والتحرر من الانفعال. وهذا ما أكده المشرع السوري عندما تطلب للاستفادة من العذر المنصوص عليه في (المادة 548 من قانون العقوبات)، وهو عذر يقوم على الإثارة؛ أي أن يكون مرتكب القتل أو الأذى قد فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر. ولا شك في أن تبييت النية يلغي عنصر المفاجأة.

(5) عذر صغر السن: وهو عذر مخفف يستفيد منه فئة محددة من المجرمين، وهم الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة من عمرهم إذا ارتكبوا جناية.

وعلة هذا العذر أن المشرع يقدر أن الحدث في هذه المرحلة من العمر، وإن كان غير فاقد ملكتي الوعي والإرادة، مما يتعذر معه القول بامتناع مسؤوليته، إلا أنه ولا شك لديه ضعف ونقص في هاتين الملكتين، مما يترتب عليه نقص في مسؤوليته الجزائية، يجب أن يقابل بفرض عقوبات مخففة بحقه، تناسب ضعفه البدني وعدم نضوج نفسيته وخبرته. والعقوبات التي تفرض بحق الأحداث حددتها (المادة 29 من قانون الأحداث الجانحين) التي جاء فيها: «تفرض على مرتكبي الجنايات من الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة العقوبات التالية:

 أ ـ إذا كانت جريمته من الجنايات المستحقة عقوبة الإعدام يحبس مع التشغيل من ست سنوات إلى اثنتي عشرة سنة.

ب ـ إذا كانت جريمته من الجنايات المستحقة عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد يحبس مع التشغيل من خمس إلى عشر سنوات.

ج ـ إذا كانت جريمته من الجنايات المستحقة عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو الاعتقال المؤقت يحبس مع التشغيل من سنة إلى خمس سنوات».

2ـالأسباب المخففة (الظروف القضائية المخففة):

أ ـ التعريف بالأسباب المخففة: تعرف الأسباب المخففة بأنها ظروف وأحوال تحيط بالواقعة الجرمية أو بمرتكبها، ترك المشرع تقديرها للقاضي، تخوله ضمن قواعد حددها القانون، الحكم بعقوبة أقل في مقدارها من الحد الأدنى، أو أخف في نوعها من العقوبة المقررة لها في القانون.

فاستخلاص الأسباب المخففة متروك للقاضي يستظهرها تبعاً لما يبدو له من وقائع وملابسات كل واقعة على حدة. ومن هنا تبدو أهمية هذه الأسباب بما لها من دور فعال في تفريد العقوبة على الوجه الأكمل، باعتبارها وسيلة فعالة في رفع ظلم العقوبة في بعض صورها، وبما لها من دور أساسي في جعل العقوبة متناسبة تماماً مع شخصية المجرم وظروف جريمته.

وهذه الظروف متنوعة، فمنها ما يتصل بالفعل المرتكب ذاته، كنوعه وعدم جسامته وتضاؤل وسيلة ارتكابه ومكان وقوعه وزمانه، ومنها ما يتصل بالجاني نفسه وبظروف حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية، كخلو سجله العدلي مما يشينه، أو وقوعه تحت تأثير شخص آخر له عليه سلطة قانونية أو فعلية، أو ندمه على فعله وإصلاحه ضرره، ومنها ما يتصل بالمجني عليه، كاستفزازه للجاني وتحرشه به إلى درجة لا تصل إلى حد الغضب الشديد، أو إسقاطه لحقه الشخصي وصفحه عن الجاني.

ب ـ نطاق الأسباب المخففة وسلطة القاضي بشأنها: يتسع نطاق الأسباب المخففة ليشمل جميع الجرائم، إلا ما استثني منها بنص خاص، كما يتسع لجميع المجرمين.

ومنح هذه الأسباب مسألة موضوعية، يستقل قاضي الأساس في تقديرها، ولا رقابة فيها لمحكمة النقض عليه. وللقاضي أيضاً، عند اشتراك عدد من الأشخاص في جريمة واحدة، أن يمنح أحدهم أو بعضهم الأسباب المخففة دون غيرهم.

ولكن سلطة القاضي في الأخذ بالأسباب المخففة ليست مطلقة، وإنما قيدها المشرع بقيدين، الأول يتضمن إلزام القاضي بتعليل قراره بمنح الأسباب المخففة، وذلك في ثلاث حالات، الأولى عندما يكون المدعى عليه مكرراً فيجب أن يكون القرار المانح لهذه الأسباب معللاً تعليلاً خاصاً، سواء في الجنايات أو الجنح أو المخالفات (المادة 246 من قانون العقوبات). وعلة هذا القيد أن الحكم بتخفيف العقوبة في حالة التكرار هو أمر مخالف للوضع العادي والأصل الذي يقرر أن التكرار هو سبب تشديد، فعلى المحكمة أن تبين أسباب مخالفتها لهذا الأصل. والحالة الثانية عندما تبدل المحكمة، نتيجة منح الأسباب المخففة، عقوبة الحبس سنة على الأقل من أي عقوبة جنائية لا يتجاوز حدها الأدنى ثلاث سنوات. والحالة الثالثة عندما تحول المحكمة العقوبة الجنحية إلى عقوبة تكديرية. والعلة في الحالتين الأخيرتين هي أن أثر التخفيف قد اتسع كثيراً، فوجب على المحكمة تبرير ذلك.

أما القيد الثاني فيتعلق بالحدود التي وضعها المشرع للتخفيف، والتي يجب على القاضي التقيد بها وعدم تجاوزها، وهو ما يظهر في الفقرة التالية.

ج ـ أثر الأسباب المخففة:

(1) أثرها في العقوبات الأصلية: يترتب على الأخذ بالأسباب المخففة تخفيف العقوبة الأصلية. غير أن مقدار التخفيف يختلف تبعاً لما إذا كانت الجريمة المرتكبة جناية أم جنحة أم مخالفة، وبحسب نوع العقوبة:

> في الجناية: تقضي المحكمة: بدلاً من الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة، أو بالأشغال الشاقة المؤقتة من اثنتي عشرة سنة إلى عشرين سنة. ـ وبدلاً من الأشغال الشاقة المؤبدة بالأشغال الشاقة المؤقتة لا أقل من عشر سنين. ـ وبدلاً من الاعتقال المؤبد بالاعتقال المؤقت الذي لا يقل عن عشر سنين. ـ أما العقوبات الجنائية الأخرى فيجوز للمحكمة تخفيضها حتى النصف. ـ كما يجوز للمحكمة أن تبدل الحبس سنة على الأقل من أية عقوبة لا يجاوز حدها الأدنى ثلاث سنوات، ولكن بشرط ألا يكون المدعى عليه مكرراً، وأن تعلل ذلك التخفيف (المادة 243 من قانون العقوبات).

> في الجنحة: مقدار التخفيف الممنوح للمحكمة هو الآتي: يجوز لها أن تخفض العقوبة الجنحية إلى حدها الأدنى المبين في (المواد 51ـ53)، أي إلى حدها الأدنى العام، وهو عشرة أيام لعقوبة الحبس، وثلاثة أشهر لعقوبة الإقامة الجبرية، و100 ليرة للغرامة. ـ كما يجوز للمحكمة أن تقضي بالغرامة بدلاً من الحبس أو الإقامة الجبرية. ـ وأخيراً يجوز لها أن تبدل العقوبة الجنحية بعقوبة تكديرية، بشرط أن لا يكون المدعى عليه مكرراً، وأن تعلل المحكمة ذلك (المادة 244 من قانون العقوبات).

> في المخالفة: يجوز للمحكمة في المخالفة أن تقضي بالحد الأدنى للعقوبة المبين في (المادتين 60 و61)، أي ليوم واحد لعقوبة الحبس التكديري، وبمبلغ 25 ليرة بالنسبة لعقوبة الغرامة (المادة 245 من قانون العقوبات).

(2) في على العقوبات الفرعية أو الإضافية: لم يشر المشرع إلى أثر الأسباب المخففة في العقوبات الفرعية والإضافية. ومع ذلك فإن أثر هذه الأسباب يمتد إلى العقوبات الفرعية بحكم الضرورة، إذ إن العقوبة الفرعية ترتبط بعقوبة أصلية معينة، وهي تدور معها وجوداً وعدماً. وبناء عليه فإذا كان من شأن السبب المخفف القضائي استبعاد العقوبة الأصلية التي تستتبع عقوبة فرعية معينة، استبعدت معها العقوبة الفرعية كذلك. أما العقوبات الإضافية فإن كانت العقوبة الإضافية جوازية، فللقاضي الحق في توقيعها أو الإعفاء منها. أما إذا كانت العقوبة الإضافية وجوبية فليس للسبب المخفف تأثير فيها، ويجب على القاضي توقيعها، لأنها مرتبطة وجوداً وعدماً بالجريمة.

(3) تأثيرها في الوصف القانوني للجريمة: ليس للأسباب المخففة تأثير في الوصف القانوني للجريمة، حتى إن قضت المحكمة بعقوبة الحبس بدلاً من العقوبة الحنائية، أو بعقوبة تكديرية بدلاً من العقوبة الجنحية. وهذا الحكم هو ما صرحت به (المادة 179 من قانون العقوبات)، إذ جاء فيها أنه: «لا يتغير الوصف القانوني إذا أبدلت من العقوبة المنصوص عليها عقوبة أخف عند الأخذ بالأسباب المخففة».

(4) أثرها في بقية المشاركين في الجريمة: الأسباب المخففة ذات طبيعة شخصية، أي إنها تتعلق بذات الشخص لعلة تخصه، لذا فإن أثر السبب المخفف يقتصر على من قامت به علته، فهو يستفيد منه وحده دون غيره من المشاركين في الجريمة.

رابعاًـ تشديد العقوبة:

قد تقترن الواقعة الجرمية التي اقترفها الجاني بظروف وأحوال، يقدر معها المشرع أن العقوبة المقررة للجريمة قانوناً في الأحوال العادية، قد لا تكون ملائمة في مثل هذه الظروف والأحوال، فيقرر منح القاضي سلطة تشديد العقوبة لجعلها ملائمة للظروف الواقعية المتنوعة التي ارتكب فيها الجاني جريمته. وتشكل هذه الظروف والأحوال ما يطلق عليه أسباب تشديد العقوبة والتي تُعَرَّف بأنها ظروف وحالات نص عليها المشرع وأوجب فيها على القاضي أو أجاز له الحكم بعقوبة تتجاوز الحد الأقصى أو بعقوبة من نوع أشد مما يقرره القانون للجريمة.

وتقسم أسباب التشديد، من حيث نطاقها، إلى خاصة وعامة. فالأسباب الخاصة تتصل بجريمة أو عدد من الجرائم بعينها، كالعمد الذي ينحصر تأثيره في جرائم القتل والإيذاء، والليل والكسر اللذين يقتصر تأثيرهما في السرقة، وصفة الطبيب والقابلة والصيدلة في جريمة الإجهاض، وصفة الخادم في سرقة مال مخدومه. وبما أن هذه الأسباب خاصة، فإن محل دراستها هو عند بحث كل جريمة وما يتعلق بها من عناصر وظروف تلحق بها وتشدد عقوبتها. أما الأسباب المشددة العامة فهي التي يتسع تأثيرها لجميع الجرائم أو أغلبها، وهي في القانون السوري الدافع الشائن ودافع الكسب والتكرار واعتياد الإجرام، وهذه الأسباب هي التي يتناولها الفقهاء بالدراسة عند بحث الأحكام العامة للعقوبة.

1ـ الدافع الشائن: لم يرد في التشريع السوري ولا في أحكام القضاء تعريف للدافع الشائن، لكن من الفقهاء من عرفه بأنه «الذي ينطوي على أنانية مفرطة، ويؤدي إلى تحقير صاحبه في مجتمعه ويصمه بالدناءة والخسة»، أو يراد به «أن يكون الباعث الذي حمل المجرم على جريمته هو إدراك غاية تعتبر، في عرف القيم والمعايير الاجتماعية السائدة، غاية دنيئة، بحيث يكون السعي إليها محقراً صاحبه وواصماً إياه بالانعزال عن المجتمع».

ومن أمثلته إحداث عاهة دائمة في شخص لاستغلاله في التسول، ونقل الطبيب جراثيم مرض إلى شخص بغية حمله على استمرار التردد عليه ليزيد من دخله.

واستخلاص الدافع الشائن متروك لتقدير محكمة الموضوع تستظهره من خلال القيم والمبادئ والأعراف الأخلاقية والاجتماعية السائدة في البيئة التي يعيش فيها الشخص. ومن ثم إذا تبين أن الجريمة المعاقب عليها بالاعتقال المؤبد أو المؤقت أو بالحبس البسيط قد أوحى بها دافع شائن أبدل القاضي الاعتقال المؤبد بالأشغال الشاقة المؤبدة، والاعتقال المؤقت إلى الأشغال الشاقة المؤقتة، والحبس البسيط بالحبس مع التشغيل (المادة 193 من قانون العقوبات).

2ـ دافع الكسب: تضمنت (المادة 194 من قانون العقوبات السوري) أحكام هذا السبب في تشديد العقوبة، إذ توجب على القاضي أن يتحرى الدافع الذي حرك الفاعل إلى ارتكاب جريمته، فإذا تبين له أن هذا الدافع هو الكسب، أي الحصول على منفعة مادية، ولم تكن الجريمة معاقباً عليها بالغرامة، تعين على القاضي، عندئذ، أن يحكم بالغرامة، إلى جانب العقوبة المقررة قانوناً للجريمة.

وأهمية دافع الكسب كسبب لتشديد العقوبة تكمن في أن المشرع يريد به حرمان الجاني من الوصول إلى ما سعى إليه أو ما حصل عليه فعلاً من كسب غير مشروع.

3ـ التكرار:

أ ـ تعريف التكرار وصفاته: يراد بالتكرار حالة الشخص الذي يرتكب جريمة أو أكثر بعد سبق صدور حكم مبرم عليه بعقوبة من أجل جريمة أخرى. والعلة في تشديد عقوبة المكرر هي أن المشرع يرى فيه شخصاً يستهين بالمجتمع ويستخف بالقانون، ومن ثم يمثل خطراً على المجتمع أكثر ممن يرتكب الجريمة أول مرة، وأن عقوبة الجريمة السابقة لم تكن كافية لردعه، فيشدد المشرع عقوبته أملاً في ردعه وإصلاحه.

والتكرار قد يكون عاماً، وهو الذي لا يراعى فيه التماثل أو التشابه بين الجريمة الأولى والجريمة الجديدة، ويكون ذلك في تكرار الجرائم من نوع الجنايات والجنح بعد الجنايات، أو خاصاً وهو الذي يشترط فيه أن تكون الجريمة الثانية مشابهة أو مماثلة للجريمة الأولى، ويكون ذلك في تكرار الجنح أو المخالفات. وقد حدد المشرع ضابط التشابه والتماثل بين الجنح وهو أن تكون الجنحة الثانية من فئة الجنحة الأولى، وفي المخالفات بأن تكون المخالفة الجديدة كالمخالفة السابقة أو أي مخالفة أخرى تخضع معها لنظام واحد.

والتشديد في التكرار قد يكون وجوبياً، أي تلزم المحكمة بتطبيقه وتشديد عقوبة الجريمة الجديدة على الجاني، وقد يكون التشديد جوازياً لا تلزم المحكمة بتطبيقه، وإنما يترك لها الحرية في أن تأخذ به فتشدد العقوبة أو لا تأخذ به فتمتنع عن التشديد.

كما أن التكرار قد يكون بسيطاً، وهو الذي تتوافر شروطه لدى الشخص أول مرة، أو يكون مركباً وهو الذي تتوافر شروطه مرة ثانية لدى شخص مكرر من قبل.

ب ـ الشروط العامة للتكرار: التكرار لا يتحقق في أي من حالاته إلا بتوافر شرطين أساسيين هما، سبق صدور حكم على الجاني بعقوبة، وارتكابه جريمة جديدة.

(1) سبق صدور حكم بعقوبة: يفترض التكرار أن للمجرم ماضياً إجرامياً، سجله عليه حكم مبرم صادر عن القضاء، وقضى بعقوبة جزائية. ومن ثم فهذا الحكم لا يعتد به كسابقة في التكرار إلا إذا كان صادراً عن جهة قضائية، يستوي في ذلك المحاكم العادية أو المحاكم الخاصة أو المحاكم الاستثنائية، وطنية كانت أو أجنبية. ولكن إذا كان الحكم صادراً عن محكمة أجنبية يجب أن يكون صادراً بشأن أفعال يصفها القانون السوري بالجنايات والجنح (المادة 29/3 من قانون العقوبات). ويجب أن يكون الحكم مبرماً، وهو الذي لا يقبل الطعن بأي طريق من طرق الطعن، سواء لاستنفاد جميع طرق الطعن أو لتفويت مواعيدها. كما يتعين أن يكون الحكم قاضياً بعقوبة جزائية، نفذت أم لم تنفذ. وينبني على ذلك أنه لا يصلح سابقة في التكرار كل حكم قضى بالبراءة أو بعدم المسؤولية أو برد الدعوى، أو بأحد التدابير الاحترازية أو الإصلاحية فقط. كما يشترط أخيراً في الحكم أن يظل قائماً ومنتجاً لآثاره الجزائية وقت ارتكاب الجريمة التالية. ومن ثم لا يصلح سابقة في التكرار كل حكم سقط أو زالت آثاره، بعفو عام أو بإعادة الاعتبار أو بانقضاء مدة التجربة في وقف التنفيذ من دون نقض، أو بصدور قانون جديد يلغي الجريمة التي صدر فيها الحكم السابق. ولكن إذا طرأ سبب انقضت معه العقوبة، من دون أن يمس الوجود القانوني للحكم، كما في حالة العفو الخاص عن العقوبة أو سقوطها بالتقادم، فإن هذا الحكم يصلح سابقة في التكرار.

(2) ارتكاب جريمة جديدة: لا يتحقق التكرار إلا إذا ارتكب الجاني جريمة جديدة في تاريخ لاحق على صدور الحكم المبرم من أجل الجريمة السابقة. ويستوي في هذه الجريمة أن تقع تامة أو أن تقف عند حد الشروع، وأن يكون الجاني فاعلاً لها أم شريكاً أم متدخلاً فيها أم محرضاً عليها.

ولكي تصلح الجريمة الجديدة للتكرار يتعين أن تكون مستقلة عن الجريمة السابقة غير مرتبطة بتنفيذ الحكم الصادر في شأنها، أي أن لا تكون الجريمة الجديدة مجرد وسيلة للتخلص من الآثار القانونية الناشئة من الجريمة السابقة، كالهرب من السجن أو جريمة التخلص من الحرية المراقبة أو مخالفة أحكام منع الإقامة، لأن الغرض من ذلك كله هو التخلص من عقوبة أو جزاء الجريمة السابقة، لا ارتكاب جريمة جديدة. كما أنه إذا كانت الجريمة السابقة جنحة فيجب أن تكون الجريمة الجديدة جنحة من الفئة نفسها، أما إذا كانت مخالفة فلا يتحقق التكرار إلا بارتكاب المخالفة نفسها أو مخالفة أخرى تخضع لنظام المخالفة السابقة. كما يجب أن تقع الجريمة الجديدة في خلال مدة زمنية معينة، وهي 15 سنة إذا كان الحكم الأول قضى بعقوبة جنائية، وكانت الجريمة الجديدة جناية، و7 سنوات إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة جنائية أو جنحية لجناية، وكانت الجريمة الجديدة جناية أو جنحة عقابها الحبس، أو إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة الحبس من أجل جنحة، وكانت الجريمة الجديدة جنحة من فئة الجنحة الأولى. والمدد السابقة تحسب من تاريخ انقضاء تنفيذ العقوبة التي قضى بها الحكم الأول أو من تاريخ سقوطها بالتقادم. أما إذا كان الحكم الأول صدر في مخالفة، وكانت الجريمة الجديدة المخالفة نفسها أو مخالفة تابعة لنظام المخالفة الأولى، فيجب أن تقع المخالفة الجديدة في خلال سنة واحدة تحسب من تاريخ صدور الحكم المبرم في المخالفة الأولى.

ج ـ حالات التكرار ومقدار تشديد العقوبة فيها:

بيَّن المشرع السوري في (المواد 248ـ249ـ251 من قانون العقوبات) الحالات التي يتحقق فيها التكرار، ومقدار التشديد فيها، وهي:

الحالة الأولى: إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، وكانت الجريمة الجديدة تستوجب العقوبة نفسها، فيحكم على المجرم المكرر بالإعدام (المادة 248/1).

الحالة الثانية: إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة جنائية، وكانت الجريمة الجديدة جناية، فيحكم على المجرم المكرر بأقصى عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة المقررة للجريمة الجديدة حتى ضعفيها (المادة 248/2).

الحالة الثالثة: إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة جنائية، وكانت الجريمة الجديدة جناية، فيحكم على المجرم المكرر بأقصى عقوبة الاعتقال المؤقت المقررة للجريمة الجديدة حتى ضعفيها (المادة 248/3).

الحالة الرابعة: إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة جنائية، وكانت الجريمة الجديدة جناية، فيحكم على المجرم المكرر بالعقوبة التي تعلو درجة واحدة عقوبة الجريمة الجديدة، إذا كانت عقوبتها الإقامة الجبرية أو التجريد المدني (المادة 248/4).

الحالة الخامسة: إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة جنائية أو جنحية في جناية، وكانت الجريمة الجديدة جناية أو جنحة عقابها الحبس، فيحكم على المجرم المكرر بأقصى عقوبة الحبس المقررة للجريمة الجديدة حتى ضعفيها (المادة 249/1).

الحالة السادسة: إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة الحبس سنة على الأقل لجنحة، وكانت الجريمة الجديدة جنحة من الفئة نفسها، فيحكم على المجرم المكرر بأقصى عقوبة الحبس المقررة للجريمة الجديدة حتى ضعفيها (المادة 249/2).

الحالة السابعة: إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة الحبس أقل من سنة لجنحة، وكانت الجريمة الجديدة جنحة من الفئة نفسها، فيحكم على المجرم المكرر بالحبس مدة تعادل على الأقل ضعفي العقوبة السابقة، على أن لا تتجاوز ضعفي العقوبة التي نص عليها القانون من أجل الجريمة الجديدة (المادة 249/3).

الحالة الثامنة: إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة جنائية أو بعقوبة جنحية غير الغرامة، وكانت الجريمة الجديدة جنحة تستوجب الإقامة الجبرية، فيحكم على المجرم المكرر بالحبس البسيط بدلاً من الإقامة الجبرية (المادة 249/4).

الحالة التاسعة: إذا كان الحكم الأول قد قضى بعقوبة جنحية، وكانت الجريمة الجديدة جنحة عقوبتها الغرامة، فيحكم على المجرم المكرر بضعف الغرامة المقررة للجريمة الجديدة (249/5). وإذا وقع التكرار ثانية، أي إن المجرم المكرر ارتكب جنحة ثالثة من فئة الجنحة السابقة عقوبتها الغرامة، فيمكن أن يحكم عليه بالحبس حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة معاً (المادة 149/5).

الحالة العاشرة: إذا كان الحكم الأول قد صدر في مخالفة، وكانت الجريمة الجديدة المخالفة نفسها أو مخالفة تابعة لنظام المخالفة الأولى، فيحكم على المخالف المكرر بضعف العقوبة المقررة قانوناً للمخالفة الجديدة (المادة 251/1). وإذا وقع التكرار الأخير ثانية، فيمكن للقاضي الحكم على المكرر بالحبس التكديري وبالغرامة معاً في جميع الأحوال التي نص فيها على الغرامة وحدها (المادة 251/2).

4ـ اعتياد الإجرام: عرف المشرع السوري في (المادة 252 من قانون العقوبات) المجرم المعتاد بأنه: «الذي ينم عمله الإجرامي على استعداد نفسي دائم، فطرياً كان أو مكتسباً، لارتكاب الجنايات والجنح». وبهذا يتضح أن المجرم المعتاد هو الذي تكشف جرائمه السابقة وشخصيته أن لديه ميلاً إجرامياً دائماً، مما يجعله مصدر خطر على المجتمع، ومن ثم فإن تشديد عقوبة جريمته الأخيرة فقط لا يجدي في مواجهته، مما يستلزم أن يخضع لتدبير احترازي يكون من شأنه استئصال الميل الإجرامي لديه، ويجرده من خطورته الإجرامية، ويقي مصالح المجتمع من تهديده.

أ ـ شروط اعتياد الإجرام: يقوم اعتياد الإجرام على تكرار خاص للجرائم التي تعبر عن الميل الإجرامي أو الاستعداد النفسي لارتكابها، وتوافر الخطورة على السلامة العامة.

(1) تكرار الجرائم: يفترض اعتياد الإجرام تكرار الأفعال الجرمية التي يجب أن تكون من نوع الجنايات أو الجنح المقصودة. وقد حصر المشرع السوري في (المواد 253ـ255 من قانون العقوبات) اعتياد الإجرام في خمس حالات، وهي:

الحالة الأولى: تتوافر إذا كان قد حكم على المجرم بعقوبة غير الغرامة من أجل جناية أو جنحة مقصودة، ثم في خلال خمس سنوات، منذ انتهاء مدة عقوبته أو بعد سقوطها بالتقادم، حكم عليه بعقوبة مانعة للحرية لمدة سنة على الأقل من أجل جناية أو جنحة مقصودة أخرى.

الحالة الثانية: تفترض أن يكون قد حكم على المجرم بعقوبة غير الغرامة من أجل إحدى حالات التكرار التي نصت عليها (المادتان 248ـ249 من قانون العقوبات)، ثم يرتكب جريمة جديدة تتوافر فيها شروط تكرار ثان وفقاً لإحدى حالات التكرار المنصوص عليها في المادتين السابقتين، وأن يحكم عليه من أجلها بعقوبة مانعة للحرية.

الحالة الثالثة: تفترض أن يصدر على المجرم في خلال خمسة عشرة عاماً، بعد المدة التي قضاها في تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية، أربعة أحكام بالحبس من أجل جنايات اقترفت بعذر أو جنح مقصودة، بشرط أن يكون ارتكاب كل جريمة من الجرائم الثلاث الأخيرة قد تم بعد أن أصبح الحكم بالجريمة السابقة مبرماً.

الحالة الرابعة: تفترض أنه قد صدر على المجرم في خلال خمسة عشر عاماً، بعد المدة التي قضاها في تنفيذ العقوبات والتدابير، ثلاثة أحكام، اثنان منها بالحبس من أجل جنايات اقترفت بعذر أو جنح مقصودة، والثالث بعقوبة جنائية.

الحالة الخامسة: تتطلب صدور حكم بإنزال تدبير العزلة، ثم في أثناء تنفيذ هذا التدبير أو في خلال الخمس سنوات التي تلت الإفراج عن المحكوم عليه ارتكب جناية أو جنحة مقصودة حكم عليه من أجلها بعقوبة الحبس سنة واحدة أو بعقوبة أشد.

(2) الاستعداد النفسي لارتكاب الجرائم: لا يكفي لتوافر حالة الاعتياد تكرار ارتكاب الجرائم، وإنما يجب أن تقوم بين هذه الجرائم وشخصية المجرم صلة تعبر عن خطورة هذه الشخصية. وهذه الصلة هي ما عبر عنها المشرع بالاستعداد النفسي الدائم، ويقصد به الميل الثابت إلى الإجرام، على نحو تأصل في المجرم وأصبح من معالم شخصيته، ولا أمل في استئصاله إلا بإنزال التدبير الاحترازي. ويستوي في الاستعداد النفسي أن يكون فطرياً، مرده عوامل داخلية وعضوية لازمت الشخص منذ ولادته، أو مكتسباً يعود إلى الظروف الاجتماعية والبيئة الفاسدة التي تحيط بالمجرم وتدفعه إلى تكرار الجريمة.

والتحقق من وجود الاستعداد النفسي مسألة موضوعية تترك لتقدير قاضي الأساس، يستخلصه من كل عامل أو اعتبار يرشده إلى تكوين رأي عن نمط شخصية المجرم وما يحتمل أن يكون عليه سلوكه في المستقبل، كظروف الجريمة وبواعثها، وأحوال المتهم وماضيه، ونشأته العائلية وصفاته. وللقاضي أن يستعين في ذلك بمن يشاء من أهل الخبرة والاختصاص.

(3) توافر الخطورة على السلامة العامة: تعد الخطورة على السلامة العامة المبرر لإنزال التدبير الاحترازي بالمجرم المعتاد، فلا يجوز أن يقضى بأي تدبير إلا إذا توافرت هذه الخطورة. وهذا ما أكده المشرع السوري في ( المادة 210/1 من قانون العقوبات) بقوله: «لا ينزل بأحد تدبير احترازي ما لم يكن خطراً على السلام العام. يقضى بالتدابير الاحترازية بعد التثبت من حالة الخطر، إلا في الحالات التي يفترض القانون وجود الخطر فيها».

والخطورة على السلامة العامة (أو الخطورة الجرمية) تعني، وفقاً لما جاء في الفقرة الثانية من (المادة 210 من قانون العقوبات) خشية أن يقدم مقترف الجريمة على أفعال أخرى يعاقب عليها القانون. وقد تطلب المشرع إثبات وجود الخطر على السلامة العامة في الحالة الأولى فقط من حالات التكرار التي تدخل في تكوين اعتياد الإجرام، أما في سائر الحالات الأخرى فالمشرع افترض وجود الخطر حكماً، من دون حاجة إلى التثبت منه، لمجرد تحقق العناصر التي تفترضها كل حالة منها.

ب ـ التدبير الاحترازي الذي يفرض على المعتاد على الإجرام: هو تدبير العزلة، وهو تدبير مانع للحرية، ينفذ في مؤسسة للتشغيل أو في مستعمرة زراعية تعين بمرسوم، يختارها القاضي وفقاً لمؤهلات المحكوم عليه ولنشأته المدنية أو القروية (المادة 77 من قانون العقوبات). ومدة هذا التدبير تراوح بين ثلاث سنوات وخمس عشرة سنة، ما عدا الحالة المنصوص عليها في (المادة 255) والتي حدها الأدنى هو سبع سنوات. ويطبق هذا التدبير إضافة إلى العقوبة التي يستحقها المجرم المعتاد، وينفذ بعد انقضاء هذه العقوبة إذا كانت مانعة للحرية. أما إذا كانت العقوبة مقيدة للحرية فهي تنفذ عقب انتهاء تنفيذه (المادة 115 من قانون العقوبات).

5ـ اجتماع الجرائم: وهو ارتكاب الشخص أكثر من جريمة لا يفصل بينها حكم مبرم. واجتماع الجرائم قد يكون معنوياً، إذا قُصِد بالجريمة الوصف الجرمي، إذ يتصور اجتماع الجرائم بشأن فعل واحد إذا تعددت أوصافه، وقد يكون مادياً إذا تعددت الأفعال الجرمية، وكان لكل فعل على حدة وصفه الجرمي.

أ ـ اجتماع الجرائم المعنوي: وهو تعدد الأوصاف الجرمية للفعل الواحد، بحيث تقوم به عدة جرائم، باعتبار أن كل وصف جرمي يعد جريمة على حدة، كارتكاب شخص لفعل مناف للحشمة في محل عام أو مكان مباح للجمهور، فيعد فعله جريمة فحشاء تنطبق عليه أحكام (المادة 493 من قانون العقوبات)، وجريمة التعرض للآداب العامة المنصوص عليها في (المادة 517 من قانون العقوبات).

وقد حدد المشرع السوري حكم اجتماع الجرائم المعنوي في (المادة 185 من قانون العقوبات) بأنه: « إذا كان للفعل عدة أوصاف، ذكرت جميعاً في الحكم، على أن يحكم القاضي بالعقوبة الأشد. على أنه إذا انطبق على الفعل نص عام ونص خاص أخذ بالنص الخاص».

ب ـ اجتماع الجرائم المادي: وهو ارتكاب الشخص عدة أفعال يقوم بكل منها على حدة جريمة مستقلة في عناصرها عن الجرائم التي تقوم بها الأفعال الأخرى، كأن يقوم شخص بقتل ثان وسرقة ثالث.

ويعد اجتماع الجرائم المادي التعدد الحقيقي للجرائم، معياره تعدد الأركان المادية والمعنوية بقدر تعدد الجرائم المرتكبة، إذ يفترض تعدد الأفعال وتعدد نتائجها الجرمية، وأن يتوافر لكل منها ركنها المعنوي الخاص بها. فإذا لم تتوافر لكل جريمة أركانها الخاصة، بل كانت مشتركة في بعضها، فلا يتوافر التعدد الحقيقي، كقيام شخص بصفع آخر عدة صفعات، أو سرقة منزل على عدة دفعات، أو بإطلاق عيار ناري فيقتل آخر ويصيب ثالثاً بجراح.

وقد بيَّن المشرع السوري أحكام اجتماع الجرائم المادي، وذلك في (المواد 204ـ207 من قانون العقوبات)، والتي يمكن إجمالها بما يلي: إذا ثبتت عدة جنايات أو جنح قضي بعقوبة لكل جريمة، ولكن تنفذ العقوبة الأشد دون سواها، وهذا ما يسمى بقاعدة «دغم العقوبات». ومع ذلك أجاز المشرع للقاضي الجمع بين العقوبات المحكوم بها بحيث لا يزيد مجموع العقوبات المؤقتة على أقصى العقوبة المعينة للجريمة الأشد إلا بمقدار نصفها، وفي هذه الحالة يتعين حكماً جمع العقوبات الفرعية التابعة لها. وإذا لم يكن قد قضي بإدغام العقوبات المحكوم بها أو بجمعها أحيل الأمر على القاضي ليفصله. وإذا وقعت الجريمة على غير الشخص المقصود بها عوقب الفاعل كما لو كان اقترف الفعل بحق من كان يقصد. وإذا أصيب كلاهما أمكن زيادة النصف على العقوبة المذكورة في الفقرة السابقة. أما العقوبات الإضافية والتدابير الاحترازية فإنها تجمع وإن أدغمت العقوبات الأصلية ما لم يقض القاضي بخلاف ذلك. وفي حالة اجتماع المخالفات فإن عقوباتها التكديرية تجمع حتماً.

خامساًـ تعليق العقوبة:

من المستقر في الوقت الحاضر وفي ظل السياسة العقابية العلمية أن الغرض الأساسي للعقوبة هو تقويم وإصلاح الجاني وإعداده للتكيف الاجتماعي. وبناء على ذلك إذا تبين للقاضي، بعد الحكم بالعقوبة أو تنفيذ جزء منها، وبعد الوقوف على ظروف المحكوم عليه وحالته الشخصية، أن هناك ما يحمل على الاعتقاد أنه سيحترم القانون، وأنه ارتكب الجريمة لأسباب عارضة، ولن يعود إليها، فلا يبقى، حينئذ، مبرر لتنفيذ العقوبة أصلاً أو الاستمرار في تنفيذها، بل قد ينجم عن ذلك أكبر الضرر، وخاصة نتيجة اختلاطه بالمسجونين. ومن أجل ذلك منح المشرع القاضي ثلاثة أنظمة تمكنه من تعليق العقوبة، وهي وقف التنفيذ ووقف الحكم النافذ وصفح المجني عليه.

1ـ وقف تنفيذ العقوبة: وهو نظام يهدف إلى تحقيق غرض إصلاح وتأهيل المحكوم عليه عن طريق تهديده بتنفيذ العقوبة، لمدة معينة يحددها القانون، فإن لم يرتكب خلالها أية جريمة سقط الحكم وعدّ كأن لم يكن، وإلا نُقِض وقف التنفيذ، ونفذت في المحكوم عليه العقوبة الموقوف تنفيذها مع العقوبة الجديدة.

أ ـ شروط وقف تنفيذ العقوبة: نظم المشرع السوري أحكام وقف التنفيذ في (المواد 168ـ171 من قانون العقوبات)، ويتضح منها أنه يتطلب للحكم بوقف التنفيذ شروطاً في المحكوم عليه وفي الجريمة المسندة إليه وفي العقوبة المحكوم بها.

(1) الشروط المتعلقة بالمحكوم عليه: وهي أن لا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة من نوع العقوبة التي يراد وقف تنفيذها أو بعقوبة أشد منها، وأن يكون له محل إقامة حقيقي في سورية، وأن لا يكون قد تقرر طرده قضائياً أو إدارياً، وأن يفي بالواجبات التي يمكن للقاضي أن يلزم المحكوم عليه بأدائها من بين الواجبات التي حددتها (المادة 169) وهي: تقديم كفالة احتياطية، والخضوع للرعاية، وأن يعوض المدعي الشخصي كلياً أو جزئياً في مدة لا تتجاوز السنتين في الجنحة أو الستة أشهر في المخالفة.

ويرمي المشرع من هذه الشروط إلى التثبت من جدارة الجاني بوقف التنفيذ، ولاسيما قابليته للإصلاح وعدم عودته إلى الإجرام ثانية. وهذه مسألة موضوعية يستخلصها القاضي من ظروف الجريمة وشخصية المجرم وأخلاقه وماضيه ومدى الأمل في إصلاحه من دون تنفيذ العقوبة.

(2) الشروط المتعلقة بالعقوبة: حدد المشرع العقوبات التي يسري عليها وقف التنفيذ، وهي العقوبات الأصلية الجنحية أو التكديرية، أي عقوبات الحبس بأنواعه والإقامة الجبرية في الجنح والغرامة، ومن ثم فإن العقوبات الجنائية تستبعد من نطاق وقف تنفيذ العقوبة. أما العقوبات الفرعية والإضافية فلا يشملها وقف التنفيذ على الإطلاق. والعلة في ذلك أنها تهدف إلى تحقيق مصلحة اجتماعية يترتب على وقف التنفيذ إهدارها. كما أن وقف التنفيذ لا يمتد إلى التدابير الاحترازية، لأنها تواجه خطورة جرمية كامنة في شخص الجاني لا تستأصل إلا بالتنفيذ الفعلي للتدبير.

(3) الشروط المتعلقة بالجريمة: لم يصرح المشرع بضرورة توافر شروط معينة في الجريمة. ولذلك فإن من الفقهاء من يرى أن وقف التنفيذ جائز في جميع الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات، ولكن يشترط في الجناية أن يقضى فيها بعقوبة جنحية لاقترانها بعذر قانوني أو سبب مخفف قضائي. والسند في ذلك أن (المادة 168) صرحت بأنه للقاضي عندما يقضي «بعقوبة جنحية أو تكديرية» أن يأمر بوقف تنفيذها. فالعبرة إذن هي للعقوبة المحكوم بها من القاضي، لا للجريمة المقترفة أصلاً أو للعقوبة المحددة نصاً في القانون. ويضاف إلى ما سبق أن محكمة التمييز اللبنانية في تطبيقها (للمادة 169 من قانون العقوبات اللبناني)، والمطابقة حرفياً (للمادة 168 من قانون العقوبات السوري)، ذهبت إلى أنه يجوز وقف تنفيذ العقوبة الجنحية، ولو قضي بها في جناية اقترنت بسبب مخفف.

ولمحكمة النقض السورية رأي مخالف مفاده أنه لا سبيل إلى وقف التنفيذ في جناية إلا إذا كان قد قضي فيها بدلاً من العقوبة الجنائية بعقوبة جنحية بسبب توافر أحد الأعذار القانونية المخففة فقط، كعذر الإثارة أو صغر السن. أما إذا كانت العقوبة الجنائية قد أبدلت بعقوبة أخف عند الأخذ بالأسباب المخففة، فإن ذلك لا يعطي الحق للمحكمة في وقف التنفيذ، لأن العقوبة لا تفقد بتخفيفها الصفة الجنائية.

والأصل أن نطاق وقف التنفيذ يشمل جميع طوائف الجرائم، إلا إذا منع المشرع وقف التنفيذ في بعض الجرائم.

ب ـ مدة التجربة في وقف التنفيذ: بعد منح وقف التنفيذ يكون المحكوم عليه خاضعاً للاختبار أو التجربة مدة من الزمن حددها المشرع، وهي خمس سنوات إذا كانت العقوبة التي أوقف تنفيذها جنحية، وسنتان إذا كانت العقوبة تكديرية. وتبدأ هذه المدة من اليوم الذي يصبح فيه الحكم مبرماً، وليس للقاضي إنقاص هذه المدة أو إطالتها مهما كانت الظروف. والحكمة من تحديد مدة التجربة هي التأكد من قابلية المحكوم عليه للتأهيل من دون تنفيذ العقوبة فيه.

ج ـ آثار وقف التنفيذ: يترتب على وقف تنفيذ العقوبة عدم جواز اتخاذ أي إجراء من إجراءات تنفيذها في خلال مدة التجربة. ولكن إذا تبين أن المحكوم عليه لم يكن أهلاً لوقف التنفيذ، ولم يثبت جدارته للتأهيل من دون تنفيذ العقوبة، فإنه يتعين على القاضي أن يحكم بنقض وقف التنفيذ، ويكون ذلك في حالتين، الأولى إذا ارتكب المحكوم عليه خلال مدة التجربة جريمة جديدة يحكم عليه من أجلها بعقوبة من نوع العقوبة التي أوقف تنفيذها أو بعقوبة أشد، والثانية إذا صدر، في خلال مدة التجربة، حكم يثبت أنه قد خرق الواجبات التي فرضها القاضي عليه. ويجيز المشرع أن يصدر الحكم بالعقوبة من أجل الجريمة الجديدة أو بخرق الواجبات التي فرضها القاضي بعد انقضاء مدة التجربة، بشرط أن تكون دعوى نقض وقف التنفيذ أو إجراءات ملاحقة الجريمة الجديدة قد بوشر بها قبل انقضاء مدة التجربة (المادة 171/2 من قانون العقوبات). ويترتب على نقض وقف التنفيذ وجوب خضوع المحكوم عليه لتنفيذ العقوبة التي شملها وقف التنفيذ، إضافة إلى العقوبة الجديدة التي يقضى بها من أجل السبب الذي أدى إلى نقض وقف التنفيذ.

أما إذا انتهت مدة التجربة من دون أن يصدر من المحكوم عليه ما يوجب نقض وقف التنفيذ، فيعد «الحكم لاغياً»، أي كأن لم يكن، فلا يسجل هذا الحكم في صحيفة سوابقه، ولا يدخل في تطبيق قواعد التكرار ووقف التنفيذ، ولا يبقى مفعول للعقوبات الإضافية أو الفرعية ولا للتدابير الاحترازية، ما عدا تدابير الحجز في مأوى احترازي والمصادرة العينية وإقفال المحل. والعلة في استثناء هذه التدابير هي أنها تواجه خطورة جرمية تظل باقية على الرغم من زوال حكم الإدانة، فلا تستأصل هذه الخطورة إلا بتنفيذ تلك التدابير.

2ـ وقف الحكم النافذ: وهو نظام يقصد به الإفراج عن المحكوم عليه قبل انتهاء مدة العقوبة المحكوم بها إذا ثبت أن حاله قد صلح وحسن سلوكه. والحكمة من إقراره هي إغراء المحكوم عليه وتشجيعه على تحسين سلوكه داخل السجن، وإنماء روح حب العمل لديه تمهيداً لإصلاحه وإعادة تآلفه الاجتماعي، كي يستفيد من الإفراج عنه مكافأة له.

وهذا النظام، ليس حقاً للمحكوم عليه، تلزم المحكمة بمنحه له بمجرد طلبه واستيفاء شروطه، بل هو منحة جوازية خاضعة لتقدير المحكمة، التي لها أن تمنحه إذا رأت جدارة المحكوم عليه به، أو لا تمنحه إذا قدرت عدم جدارته.

أ ـ شروط وقف الحكم النافذ: بيَّن المشرع السوري أحكام وقف الحكم النافذ في (المواد 172ـ177 من قانون العقوبات)، والتي يتضح منها أن المشرع يتطلب لوقف الحكم النافذ توافر الشروط التالية:

(1) الشروط المتعلقة بالمحكوم عليه: يجب أن يكون المحكوم عليه قد صلح، أي أن يكون سلوكه أثناء تنفيذ العقوبة حسناً ومرضياً، ويوحي بالثقة أنه سيكون شخصاً صالحاً في المجتمع بعد الإفراج عنه. وللتثبت من ذلك تستعين المحكمة عادة بالتقارير المعدة عن سلوك المحكوم عليه وأحواله وأخلاقه خلال المدة التي أمضاها في تنفيذ العقوبة من قبل إدارة السجن، أو الأشخاص الذين يتولون مراقبته. فإدارة السجن هي الإدارة الوحيدة المسؤولة عن تصرفات السجين خلال مدة سجنه، وهي أعلم الناس بأحواله. كما يتعين على المحكوم عليه أن يكون قد أوفى بالالتزامات والواجبات التي يمكن أن يفرضها عليه القاضي، وهي إخضاعه للحرية المراقبة طوال مدة التجربة، وأداؤه لواجب أو أكثر من الواجبات التالية: تقديم كفالة احتياطية، والخضوع للرعاية، وأداء التعويض المستحق للمدعي الشخصي كله أو بعضه في مهلة أقصاها سنتين في الجنحة وثلاث سنوات في الجناية. وأخيراً فإن المحكوم عليه بالأشغال الشاقة وبالاعتقال يبقى في حالة الحجر القانوني حتى انقضاء عقوبته، ما لم يقرر القاضي خلاف ذلك.

(2) الشروط المتعلقة بالعقوبة: قصر المشرع السوري وقف الحكم النافذ على العقوبات الجنائية والجنحية المانعة أو المقيدة للحرية فقط، فلا يجوز وقف الحكم النافذ في العقوبات المانعة للحقوق أو المالية، ولا تأثير له في العقوبات الفرعية أو الإضافية.

ولا يجوز منح وقف الحكم النافذ إذا كان ثمة تدبير احترازي مانع للحرية، كالعزلة أو الحجز في دار للتشغيل، يجب تنفيذه بالمحكوم عليه بعد انقضاء مدة عقوبته. والحكمة في ذلك أن وجود مثل هذا التدبير الاحترازي دليل على أن المحكوم عليه لا يزال يمثل خطراً على نفسه وعلى المجتمع، فلا يصح معه أنه أهل للثقة بإصلاح نفسه والعودة إلى الحياة الحرة.

ويجيز المشرع السوري للقاضي، إذا بدت على المحكوم عليه دلائل أكيدة على ائتلافه مع المجتمع، أن يعلق تنفيذ عدد من التدابير ذكرها على سبيل الحصر، وهي تدبير العزلة والوضع في دار للتشغيل، والمنع من الإقامة والحرية المراقبة، وذلك بعد أن يكون المحكوم عليه قد خضع لمدة تجربة تعادل نصف مدة التدبير المقضي به، على أن لا تنقص هذه المدة عن الحد الأدنى المنصوص عليه قانوناً للتدبير (المادة 174 من قانون العقوبات).

(3) الشروط المتعلقة بالمدة: لا يجوز منح المحكوم عليه بعقوبة وقف الحكم النافذ إلا إذا كان قد نفذ ثلاثة أرباع مدة العقوبة المحكوم بها، بشرط ألا تقل عن تسعة أشهر. وعلة ذلك أن المشرع يقدر أنه لا يمكن التحقق من حسن سلوك المحكوم عليه وصلاحه فعلاً، وأنه أصبح جديراً بمنحه وقف الحكم النافذ إلا إذا خضع لتنفيذ العقوبة هذه المدة على الأقل. وإذا كانت العقوبة المحكوم بها هي الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد، فإنه لا يمكن حساب ثلاثة أرباع المدة، ولكن المشرع أجاز الإفراج عن المحكوم عليه بعد سجنه عشرين سنة على الأقل.

ب ـ آثار وقف الحكم النافذ: إن إطلاق سراح المحكوم عليه بموجب وقف الحكم النافذ لا يعني الإفراج النهائي عنه، وليس انقضاء للعقوبة، وإنما هو إفراج مؤقت معلق على شرط فاسخ خلال مدة معينة، تقيد فيها حرية المحكوم عليه بفرض عدد من الواجبات والالتزامات، والتي تهدف إلى ضمان حسن سيرته وسلوكه، خلال المدة المتبقية من العقوبة أو التدبير المعلقين. فإذا ساءت سيرة المحكوم عليه، في خلال هذه المدة، نُقض وقف الحكم النافذ، وأعيد إلى المكان المخصص لتنفيذ عقوبته، ليستوفي المدة المتبقي منها وقت الإفراج عنه، ويتحقق ذلك في ثلاث حالات، الأولى ارتكابه جريمة أخرى يحكم عليه من أجلها بعقوبة جنائية أو جنحية، والثانية أن يثبت بحكم قضائي أنه قد خرق تدبير الحرية المراقبة المفروض عليه، والثالثة أن يثبت بحكم قضائي أنه خالف أحد الواجبات التي فرضت عليه.

أما إذا انقضت المدة المتبقية من العقوبة أو التدبير الاحترازي من دون أن يصدر عن المفرج عنه أحد الأمور المتقدم بيانها، عد المحكوم عليه قد استوفى مدة العقوبة أو التدبير كاملة.

ولكن المشرع يقرر استثناء على ذلك يجيز به الحكم بنقض وقف الحكم النافذ، ولو بعد انقضاء المدة المتبقية من العقوبة أو التدبير الاحترازي، وذلك إذا كانت ملاحقة الجريمة الجديدة أو دعوى نقض الحكم النافذ قد بوشر بها قبل انقضاء المدة المذكورة. أما إذا لم تكتشف الجريمة الجديدة أو لم تباشر دعوى النقض إلا بعد انتهاء هذه المدة، فلا مجال لنقض وقف الحكم النافذ، وتصبح العقوبة أو التدبير كأنه قد تم تنفيذه كاملاً.

3ـ صفح المجني عليه: القاعدة أن تحريك الدعوى العامة في الجرائم هو من حق النيابة العامة، تمارسه بحرية وفق ما تراه ملائماً. ولكن المشرع قيد هذه الحرية في بعض الجرائم، وعلق حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العامة على تقديم شكوى من المجني عليه أو تقديم ادعاء شخصي من المتضرر من الجريمة. ومن أمثلة هذه الجرائم، في قانون العقوبات السوري، جرائم استيفاء الحق بالذات، وجريمة السفاح بين الأصول والفروع والأشقاء والشقيقات والأخوة والأخوات لأب أو لأم أو من هم بمنزلة هؤلاء جميعاً من الأصهار، وجرائم الإيذاء التي لا ينجم عنها تعطيل عن العمل مدة تزيد على عشرة أيام، وجريمة خرق حرمة المنزل، وجرائم الزنا، وجرائم الذم والقدح، وغيرها.

فإذا اشتكى المجني عليه في الجريمة أو أقام المتضرر نفسه مدعياً شخصياً تمكنت النيابة العامة من تحريك الدعوى ومباشرتها إلى نهايتها، ولكن هذه المكنة معلقة باستمرار المجني عليه بشكواه أو المتضرر بادعائه الشخصي، فإذا تنازل أحدهما عن حقه أي تم الصفح فإن القانون يرتب أثاراً على هذا الصفح.

أ ـ آثار صفح المجني عليه أو المتضرر: حددت المادة (156 من قانون العقوبات) هذه الآثار، التي يفرق بشأنها بين وضعين: الأول أن يتم الصفح في أثناء نظر الدعوى العامة وقبل صدور حكم مبرم فيها، فإن الصفح يسقطها ولا يبقى لها أثراً، والثاني أن يتم الصفح بعد صدور الحكم المبرم في الدعوى، فإن الصفح يوقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها. ومع ذلك فإن الحكم المبرم يظل يحسب في تطبيق القواعد الخاصة بوقف التنفيذ ووقف الحكم النافذ وإعادة الاعتبار والتكرار واعتياد الإجرام. وللمشرع أن يقرر في نص خاص الخروج على هذه الآثار، بأن يجعل للصفح مفعولاً أوسع، فيجب عندئذ تقديم النص الخاص.

وعلى أي حال فإن الصفح لا تأثير له في التدابير الاحترازية أو الإصلاحية، فلا يترتب عليه وقف تنفيذها، لأن هذه التدابير تهدف إلى القضاء على خطورة جرمية كامنة في شخص المحكوم عليه أو تهدف إلى تقويم سلوكه، ولا يتحقق ذلك إلا بتنفيذها فعلاً.

ب ـ القواعد الخاصة بالصفح: لم يشترط المشرع في الصفح أن يكون صريحاً أو مكتوباً، بل أجاز استنتاجه من كل عمل يدل على عفو المجني عليه أو على تصالح المتداعين. وإذا تم الصفح فإنه لا ينقض ولا يعلق على شرط. والصفح عن أحد المحكوم عليهم يشمل الآخرين. ولكن إذا تعدد المدعون الشخصيون فيجب أن يصدر الصفح عنهم جميعاً.

سادساًـ سقوط العقوبة:

يرتب الحكم المبرم بالعقوبة التزام المحكوم عليه بتنفيذها، والذي لا ينقضي، من حيث الأصل، إلا بالتنفيذ الفعلي للعقوبة. غير أن المشرع قد نص في (المادة 147 من قانون العقوبات) على أسباب عارضة يترتب عليها انقضاء العقوبة وسقوطها من دون أن تنفذ بالمحكوم عليه. ومن هذه الأسباب وفاة المحكوم عليه والعفو العام والعفو الخاص والتقادم.

1ـ وفاة المحكوم عليه: تضمنت (المادة 149 من قانون العقوبات) آثار وفاة المحكوم عليه، والتي يمكن إجمالها بما يلي: يترتب على وفاة المحكوم عليه سقوط جميع العقوبات المحكوم بها، لا فرق في ذلك بين عقوبة بدنية أو مانعة أو مقيدة للحرية أو مالية أو نفسية أو مانعة للحقوق، وسواء أكانت العقوبة أصلية أم فرعية أم إضافية. والعلة في ذلك هي صفة شخصية العقوبة، التي مفادها أن العقوبة لا تحقق أغراضها إلا إذا نفذت في شخص المحكوم عليه دون سواه، فإذا مات امتنع تنفيذها.

ولكن لا تأثير للوفاة في المصادرة الشخصية إذا كانت الأشياء المصادرة قد حكم بها للمدعي الشخصي، لأنها تأخذ حكم التعويض المدني، الذي يتحول بالوفاة إلى دين يوفى من التركة، كما أنه لا مفعول للوفاة في تدبيري المصادرة العينية وإقفال المحل، لأنهما من التدابير الاحترازية التي تواجه خطورة جرمية كامنة في شيء بذاته، في حال المصادرة العينية، أو في استغلال المحل، في حال إقفاله. وهذه الخطورة تستمر على الرغم من وفاة المحكوم عليه، فلا تستأصل إلا بالتنفيذ الفعلي للتدبير، ويقتضي ذلك أن الوفاة لا ينقضي بها هذان التدبيران.

2ـ العفو العام:

أ ـ تعريفه وعلته وخصائصه: العفو العام قانون يصدر عن السلطة التشريعية بمحو الصفة الجرمية عن بعض الأفعال، وقد يتضمن أحياناً العفو عن جزء من العقوبة فقط، وذلك في الجرائم الجسيمة. ويصدر العفو العام لاعتبارات عديدة، منها إسدال ستار النسيان على بعض الجرائم التي ارتكبت في ظروف بغيضة، كفترات الاضطرابات السياسية، وكوسيلة للتهدئة الاجتماعية، تمهيداً لعودة الحياة الطبيعية في البلاد، أو يصدر في مناسبات بهيجة، كتسلم حزب أو رئيس جديد زمام السلطة في البلاد، أو في الأعياد الوطنية.

ولا يصدر العفو العام إلا من السلطة التشريعية، لأن من شأنه أن يعطل تطبيق نص القانون في تجريم بعض الأفعال، ومن ثم فهو يمس القوة القانونية للنص، لذلك لا تملكه إلا السلطة التي اختصت بإصدار القانون.

ويتميز العفو العام بأنه ذو طابع موضوعي عام، يرد على عدد من الجرائم، بصرف النظر عن مرتكبيها، كالجرائم السياسية أو الجرائم البسيطة، فيزيل عن أفعالها الصفة الجرمية، ومن ثم يستفيد منه جميع من أسهم فيها. كما يتميز بأنه من متعلقات النظام العام، إذ يقوم على اعتبارات مستمدة من مصلحة المجتمع، وللمحكمة إثارته من تلقاء نفسها، وتقول في ذلك محكمة النقض إن العفو العام من النظام العام ويتوجب بحثه في جميع الأدوار، ولمحكمة النقض إثارة الأسباب المبنية على النظام العام، ولو لم تثر أمامها من قبل أحد المتنازعين.

ب ـ آثار العفو العام: تتحدد آثار العفو تبعاً لوقت صدوره. فإذا صدر قانون العفو قبل انبرام الحكم انقضت الدعوى العامة به، وهذا ما تقضي به الفقرة الأولى من (المادة 436 من قانون أصول المحاكمات الجزائية) إذ جاء فيها أنه تسقط دعوى الحق العام بالعفو العام. أما إذا صدر قانون العفو بعد انبرام الحكم فإنه يزيله، من حيث المبدأ، بجميع آثاره، فتسقط كل عقوبة أصلية كانت أو فرعية أو إضافية (المادة 150/2 من قانون العقوبات)، كما لا يسجل هذا الحكم في صحيفة السجل العدلي للمحكوم عليه، وإن سبق وسجل قبل ذلك، فينبغي شطبه واعتباره كأن لم يكن، ومن ثم لا يعتد به كسابقة في التكرار أو اعتياد الإجرام، ولا يحول دون الحصول على وقف تنفيذ العقوبة. ولكن أثر العفو العام لا يمتد إلى التدابير الاحترازية والتدابير الإصلاحية، إلا إذا نص قانون العفو صراحة على ذلك (المادة 150/3 من قانون العقوبات)، ولا إلى الإلزامات المدنية التي تبقى خاضعة لأحكام القانون المدني (المادة 148 من قانون العقوبات)، ولا ترد الغرامات المستوفاة والأشياء المصادرة بمقتضى (المادة الـ69 من قانون العقوبات المادة 150/4 من قانون العقوبات).

3ـ العفو الخاص:

أ ـ تعريفه وأهميته: هو مرسوم يصدر عن رئيس الدولة بإعفاء المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة كلها أو بعضها أو استبدال عقوبة أخرى بها أخف منها في سلم العقوبات.

والعفو الخاص من اختصاص رئيس الدولة وحده، يمنحه بعد استطلاع رأي لجنة العفو. وهو، بما ينطوي عليه من تسامح، إجراء فردي ينال شخصاً ثبتت جدارته للاستفادة منه، وفي ذلك تقول (المادة 152/1 من قانون العقوبات): «العفو الخاص شخصي». ولكن إذا صدر مرسوم العفو فإن نفاذه لا يتوقف على قبول المحكوم عليه، إذ إنه ملزم له، ولا يمكنه أن يرفض الاستفادة منه.

وقد يوجه النقد إلى العفو الخاص بأنه إجراء ينطوي على تدخل من جانب السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، وينتهك قوة الأحكام القطعية الصادرة عنها. غير أن الوظائف الجوهرية التي يؤديها العفو تدعو إلى التجاوز عن ذلك الانتقاد غير الحاسم وتبرر الأخذ به. فالعفو أداة لتصحيح بعض أخطاء القضاء التي لا تكتشف إلا في وقت لم يعد فيه الحكم قابلاً لأي طريق من طرق الطعن. وهو أيضاً وسيلة لتشجيع المحكوم عليه على السلوك الحسن أثناء تنفيذ العقوبة أملاً في الحصول على ميزة العفو عن جزء من العقوبة مكافأةً له. وأخيراً يعد العفو وسيلة للتخفيف من قسوة بعض العقوبات، كالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة، المحكوم بها طبقاً للقانون، إذا اتضح أنها في الحالة التي قضي بها أقسى مما تقتضيه العدالة ومصلحة المجتمع.

ب ـ نطاق العفو الخاص: يتسع العفو الخاص لجميع العقوبات الأصلية أياً كانت، ولكنه لا يشمل العقوبات الفرعية أو الإضافية أو التدابير الاحترازية، المقضي بها إضافة إلى عقوبة أصلية، إلا بموجب نص صريح في المرسوم الذي يمنحه (المادة 152/3 من قانون العقوبات). ويتسع نطاق العفو كذلك لجميع الجرائم والمجرمين. ولكن العفو الخاص إجراء شخصي لا يستفيد منه إلا الشخص الذي ورد اسمه في مرسوم العفو، فإن كان معه شركاء أو متدخلون في جريمته فلا يستفيدون من العفو.

ج ـ شروط العفو الخاص: يشترط لمنح العفو الخاص ما يلي:

(1) صدور حكم مبرم بالعقوبة. وقد قرر المشرع ذلك صراحة في الفقرة الأولى من (المادة 153 من قانون العقوبات) التي جاء فيها أنه: «لا ينال العفو من لم يكن قد حكم عليه حكماً مبرماً». ويدل هذا الشرط على الطابع الاحتياطي للعفو الخاص، لا يُلْجأ إليه إلا إذا أُغْلقت جميع طرق الطعن.

(2) أن لا تكون العقوبة قد انقضت بأي سبب، كتنفيذها أو تقادمها، لأنه عندئذ لن تكون للمحكوم عليه مصلحة في العفو. غير أن وقف التنفيذ ووقف الحكم النافذ لا يحولان دون نيل العفو، لأن المحكوم عليه أثناء مدة التجربة يكون مهدداً بتنفيذ العقوبة فيه إذا نقض وقف التنفيذ أو وقف الحكم النافذ، ومن ثم تكون مصلحته واضحة في حصوله على العفو.

(3) ويجيز المشرع أيضاً في الفقرة الثالثة من (المادة 151 من قانون العقوبات) أن يكون العفو شرطياً، وأن يناط بالتزام أو أكثر من الالتزامات المعينة في (المادة 169 من قانون العقوبات)، وهي تقديم المحكوم عليه كفالة احتياطية، وخضوعه للرعاية، وأن يحصل المدعي الشخصي على تعويضه كله أو بعضه في مدة لا تتجاوز السنتين في الجنحة أو الستة أشهر في المخالفة. وإذا كان الفعل المقترف جناية وجب التعويض على المدعي الشخصي في مهلة أقصاها ثلاث سنوات.

د ـ آثار العفو الخاص: يترتب على منح العفو الخاص منع تنفيذ العقوبة الأصلية كلها أو بعضها، أو أن يستبدل بها عقوبة أخف منها، لأن العفو عن العقوبة كلياً أو جزئياً يعادل تنفيذها (المادة 154/1 من قانون العقوبات). أما العقوبات الفرعية أو الإضافية أو التدابير الاحترازية المقضي بها إضافة إلى العقوبة الأصلية، فلا يشملها العفو، إلا إذا ورد بذلك نص صريح. كما أن العفو الخاص لا يزيل حكم الإدانة، فيظل هذا الحكم قائماً ومنتجاً لجميع آثاره، عدا ما يكون العفو قد أزاله منها، فيستمر مفعول هذا الحكم والعقوبة المُسْقَطة أو المستبدلة لتطبيق أحكام وقف التنفيذ ووقف الحكم النافذ وإعادة الاعتبار والتكرار واعتياد الإجرام (المادة 154/2 من قانون العقوبات).

وغني عن البيان أن العفو الخاص لا يؤثر في حقوق المجني عليه، الذي يستطيع مراجعة المحاكم المختصة للمطالبة بتعويض الضرر الذي أصابه من الجريمة.

هـ ـ نقض العفو الخاص: إن منحة العفو الخاص ليست نهائية، إذ قد يُنْقض ويُلغى إذا ارتكب المحكوم عليه جريمة تالية، يتوافر فيها شروط التكرار إذا أضيفت إلى الحكم الذي سبق صدوره، أو أخل بأحد الواجبات التي فرضها مرسوم العفو بموجب (المادة 151من قانون العقوبات)، وثبت ذلك بحكم قضائي (المادة 155 من قانون العقوبات). وعلة نقض العفو هي تقدير المشرع أن المحكوم عليه بارتكابه أحد السلوكين السابقين يدل على أنه غير جدير بالتسامح الذي ينطوي عليه العفو، وأن إصلاحه لا يمكن أن يتم إلا بتنفيذ العقوبة فيه.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد ضياء الدين محمد خليل، الجزاء الجنائي بين العقوبة والتدبير، دراسة تحليلية مقارنة للعقوبة والتدابير الاحترازية (بلامكان طبع ورقم طبعة، 1995ـ1996).

ـ أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات ـ القسم العام (دار النهضة العربية، الطبعة الخامسة 1989).

ـ أحمد محمد العمر، النظرية العامة للجزاء (مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية بجامعة حلب، الطبعة الأولى 2006).

ـ جلال ثروت، نظم القسم العام في قانون العقوبات، الجزء الثاني نظرية المجرم والجزاء المسؤولية الجنائية والجزاء الجنائي (بلامكان طبع ورقم طبعة، 1994).

ـ عبد الوهاب حومد، المفصل في شرح قانون العقوبات ـ القسم العام (المطبعة الجديدة، دمشق 1990).

ـ عبود السراج، قانون العقوبات ـ القسم العام (مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية بجامعة حلب،1990).

ـ علي عبد القادر القهوجي، علم الإجرام وعلم العقاب (الدار الجامعية 1987).

ـ علي عبد القادر القهوجي، قانون العقوبات ـ القسم العام (الدار الجامعية 1985).

ـ عوض محمد، قانون العقوبات ـ القسم العام (بلا مكان طبع ورقم طبعة، 1987).

ـ كامل السعيد، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات الأردني (بلا مكان طبع ورقم طبعة، 1998).

ـ مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات السوري ـ القسم العام، النظرية العامة للجزاء (مطبعة جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، 2003).

ـ محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات اللبناني ـ القسم العام (الدار الجامعية 1981).

ـ محمد الفاضل، المبادئ العامة في التشريع الجزائي (مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية بجامعة دمشق، 1982ـ1983).

ـ محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات ـ القسم العام (دار النيل للطباعة، الطبعة الثالثة 1955).

ـ محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات ـ القسم العام (دار النهضة العربية، الطبعة السادسة 1988).

ـ محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني ـ القسم العام (منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الثالثة، بيروت 1998).

ـ مصطفى بيطار وعبد القادر الشيخ محمد، مقدمة القانون الجنائي علم الإجرام والعقاب (منشورات مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية بجامعة حلب، 2004).

ـ ياسين الدركزلي وأديب استانبولي، المجموعة الجزائية لقرارات محكمة النقض السورية من عام 1949ـ1990 (المكتبة القانونية، الطبعة الثالثة 1997).


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 298
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1046
الكل : 58492656
اليوم : 65170