logo

logo

logo

logo

logo

السلطة التشريعية

سلطه تشريعيه

legislative power - pouvoir législatif

 السلطة التشريعية

السلطة التشريعية

سعيد نحيلي

موقع السلطة التشريعية في هيكلية الدولة

المدلولان العضوي والوظيفي للسلطة التشريعية

السلطة التشريعية في الجمهورية العربية السورية

 

أولاً ـ موقع السلطة التشريعية في هيكلية الدولة:

إن الحديث عن السلطة التشريعية يقود إلى الحديث عن وظائف الدولة الحديثة والتطور الكبير الذي طرأ عليها حيث توسعت وظائف الدولة وأصبح من المتعذر حصرها وتجميعها في يد هيئة واحدة، على عكس ما كان عليه الحال في العصور القديمة حيث كانت وظائف الدولة محدودة وكان من الممكن حصرها وتركيزها في يد هيئة واحدة. وبعيداً عن الأسباب العمليّة والفنيّة التي تحول دون قيام هيئة واحدة بممارسة جميع وظائف الدولة فإن ثمة مبررات علميّة فرضت توزيع وظائف الدولة على هيئات مختلفة تتمثل بظهور فكرة دولة القانون بالمدلولين الموضوعي والشكلي على يد مجموعة من المفكرين العظماء أمثال أرسطو ومونتسكيو وجون لوك وغيرهم؛ إذ تحوَلت أفكارهم ونظرياتهم إلى نصوص قانونية من الدرجة الرفيعة.

وإذا كان المدلول الموضوعي (المادي) لدولة القانون يقوم على فكرة العدالة ونفاذ الحقوق الأساسية والحريات العامة والتزام جميع هيئات الدولة بالقانون؛ فإن المدلول الشكلي لدولة القانون يقوم على فكرة فصل السلطات وتوزيعها. هذه الفكرة التي أرساها الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو في كتابه "روح القوانين" De l’esprit des lois مبدأً فرض ذاته على سائر النظم القانونية العالميَة المعاصرة. وقد جاء في الفصل المخصص للدستور الإنكليزي من الكتاب المذكور:

"يوجد في كل دولة ثلاثة أنواع من الصلاحيات: الصلاحية التشريعية، الصلاحية التنفيذية في المواد المتعلقة بالقانون الدولي، والصلاحية التنفيذية في المواد المتعلقة بالقانون المدني". بموجب الصلاحية الأولى ينشئ الحاكم قوانين مؤقتة أو دائمة ويعدّل قوانين نافذة أو يلغيها. وعلى أساس الصلاحية الثانية يؤسس الحاكم سلاماً أو حرباً، يرسل أو يستقبل سفراء، يخلق الأمن، ويقاوم الهجمات الخارجية. وعلى أساس الصلاحية الثالثة يلاحق الجرائم ويعاقب المجرمين. والصلاحية الثالثة يفترض أن تدعى "الصلاحية القضائية".

وحالما اتحدت الصلاحية التشريعية مع الصلاحية التنفيذية في يد الشخص أو الهيئة ذاتها غابت الحرية؛ إذ يخشى أن يقوم الملك ذاته بسن تشريع ظالم وينفذه على نحو ظالم. كما أنه ليس ثمة حريَّة في حال كانت الصلاحية القضائية غير منفصلة عن الصلاحية التشريعية أو التنفيذية.

وقد توصل مونتسكيو إلى نتيجة مهمة مؤداها: في كل مكان لا يوجد فيه تطبيق لهذا المبدأ يسود الاستبداد، وعليه يمكن القول: إن تحليل مونتسكيو يفيد في الوقت الحالي في فهم هيكلية دول العالم المعاصر واستيعابها.

ومما لا شك فيه أن نقطة الانطلاق لفهم مبدأ الفصل بين السلطات ينبغي أن تتجلى في فهم وظائف الدولة بالمعنى الموضوعي. بعبارة أخرى ينبغي أن تتجلى في فهم النماذج الرئيسية لمهام الدولة. وقد حدَّد مونتسكيو هذه المهام بالتشريع والتنفيذ والسلطة القضائية.ولم تقتصر أفكار مونتسكيو على الفصل الوظيفي للسلطات؛ بل كانت أفكاره مشروطة بإسناد هذه الوظائف إلى هيئات وكيانات مستقلة، فقد استنتج مونتسكيو أن ضمان الحرية الفردية مرتبط بالهيئات التي تمارس هذه الوظائف.

وقد عبرت جُلُّ دساتير دول العالم المعاصر عن هذه الأفكار صراحة. فمثلاً نصت المادة (20) فقرة (2) من القانون الأساسي الألماني لعام 1949 (Grundgesetz) على أنه:

"تُمارسْ السلطة العامة من خلال هيئات متخصصة هي: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية". ويعد هذا النص تجسيداً لفكرة الفصل العضوي للوظائف.

وخلاصة القول أن وظائف الدولة الثلاث تسند إلى هيئات ثلاث تشكل وفق مبدأ الديمقراطية؛ بحيث لا يجوز لشخص يعمل في هيئة أن يكون عضواً في هيئة أخرى؛ أي إن فصل السلطات لا يقتصر على الناحية الموضوعية بل يمتد ليشمل الجانب الشخصي.وبالتالي لا يكون مبدأ فصل السلطات مثالياً إلا إذا تمَّ إسناد كل وظيفة من وظائف الدولة إلى هيئة متخصصة بالطريقة التي يكون فيها البرلمان مختصاً بسن التشريعات؛ والحكومة والإدارة مختصتين بالوظيفة التنفيذية؛ والمحاكم مختصة بالوظيفة القضائية من دون أن يكون هناك أي استثناء. ومما لا شك فيه أن هذا التوزيع يضمن عقلانية نوعية لتنفيذ مهام الدولة، كما يعد تجسيداً لفكرة الشرعية والديمقراطية.

وسوف يتم التركيز في الصفحات التالية على السلطة التشريعية تنظيماً ونشاطاً، أي لا بد من معرفة تكوين هذه السلطة داخل هيكلية الدولة، وأن تتم معرفة اختصاصاتها بشيء من التفصيل.

ثانياً ـ المدلولان العضوي والوظيفي للسلطة التشريعية:

اقترن الفصل الوظيفي للسلطات بفصل عضوي تجلّى بتشكيل هيئات (كيانات) متخصصة، يسند إلى كل منها وظيفة من الوظائف المذكورة أعلاه. ومن ثم فإن هيكلية الدولة تتألف من: الهيئة التشريعية التي يجسَّدها البرلمان، والهيئة التنفيذية المتمثلة بالحكومة والإدارة، والهيئة القضائية المتمثلة بالمحاكم. وكما يتضح فإن إحداث هذه الهيئات المختلفة إنما هو الخطوة الثانية بعد الاعتراف بالفصل الوظيفي. فكما يمكن الحديث عن وجود وظيفة تشريعية في الدولة، يمكن القول في الوقت نفسه: إنه توجد هيئة تشريعية تمارس هذه الوظيفة التشريعية. ومن ثم يمكن تعريف السلطة التشريعية بالمعنى العضوي بأنها تلك الهيئة أو (الكيان) التي يتم تشكيلها وفق فكرة الشرعية الديمقراطية لتمارس الوظيفة التشريعية في الدولة.

وبغية الإلمام بمفهوم السلطة التشريعية من الناحيتين العضوية والوظيفية يقتضي الأمر بادئ ذي بدئ تعرّف المؤسسات الدستورية التي تجسد السلطة التشريعية عضوياً، وبعد ذلك يتم الانتقال إلى الحديث عن اختصاصات السلطة التشريعية في النظم العالمية الكبرى، وأخيراً يتم تسليط الضوء على واقع السلطة التشريعية في الجمهورية العربية السورية من حيث كونها هيئة واختصاصاً.

1ـ المؤسسات الدستورية التي تجسِّد السلطة التشريعية عضوياً:

إن إلقاء نظرة سريعة على دساتير مختلف دول هذا العالم المعاصر تقود إلى الاستنتاج أن هذه الدساتير نظمت ـ وعلى نحو صريح ـ بنية السلطة التشريعية، وبيَّنت طريقة تكوينها. كما يُستنتج أيضاً أن هناك فروقات بين الدول في التسمية التي أطلقتها على السلطة التشريعية من الناحية العضوية. فبعض الدول تطلق عليها اسم البرلمان (ألمانيا) وبعضها الآخر يطلق عليها مجلس النواب (لبنان) وبعضها الثالث يطلق عليها مجلس الشعب (مصر وسورية).

بيد أنه يجب الإشارة إلى أن هذه التسميات المختلفة لا تغير من جوهر الموضوع؛ إذ إن السلطة التشريعية تمثل من حيث النتيجة ما يطلق عليها الهيئة النيابية في الدولة للدلالة على أنها تنوب عن الشعب في ممارسة مهامها؛ لكونها تحصل على شرعيتها من الشعب. كما أن إلقاء نظرة على دساتير معظم دول العالم المعاصر تُبيِّن أن ثمة اختلافاً في تركيب الهيئة التشريعية، فبعض الدول سواء الاتحادية منها أم البسيطة اعتمدت نظام المجلسين في تكوين الهيئة النيابية (ألمانيا، فرنسا، أمريكا، مصر)، وبعضها اعتمد نظام المجلس الواحد في تكوين هيئتها التشريعية (لبنان، سورية، تونس وغيرهم). ونظراً لتشعب هذا الموضوع فإنه من الأهمية بمكان القيام بعرض النماذج الرئيسية في العالم حول بنية الهيئة النيابية؛ على أن يتم التركيز على النظم العالمية الكبرى.

أ ـ نظم المجلس الواحد:

إن المجلس النيابي الواحد يتم تشكيله عن طريق الانتخاب بحيث يكون جميع أعضائه منتخبين مباشرة من الشعب. فمثلاً يقرر الدستور اللبناني المادة (24) أن يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين، كذلك الحال بالنسبة إلى الدستور التونسي الذي يقرر أن ينتخب مجلس الأمة انتخاباً عاماً حراً مباشراً سرياً حسب الطريقة والشروط التي يحدِّدها قانون الانتخاب العام.

ومن الدول التي أخذت بنظام المجلس النيابي الواحد الجمهورية اللبنانية التي أشار دستورها إلى تولي مجلس النواب لأعمال السلطة التشريعية، كذلك الأمر دولة الكويت (مجلس الأمة)، وكذلك الحال في تونس (مجلس الأمة)، وقد أخذت سورية بنظام المجلس النيابي الواحد في ظل دستور 1973 وهو يسمى مجلس الشعب. وكما هو واضح فإن نظام المجلس الواحد لا يثير أي صعوبات تذكر سواء لجهة التكوين أم لجهة الاختصاص؛ إذ لا يوجد مجلس آخر ينافسه في ذلك.

ب ـ نظام المجلسين:

تتكون الهيئة النيابية في دول هذا النظام من مجلسين اثنين حيث تسند الوظيفة التشريعية إلى "هيئة مزدوجة". والجدير بالذكر أن الأخذ بنظام المجلسين فرض على المشرِّع الدستوري في الدول التي تطبق هذا النظام أن يكون هناك اختلاف في طريقة تكوين كلا المجلسين واختلاف في الاختصاصات. فمن حيث التكوين يتضح أن المجلس الأول يتم اختيار جميع أعضائه بطريقة الانتخاب (مثال: انتخاب مجلس النواب في الأردن المادة (17) من الدستور الأردني لعام 1952). أما المجلس الثاني فيتم تكوينه بطريقة أخرى كالوراثة بالنسبة إلى غالبية أعضاء مجلس اللوردات البريطاني. ومن الدساتير ما يجعل العضوية في المجلس الثاني بنص القانون. مثال ذلك ما قرره الدستور الإيطالي لعام 1947 الذي أقر أحقية رؤساء الجمهورية السابقين في عضوية مجلس الشيوخ. وهناك دول تأخذ بانتخاب جميع أعضاء المجلس الثاني (الأعلى) كما هو الحال في فرنسا إذ يتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي في ظل الدستور الحالي لعام 1958 انتخاباً غير مباشر في كل محافظة بواسطة «مجمع انتخابي» يتكون من النواب في المحافظة، وهم أعضاء الجمعية الوطنية وأعضاء مجلس المحافظة ومندوبون عن المجالس البلدية فيها. ومن حيث الاختصاص فقد ذهبت بعض الدساتير إلى التفرقة في اختصاص كل من المجلسين بالنظر إلى اختلافهما من حيث التكوين، فقد منحت الغلبة في الاختصاص للمجلس الذي يتم تكوينه بطريقة الانتخاب على حساب المجلس الذي تمَّ تشكيله بطريقة أخرى (التعيين أو الوراثة)؛ إذ إنه على الرغم من منح الاختصاص التشريعي للمجلسين من اقتراح القوانين وإقرارها، فإن هذا الاختصاص يأتي مقيداً للمجلس الأعلى ولاسيما في المسائل المالية. ومن الأمثلة على ذلك تلك الحالة في إنكلترا حيث لا يملك مجلس اللوردات (المجلس الثاني) أي سلطة في المسائل المالية، ويعدّ رأيه استشارياً في المسائل التشريعية، إضافة إلى أن الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية يمارسها المجلس الأول وهو مجلس العموم.

ومهما يكن من أمر فإن قرار الدولة (أي دولة) في اعتماد أحد النظامين إنما يرتبط بالإرادة السياسيّة في الدولة، وهو أمر مرتبط بشكل الدولة هل هي دولة اتحادية (فيدرالية) أم دولة بسيطة (موحدة)، كما يرتبط هذا الموضوع بالظروف التاريخية والسياسية والثقافية في الدولة. أي إنه من غير المنطق تفضيل نظام على آخر على نحو ارتجالي؛ بل لا بدَّ من إجراء نوع من الموازنة العلمية بين مزايا كلٍّ من النظامين وعيوبهما.

فالعمل بنظام المجلسين يحول دون استبداد الهيئة النيابية، ذلك أن المجالس النيابية غالباً ما تميل إلى توسيع سلطاتها والاعتداء على حقوق الهيئات الأخرى ولاسيما السلطة التنفيذية، كما أن الأخذ بنظام المجلسين يؤدي بالضرورة إلى الارتقاء بمستوى كفاءة الأعضاء داخل البرلمان، ذلك أن تكوين الهيئة النيابية عن طريق الانتخاب لمجلس واحد كثيراً ما يؤدي إلى أن يصبح المجلس مكوناً من أعضاء تنقصهم الخبرة. أما نظام المجلسين فيعمل على تلافي هذا العيب ويسمح بمدّ المجلس الثاني (الأعلى) بذوي الخبرة والكفاءة.

ومن محاسن نظام المجلسين أن قيام المجلسين يؤدي إلى إتقان العمل التشريعي بل وإجادته؛ لجهة أن تقرير مشروعات القوانين في داخل المجلسين النيابيين يعمل على زيادة الدراسة المتأنية والتقليل من فرص الخطأ.

بيد أنه وبالمقابل يتميز نظام المجلس الواحد بمزايا يفتقر إليها نظام المجلسين ولاسيما لجهة أنه يحقق سرعة العمل التشريعي، كما أن العمل التشريعي في ظل قيام مجلس نيابي واحد يتسم بالاتقان؛ إذ يلتزم المجلس بدراسة القوانين بدقة من دون أن يكون هناك تواكل أو تهاون.

وفي ضوء ذلك فإنه لا يمكن الجزم بتفضيل نظام من النظامين السابقين على الآخر، لذا فمن الأفضل تطبيق القاعدة العامة في النظم السياسية والتي تقضي أن ما يصلح لدولة ما من أنظمة قد لا يصلح لدولة أخرى، وقد يختلف الأمر ضمن الدولة الواحدة من زمن إلى آخر.

وبعد الاطلاع على تركيبة السلطة التشريعية من الناحية العضوية، بات من الضروري معرفة اختصاصات السلطة التشريعة، أي النشاط الذي تقوم به الهيئة التشريعية (أو السلطة التشريعية من الناحية الوظيفية).

2ـ اختصاصات الهيئة التشريعية في النظم السياسية الكبرى:

تحدِّد الدساتير التي تأخذ بمبدأ فصل السلطات اختصاصات كل هيئة بما في ذلك اختصاصات الهيئة التشريعية. وفيما يلي مجموعة من الاختصاصات التي تمارسها الهيئة التشريعية في أغلب دول العالم المعاصر:

أ ـ الاختصاص التشريعي:

إن الوظيفة الأولى التي تسندإلى الهيئة التشريعية التي يجسدها «البرلمان» أو «مجلس النواب» أو «مجلس الشعب»… إلخ تتجلى بالتشريع Normsetzung؛ أي وضع القواعد القانونية الملزمة. ولا شك أن ثمة إجراءات شكلية منصوص عليها في الدستور تلزم السلطة التشريعية لدى ممارستها اختصاصها في التشريع. وجدير بالذكر أن هذه الإجراءات الدستورية التي تقيد عمل السلطة التشريعية هي التي تضفي على التشريعات التي تسنها هذه السلطة وصف القانون بالمعنى الشكلي Formeller Gesetzbegriff، وبالتالي لا تنتمي إلى وظيفة التشريع بالمعنى المذكور تلك القواعد القانونية العامة الملزمة التي تصدرها الإدارة تحت عنوان اللوائح. وقد أطلق الفقه على هذا النوع من القواعد القانونية مصطلح القانون بالمعنى المادي، وهي تأتي بلا شك في مرتبة أدنى ضمن هرم القاعدة القانونية الذي يأتي الدستور على قمته ومن ثم القوانين الشكلية وأخيراً اللوائح "التشريعات الفرعية". وكما هو معروف فإن أهمية مبدأ تدرج القواعد القانونية لا تقتصر على النواحي الفقهية؛ بل تتعدى ذلك وتكتسب أهمية عملية تتجلى بلزوم اتفاق التشريعات العادية مع الدستور؛ ومن ثم خضوع البرلمان للرقابة على الدستورية سواء قام بهذه الرقابة هيئة سياسيّة أم هيئة قضائية. والجدير بالذكر أن وظيفة التشريع التي تمارسها الهيئة التشريعية (سواء كانت هذه الهيئة مكونة من مجلس واحد أم من مجلسين اثنين) لا تتغير بتغير النظام السياسي الذي تتبعه الدولة. فالهيئة التشريعية تقوم بوظيفة التشريع سواء في النظام البرلماني أم في النظام الرئاسي أم في النظام شبه الرئاسي. أي لا أثر لهذه النظم السياسيّة في وظيفة التشريع بالنسبة إلى الهيئة التشريعية.

وهكذا يمكن القول: إن التشريع هو الميدان الحقيقي لعمل السلطة التشريعية كما يدل اسمها، ويعدّ ذلك واحداً من المرتكزات الأساسية لنظام الديمقراطية التمثيلية حيث يتولى نواب الشعب مهمة التشريع نيابة عنه.

ولا يغير من هذه الحقيقة قيام بعض الدول وبموجب نصوص دستورية بتوزيع الوظيفة التشريعية بين البرلمان والحكومة، بل أكثر من ذلك ممارسة هذه الوظيفة من قبل السلطة التنفيذية على نحو يفوق عمل السلطة التشريعية.والمثال التقليدي على ذلك هو النظام الدستوري الفرنسي (على خلاف باقي دول أوربا الغربية مثال: بريطانيا وألمانيا وإيطاليا). وإثر ذلك تحدَّث بعض الفقهاء الدستوريين عن أزمة البرلمان في فرنسا ودعَوْا إلى إصلاح الهيئة التشريعية التي تعد الأساس الصلب في الديمقراطية التمثيلية.

وقد حدَّد دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لعام 1958 المجالات التي تدخل في اختصاص البرلمان على سبيل الحصر، وباقي المجالات تقوم الحكومة بتنظيمها عن طريق اللوائح، أي أصبحت الحكومة هي المشرِّع العام والبرلمان هو المشرِّع المقيَّد. وفي أمريكا تقوم السلطة التشريعية المتمثلة بـ «الكونغرس» بممارسة وظيفة التشريع مقاسمة بين مجلسيه: مجلس الشيوخ ومجلس النواب تحت رقابة الرئيس والمحكمة العليا؛ إذ يمتلك الرئيس الأمريكي بموجب الدستور حق الڤيتو الرئاسي إزاء الاقتراحات بقانون التي يكون قد أقرها كلا المجلسين، وترفع بعد ذلك إلى الرئيس من أجل توقيعها ونشرها وفق إجراءات محدَّدة دستورياً. وفي جمهورية ألمانيا الاتحادية تقوم السلطة التشريعية التي يجسدها البرلمان الاتحادي وبرلمان الدويلات بممارسة الوظيفة التشريعية، مع الإشارة إلى أن القانون الأساسي الألماني لعام 1949 قد نهج منهجاً مميزاً في تصنيف الوظيفة التشريعية للاتحاد المركزي، فقد قسمت المادة (70) من القانون الأساسي الألماني الصلاحيات التشريعية بين الاتحاد والدويلات. وقد نصت المادة (70) بند (1) على أنه "للدويلات الحق في التشريع طالما أن الدستور لم يمنح الاتحاد صلاحية تشريعية". وجاء في البند الثاني أن وضع الحدود بين اختصاصات الاتحاد والدويلات يستند في جوهره إلى أحكام الدستور المتعلقة بالتشريع الحصري والتشريع التنافسي. أما مهمة تحديد الشؤون التي تدخل في هذا النوع من الصلاحيات التشريعية أو ذاك فقد أسندت إلى المواد (72، 73، 74) من القانون الأساسي.

وقد حدَّدت المادة (76) من القانون الأساسي الجهات التي يحق لها تقديم المبادرة التشريعية والمحصورة في الحكومة وأعضاء من وسط المجلس الاتحادي Bundestag وأعضاء من وسط أعضاء مجلس الدويلات Bundesrat.

والجدير بالذكر أن الوظيفة التشريعية في ألمانيا ليست حكراً على السلطة التشريعية، بل توجد حالات حدَّدها الدستور تستطيع من خلالها الحكومة أن تمارس وظيفة التشريع، فتصدر عندئذٍ ما يسمى التشريعات الفرعية بناءً على ما يسمى التفويض التشريعي. فعلى سبيل المثال تنص المادة (80) بند (1) من القانون الأساسي لعام 1949 على أنه: "من الممكن بموجب قانون الترخيص للحكومة الاتحادية أو لوزير اتحادي أو لحكومة دويلة من الدويلات صلاحية سن لوائح؛ على أن يحَّدد مضمون وغرض ومدى الإذن التشريعي بدايةً في القانون، كما ينبغي لصحة اللوائح ذكر الأساس التشريعي الذي تقوم عليه". وإذا نص القانون على إمكانية نقل صلاحية الترخيص بإصدار لائحة لسلطة أخرى؛ فإنه من الضروري عندئذٍ لنفاذ هذا النقل توافر أساس تشريعي يتجلى باللائحة (القرار التنظيمي).

ب ـ اختصاص الهيئة التشريعية في مجال مراقبة الحكومة:

تختلف صلاحية البرلمان في مراقبة الأجهزة الحكوميّة وأعمالها باختلاف النظام السياسي المتبع في الدولة. وهذا ما يقود إلى الحديث عن مبدأ الفصل بين السلطات وتنوع أساليب تطبيقه تبعاً للنظم السياسية. فقد تأخذ بعض الدول بنظام التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ أي وجود علاقة متبادلة بينهما، وهذه الصيغة من العلاقة تشكل واحداً من الأسس الرئيسية التي يقوم عليها النظام البرلماني. وبالمقابل فإن بعض النظم السياسية تطبق مبدأ فصل السلطات بشكله الحاد كما هو الحال في النظام الرئاسي الأمريكي.

وتجدر الإشارة إلى أن الحديث حول علاقة النظام السياسي بالأسلوب المتبع في تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات؛ يكون في هذا المقام بالقدر الذي يستوجبه الحديث عن اختلاف حجم الصلاحيات السياسية التي تملكها السلطة التشريعية في مواجهة الحكومة.

بعبارة أخرى: تملك السلطة التشريعية في أي نظام من النظم السياسية صلاحيات سياسية إضافة إلى صلاحياتها التشريعية الأساسيّة، تتجلى في مراقبة أعمال الحكومة ومحاسبتها ومساءلتها. ونظراً لخطورة هذه الصلاحية في مواجهة السلطة التنفيذية فقد قام المشرِّع الدستوري بتنظيمها مباشرة تفادياً لحدوث أي نوع من النزاع بين سلطات الدولة.

ويشمل التنظيم الدستوري للرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة تحديد الهيئة التشريعية التي تتولى هذه الصلاحيّة ولاسيما في الدول التي تعتمد نظام المجلسين. ففي فرنسا مثلاً تمارس الجمعية الوطنية (المجلس الأول أو الأدنى) صلاحية مراقبة أعمال الحكومة من دون مجلس الشيوخ حيث يتيح الدستور لها مجموعة من الوسائل تبدأ بتوجيه أسئلة خطيّة أو شفويّة للوزراء يتوجب على الوزير المختص الإجابة عنها. وقد نصت المادة (48) من الدستور الفرنسي لعام 1958 على مبدأ مسؤولية الحكومة أمام الجمعية الوطنية مسؤولية تضامنية ومسؤولية فردية، كما نظمت المادة (49) مسألة حصول الحكومة على ثقة البرلمان وتحريك المسؤولية الوزارية إما بمبادرة من الوزير وإما بمبادرة الجمعية الوطنية التي تقترح حجب الثقة عن الحكومة. وتتجلى صلاحية الهيئة التشريعيِّة في مجال مراقبة الحكومة في أمريكا من خلال امتلاك الكونغرس سلطة التصويت على موازنة الحكومة، الأمر الذي يضيّق من حجم الإمكانات الموضوعة تحت تصرف الرئيس.

وفي جمهورية ألمانيا تمارس السلطة التشريعية ـ المتمثلة بالبرلمان الاتحادي ومجلس الدويلات وبرلمانات الدويلات ـ إضافة إلى الوظيفة التشريعية وظيفة أخرى تتجلى في الرقابة على أعمال الحكومة من خلال وسائل مختلفة أهمها السؤال والتحقيق. كما يقوم البرلمان الاتحادي استناداً إلى المادة (C/45) من القانون الأساسي بتأليف لجنة الطلبات Petitionsrecht، مهمتها معالجة الطلبات والشكاوى الموجهة من المواطنين في ضوء أحكام المادة (17) من القانون الأساسي الألماني لعام 9491 التي نصت أنه: "لكل امرئ الحق بشكل انفرادي أو جماعي مع غيره في أن يتقدم بطلبات مكتوبة أو بشكاوى إلى الجهات المختصة وإلى ممثلي الشعب". وتجدر الإشارة إلى أن هذه المادة وردت ضمن الفصل الأول من الدستور الألماني الذي يعالج الحقوق الأساسية Grundrechte.

إضافة إلى الصلاحية التشريعية والسياسية المتمثلة بمراقبة أعمال الحكومة تسند بعض الدساتير إلى السلطة التشريعية صلاحيات قضائية، كما هو الحال في النظام الأمريكي حيث يستطيع الكونغرس تحريك المسؤولية الجزائية للرئيس أو نائبه في حالة الخيانة العظمى ويتولى تحريك المسؤولية مجلس النواب، أما المحاكمة فهي من اختصاص المجلس الثاني (مجلس الشيوخ الذي ينعقد برئاسة رئيس المحكمة العليا). وهناك صلاحية أخرى ذات طبيعة ماليّة تمارسها السلطة التشريعية تتجلى بإشراف السلطة التشريعية على أوجه إنفاق المال العام، ومن الدساتير التي تمنح السلطة التشريعية الوظيفة المالية يُذكر الدستور الأمريكي.

ويعدّ الفقه الدستوري موافقة الكونغرس على الاعتمادات التي تطلبها السلطة التنفيذية وسيلة ضغط تمارسها السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية بهدف الانصياع للسياسات التي يتبناها الكونغرس.

ثالثاً ـ السلطة التشريعية في الجمهورية العربية السورية:

أفرد الدستور السوري الدائم لعام 1973 الباب الثاني لتنظيم سلطات الدولة. وتم تقسيم هذا الباب إلى ثلاثة فصول فتم تخصيص الفصل الأول المواد (50ـ82) لتنظيم السلطة التشريعية، وخصص الفصل الثاني المواد (83ـ130) للسلطة التنفيذية، أما الفصل الثالث من هذا الباب المواد (131ـ148) فقد تمَّ رصده لمعالجة السلطة القضائية.

وسيُكتفى في هذا البحث بشرح الأحكام المتعلقة بالسلطة التشريعية من الناحيتين العضوية والوظيفيّة وتوضيحها.

1ـ السلطة التشريعية من الناحية العضوية:

تنص المادة (50) فقرة (1) من الدستور السوري الدائم لعام 1973 على أنه: "يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية على الوجه المبين في الدستور".

ومن هذه المادة يُستخلص أن الدستور السوري ألبس ثوب السلطة التشريعية لمجلس منتخب أطلق عليه مجلس الشعب. ومهما كانت الأسباب الداعية إلى اختيار هذا التعبير؛ فإن مجلس الشعب لا يختلف من حيث التكوين والاختصاص عن تعبير البرلمان أو مجلس النواب الذي تستخدمه دساتير الديمقراطيات الغربية (ألمانيا، بريطانيا، أمريكا…).

أما بخصوص تكوين مجلس الشعب وتشكيله "السلطة التشريعية بالمعنى العضوي" فقد تضمن الدستور السوري الدائم لعام 1973 أحكاماً تفصيلية بذلك؛ إذ نصت المادة (50) فقرة (ب) من الدستور على أنه: "ينتخب أعضاء مجلس الشعب انتخاباً عاماً وسرياً ومباشراً ومتساوياً وفقاً لأحكام قانون الانتخاب".

ويُستخلص من هذه المادة أن الدستور السوري اعتمد نظام الديمقراطية التمثيلية المعتمد في جل دساتير الدول الغربية حيث يتولى مجلس الشعب تمثيل الشعب. كما يُستخلص من الحكم السابق أن الدستور السوري اعتمد أسلوب الانتخاب في تشكيل مجلس الشعب. وبناء على ذلك صدر المرسوم التشريعي رقم (26) لعام 1973 المتضمن قانون الانتخابات العامة والذي نظم حق الانتخاب والعملية الانتخابية وجرائم الانتخابات والمحرومين من الانتخابات وما إلى هناك من أحكام.

وقد تضمن الدستور السوري الدائم لعام 1973 أحكاماً تخص تكوين مجلس الشعب وتنظيمه. فقد حددَّت المادة (51) من الدستور السوري الدائم لعام 1953 مدة مجلس الشعب بأربع سنوات غير قابلة للتمديد إلا في حالة الحرب. كما أوجبت المادة (53) من الدستور أن يصار إلى تحديد عدد أعضاء مجلس الشعب بقانون شريطة أن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين (عدد أعضاء مجلس الشعب حالياً 250 عضواً)، كما تمَّ تنظيم موضوع الفصل في صحة عضوية مجلس الشعب (المادة 62 من الدستور الدائم)، كما تمَّ تنظيم عملية التمانع مع عضوية مجلس الشعب والاستقالة وشغور المنصب وضمانات الأعضاء والحصانة البرلمانية القضائية سواء في الدستور الدائم لعام 1973 أم في قانون الانتخابات العامة لعام 1973 أم في النظام الداخلي لمجلس الشعب الصادر في 6 حزيران/يونيو لعام 1974. ولا يتسع المقام للدخول بتفاصيل أكثر حول تكوين مجلس الشعب وتنظيمه لذا يكتفى بهذا القدر لتخصيص الحيِّز المتبقي في هذا البحث لدراسة اختصاصات السلطة التشريعية؛ أي دراسة السلطة التشريعية من الناحية الوظيفية.

2ـ السلطة التشريعية من الناحية الوظيفية:

عدَّدت المادة (71) من الدستور الدائم لعام 1973 اختصاصات مجلس الشعب ومن أهمها:

ترشيح رئيس الجمهورية.

إقرار القوانين.

مناقشة سياسة الوزارة.

إقرار الموازنة العامة وخطط التنمية.

إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة، وهي معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة أو الاتفاقيات التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبيّة، وكذلك المعاهدات والاتفاقيات التي تُحِّمل خزانة الدولة نفقات غير واردة في موازنتها أو التي تخالف أحكام القوانين النافذة أو التي يتطلب نفاذها إصدار تشريع جديد.

إقرار العفو العام.

قبول استقالة أحد أعضاء المجلس أو رفضها.

حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء.

وعند تصنيف هذه الاختصاصات ضمن مجموعات يتبين أن السلطة التشريعية في سورية متمثلة بمجلس الشعب لا تشكل استئناءً على القاعدة من حيث إنها تمارس عدة أنواع من الصلاحيات أهمها:

ـ الصلاحية التشريعية.

ـ الصلاحية السياسية.

ـ الصلاحية التصديقية.

ـ صلاحية مجلس الشعب في الفصل في الطعون الانتخابية (الصلاحية القضائية).

وفيما يلي توضيح هذه الصلاحيات بشيء من التفصيل:

الصلاحية التشريعية:

وتستخلص هذه الصلاحية من عبارة إقرار القوانين وإقرار الموازنة العامة وإقرار الاتفاقيات التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية أو حتى إقرار العفو العام. وكما هو ملاحظ فإن هذه الموضوعات تحديداً تحتاج إلى قانون تسنّه السلطة التشريعية حصراً، أي لا يجوز أن تنظم بصكوك أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن الدستور السوري حدَّد وعلى نحو مباشر المؤسسات الدستورية التي تملك حق المبادرة التشريعية، وهم: رئيس الجمهورية (المادة 110 من الدستور) وأعضاء مجلس الشعب (المادة 70 من الدستور) على ألا يقل عدد الأعضاء عن عشرة أعضاء (المادة 97 من النظام الداخلي للمجلس).

الصلاحية السياسية:

وتتجلى هذه الصلاحية بالرقابة السياسية على الأجهزة الحكومية وأعمالها، فكما هو معروف فإن الرقابة على أعمال الحكومة تتنوع تبعاً للجهة التي تمارس هذه الرقابة، فهناك الرقابة القضائية على أعمال الإدارة (يمارسها القضاء) وهناك الرقابة الإدارية (تمارسها الإدارة) وهناك الرقابة السياسية التي تمارسها السلطة التشريعية والأحزاب السياسية والرأي العام.

وكما هو واضح فإن للسلطة التشريعية دوراً واضحاً في ممارسة الرقابة السياسية على أعمال الحكومة. وقد حدَّد الدستور وعلى نحو مباشر الوسائل التي تملكها السلطة التشريعية في مواجهة السلطة التنفيذية، وهي وسائل لا تختلف عمَّا هو متبع في دساتير دول العالم المعاصر، وأهم هذه الوسائل: السؤال والاستجواب والتحقيق وحجب الثقة (المادة 70 من الدستور). وأضاف النظام الداخلي للمجلس وسائل أخرى منها: طلب طرح موضوع عام للمناقشة ومعالجة العرائض المقدمة للمجلس، كما حدَّد النظام الداخلي للمجلس إجراءات استخدام هذه الوسائل بالأسلوب الذي يضمن عدم حدوث أي نزاع بين السلطتين.

الصلاحية التصديقية:

وتنصرف هذه الصلاحية إلى المعاهدات والاتفاقيات الدوليّة ولاسيما تلك التي تتعلق بسلامة الدولة، وتكمن الحكمة من اشتراط النص الدستوري إقرار هذه المعاهدات من قبل مجلس الشعب في إكسابها الشرعية من صاحب الشرعية؛ ألا وهو الشعب الذي عبَّر عن إرادته الحرة في انتخاب ممثليه.

ومن الصلاحيات التي يمارسها مجلس الشعب يُذكر أيضاً مناقشة سياسة الوزارة وإقرار خطط التنمية؛ إذ تلتزم الحكومة بتقديم بيان عن سياستها إلى المجلس، وفي حال موافقة المجلس على ذلك يقوم بإقرار الخطة.

صلاحية مجلس الشعب في الفصل في الطعون الانتخابية (الصلاحية القضائية):

منحت المادة (62) من الدستور الدائم لعام 1973 مجلس الشعب صلاحية الفصل في صحة عضوية أعضائه وذلك في ضوء التحقيقات التي تجريها المحكمة الدستورية العليا التي تمَّ إحداثها وتحديد اختصاصاتها بموجب القانون رقم /19/ لعام 1973.

توزيع الوظيفة التشريعية بين السلطة التشريعية ورئيس الجمهورية:

استناداً إلى أحكام الدستور الدائم لعام 1973 يمارس وظيفة التشريع في سورية كل من مجلس الشعب ورئيس الجمهورية، بيد أن المشرِّع الدستوري السوري لم يتبع النهج الذي اتبعه الدستور الفرنسي لعام 1958 لجهة توزيع الاختصاص بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، فقد حدَّد الدستور الفرنسي ـ كما ذكر آنفاًـ اختصاصات السلطة التشريعية على سبيل الحصر، وما عدا ذلك يعود أمر التشريع فيه إلى السلطة التنفيذية عن طريق المراسيم (المادة 37 من الدستور الفرنسي لعام 1958)، أي إن الحكومة أضحت صاحبة الصلاحية العامة في التشريع؛ في حين أن صلاحية البرلمان التشريعية مقيدة.

أما الدستور السوري الدائم لعام 1973 فقد حافظ على الأصل العام الذي يعطي السلطة التشريعية الصلاحية العامة في التشريع، مع أنه منح رئيس الجمهورية صلاحية التشريع ولكن في حالات محدَّدة على سبيل الحصر.

وهذا ما أوضحته المادة (111) من الدستور حيث عدَّدت الحالات التي يستطيع فيها رئيس الجمهورية ممارسة التشريع وهي:

> التشريع خارج انعقاد دورات مجلس الشعب شريطة أن تعرض جميع المراسيم التي يصدرها الرئيس على المجلس في أول دورة انعقاد له.

> التشريع في أثناء انعقاد مجلس الشعب إذا توافرت حالة من حالات الضرورة القصوى المتعلقة بمصالح البلاد القومية؛ شريطة عرض هذه التشريعات على المجلس في أول جلسة له.

> في الفترة الفاصلة بين ولايتي مجلسين: أي في حال الانتهاء الطبيعي لصلاحية السلطة التشريعية.

دور مجلس الشعب تجاه المراسيم التشريعية:

انطلاقاً من الإبقاء على الأصل العام المتمثل بمنح السلطة التشريعية دور السيِّد في ممارسة الوظيفة التشريعية؛ فقد أخضع الدستور السوري المراسيم التشريعية التي يصدرها رئيس الجمهورية استناداً إلى الحالتين الأولى والثانية من المادة (111) إلى رقابة مجلس الشعب اللاحقة، وأعطاه صلاحية إلغائها أو تعديلها بقانون شريطة توافر أغلبيّة ثلثي أعضاء المجلس الحاضرين على ألا تقل هذه النسبة عن الأغلبية المطلقة.

ويرسي هذا الحكم الدستوري مبدأ هيمنة السلطة التشريعية على الوظيفة التشريعية في سورية. وخلاصة القول أنه مهما تعدَّدت واختلفت أساليب تكوين السلطة التشريعية وأساليب تنظيمها واختصاصاتها من نظام سياسي إلى آخر فإن ثمة قواسم مشتركة بينها جميعاً أهمها:

إن السلطة التشريعية تُكوَّن بطريقة الانتخاب وتمارس وظيفتين رئيسيتين هما: الوظيفة التشريعية والوظيفة السياسية من خلال مؤسسة الرقابة على أعمال الحكومة.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ سام دله، القانون الدستوري والنظم السياسية (منشورات جامعة حلب، 2005).

ـ فيصل كلثوم، دراسات في القانون الدستوري والنظم السياسية (منشورات جامعة دمشق، 2005).

ـ نزيه رعد، القانون الدستوري العام (المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان 1999).

ـ عبد المجيد عبد الحفيظ سليمان، النظم السياسية (مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، 1998).

ـ الدستور السوري الدائم لعام 1973.

ـ الدستور الفرنسي لعام 1958 (نسخة عربية).

ـ الدستور الألماني لعام 1947 (نسخة ألمانية).

ـ قانون الانتخابات العامة السوري لعام 1973.

ـ النظام الداخلي لمجلس الشعب لعام 1974.

- Thomas ELLWEIN, Joachim Jens HESSE, Das Regierungssystem der Bundesrepublik Deutschland , 6.Aufl., Teil I- II, (Opladen 1987).

- Christoph DEGENHART, Staatsrecht I Staatsorganisationsrecht, 16. Aufl., (Heidelberg, 2000).

- Jorn IPSEN, Staatsorganisationsrecht , 2. Aufl., (Frankfurt, 1989).


التصنيف : القانون العام
النوع : القانون العام
المجلد: المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي
رقم الصفحة ضمن المجلد : 175
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1046
الكل : 58492751
اليوم : 65265