logo

logo

logo

logo

logo

المالية العامة (مفهوم-)

ماليه عامه (مفهوم)

public finance (concept of-) - finances publiques (concept de-)

 المالية العامة (مفهوم ــــ)

المالية العامة (مفهوم ـ)

محمد خير العكام

تطور علم المالية العامة المالية العامة والتشريع المالي
تعريف علم المالية العامة علاقة علم المالية بالعلوم الأخرى
طبيعة علم المالية العامة القانونية أهداف النظام المالي وأدواته والتنسيق فيما بينها
 

إن دراسة علم المالية العامة تقتضي من القارئ الإلمام بمفاهيم أساسية لا غنى عنها لفهم الموضوعات المطروحة في هذا المجال.

فعلم المالية العامة يدرس المشاكل المتعلقة بتوجيه الموارد وتخصيصها لإشباع الحاجات العامة؛ لذا هو يرتبط بالنظام المالي العام الذي يتكون من أجزاء معيّنة مترابطة، وللتعرف إلى أهداف ذلك العلم، وإلى عناصره وعلاقاته وارتباطاته بالعلوم الأخرى، ومراحل تطوره وموضوعه وتعريفه فإن ذلك يتطلب تناول الموضوعات التالية:

أولاً ـ تطور علم المالية العامة:

يلاحظ أن علم المالية قد مر بعدة مراحل حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، ويمكن تقسيم هذه المراحل إلى:

1ـ المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل قيام الدولة الإسلامية:

لم يكن هنالك علم خاص بالمالية في هذه المرحلة كالمفهوم الحاضر وإنما كانت هنالك بعض الأعراف التي تنظم الأمور المالية للدولة، وبعض الأنظمة التي كانت تتفق مع مفهوم الدولة الحارسة.

في عهد الفراعنة كانت دولتهم تجبي الضرائب وتنفق الأموال وفق أنظمة مالية خاصة بها، أخذها عنهم اليونان، ولكن مالية الحكام كانت تختلط بمالية الدولة في ذلك الوقت، أما العرب فلم يكن لديهم نظم مالية خاصة قبل الإسلام لأنهم كانوا يعيشون عيشة قبلية لا أثر فيها لتنظيم الأموال العامة.

2ـ المرحلة الثانية: مرحلة الدولة الإسلامية:

جاء الإسلام، فوجدت الدولة في القرآن والسنة قواعد مالية واضحة المعالم، وقد استكملت هذه القواعد في الاجتهاد والفقه الإسلامي حتى غدت المالية العامة في الإسلام نظاماً متكاملاً، وقد اشتمل هذا النظام على الخطوط العامة التالية:

أ ـ الإيرادات في الدولة الإسلامية: اشتمل بيت المال في الإسلام على إيرادات دورية (كالزكاة والخراج) وإيرادات أخرى غير دورية لا تتكرر سنوياً، وفي خلافة عمرt أمر بإنشاء (ديوان بيت المال)، وقد نظم الإيرادات في عدة بيوت، أهمها:

 (1) ـ بيت الزكاة: ويعدّ هذا البيت مورداً مالياً لا ينضب لاحتوائه على هدفين (دنيوي وأخروي) وهدف مالي واجتماعي واقتصادي.

(2) ـ بيت الخراج والجزية والعشور: فالخراج ضريبة عينية على الأرض الزراعية التي فُتحت صلحاً أو قهراً دون النظر إلى الشخص المكلف بدفعها، أما الجزية فهي فريضة مالية تفرض على رؤوس أهل الذمة، وتسقط بإسلام الشخص، وتعدّ العشور من الفرائض المالية التي تفرض على بضائع التجار من أهل الذمة وغير المسلمين التي يقدمون بها إلى البلاد الإسلامية، ولا تفرض على التجارة بين الدول الإسلامية تشجيعاً لها بين هذه الدول.

(3) ـ بيت الغنائم والفيء والركاز: إن إيرادات الغنائم والفيء والركاز ـ وإن كانت إيرادات غير دورية ـ تعكس آنذاك التصنيف الدقيق والتوزيع في إيرادات الدولة، حيث كان تخصيص هذه الموارد لإنفاقها على منافع وخدمات عامة. وهي توجه لتغطية النفقات العسكرية والحربية، ويوزع الباقي من هذه الإيرادات إلى عدة أسهم محددة بآيات قرآنية. فالغنائم ما يؤخذ عنوة أو جبراً بالقتال، والفيء ما يحصل عليه المسلمون دون قتال، أما الركاز فهو المال الذي يعثر عليه في باطن الأرض كنزاً أو معدناً، وحكمه يشبه إلى حد كبير أموال الغنائم.

(4) ـ البيت الخاص بالإيرادات الأخرى: ويقصد بها الأموال المصادرة وأموال المرتدين والضوائع التي لا صاحب لها ولا يعرف مالكها أو وارثها، فجميعها تعدّ إيرادات لبيت المال.

ب ـ الإنفاق في الدولة الإسلامية: قُسم الإنفاق في الإسلام إلى نوعين:

(1) ـ الإنفاق الحكومي: وفيه يقسم الإنفاق بحسب طبيعة الإيراد، وبحسب حاجة الدولة، ففي الحالة الأولى توزع النفقة ضمن دائرة إيراد معيّن، أي إن كل إيراد يُنفق على جهة معيّنة يحدد لها نوع الإيراد، وفي الحالة الثانية وهو تقسيم النفقة بحسب حاجة الدول وما تمر به من ظروف عرضية واستثنائية، فغالباً ما تخصص الإيرادات الضرورية والاستثنائية لسد حاجة الدولة لنفقات طارئة وعرضية، وهي نفقات مخصصة للإصلاحات المستعجلة واللازمة لضرورات تمر بها الدولة.

(2) ـ الإنفاق الأهلي: ويستند هذا الإنفاق إلى مبدأ التكافل أو التضامن الاجتماعي وقاعدته، وأنواعه كثيرة كالصدقة والحسنة والكفارة والوصية والوقف، فهي إنفاقات متممة ومكملة للترابط الإسلامي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الإسلامي.

ج ـ الملامح الرئيسة للمالية العامة الإسلامية:

يمكن تعريف المالية العامة الإسلامية بأنها مجموعة المبادئ والأصول الاقتصادية العامة التي وردت في القرآن والسنة والتي تعالج الإيرادات العامة والنفقات العامة للدولة الإسلامية والموازنة بينهما، وبناءً على ذلك يمكن تحديد الملامح الرئيسة للمالية العامة الإسلامية والنظام المالي الإسلامي بما يلي:

(1) ـ لقد انفرد النظام المالي الإسلامي بفرائض مالية تحمل عدة أهداف، فمنها ما هو دنيوي مساهمة في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وبناء الدولة الإسلامية. ومنها ما هو ديني يؤديها الفرد لتحقيق العبودية لله تعالى.

(2) ـ هنالك اهتمام خاص بالمال، فقد قدم على النفس والأولاد، والمال في الإسلام ليس غاية بذاته، بل وسيلة يستعين بها المسلم، وعلى المسؤول أن ينفق هذا المال ضمن ضوابط تخدم مجتمعه دون المساس بحدود الله.

 (3) ـ إن المسلم مستخلف في المال الذي بحوزته يستخدمه وينتفع به ضمن الحدود التي رسمها الإسلام؛ لأن المال ملك لله تعالى وحده.

(4) ـ أغلب الفرائض الإيرادية والإنفاقية الإلهية دقيقة في تنظيمها في نصابها وتوزيعها.

(5) ـ الفرائض المالية الإسلامية منها ما هو إجباري، ومنها ما هو تعبدي يتعلق بجهد الفرد في الأداء وإيمانه.

(6) ـ تبويب النفقات العامة إلى نفقات حكومية ونفقات أهلية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والدينية تشمل المجتمع الإسلامي كله.

(7) ـ أخذ التشريع المالي الإسلامي بالقرض لمساعدة الآخرين على التخلص من الربا والاكتناز على ألا يكون مشروطاً أو حاملاً لنفع يعود على المقرض.

وهكذا يمكن القول: إن النظام المالي الإسلامي نظام متكامل ومحكم، نظَّم مالية الدولة ومالية الأفراد، وأوجد مبادئ في هذا الإطار ما زالت النظم المالية الحديثة تجادل في مضمونها، ولكن الدولة العربية ابتعدت شيئاً فشيئاً عن هذا النظام بسبب سعة البلاد المفتوحة وابتعادها عن تلك التعاليم.

3ـ المرحلة الثالثة: المالية العامة في العصور الوسطى وما بعدها:

في العصور الوسطى لم يكن للدول الغربية مالية منفصلة عن مالية حكامها، فكان هؤلاء ينفقون على حاجات البلاد من ريع أملاكهم الخاصة، وإن لم تكفِ لسد نفقات طارئة كانوا يقبلون التبرعات من الأغنياء، ويفرضون الضرائب لإنفاقها على تلك النفقات الطارئة (كالحروب)، فأخذت الضرائب في ذلك الحين الصفة المؤقتة والاستثنائية.

وبعد ازدياد وظائف الإقطاعيات وتشعبها أصبحت واردات أملاك الحكام الخاصة وتبرعات الأغنياء الاختيارية لا تكفي لسد حاجة الدولة من النفقات العامة؛ لذلك لجأت إلى فرض الضرائب الإجبارية.

مع بداية الثورة الصناعية وتشكيل الدول الأوربية عاد من جديد يتشكل علم خاص له ذاتيته يضم دراسة النفقة والإيراد والقروض العامة.

4ـ المرحلة الرابعة: المالية العامة في عصر الدولة الحديثة:

إن مفهوم المالية العامة للدولة له جوانب تاريخية واقتصادية وسياسية محدودة وضيقة في الفكر المالي التقليدي، وارتبط هذا المفهوم ارتباطاً وثيقاً بدور الدولة وبالفلسفة السياسية السائدة آنذاك.

ومفهوم المالية العامة في ظل الدولة الحارسة كان مفهوماً ضيقاً وعلاقته بالاقتصاد الوطني وبالمجالات الاجتماعية والسياسية كانت ضعيفةً، وهدفها كان مالياً بحتاً، ولم يتعدَّ مفهوم التوازن الحسابي بين حجم الإنفاق وحجم الإيرادات، واستبعد التوسع بالإنفاق العام بسبب وظائف الدولة المحدودة، فاقتصر دور الإيرادات على بعض الضرائب الضرورية. وكان من أبرز المؤلفين الذين أعطوا المالية العامة ملامحها الأولى الاقتصادي الإنكليزي "آدم سميث" في كتابه "ثروة الأمم"، "وريكاردو" في كتابه "الصلة الوثيقة بين الاقتصاد والضرائب" و"جون ستيورات ميل" في كتابه عن "مبادئ الاقتصاد السياسي"، ومن ثم ظهرت كتابات مستقلة خاصة بعلم المالية العامة، ككتاب "باستابل" عام 1892، و"دالتون" عام 1922، و"وبيجو" عام 1928، بذلك اتخذ علم المالية العامة استقلالية وذاتية خاصة به وإن كان له صلة وثيقة بغيره من العلوم.

واستمر الحال في تطبيق المفهوم التقليدي للمالية العامة حتى جاءت الحربان العالميتان الأولى والثانية وما صاحبهما من تداعيات وآثار دفعت إلى ضرورة إيجاد مفهوم آخر للمالية العامة يتماشى والمتطلبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية للدولة، ويتناسب مع دورها وأهدافها الجديدة، سواء الدولة التدخلية في ظل النظام الرأسمالي أم الدولة المنتجة في ظل النظام الاشتراكي، وبدأت تتمايز الملامح العامة للمالية التدخلية الرأسمالية من الملامح العامة للمالية الاشتراكية.

وهكذا يمكن القول: إن نشأة المالية العامة الحديثة تعود إلى ظهور الدولة الحديثة ونظمها السياسية، حيث غدا المال ركيزة السلطة السياسية ووسيلة الحكم وتنفيذ السياسة العامة للدولة، وقد كان هنالك صلة وثيقة بين تطور المالية العامة وتطور الديمقراطيات الحديثة؛ إذ كانت الضرائب هي السبب الرئيس لتشكيل البرلمانات وإقرار الحقوق السياسية للشعوب، التي عملت فيما بعد على ترسيخ علم المالية وتأصيل قواعده؛ وبالتالي غدا علماً مستقلاً بذاته يبحث في الظاهرة المالية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبدأ الاهتمام أكثر في آثارها في المستوى الداخلي والخارجي. وهذا ما أدى إلى أن يتفرع من هذا العلم فروعٌ أخرى، كالسياسة المالية، واقتصاديات المالية العامة، وجعل كل منها يركز على جانب من جوانب المالية العامة أكثر من جوانبها الأخرى.

ثانياً ـ تعريف علم المالية العامة:

يمكن تعريف علم المالية العامة بأنه "العلم الذي يبحث في جملة الوسائل المالية التي تستخدمها الدولة لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، ومن خلال هذا التعريف يمكن القول: إن علم المالية يتناول بحث جانبين، هما:

> إنه يتضمن الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والقانونية لمختلف القرارات المتعلقة بالأدوات المالية للدولة.

> إنه يتعلق باستخدام الأدوات المالية بقصد تحقيق أهداف معيّنة اقتصادية واجتماعية وسياسية إضافة إلى هدفها المالي، وتحليل دور الأدوات المالية في تحقيق تلك الأهداف.

كما يمكن التنويه في هذا المجال أن هذا العلم يتكون من عناصر ثلاثة هي النفقات العامة والإيرادات العامة والموازنة العامة. فأي نشاط إنساني يستهدف إشباع حاجات عامة تقوم الدولة بإشباعها يتطلب المال اللازم للقيام بذلك وهذه الأموال هي النفقات العامة. وإن صرف هذه النفقات يتطلب من الدولة تأمين المال اللازم لتغطيتها تقتطعه من ناتجها القومي. وتسمى هذه الاقتطاعات الإيرادات العامة. ولكي تسير الدولة على منهاج واضح وسليم في نفقاتها وإيراداتها يجب عليها أن تقيم توازناً اقتصادياً فيما بينهما، وعادة ما يُشار إلى هذا التوازن: الموازنة العامة للدولة، وعلى ذلك فإن عناصر المالية العامة هي: النفقات العامة، الإيرادات العامة، الموازنة العامة.

ثالثا ًـ طبيعة علم المالية العامة القانونية:

تبدو طبيعة علم المالية العامة القانونية، من خلال كونه فرعاً  من فروع القانون العام الذي يبحث في القواعد والإجراءات المتعلقة بإدارة الأموال العامة.

1ـ علم المالية العامة أحد فروع القانون العام:

لا بد للمالية العامة أن تخضع لنظام قانوني معيّن، وبحسبانها مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقة المالية للدولة مع الآخرين على أساس من السلطة والسيادة، فمن الضروري أن يكون النظام القانوني لها هو أحد فروع القانون العام؛ لأنه ذلك الفرع من القانون الذي يهتم بتنظيم الشؤون القانونية لأجهزة الدولة العامة مع الآخرين على أساس السلطة والسيادة، وبذلك يأتي علم المالية العامة؛ ليتمم الفرعين التقليديين للقانون العام، وهما القانون الدستوري والقانون الإداري، ويصبح أحد فروعه الجديدة.

ولكن هذه الاستقلالية والذاتية التي أخذها علم المالية لا تعني أنه لا يقيم علاقة وثيقة مع العلوم الأخرى سواء العلوم القانونية أم العلوم الاقتصادية، بل على العكس تماما، فالمالية العامة ظاهرة قانونية واقتصادية تتحكم في تحديد إطارها مجموعة من العناصر والمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي ليست قانونية بحتة.

2ـ علم المالية العامة يبحث في القواعد والإجراءات المتعلقة بالأموال العامة:

لم يدرك الاقتصاديون التقليديون الأوائل في القرنين السادس عشر والسابع عشر مدى ضرورة اختلاف القواعد والإجراءات التي تطبق على المالية العامة عن تلك التي تطبق على المالية الخاصة، وبسبب عدم اكتشافهم لتلك القواعد طبقوا قواعد المالية الخاصة على المالية العامة، وهذا ما أوقعهم في أسوأ النتائج المالية والاقتصادية، وهذا ما دفع الاقتصاديين الجدد لاستنتاج تلك القواعد المميزة للمالية العامة.

في الحقيقة أن هنالك فروقاً كثيرة بين القواعد والإجراءات المتعلقة بالأموال العامة (المالية العامة) وبين القواعد والإجراءات المتعلقة بالمالية الخاصة، لعل أهمها:

أ ـ من حيث أغراض الإنفاق: تستهدف الدولة من نفقاتها تحقيق المصلحة العامة، أما الهدف الرئيس من المشروعات الخاصة فهو تحقيق النفع الخاص والربح.

ب ـ من حيث الإيراد: تحصل الدولة على جزء كبير من إيراداتها باستخدامها وسائل السلطة العامة. فالضرائب والرسوم تشتملان على عنصر الإكراه في فرضهما وتحصيلهما، أما إيرادات الأفراد فلا يمكن الحصول عليها إلا بالتراضي فيما بينهم.

ج ـ من حيث التنظيم: إن الحاجات العامة هي التي تحدد كمية نفقات الدولة، فهذه الحاجات هي التي تجبر الدولة على البحث عن الإيرادات اللازمة لتغطية قيمتها، أما الفرد الرشيد فيتولى تنظيم ماليته الخاصة بتدبير الإيرادات أولاً، ومن ثم يُجري نفقاته في حدود هذه الإيرادات.

بيد أن هذه الفوارق لا تعني الانفصال الكلي بين قواعد المالية العامة والمالية الخاصة، فكلاهما يعدّ جزءاً من الاقتصاد القومي، ويؤثر كل منهما في الآخر، والعلاقة متبادلة بينهما، خاصة أن الإيرادات والنفقات العامة تشكل الدائرة المالية التي تشكل جزءاً من الدائرة الاقتصادية للدولة التي تتألف من الاقتصاد الخاص والعام فيها.

رابعاً ـ المالية العامة والتشريع المالي:

التشريع المالي هو مجموعة القوانين والأنظمة المالية التي تتبعها دولة ما في وقت معيّن في تنظيم شؤونها المالية من إنفاق وإيرادات وموازنة، أما علم المالية العامة فهو يبحث في القواعد والأسس والنظريات المتعلقة بالمالية العامة، فالتشريع المالي هو ما تطبقه دولة ما في وقت معيّن من ذلك العلم من خلال ما تفرضه من قوانين وأنظمة ولوائح في سبيل إدارة شؤونها المالية؛ أي ما تتبعه من تلك القواعد فقط.

فدراسة نظرية الضرائب والأسس التي تُبنى عليها في فرضها وتحققها وجبايتها ومكافحة التهرب منها يتعلق بعلم المالية العامة، أما دراسة النظام الضريبي في دولة ما وفق ما تحدده قوانينها وأنظمتها؛ فإنه يتعلق بالتشريع الضريبي فيها الذي يُعدّ أحد فروع تشريعها المالي.

لذلك فإن كل نظام مالي يعتمد في تحقيق أهدافه المالية على عدة أدوات مالية، هي النفقات العامة، والإيرادات العامة، ولا خلاف بين الدول على ضرورة هذه الأدوات، بيد أن الخلاف فيما بينها يقع في:

> اختيار أنواع تلك الأدوات، أي اختيار نوع النفقة ونوع الإيراد في تحقيق أهدافها.

> اختيار حجم تلك الأدوات، أي اختيار حجم الكميات المالية اللازمة لتحقيق أهدافها.

> اختيار الأهمية النسبية لكل نوع من أنواع النفقات العامة ولكل نوع من أنواع الإيرادات العامة من أجل تحقيق أهدافها، مع العلم أن أهداف الدولة العامة تختلف باختلاف فلسفتها السياسية والاقتصادية واختلاف درجة تطورها الاقتصادي، وهذا ما يجعل التشريعات المالية للدولة مختلفة في مضمونها، ومتفقة في إطارها العام فقط.

خامساً ـ علاقة علم المالية بالعلوم الأخرى:

إن لعلم المالية العامة علاقة وثيقة بمجموعة من العلوم الأخرى، كانت سبباً في نشوئه وتطوره، وأثرت في معالمه الأساسية حتى عدّه بعض الفقهاء جزءاً من هذه العلوم، لكن أصول المالية العامة وقواعدها العلمية والعملية لم تلبث أن ترسخت، وأصبحت علماً مستقلاً له ذاتيته وكيانه الخاص وطبيعته الخاصة التي تبدو معقدة بسبب تشابكه مع موضوعات قانونية واقتصادية وسياسية وغيرها، وهذا ما يجعله في الوقت نفسه علماً مرتبطاً بكثير من العلوم؛ وذلك بتشعباته وبالمعطيات التي تُبنى على أساسها قواعده.

1ـ علاقة علم المالية العامة بفروع القانون:

برزت العلاقة الوثيقة بينهما من خلال الغرض الأصلي لعلم المالية العامة، وهو جباية الأموال اللازمة لتغطية النفقات العامة، وتوزيع العبء الناجم عن ذلك بصورة عادلة بين المواطنين، فالقانون هو الأداة التنظيمية التي يلجأ إليها المشرّع لوضع القواعد الملزمة في مختلف الميادين ـ وكما مرّ سابقاً ـ عندما تطبق مجموعة من القواعد والأصول المالية التي تؤلف جزءاً من علم المالية على قواعد قانونية تتعلق بالميدان المالي للدولة تسمى التشريع المالي، ويُعدّ فرعاً من فروع القانون العام؛ لأنها قواعد آمرة تتعلق بالشؤون المالية المنظمة للعلاقة بين الدولة والأفراد، وهي ترتبط بصلات وثيقة بباقي فروع هذا القانون.

أ ـ علاقة التشريعات المالية بالقانون الدستوري: وتتجلى من خلال وجود الكثير من النصوص المالية في الدستور، فالقانون الدستوري يتضمن نصوصاً مالية أساسية تحدد صلاحيات السلطة التشريعية والتنفيذية في هذا المجال، ففرض الضريبة وإلغاؤها يلزمه نصٌ دستوريٌّ، والكثير من أمور الصرف والإنفاق لهيئات الدولة ومؤسساتها تخضع لموافقات السلطات التشريعية حددها الدستور، الذي ألزم السلطة التنفيذية بموافقة السلطة التشريعية عند عقد القروض، وهنالك صلاحيات دستورية لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية في مجال إعداد الموازنة العامة وإقرارها وتنفيذها.

ب ـ علاقة القانون المالي بالقانون الإداري: فالقانون الإداري هو الذي يهتم بحسن سير المرافق العامة للدولة، وهذا القانون ينظم ويضع القواعد المتعلقة بالأموال العامة والخاصة للدولة وطرق إدارتها، فهو يتضمن القواعد المنظمة لمؤسسات الدولة وهيئاتها المسؤولة عن جباية الإيرادات وصرف النفقات وغيرها، وإجراءات تقدير إيرادات الدولة وتحصيلها، وتخضع لقواعد القانون الإداري، وتنظم بموجب قرارات إدارية، والكثير من نشاطات الدولة وخاصة التي تتعلق بصرف النفقة تحكمه قواعد الموازنة العامة للدولة، وهذه الصلة الوثيقة بين القانون الإداري والقانون المالي جعلته حتى فترة وجيزة جزءاً من القانون الإداري الذي يهتم بمالية الدولة إلى أن أصبح فرعاً مستقلاً عنه.

ج ـ وللقانون الخاص علاقة بالتشريع المالي، فإن فرض الضريبة وتحصيلها وتحديد الوعاء الضريبي فيها له علاقة بالشركات والمشروعات التجارية والاقتصادية التي ينظمها القانون التجاري، فمثلاً ما تحصل عليه الشركات من دخل وأرباح يخضع للضريبة على الدخل.

2ـ العلاقة بين علم المالية العامة وعلم الاقتصاد:

لا شك أن علم المالية شديد الصلة بعلم الاقتصاد، وهو أقرب العلوم إليه، ولم تأخذ هذه العلاقة إطارها الصحيح إلا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في القرن الماضي، وتظهر هذه الصلة من خلال ما يلي:

أ ـ المالية العامة للدولة هي جزءٌ من اقتصادها، وهي فرعٌ من فروع علم الاقتصاد، وهي جزءٌ من كل، فالمالية العامة تعرّف بأنها ذلك الفرع من الاقتصاد الذي يتعلق بالنشاط المالي للدولة، فالمالية العامة ظاهرة اقتصادية، والنشاطات المالية للدولة هي نشاطات اقتصادية لها، والأدوات المالية هي أدوات اقتصادية تستخدمها الدولة في تحقيق أهدافها، وتشكل أحد الروافد الرئيسة للسياسة الاقتصادية لها؛ وهذا ما أنشأ علماً جديداً سمي علم السياسة المالية، الذي يعدّ جزءاً من السياسة الاقتصادية لها.

ب ـ كلاهما يبحث في أعراض المشكلة الاقتصادية للمجتمعات وكيفية حلها، ويحصرانها في عامل الندرة، أي ندرة الموارد المالية المتاحة وفي كيفية توفيرها وتوجيهها نحو إشباع الحاجات الإنسانية المتعددة، وحل هذه المشكلة هو هدف كل من هذين العلمين.

ج ـ يعتمد علم المالية العامة على الكثير من أدوات التحليل الاقتصادي الجزئي والكلي في إنجاز الدراسات المالية وتطويرها، فالتحليل المالي يخضع للتحليل الاقتصادي، إذ يستخدم التحليل الاقتصادي في تفسير حركة الظواهر المالية، ومنها الكميات المالية وآثارها في حقل الاقتصاد وفي مختلف النشاطات المالية والاقتصادية في الدولة، وهذا ما أنشأ علماً جديداً اسمه علم اقتصاديات المالية العامة أو علم الاقتصاد المالي، وهو العلم الذي يدرس أثر العوامل الاقتصادية في الوسائل المالية؛ أي الذي يحلل العامل الاقتصادي ضمن إطار المالية العامة.

د ـ هنالك علاقة تأثير متبادل بين الظواهر المالية والظواهر الاقتصادية، فالأوضاع الاقتصادية تتأثر بالأوضاع المالية، فاختلال الموازنة الناشئ عن التمويل بالعجز ـ وهي ظاهرة مالية ـ تؤثر في أسعار السلع والخدمات، وتؤدي إلى ارتفاعها، وهي ظاهرة اقتصادية. وكذلك الأوضاع المالية في تأثر دائم بالأوضاع الاقتصادية، فمالية الدولة تتوقف في حركتها وفي الكثير من أحوالها على أوضاعها الاقتصادية وحركة نشاطها الاقتصادي، وكذلك يتوقف حجم النفقات العامة على الحالة الاقتصادية السائدة فيها.

3ـ العلاقة بين علم المالية العامة وعلم السياسة:

تُعدّ علاقة تأثير متبادل، فالنظام المالي يعكس اتجاهات النظام السياسي، كما أن هذا النظام يستخدم النظام المالي بأدواته في تحقيق أهدافه، كما أن الوضع المالي يؤثر في الوضع السياسي للدول والمجتمعات.

فالنظام السياسي يؤثر في النظام المالي كمّاً ونوعاً، ويحدد اتجاهاته المالية والاجتماعية والتنموية. فهو يحدد الكميات المالية الصادرة والمتداولة والاستثمارية والاجتماعية والإنسانية في الدولة، بل قد يرسم لها حدودها الكمية، وكذلك يحدد اتجاهات الأدوات المالية، ويسخرها في تحقيق أغراضه السياسية والتنموية، كما تختلف حركة أهداف هذه الأدوات تبعاً لطبيعة النظام السياسي السائد فيها.

كما أن بقاء الحكومات السياسي يتوقف في الكثير من الحالات على نجاحها في سياساتها المالية. فالعرف الدستوري البريطاني يقضي أن تقدم الحكومة البريطانية استقالتها إذا أخفقت في سياساتها المتعلقة بالموازنة العامة، كما أن تدهور الحالة المالية للدول كان السبب الأهم لاستعمارها في العصر الحديث، وهو سببٌ جديدٌ للضغط عليها والتدخل في سياساتها المالية والضريبية من قبل الدول الكبرى ومن خلال مؤسسات التمويل الدولية، كما يجب ألا يُنسى أن الكثير من الثورات السياسية والإصلاحية والانقلابات العسكرية التي حدثت عبر التاريخ إنما كانت تبرر بأسباب مالية، فالثورة الأمريكية التي قامت عام 1776 كانت بسبب فرض الضرائب البريطانية على الشعب الأمريكي، والثورة الفرنسية عام 1789 كانت بسبب نقص الموارد المالية والنقدية والمعيشية وزيادة الضرائب المفروضة على الشعب الفرنسي.

4ـ العلاقة بين علم المالية العامة وعلم الاجتماع:

إن هذه العلاقة قوية وتبادلية، فإذا كان النظام المالي في واقعه انعكاساً للنظام الاجتماعي القائم؛ فإنه يعدّ في الوقت نفسه أداة مهمة من أدوات تحقيق أهداف ذلك النظام.

فعلم المالية العامة يتناول بالدراسة والمعالجة والأهداف كثيراً من الموضوعات والظواهر الاجتماعية، والتي تعدّ أنماطاً من الحياة السلوكية والإنسانية والتي تتم معالجتها مالياً، ويستخدم من أجل ذلك أدوات المالية العامة التقليدية، وأصبح الآن يستخدم أدوات المالية غير التقليدية لمعالجتها وإيجاد الحلول المناسبة لها، ولا مبالغة  في القول: إن مدى الحكم على نجاح السياسات المالية إنما يتوقف على مدى تحقيقها للأغراض الاجتماعية، وعلى مدى إشباعها للحاجات الإنسانية المتزايدة.

5ـ العلاقة بين علم المالية وعلم الإحصاء والرياضيات:

وتتجلى هذه العلاقة من خلال استخدام الإحصاء في الدراسات المالية وفي تقييم النشاطات المالية للدولة التي يقوم بها أساتذة الفكر المالي وباحثو التحليل المالي، فالأساليب الإحصائية تستخدم لتقييم العلاقات الكمية بين الإيرادات المالية والنفقات المالية، ومن ثم يهتدى بها لتحديد حجم هذه الموارد والنفقات وكيفية توزيعها على قنواتها وفي قطاعاتها الإنتاجية أو السكانية، كما تستخدم الأساليب الإحصائية والرياضية في تقييم الظواهر الضريبية وتحديد حجمها أو نوعها أو معدلها أو أوعيتها ونسبتها إلى الظواهر الاقتصادية الأخرى.

لذلك يمكن القول: إن العلوم الإحصائية والرياضية أصبحت ضرورةً لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة إلى العلوم المالية فيما يتعلق بدراساتها وتحقيق أهدافها.

6ـ العلاقة بين علم المالية وعلم المحاسبة:

وتتبلور هذه العلاقة من خلال استعانة العلوم والدراسات المالية بالعلوم المحاسبية، والمعادلات الرياضية في تحليلاتها لحركة الحياة الاقتصادية. حيث تصبح ضرورة قصوى في بعض الحالات أن تستخدم مثل هذه المعادلات والعلوم المحاسبية في برمجة الخطط التمويلية المالية المختلفة وتصميمها.

كما تظهر هذه العلاقة من خلال العمليات المالية التي تعتمد في إجراءاتها على الإلمام واستخدام الأصول المحاسبية والتدقيق والمراجعة الحسابية وتنظيم الحسابات والميزانيات الختامية، كما هو الحال عند معرفة الدخل الخاضع للضريبة، فالمالية العامة تعتمد في استخدامها الكفؤ لأدواتها الإيرادية والإنفاقية على أصول استخدام الفن المحاسبي الدقيق.

7ـ العلاقة بين علم المالية العامة وعلم السكان:

من المعروف أن علم السكان يهتم باقتصاديات توزيعهم من حيث العمر والجنس ومعدل النمو السكاني الذي يتناسب مع معدل النمو الاقتصادي المنشود وكيفية الوصول إلى الحجم الأمثل للسكان.

وعلم المالية العامة له علاقة وثيقة بالكثير من هذه الجوانب، فأوجه الإنفاق العام وحجمه لها علاقة بهيكل الأعمار، وعموماً معظم مؤشرات تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة أصبحت تشير بقوة إلى هذه العلاقة.

سادساً ـ أهداف النظام المالي وأدواته والتنسيق فيما بينها:

1ـ أهداف  النظام المالي وأدواته: إن أي تشريع مالي مدعو إلى تحقيق تخصص الموارد وإعادة توزيع الدخل وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

أ ـ وظيفة تخصص الموارد: إن موارد المجتمعات محدودة، ومن ثم فإن زيادة إنتاج سلعة معينة يعني بالضرورة حرمان المجتمع من إنتاج سلعة أخرى، وغالباً ما يؤدي تغير السياسات المالية إلى إعادة توزيع (تخصيص) الموارد في المجتمع. بمعنى أن مكونات الإنتاج القومي من سلع وخدمات قد تتعرض للتغير نتيجة لتغير إنفاق الحكومة وإيراداتها. ومن الموضوعات الأساسية التي يتعرض لها علم المالية العامة؛ التعرف الدقيق إلى أثر استخدام الأدوات المالية في إعادة توزيع موارد المجتمع على أوجه الإنتاج المختلفة، وإن تحديد هذه الآثار بدقة ليس أمراً سهلاً، فقد يصعب أو يستحيل في بعض الحالات تتبع هذه الآثار أو حتى التعرف إليها وحسابها بدقة؛ لأنها ترتبط بسلوك الأفراد بالدرجة الأولى، لذلك حتى يمكن التعرف إلى هذه الآثار لا بد من التعرّف إلى كيفية عمل كل أداة مالية (نفقة ـ إيراد) والتعرّف إلى مدى تأثير كل واحدة منها في سلوك الأفراد، ونظرية المالية العامة بدأت تهتم مؤخراً بدراسة هذه الآثار نتيجة تغير دور الدولة في الاقتصاد.

ب ـ الوظيفة التوزيعية: إن تغيير الأدوات المالية لا يؤثر فقط في مكونات السلع والخدمات التي تقدمها الدولة، بل يؤثر أيضاً في طريقة توزيعها على الأفراد، فالتوسع في الإنفاق على الخدمات الصحية والتعليمية لا يعني أن كل فرد من أفراد المجتمع سيستفيد من هذه الخدمات بالقدر نفسه.

لذلك فإن تحديد الآثار التوزيعية لأي أداة مالية يلزمه تحديد من المستفيد ومن الخاسر من استخدام هذه الأداة أو تلك، وبالتالي فإنه لا يوجد سياسة مالية مفيدة لجميع الأفراد أو مرضية لجميع فئات المجتمع، يمكن القول: إن تغير طريقة استخدام الأداة المالية سيؤدي إلى إفادة بعض الناس على حساب بعضهم الآخر، والتغير في توزيع الدخل واتجاهاته يعدّان من أهم الآثار المالية لأي سياسة مالية للحكومة. وهذا ما يجعل التحليل الاقتصادي لظاهرة إعادة توزيع الدخل مهماً للغاية في تحديد الآثار التوزيعية للموازنة العامة.

ج ـ الوظيفة الاستقرارية: عادة تنشد الحكومات من وراء استخدامها لأدواتها المالية تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ولكن لا يعني ذلك أبداً أنه هدف يجب تحقيقه في جميع الظروف الاقتصادية للدول، فالحالة الاقتصادية للدولة هي التي تحدد ذلك على المدى القريب، ومن أجل العمل على تحقيق حالة الاستقرار الاقتصادي؛ فإن الأجهزة المالية للحكومة مدعوة إلى العمل على خلق تغذية سلبية للإنفاق الخاص، وعندما تسود حالة من التضخم الاقتصادي؛ فإن الأدوات المالية للدولة مدعوة إلى خلق تغذية عكسية لتخفيض الطلب القومي عن طريق تخفيض الإنفاق الحكومي أو زيادة الضرائب على الأفراد ـ بالعكس ـ من أجل العودة بالحالة الاقتصادية إلى الاستقرار على المدى البعيد.

2ـ التنسيق بين الأهداف والأدوات المالية:

لكي تتمكن السياسة المالية من تحقيق الأهداف السابق ذكرها في وقت واحد؛ لا بد لها من التنسيق بين تلك الأهداف والأدوات عند استخدام أدواتها المالية. لكن طبيعة عمل الأدوات المالية قد يظهر تعارضاً فيما بينها من جهة، وفيما بين أهدافها من جهة أخرى. لذلك فإن تحقيق التوافق والتنسيق بين أدوات المالية العامة يتطلب:

أ ـ دراسة العلاقات بين الأهداف المرغوب في تحقيقها:

فلا بد لكل نظام مالي أن يحدد أهدافه أولاً، ومن ثم لا بد له من معرفة هل هذه الأهداف مستقلة تماماً عن بعضها؛ أي تحقيق أحدها لا يؤثر في تحقيق الآخر، أم هي متكاملة مترابطة أم هي متعارضة (أي تحقيق أحد الأهداف يؤدي إلى تعطيل الهدف الآخر  أو التأثير السلبي في تحقيقه)؟ وإذا كانت كذلك فما هو شكل هذا الارتباط؟ هل هو تكامل أم تعارض؟

في الحقيقة أن هذه الأهداف أحياناً تكون متكاملة وأحياناً أخرى تكون متعارضة، لذلك على مستخدمي الأدوات المالية أن يعوا هذه الحقيقة أولاً عند تحديدهم لأهدافها والتي يجب أن تأتي حلاً للمشاكل الاقتصادية والمالية التي تعانيها دولها.

ب ـ دراسة العلاقات بين الأهداف والأدوات المالية:

من المعلوم أن أياً من أهداف الأدوات المالية السابق ذكرها يمكن تحقيقه بأكثر من أداة، لذلك لا بد من دراسة العلاقة بين تلك الأهداف والأدوات من أجل اختيار أنسب الأدوات وأكفئها التي تحقق الأهداف الموضوعة لها بأقل تعارض ممكن فيما بينها، ومن هنا تأتي أهمية التنسيق بين مكونات السياسة المالية للدولة، والتنسيق فيما بينها وبين سياساتها الاقتصادية الأخرى، وهذا ما يبرز وحدة السياسة الاقتصادية للدولة وترابطها مع أجزائها. ودراسة هذا الترابط مهم للغاية من أجل نجاح السياسات العامة للدولة.

ونظرية المالية العامة بما تقدمه من تحليل لطبيعة أدواتها وآثارها، وما تقدمه من نهج فكري في محاولة الوصول إلى أفضل القواعد والمبادئ والأحكام لاستخدام تلك الأدوات المالية إنما تمثل الخلفية الأساسية اللازمة لنجاح الدولة في تصميم سياستها المالية. فلا يقف الأمر بها عند الاهتمام باستخلاص القواعد والمبادئ التي تعين الدولة في رسم سياستها المالية، بل يتعدى ذلك إلى البحث والمناقشة والتحليل لدراسة أنجح الوسائل لتحقيق أهدافها وخاصة في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر في تلك الأهداف.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ يوسف شباط، المالية العامة والتشريع الضريبي، الجزء الأول (جامعة دمشق، كلية الحقوق، 2002ـ 3002).

ـ غازي عناية، المالية العامة والتشريع الضريبي (جامعة دمشق دار البيارق، الأردن، عمان 1998م).

ـ عصام بشور، المالية العامة، التشريع الضريبي (جامعة دمشق، كلية الاقتصاد، ط7، 1997ـ 1998).

ـ رفعت المحجوب، المالية العامة (دار النهضة العربية، القاهرة 1983).

ـ عبد المطلب عبد الحميد، اقتصاديات المالية العامة (الدار الجامعية، الإسكندرية 2004ـ 2005م).

ـ آعاد حمود القيسي، المالية العامة والتشريع الضريبي (دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، عمان 2000).

ـ إبراهيم القاسم رحاحلة، مالية الدول الإسلامية (مكتبة مدبولي، القاهرة  1998).

ـ حمدي العناني، اقتصاديات المالية في ظل المشروعات الخاصة (الدار المصرية اللبنانية، القاهرة 1987).


التصنيف : القانون المالي
النوع : القانون المالي
المجلد: المجلد السادس: علم الفقه ــ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان
رقم الصفحة ضمن المجلد : 438
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1041
الكل : 58491856
اليوم : 64370