logo

logo

logo

logo

logo

مبدأ المساواة

مبدا مساواه

principle of equality - principe d'égalité

 مبدأ المساواة

مبدأ المساواة

مهند نوح

مفهوم الحق في المساواة

أشكال المساواة

 

أولاً ـ مفهوم الحق في المساواة:

المساواة L’égalité تعني التطابق والمماثلة بين الأفراد في الحقوق والواجبات بمقتضى القاعدة القانونية التي تنظم العلاقات الاجتماعية، وتحتل المساواة مكاناً مرموقاً ضمن المنظومات الحقوقية للدول المعاصرة لأنها تعد شرطاً للحرية، كما يرى بعض الفقه أن المساواة هي أول الحقوق وأساس الحقوق.

وقد عبر الفيلسوف الفرنسي روسو عن مبدأ المساواة بقوله إنها تعني عدم وجود شيء يمكن أن يعطى للجميع ولا يعطى لشخص محدد Chacun se donnant à tous ne se donne à personne، وفي رأي الفيلسوف نفسه أن المساواة هي التي تدفع الأشخاص إلى احترام القوانين لأنها صادرة في النهاية عن إرادتهم. وقد رأى بعض الفقه أنه توجد علاقة وثيقة بين المساواة والعدالة، حيث يطرحون معنيين للمساواة، الأول هو المفهوم التبادلي Réciprocité لها وهو الذي يعني المساواة الكاملة بين الأفراد من حيث الأداءات التي يقدمونها والمقابل الذي يحصلون عليه، وهو ما يقابل بدوره مفهوم العدالة التبادلية La justice commutative، أما المفهوم الآخر للمساواة فهو مفهوم تناسبي ويتماهى مع مفهوم العدالة التوزيعية La justice distributive، حيث يعترف هذا المفهوم التناسبي للمساواة باختلاف في المعاملة بين الأفراد في نطاق توزيع الثروة والأعباء، بمعنى أن كل فرد وفقاً للمفهوم التناسبي للمساواة يثاب أو تشدد الأعباء الملقاة على عاتقه بحسب جدارته في المجتمع.

ويجمع فقه القانون العام على اعتبار المساواة عنصراً أساسياً لبناء دولة القانون، وذلك لأنها تعد مبدأً سياسياً من شأنه ضمان الحقوق ضمن المجتمع وحفظها.

كما يجمع فقه القانون العام على أن تنظيم الحريات العامة يجب أن يحترم مبدأ المساواة، حيث تعد المساواة من وجهة النظر السياسية مصدر الديموقراطية، لأن الحريات العامة لايمكن أن تتحقق من دونها، لذلك تعد المساواة شرطاً لممارسة الحريات العامة.

وتحتل المساواة مكاناً بارزاً في النظم الدستورية المقارنة، فقد نصت المادة (25) من دستور الجمهورية العربية السورية على ما يلي:"…

المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.

تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين".

أما في فرنسا فقد أقرَّ مبدأ المساواة منذ صدور إعلان حقوق الإنسان والمواطن سنة 1789ـ الذي فرَّق بين الأساس الفلسفي للمساواة وتحققها القانوني ـ أنه لا توجد مساواة مطلقة بين الأفراد، إنما توجد أشكال محظورة للتمييز بينهم، حيث لا يجوز التمييز إلا بسبب فضائل الأفراد ومواهبهم، وتجسيداً لهذه المساواة نصت المادة (6) منه على أن القانون لا يصدر عن جميع الأفراد في الدولة، إنما أيضاً يجب أن يطبق على الجميع.

وكذلك نص الإعلان على أن المساواة تقتضي أيضاً أن تكون الفرص متساوية للجميع، وأن الثروة يجب أن توزع بالتساوي ضمن المجتمع. مع ملاحظة أن الإعلان لم يضع المساواة في قائمة الحقوق الطبيعية للإنسان، وغير القابلة للتقادم (وهي الحرية الملكية، الأمن، مقاومة الطغيان… م20 منه).

وقد أقرت مقدمة دستور 1946 مبدأ المساواة في العديد من فقراتها، فأقرت الفقرة الثالثة حق المرأة في المساواة مع الرجل في جميع المجالات، كما نصت الفقرة /12/ منه على تضامن جميع الفرنسيين ومساواتهم أمام الأعباء التي تنجم عن الكوارث الوطنية، كما ضمنت الفقرة /13/ من المقدمة نفسها للجميع حق التعليم على قدم المساواة. وقد كرس دستور 1958 الحق في المساواة في متنه، حيث نصت المادة الثانية منه على أن شعار الجمهورية الفرنسية هو الحرية والمساواة والإخاء.

ثانياً ـ أشكال المساواة:

تأخذ المساواة أشكالاً مختلفة ومتعددة؛ إذ إنها تتنوع وفقاً لمضمونها وغاياتها، وستتم دراسة هذه الأشكال وفقاً لما يلي:

1ـ المساواة أمام القانون: ويتجلى هذا النمط من المساواة على ثلاثة مستويات:

أ ـ المساواة أمام قاعدة القانون L’égalité devant la règle de droit:

ويقتضي هذا المفهوم مساواة الجميع أمام القانون، وذلك عن طريق التزام يقع على كل من يطبق القاعدة القانونية يفرض عليهم ألا يرتكبوا تمييزاً بين الخاضعين للقاعدة القانونية لا تنص عليه هذه الأخيرة، ومن دون شك فإن هذا المظهر للمساواة أمام القانون لا يتعلق بمحتوى العمل التشريعي ذاته، إنما يتعلق فقط بأساليب تطبيقه.

وهذا يعني أن هذا النوع من المساواة لا يفرض على الحكام إلا التزاماً بالامتناع حيث يحظر عليهم أن يرتكبوا أي تمييز بين الأفراد مهما كان نوعه خارج نطاق قاعدة القانون.

وفي الحقيقة أن المساواة أمام قاعدة القانون تكون تاريخياً التعبير الأول عن المساواة، بحيث تطرح نظاماً قانونياً يقوم على إبطال جميع أنماط التمييز التي تقترف من قبل القائمين على تطبيق القاعدة القانونية، وقد ظهرت هذه القاعدة لتقضي على التمايزات الاجتماعية التي كانت توجد خصوصاً في النظم الإقطاعية القديمة، ولتطرح مبدأ قانونياً جوهرياً يقوم على وحدة البنية القانونية التي تطبق على الجميع من دون استثناء، أي ضرورة تطبيق قانون وحيد Droit unique على الجميع، فإذا كان الأفراد يملكون جميعاً الحقوق نفسها ضمن المجتمع السياسي فإنه من الطبيعي أن يخضعوا لقانون واحد، ولمعيار واحدٍ يطبق على الجميع للتمييز.

وبالتالي فإن الوظيفة الأساسية التي يطرحها مفهوم المساواة أمام قاعدة القانون إنما تتمثل في تجميع كل المواطنين في فلك قانوني واحد Une sphère juridique unique، وبغض النظر عن مراكزهم الواقعية التي يشغلونها.

ويعد مبدأ المشروعية الذي يقوم على أساس مطابقة القاعدة القانونية الأدنى للقاعدة الأعلى ضماناً مهماً لتحقيق المساواة أمام القانون؛ لأن من شأنه أن يحول دون ارتكاب تغيييرات عن طريق الأعمال القانونية الأدنى (لوائح، قرارات فردية،…) بالمخالفة لمقتضى ومضمون القواعد القانونية الناجمة عن الأعمال القانونية الأعلى مثل القوانين.

ب ـ المساواة ضمن قاعدة القانون L’égalité dans la règle de droit:

في الواقع أن المساواة أمام قاعدة القانون لا تحول دون وجود حالاتٍ من عدم المساواة بين المخاطبين بالقاعدة القانونية إلا ضمن تطبيق القواعد العامة على المراكز الفردية، لذلك يطرح مفهوم المساواة ضمن قاعدة القانون ليؤكد المساواة من خلال محتوى القاعدة القانونية ذاته.

وفي الحقيقة أن المساواة ضمن قاعدة القانون تقتضي من الجهة المختصة بسن القانون ألا ترتكب تمييزاً او محاباة بين المخاطبين بها، وبالتالي فإن القانون يجب أن يعامل كل المراكز المتماثلة بطريقة متطابقة (راجع حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 10/7/1995، والمنشور في A.J.D.A، 1995، ص225).

ويلاحظ أن المساواة أمام القانون تقوم بتحقيق المساواة على نحو مباشر، في حين أنَّ المساواة ضمن قاعدة القانون تحقق هذه المساواة على نحو غير مباشر، وهذا هو السبب الذي يدفع إلى القول إن المساواة أمام القانون على النحو السابق بيانه لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تمَّ تأمين المساواة ضمن قاعدة القانون، فكيف يمكن تكليف القائمين على تطبيق قاعدة القانون باحترام مبدأ المساواة عند تطبيق القاعدة القانونية إذا كانت هذه الأخيرة في ذاتها لا تتضمن ذلك في محتواها وجوهرها، بمعنى أنَّ القانون في ذاته يجب أن يحقق المساواة في مضمونه، وأن يطبق تطبيقاً متساوياً بين المواطنين.

ومن المسلم أن المساواة ضمن قاعدة القانون إنما تتحقق عن طريق عمومية القاعدة القانونية لدرجة أن عمومية القاعدة القانونية ومبدأ المساواة أصبحا يعبران عن المفهوم الأصيل للقانون.

ويكون القانون عاماً عن طريق أساليب إعداده المتمثلة على نحو أساسي في مساهمة جميع المواطنين في النهاية بسنه ولو كان ذلك عن طريق ممثليهم، وهذا لا يمنع من أن ينتج القانون في بعض الحالات أفضليات من نمط معين، غير أن هذه الامتيازات لا يمكن أن تسند بشكل خاص إلى شخص معين.

ج ـ المساواة بواسطة قاعدة القانون L’égalité par la régle de droit:

مفهوم المساواة بواسطة قاعدة القانون لا يختلف بعمق عن المساواة ضمن القانون، فهو كما يطرح هذا المفهوم الأخير يتعلق بمحتوى القاعدة، وهو يجد مصدره ضمن ضرورات تدخل الدولة عن طريق القانون لحفظ مبدأ المساواة، ولكن يختلف المفهومان عن بعضهما في أن مفهوم المساواة بواسطة قاعدة القانون يفترض موقفاً إيجابياً من القائمين على سن قاعدة القانون، ففي حين يمتنع على السلطة التشريعية بموجب المساواة ضمن قاعدة القانون أن تضمن القاعدة القانونية أي نمط من أنماط التمييز أو المحاباة ضمن القاعدة القانونية، وأن يعامل أصحاب المراكز المتساوية معاملة مختلفة؛ فإن المساواة بواسطة قاعدة القانون تفرض على السلطة القائمة على سن القاعدة القانونية أن تعامل معاملة مختلفة المراكز المختلفة. وبالتالي يمكن القول إن مفهوم المساواة ضمن قاعدة القانون يعني طرح مبدأ المساواة ضمن محتوى القاعدة القانونية بغض النظر عن تنوع المراكز الواقعية للأفراد، أما مفهوم المساواة بواسطة القانون فإنه يطرح مبدأ المساواة ضمن محتوى القاعدة القانونية آخذين في الحسبان تنوع المراكز الواقعية وتعددها، وعدم انتظامها في أنماط واحدة، وهذا التمايز في المراكز الواقعية هو الذي يرخص للقاعدة القانونية أن تخص أحكاماً مختلفةً للمراكز المتنوعة والمختلفة. إذن المساواة بواسطة قاعدة القانون تفرض التزاماً بعمل على عاتق الحكام، حيث يجب أن يتدخلوا ليقوموا بإصلاح التمايز في المراكز القانونية التي تحدث بالضرورة في الحياة الاجتماعية.

2ـ المساواة أمام القضاء L’égalité devant la justice:

تعني المساواة أمام القضاء ممارسة جميع مواطني الدولة لحق التقاضي على قدم المساواة أمام محاكم واحدة، وبلا تمييز أو تفرقة بينهم، بسبب الأصل، أو الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو العقيدة، أو الآراء الشخصية.

ويقتضي مضمون المساواة أمام القضاء أن يكون القضاء الذي يتقاضى أمامه الجميع واحداً، وألا تختلف المحاكم باختلاف الأشخاص الذين يتقاضون أمامها، وكذلك يقتضي المضمون نفسه أن تكون إجراءات التقاضي التي يسير عليها المتقاضون واحدة.

ولا ينافي جوهر المساواة أمام القضاء أن تعطى الحرية للقاضي لكي يحكم بالعقوبة الملائمة تبعاً لاختلاف ظروف كل قضية، أو تبعاً لاختلاف ظروف المتهمين ولو كانت الجريمة واحدة.

وكذلك لا يعارض مضمون مبدأ المساواة أمام القضاء وجود محاكم مختلفة باختلاف أنواع المنازعات أو باختلاف طبيعة الجرائم بشرط ألا تقام تفرقة بين أشخاص المتقاضين.

كما لا يخالف مبدأ المساواة أمام القضاء أن توجد محاكم خاصة بطوائف معينة من المواطنين إذا دعت الضرورة إلى ذلك، ولكن بشرط ألا يكون وجود مثل هذا النوع من المحاكم سبباً في تمييز فئة من الأفراد عن غيرها، وذلك كما هو الحال في نطاق محاكم الأحداث التي تختص بمحاكمة المجرمين الأحداث على ما اقترفوه من جرائم، وتطبق عليهم نظاماً عقابياً مختلفاً عن ذلك الذي على الراشدين، وكذلك تطبق عليهم إجراءات خاصة للتقاضي تختلف عن إجراءات التقاضي المتعارف عليها أمام المحاكم الأخرى، بقصد إصلاحهم وتقويم سلوكهم وإعادة تأهيلهم.

ولكن في كل الحالات يجب عدم التوسع في إنشاء مثل هذه المحاكم الخاصة، وإلا تم خرق مبدأ المساواة أمام القضاء، وأن يقتصر إنشاؤها على حالات الضرورة، وبما يلائم ضرورات المصلحة العامة.

وينجم عن مبدأ المساواة أمام القضاء ثلاث نتائج مهمة جداً:

أ ـ وحدة القضاء L’unité de juridiction:

ويقصد بوحدة القضاء أن يكون التقاضي بالنسبة إلى جميع المواطنين أمام  القضاة أنفسهم الذين هم من الدرجة نفسها، ومن دون أي تفرقة أو تمييز بين الأفراد أو بين الطبقات الاجتماعية، وبالتالي فإن وحدة القضاء تفترض عدم وجود محاكم خاصة أو استثنائية لأفراد معينين بذواتهم أو لطوائف أو طبقات اجتماعية محددة، وذلك كما كان عليه الحال في فرنسا قبل الثورة، حيث كانت توجد محاكم خاصة بطبقة النبلاء والأشراف وغيرها من الطبقات، وذلك تمييزاً لكل طبقة من غيرها من طبقات الشعب.

ب ـ المساواة أمام التشريعات والعقوبات المطبقة L’égalité des peines:

 تتمثل النتيجة الثانية لمبدأ المساواة أمام القضاء في ضرورة تحقيق المساواة بين المتقاضين بالنسبة إلى القوانين التي تطبق عليهم فيما يثور بينهم من منازعات، وتوقيع  العقوبات ذاتها المقررة للجرائم نفسها على جميع مرتكبيها.

وتتضمن هذه النتيجة فيما يتعلق بالعقوبات شقين اثنين: الشق الأول، ويتمثل في وحدة العقوبات الموقعة نتيجة لوحدة القانون المطبق، والشق الثاني يتبين في مبدأ شخصية العقوبة، بحيث يرتب العقاب على من ارتكب جريمة بحق المجتمع، بمعنى أنه يجب ألا يحتمل أخذ وزر ما ارتكبه غيره بحق المجتمع، مهما كانت درجة قرابته أو صلته به، وتتطلب المساواة في العقوبة كذلك التسوية بين المحكوم عليهم في إجراءات تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليهم ووسائلها.

ج ـ مجانية القضاء Gratuité de la justice:

لكي تتحقق المساواة بين الجميع أمام القضاء، يجب أن يكون اللجوء إليه مجانياً، ولكنَّ هذه المجانية مازالت حتى الآن مسألة نظرية، لأنه إذا كانت العدالة نفسها بالمجان فإن وسائل اللجوء إلى القضاء ليست كذلك بالتأكيد. فمن الناحية العلمية يتحكم الجانب الاقتصادي لكل فرد في قدرته على الالتجاء إلى القضاء للحصول على حقوقه المتنازع عليها، ولما يتطلبه ذلك من نفقاتٍ ورسومٍ وأتعاب محاماة قد تكون فوق طاقته المادية في كثير من الأحيان.

ولهذا السبب يتبين أن كثيراً من النظم القانونية في العالم قد نظمت وسائل تقديم المساعدات القضائية إلى المتقاضين المحتاجين إليها، وبعضها يشجع تنظيم الجمعيات التي تقدم يد المساعدة إلى من يطلبها من غير القادرين.

3ـ المساواة أمام المرافق العامة:

المرفق العام Le service public هو نشاطٌ تمارسه جهة عامة في سبيل إشباع حاجةٍ من الحاجات التي تحقق المصلحة العامة، وبالتالي فإن مهمة المرفق العام تتمثل في تقديم خدمات للعامة بهدف تحقيق النفع العام.

وإذا كان المرفق العام خدمة للمجتمع ولمصلحة الجميع، فمن الطبيعي أن يتساوى أمامه الجميع وبغير تمييزٍ أياً كان سببه.

ويسمى الأفراد الذين تقدم لهم خدمات المرفق العام "بالمنتفعين"، ولكن مبدأ المساواة أمام المرافق العامة لا يطبق على هؤلاء المنتفعين فقط، إنما يتمتع به طالبو الانتفاع أيضاً أي الذين تقدموا للانتفاع، ولم ينتفعوا فعلاً بالخدمة، بمعنى أنَّ مبدأ المساواة هذا يجب أن يطبق على جميع من تتوافر فيهم شروط الاستفادة من خدمات المرفق العام بغير تمييز بينهم أو محاباة. وفي الحقيقة أن مبدأ المساواة يحتج به طالبو الانتفاع أكثر مما يحتج به المنتفعون فعلاً، لأنه يثور غالباً عندما ترفض الإدارة القائمة على المرفق العام طلب أحد الأفراد في الاستفادة من خدمات المرفق العام، رغم توافر الشروط فيه.

ويعد مبدأ المساواة أمام المرافق العامة من قبيل المبادئ العامة للقانون التي تطبق وإنْ لم يتضمنها نصّ قانوني معين.

غير أنَّ مساواة الأفراد أمام المرافق العامة ليس مطلقاً، لأنه لا يعني جواز أن يطلب كل فرد الانتفاع من خدمات المرفق العام من دون قيد أو شرط، إنما لا تصبح هذه المساواة حقاً للمنتفع إلا بتوافر شروطها، وذلك شأنها شأن جميع المراكز القانونية.

فالممنوع أن يقيم المشرفون على المرفق تفرقة بين المنتفعين لا تستند إلى مبرر قانوني، كالتمييز بسبب الجنس أو اللون أو اللغة…، أو أي سبب آخر لا هدف له إلا التمييز غير المبرر في المعاملة.

ولكن لا ينافي قاعدة المساواة السابقة أن توضع شروطٌ عامةٌ لابد من توافرها في كل من يريد الانتفاع، كتحديد رسم معين فيمن يريد اقتضاء الخدمة، أو كتحديد جملة من الشروط فيمن يريد اقتضاء خدمة التعليم الجامعي. فمثل هذه الشروط ـ مادام مقصوداً منها مصلحة المرفق ذاته، أو المصلحة العامة ـ لا تخل بقاعدة المساواة، إلا إذا كان التعميم ظاهرياً، ولكنه يعني في حقيقة الأمر حرمان طائفة من الأفراد من الانتفاع بخدمات المرفق لأمر من الأمور.

ولعلَّ من أهم شروط الانتفاع بخدمات المرفق العام دفع مبلغ معين من المال، وفي هذه الحال تثور مسألة جماعية المرافق العامة، حيث من المسلم به أنه ليكون المرفق مرفقاً عاماً لا يشترط أن تكون الخدمات التي يقدمها مجانية للجميع، بل يجوز فرض رسوم على كل منتفع لقاء انتفاعه بخدمات مرفق معين، ولكن يجب ألا يكون الرسم مغالى فيه بحيث يخرج المرفق عن عموميته والغاية التي أحدث من أجلها، والمتمثلة في المصلحة العامة، ويلاحظ عموماً توجه المشرع المتزايد إلى توسيع نطاق مجانية المرافق العامة في الوقت الحالي.

4ـ المساواة في نطاق الوظيفة العامة:

يأخذ مبدأ المساواة في الوظيفة العامة عدة مظاهر، فقد يتجلى في نطاق الدخول إلى سلك الوظيفة العامة، وفي نطاق الرواتب والأجور، والترقيات، والعلاوات:

أ ـ الدخول إلى سلك الوظيفة العامة: لقد طرح مبدأ المساواة في التوظيف أول الأمر في فرنسا، ومؤداه عدم تفضيل طبقة أو فئة معينة على غيرها في شغل الوظائف العامة، بل يكون لكل مواطنٍ الحق المتساوي في التقدم لشغلها، وهذه المساواة هي مساواة قانونية، بمعنى أنه يلزم أن يتوافر فيمن يتقدم لشغل الوظيفة العامة كل ما يتطلبه القانون من شروط ومؤهلاتٍ علمية وخبرات عملية، وهذه الشروط يجب أن تكون عامة ومجردة بحيث تتيح للمواطنين جميعاً فرصاً متكافئة في التقدم لشغل الوظائف العامة.

وفي الحقيقة أن هذا المفهوم القانوني للمساواة الذي تجسد في مبدأ المساواة في التوظيف كان يهدف إلى الوقوف عند حد تحطيم الاحتكارات الطبقية وإذابة الفوارق الاجتماعية في مجال شغل الوظائف العامة التي كانت تسود أوربا وقت تقرير هذا المبدأ، ويلاحظ أن مبدأ المساواة القانونية تحقيق كفاية الوظيفة العامة وبالتالي تطور الدولة إذ يتيح لها فرصة الإفادة من مختلف الكفايات الموجودة بها من دون قيد طبقي أو اجتماعي.

ولكن مبدأ المساواة في التوظيف في مفهومه القانوني السابق شرحه ـ الذي ساد أوربا ـ لم يحل من الناحية الواقعية دون استمرار الاحتكار الطبقي للوظيفة العامة، بل أدى إلى قيام طبقة بيروقراطية منفصلة عن الشعب ومتعالية عليه، لذلك فإن الرئيس الأمريكي (جاكسون) طرح نظريته القائمة على توقيت الوظيفة العامة على أساس من المساواة، وذلك باعتبار توقيت شغل الوظيفة العامة هو السبيل الوحيد لتمكين كل مواطنٍ من تقلد الوظيفة العامة في يوم ما.

ويُهدد مبدأ المساواة في الدخول إلى الوظيفة العامة في نطاق ما يسمى بالاحتكار الوظيفي التركيزي، الذي يركز الوظائف في أيدٍ قليلة يجمع الواحد منهم بين أكثر من وظيفة، وبالتالي يغدو في مركز متميز من بقية الأفراد، ومما يؤدي في النهاية إلى الحكم على الطاقات البشرية في الدولة بالعطل.

من الموضوعات المهمة في نطاق المساواة في الدخول إلى سلك الوظيفة العامة ذلك المتعلق بمسألة المساواة بين الذكور والإناث في تولي الوظائف العامة، وتكتسب هذه المسألة أهميتها في أن المرأة عبر تاريخ الحضارة الإنسانية كانت وضعت في ظل ظروف دنيا، وذلك على أساس أن المرأة من الناحية الفكرية والجسدية هي في وضع أدنى من الرجل. وبالنسبة إلى موقف القضاء من هذه المسألة تباين موقف مجلس الدولة الفرنسي بحسب المرحلة التاريخية التي طرح فيها هذا المبدأ، ففي بادئ الأمر احترم المجلس المذكور كل اتجاهات الإدارة الرامية إلى استبعاد النساء من الوظائف العامة، ثم اتخذ مواقف أكثر جرأة، حيث أعلن رفضه لجميع العوائق التي تقف أمام النساء في نطاق تولي الوظائف العامة، لكنه لم يسحب كل النتائج المترتبة على هذا الموقف. وفي سنة 1946، اتخذ المجلس نفسه موقفاً حاسماً حيث قرر حق النساء في تولي الوظائف العامة وفقاً للشروط الواقعية والقانونية نفسها التي تطبق على الذكور.

وقد تكرست هذه القاعدة تشريعياً بدءاً من سنة 1946 كذلك، وتكررت في قوانين الوظيفة العامة الفرنسية المتعاقبة بعدها، وبالتالي فإن المبدأ المستقر عليه حالياً في فرنسا يتمثل في أن الطبيعة الأنثوية للمرأة يجب ألا تقف حائلاً دون دخولها إلى سلك الوظيفة العامة.

وقد تكرس هذا الوضع دستورياً أيضاً، حيث أقرت مقدمة دستور 1946 أن القانون يضمن للمرأة ضمن كل المجالات حقوقاً مساوية للحقوق التي يملكها الرجال.

ولكنَّ القضاء الإداري الفرنسي وضع استثناء على مساواة النساء بالرجال في نطاق تولي الوظائف العامة، حيث يجوز خرق مبدأ المساواة المذكور إذا كانت شروط ممارسة وظيفة معينة تستلزم مثل هذا الخرق، "كأن تكون شاقة وتستلزم جهداً عضلياً كبيراً".

أما في سورية فقد كان الحكم قاطعاً في نصوص الدستور، حيث نصت المادة (45) منه على ما يلي:

" تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي".

ويلاحظ في مصر أن القضاء الإداري قد اتجه في مسار القضاء الإداري الفرنسي نفسه، حيث أقر بطلان كل قاعدة مطلقة تحول بين المرأة وبين تولي الوظائف العامة لمجرد كونها أنثى، ولكن القضاء ذاته قد أورد استثناء على ذلك، حيث أقر أن المرأة ربما لا تصلح لتولي بعض المناصب العامة لأسباب تقدرها الإدارة تتعلق بالظروف الاجتماعية أو بطبيعة العمل في ذاته.

ب ـ المساواة في الراتب والعلاوة والترفيع: يعد الراتب والعلاوة والترفيع من أهم العناصر الرئيسية التي يقوم عليها كل نظام وظيفي، فهذه العوامل الثلاثة تعد عصب الحقوق الوظيفية. فالراتب يمثل المقابل المادي الذي يتقاضاه الموظف مقابل عمله الذي يؤديه، كما أن العلاوة تعد النتيجة الحتمية لبقاء الموظف في وظيفته مدة طويلة مما يترتب عليه ضرورة زيادة مرتبه زيادةً دورية كل سنة أو سنتين بحسب الأحوال وبحسب ما ينص عليه كل تشريع على حدة، ولكي يناسب الراتب متطلبات الحياة المادية المستمرة والتغييرات السريعة للأسعار، كذلك فإن الترقية (الترفيع) هي النتيجة الحتمية لكفاءة الموظف والجزاء الضروري لاجتهاده ونشاطه في عمله الوظيفي.

وفي الحقيقة أن نظام الرواتب الوظيفية يجب أن يوفر للموظفين مطالب الحياة وأن يحقق العدالة والمساواة بالنسبة إلى الجميع، ولأجل أن يحقق نظام الرواتب المساواة لابد أن يكون عاماً بحيث يشمل كل الدرجات والوظائف من دون استثناء وتفرد في المعاملة، كما يجب أن يكون ـ أي نظام المرتبات ـ واضحاً غير مشمول بأي تعقيدات تعطل تنفيذه، كما يجب أن يحقق التوازن بين الدرجات في جميع المستويات، حيث يجب أن تكون الفروق في المرتبات بين المستويات الوظيفية المختلفة متناسبة مع الفروق في المواصفات الوظيفية والمهنية المتطلبة في كل من مستويات الوظائف، وهذا يعني أن المساواة لا تتحقق في هذه الحالة إلا إذا كان الأجر متساوياً في العمل الواحد، ويلاحظ في هذا المقام أيضاً أن النظام الوظيفي للرواتب لا يكون عادلاً وقائماً على مبدأ المساواة إلا إذا خص المرأة الموظفة بأجر متساوٍ مع أجر الرجل متى كانت تماثل هذا الأخير في الدرجة الوظيفية وفي طبيعة العمل الذي تقوم به.

ومن جهة أخرى لكي تكون علاوات الترفيع متفقة مع مبدأ المساواة يجب أن تكون ضوابط منحها، أو الحرمان منها ومعاييرهما واحدة بالنسبة إلى جميع العاملين الذي يخضعون لنظامٍ قانونيٍّ واحد، وتتماثل أوضاعهم الوظيفية وظروف عملهم، أما إذا تقررت لبعض العاملين بنسبةٍ أعلى من النسبة التي تقررت لزملائهم المتماثلين معهم في الوظيفة أو الدرجة فإن ذلك يعد مجافياً لمبدأ المساواة ومعارضاً له.

أما بالنسبة إلى الترقية (الترفيع) فإنه يأخذ إحدى صورتين، فإما أن يكون من جهة على أساس الأقدمية المطلقة، وبالتالي فإن الترفيع الوظيفي يتم تلقائياً مع مرور فترة زمنية معينة على خدمة العامل، وإما أن يكون من جهة أخرى بطريق الاختيار، ومقتضى ذلك أن يكون أساس الترقية ليس الأقدمية، إنما اجتهاد العامل في نطاق أعباء وظيفته، بحيث يفضل في الترقية العامل الكفء وإن كان أحدث في أقدميته من العامل الأقدم غير الكفء.

ويلاحظ أن الترفيع بالأقدمية يعتمد على واقعة مادية بحتة هي ترتيب العامل في كشوف الأقدمية من دون النظر إلى المعايير الموضوعية التي تتعلق بالعمل الوظيفي ومصلحته، وعلى ذلك فإن هذه الطريقة في الترفيع لا تحقق المساواة بين العاملين، وذلك على خلاف ظاهرها، لأن المساواة تقتضي أن تكون للعامل الكفء الأكثر صلاحية، وأن تكون أيضاً مقابل عملٍ يؤدى بطريقة جادة وجيدة، وليس من المساواة أنْ يرقى عامل لمجرد أنه أقدم في ترتيب الأقدمية حتى لو كان لا يؤدي عملاً، أو حتى لو كان يمثل زيادة في اليد العاملة.

ولكن بالمقابل يلاحظ أيضاً أن الترفيع بالاختيار لا يمكن أن يكون أساساً سليماً للمساواة بين العاملين إلا إذا كان الاختيار قائماً على أسس موضوعية سليمة لا تدخل فيها الاعتبارات الشخصية والأهواء الذاتية، وإلا اختلت المساواة بين العاملين، لذلك يذهب الفقه إلى أن الطريقة المثلى للترفيع التي من شأنها أن تحقق المساواة بين العاملين هي تلك التي تعتمد على الأقدمية والاختيار معاً، بحيث يكون الترفيع للوظائف السفلى من السلم الإداري بالأقدمية، وتكون الترقية بالاختيار للوظائف العليا والمناصب القيادية الرئيسية التي تحتاج إلى مهارات ذاتية وقدراتٍ خاصة إلى جانب طول مدة الخبرة في الوظيفة العامة.

5ـ المساواة في استخدام الأموال العامة:

المال العام هو كل مال مملوك للدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى (المحافظات، المدن، البلدان، القرى، المؤسسات والهيئات العامة…)، ويكون مخصصاً لمنفعة عامة، وهذا التخصيص إما أن يكون باستعمال الجمهور للمال العام مباشرة كما هو الحال في الحدائق العامة والطرق، وإما أن يكون باستعمال الجمهور للمال العام عن طريق مرفقٍ عام كالسكك الحديدية والمستشفيات…إلخ.

وإذا كان المال العام مخصصاً للنفع العام فإنه يستخدم حتماً من قبل الجمهور، أي مجموع الأفراد في المجتمع، وهو ما يطلق عليه اصطلاحاً تسمية الاستعمال العام للمال العام، وهو يقوم على نحو أساسي على مبدأ مساواة المنتفعين، أي المساواة بين جميع مستخدمي المال العام، وبالتالي فإن جميع الأفراد يجب أن يعاملوا على قدم المساواة في هذا المجال ماداموا قد تساووا في مراكزهم القانونية.

ولكن لا يخل بمبدأ مساواة المنتفعين سالف الذكر أن تقوم الإدارة على تمييز طائفة من الأفراد بقصد ممارسة الاستعمال العام لأحد عناصر الأموال العامة عليهم فقط، مادامت قد حددت قواعد هذا الاستعمال بشروط عامة تعطي لكل من تتوافر فيه هذه الشروط من أفراد الطائفة حق استعمال المال العام، ومثال ذلك قصر ارتياد بعض المكتبات العامة على من يتمتع بمستوى علمي معين. كما لا يخل بهذا المبدأ أيضاً التمييز في شروط الاستعمال القانونية بين المنتفعين على أساس اختلاف صور الانتفاع العام بين هذه الفئات، فيشترط مثلاً حصول السيارات على تراخيص مسبقة للسير في الطرق العامة الأمر الذي لا يشترط بالنسبة للمشاة، وذلك لاختلاف سبل الاستعمال في الحالتين.

6ـ المساواة في التكاليف والأعباء العامة:

إن تعبير التكاليف العامة Charges publiques يعني كل النفقات التي تدفع ضمن مصلحة كل أفراد المجتمع، وبالتالي فإن نفقات الدولة وأعباءها تأخذ معنىً واحداً في هذا النطاق، وهي ـ أي هذه الأعباء ـ تحتاج إلى موارد كافية لتغطيتها، وهذه الموارد يجب أن توزع على كل أفراد المجتمع على قدم المساواة ما دامت تدفع في سبيل مصلحتهم جميعاً، لذلك لا يجوز أن يتحملها بعضهم دون بعض الآخر من الأفراد.

ويعد إعلان حقوق الإنسان والمواطن أول من أثبت هذا المبدأ رسمياً، وذلك حين نص على ضرورة أن يشترك جميع المواطنين على قدم المساواة في الأعباء والتكاليف العامة (المادة 16 من الإعلان)، ولكن يلاحظ أنَّ القضاء الإداري الفرنسي قد أخذ بمبدأ المساواة بين المواطنين في التكاليف العامة وأرجع إليه الكثير من نظريات القانون الإداري ولاسيما في مجال المسؤولية، إلا أنه في جميع الأحكام التي أصدرها بهذا الصدد لم يشر إلى إعلان الحقوق أبدا على أنه نص يشكل مرجعية دستورية وتاريخية في الوقت نفسه، إنما عده على الدوام من قبيل المبادئ العامة للقانون.

وفي الحقيقة أن مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة يتجلى أكثر في النطاق الضريبي، وفي نطاق الخدمة العسكرية:

أ ـ في النطاق الضريبي: في الحقيقة أن مبدأ المساواة أمام الضريبة هو في حقيقته مستمدٌ من مبدأ المساواة أمام القانون، لذلك فإن المساواة أمام الضريبة هي المساواة أمام قانون الضريبة، والمساواة أمام الضريبة بهذا المعنى لا تعني وجوب أن يدفع جميع المكلفين الضريبة نفسها، بل يجب أن يناسب ما يدفعه كلٌّ منهم قدرته المالية. وبعبارة أخرى يجب أن تسعى الدولة إلى أن تكون الضرائب التي تفرضها في مجموعها مناسبة المقدرة التكليفية للمكلفين، لذلك فإن المساواة أمام الضريبة لا تفترض وجود نظام قانوني ضريبي واحد يطبق على جميع المكلفين، بل على النقيض من ذلك تعني المساواة أمام الضريبة في الوقت الحالي ضرورة تعدد الأنظمة الضريبية التي يخضع لها المكلفون، فلابد على سبيل المثال من تمييز أصحاب الدخول الكبيرة من أصحاب الدخول الصغيرة، وخضوع كل منهما لنظام ضريبي مختلف.

ولذلك يرى بعض الفقه أن الخطوة الأولى لتحقيق المساواة أمام الضريبة هي تقسيم المكلفين إلى أنواع Catégorisations، والتقسيم الشائع هو تقسيم المكلفين بحسب إمكاناتهم المالية، فيقسم المكلفون عادة إلى صغار المكلفين وكبار المكلفين. كما يوجد تقسيم آخر للمكلفين  بحسب الضرائب التي يخضعون لها، إذ يوجد مكلفون يخضعون للضرائب على الدخل، ويخضع آخرون للضريبة على القيمة المضافة، ويخضع آخرون للضريبة على الشركات…إلخ.

وإضافة إلى ما تقدم فإن المساواة أمام الضريبة تستوجب خضوع كل المكلفين لنظامٍ ضريبي واحد إذا وجدوا في مركز واحد يحدده القانون، وبالتالي فإنه يحظر على المشرع أن يقرر اختلافاً في المعاملة الضريبية لأصحاب المراكز المتماثلة، وقد تكررت هذه القاعدة في عددٍ غير قليل من أحكام المجلس الدستوري الفرنسي.

والمساواة أمام الضريبة ليست واجبة فقط في مجال فرض الضرائب فحسب، بل هي التزام واقع على عاتق المشرع أيضاً في حالة الإعفاء منها، وبذلك فإنه لا يجوز التمييز بين أصحاب المراكز المتماثلة سواء بإخضاعهم لضريبةٍ ما أم بإعفائهم منها.

وإذا كان الإعفاء من الضريبة لأشخاص محددين بصفاتهم فإن مبدأ المساواة يتحقق من دون شك، كأن يقرر المشرع إعفاءً ضريبياً على المعاشات المستحقة لجرحى الحرب مثلاً، إلا أنه إذا كان القانون ذاته يعفي شخصاً محدداً بذاته من بعض الضرائب أو الرسوم فإن هذا القانون يخرق مبدأ المساواة بحسب الرأي الراجح في الفقه، وذلك كما هو الحال مثلاً بالنسبة إلى قانون 23/12/1970 الصادر في فرنسا بشأن إعفاء تركة الجنرال ديغول من بعض الضرائب والرسوم.

ولكن يجوز الخروج على مبدأ المساواة أمام الضريبة في حالات ضيقة، وذلك حين يميز المشرع بين المكلفين ويخرج بالتالي عن مبدأ المساواة لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة، فعادة ما يلجأ المشرع إلى تمييز بعض المكلفين بمعاملة ضريبية خاصة، وذلك لتحفيزهم على استثمار أموالهم، أو لتوجيه هذا الاستثمار في اتجاهٍ معين، وتحفل قوانين الاستثمار في الدول التي تحتاج إلى رؤوس الأموال الوافدة بإعفاءات أو تعاملات ضريبية خاصة ومميزة، بل يجري العمل في فرنسا على إبرام ما يسمى بالعقود الضريبية Contrats fiscaux التي من أهم آثارها منح أفضليات ضريبية معينة لبعض المكلفين، وذلك في سبيل حسن تنفيذ الخطط الاقتصادية.

وعلى كل حال فإنه يجب ألا يغرب عن البال الدور المهم الذي تؤديه الضريبة في حياة الشعب الاجتماعية ودورها في إعادة توزيع الدخل، وفي تخفيف حدة التفاوت بين الطبقات الاجتماعية، مما يظهر أهمية الضريبة بوصفها أداة لتوزيع المساواة الاقتصادية بين الأفراد على مستوى الحياة الاجتماعية كلها.

والجدير ملاحظته أخيراً أنَّ دستور الجمهورية العربية السورية قد تبنى صراحة مبدأ المساواة أمام الضريبة، وأشار إلى الدور الذي تؤديه الضريبة في تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك حين نصت المادة (19) منه على أن: "تفرض الضرائب على أسس عادلة وتصاعدية، تحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية".

ب ـ المساواة في أداء الخدمة العسكرية: لا شك في أن الخدمة العسكرية واجب وطني يتساوى المواطنون جميعاً في القيام به، ومن ثم فلا يجوز الإعفاء من واجب الدفاع عن الوطن إلا لأسباب تحدد حصراً في القانون وتكون موجبة لذلك.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الغني بسيوني، مبدأ المساواة أمام القضاء وكفالة حق التقاضي (منشأة المعارف، الإسكندرية 1983).

ـ طلعت حرب محفوظ، مبدأ المساواة في الوظيفة العامة (الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة 1989).

ـ سعاد الشرقاوي، القانون الإداري وتحرير الاقتصاد (دار النهضة العربية، القاهرة 1995).

ـ محمود حافظ، المرافق العامة (دار النهضة العربية، القاهرة 1982).

ـ سليمان الطماوي، الوجيز في القانون الإداري (دار الفكر العربي، القاهرة 1991).

ـ أنور أحمد رسلان، الوظيفة العامة (دار النهضة العربية، القاهرة 1995).

ـ محمد فاروق عبد الحميد، المركز القانوني للمال العام، رسالة دكتوراه (القاهرة 1983).

ـ محمد عبد اللطيف، الضمانات الدستورية في المجال الضريبي (مطبوعات جامعة الكويت، الكويت 1999).

- N.B. FRIER, Le Principe d’égalité, (A. J. D. A, 1998).

- P. DELVOLVÉ, Le Principe d égalité devant les charges publiques, (L. G. D. J, 1969).

- M. VILLIERS, Dictionnaire de Droit constitutionnel.

- G. PELLISSIER, Le Principe d’égalité en droit public, (L.G.D.J, Paris, 1996).

- M. SOUSSE, Principe de non, discrimination (A.J.D.A, 1999).

- R. CHAPUS, Droit administratif général, (Delta, Paris, 1995).

- G. GUGLIELMI & G. KOUBI, Droit du service public, (Montchrestien, Paris, 2000).

- C. DEBBASCH, La femme et la fonction publique (1961).

- E. AYOUB, La femme dans la fonction publique, (D. S, 1971).

- J. MIRAND- DEVILLER, Cours de droit administratif des biens. (Montchrestien, Paris, 1999).

- G. LEBRETON, Libertés publiques et droit de l’homme, (A.Colin, Paris, 2003).


التصنيف : القانون العام
النوع : القانون العام
المجلد: المجلد السادس: علم الفقه ــ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان
رقم الصفحة ضمن المجلد : 484
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1041
الكل : 58481942
اليوم : 54456