logo

logo

logo

logo

logo

الشركات المتعددة الجنسيات

شركات متعدده جنسيات

multinational companies - sociétés multinationales

 الشركات متعددة الجنسيات

الشركات متعددة الجنسيات

ماهر ملندي

التعريـف

التطور

الخصائص

الآثار

التنظيم الـدولي

 

تعدّ الشركات متعددة الجنسيات les sociétés multinationales في الوقت الراهن من أهم المتعاملين على صعيد العلاقات الدولية الاقتصادية، لكن، على الرغم من تعاظم نشاطها وتجاوز إمكاناتها الهائلة قدرات الدول والمنظمات الدولية، تبقى شخصيتها القانونية الدولية مشكوكاً فيها. كما أنه لا يمكن لعقودها المبرمة مع الدولة أن تكتسب صفة الاتفاقية الدولية، فهي تخضع إضافة إلى قواعد القانون الخاص، للمبادئ القانونية الدولية المتعارف عليها في المجال الاقتصادي. ومع ذلك لا جدال ولا نقاش حول أحقية القانون الدولي في تنظيم علاقة الدول والمنظمات الدولية بالشركات متعددة الجنسيات، لأهمية نشاطاتها وتأثيراتها في الساحة الاقتصادية الدولية، وضرورة إخضاعها لمبادئ وقواعد القانون الدولي المستقرة بهذا الشأن. فهي تتخطى بأنشطتها النطاق الإقليمي لكل دولة، ولا تراعي سوى مصالحها، بل تتعدَّى أحياناً على سيادة الدول وتتدخَّل على نحو سافر في شؤونها الداخلية.

وقد دأبت الدول النامية على توجيه النقد اللاذع لهذه الشركات التي تجسِّد ـ بحسب وجهة نظرها ـ قمة الاستغلال الاقتصادي والهيمنة السياسية، وهي متَّهمة بإقامة نظام اقتصادي خاص بها ومستقل عن اقتصاديات الدول التي تتبع لها أو التي تستثمر على أراضيها، وكذلك تهديد النظام النقدي العالمي جرّاء تحويلاتها الضخمة وامتلاكها لرؤوس أموال تتجاوز بكثير ميزانيات عدة دول، كما تعدّ نفسها فوق سلطة القوانين الوطنية، بل فوق القانون الدولي. ولا تزال هذه الشركات موضوعاً لجدل معمق حول دورها الإيجابي في تنمية الاستثمارات الدولية، والسلبي غالباً في عولمة الاقتصاد الدولي المعاصر.

وعلى الرغم من غموض التعريفات المختلفة للشركات متعددة الجنسيات وتباينها، إلاَّ أن ذلك لا يمنع من دراسة تطورها التاريخي وخصائصها الأساسية ورصد آثارها ونشاطاتها المتشعبة والجهود الدولية لإيجاد تنظيم قانوني دولي محدّد لها.

أولاً ـ التعريـف:

نظراً لتعقُّد نشاطاتها وآثارها المختلفة، واجه القانون الدولي صعوبات جمَّة في صوغ تعريف قانوني دقيق ومتوازن ومستقر للشركات متعددة الجنسيات، أو كما يُطلق عليها أحياناً الشركات عبر الوطنية أو عابرة القوميات أو عالمية النشاط. ولكن باستقراء التعريفات الصادرة عن مجمل الدراسات الاقتصادية والفقهية، وخاصة تلك التي تم إعدادها ضمن نطاق بعض المنظمات الدولية، يمكن القول إن هنالك شبه إجماع على تعريف الشركة متعدَّدة الجنسيات على أنها: « كيان اقتصادي متعدِّد النشاطات والبنيان ويهدف إلى تحقيق الربح، وهو يتألَّف من الشركة الأم أو المركز وعدد من الشركات الفرعية الأخرى المتواجدة في أقاليم عدد من البلدان، وتعمل كل منها على أنها شخصية اعتبارية مستقلة وفقاً لقوانين الدولة التي تتمتَّع بجنسيتها أو تعمل على أراضيها، ولكن ترتبط هذه الشركات الفرعية فيما بينها وبالشركة الأم بعلاقات إستراتيجية مشتركة تتعلَّق خصوصاً بطبيعة الملكيـة أو بأسلوب الرقابة على قراراتها وأنشطتها وبالتأثير المتبادل فيما بينها».

ومن هنا أتى تعبير الشركة متعددة الجنسيات التي تتكوَّن في حقيقة الأمر من عدة شركات موزعة في بلدان مختلفة ولكل منها جنسيتها الخاصة بها وكيانها القانوني القائم بذاته. ولكنها تخضع للشركة الأم التي تنسِّق فيما بينها وفقاً للسياسة العامة للشركة والمتعلقة بالإدارة والتنظيم والإنتاج والاستثمار والتسويق وتوزيع الأرباح. وقد تمنح الشركة الأم درجات مختلفة من الاستقلالية لهذه الشركة الفرعية أو تلك المرتبطة بها حسب الأقدمية وخبرة القائمين عليها وظروف العمل والنشاطات وضخامتها. وتُطلق عادة تسمية دولة المركز على البلد الذي تتوضَّع على إقليمه الشركة الأم، في حين تسمَّى الدولَ المضيفةَ تلك البلدان التي تمارس فيها الشركات الفرعية نشاطاتها وتتمتَّع بجنسيتها. وتخضع الشركة متعددة الجنسيات لملكية وإدارة عدة أشخاص طبيعيين واعتباريين، من جنسيات مختلفة، وتباشر نشاطاتها الإنتاجية والتجارية في عـدة بلدان، وهذا ما تختلف بشأنه عن الشركات الوطنية التي تتمتَّع بجنسية إحدى الدول، ولكنها تمارس نشاطاتها في دول مختلفة عبر فروعها والشركات التابعة لها.

ثانياً ـ التطور:

تمتد الأصول التاريخية للشركات متعددة الجنسيات إلى ظاهرة الشركات التي أنشأتها الدول الاستعمارية سابقاً، كشركة الهند الشرقية، وذلك من أجل استغلال موارد وثروات البلدان الخاضعة للاستعمار وخلق احتكارات مدعَّمة بالقوة السياسية والعسكرية للحصول على المواد الأولية والغذائية بأسعار رخيصة، وذلك لكي يتم إعادة تصنيعها وتصديرها مرة أخرى على شكل منتجات للدول النامية. ولم تكن مثل هذه الشركات تهتم بتنمية المناطق التي تعمل فيها أو إمدادها بالمعرفة العلمية والتكنولوجيا المتطوِّرة والنظم الإدارية الحديثة. بل كانت تهدف أساساً ولا تزال إلى البحث عن فرص توظيف استثمارية وأسواق جديدة وتعظيم أرباحها، مستفيدة من توافر العمالة الرخيصة وانخفاض الأجور وأسعار المواد الأولية لدى الدول النامية. وقد اهتمت هذه الشركات بداية بزيادة المجال التسويقي لمنتجاتها، ثم انتقلت إلى إقامة منشآت إنتاجية وتجارية لدى الدول المضيفة لتأمين الحصول المستمر على المواد الأولية والفوائد الاقتصادية والمالية المتوخاة. وتقوم هذه الشركات بممارسة أنشطتها في البلدان التي تكون فيها عادة أسعار عناصر الإنتاج منخفضة لكي تبيعها بعد إعادة تصنيع هذه العناصر في البلدان ذات الأسعار المرتفعة. وهذا التفاوت بين أماكن الإنتاج وأماكن البيع يمكّنها من تنويع السلع والاستفادة من فروق الأسعار والمزايا الضريبية في الأسواق المختلفة.

ومما أسهم في انتشار الشركات متعددة الجنسيات وتطورها في فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين، استقرار مبادئ تحرير التجارة الدولية وسهولة تنقل رؤوس الأموال عبر الحدود الوطنية والثورة العلمية والتكنولوجية وعولمة الاقتصاد الدولي وتكوُّن النظام الاقتصادي العالمي المعاصر وعدم الاستقرار السياسي في العديد من الدول النامية واعتماد قوانين تشجيعية للاستثمار الأجنبي في معظم الدول، النامية والمتقدِّمة. حيث سارعت هذه الشركات إلى استثمار إمكاناتها الهائلة والاندماج فيما بينها، فظهرت شركات عملاقة تتوزع أسهمها وأرباحها وأصولها بين عدة وحدات رأسمالية من جنسيات مختلفة، وتمارس نشاطاتها في عدة دول. وقد اكتسبت بعداً إستراتيجياً عالمياً وأصبحت محل اهتمام المجتمع الدولي بجميع أشخاصه من دول ومنظمات دولية لما تتمتَّع به من أهمية بالغة ودور متعاظم على صعيد العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية، إذ تكاد التجارة الدولية بالسلع ورؤوس الأموال تقتصر على التبادل الداخلي فيما بين الشركات متعددة الجنسيات وفروعها المنتشرة في جميع أنحاء العالم.

ثالثاً ـ الخصائص:

تعدُّ الشركات متعددة الجنسيات إحدى الظواهر الأساسية لما يسمَّى بالعولمة الاقتصادية، وذلك من خلال ما تملكه من إمكانيات هائلة على مختلف المستويات التمويلية والإنتاجية والإدارية والتسويقية والتكنولوجية وغيرها. وكذلك بما تتَّسم به هذه الشركات من خصائص عامة تميّزها من غيرها من الوحدات الاقتصادية الفاعلة على الصعيد العالمي. وأهم هذه الخصائص:

1ـ التأثير في النظام الاقتصادي العالمي، إذ تتحكَّم الشركات متعددة الجنسيات بمعظم الإنتاج الإجمالي العالمي والتبادلات التجارية والاستثمارات الدولية. وهي تملك ما لا يقل عن ثلثي مجموع الأصول الثابتة في العالم، فضلاً عن احتياطياتها النقدية التي تفوق بكثير احتياطات البنوك المركزية لدى عدد من الدول المتقدمة كألمانيا وفرنسا واليابان. كما تحقق أرباحاً تتجاوز ميزانيات دول كثيرة. فهذه الشركات لا هدف لها سوى تحقيق حد أقصى من الأرباح، ولذلك فهي تحاول دائماً منافسة النظام الاقتصادي والإداري والقانوني للدول التي تمارس أنشطتها على إقليمها. بل تذهب إلى أبعد من ذلك بتهديد مصالح النظام الدولي الاقتصادي بأسره القائم على مبادئ سيادة الحرية الاقتصادية والمنافسة الحرة والقضاء على الاحتكار.

2ـ ضخامة حجم رؤوس الأموال المستثمرة والعمالة والإنتاج والمبيعات والإيرادات المحققة والهياكل التنظيمية والإدارية للشركات متعددة الجنسيات ومخصصات الإنفاق على البحوث والتطوير. وتدل على ذلك معدلات النمو التي حققتها هذه الشركات والتي تفوق بنحو الضعف معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للعديد من الدول الصناعية المتقدِّمة.

3ـ الانتشار الجغرافي الواسع للشركات متعددة الجنسيات وفروعها المختلفة، والتي تنشط في معظم الأسواق العالمية، بما تملكه من إمكانات ضخمة على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والتكنولوجية. وهناك اليوم نحو خمسين ألف شركة متعددة الجنسيات لها أكثر من ربع مليون فرع في العالم. وتستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية على النصيب الأكبر منها. وأهم هذه الشركات المعروفة على الصعيد الدولي: جنرال موتورز وفورد وفيات وتويوتا وفولكسفاغن ورينو ونيسان للسيارات، وI.B.N للكمبيوتر، وجنرال الكتريك وهيتاشي وتوشيبا وإريكسون للالكترونيات والاتصالات، وايكسون ورويال دوتش وبريتش بتروليوم للنفط، ونستله للتغذية.الخ. على سبيل المثال، تسيطر شركة I.B.N على نحو ثلث سوق الحواسيب في العالم، وتحتكر الشركات البترولية الكبرى والمسمَّاة بالأخوات السبع نحو ثلثي السوق العالمي للنفط. وقد تتعامل هذه الشركات فيما بينها من دون إذن مسبق من الشركة الأم التي يقتصر عملها على الإدارة والتنسيق والتخطيط فقط للشركات التابعة لها والمنتشرة في جميع أرجاء العالم.

4ـ التركُّز في النشاط الاستثماري، إذ تتوضَّع معظم الاستثمارات التي تباشرها الشركات متعددة الجنسيات في الدول المتقدِّمة، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي واليابان، في حين لا تنال الدول النامية سوى جزء يسير من مجمل هذه الاستثمارات التي تتركز في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، وهي تتَّجه بمعظمها إلى قطاع الصناعة والخدمات في الدول المتقدِّمة وإلى قطاع الصناعة الاستخراجية في الدول النامية. وتفضِّل عادة الشركات متعددة الجنسيات توظيف رؤوس أموالها واستثمارها لدى الدول الغربية المتقدِّمة لما تحققه لها الفرص الاستثمارية الجاذبة وزيادة القدرات التنافسية من عوائد وأرباح مرتفعة، وكذلك لتوافر الخدمات ووسائل النقل والطاقة والتكنولوجيا لدى هذه الدول.

5ـ تنوُّع الأنشطة التي تمارسها الشركات متعددة الجنسيات في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. فهي تعتمد على سياسة التنوع والتشعب في إنتاج السلع من أجل التخفيف من الخسائر المحتملة. وهذا يؤدي إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين هذه الشركات والفروع التابعة لها. فعلى سبيل المثال تعمل شركة ميتسوبيشي اليابانية في إنتاج السيارات والصناعات الثقيلة والمواد الكيماوية، وتملك الشركة الدولية للتلغراف والتليفون شبكة واسعة من فنادق الشيراتون المنتشرة في جميع أنحاء العالم، وهنالك شركات أخرى تعمل في عدة مجالات في آن معاً، تمتد من الصناعات الغذائية الخفيفة إلى استغلال الطاقة النووية.

6ـ القدرة على تحويل الإنتاج والاستثمار والموارد ورؤوس الأموال والاحتياطيات النقدية وإقامة التحالفات الاحتكارية على مستوى العالم، مما يساعد على زيادة الإمكانيات التنافسية للشركات متعددة الجنسيات وتحسين معدلات نموها وكفاءتها الإنتاجية والتسويقية، ومن ثم تعظيم أرباحها وإيراداتها. على سبيل المثال، توصَّلت الشركات النفطية السبع وهي بمعظمها أمريكية وأوربية، في نهاية حقبة الستينيات من القرن الفائت، إلى اتفاق ضمني فيما بينها، شكَّل ولمدة طويلة نسبياً قانوناً نفطياً احتكارياً عالمياً فيما يتعلق باستغلال وتوزيع المشتقات النفطية على الصعيد الدولي.

7ـ تكوين أنماط جديدة من التخصُّص والتقسيم الدولي للعمل والإنتاج، إذ أصبح من المألوف أن تقوم الشركات متعددة الجنسيات بتجزئة إنتاج السلعة الواحدة بحيث تتخصَّص كل منها بإنتاج جزء من السلعة أو بعضها، وخاصة في قطاعات الصناعة الكهربائية والإلكترونية والهندسية والسيارات. وهكذا يتم تجاوز التقسيم التقليدي للعمل القائم على تخصُّص الدول الصناعية في إنتاج السلع ذات التكنولوجيا المتطوِّرة، وتقتصر الدول النامية على إنتاج المواد الأولية والسلع الغذائية.

8ـ القدرة على احتكار التكنولوجيا بما يستجيب لمتطلبات السوق وتحسين الكفاءة الإنتاجية والمردود المادي، ولهذا تقوم الشركات متعددة الجنسيات بتخصيص أموال ضخمة لأنشطة البحث والتطوير وإنشاء مراكز وبنوك للمعلومات واستخدام الأساليب الحديثة في الدعاية والترويج لمنتجاتها، وكذلك احتكارها لبراءات الاختراع وتسويقها في العالم وفق مصالحها الإستراتيجية في هذا المجال.

رابعاً ـ الآثار:

أدَّى ظهور الشركات متعددة الجنسيات على مسرح الاقتصاد الدولي وتطورها إلى إثارة موجة من الأفكار المتضاربة حول الدور الذي يمكن أن تؤديه في دفع عجلة التنمية، وخصوصاً في ظل غياب القواعد الدولية الملزمة لتنظيم علاقة هذه الشركات بدولة المركز الرئيسي والدول المضيفة. وهذا ما يجعل الأمر متروكاً للمساومة من جانب الشركات ذاتها وخضوع الدول النامية لشروطها الإذعانية وهيمنتها لكونها تحتكر معظم الإمكانيات والموارد اللازمة للاستثمار لدى الدولة المضيفة. وقد اختلفت الآراء حول جدوى الشركات متعددة الجنسيات، التي اكتفت على ما يبدو بذكر الآثار الإيجابية والسلبية لهذه الشركات من دون الذهاب إلى أبعد من ذلك، لعدم إمكانية مواجهتها فعلياً ومع الأخذ بالحسبان العلاقة غير المتوازنة بين الطرفين وهيمنة الشركات متعددة الجنسيات على الاقتصاد العالمي.

1ـ الآثـار الايجابيـة للشركات متعددة الجنسيات:

1) تنشيط التجارة الدولية واقتصاد السوق.

2) تسهيل حركة تنقل رؤوس الأموال والسلع.

3) تطوير القدرات التقنية والمعارف العلمية.

4) الإسهام في دفع عجلة التنمية وتمويلها.

5) زيادة فرص العمالة والتأهيل والتدريب.

6) تعزيز المنافسة داخل الدولة المضيفة.

7) دعم ميزان المدفوعات بجذب الاستثمارات وزيادة الصادرات.

2ـ الآثار السلبية للشركات متعددة الجنسيات:

1) انتهاك سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية.

2) عدم مراعاة مصالح الدول المضيفة واحتياجاتها الفعلية.

3) الاهتمام بتعظيم الأرباح بدلاً من تنمية الموارد البشرية والطبيعية.

4) الاعتماد على التكنولوجيا عوضاً عن استخدام العمالة البشرية.

5) احتكار التكنولوجيا المتطوِّرة وعدم نقلها بسهولة إلى الدول النامية.

6) السيطرة على قطاعات اقتصادية معينة داخل الدولة المضيفة.

7) استنزاف ذوي الكفاءات وتشجيعهم على الهجرة.

8) بروز أنماط استهلاكية جديدة وعادات دخيلة على المجتمع المحلي.

9) إنتاج سلع كمالية بأسعار عالية لا تفيد الاقتصاد الوطني.

10) ازدياد تبعية الدول المضيفة للاقتصاد الرأسمالي العالمي.

خامساً ـ التنظيم الـدولي:

إذا كانت الدول تثقل كاهلها بالتزامات متعدَّدة يحددها القانـون الدولي العام، فإنه لا توجد حتى الآن أية وثيقة دولية ملزمة ومعتمدة عالمياً تحدّد بدقة التزامات الشركات متعددة الجنسيات. وذلك برغم المحاولات العديدة من أجل التوصل إلى اعتماد وثيقة كهذه، إذ لم تلق هذه المحاولات نجاحاً يُذكر بسبب وجهات النظر المتعارضة بين الدول المتقدِّمة والنامية تجاه هذه الشركات. فالدول المتقدِّمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى إلى التوصل إلى نظام قانوني موحد ومستقر لكي يتم تطبيقه على الشركات متعددة الجنسيات خارج نطاق الإرادة المنفردة للدول، أي إقرار قواعد قانونية دولية نابعة من إرادة المجتمع الدولي، تتحدَّد بموجبها حقوق وواجبات هذه الشركات وتأمين شروط تنافسية على قدم المساواة فيما بينها. كما طالبت بتحديد التزامات الدول المضيفة وفق المبادئ القانونية الدولية. في حين تصرُّ الدول النامية على تحديد واجبات الشركات متعددة الجنسيات دون منحها حقوقاً مشابهة لتلك التي تتمتَّع بها الدول، وعلى أن تخضع هذه الشركات للقوانين المحلية في الدول التي تعمل على أراضيها، وضرورة إقامة رقابة فعالة على أنشطتها واستبعاد تطبيق الأعراف الدولية في هذا المجال، وقد أسهمت في تكوينها أساساً الدول الرأسمالية الكبرى فلم تعد تُلائم مصالح الدول النامية، لعدم التكافؤ في القوى بينها وبين الشركات متعددة الجنسيات والقادمة بأغلبيتها من الدول المتقدِّمة.

وفيما يلي لمحة مختصرة عما أسفرت عنه الجهود الدولية لإيجاد تنظيم قانوني دولي قابل للتطبيق على الشركات متعددة الجنسيات:

1) مدونة السلوك حول الاستثمارات الأجنبية والشركات متعددة الجنسيات، المعتمدة عام 1970 من قبل مجموعة دول الآندين التي كانت تضم بوليفيا وشيلي وكولومبيا والاكوادور. وقد نصَّت هذه المدونة على بعض القواعد المتعلقة بنظام الاستثمار ونقل التكنولوجيا وحقوق الملكية الصناعية والازدواج الضريبي والتمويل وتحويل الأرباح ورؤوس الأموال، كما أكَّدت ضرورة تخفيض إسهام هذه الشركات في القطاعات الاقتصادية الحيوية أو تمتُّعها بمزايا تفوق تلك الممنوحة للشركات الوطنية.

2) الإعلان الدولي للاستثمارات والشركات متعدِّدة الجنسيات الصادر بتاريخ 21/6/1976 عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوربة. والذي تضمَّن عدداً من التوصيات حول ضرورة قيام الدول الأعضاء في المنظمة بمعاملة الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل على إقليمها كما تُعامل شركاتها الوطنية. ويتوجب على هذه الشركات التقيد بقواعد القانون الدولي واحترام التشريعات الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ويلاحظ بوجه عام أن هذا الإعلان يُترجم عملياً مواقف الدول الرأسمالية والمتقدِّمة صناعياً في هذا الصدد.

3) إعلان المبادئ المتعلقة بالشركات المتعددة الجنسيات، الصادر عن منظمة العمل الدولية عام 1977 والذي يبحث في السياسة الاجتماعية لهذه الشركات وعلاقاتها مع الكادر العمالي لديها. إذ يطالب هذا الإعلان بتشجيع دور الشركات متعددة الجنسيات في القيام بأعباء النمو الاقتصادي والاجتماعي للدول مع احترام مبادئ السيادة والقوانين الوطنية والنظم الدولية المطبقة بهذا الشأن. وكذلك بضرورة العمل على رفع مستوى العمالة وتحسينه والمساواة في فرص العمل والمعاملة وتوفير الاستقرار والأجور المعقولة لدى أداء العمل وبما يلبي الاحتياجات الأساسية والخدمات الصحية للعاملين وأسرهم وفقاً للسياسة الوطنية العامة للدولة التي تمارس الشركة نشاطاتها على إقليمها. كما تلتزم هذه الشركات باحترام القواعد المتعلقة بحرية تكوين النقابات وحفظ حقوق العمال الأجانب والعمل على تنمية القدرات التكنولوجية وكفاءة العاملين لدى الدول النامية تبعاً لاحتياجاتها الفعلية، واستشارة الحكومات والمنظمات الدولية المعنية في هذا المجال.

4) الإعلان الصادر عام 1979م عن المؤتمر السادس لدول حركة عدم الانحياز في هافانا، والذي أكدَّ ضرورة البحث عن تنظيم دولي عادل لفرض الرقابة على رأس المال الأجنبي، وخاصة ذاك العائد للشركات متعددة الجنسيات التي تتمتَّع بالمقدرة الهائلة على المناورة بما تملكه من وسائل مختلفة للالتفاف على الإجراءات التي تتخذها الحكومات بمواجهتها، مما يقتضي تعاون الدول فيما بينها من أجل تنظيم النشاطات المختلفة لهذه الشركات والحد من تأثيراتها الضارة، وخاصة عندما تتولَّد ظاهرة تنازع القوانين والاختصاص الوطني.

5) مشروع مدونة السلوك الذي قامت بإعداده لجنة الأمم المتحدة حول الشركات متعددة الجنسيات، والذي عدّ أن المقصود من هذه الشركات تلك العائدة للدول المتقدِّمة والنامية وسواء أكان رأسمالها ذا مصدر عام أو خاص. وقد أكَّد المشروع أهمية احترام سيادة الدول والخضوع لقوانينها المحلية ولسياساتها العامة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وخاصة القيام بأعمال ذات طابع سياسي أو بالتأثير في أحزاب معينة أو بتشكيل مجموعات الضغط أو بتقديم الرشاوى والوقوف أمام التوجهات الوطنية الطامحة لبناء اقتصادي وطني قوي. ونصَّ المشروع كذلك على ضرورة قيام هذه الشركات بتسهيل الحصول على التكنولوجيا المتطورة واحترام قواعد حماية البيئة، وقد تمَّ تخويل مركز الأمم المتحدة الخاص بشؤون الشركات متعددة الجنسيات للقيام بمهام أمانة سر لجنة الأمم المتحدة المختصة بالإشراف والرقابة على تنفيذ هذه المدونة وتقديم تقرير سنوي بهذا الشأن إلى الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة.

ولكن يبقى أهم ما يعيب جميع هذه الوثائق الدولية المنظِّمة لعمل الشركات متعددة الجنسيات، هو انتفاء الطابع الإلزامي لبنودها، اللهم إلاَّ فيما يتعلق بالمبادئ القانونية الدولية العامة ذات الطابع العرفي، كتلك المتعلقة باحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. إذ لا تزال الدول الغربيـة مصرَّة على أن هـذه الوثـائق لا تحتوي سوى على مبادئ للسلوك أو توصيات وقواعد توجيهية وإرشادية مجرَّدة من أي قيمة قانونية ملزمة، في حين تحتاج المسألة أساساً إلى إطار قانوني ملزم يحكم العلاقة بين جميع الأطراف، بحيث يكون كل طرف مدركاً تماماً لحقوقه والتزاماته بصورة واضحة وجلية، بدلاً من الغموض الذي يحيط بهذا الموضوع.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ إبراهيم مشورب، الاقتصاد السياسي (دار المنهل اللبناني، مكتبة رأس النبع، بيروت 2002م).

ـ زينب حسن عوض الله، الاقتصاد الدولي (الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت 1998م).

ـ عادل أحمد حشيش ومجدي محمود شهاب، أساسيات الاقتصاد الدولي (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2002م).

ـ عبد المطلب عبد الحميد، النظام الاقتصادي العالمي الجديد (مجموعة النيل العربية، القاهرة 2003م).

ـ عرفان تقي الحسني، التمويل الدولي (دار مجدلاوي للنشر، عمان/ الأردن 2002م).

ـ يحيى عبد الرحمن رضا، الجوانب القانونية لمجموعة الشركات عبر الوطنية (دار النهضة، القاهرة 1994م).

ـ محمد السيد سعيد، الشركات المتعددة الجنسية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية (الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 1978م).


التصنيف : القانون التجاري
النوع : القانون التجاري
المجلد: المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي
رقم الصفحة ضمن المجلد : 295
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1044
الكل : 58492853
اليوم : 65367