logo

logo

logo

logo

logo

حق الشفعة

حق شفعه

right of preemption - droit de préemption

 حق الشفعة

حق الشفعة

زهير حرح

مفهوم حق الشفعة  
أسباب الشفعة آثار الأخذ بالشفعة
شروط الأخذ بالشفعة أسباب سقوط الحق في الشفعة
طريقة الأخذ بالشفعة موقف القانون السوري من حق الشفعة
   

الشفعة هي سبب من أسباب كسب الملكية، وهي نظام مأخوذ عن أحكام الشريعة الإسلامية، وقد تضمن القانون المدني المصري والمختلط نصوصاً لتنظيمه مأخوذة من الشريعة الإسلامية، وقد أظهر الواقع العملي عدم كفاية الأحكام المتضمنة في هذه النصوص،مما ألجأ القضاء إلى الرجوع إلى الفقه الإسلامي، فتناقضت الأحكام بسبب الخلافات الفقهية حول هذا الموضوع، ولذا صدر تشريع خاص لتنظيم حق الشفعة في عام 1900 (القانون المختلط)، وصدر في عام 1901 (القانون الأهلي) الذي ظل مطبقاً حتى صدر القانون المدني الحالي متضمناً أحكام الشفعة في المواد من (935-948) من القانون المدني المصري.

أولاً- مفهوم حق الشفعة:

1- تعريف حق الشفعة:

عرَّفت المادة (935) مدني مصري حق الشفعة بأنه رخصة تجيز في بيع العقار الحلول محل المشتري في الأحوال والشروط المنصوص في المواد (935-948) من القانون المدني المصري.

كما عُرّف بأنه حق الشريك في شراء نصيب شريكه فيما هو قابل للقسمة، حتى لا يلحق الشريك ضرر. وإن كان هناك شركاء كثيرون اشتركوا جميعاً في هذا الحق، فلا يجوز البيع لأحدهم دون الباقين.

وقد عرفت المادة (95) من مرشد الحيران حق الشفعة بأنه «حق تمليك العقار المبيع كله أو بعضه ولو جبراً على المشتري بما قام عليه من الثمن والمؤن».

والشفعة لغةً: مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر؛ لأن الشفيع بالشفعة قد ضم المبيع إلى ملكه، وقيل إنها مشتقة من الزيادة؛ لأن الشفيع يزيد ملكه بالبيع. وتعرّف الشفعة في اللغة بالضم والازدواج، إذ يقال شفع الشيء شفعاً أي ضم مثله إليه، أو جعله زوجاً بعد أن كان فرداً.

إذن: الشفعة هي رخصة يجيزها القانون في بيع العقار للحلول محل المشتري في الأحوال والشروط المنصوص عليها في القانون، (ألغى القانون المدني السوري الشفعة من بين أسباب الملكية) وهي سبب من أسباب كسب الملكية، وهي مصدر من مصادر الحقوق العينية العقارية، وهي رخصة تجعل لمن يبيح له القانون الأخذ بالشفعة - إذا توافرت كل شروط الأخذ بها - أن يعلن رغبته في ذلك، ويترتب على إبدائه هذه الرغبة أن يحل بالرضاء أو نتيجة لحكم القضاء محل المشتري في البيع المبرم. وقد شرعت الشفعة لدفع الضرر المتوقع للشفيع في حالة ما اتصل ملكه بالعقار المبيع. كما أن للشفعة فوائدها الاقتصادية أيضاً في حالة إذا ما أدت إلى جمع ما تفرق من حق الملكية، كضم حق الانتفاع، أو الحكر، أو إنهاء الشيوع في حالة بيع الشريك المشتاع حصته الشائعة إلى أجنبي.

2- التكييف القانوني لحق الشفعة:

قام جدل في الفقه المصري بشأن تكييف حق الشفعة، هل هو حق عيني أم حق شخصي؟ فقد ذهب جانب من الفقه إلى القول: إن حق الشفعة حق عيني، قاصدين بذلك ترتيب نتائج عدة أهمها، أن تكون دعوى الشفعة من اختصاص المحكمة الكائنة في دائرة العقار المشفوع فيه. وفي الواقع يمكن القول: إنهم لم يكونوا في حاجة إلى هذا القول للوصول إلى هذه النتيجة، إذ كان يكفي القول: إن الشفعة تكسب ملكية العقار المشفوع فيه، فهو عندما يقوم بدعوى الشفعة يطالب بحق عيني عقاري، فيثبت الاختصاص بنظر الدعوى لمحكمة  موقع العقار. في حين ذهب اتجاه آخر من الفقه إلى القول: إن حق الشفعة إنما هو حق شخصي قاصدين بذلك القول: إن حق الشفعة حق لصيق بشخص الشفيع لا يورث عنه، ولا تجوز حوالته، ولا يجوز لدائني الشفيع أن يستعملوه باسمه. وهذا الاتجاه الفقهي كسابقه لم يكن هو أيضاً في حاجة إلى معارضة صفة العينية بصفة الشخصية؛ إذ إن معنى الشخصية الذي قصدوا إليه لا يتعارض مع معنى العينية. والصحيح أن حق الشفعة ليس حق عيني ولا حق شخصي؛ بل هو ليس بحق أصلاً، إنما الشفعة هي سبب لكسب الحقوق العينية، فالشفيع يكسب بالشفعة ملكية عقارية، أو حقاً عينياً على هذا العقار، كحق انتفاع أو حق رقبة.

وقد تعرض الفقه لطبيعة الشفعة من ناحية أخرى، فبحث فيما إذا كانت حقاً من الحقوق أو - كما يقول هذا الفقه - رخصة من الرخص، ويلاحظ أن المشرع قد اختار وصف الشفعة بأنها رخصة (م 935) مدني مصري، ووصف الشفعة بأنها رخصة وليست حقاً هو التكييف المأخوذ به في الفقه المصري، ووصف الشفعة بأنها رخصة لا يعني نفي معنى الحق عنها، فالرخصة قدرة على القيام بعمل يسمح به القانون، وهذا هو معنى الحق بصفة عامة، ولكن هذا الحق ليس حق ملكية العقار المشفوع فيه، بل هو حق تملك هذا العقار. فحق التملك بالشفعة هو فرع من حق التملك بصفة عامة. وهذه الرخصة تخول الشفيع الحق في تملك العقار المشفوع فيه، وذلك بأن يعبر عن إرادته في ذلك استناداً إلى المركز القانوني الذي وجد فيه.

ثانياً- أسباب الشفعة:

1- بيان الشفعاء وطبقاتهم:

يثبت الحق في الشفعة بموجب المادة (936) مدني مصري (م 940 ليبي، م 1129 عراقي، م 239 عقاري لبناني) للفئات التالية:

أ- لمالك الرقبة إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس لها أو بعضه (م 936/1) مدني مصري.

يقصد بحق الانتفاع الملابس الحق الذي يقع على ملكية الرقبة التي تكون ثابتة للشفيع؛ بحيث إذا اجتمع الحقان تنتهي تجزئة الملكية، وهذا الفرض نادر الحصول في العمل. ويثبت الحق في الشفعة لمالك الرقبة، إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس لها أو بعضه، أي إذا كان جزء من الرقبة عليه حق انتفاع، فقد أجاز القانون لمالك الرقبة في هذه الحالة أن يشفع في حق انتفاع المبيع، أي يأخذه من المشتري، ولو لم يرضَ هذا الأخير بالتخلي عنه، ويصبح بالتالي العقار مملوكاً للشفيع (مالك الرقبة) ملكية تامة. والحكمة من تقرير حق الشفعة في هذه الحالة هي أنها تؤدي إلى جمع ما تفرق من عناصر الملكية بضم حق الانتفاع إلى الرقبة فتجتمع للمالك سلطاته على الشيء، ولهذا فوائده الاقتصادية الكبيرة.

كذلك قد يقوم مالك الرقبة ببيع حق ملكيته إلى شخص آخر، ويجيز القانون لصاحب حق الانتفاع أن يشفع في ملكية الرقبة؛ أي أن يأخذها من المشتري، وهو ما يترتب عليه أن يصبح العقار مملوكاً للشفيع (صاحب حق الانتفاع) ملكية تامة؛ بضم الرقبة إلى حق الانتفاع (م 936/3) مدني مصري.

وتثبت الشفعة لمالك الرقبة، ولو كان حق الانتفاع لعدة شركاء، وتكون لكل شريك حصة، ولو كان المشتري أحد الشركاء. والغرض من تقرير الشفعة في هذه الحالة هو جمع شتات الملكية في يد شخص واحد هو مالك الرقبة. ومالك الرقبة يصبح بعد تمام الأخذ بالشفعة مالكاً للجزء الذي تملكه بالشفعة من حق الانتفاع، ويظل جزء من حق الانتفاع مملوكاً للشريك الآخر أو للشركاء الآخرين.

ب- للشريك في الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع لأجنبي (م 936/2) مدني مصري.

يثبت الحق في الشفعة للشريك في الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع لأجنبي، ويكون ذلك عندما يتعدد الملاك من دون تحديد، أو عند إفراز نصيب كل منهم. فإذا بيع شيء من العقار الشائع لأجنبي أمكن الشريك في الشيوع أخذه بالشفعة والحلول محل المشتري، وترتبط الشفعة في هذه الحالة بحالة الشيوع، أما إذا انتهت حالة الشيوع بالقسمة -مثلاً- فلا يجوز طلب الأخذ بالشفعة، ولو لم تسجل هذه القسمة. وأهم ما يشترط بها ألا تكون ملكية الشريك في العقار مفرزة، فحينما تكون ملكيته مفرزة لا يكون شريكاً في عقار شائع بل تصبح ملكيته ملكية فردية لا شراكة، ويتصور حدوث هذه المرتبة إذا باع أحد الشركاء في ملك الشيوع حصته الشائعة لشريك آخر، أو لغير شريك (خارج شركاء الشيوع) حينها يثبت للشركاء الآخرين حق الشفعة فيها، سواء أكان العقار الشائع قابلاً للقسمة أم لا. والغاية من تقرير الشفعة في هذه الحالة هي منع دخول أجنبي بين الشركاء في العقار الشائع.

ج- لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها (م936/3) مدني مصري.

يثبت الحق في الشفعة في المرتبة الثالثة لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها، وثبوت الشفعة في هذه الحالة يستجيب للاعتبارات ذاتها التي أدت إلى ثبوتها، وهو جمع ما تفرق من عناصر حق الملكية في يد واحدة، والغرض من تقريره في الشفعة جمع شتات الملكية في يد شخص واحد.

وإذا كان حق الانتفاع لشخصين وملكية الرقبة لشخص واحد، وباع مالك الرقبة ما يمتلك فلصاحبي حق الانتفاع الشفعة فيما بيع. ويشفع كل منهما في ملكية الرقبة بالقدر الذي يمتلكه في حق الانتفاع، ومن ثم فإنهما يصبحان مالكين ملكية تامة للعقار مناصفة بينهم.

د- لمالك الرقبة في الحكر إذا بيع حق الحكر، وللمستحكر إذا بيعت الرقبة (م 936/4) مدني مصري.

حق الحكر نوع خاص من أنواع حق الانتفاع، وهو كالانتفاع يخول صاحبه (المستحكر) سلطة استعمال الشيء واستغلاله، ولكن يختلف عن الانتفاع في أنه لا يرد إلا على عقار. وفي حالة التحكير تكون ملكية الرقبة ثابتة لشخص، وتكون سلطات الاستعمال والاستغلال ثابتة لشخص آخر هو المستحكر. فإذا باع المستحكر حقه (الحكر)؛ كان لمالك الرقبة أن يأخذ هذا الحق بالشفعة، ويترتب على ذلك انقضاء حق الحكر، وخلوص العقار إلى الشفيع يملكه ملكية تامة. ويثبت الحق ذاته أيضاً للمستحكر؛ إذ يمكنه أن يشفع في بيع الرقبة إذا قام مالك الرقبة ببيعها، وأن يتملكها رغماً عن المشتري، مما يترتب عليه ملكية العقار ملكية تامة للمستحكر إذا بيعت الرقبة. والغرض من تقريره في الشفعة جمع شتات الملكية في يد شخص واحد.

هـ- للجار المالك في الأحوال الآتية: (م 936/5) مدني مصري. وردت شفعة الجار المالك في آخر مراتب الشفعاء، وتكون هذه الشفعة في الحالات الآتية:

(1)- إذا كانت العقارات من المباني أو من الأراضي المعدة للبناء سواء أكانت في المدن أم في القرى. ففي هذه الحالة يكون العقار المشفوع فيه من المباني أو من الأراضي المعدة للبناء، وفي هذه الحالة يكفي لنشوء حق الجار في الشفعة تحقق الجوار باتصال العقارين بأي مقدار - من ناحية واحدة - من دون أي شرط.

(2)- إذا كان للأرض المبيعة حق ارتفاق على أرض الجار، أو كان حق الارتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة. ويلزم لثبوت الشفعة إلى جانب توافر الجوار أن يكون للجار الشفيع ارتفاق على الأرض المبيعة، أو أن يكون لمالك الأرض المبيعة ارتفاق على أرض الشفيع. ويلزم بقاء حق الارتفاق قائماً حتى يتم الأخذ بالشفعة، فإذا انقضى الارتفاق قبل ذلك بالنزول عنه أو بغير ذلك من الأسباب؛ سقط حق الشفيع في الأخذ بالشفعة.

(3)- إذا كانت أرض الجار ملاصقة للأرض المبيعة من جهتين، وتساوي من القيمة نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل، فلا يكفي التجاور من جهة واحدة كالحالتين السابقتين؛ بل يجب تحقق الجوار على حدين من حدود الأرض، وإضافة إلى هذا الازدواج في الجوار يتعين أن تكون قيمة الأرض المشفوع بها مساوية على الأقل نصف ثمن الأرض المبيعة.

3- تزاحم الشفعاء:

قد تحدث أن تتوافر شروط الأخذ بالشفعة لأكثر من شخص، فيتعدد بذلك الشفعاء، ولكن هذا التعدد لا يثير صعوبة إذا لم يطلب الأخذ بالشفعة سوى شخص واحد فقط، ففي هذه الحالة تثبت الشفعة لطالبها. أما إذا طلب الشفعة أكثر من شخص واحد، فالأمر يكون في مواجهة حالة تزاحم الشفعاء، وهي حالة تثير التساؤل عما إذا كان الشفعاء جميعاً متساويين، أم أن بعضهم مفضل على الآخر؛ بحيث يكون الشفعاء مراتب وطبقات، وقد ذهبت المادة (937/1) من القانون المدني المصري إلى أنه: «إذا تزاحم الشفعاء يكون استعمال حق الشفعة على حسب الترتيب المنصوص عليه في المادة السابقة» وقد رتبت هذه المادة (936) مدني مصري الشفعاء إلى طبقات خمس على الوجه الآتي:

«أ - لمالك الرقبة إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس لها أو بعضه.

ب - للشريك في الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع إلى أجنبي.

ج - لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها.

د - لمالك الرقبة في الحكر إذا بيع حق الحكر، وللمستحكر إذا بيعت الرقبة.

هـ - للجار المالك …».

وإذا كان الشفعاء من طبقات مختلفة يكون الحق في الشفعة لصاحب الطبقة الأعلى حسب الترتيب الوارد بالمادة (936) مدني مصري. أما إذا كان الشفعاء من طبقة واحدة يكون استحقاق كل منهم للشفعة على قدر نصيبه. وإذا كان المشتري أحد الشفعاء فإنه يفضل على من هم أدنى منه، أو من هم من طبقته. ويتقدم عليه من هم أعلى منه طبقة.

ثالثاً- شروط الأخذ بالشفعة:

1- الشروط الواجب توافرها في الشفيع:

يتعين أن يكون الشفيع مالكاً لما يشفع به وقت بيع العقار، وأن يظل سبب الشفعة قائماً إلى وقت تمام الأخذ بالشفعة  (م 936) مدني مصري؛ إذ لا تجوز الشفعة قانوناً إلا إذا كان الشفيع مالكاً للعقار الذي يشفع به وقت قيام سبب الشفعة؛ أي وقت بيع العقار الذي يشفع فيه، ولما كانت الملكية في العقار وفقاً لأحكام قانون الشهر العقاري لا تنتقل إلى المشتري إلا بتسجيل عقد البيع، ولا يرتب التسجيل أثره في الأصل إلا من تاريخ تسجيل العقد أو الحكم الذي من شأنه إنشاء حق الملكية؛ فإنه ترتيباً على ذلك يشترط في الشفيع الذي يستند إلى عقد البيع في تملك العقار المشفوع به أن يكون قد سجل عقده، أو سجل الحكم الصادر بصحته ونفاذه وقت بيع العقار المشفوع فيه. كذلك يتعين أن يظل الشفيع مالكاً للعقار المشفوع به إلى حين تمام الأخذ بالشفعة.

كذلك يتعين ألا يكون الشفيع وقفاً  (م 939/2) مدني مصري، كذلك يتعين أن يكون الشفيع غير ممنوع من شراء العقار الذي يشفع فيه قانوناً أو اتفاقاً، والممنوعون من شراء العقار الذي يشفع فيه بنص قانوني هم: السماسرة، والخبراء في العقارات المعهود إليهم بيعها، والقضاة، والمحامون أيضاً في الحقوق المتنازع عليها؛ إذا كان النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التي يعملون في دائرتها (م471 مدني مصري)، أما المنع الاتفاقي فيكون إذا كان هناك اتفاق على تنازل الشفيع عن حقه بالمطالبة بالشفعة، فلا يكون له بعد ذلك المطالبة بها.

وكذلك يتعين أن تتوافر في الشفيع الأهلية القانونية اللازمة فإذا كان الشفيع كامل الأهلية يقع تصرفه صحيحاً.

2- الشروط الواجب توافرها في التصرف الذي يجيز الشفعة:

يتعين لجواز الأخذ بالشفعة أن يكون هناك بيع، وأن يكون لهذا البيع وجود قانوني، وأن يظل البيع قائماً إلى أن تتم الشفعة، وهذا شرط بديهي؛ إذ إنه لا يفتح المجال للأخذ بالشفعة إلا إذا كان هناك بيع قائم وموجود. ويتعين أن يكون المبيع عقاراً؛ إذ لا شفعة في المنقول، ولا شفعة في الشركة، ولا في الوفاء بمقابل، ولا قي القسمة، ولا في الصلح، ولا في المقايضة، ولا شفعة في عقود التبرع كالهبة، ولا في عقود المعاوضة إلا إذا كان العقد بيعاً.

وبيع العقار الأصل فيه جواز الأخذ بالشفعة، فإذا بيع عقار انفتح باب الشفعة. فالشفعة لا تكون إلا في عقار، أما المنقولات فيرد عليها حق الاسترداد من دون حق الشفعة، ثم إن الشفعة غير قابلة للتجزئة؛ إذ لا يجوز تجزئة العقار أو العقارات المبيعة عند الأخذ بالشفعة، وذلك حتى لا تتجزأ الصفقة، وحق الشفعة لا يرد إلا على العقارات سواء أكانت بناءً، أم أرضاً زراعية، أم أرضاً معدة للبناء. ويأخذ حكم العقار الذي يمكن أن ترد عليه الشفعة؛ العقار بالتخصيص، وهو المنقول الذي رصد لخدمة العقار واستغلاله حين يأخذ صفة العقار مجازاً، مثل الماشية والآلات الزراعية والبذور والأسمدة المعدة للزراعة بشأن بيع الأراضي الزراعية، والآلات والأجهزة الموضوعة بالمصنع أو الورشة بشأن بيع المصنع أو الورشة، والتحف والتماثيل والأحجار الكريمة الداخلة في بناء المبنى بشأن بيع المبنى، كقصر عتيق أو ڤيلا أثرية أو تحفة معمارية… إلخ.

وعلى كل حال يمكن للشريك على الشيوع أن يسترد المنقولات المباعة بدعوى الاسترداد إذا باعها شريكه الآخر أو أحد الشركاء في الشيوع لأجنبي، وهي دعوى لا ترد على خلاف الشفعة إلا على المنقولات؛ ووفقاً لإجراءات مغايرة لإجراءات الشفعة. وعلى ذلك إذا باع أحد الشركاء على الشيوع حصته الشائعة في سيارة أو سفينة أو بناء للهدم أو أشجار معدة للقلع لم يكن للشريك أو الشركاء الآخرين استرداد هذه الحصة المنقولة عن طريق الشفعة، ولكن عن طريق دعوى الاسترداد.

وحتى يجوز الأخذ بالشفعة لابد من وجود عقد بيع صادر من مالك العقار المشفوع فيه إلى المشتري (المشفوع منه)، وعقد البيع هو تصرف قانوني صادر من جانبين وهو عقد ناقل للملكية بعوض، فإذا انتقلت ملكية العقار بغير تصرف قانوني، كالميراث والالتصاق والتقادم فلا شفعة. ولا شفعة كذلك إذا انتقلت ملكية العقار بتصرف قانوني من جانب واحد كالوصية، حتى لو كان التصرف القانوني صادراً من جانبين؛ أي كان عقداً، فلا بد أن يكون عقد معاوضة، فالهبة لا يجوز الأخذ فيها بالشفعة حتى لو كانت بعوض مادامت هبة حقيقية.

وإذا وجد عقد معاوضة ناقل للمكية فلا يؤخذ فيه بالشفعة، إلا إذا كان عقد بيع، فالمقايضة ولو كانت بمعدل لا يؤخذ فيها بالشفعة؛ إلا إذا كان المعدل كبيراً يفوق قيمة البدل، بحيث يستخلص أن حقيقة المقايضة هي أنها عقد بيع استتر في صورة مقايضة، فتكون العبرة في هذه الحالة للعقد الحقيقي، وهو بيع فيجوز الأخذ فيه بالشفعة.

ولا يجوز الأخذ بالشفعة في الشركة إذا كانت حصة الشريك في الشركة عقاراً، فلا يؤخذ هذا العقار بالشفعة من الشركة، ولو أعطاها الشفيع قيمته؛ لأن الشركة إنما تعاقدت مع الشريك على هذا العقار ذاته، وقد لا ترضى بقيمته بديلاً منه؛ إذ قد يخل ذلك بأغراضها من تملك العقار.

ويجوز الأخذ بالشفعة في البيع المعلق على شرط فاسخ أو على شرط واقف؛ لأن البيع في الحالتين يكون موجوداً، وإن كان وجوده مهدداً بالزوال.

ويشترط في البيع حتى يجوز الأخذ فيه بالشفعة أن يكون موجوداً، فإذا كان غير موجود كالبيع الباطل والبيع الصوري فلا شفعة، ومتى وجد البيع بعد توافر شروط الأخذ بالشفعة، وبقي قائماً إلى وقت طلبها؛ جاز الأخذ بها سواء أكان البيع صحيحاً نافذاً، كعقد البيع النهائي، وعقد البيع الابتدائي، والبيع بالعربون؛ أم كان صحيحاً غير نافذ، كالبيع المعلق على شرط واقف؛ أم كان غير صحيح مادام موجوداً كالعقد القابل للإبطال.

ويقع عبء إثبات البيع على الشفيع، وأن هذا البيع قد قام بعد أن توافر في الشفيع شروط الأخذ بالشفعة، وبقي قائماً إلى وقت طلبها، ولما كان البيع بالنسبة إلى الشفيع يعدّ واقعة مادية، ولم يكن طرفاً فيه فإن للشفيع إثباته بجميع طرق الإثبات، ويدخل في ذلك البينة والقرائن.

3- الشروط الواجب توافرها في المال المشفوع فيه (المبيع):

يتعين أن يكون المال المبيع عقاراً؛ إذ لا شفعة في المنقول، فإذا بيع العقار باعتباره منقولاً بحسب المال، كما لو بيع بناء معد للهدم؛ فإن الشفعة لاتجوز فيه، كما أن الشفعة لاتجوز في بيع العقار بالتخصيص استقلالاً عن العقار الأصلي.

كذلك فإنه يتعين عدم تجزئة حق الشفعة إذ لايجوز استعماله أو إسقاطه إلا بكامله، وإذا أراد الشفيع الأخذ بالشفعة فيتعين عليه أن يأخذ المبيع كله أو تركه كله، وذلك حتى لا يضار المشتري بتبعيض الصفقة. فإذا تعدد الشفعاء المتساوون في الفئة، وأسقط أحدهم أو بعضهم حقه في الشفعة، وجب على الباقين طلب الشفعة أو إسقاطها بكاملها. أما إذا تعدد المشترون فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم فقط (م937) مدني مصري.

4- الشروط الواجب توافرها في المشفوع منه (المشتري):

يتعين لجواز الأخذ بالشفعة أن يتوافر في المشفوع منه شرطان: أولهما، ألا تتوافر في المشفوع منه الشروط التي تجعله شفيعاً من طبقة أعلى من طبقة طالب الشفعة أو من طبقته، أما الشرط الثاني فإنه يتعين ألا يكون المشتري من الأقارب الذين لاتجوز الشفعة ضدهم؛ إذ لا يجوز الأخذ بالشفعة إذا وقع البيع بين أشخاص تربطهم صلة قرابة أو مصاهرة، أو وقع البيع بين الأصول والفروع، أو بين الزوجين، أو بين الأقارب لغاية الدرجة الرابعة، أو بين الأصهار لغاية الدرجة الثانية؛ إذ لايجوز الأخذ بالشفعة إذا كان المشتري أصلاً أو فرعاً للبائع، أو زوجاً له، أو قريباً له لا تتجاوز قرابته الدرجة الرابعة، أو صهراً لا يتجاوز الدرجة الثانية، والعلة في منع الأخذ بالشفعة في هذه البيوع أن قرابتهم تكون غالباً محل اعتبار في البيع، بحيث إن البائع لم يكن ليوافق على البيع لغيرهم، أو لم يكن ليوافق على البيع لغيرهم بالشروط ذاتها التي باع بها لهم، فهي بيوع كانت فيه شخصية المشتري محل اعتبار، خلافاً للأصل في البيع كعقد مالي. ويمتنع الأخذ بالشفعة في البيوع الحاصلة للأقارب المذكورين، ولو كان الشفيع بدوره قريباً، بل ولو كانت درجة قرابته للبائع أقرب من المشتري.

وهناك بيوع لا يجوز الأخذ بالشفعة فيها استثناءً، إضافة إلى البيع الواقع بين أشخاص تربطهم صلة قرابة أو مصاهرة، أو وقع البيع بين الأصول والفروع، أو بين الزوجين، أو بين الأقارب لغاية الدرجة الرابعة، وهذه البيوع هي:

أ- البيع بالمزاد العلني وفقاً لإجراءات رسمها القانون، والعلة في منع الأخذ بالشفعة في هذه الحالة هي أن الشفيع كان بإمكانه التقدم للمزاد وشراء العقار عن طريق المزايدة. فإذا فوت الفرصة فلا يجوز له بعد ذلك أن يأخذه بالشفعة، فضلاً عن إجازة الشفعة في هذه النوعية من البيوع تجعل الكثيرين يحجمون عن الدخول في هذه المزايدات (م939/1) مدني مصري.

ب- إذا كان العقار قد بيع ليجعل محل عبادة أو ليلحق بمحل عبادة، والعلة في منع الشفعة هنا تحقيق الغرض من البيع؛ إذ إن من الواضح أنه لا يمكن ضمان ذلك إذا حل الشفيع محل المشتري، وعلى ذلك إذا بيعت قطعة أرض بقصد بناء مسجد عليها أو كنيسة، أو بقصد ضمها إلى محل عبادة قائم من قبل، فلا يجوز أخذ هذه الأرض بالشفعة أياً كان مركز الشفيع منها، سواء أكان يشفع باعتباره شريكاً على الشيوع، أم كان صاحب حق انتفاع، أم جاراً (م939) مدني مصري.

ج- بيع الدولة عقاراً مملوكاً لها ملكية خاصة، لا يجوز أخذ هذا العقار بالشفعة استثناء من أحكام القانون المدني (م 58/2 من القانون رقم 100 لعام 1964 الناظم لأملاك الدولة الخاصة). سواء أكان بالمزايدة أم بالممارسة. والعلة في هذا المنع أن الدولة تبيع عقاراتها عادة لتحقيق أغراض اجتماعية لا لغرض مالي بحت، وهي لذلك تشترط في المشترين صفات خاصة، وتراعي في تحديد الثمن الغرض المقصود من البيع، وإجازة الشفعة في هذه البيوع يفوت هذا الغرض.

رابعاً- طريقة الأخذ بالشفعة:

يشترط في طلب الأخذ بالشفعة أن يرد على جميع المبيع، ويعبر عن هذا الشرط بعدم جواز تجزئة الشفعة، وأن تتبع في شأنها الإجراءات المقررة في القانون.

واكتساب الشفيع للحق المبيع بالشفعة حلولاً محل المشتري قد يتحقق بالتراضي بينهما، كما قد يتحقق بالتقاضي، فقد يسلم المشتري للشفيع بالشفعة، وفي هذه الحالة لا يحتاج الشفيع إلى رفع الأمر إلى القضاء؛ إلا إذا نازع البائع في استحقاق الشفيع للمبيع، وهذا فرض نادر لانتفاء مصلحة البائع في معظم الحالات. وموافقة المشتري التي تؤدي إلى إتمام الشفعة بالتراضي هي الموافقة الحاصلة بعد إبداء الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة، فلا تستخلص هذه الموافقة إذن من قيام المشتري بعد البيع بإنذار الشفيع.

أما الشفعة بالتقاضي فتكون إذا لم يوافق المشتري على التسليم للشفيع بالحلول محله، فإن وسيلة الشفيع للأخذ بالشفعة تكون في الالتجاء إلى القضاء، والحصول على حكم منه بثبوت الشفعة، وقد نص المشرع على الإجراءات الواجب على الشفيع أن يتبعها لاستصدار هذا الحكم؛ إذ بين المشرع في القانون المدني المصري في المواد من (940-944) الإجراءات التي يجب على الشفيع اتباعها في استعمال حقه في الأخذ بالشفعة، وهي إجراءات متوالية، تبدأ بإعلان الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة إلى كل من البائع والمشتري خلال خمسة عشر يوماً تبدأ من تاريخ الإنذار الرسمي الذي يوجهه إليه البائع أو المشتري وإلا سقط حقه. ويزاد على تلك المدة ميعاد المسافة إذا اقتضى الأمر ذلك (م940) مدني مصري. فإذا لم يتم هذا الإنذار فإن حق الشفيع في الأخذ بالشفعة لا يسقط إلا وفقاً للقواعد العامة لسقوط الحقوق، أي بمضي (15) عاماً من تاريخ البيع المجيز للشفعة. وهذه الأهمية لإنذار الشفيع هي التي تفسر عناية المشرع بتحديد صورته وبياناته في المادة (941) مدني مصري، ويتعين أن يشتمل الإنذار الرسمي بيان العقار الجائز أخذه بالشفعة بياناً كافياً، وبيان الثمن والمصاريف الرسمية، وشروط البيع، واسم كل من البائع والمشتري ولقبه ومهنته وموطنه، وإذا لم يتضمن الإنذار هذه البيانات كان باطلاً.

ويتعين أن يكون إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة رسمياً وإلا كان باطلاً، ولا يكون هذا الإعلان حجة على الغير إلا إذا سجل. والمقصود بالغير كل من يكسب من المشتري حقوقاً على المبيع، أو تترتب له على هذا المبيع حقوقاً عينية، ولو بغير رغبة المشتري، واعتبار إعلان الرغبة حجة على الغير يعني عدم سريان حقوقهم في مواجهته إذا كانت تالية لهذا التسجيل.

وتقضي المادة (942 /2) مدني مصري بأنه يجب على الشفيع أن يودع خزانة المحكمة الكائن في دائرتها العقار - خلال ثلاثين يوماً على الأكثر- كل الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع من تاريخ إعلانه رغبته في الشفعة إلى كل من البائع والمشتري، مع مراعاة أن يكون هذا الإيداع قبل رفع الدعوى بالشفعة (والدعوى ترفع وفقاً للمادة (63) من قانون المرافعات بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة مالم ينص القانون على غير ذلك)، فإن لم يتم الإيداع في هذا الميعاد على الوجه المتقدم سقط حق الأخذ بالشفعة. ومدة الثلاثين يوماً التي يجب أن ترفع دعوى الشفعة خلالها هي مدة سقوط. ويتعين أن ترفع دعوى الشفعة على البائع والمشتري أمام المحكمة الكائن في دائرتها العقار، وتقيّد بالجدول، ويكون ذلك في ميعاد ثلاثين يوماً من تاريخ الإعلان؛ وإلا سقط الحق فيها ويحكم في الدعوى على وجه السرعة (م943) مدني مصري.

خامساً- آثار الأخذ بالشفعة:

الأثر الرئيسي للأخذ بالشفعة هو حلول الشفيع محل المشتري فيما ينشأ له من البيع من حقوق، وأهم التزام يقع على البائع قبل الشفيع هو التزامه بنقل ملكية المبيع (المشفوع فيه) إليه، والقاعدة أن ملكية العقار المشفوع فيه لا تنتقل إلا بالتسجيل؛ ومن تاريخ التسجيل سواء في العلاقة بين البائع والشفيع أم في مواجهة الغير. ومتى تم التسجيل انتقلت الملكية إلى الشفيع من ذاك التاريخ، ويصبح مالكاً للعقار المشفوع فيه، ويكون له التصرف في العقار المشفوع فيه لمن يشاء وكيف يشاء. وعلى ذلك فإن الأخذ بالشفعة يؤدي إلى انتقال ملكية العقار المشفوع فيه إلى الشفيع باعتباره مشترياً، أي بناء على عقد البيع الذي يصبح الشفيع طرفاً فيه. كذلك يتحمل الشفيع التزامات المشتري، وأهمها الالتزام بدفع الثمن إلى المشتري إذا كان الأخير قد سبق له الوفاء به للبائع، أما إذ لم يفِ المشتري الثمن إلى البائع فإن الشفيع يلتزم بأن يفي الثمن إلى البائع  (م 945/1) مدني مصري.

وإذا كان المشتري قد تسلم المبيع من البائع قبل الأخذ بالشفعة؛ فإنه يلتزم بتسليمه إلى الشفيع، وإذا كان المبيع منتجاً لثمار فإن هذه الثمار تكون من حق الشفيع لحلوله محل المشتري، فإذا كان المشتري قد قبض بعض الثمار قبل تسلم الشفيع للعقار فإنه يلتزم بردها إلى الشفيع.

وحلول الشفيع محل المشتري يقتضي أن يكون له أن يطلب تسلم العقار المبيع باعتباره مشترياً؛ سواء من البائع إن كان لازال في يده؛ أم من المشتري إن كان قد سبق تسلمه له، وذلك وفقاً للقواعد التي تحكم الالتزام بالتسليم في عقد البيع. وإذا بنى المشتري في العقار المشفوع فيه، أو غرس فيه أشجاراً قبل إعلان الرغبة في الشفعة؛ كان الشفيع ملزماً تبعاً لما يختاره المشتري أن يدفع له إما المبلغ الذي أنفقه، وإما مقدار ما زاد في قيمة العقار بسبب البناء أو الغراس. أما إذا حصل البناء أو الغراس بعد إعلان الرغبة في الشفعة؛ كان للشفيع أن يطلب الإزالة. فإذا اختار أن يستبقى البناء أو الغراس فلا يلتزم إلا بدفع قيمة أدوات البناء، وأجرة العمل، أو نفقات الغراس (م 946) مدني مصري.

ولا يسري في حق الشفيع أي رهن رسمي، أو أي حق اختصاص أخذ ضد المشتري، ولا أي بيع صدر من المشتري، ولا أي حق عيني رتبه، أو ترتب ضده إذا كان كل ذلك قد تم بعد التاريخ الذي سجل فيه إعلان الرغبة في الشفعة. ويبقى مع ذلك للدائنين المقيدين ما كان لهم من حقوق الأولوية فيما آل إلى المشترى من ثمن العقار (م 947) مدني مصري. ويلتزم الشفيع في مواجهة المشتري بدفع الثمن مع ملحقاته، وتعويض المشتري عما أقامه من بناء أو غراس في العقار المبيع.

أما في علاقة المشتري بالبائع؛ فإذا ثبتت الشفعة، وحل الشفيع محل المشتري في حقوقه، والتزاماته؛ فإن المشتري الأصلي يخرج من العلاقة التعاقدية، فلا يكون له أن يطالب البائع بحق ناشئ من البيع، كما لا يكون للبائع أن يطالبه بالتزام يرتبه البيع، كذلك لا يكون للبائع أن يطالب المشتري بدفع الثمن؛ إذ إن الملتزم بدفع الثمن أصبح هو الشفيع.

سادساً- أسباب سقوط الحق في الشفعة:

يسقط الحق في الشفعة إذا تنازل الشفيع عن حقه في الشفعة صراحة، كأن يقول أسقطت حقي في الشفعة، أو تنازلت عنها، أو رغبت عنها، ولو قبل البيع، والتنازل عن الشفعة يمكن أن يكون صريحاً كما يمكن أن يكون ضمنياً. والتنازل الصريح هو الذي يدل دلالة مباشرة على انصراف إرادة الشفيع إلى التنازل عما له من حق في طلب الشفعة. أما التنازل الضمني عن الحق في طلب الأخذ بالشفعة فهو الذي يستدل عليه من ظروف الحال.

كما تسقط الشفعة إذا انقضت أربعة أشهر من يوم تسجيل عقد البيع (م 948/2) مدني مصري.

ويسقط الحق في الشفعة أيضاً بزوال ملكية الشفيع قبل أن يحكم له بالشفعة، كأن يكون مالكاً للعقار المشفوع به تحت شرط فاسخ، ويتحقق الشرط قبل ثبوت الحق في الشفعة، ففي هذه الحالة يسقط حقه في الأخذ بالشفعة. كذلك يسقط الحق في طلب الأخذ بالشفعة بسبب عدم مراعاة الشفيع للإجراءات التي أوجبها القانون في هذا الشأن.

سابعاً- موقف القانون السوري من حق الشفعة:

ألغى القانون المدني السوري حق الشفعة الذي احتفظ به القانون المصري، ووجهة نظر المشرع في هذا الإلغاء أن الشفعة من الحقوق الضعيفة، وأن الحياة الاجتماعية والاقتصادية في سورية لا توجب الاستمرار بالأخذ بها.

وقد كان قانون الملكية العقارية رقم (3339) قد حدد شمول هذا الحق؛ إذ ألغى شفعة الجار، وقيد شفعة الخليط في حقوق الارتفاق، وأبقى على شفعة الشريك في الملك بشرائط جديدة.

وإن إلغاء هذا الحق ليس أمراً صائباً؛ إذ إن هذا الحق المأخوذ من الشريعة الإسلامية ليس سببه فقط دفع سوء الجوار، بل له وظيفة عمرانية تتمثل بالمساهمة في تنظيم الملكية العقارية عندما تجتمع الحصص المشاعة المجزأة، وتنتقل بحق الشفعة إلى يد شخص واحد فيملك صاحبها عندئذ تنظيم العقار، وتغيير أوضاعه، وتحسينه ما لم يملكه كل من الشركاء في حالة الشيوع.

وقد أدى الأخذ بالحق في الشفعة في السابق بحدوده الواسعة التي أقرها الاجتهاد الحنفي إلى إيجاد وقائع كثيرة أمام القضاء يتجلى فيها الكيد وفكرة الاستغلال لهذا الحق بقصد ابتزاز الجار لجاره. ولذا كان يكثر لجوء المتبايعين إلى أساليب وحيل قانونية، للحيلولة دون استعمال الشفيع لحقه مما يشغل القضاء بصورة مستمرة.

وكانت معظم الحوادث الكيدية الاستغلالية تقع في نطاق شفعة الجوار، وبعض أحوال شفعة الخلطاء في المرافق، وقد زالت هذه النتائج منذ أن ألغيت شفعة الجوار، وقيدت الأسباب الأخرى للشفعة بقانون الملكية العقارية في سورية.

ويمكن القول في هذا المجال: إنه لا يوجد في النصوص التشريعية ما يعد صالحاً من كل الوجوه، أو سيئاً من كل الوجوه، وإنما العبرة في وضع تلك النصوص النتائج الصالحة على المحاذير.

ولا شك في أن الشفعة بسبب الشركة في المال الشائع إذا وجد فيها شيء من المحاذير وإن كانت استثناءً من القواعد العامة؛ فإن منافعها أكثر، إذ لا يوجد قانون في العالم ليس فيه أحكام استثنائية من القواعد العامة في مواضع خاصة تتجلى فيها منطقية الاستثناء أكثر من اطراد القاعدة.

فإذا كان إلغاء شفعة الجوار له مبررات ظاهرة لإزالة المشكلات التي كان معظمها راجعاً إلى حالة الجوار، فليس هناك من مبرر لإلغاء الشفعة للشريك في الملك؛ لأن هذه الأولوية التي تعطيها الشريعة للشريك في العقار هي أمر معقول ومنطقي، وإن عدم وجودها في التشريع يشعر الإنسان بحرج في حالات بيع بعض الحصص الشائعة.

وقد كان القانون المصري أكثر اتزاناً في هذه الناحية لأن إصداره لم يكن يحمل الفكرة الاندفاعية التي كانت في نفوس العاملين على أخذه في سورية ضد كل ماله صلة بالفقه الإسلامي. إذ أبقى القانون المصري حق شفعة الجوار بقيود وشرائط من شأنها إزالة معظم محاذيرها الكيدية الملحوظة في الاستعمال. كما أثبت هذا القانون في المادة (383) منه حق الاسترداد (شفعة في المنقول المشترك)؛ لأن واضعي هذا القانون وجدوا أنه من المنطقي والمعقول إعطاء أولوية للشريك في المال المنقول عندما يبيع شريكه الآخر حصته الشائعة. وهذا الحق قد اختلفت اجتهادات الفقهاء المسلمين في إثباته فمنهم من أثبته قياساً على الشفعة في العقار، ومنهم من نفاه، بخلاف القانون السوري فقد ألغى حق الاسترداد الذي أقره أصله المصري، ولكنه حافظ على تطبيق حق الاسترداد قي بيع الحقوق المتنازع عليها.  

مراجع للاستزادة:

- إسماعيل غانم، الحقوق العينية الأصلية، ج1، حق الملكية، 1691.

- حسن كيرة، الموجز في القانون المدني، الحقوق العينية الأصلية، 1993.

- جميل الشرقاوي، دروس في أصول القانون (القاهرة 1971).

- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء التاسع، أسباب كسب الملكية (دار التراث العربي، بيروت 1986).

- عبد المنعم فرج الصدة، الحقوق العينية الأصلية، دراسة في القانون اللبناني والقانون المصري (دار النهضة العربية، بيروت 1967- 1982).

- عبد المنعم البدراوي، الحقوق العينية الأصلية (الطبعة الثالثة، القاهرة 1968).

- منصور مصطفى منصور، حق الملكية في القانون المدني المصري (القاهرة 1965).

- محمد علي عمران، الحقوق العينية الأصلية في القانون المني المصري (مكتبة سعيد رأفت، مصر 1986).

- مصطفى أحمد الزرقاء، شرح القانون المدني السوري، نظرية الالتزام العامة (1) المصادر، العقد والإرادة المنفردة (دار الحياة، دمشق 1964).

- محمد كامل مرسي، الحقوق المتفرعة عن حق الملكية، الجزء 3، في الاستيلاء، والالتصاق والشفعة (مصر 1949).

- محمد علي عرفة، جزء 1، في أسباب كسب الملكية، 1954.

- محمد لبيب شنب، الوجيز في الحقوق العينية الأصلية (الطبعة الثالثة 1995).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 197
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1060
الكل : 58492433
اليوم : 64947