logo

logo

logo

logo

logo

الاجتهاد القضائي

اجتهاد قضايي

jurisprudence - jurisprudence



الاجتهاد القضائي

الاجتهاد القضائي

شفيق إسماعيل

تعريف الاجتهاد القضائي الاجتهاد خلاف النص
مفهوم الاجتهاد وتكوينه  تغير الاجتهاد بتغير الأزمان
مصادر الاجتهاد في ظل القوانين الحديثة في سورية استقرار الاجتهاد القضائي وضماناته
 

أولاً ـ تعريف الاجتهاد القضائي:

لم يأت التشريع على تعريف مجرد للاجتهاد القضائي jurisprudence وإنما أتى قانون أصول المحاكمات المدنية في بحث الأحكام التي يصدرها القضاة وأنواع هذه الأحكام وفقاً للمحاكم التي اعتمدها في قانون السلطة القضائية.

وقد أتى الفقه وعرف الاجتهاد لغة بأنه:

«استفراغ الوسع في تحقيق أمر من الأمور ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة ومشقة فيقال اجتهد في حمل الرحى ولا يقال اجتهد في حمل خردلة أو نواة، والمراد به في اصطلاح علم الأصول هو بذل الجهد في استخراج الأحكام من شواهدها, الدالة عليها بالنظر المؤدي إليها».

فالاجتهاد لغوياً مشتق من الجَهد والجُهد (بالفتح والضم) ومعناه بذل الطاقة والعناية للوصول إلى الغاية، وغاية القاضي الوصول إلى حكم عادل في نزاع عرض عليه في أثناء عمله بتكليف من السلطة القضائية أو باتفاق عليه من قبل الطرفين المتداعين (كما هو الحال بالتحكيم).

وهذا التفسير يتفق تماماً مع ما أورده ابن منظور في لسان العرب عندما ذكر أن الاجتهاد والتجاهد هو بذل الوسع والمجهود، وفي حديث معاذ «أجتهد رأيي» الاجتهاد: هو بذل الوسع في طلب الأمر وهو افتعال من الجهد والطاقة، والمراد به رد القضية التي تعرض على القاضي عن طريق القياس إلى الكتاب والسنة. وهذا التفسير ينطبق على معنى jurisprudence في القاموس الفرنسي.

فالاجتهاد القضائي ينصرف مبدئياً إلى الجهد الذي يبذله القاضي للوصول إلى غايته في إحقاق الحق في المسائل المعروضة عليه.

والوسائل التي يمكن أن يعتمدها القاضي لهذا العمل هي الأدلة التي يعرضها عليه طرفا القضية ورد هذه الأدلة إلى النصوص القانونية النافذة في الدولة.

وعليه فإن الاجتهاد القضائي يمكن تعريفه: «استنباط حكم نافذ من نص قانوني أو شرعي».

قبل البحث في هذا المصطلح الشائع لابد من إلقاء نظرة تمهيدية بسيطة حول النظام القضائي المتبع في سورية ودرجات التقاضي فيه والقرارات التي يصدرها القاضي وتصنيفها لما في ذلك من علاقة وثيقة بهذا البحث.

فالمشرِّع السوري أخذ بنظام التقاضي على درجتين، وهذا النظام وإن لم يكن يذكر صراحة في القوانين إلا أنه يستنتج استنتاجاً من النصوص القانونية المذكورة في قانوني السلطة القضائية وقانون أصول المحاكمات المدنية.

ومن الرجوع إلى المواد (25) وما بعدها من قانون السلطة القضائية تبين أن المشرع عدد أنواع المحاكم المعتمدة في سورية مبتدئاً بمحاكم الدرجة الأولى والمحاكم المرجعية لها والتي دعاها بمحاكم الاستئناف وفوق هاتين الدرجتين محكمة عليا سماها محكمة النقض وجعل لهذه المحكمة هيئة عامة.

ثانياً ـ مفهوم الاجتهاد وتكوينه:

1ـ مفهوم الاجتهاد:

وعلى هذا الأساس فإن الاجتهاد القضائي وفق التعريف الذي ورد ينطبق على كل حكم أو قرار صادر عن محكمة قضائية مشكلة تشكيلاً صحيحاً في خصومة رفعت وفق قواعد الأصول.

ولكن هذا القول قد يتناقض والتعريف الذي أورده الفقهاء في التفريق بين الأحكام القضائية والقرارات القضائية، فالأحكام في مفهومها القضائي لا تطلق إلا على الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى من صلحيه وبدائية وشرعية، أما ما يصدر عن محاكم الدرجة الثانية ومحكمة النقض وقاضي الأمور المستعجلة فتطلق عليها كلمة قرارات.

فهل الاجتهاد القضائي ينصرف إلى أحكام محاكم الدرجة الأولى أم إلى القرارات التي تصدرها محاكم الدرجة الثانية ومحكمة النقض وقاضي الأمور المستعجلة؟

لم يحدد القانون مصدراً معيناً للمحاكم التي تصدر عنها الاجتهادات القضائية، إلا أن المستخلص من المادة (46) من قانون السلطة القضائية أن الطعن بالنقض يقع على كل من الأحكام والقرارات الصادرة في المواد المدنية والتجارية. لذلك فإن هذا النص انصرف إلى الأحكام والقرارات القابلة للمراجعة بهذا الطريق على حد سواء بغاية استقرار الاجتهاد القضائي بتطبيق القانون على هذه القرارات والأحكام من مرجع قضائي واحد؛ لصعوبة استقرار هذا الاجتهاد أمام محاكم الدرجة الثانية بسبب تعددها وانتشارها في جميع محافظات القطر، وبالتالي فإن استقرار الاجتهاد القضائي يكون من قبل محكمة النقض.

2ـ كيف يتكون الاجتهاد:

كما تبين سابقاً يبدأ الاجتهاد القضائي مع صدور قرار قاضي محكمة الدرجة الأولى في القضية المعروضة عليه، وهذا القرار يصدر وفق ضوابط معينة حددها قانون أصول المحاكمات بدءاً من رفع الدعوى وقبولها وانتهاءً بصدور القرار الفاصل بالنزاع الذي ينظر.

إذن: فالقاضي ليس مطلق اليد في إصدار القرارات القضائية وإنما هو مقيد بجملة من القوانين لا يحق له تجاوزها أو مخالفتها وذلك وفقاً لقانوني الأصول والبيِّنات، وعليه فإن آلية الاجتهاد القضائي تمكن من القول: إنها تبدأ من الأحكام التي تصدرها محاكم الدرجة الأولى لتستقر في أحكام الدرجة الثانية، ومن ثم مراقبة هذه الاجتهادات وتوحيدها من حيث التطبيق القانوني أمام دوائر محكمة النقض للأمور المدنية والتجارية والشرعية والجزائية والعدول عمّا استقرت عليه هذه الدوائر أمام الهيئة العامة لمحكمة النقض على ما سوف يذكر لاحقاً.

ثالثاً ـ مصادر الاجتهاد في ظل القوانين الحديثة في سورية:

نصت المادة الأولى من القانون المدني السوري على ما يلي:

تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في محتواها.

فإذا لم يكن ثمة نص تشريعي يمكن تطبيق حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم يكن فبمقتضى العرف، فإذا لم يكن فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

ونصت المادة الثانية على ما يلي:

«لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع». وبهذين النصين وضع التشريع قواعد إصدار الأحكام القضائية وبالتالي رسم حدوداً قانونية للاجتهاد القضائي، فالقاضي بموجب هذه النصوص لا يستطيع أن يحكم خلافاً للنص الوارد بالقانون ولا يحق له إلغاؤه أو عدم العمل به. فتطبيق النص القانوني هو محور الاجتهاد القضائي ومن هنا أتت القاعدة الشهيرة «لا اجتهاد في مورد النص».

وقد يتساءل المرء هل هذه القاعدة تعارض قاعدةً ثانية تقول «تتغير الأحكام بتغير الأزمان»، فإذا تغيرت الأزمان في أثناء تطبيق الأحكام الوضعية هل يحق للقاضي تغيير اجتهاده؟.

ففي هذا المجال يجب البحث في نقطتين:

ـ هل يحق للقاضي الخروج عن النص واستبعاد تطبيقه على الرغم من نفاذه؟.

ـ هل له أن يغير الاجتهاد المستقر بتغير الأزمان؟.

رابعاً ـ الاجتهاد خلاف النص:

منع على القاضي الحكم خلاف ما ورد بنصوص القانون لما في ذلك من تعدٍّ على صلاحيات المشرِّع، ولو سُمح له بذلك لنُسخ النص القانوني بالاجتهاد وهذا غير جائز ومخالف لأحكام المادة الثانية من القانون المدني التي منعت إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء.

ولكن حكم المادة الأولى من القانون المدني فتح للقاضي أبواباً أخرى للاجتهاد وللمسائل التي لم ينص عليها القانون، فللقاضي أن يلجأ إلى أحكام الشريعة الإسلامية وإذا لم يكن بهذه الأحكام نص على الواقعة لجأ إلى العرف؛ وإلا فإن المشرِّع وسع عليه للاجتهاد بتطبيق مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة وشدد كثيراً حول عدم جواز إلغاء النص القانوني بالاجتهاد؛ لأن النص القانوني لا يلغى إلا بنص قانوني صريح.

فليس للقاضي حق التشريع وإنما منحه القانون حق تطبيقه وفق منطوقه وحق تفسيره وإزالة الغموض الذي يكتنفه. وقد ذهب بعضهم إلى أحقية القاضي بالامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء ولم يستقر الرأي عليها لأنها تعارض استقلالية السلطات وفصلها عن بعضها.

وقد حسم قانون السلطة القضائية هذا الخلاف بالمادة (29) منه التي تنص على أن ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال السيادة.

خامساً ـ تغير الاجتهاد بتغير الأزمان:

أجاز الفقه ذلك، أما في القانون فيجب أن التمييز بين نوعين من الاجتهاد:

ـ الاجتهاد غير المستقر، وهذا الاجتهاد لا يمكن أن يرقى إلى مستوى الاجتهاد القضائي لأنه يبقى في حدود الرأي كما هو الحال في الأحكام التي تصدرها محاكم الدرجة الأولى، فقاضي الدرجة الأولى حر في رأيه أن يخالف الرأي غير المستقر لأن لكل قاضٍ رأيه الخاص في مسألة معروضة عليه، وكذلك الأمر أمام محكمة الدرجة الثانية فلها الحق أن تخالف برأيها رأي محكمة استئنافية ثانية مادامت المسألتان لم تعرضا على محكمة النقض؛ لأن استقرار الاجتهاد لا يكون إلا بمحكمة النقض بوصفها المرجع الوحيد في القانون لتوحيد الاجتهادات، فإذا اجتهدت بقضية واحدة وتكرر هذا الاجتهاد بأمثاله من القضايا أصبح هذا الاجتهاد مستقراً وأوجب على باقي المحاكم الأدنى اتباعه.

لهذا كان التمييز بين الاجتهاد المستقر وغير المستقر. والاجتهاد المستقر هو الذي يُطلق عليه مفهوم الاجتهاد القضائي بمعناه الضيق، وهذا لا يجوز مخالفته لا من قبل المحكمة التي أصدرته ولا من قبل المحاكم الأدنى منها بدرجتيها الأولى والثانية.

وقد يحدث بمحكمة النقض بحكم دوائرها المتعددة أن تصدر هذه الدوائر اجتهادات متعددة وكلها ملزمة لمحاكم الموضوع، ولما كان لا يجوز لهذه الدائرة منفردة أن ترجع عن اجتهادها لذلك أوجد المشرِّع طريقاً خاصاً لتوحيد هذه الاجتهادات أمام الهيئة العامة لمحكمة النقض، وبهذا الطريق لا يجوز لمحكمة النقض أن تغير اجتهادها.

سادساً ـ استقرار الاجتهاد القضائي وضماناته:

1ـ استقرار الاجتهاد القضائي:

سبق ذكر أن الاجتهاد القضائي يبدأ من إصدار قضاة الدرجة الأولى أحكامهم ويستقر نسبياً بمحاكم الدرجة الثانية «الاستئناف»، وبما أن محاكم الموضوع بدرجتيها منتشرة جغرافياً بجميع أنحاء القطر العربي السوري فمن الصعب والعسير توحيد الاجتهاد القضائي فيما بينها لذلك أوجد المشرِّع محكمة خاصة وحيدة في سورية هي محكمة النقض التي جعل القانون عملها الوحيد هو دراسة موضوع الدعوى من الناحية القانونية من دون تكليفها الخوض في موضوعها؛ إلا إذا كان الطعن أمامها للمرة الثانية فإنها استثناءً تحل محل محكمة الدرجة الثانية ثم الحكم بالموضوع، وبهذه الطريقة ضمن للمتقاضين حسن تطبيق القانون على قضاياهم وتوحيد الاجتهادات القضائية فيها على نحو مستقر وغير مناقض لأحكام درجات التقاضي.

ولكن هذه المحكمة «محكمة النقض» قسمها القانون إلى ثلاث دوائر، هي: الدائرة المدنية والدائرة الجزائية والدائرة الشرعية. ولأن هذه الدوائر تقع مكانياً ضمن محكمة النقض ولأن عملها في هذه المحكمة فقد فرض المشرِّع أن تستقل كل واحدة منها باجتهادها، ومن ثم أوجد لها مرجعية موحدة للعدول عن الاجتهاد المستقر إذا تناقضت الاجتهادات المستقرة بدوائرها، وذلك عن طريق عرض إحدى هذه الدوائر في معرض رؤيتها لقضية معينة الاجتهاد المستقر في دوائرها؛ وبيان تناقض الاجتهادات؛ واقتراح الرأي حول الاجتهادات المستقرة طبقاً للقانون؛ وإلغاء العمل ببعضها المناقض للقانون؛ والأخذ بما يتفق وأحكام القانون. لذلك كان الاجتهاد الذي تتبناه الهيئة العامة للمحكمة واجب التطبيق من قبل جميع المحاكم والذي عدّه الاجتهاد بمنزلة القانون الملزم التطبيق، وقد بيّن قانون السلطة القضائية في المادة (50) منه آلية تطبيق أحكام العدول عن بعض الأحكام التي تصدرها الدوائر الثلاث لمحكمة النقض فيما إذا تناقضت باجتهاداتها المختلفة. وحرص المشرع كل الحرص على إعطاء ضمانات خاصة باستقرار الاجتهاد القضائي، وسوف يبحث بهذه الضمانات وذلك للفائدة المتوخاة منها بحسن تطبيق القانون وتوزيع العدل بالتساوي بين المواطنين.

2ـ ضمانات استقرار الاجتهاد القضائي:

أ ـ أوجب القانون على القاضي حسن فهمه للقانون المراد تطبيقه على القضية المعروضة عليه وحسن الاحتكام إلى الاجتهادات القضائية الصادرة قبله.

ب ـ ضمانة التقاضي على درجتين فإذا أخطأ قضاة محاكم الدرجة الأولى فإنه يمكن تصحيح هذا الخطأ أمام محكمة الدرجة الثانية لتستقر مبدئياً الاجتهادات القضائية المتباينة أمام محاكم الدرجة الأولى، وبهذا التدرج ضمان لاستقرار الاجتهاد في دوائر محكمة النقض.

ج ـ جعل جميع الأحكام الصادرة نهائياً سواء الصادرة أمام محكمة الدرجة الأولى أم الثانية خاضعة للطعن بالنقض للمراقبة القانونية للأحكام الصادرة في الدرجتين أمام محاكم الموضوع.

د ـ جعل القانون موجباً لمختلف الاجتهادات الصادرة عن دوائر محكمة النقض الثلاث لعرض الاجتهادات المتناقضة الصادرة عنها على هيئة عليا هي الهيئة العامة لمحكمة النقض لتوحيد هذا الاجتهاد بآلية معينة منصوص عليها بالقانون.

هـ ـ جعل الاجتهاد القضائي المستقر والصادر عن الهيئة العامة بمنزلة القانون الواجب على القضاة جميعاً اتباعه؛ وجعل عدم اتباعه خطأً جسيماً بحق القاضي.

و ـ أعطى المشرِّع النيابة العامة الحق بالطعن نفعاً للقانون بجميع الأحكام المبرمة الصادرة عن محاكم الموضوع وذلك وفقاً لأحكام المادة (250) (مكرر) من التعديل الجاري على قانون أصول المحاكمات بالمرسوم التشريعي رقم (214) لعام 1971 المعدلة بالمرسوم التشريعي رقم (10) لعام 1983.

ز ـ ضمن القانون للقاضي إصدار مجموعات الأحكام السابقة ليكون على اطّلاع بالاجتهادات القضائية وتكون هذه الأحكام منارة له في أحكامه، وتصدر هذه المجموعات دورياً عن طريق مجلة القانون التي يصدرها المكتب الفني بمحكمة النقض وفقاً لأحكام المادة (55) من قانون السلطة القضائية. وقد قامت نقابة المحامين بسورية بإصدار مجلتها التي حوت أبحاثاً قضائية ومختلف اجتهادات المحاكم القضائية، وسهّلت السبل لوصولها دورياً إلى أيدي القضاة باشتراكات زهيدة.

3ـ آلية العدول عن الاجتهادات المستقرة بدوائر محكمة النقض:

نصت المادة (50) من قانون السلطة القضائية على ما يلي:

«تنظر الهيئة العامة المختصة لمحكمة النقض في الدعوى التي تحيلها إليها إحدى دوائر المحكمة إذا رأت هذه العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة، وفي هذه الحالة تصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية خمسة مستشارين على الأقل».

وقد أخذ المشرِّع السوري بمبدأ العدول عن الاجتهادات السابقة تبعاً للقاعدة الفقهية التي تقول «تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان»، وهي قاعدة فقهية مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية وأول من طبقها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وهذا المبدأ أحاطه القانون بإجراءات خاصة تنحصر فيما يلي:

جعل هذا الحق بطلب العدول محصوراً بإحدى دوائر محكمة النقض من دون سواها من المحاكم.

حصر حق العدول بالهيئة العامة المختصة بمحكمة النقض.

حدد نصاب العدول بأكثرية خمسة مستشارين على الأقل.

وبهذا يكون المشرِّع قد أحاط بأغلب الأسباب التي يحفظ بها الاجتهاد القضائي المستقر وجعل العدول عن هذه الاجتهادات وفق آلية محددة ومحصورة بالهيئة العامة لمحكمة النقض التي تمثل أعلى هيئة قضائية في القطر والتي رفعها الفقه برمتها إلى مرتبة المشرّع بالاجتهاد الذي قرره بعد النظر في العدول.

ولما كان لزاماً تبيان خطورة عدم استقرار الاجتهادات القضائية لِما له من أثر سيئ على الأحكام بصورة خاصة وعلى قضايا العباد بصورة عامة؛ ولِما وجد من كثرة التناقض الوارد في الأحكام بمختلف دوائر محكمة النقض؛ وذلك بعدم اهتمام دوائرها بعرض الأحكام المتناقضة على الهيئة المختصة بمحكمة النقض؛ وبسبب انشغال الهيئة العامة للمحكمة بأعمال أخرى وهي مسألة مخاصمة قضاة محكمة النقض لمعالجة الأخطاء المهنية الجسيمة التي ارتكبوها في اجتهاداتهم بمحكمة النقض؛ إذ إنه من الرجوع إلى سجلات الهيئة العامة لمحكمة النقض يتضح أنه تقام سنوياً أمامها آلاف من هذه الدعاوى التي تأخذ حيزاً كاملاً من عملها، فلم يبقَ لديها متسع من الوقت للقيام بعملها الرئيسي وهو توحيد الاجتهاد القضائي ليستقر القضاء عليها والحد من الأخطاء المرتكبة التي تسبب هذا النوع من الدعاوى لتراخي الدوائر الثلاث للمحكمة عن عرض هذه التناقضات على الهيئة العامة لمحكمة النقض، مما يجعل إبعاد هذه الهيئة عن هذا العمل الجليل وإغراقها في دعاوى المخاصمة المقامة على قضاة محكمة النقض السبب في الفوضى القضائية القائمة الآن.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ معروف الدواليبي، المدخل إلى علم أصول الفقه (مطبعة الجامعة السورية 1949).

ـ رزق الله أنطاكي، أصول المحاكمات المدنية (منشورات جامعة دمشق 1993).

ـ أحمد أبو الوفا، المرافعات المدنية والتجارية (دار المعارف بمصر 1956).

ـ عبد الحسين شرف الدين، النص والاجتهاد (دار النهج، لبنان، صور 1960).

ـ إبراهيم فوزي، تدوين السنة (دار رياض الدبس للنشر 1994).

ـ قانون السلطة القضائية، «المرسوم التشريعي رقم 98 لعام 1961»، منشورات فرع النقابة.

ـ قانون أصول المحاكمات المدنية «المرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1953»، منشورات فرع النقابة.

ـ القانون المدني المرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1949 المنسق والمحقق من قبل أديب استانبولي، طبعة عام 1983 (دار الأنوار للطباعة).

ـ مجلة الأحكام العدلية الطبعة الخامسة عام 1986 نقلاً عن الطبعة الثانية عام 1923 (مطبعة ستاركو تنسيق المحامي نجيب هواويني).

ـ الدوريات:

أ ـ مجلة المحامون إصدار نقابة المحامين بدمشق.

ب ـ مجلة القانون إصدار وزارة العدل دائرة التشريع.


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام
رقم الصفحة ضمن المجلد : 144
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1045
الكل : 58480993
اليوم : 53507