logo

logo

logo

logo

logo

النظام الدولي الاقتصادي

نظام دولي اقتصادي

international economic system - système économique international

 النظام الدولي الاقتصادي

النظام الدولي الاقتصادي

ماهر ملندي

مفهوم الدول المتقدِّمة والنامية

مفهوم التنمية المستدامة

تطور النظام الاقتصادي الدولي الجديد

 

كانت معظم قواعد القانون الدولي التقليدي ـ ولاسيما تلك التي يحتويها القانون الدولي الاقتصادي ـ تتسم بتعبيرها عن مصالح الدول الصناعية المتقدِّمة وحدها، التي استأثرت بتكوين هذه القواعد وتحديد آليات تطبيقها. ولذلك فقد جسّدت هذه القواعد بمعظمها إرادة الدول المسيطرة على مقدَّرات الدول النامية Developing وثرواتها، وخصوصاً خلال حقبة الاستعمار. ثم تداعت الدول النامية بعد نيلها الاستقلال الناجز وممارسة سيادتها على مواردها وثرواتها الوطنية بإعادة صياغة مبادئ القانون الدولي التقليدي وقواعده كي يستجيب لتطلعاتها المشروعة في المشاركة بتحقيق عملية التنمية وعلى قدم المساواة مع الدول المتقدِّمةDeveloped . وهذا ما تسعى إليه فعلاً قواعد النظام الدولي الاقتصادي وآلياته، التي استقرت في ضمير المجتمع الدولي بأسره، ولكن بعد صراع حاد ومستديم، وطول عناد واحتدام.

أولاً ـ مفهوم الدول المتقدِّمة والنامية:

منذ نشوء النظام الدولي الاقتصادي International economic system تحاول الدول الصناعية المتقدِّمة تحديد الإطار العام للقواعد التي تحكم العلاقات الاقتصادية، في حين تسعى الدول النامية إلى تطوير القواعد التقليدية ضمن منحى يلائم مشكلاتها التنموية. لذلك كان لا بد من التمييز بين الدول النامية والمتقدِّمة بحسب معايير موضوعية ومعتمدة دولياً، وإن كانت في معظم الأحيان مشكوكاً بمصداقيتها من الناحية القانونية. إذ دأبت بعض الجهات الدولية على تنظيم لوائح بأسماء الدول التي تنضم إلى هذه الفئة أو تلك. بل يتم أحياناً التطرق إلى فئة الدول الأقل نمواً، كما فعلت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراتها الصادرة في بداية التسعينيات من القرن الماضي، عندما اعتمدت لائحة تضم عدداً من الدول الأكثر تضرراً من الناحية الاقتصادية، والتي بالإمكان منحها برنامجاً خاصاً للمساعدة في مجال تحقيق برامجها التنموية. وهنالك أيضاً فئة الدول المتضررة جغرافياً أو من دون سواحل التي يهتم بها خصوصاً القانون الدولي للبحار. ويبقى التمييز الأكثر تأثيراً ضمن إطار النظام الدولي الاقتصادي هو ذاك القائم بين فئة الدول المتقدِّمة وفئة الدول النامية، الذي أوجد نوعاً من الازدواجية في إقرار القواعد القانونية الناظمة للعلاقة بين الفئتين.

1ـ الدول المتقدِّمة: وهي كتلة البلدان الصناعية الرأسمالية التي شهدت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية نمواً مزدهراً، يتمثّل في تراكم رؤوس الأموال واستقرار أسعار الصرف والتبادل النقدي لديها، وتزايد مستويات الدخول والمعيشة، وامتلاكها درجة عالية من التحكم في الدورات الاقتصادية وتحديد معدلات البطالة. وتشمل هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وجميع دول أوربا الغربية والشمالية، إضافة إلى اليابان وأستراليا ونيوزيلندا. ويعود النمو المزدهر لاقتصاديات الدول المتقدِّمة إلى مجموعة من العوامل التي يرتبط بعضها بالظروف الداخلية، وبعضها الآخر بالمؤثرات العالمية.

هذا وقد شهدت البلدان المتقدِّمة زيادة عالية في معدلات الاستثمار لإعادة تعمير ما دمّرته الحرب العالمية الثانية، كما أسهم التقدم التقني ـ الذي ظهر في فنون الإنتاج وآلياته ـ في ارتفاع معدلات الطاقة الإنتاجية الإجمالية لهذه الدول وتصدير الفائض منها، الأمر الذي أدى إلى التوسع في الأسواق الداخلية واستقرارها اعتماداً على التدخل الحكومي وزيادة الإنفاق العام في مجالات الضمان الاجتماعي والأشغال العامة والمجال العسكري. ولكن سرعان ما انتهت هذه الفترة مع بداية عقد السبعينيات عندما بدأت ظاهرة الاستعمار بالزوال ونيل معظم دول العالم الثالث استقلالها، مما سمح لها ببسط سيادتها على مصادرها الطبيعية بفضل إجراءات التأميم ومصادرة الاستثمارات الأجنبية وفرض القيود على تنقل رؤوس الأموال والنقود. ورافق ذلك ارتفاع في أسعار النفط والمواد الأولية المستوردة من البلدان النامية، مما أوقع الدول المتقدِّمة في أزمات اقتصادية حادّة، نتيجة تراجع معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع مستويات البطالة والتضخم والعجز في ميزان المدفوعات وانعدام المرونة في أسواق العمل والاستثمارات. وبصورة عامة شهدت البلدان الصناعية المتقدِّمة مجموعة من المتغيرات الجوهرية التي شكلت عناصر اضطراب على الصعيد الاقتصادي العالمي، وأهمها:

1) ـ انتهاء عصر ثبات أسعار الصرف بعدما تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن قابلية تحويل الدولار إلى ذهب بدءاً من شهر آب/أغسطس لعام 1971م.

2) ـ ارتفاع أسعار النفط، مما دعا البنوك الدولية التجارية وصندوق النقد الدولي إلى استخدام الفائض العالمي المتحقق لمنحه قروضاً للدول التي شهدت عجزاً في موازين مدفوعاتها.

3) ـ تباين علاقات النمو الاقتصادي اللامتكافئ بين كبريات الدول الصناعية الرأسمالية ذاتها، وتغير مواقع القوى الفاعلة في الاقتصاد العالمي مع التزايد النسبي لاقتصاديات دول الاتحاد الأوربي واليابان.

4) ـ تعاظم ظاهرة العولمة التي تقودها الشركات متعددة الجنسيات، مما نجم عنه نمو واضح في عمليات تكامل الإنتاج والتسويق والتمويل على الصعيد العالمي.

5) ـ اضطراب أحوال السيولة الدولية بعد النمو الهائل الذي حدث في اندماج أسواق المال العالمية وتوسيعها، والتدفقات النقدية ونظام القروض والائتمان.

6) ـ نجاح الدول المصنعة حديثاً في جنوب شرقي آسيا (سنغافورة وهونغ كونغ وتايوان وكوريا الجنوبية وماليزيا) وبعض دول أمريكا الجنوبية والوسطى (البرازيل والأرجنتين والمكسيك) في غزو منتجاتها للبلدان الصناعية، الأمر الذي دفع هذه البلدان إلى فرض قيود تعريفية وغير تعريفية على المستوردات المصنَّعة وشبه المصنَّعة الآتية من البلدان النامية عموماً.

الدول النامية: وهي مجموعة الدول المستقلة حديثاً بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت تعد مستعمرات سابقة تابعة لبعض دول أوربا الغربية في القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية. وكان يُطلق على هذه البلاد خلال النصف الأول من القرن العشرين تسميات عدة كالشعوب البدائية أو المتأخرة أو المتخلفة Underdeveloped، لكن ما لبث أن أصبح اللفظ الشائع حالياً هو الدول النامية أو الأقل تطوراً؛ لكونه يمثل التعبير الأكثر دقة وواقعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه البلاد مقارنة مع تلك السائدة لدى البلدان المتقدِّمة. فعبارة التخلُّف ذات مدلول نسبي، لا يمكن الاتفاق حول مضمونها اتفاقاً مطلقاً. ولذلك فقد اختلفت الأسباب والعوامل حول إيجاد تعريف متفق عليه لمصطلح البلدان النامية، رغم تميّزها بخصائص ذاتية ناجمة عن أوضاع اقتصادية واجتماعية وتاريخية معينة.

وإذا كان الفقه الاقتصادي قد لاقى بعض النجاح في وضع عدة معايير تسمح بتحديد من تنطبق عليه عبارة الدول النامية فإن الفقه القانوني لم يلقَ النجاح ذاته، حيث لا تزال كل دولة تحدِّد لنفسها بصورة أو بأخرى إن كان ينطبق عليها هذا التعبير أو لا، وبالتالي تحديد ما إذا كان يحق لها أن تستفيد من المعاملة التفضيلية اقتصادياً بالمقارنة مع الدول الصناعية المتقدِّمة. وقد حاولت بعض المنظمات الدولية، وخاصة هيئة الأمم المتحدة اعتماد معايير وضوابط دولية معترف بها لإدراج هذه الدولة أو تلك ضمن مجموعة الدول النامية، مثل مستوى الدخل القومي ومتوسط نصيب الفرد منه وحصة الصناعة في تكوين هذا الدخل، وكذلك نسبة الأمية ومستوى الصحة والتعليم والتجارة والإسكان، وما إلى ذلك من معايير كمّية تؤثر تأثيراً جذرياً في تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلدان النامية. على أي حال، وبصرف النظر عن مدى موضوعية هذه المعايير ودقتها فإن التخلف الاقتصادي والاجتماعي لا يزال يمثّل مشكلة عالمية وعائقاً استراتيجياً للنمو لدى البلدان النامية، وأهم ظواهر التخلف:

انتشار الجهل والأمية والفقر والعادات الاجتماعية البالية.

انخفاض معدلات الدخل القومي والادخار ورؤوس الأموال والإنتاجية والتأهيل.

انعدام التكافؤ في امتلاك الثروات والموارد الطبيعية وغيرها.

عدم توافر الإمكانات اللازمة، المادية والمعرفية والتكنولوجية، أو عدم استغلالها الاستغلال الأمثل.

هذه الظواهر أدَّت ولا تزال تؤدي إلى الركود والانكماش الاقتصادي لدى البلدان النامية، وبالتالي وقوعها بين مخالب التبعية للدول المتقدِّمة، عبر الاستغلال الجائر لمواردها الطبيعية وإمكاناتها البشرية، كما حصل خلال الحقبة الاستعمارية السابقة، وكما يحدث حالياً في عصر العولمة وانفتاح الأسواق بعضها على الآخر. ومن هنا جاءت إجراءات تأميم ومصادرة الاستثمارات الأجنبية الخاصة أو تلك العائدة للبورجوازية الوطنية التي كانت مرتبطة بالاستعمار الغربي، والتي تمَّ تكييفها على أنها تطبيق فعلي لمبدأ السيادة الدائمة للدول والشعوب على مصادرها الطبيعية.

كما يُلاحظ أن الدول النامية لا تزال حتى الآن تطالب الدول الكبرى التي كانت تستعمرها بدفع تعويضات عن الأضرار التي تسبَّب بها الاستعمار القديم لاقتصادها الوطني، بل تتَّهم بعضها بأنها تحوّلت إلى استعمار جديد هدفه نهب ثروات الدول النامية. ثم مالبث أن تبدّل الوضع في بداية السبعينيات ليتحول الجدل نحو انتقاد الأنظمة الرأسمالية، وضرورة البحث عن نظام اقتصادي دولي جديد يهدف إلى إلغاء عدم المساواة الفعلية في التنمية. ومع بداية التسعينيات بدأ هذا النقاش يختفي تدريجياً، مع نيل معظم الدول النامية ما تريده من معاملة تفضيلية على صعيد النشاطات الدولية الاقتصادية والتنموية. كما أدت عولمة الاقتصاد الدولي إلى تراجع اللغط حول ظاهرة التأميم، أي تحويل الملكيات الخاصة إلى ملكية عامة، مع انتشار الآثار الإيجابية للتنمية وتطور الاستثمارات الأجنبية الخاصة وحرية انتقال رؤوس الأموال والسلع، فعادت الدول النامية باتجاه معاكس لتبدأ عملية خصخصة المشاريع العامة، أي إعادة تحويلها إلى ملكيات خاصة، واعتماد قوانين تشجيعية للاستثمارات وعقد اتفاقيات متنوعة لتمويل بعض المشاريع الخاسرة التي تعوق عملية التنمية.

ثانيا ًـ مفهوم التنمية المستدامة Sustainable Development:

يسعى النظام الدولي الاقتصادي إلى معالجة ظاهرة التخلف، وذلك عبر السعي إلى القضاء على الأمية والجهل والجوع والمرض، وتشجيع التعليم والتأهيل والتدريب والاستخدام الأمثل والمنصف للموارد المتاحة في خدمة أغراض الإنماء الاقتصادي والاجتماعي. وبالتالي إنهاء العلاقات القانونية المبنية على السيطرة والاستغلال وبما يكفل إقامة علاقات دولية اقتصادية عادلة ومتوازنة، وتضييق الهوة بين الدول المتقدِّمة والدول النامية، مما يسهم في تحقيق هدف الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لدول العالم وشعوبه كافة وعلى قدم المساواة.

أُسـس التنمية الاقتصادية:

يستند النظام الدولي الاقتصادي إلى مفاهيم مثلى لا يختلف أحد على سموها الأخلاقي والقانوني، وأهمها:

الحق المشروع في التنمية وفقاً لشعار: التنمية للجميع وعلى قدم المساواة.

نبذ السيطرة والاستغلال في العلاقات الدولية.

إرساء التعاون المتوازن والمنصف وفقاً لقواعد القانون الدولي ومبادئه.

إعادة النظر في النظام القانوني الحالي وتكييف قواعده بما يلائم تغير الحقائق الاقتصادية.

وهكذا فقد أدى الاعتراف بهذه المفاهيم والأسس إلى الإقرار بوجود التزامات دولية محددة تقع على عاتق الدول المتقدِّمة، وتعبِّر عنها قواعد قانونية عديدة تدخل ضمن نطاق القانون الدولي للتنمية. وهذا ما تجسّده فعلاً المساعدات الإنمائية المتوجب ـ وليس الجائزـ منحها للبلدان والشعوب النامية، ومعاملتها معاملة تفضيلية في المسائل التجارية، كما أقرّت بذلك مؤتمرات الأمم المتحدة للتجارة والتنمية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1974 حول إرساء النظام الاقتصادي الدولي الجديد وميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية، إضافة إلى مؤتمرات الأمم المتحدة لأعوام 1972 و1992 و1997 حول التنمية والبيئة (قمم الأرض)، وكذلك الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (G.A.T.T وميثاق مراكش لعام 1994 المؤسّس لمنظمة التجارة العالمية، وما نصت عليه أيضاً الاتفاقيات التجارية المتعدَّدة الأطراف والملحقة بالميثاق.

ويبقى السؤال الذي لا يزال مطروحاً بقوة على صعيد العلاقات الدولية هو الآتي: إذا كان من المسلّم به أن كل قانون يجب أن يعبِّر عن القيم السائدة في المجتمع، لكونه ظاهرة اجتماعية تحكم الروابط والعلاقات التي تقوم بين المخاطبين بأحكامه، وعلى من يتصدى للبحث في مدى نجاح القانون أو إخفاقه في تحقيق أهدافه أن يأخذ بالحسبان الظواهر الاجتماعية والأسس المختلفة التي انبثق القانون في ظلها، لذلك هل استطاع حالياً النظام الدولي الاقتصادي وخلال نصف قرن من وجوده أن يقرِّب الفجوة ويحد من اتساع الهوة السحيقة بين مجموعة الدول الغنية المتقدِّمة ومجمـوعة الدول النامية؟

2ـ الأداء الاقتصادي للدول النامية:

لو أخذت بالحسبان تجربة العالم النامي مع التنمية الاقتصادية خلال الحقبة الزمنية السابقة لتبيَّن أن التفاوت لا يزال يتَّسع بين الدول المتقدِّمة والدول النامية. فالإطار العام الذي كان ينظمه النظام الدولي الاقتصادي في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ولغاية منتصف السبعينيات كان منحرفاً لمصلحة أقلية متميّزة، وهي الدول الصناعية الكبرى التي استأثرت بمعظم المنافع والخدمات والقروض، بما تمتلكه من تأثير سياسي واقتصادي متأرجح حتماً لمصلحتها لدى المؤسّسات الدولية. ومع ذلك استفادت بعض الدول النامية المصدرة للمواد الخام والاستراتيجية من فترة الازدهار الاقتصادي لعالم ما بعد الحرب لكي تحقق معدلات لا بأس بها من النمو الاقتصادي، ولكن ما لبثت أن انخفضت هذه المعدلات انخفاضاً ملموساً منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي. ويعود اختلاف الأداء الاقتصادي للدول النامية إلى عوامل متعددة، وأهمها:

إخفاق أنماط التنمية في تجاوز التخـلف وتغيير الهياكـل الإنتاجيـة، باسـتثناء ما حصل لدى بضع دول في جنوب شرقي آسيا.

تفاقم المديونية الخارجية التي تستنزف احتياطيات النقد الأجنبي، وتُضعف قدرة البلاد المدينة من تمويل مشاريعها التنموية والإنفاق الاستثماري وتعطيل الطاقات الإنتاجية لديها.

توجيه القروض والمساعدات الخارجية بناءً على شروط الدول والمؤسّسات المقرضة، لتمويل مشروعات معينة بذاتها لا تتحدَّد على ضوء الاحتياجات الحقيقية لخطط التنمية الوطنية.

ضعف الإمكانات المتاحة لتصنيع المواد الأولية وتسويقها وتصديرها إلى الأسواق التي تسيطر عليها الدول المتقدِّمة وتخضعها لشروطها الاحتكارية.

ارتفاع أسعار السلع المصنّعة التي تستوردها الدول النامية، مقارنة مع أسعار صادراتها من المواد الأولية، مما أدى إلى اختلال موازين المدفوعات لديها باستثناء عددٍ محدود من الدول النامية المصدِّرة للبترول.

انعدام التكافؤ في الإمكانات والقدرات المادية والإنتاجية والتكنولوجية والتسويقية والتصديرية.

سيطرة الشركات الاحتكارية الكبرى ومتعددة الجنسيات على الأسواق العالمية.

نمو التكتلات الاقتصادية الإقليمية بين البلدان المتقدمة، مما أسهم في توسيع الفجوة مع الدول النامية وعدم قدرتها على منافسة هذه التكتلات.

التقلبات الشديدة في أسعار المواد الخام التي تصدرها البلدان النامية، وتدهور شروط التبادل التجاري في غير مصلحتها.

10ـ اتساع نطاق المضاربات في أسواق الأوراق المالية والصرف الأجنبي.

على أي حال يُلاحظ أن الإطار القانوني الحالي للتنمية الدولية لم يستطع أن يحقق النجاح المأمول منه في الإسهام الفعال لتنمية الدول الفقيرة والنامية، بل ازدادت هذه الدول فقراً، ولم تستطع أن تتعايش على نحو متكامل مع اقتصاديات الدول الغنية التي لا تزال تمارس بصورة أو بأخرى أسلوب الابتزاز والاستغلال الاقتصادي تجاه الدول النامية وشعوبها وتدعم نظمها الرجعية الخاضعة لها. لذلك لا يمكن تجاهل المجابهة الاقتصادية والسياسية المنظورة وغير المنظورة بين الدول المتقدِّمة والدول النامية، هذه المجابهة أدت سابقاً إلى إجراء تعديلات جذرية في الهيكل القانوني للتنمية الدولية، وأفرزت على الخصوص نظاماً دولياً اقتصادياً جديداً، يحقق نوعاً من تكافؤ الفرص في التنمية بين دول العالم كافة، ويمنح معاملة أفضل في هذا المجال للدول النامية ولشعوبها.

ثالثاً ـ تطور النظام الاقتصادي الدولي الجديد:

يتأَّلف النظام الاقتصادي الدولي الجديـد من مجموعة القواعد والمؤسّسات التي تنظم النشاطات الدولية الاقتصادية المختلفة. وقد برزت الحاجة إلى إرساء هذا النظام نتيجة لما شهده العالم من تطورات هائلة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك نيل العديد من دول العالم الثالث استقلالها السياسي ومطالباتها الدؤوبة لتمكينها من ممارسة السيادة الدائمة على مصادرها الطبيعية وحرية اختيار نظامها الاقتصادي والاجتماعي بما يناسب مصالحها الوطنية. ولذلك لم تفوِّت الدول النامية أي فرصة تسنح لها في المحافل الدولية للتعبير عن عدم رضاها إزاء الإطار القانوني الذي كان يحكم العلاقات الدولية الاقتصادية، والذي أسهم نوعاً ما في اتساع الهوة بين الدول الرأسمالية المتقدِّمة صناعياً ـ التي كانت تتشبَّث بمصالحها ومواقفها وسياساتها الاستغلالية، وخاصة بفضل سيطرتها على مقدرات مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتبعية الشركات متعددة الجنسيات والاحتكارات الدولية لهاـ وبين الدول النامية المستقلة حديثاً والساعية إلى تحقيق مبادئ العدالة والمساواة وإزالة التفاوت وعدم التكافؤ في العلاقات الدولية الاقتصادية.

1ـ محتوى النظام الاقتصادي الدولي الجديد: انطلقت المطالبات الملِّحة منذ حقبة الستينيات من القرن العشرين بضرورة إجراء تعديلات جذرية في استراتيجية التنمية والسياسات الاقتصادية الدولية، أي إعادة النظر في مجمل النظام الاقتصادي الدولي السائد، وخاصة فيما يتعلق بتسوية الديون الخارجية للدول النامية وتمكينها من السيطرة على مواردها الطبيعية، وتخفيف القيود المفروضة على انتقال اليد العاملة والسلع والخدمات إلى أسواق الدول الغنية، أو انتقال التكنولوجيا من الدول الغنية إلى الدول النامية، وكذلك تعديل النظام الدولي النقدي وإشراك هيئة الأمم المتحدة على نحو فعال في عملية التنمية. وقد برزت أولى بوادر النظام الاقتصادي الدولي الجديد عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 1710/16 لعام 1961 حول مبادئ التنمية التي تَّم تكريسها أيضاً فيما بعد في أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 1964، وكذلك ضمن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2626/25 لعام 1970 حول استراتيجية التنمية. وفي عام 1973 أصدر مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الانحياز ـ المنعقد في الجزائرـ تصريحاً يطالب فيه بضرورة تشكيل نظام اقتصادي دولي جديد أكثر عدالة وقدرة على تحقيق التنمية لمصلحة البشرية جمعاء وبما يحفظ السلام العالمي، وقد تضمَّن هذا التصريح أيضاً عدداً من المبادئ العامة الناظمة للعلاقات التجارية والنقدية الدولية، وكذلك حول ممارسة السيادة على المصادر الطبيعية وحق التأميم وحماية البيئة، ونقل التكنولوجيا والرقابة على الشركات متعددة الجنسيات والتعاون الدولي. وفي الأول من شهر أيار/مايو لعام 1974 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال انعقاد دورتها الخاصة السادسة وثيقتين مهمتين، وهما:

> قرار الجمعية العامة رقم 3201 المتضمِّن الإعلان عن إقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، وفق مبادئ العدالة والمساواة في السيادة والمنفعة والتعاون بين جميع الدول بغض النظر عن نظمها الاقتصادية والاجتماعية، وبما يسهم في التخفيف من مظاهر التفاوت والظلم وإزالة الهوة بين الدول المتقدِّمة والنامية، ويؤمِّن السلم والعدل والتنمية للأجيال الحالية والمقبلة.

> قرار الجمعية العامة رقم 3202 الذي يحدِّد برنامج عمل لإقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد في مجالات استثمار المواد الأولية والتصنيع ونقل التكنولوجيا، والإشراف والرقابة على الشركات متعددة الجنسيات وتنمية التعاون بين الدول النامية ومساعدتها على ممارسة السيادة الدائمة على مصادرها الطبيعية، ومساندة دور المنظمات الدولية في تنشيط التعاون الدولي الاقتصادي، وكذلك وضع برنامج خاص لمعونات الطوارئ للدول المتأثرة خصوصاً من الأزمات الاقتصادية، ومنها الدول الأقل نمواً والتي ليس لها منافذ بحرية.

وقد تمَّ فيما بعد إعادة تأكيد ما تضمنَّته قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1974 بخصوص النظام الاقتصادي الدولي الجديد، وذلك خلال انعقاد الدورة الخاصة السابعة للجمعية العامة عام 1975، والمؤتمر الاستثنائي السابع للتنمية والتعاون الاقتصادي بين دول السوق الأوربية المشتركة والقارة الأمريكية وحوض الكاريبي والمحيط الهادئ، الذي أصدر إعلان ليما لعام 1975 للمطالبة بمضاعفة نصيب الدول النامية من الإنتاج الصناعي العالمي بحلول القرن الحادي والعشرين.

على أي حال أُريد من النظام الاقتصادي الدولي الجديد أن يكون أكثر عدالة من النظام الاقتصادي الدولي السائد؛ لذلك تأرجحت مطالب الدول النامية بين ضرورة الحفاظ على متطلَّبات الاستقلال والمساواة السيادية من جهة، ومقتضيات الاعتماد المشترك بين جميع الدول والهيئات الدولية تحقيقاً لمفهوم التنمية المستدامة من جهة أخرى. لكن وعلى الرغم من الإيجابيات التي استطاعت الدول الناميـة تحقيقها بفضـل هذا النظام الجديد، وبخاصة فيما يتعلق بممارسة سيادتها الدائمة على مصادرها الطبيعية ومشاركتها الفعالة في تحديد الإطار القانوني للعلاقات الدولية الاقتصادية المعاصر لم يعد لهذا النظام حالياً تلك الأهمية التي كان يتمتَّع بها عند إقراره في الربع الأخير من القرن الفائت، وذلك بعدما سادت مبادئ اقتصاد السوق وحرية تبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال. وهكذا يبدو حالياً النظام الاقتصادي الدولي الجديد استثناء فقط لمنح الدول النامية معاملة تفضيلية على صعيد العلاقات الدولية الاقتصادية، سواء النقدية منها أم التجارية.

2ـ ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية: اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 12/2/1974 قرارها رقم 3281 المتضمِّن ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية الذي يهدف إلى تحديد الإطار القانوني العام الذي يحكم العلاقات الدولية الاقتصادية. ويتميَّز الميثاق بتنوع محتواه، إذ يشير في ديباجته إلى ضرورة التمسك بأهداف هيئة الأمم المتحدة وأهمية التعاون الدولي وتعزيز الاستقلال الاقتصادي للدول النامية، مع الأخذ بالحسبان احتياجاتها الخاصة وتحقيق علاقات اقتصادية دولية أكثر عدالة وإنصافاً للارتقاء بمستوى المعيشة والرفاه للشعوب وتضييق الهوة بين الدول النامية والمتقدِّمة. وقد حدّد الفصل الأول من الميثاق الأُسس الجوهرية للعلاقات الدولية الاقتصادية، وهي:

1) ـ صيانة استقلال الدول وسلامتها الإقليمية.

2) ـ المساواة في السيادة بين جميع الدول.

3) ـ حظر العدوان.

4) ـ عدم التدخل في الشؤون الداخلية.

5) ـ المنفعة المتبادلة والعادلة.

6) ـ التعايش السلمي.

7) ـ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب كافة.

8) ـ التسوية السلمية للمنازعات.

9) ـ التعويض عن نتائج الظلم الذي يحرم بالقوة أي أمة من الوسائل الطبيعية للتنمية.

10) ـ تنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية.

11) ـ احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

12) ـ عدم السعي نحو فرض الهيمنة والسيطرة ومناطق النفوذ.

13) ـ تعزيز العدالة الاجتماعية على المستوى الدولي.

14) ـ تنشيط التعاون الدولي من أجل التنمية.

15) ـ حرية الوصول إلى البحار للدول المتضرِّرة جغرافياً والتي ليس لها منافذ بحرية.

أما الفصل الثاني من الميثاق فقد تضمَّن تعداداً لحقوق الدول وواجباتها الاقتصادية، ويمكن إيجازها بالآتي:

1) ـ حق اختيار النظام الاقتصادي والاجتماعي.

2) ـ حق ممارسة السيادة الدائمة على المصادر الطبيعية.

3) ـ حق تنظيم الاستثمارات الأجنبية وفقاً للقوانين الوطنية للدول ومصالحها.

4) ـ حق تأميم الاستثمارات الأجنبية أو نزع ملكيتها مقابل تعويض مناسب.

5) ـ حق مزاولة التجارة الدولية والانتفاع منها.

6) ـ حق المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات الدولية المتعلقة بالمسائل الاقتصادية والمالية والنقدية.

7) ـ حق الحصول على التكنولوجيا الحديثة والانتفاع بما وصل إليه التقدم العلمي والتقني.

8) ـ حق الدول النامية في الحصول على معاملة تفضيلية لدى أسواق الدول المتقدِّمة ومن دون اشتراط المعاملة بالمثل.

9) ـ واجب الإسهام في تنمية التجارة الدولية وفق مبادئ العدالة والإنصاف.

10) ـ واجب التعاون في استثمار الموارد الطبيعية المشتركة.

11) ـ واجب التعاون في تعزيز كفاءة المنظمات الدولية وفعاليتها.

12) ـ واجب التعويض عن الأضرار التي لحقت بشعوب الدول النامية خلال حقبة الاستعمار، أو تلك الناجمة عن تطبيق سياسة الفصل والتمييز العنصري أو العدوان أو الاحتلال.

13) ـ واجب مساعدة الدول النامية والأقل نمواً والبلدان غير الساحلية للتغلب على عقبات التنمية لديها.

14) ـ واجب التعاون الدولي من أجل التنمية.

15) ـ واجب التعاون لنـزع التسلح بإشراف رقابة دولية فعالة، مع تخصيص نسبة من اعتمادات التسليح لتمويل عملية التنمية لدى الدول النامية.

كما اهتمَّ الفصل الثالث من ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية بتحديد المسؤوليات المشتركة إزاء المجتمع الدولي، وخاصة فيما يتعلق باستثمار قاع البحار والمحيطات بما يتجاوز حدود الولاية الوطنية والفضاء الخارجي، وعدَّها الميثاق تراثاً مشتركاً للإنسانية يتم استغلالها لمصلحة البشرية جمعاء مع الالتزام بالتعاون لحماية البيئة والحفاظ عليها.

ويُلاحظ أن ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية قد تضمَّن قواعد قانونية دولية تقرُّ حقوقاً والتزامات معينة لمصلحة الدول وبمواجهتها. وقد جاءت بنوده مكمِّلة ومفسِّرة لأهداف ميثاق هيئة الأمم المتحدة ومبادئه. بل نصَّت الفقرة الثالثة منه أن الميثاق يندرج ضمن إطار تقنين القانون الدولي وتطويره التدريجي. أي بتعبير آخر يسهم ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية في تكريس التعامل الدولي ضمن إطار العلاقات الدولية الاقتصادية، وهذا ما يبرِّر الصفة الإلزامية لنصوصه التي وافقت عليها أغلبية دول العالم.

3ـ النظام العالمي الاقتصادي المعاصر: بدأت ملامح النظام الاقتصادي المعاصر تتبلور بوضوح منذ بداية حقبة التسعينيات من القرن العشرين، عندما حصلت تحولات جذرية في أركان العلاقات الدولية الاقتصادية التي سادت نحو نصف قرن من الزمن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، كما برز عدد من الاتجاهات المستحدثة والمؤثرة في آليات عمل هذا النظام والفاعلين فيه. ففي شهر آذار/مارس لعام 1991 أي في خضم أزمة الخليج العربي الناجمة عن الاجتياح العراقي للأراضي الكويتية وانهيار المنظومة الشيوعية في عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) ضرورة إرساء نظام عالمي جديد تسوده من الناحية الاقتصادية آليات اقتصاد السوق وانفتاح الأسواق بقيادة المعسكر الرأسمالي الغربي، وتتربَّع على قمَّته الولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ ذلك الوقت بدأ يتصِّف النظام العالمي الاقتصادي المعاصر بالخصائص التالية:

1) ـ سيادة مبادئ اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية.

2) ـ الاعتماد الدولي الاقتصادي المتبادل.

3) ـ الثورة العلمية في مجال الاتصالات والتكنولوجيا.

4) ـ تعاظم دور المنظمات والتكتلات الدولية الاقتصادية.

هذا من الناحية النظرية، ولكن تبرز هذه الخصائص عملياً على أرض الواقع عبر تفاعل ثلاثة من أهم الظواهر العالمية الاقتصادية والسائدة في العصر الحالي، وهي مظاهر العولمة والخصخصة والشركات متعددة الجنسيات.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ إسماعيل صبري عبد الله، نحو نظام اقتصادي عالمي جديد (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1976م).

ـ حازم الببلاوي، «النظام الاقتصادي الدولي المعاصر»، سلسلة عالم المعرفة، العدد 257، بيروت، 2001م.

ـ زينب حسين عوض الله، الاقتصاد الدولي (الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت 1998م).

ـ عبد الواحد محمد الفار، أحكام التعاون الدولي في مجال التنمية الاقتصادية (عالم الكتب، القاهرة1990م).

ـ عمر إسماعيل سعد الله، القانون الدولي للتنمية: دراسة في النظرية والتطبيق (المؤسسة الوطنية للكتاب، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1990م).


التصنيف : القانون الدولي
النوع : القانون الدولي
المجلد: المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام
رقم الصفحة ضمن المجلد : 379
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1038
الكل : 58492934
اليوم : 65448