حق ملكية
property right - droit de propriété

حق الملكية

حق الملكية

محمد سامر القطان

 مفهوم حق الملكية

 نطاق حق الملكية

القيود الواردة على حق الملكية

   

تأثرت الملكية، عموماً عبر التاريخ، بتطور المجتمعات والحضارات، وبالنظريات الفلسفية والفكرية والسياسية، فبدأت في المجتمعات القديمة ملكية جماعية  للقبيلة، ثم للعائلة، ومن بعد ظهرت الملكية الفردية أو ما يسمى أيضاً بالملكية الخاصة. وقد نادى رجال الثورة الفرنسية بجعل حق الملكية Droit de propriété حقاً فردياً مطلقاً، وهو الأمر الذي أسهم في إضفاء القدسية على هذا الحق في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في فرنسا سنة 1789. لكن بنتيجة انتشار التيارات الاشتراكية والمذاهب الاقتصادية المختلفة التي تدعو إلى تدخل الدولة في تنظيم الملكية والحياة الاقتصادية بوجه عام لم تعد الملكية حقاً مطلقاً، وأصبح لها وظيفة اجتماعية، وظهر إلى جانب الملكية الفردية ما يسمى بملكية الشعب. وبالتالي لم يعد للمالك أن يتصرف بملكه كما يشاء، حيث فرضت قيود متعددة على سلطات المالك في ملكه، وعلى حرية التملك، كي لا تؤدي الملكية الفردية إلى استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ولكي لا تُعطل المصالح العامة فيما إذا تعارضت معها. وقد كرست دساتير الكثير من دول العالم وقوانينها، الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية، كدستور الجمهورية العربية السورية في المادة الرابعة عشرة منه.

ويُعد حق الملكية في الوقت الحالي من أهم الحقوق العينية وأوسعها انتشاراً ونطاقاً، فهو يستجمع كل السلطات التي يمكن أن يمنحها القانون للشخص على الشيء، والمتمثلة في استعماله واستغلاله والتصرف فيه، وعنه تتفرع جميع الحقوق العينية الأخرى، كحق الانتفاع والارتفاق.

وقد عالج المشرع السوري موضوع الملكية، على نحو رئيسي، في الباب الأول من الكتاب الثالث (الحقوق العينية الأصلية)، من القسم الثاني (الحقوق العينية)، من القانون المدني الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 بتاريخ 18 أيار 1949 (المواد من 768  إلى 935).

أولاً: مفهوم حق الملكية

1- تعريف حق الملكية

نصت المادة 768 من القانون المدني السوري (تقابلها المادة 802 من القانون المدني المصري) على أن: «لمالك الشيء وحده، في حدود القانون، حق استعماله، واستغلاله، والتصرف فيه». ويرى جانب من الفقه في هذا النص تعريفاً لحق الملكية، ويرى جانب آخر أنه لا يتضمن سوى إشارة إلى السلطات التي يخولها هذا الحق لصاحبه (الاستعمال والاستغلال والتصرف) من جهة، وإلى إحدى أهم خصائص هذا الحق المتمثلة باعتباره حقاً مقصوراً على صاحبة ولا يزاحمه أحد فيه - وهي خاصية تستخلص بوضوح من عبارة: «لمالك الشيء وحده ..» الواردة في صدر المادة 768 آنفة الذكر - من جهة أخرى.

وعلى ذلك، لم يعط المشرع السوري تعريفاً مباشراً لحق الملكية، تاركاً هذه المسألة، كغيره الكثير من المشرعين المعاصرين -  للفقه والقضاء. في حين أن المشرع المصري كان قد عرّف سابقاً، في القانون المدني القديم المستمد من القانون المدني الفرنسي حق الملكية بطريقة مطلقة، فذكر أن: «الملكية هي الحق للمالك في الانتفاع بما يملكه والتصرف فيه بطريقة مطلقة» (م711/27 ق م مصري قديم). أما المشرع الأردني فقضى في المادة (1018) من القانون المدني، بأن: «1- حق الملكية هو سلطة المالك في أن يتصرف في ملكه تصرفاً مطلقاً عيناً ومنفعة واستغلالاً 2- ولمالك الشيء وحده أن ينتفع بالعين المملوكة وبغلتها وثمارها ونتاجها ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة شرعاً». ويرى محمد وحيد الدين سوار أن هذا التعريف الأخير للملكية يلتقي مع نظرة الفقه المعاصر إلى الحق العيني باعتباره سلطة مباشرة يقرها القانون لشخص معين على شيء معين بذاته من جهة، وإلى حق ملكية الشيء باعتباره «حق الاستئثار باستعماله وباستغلاله وبالتصرف فيه على وجه دائم، وكل ذلك في حدود القانون» وعلى ذلك يمكن القول إن حق الملكية هو سلطة مباشرة يمنحها القانون لشخص معين على شي معين بذاته، تخوله استعماله واستغلاله والتصرف فيه، على سبيل الدوام، وفي حدود القانون.

2- تمييز حق الملكية من حق التصرف:

كذلك لم يعطِ المشرع السوري تعريفاً خاصاً لحق التصرف، وإنما اكتفى، بموجب المادة 772 من القانون المدني، بجعل الأحكام المتعلقة بحق الملكية واجبة التطبيق على حق التصرف في الأراضي الأميرية، وذلك في جميع الأحوال التي لا ينص فيها القانون على خلاف ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن الأراضي الأميرية هي - وفقاً للمادة 86/3 من القانون ذاته - الأراضي التي تكون رقبتها للدولة ويجوز أن يجري عليها حق تصرف.

وبناءً عليه يلتقي كل من حق الملكية وحق التصرف بخصائص كثيرة مشتركة، أهمها أن كلاً منهما يولي صاحبه سلطات استعمال العقار واستغلاله والتصرف فيه، إلا أن هذا لا ينفي طبعاً وجود بعض الفوارق المهمة بينهما، ويمكن إيجازها بما يلي:

أ - لا يَرد حق الملكية إلا على العقارات الملك، أي العقارات القابلة للملكية المطلقة الكائنة داخل الأماكن المبنية والمحددة إدارياً (م 86/2 ق م)، في حين لا يَرد حق التصرف إلا على الأراضي الأميرية، وبالتالي فإن حق التصرف هو مجرد ملك للمنفعة أي إنه ملك ناقص .

ب - حق الملكية هو حق دائم، بمعنى أنه لا يسقط - من حيث المبدأ - بعدم الاستعمال مهما طال الزمن، في حين أن حق التصرف هو حق يسقط بعدم الاستعمال، وقد نصت المادة 775 من القانون المدني على مايلي: «يسقط حق التصرف في العقارات الأميرية بعدم حراثة الأرض، أو بعدم استعمالها مدة خمس سنوات».

ج - يُكتسب حق تسجيل الملكية على العقارات الملك، غير المسجلة في السجل العقاري (925 ق م)، بمرور خمس عشرة سنة على حيازتها (م 917 ق م)، وإذا ما اقترنت الحيازة بحسن نية واستندت في الوقت ذاته إلى سبب صحيح، فإن مدة التقادم المكسب على هذا النوع من العقارات تصبح خمس سنوات (م 917 ق م). في حين يُكتسب حق تسجيل التصرف في الأراضي الأميرية، غير الخاضعة لإدارة أملاك الدولة، بمرور عشر سنوات على حيازتها، سواء اقترنت هذه الحيازة بسند أم لم تقترن (م 919 ق م)، أما الأراضي الأميرية الخاضعة لإدارة أملاك الدولة فيمتنع اكتساب حق التصرف فيها بالتقادم (المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 135 لعام 1952).

د - يخضع حق الملكية في حال وفاة المالك لأحكام المواريث الشرعية المبينة في قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1953، في حين يخضع حق التصرف في حال وفاة المتصرف لأحكام المواريث القانونية المبينة في قانون انتقال الأموال غير المنقولة الصادر عام 1912. وتختلف أحكام المواريث القانونية عن أحكام المواريث الشرعية اختلافاً بيناً، ولعل أهم مظاهر هذا الاختلاف يكمن في:

(1) إعطاء الأولوية في الإرث إلى الأولاد.

(2) المساواة في الحقوق بين الذكر والأنثى.

(3) حلول فروع الميت من كل طبقة محل أصلهم في استحقاق الميراث.

(4) للزوج أو للزوجة ربع التركة مع الفروع، والنصف مع غير الفروع ...

هـ - يمكن للمالك أن ينشئ وقفاً خيرياً على عقاره الملك، في حين يمتنع على المتصرف إنشاء أي وقف على الأراضي الأميرية تحت طائلة البطلان «م 774 ق م». 

3- خصائص حق الملكية:

يتميز حق الملكية عموماً بأنه حق مانع، جامع، ودائم. وقديماً كان يتصف أيضاً بأنه حق مطلق، ولكن بعد أن تغيّرت النظرة إلى الملكية، وأصبح ينظر إليها باعتبار أن لها وظيفة اجتماعية، لم يَعد حق الملكية حقاً مطلقاً، لكنه بقي متمتعاً بخصائصه التقليدية التالية:

أ - حق الملكية حق جامع Droit total: فهو يخول صاحبه جميع المزايا التي يمكن الحصول عليها من الشيء، بمعنى أنه حق ينطوي على أوسع السلطات التي يمكن أن تكون للشخص على الشيء، فللمالك أن يستعمله وأن يستغله وأن يتصرف فيه على النحو الذي يريد، ومن دون أن يحد من سلطته في ذلك سوى القيود التي يفرضها القانون أو تمليها الإرادة. ويترتب على هذه الخصيصة النتيجتان التاليتان:

الأولى: تكمن في أن الأصل هو أن المالك يجمع في يده جميع السلطات على الشيء المملوك (الاستعمال والاستغلال والتصرف)، ما لم يقضِ بغير ذلك نص قانوني أو اتفاقي، فإذا لم يُثْبت الغير أنه استمد سلطة معينة من هذه السلطات على شيء مملوك لآخر، بموجب إرادة المالك أو بموجب نص قانوني، فهذه السلطة هي للمالك وحده لا لأحد غيره. 

الثانية: وتكمن في أن جميع الحقوق الأخرى المنبثقة أو المشتقة من حق الملكية، كحق الانتفاع والارتفاق، هي حقوق مؤقتة، بمعنى أنها تعود إلى حق الملكية فور استنفادها مدة وجودها، فإذا ما استنفذ حق الانتفاع على شيء معين، مثلاً، مدة وجوده فإنه يعود إلى الرقبة، وتعود بالتالي الملكية كاملة على هذا الشيء.

ب - حق الملكية حق مانع أو استئثاري Droit exclusif: أي إنه حق قاصر على صاحبه فقط، فللمالك وحده أن يستأثر بجميع مزايا ملكه، ويمتنع بالتالي على غيره مشاركته فيها، ما لم يقضِ بغير ذلك نص اتفاقي أو قانوني، فقد يتنازل المالك برضاه عن بعض سلطاته للغير، كما لو رتّب له حق ارتفاق على عقاره مثلاً، أو قد يقضي القانون في بعض الأحيان بمشاركة الغير في بعض سلطات المالك في عقاره، كأن يقرر للجار حق مرور في عقار جاره أو حق مسيل أو غير ذلك.

ج - حق الملكية حق دائمDroit perpétuel: أي إنه حق يدوم ويبقى ما دام الشيء المملوك باقياً، ولا ينقضي إلا بهلاك هذا الشيء. ولا يقدح في صفة الدوام هذه انتقال ملكية الشيء من شخص لآخر؛ لأن الحق يظل باقياً على الشيء رغم انتقاله، فلا يتغير حينئذ سوى شخص المالك، وهذا ما يعبر عنه بانتقال أبوة الحق من شخص إلى آخر. وتجدر الإشارة إلى أن حق الملكية مرتبط بوجود الشيء من الناحية القانونية لا من الناحية المادية، فمثلاً: الشيء السائب المباح الذي لا مالك له ليس له سوى وجود مادي، ومن اللحظة التي يدخل فيها في ملكية أحد الأشخاص يبدأ وجوده القانوني، ويصبح بالتالي قابلاً للتعامل به، فإذا زال الوجود القانوني للشيء بهلاكه (كما في العقار والمنقول)، أو بالتخلي عنه (كما في المنقول)، زال بالتالي حق الملكية. ويترتب على هذه الخصيصة النتائج الثلاث التالية:

الأولى - الملكية بطبيعتها غير مؤقتة: فلا يجوز توقيت حق الملكية أو تحديده بزمن معين، لأن التوقيت يتنافى مع طبيعته. وهذا على خلاف باقي الحقوق العينية الأصلية، فهي قابلة للتوقيت، فحق الانتفاع، مثلاً، حق مؤقت يسقط حتماً بموت المنتفع (م 954 ق م).

الثانية - الملكية لا تقبل الإسقاط: فحق الملكية الذي يرد على عقار يبقى، من حيث المبدأ، ثابتاً لمالكه ولو تركه وعبّر عن إرادته في النزول عن ملكيته له، حتى لو أسقط ملكيته لهذا العقار، وذلك ما دام المالك لم ينقل ملكيته للعقار إلى الغير، وما دام أيضاً لم تنتقل إلى غيره بسبب مستقل عن الإسقاط. أما في المنقول فقد خرج  المشرع عن هذه القاعدة وأجاز إسقاط ملكيته بالترك، إذ ينعدم الوجود القانوني للمنقول بتركه، ويغدو بذلك مباحاً غير مملوك لأحد، وهذا ما قضت به المادة 829/1 من القانون المدني، حيث نصت على أن: «يصبح المنقول لا مالك له إذا تخلى عنه مالكه، بقصد النزول عن ملكيته».  

الثالثة - الملكية لا تسقط بعدم الاستعمال: فمهما طال زمن عدم استعمال المالك لملكه، لا يؤدي ذلك، من حيث المبدأ، إلى حرمانه منه. ولكن في حال اقترن عدم استعمال الشيء بحيازة الغير لهذا الشيء، وتوافرت في هذه الحيازة شرائط التقادم المكسب، فعندها يتملك حائز الشيء. وعلى ذلك يمكن القول إن التقادم المسقط لا يلحق الملكية، ولكن يجوز للغير أن يكتسبها بالتقادم المكسب، وبمعنى آخر حق الملكية لا يسقط بالتقادم وإنما يكتسب به. أما الحقوق المتفرعة عن حق الملكية فهي - على خلاف حق الملكية - تسقط بعدم الاستعمال.

ولكن لم يعد ينظر في الفقه الحديث، إلى خصيصة عدم سقوط الملكية بعدم الاستعمال على نحو مطلق، كما كان عليه الأمر قديماً، وبما أن لكل حق وظيفة، وتماشياً مع ما للملكية من وظيفة اجتماعية غدت هذه الخصيصة محل نظر، فإذا تهاون المالك في مزاولة حقه يكون بنظر المشرع غير جدير بالحماية، وبالتالي يكون هذا الحق جديراً بالسقوط. وتطبيقاً لذلك قضى المشرع السوري بإسقاط حق الملكية بسبب عدم الاستعمال في بعض الحالات، ولاسيما للأراضي الموزّعة بمقتضى قانون الإصلاح الزراعي، وقانون توزيع أراضي أملاك الدولة.. فإذا لم يقم من وزّعت عليه قطعة أرض من هذه الأراضي، بزراعتها ضمن المدة المحددة بالقانون، تسقط ملكيته لها، ويتوجب استردادها منه (ر: م20 من قانون الإصلاح الزراعي رقم 161 المعدّلة بالمرسوم التشريعي رقم 88 لعام 1963)، وكذلك قضى المشرع بسقوط حق التصرف في العقارات الأميرية بعدم حراثة الأرض، أو بعدم استعمالها مدة خمس سنوات (م 775 ق م).  

4- عناصر حق الملكية:

يُراد بعناصر حق الملكية السلطات أو المكنات التي يستطيع المالك أن يباشرها على الشيء الذي يملكه. وللمالك أن يباشر جميع السلطات الممكنة على الشيء المملوك، وهذه العناصر أو السلطات هي - كما عددها المشرع في  المادة 768 من القانون المدني المذكورة أعلاه - الاستعمال والاستغلال والتصرف، ولابد من تمييز هذه العناصر بعضها من بعض:

أ - الاستعمال: ويقصد به استخدام الشيء في جميع الوجوه التي أُعد لها هذا الشيء بحسب طبيعته أو بحسب صنعه أو بحسب الغاية منه، وذلك للحصول على جميع منافعه باستثناء الثمار، كأن يسكن صاحب الدار داره، أو يركب صاحب السيارة سيارته، وغير ذلك من وجوه استعمال الشيء استعمالاً وفق ما أعد له.

وقد يختلط الاستعمال بالاستغلال، كأن يقوم صاحب الأرض بزراعة أرضه، فهذه الزراعة - وهي استعمال للأرض - تؤدي إلى الحصول على الثمرات، وهو استغلال لها. كما قد يختلط الاستعمال بالتصرف، ويتحقق ذلك في الأشياء التي تستهلك بمجرد الاستعمال، كالطعام والنقود، حيث لا يمكن استعمالها من دون استهلاكها.

ب - الاستغلال: ويقصد به القيام بجميع الأعمال اللازمة للحصول على ثمار الشيء المملوك. وقد يكون الاستغلال مباشراً، كأن يزرع المالك أرضه ويجني ثمارها، كما قد يكون غير مباشر، كأن يؤجر المالك داره ويحصل على أجرتها.

ج - التصرف: ويقصد به القيام بنوعين من الأعمال، مادية أو قانونية.

q العمل المادي: وهو العمل الذي ينال من مادة الشيء، حيث يستطيع المالك بما له من سلطة جامعة على الشيء المملوك له أن يقوم بجميع الأعمال المادية التي تؤدي إلى إحداث تغيير في هذا الشيء أو تحويله أو استهلاكه أو إتلافه، ويسمى هذا العمل بالتصرف المادي. وتُعد سلطة التصرف المادي في الشيء العنصر الوحيد الذي يميز حق الملكية من غيره من الحقوق العينية.

q العمل القانوني: وهو العمل الذي يؤدي إلى نقل ملكية الشيء إلى الغير، كالبيع أو الهبة، أو إلى تقرير حق عيني عليه للغير، وقد يكون هذا الحق من الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن حق الملكية، كالارتفاق أو الانتفاع، أو من الحقوق العينية التبعية، كالرهن أو التأمين، ويسمى هذا العمل بالتصرف القانوني. وتجدر الملاحظة إلى أن سلطة التصرف القانوني ليست مقصورة على المالك، وإنما تثبت كذلك لكل صاحب حق عيني.

وبذلك يتضح أن التصرفات المادية ترد على الشيء المملوك ذاته، أما التصرفات القانونية فترد على الحق ذاته.

ثانياً - نطاق حق الملكية:

يقتضي تحديد نطاق حق الملكية بيان ما يلي:

1- تعيين الحدود:

بما أن حق الملكية هو حق عيني يرد على شيء معين بذاته، فإن هذا يفترض بداهةً أن يكون الشيء محل هذا الحق محدداً في كيانه المادي تحديداً واضحاً بحيث يمتنع اختلاطه بغيره من الأشياء. ولا شك أن هذا الأمر سهل التحقق  في المنقول، لأن إمكانية نقله من مكان إلى آخر من دون تلف تجعله ذا كيان منفصل ومستقل عن غيره من الأشياء. أما في العقار فمسألة تعيين الحدود ليست دوماً سهلة ومُيسّرة، ولاسيما في الأراضي، فهي بحكم كونها ثابتة لا ينعزل بعضها عن بعض كما هو الحال في المنقولات. وكثيراً ما يؤدي تلاصق الأراضي إلى نشوء العديد من النزاعات في خصوص تعيين الحدود بينها، لهذا عُنيت تشريعات دول العالم المختلفة بتنظيم مسألة تعيين حدود الملكيات المتجاورة، لتحديد المحل الذي ترد عليه سلطات كل مالك. 

ولم ينص المشرع السوري صراحة على إلزام الجار بوضع حدود لأرضه، خلافاً لما فعله نظيره المشرع المصري(813 ق.م مصري)، إلا أنه قضى، في قانون أصول المحاكمات بجعل الدعاوى المتعلقة بوضع الحدود من اختصاص محكمة البداية المدنية (م 63 من قانون أصول المحاكمات السوري)، وفسّر الفقه المحلي ذلك بافتراض وجود التزام على عاتق الجوار يقضي بأن يضعوا حدوداً بين أملاكهم المتلاصقة.

وتتم عملية وضع الحدود، عادةً، بوضع علامات مادية من الحجارة أو من الإسمنت أو غير ذلك على الخط الفاصل بين الملكيات المتجاورة، رضاءً أو قضاءً.

2- ملكية ما فوق الأرض وما تحتها (العلو والعمق):

قضى المشرع في المادة 976 من القانون المدني بأن: «ملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها إلى الحد المفيد في التمتع بها علواً أو عمقاً». وعلى ذلك، فالأصل أن مالك الأرض لا تقتصر ملكيته على سطحها، وإنما تشمل أيضاً ما فوقها وما تحتها، ويحق له بالتالي أن يستخدم الفضاء الجوي الذي يعلو أرضه، كأن يبني أو يغرس أو يمد أسلاكاً، كما له أن يمنع الغير من أن يشغل هذا الفضاء، وقد قضى المشرع صراحةً بحق المالك بقطع أغصان شجر جاره التي تمتد إلى أرضه (م 976/1 ق م)، وفي هذا الحكم خروج على القاعدة العامة التي تمنع الشخص من أن يقتضي حقه بنفسه، وتوجب عليه اللجوء إلى القضاء للحصول على حقه، كما يحق للمالك أن يستخرج من جوف أرضه الأتربة والرمال والأحجار، ويضع أو يمدد ما شاء من التمديدات، على أن يتم كل ذلك ضمن الحدود والشروط التي تسمح بها القوانين والأنظمة، وله أيضاً أن يمنع الغير من أن يستخدم هذا العمق، كأن يطالب مثلاً بقطع جذور أشجار جاره التي امتدت في بطن أرضه.

وبمفهوم المخالفة لا تشمل ملكية الأرض النطاق الذي لا يستفيد منه المالك علواً أو عمقاً، فليس للمالك أن يمنع، على سبيل المثال، الطائرات من الطيران فوق أرضه، أو يمنع أعمال تمديدات الهاتف أو الكهرباء أو ما شابه ذلك من الأعمال الضرورية التي تقوم بها السلطات العامة المختصة ضمن الشروط التي تسمح بها القوانين والأنظمة.

وقد جعل المشرع السوري إلى جانب المالك قرينة قانونية مهمة تقضي بأن: «كل بناء أو غرس أو عمل قائم على الأرض يعتبر أن مالك الأرض قد أقامه على نفقته، وأنه يخصه، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك» (م 886 ق م).

ويستثنى من الأصل السابق، الكنز والآثار والمناجم التي تكون في باطن الأرض أو على سطحها، فهي تخضع جميعها لقوانين خاصة. 

3- مشتملات الملكية:

ينصب حق الملكية أساساً على أصل الشيء المملوك، ويدخل في هذا الأصل كل ما يُعد من العناصر الجوهرية للشيء، بحيث لا يمكن فصله عنه من دون أن يهلك أو يتلف أو يتغير، وبهذا قضت المادة 769/1 من القانون المدني، حين ذكرت أن: «مالك الشيء يملك كل ما يعد من عناصره الجوهرية، بحيث لا يمكن فصله عنه دون أن يهلك أو يتلف أو يتغير» ، فصاحب البناء مثلاً يملك جميع الأجزاء المكونة له من جدران وأسقف وأعمدة وشبابيك إلى غير ذلك مما هو مندمج في البناء الذي لا يمكن فصله عنه من دون المساس بكيانه.

كما يشتمل حق الملكية على كل ما يتفرع عن الشيء المملوك من ثمار ومنتجات وملحقات، وبهذا قضت المادة 770 من القانون المدني، حيث نصت على أن: «لمالك الشيء الحق في كل ثماره ومنتجاته وملحقاته، ما لم يوجد نص أو اتفاق يخالف ذلك». وهناك فوارق بين ثمار الشيء ومنتجاته وملحقاته.

أ- ثمار الشيء: وهي كل ما ينتجه الشيء في مواعيد دورية متجددة، من دون المساس بجوهره أو الانتقاص من مادته، وهي على ثلاثة أنواع (ر: م 929/2 ق م):

(1) الثمار الطبيعيةLes fruits naturels: وهي كل ما يتولد من الشيء بفعل الطبيعة وحدها، ولا دخل للإنسان فيها، مثل الكلأ ونتاج المواشي.

(2) الثمار الصناعية أو المستحدثة Les fruits industriels: وهي كل ما يتولد من الشيء بفعل الإنسان وحده، أو بفعل الإنسان والطبيعة، كالمزروعات وعسل النحل.

(3) الثمار المدنيةLes fruits civils: وهي الأموال التي يعدها القانون المدني ثماراً من الوجهة الفنية، ويُعبّر عنها أيضاً بالريع الدوري المتجدد الذي يحصل عليه المالك من جراء استثماره للشيء، أي هو ما يقبضه المالك من الغير لقاء نقله منفعة الشيء الذي يملكه إلى هذا الغير، كأجرة المنازل أو المحلات، وفوائد النقود أو الأسهم.

وقد عرّف المشرع السوري ثمار العقار في المادة 944 من القانون المدني، فقضى بأنها «الحاصلات الطبيعية أو النقدية التي يغلها العقار في فترات معينة منتظمة بدون أن تنقص تلك الثمار شيئاً من جوهر العقار، ويدخل في هذه الحاصلات بدل تأجير حق الصيد والقنص».

ب - منتجات الشيء: وهي كل ما يتولد من الشيء في مواعيد غير دورية ويؤدي إلى الانتقاص من مادته، كالمواد التي تستخرج من المقالع والمناجم (مثل الأحجار والمعادن وغيرها)، والأشجار التي تقطع من الغابات. لكن يمكن أن تتحول المنتجات بفعل الإرادة إلى ثمار، وذلك إذا ما جرى إعداد الشيء بصورة تتولد معها منه منتجات بصورة دورية ومنتظمة، كالأشجار التي تقطع من الغابات التي يتم إعدادها لهذا الشكل من الاستغلال بصورة دورية ومنتظمة.

والتفرقة بين الثمار والمنتجات على النحو المشار إليه ليس لها - من الناحية العملية - أي شأن بالنسبة للمالك، لأن من حقه أصلاً الحصول على جميع الثمار والمنتوجات التي تتولد من الشيء الذي يملكه، وذلك بما له من سلطات واسعة يمنحها له حق الملكية على هذا الشيء، ولكن شأن هذه التفرقة يتبدى عملياً، فيما إذا انتقل الشيء إلى يد غير يد المالك، كيد المنتفع أو الحائز، فحق الانتفاع يخول المنتفع الحصول على ثمار الشيء من دون منتجاته التي تبقى من حق المالك، وكذلك الأمر بالنسبة لحائز الشيء عندما يكون حسن النية، فإنه يكسب ثمار الشيء من دون منتجاته (م 929/1 ق. م). 

ج - ملحقات  الشيء: يقصد بملحقات الشيء كل ما أُعد لاستعمال الشيء المملوك بصفة دائمة، طبقاً لما تقضي به طبيعته والعرف السائد وقصد المتعاقدين. ولعل من أهم الملحقات: هي العقارات بالتخصيص، وهي المنقولات التي يضعها صاحبها في عقاره رصداً على خدمة هذا العقار أو استغلاله كالآلات الزراعية التي يستخدمها مالكها في زراعة أرضه (ر: م 84/2 ق م)، وحقوق الارتفاق كحق مسيل مياه الأمطار، وحق المرور. وتبدو أهمية ملحقات الشيء، من عدة وجوه، خاصة عند نقل ملكية الشيء ببيعه إلى الغير، أو عند ترتيب حق عيني تبعي عليه كالرهن، فالأصل أن كلاً من حق الملكية وحق الرهن يرد على الشيء وملحقاته معاً  بحكم القانون، ما لم يتفق المتعاقدان على غير ذلك، فقد قضت المادة 400 من القانون المدني بأن «يشمل التسليم ملحقات الشيء المبيع وكل ما أعد بصفة دائمة لاستعمال هذا الشيء وذلك طبقاً لما تقضي به طبيعة الأشياء وعرف الجهة وقصد المتعاقدين»، كما قضت المادة 1065 من القانون ذاته بأن «يشمل الرهن جميع الأشياء التي كانت أو أصبحت أجزاء متممة للعقار أو منتفعاته أو ملحقاته الضرورية».

ثالثاً - القيود الواردة على حق الملكية:

انطلاقاً من نظرة المشرع إلى حق الملكية، بحسبان أنه لم يعد ميزة للمالك فحسب، بل أصبح أيضاً ذا وظيفة اجتماعية، لذلك أحاطه المشرع بقيود متعددة ومتنوعة تضمن الوقوف به عند حدود هذه الوظيفة، وذلك حتى لا تؤدي السلطات الواسعة التي يمنحها حق الملكية إلى المالك إلى التحكم أو التعسف. ولم يأت المشرع على ذكر هذه القيود في القانون المدني فحسب، وإنما قضى بها أيضاً في الكثير من التشريعات الخاصة. ويمكن تصنيف هذه القيود صنفين، قيود ترد على حرية التملك، وقيود ترد على سلطات المالك. 

1- القيود الواردة على حرية التملك:

أورد المشرع عدة أنواع من القيود التي تحد من حرية التملك في القانون المدني وفي قوانين خاصة متفرقة، ومعظمها يتعلق بالملكية العقارية، وقد راعى المشرع بشأنها المصلحة العامة بالدرجة الأولى، ولعل من أهمها القيود المتعلقة بتملك الأجانب، فمنذ العهد العثماني حتى اليوم، تعاقب عدد كبير من القوانين والأنظمة التي تتعلق بحق الأجانب في تملك العقارات في سورية، منها ما كان يُضيّق من هذا الحق، ومنها ما كان يُوسّع منه بحسب الظروف، ولقد كان آخرها القانون رقم 11 لعام 2008، المُسمّى «قانون تملك العرب والأجانب» المتعلق بموضوع الحقوق العينية العقارية التي يحق لغير السوريين اكتسابها في أراضي الجمهورية العربية السورية. وقد أعاد هذا القانون من جديد تنظيم عملية تملك الأجانب للعقارات في سورية، فمنع في مادته الأولى إنشاء أي حق عيني عقاري أو تعديله أو نقله لاسم أو لمنفعة أي شخص غير سوري، طبيعياً كان أو اعتبارياً باستثناء ما إذا كان التملك بقصد السكن، وعلى ألا تقل مساحة العقار، المراد تملكه، عن مئتي متر مربع، إضافة إلى وجوب توافر شروط أخرى أتى على ذكرها هذا القانون والقرارات المتضمنة تعليماته التنفيذية. هذا إضافة إلى قيود أخرى تتعلق بتملك الأشخاص الاعتبارية، وبتملك الأراضي الزراعية، وبتملك العقارات الكائنة في مناطق الحدود، وغير ذلك من القيود المتعلقة بحرية التملك.

2- القيود الواردة على سلطات المالك:

وهي قيود ترد على سلطة المالك في استعمال حقه، أو في استغلاله، أو التصرف فيه، وهي على نوعين: قيود قانونية مقررة بنص القانون، وقيود إرادية تفرضها الإرادة.

أ - القيود القانونية: وهي قيود أقرها المشرع إما حماية للمصالح العامة عندما تتعارض مع المصالح الخاصة - حيث إن الضرر الخاص يتحمل في سبيل دفع الضرر العام - وإما رعاية لمصلحة خاصة هي أولى بالرعاية من حق المالك عند التعارض بينهما، وإلى هذا أشارت المادة 773 من القانون المدني، حين ذكرت أن «على المالك أن يراعي في استعمال حقه ما تقضي به القوانين والمراسيم والقرارات المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة»، وكذلك ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري، وهو أصل للقانون المدني السوري أنه «حيث يتعارض حق الملكية مع مصلحة عامة، فالمصلحة العامة هي التي تقدم، فما ينبغي أن تقف الملكية حجر عثرة في سبيل تحقيق المصلحة العامة، ولا يدخل هذا في وظيفتها الاجتماعية». ومن أمثلة القيود القانونية المسافات الواجب احترامها والشروط المتعلقة بالمحال الصناعية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة، وقد أشارت إليها المادة 777 من القانون المدني بقولها إن «المصانع والآبار والآلات البخارية، وجميع المحال المضرة بالجيران يجب أن تنشأ على المسافات المبينة في القوانين والأنظمة والقرارات الإدارية، وبالشروط التي تفرضها»، وكذلك القيود المتمثلة بالواجب المفروض على المالك في ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك جاره (م 776 ق م)، وأن يكون استعماله لحقه مشروعاً وإلا كان مسؤولاً عن الأضرار التي قد تصيب الغير (ر: نظرية التعسف في استعمال الحق المنصوص عنها في المادة الخامسة من القانون المدني)، إلى غير ذلك من القيود المتعددة التي وردت في نصوص متفرقة.    

ب - القيود الإرادية: وهي قيود تتمثل بشرط المنع من التصرف، وهو الشرط الذي يدرج في عقد أو في وصية، فيمنع المالك من التصرف في مال معين من أمواله، كما لو اشترط الواهب في عقد الهبة، مثلاً، عدم تصرف الموهوب له في المال الموهوب حتى يبلغ سناً معينة. وقد أقر المشرع صحة شرط المنع من التصرف ولكن ضمن قيود معينة بيّنتها المادة 778 من القانون المدني عندما نصت على أن: «1- إذا تضمن العقد أو الوصية شرطاً يقضي بمنع التصرف في مال، فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبنياً على باعث مشروع، ومقصوراً على مدة معقولة 2- ويكون الباعث مشروعاً، متى كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف، أو للمتصرف إليه، أو الغير 3- والمدة المعقولة يجوز أن تستغرق مدى حياة المتصرف، أو للمتصرف إليه، أو الغير».

مراجع للاستزادة:

- عبد الجواد السرميني وعبد السلام الترمانيني، القانون المدني - الحقوق العينية - الجزء الأول (في الحقوق العينية الأصلية)، (منشورات جامعة حلب 1986).

- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء 9 ( أسباب كسب الملكية)، (دار إحياء التراث العربي، بيروت 1986).

- عبد المنعم فرج الصده، الحقوق العينية الأصلية (دراسة في القانون اللبناني والقانون المصري)، (دار النهضة العربية، بيروت 1982).

- محمد وحيد الدين سوار، حق الملكية في ذاته في القانون المدني الأردني (مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان 1993).

- محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني - الحقوق العينية الأصلية - الطبعة السابعة (منشورات جامعة دمشق، 1996- 1997).

 


- التصنيف : القانون الخاص - النوع : القانون الخاص - المجلد : المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية - رقم الصفحة ضمن المجلد : 220 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق