حق الإجارتين والإجارة الطويلة
حق إجارتين وإجارة طويلة
-
حق الإجارتين والإجارة الطويلة
ياسر عياش
الموازنة بين أحكام الإجارة الطويلة وأحكام الإجارتين
قد يضطر مالك الأرض - تحت ضغط الظروف الاقتصادية أو لاعتبارات أخرى - أن يتخلى عن حق الاستفادة من أرضه لغيره على أن يبني هذا الغير ما شاء من أبنية أو يغرس ما شاء من الأغراس، فيبقى البناء أو الأغراس ملكاً للباني أو الغارس على الدوام وتبقى رقبة الأرض لمالكها، على أن يدفع مالك البناء أو الأغراس إلى مالك الأرض مبلغاً معيناً أجرة أرضه. ويسمى الحق الذي يكسبه صاحب البناء أو الأغراس حق السطحية.
وحق السطحية يختلف عن حق التعلي، لأن حق السطحية هو حق ملكية مسـتقل عن حق ملكية الأرض، في حين أن حق التعلي هو من الحقوق المتعلقة بالأجزاء المشتركة الشائعة شيوعاً جبرياً في ملكية الطبقات. وهذا ما جاء في قرار محكمة النقض السورية بقولها «إن لفظ الأرض لا يدخل في مدلول معنى السطح، لا لغة ولا اصطلاحاً، وأن حق السطحية هو الحق الذي يترتب لبناء أو غراس مرتكز على سـطح الأرض، لا على سطح البناء لتعذر وجود الغراس على سطح الأبنية». وجاء في قرار آخر لها: «إن إعطاء الحق لعقار بالتعلية على عقار آخر هو من الحقوق المتعلقة بملكية الطبقات، ولا شأن له بحق السطحية الذي هو حق المالك في أبنية أو منشآت أو أغراس قائمة على أرض هي لشـخص آخر».
وإذا كانت الأرض موقوفة وتبين للمتولي أن غلة الوقف لا تكفي لاستغلالها بالبناء عليها أو بغرسها، ورأى أن مصلحة الوقف تستوجب إنشاء حق عيني عليها، بالتخلي عن استغلالها بالبناء أو الغراس لغيره على الدوام، جاز له أن يتعاقد مع الغير بهذا الشأن بعد صدور إذن القاضي الشرعي به، وبذلك تبقى رقبة الأرض موقوفة، وتكون الأغراس كما يكون البناء ملكاً لمن غرس أو بنى.
والأرض الموقوفة إما أن تكون ملكاً لوقوعها ضمن حدود الأماكن المبنية، وإما أن تكون أميرية لوقوعها خارج حدود الأماكن المبنية. فإذا وقع حق السطحية المار ذكره على الأرض الموقوفة الملك سمي الحق الذي يكسبه الباني أو الغارس حق «الإجارة الطويلة» أما إذا كانت الأرض الموقوفة أميرية فعندئذ يسمى الحق الذي يكسبه الباني أو الغارس حق «الإجارتين».
وليست الحقوق العينية التي يجوز إنشاؤها على العقارات الموقوفـة مقصورة على الإجارتين والإجارة الطويلة، وإنما هناك حقوق أخرى متعددة تفنن الأفراد في ابتداعها تفنناً كبيراً للتخلص من أحكام الوقف الصارمة التي تأبى التصرف في المال الموقوف، وتسمى هذه الحقوق جملة «حقوق القرار» وهذه الحقوق هي: المُرْصَد - الحِكْر - الكَدِكْ - القميص - القيمة - مَشَدّ المَسَكَة - الغراس.
وقد ظهر بالتجربة أن نظام السطحية، سواء أكان منشأ على أرض ملك أو أميرية أم كان منشأ على أرض موقوفة، وسواء أكان بعقد إجارة طويلة أم بعقد إجارتين أم بأي عقد آخر من العقود سالفة الذكر، هو نظام فاسد لوجود ملكيتين في عقار واحد بصورة لا يضمن معها أحد المالكين حقه في الاستفادة من ملكه لوجود حق الآخر، فتُعطَّل بذلك وسائل تحسين العقار، بسبب عدم اطمئنان مالك البناء أو الأغراس إلى استقرار حقه لوجود هذا الحق على أرض الغير. كما أن صاحب الأرض لا يستطيع أن يقوم بأي عمل في أرضه لوجود حق السطحية عليها.
وعلى هذا اتخذ المشرع السوري تدبيراً حاسماً بشأن هذه الحقوق عندما نص في المادة 31 من القرار ذي الرقم 3339 الصادر عن المفوض السامي بتاريخ 12/11/1930 المتضمن قانون الملكية العقارية على منع إنشاء حق السطحية، كما تأيد هذا المنع في المادة 997 من القانون المدني السوري بقولها: (يظل ممنوعاً إنشاء حق سطحية جديد).
وقد أقر المشرع السوري أيضاً هذا التدبير نفسه في الحقوق العينية التي تنشأ على العقارات الموقوفة وفقاً لما هو وارد في المادة 21 من القانون رقم 163 تاريخ 27/9/1958 التي نصت على أنه: «يحظر إنشاء أي حق عيني على العقارات الوقفية تحت طائلة البطلان». ويعتبر هذا النص مقيداً لخاتمة الفقرة الثالثة من المادة 998 من القانون المدني السوري التي تنص على جواز إجراء الإجارتين والمقاطعة على العقارات الموقوفة.
وذهب المشرع السوري إلى مدى أوسع في الحقوق العينية المنشأة على العقارات الموقوفة فقضى باستبدالها بموجب القانون رقم 163 المشار إليه، فنص على أن تستبدل العقارات الوقفية المقرر عليها حق من حقوق القــرار ذات الإجارة الطويلة والإجارتين والمرصد والحكر والكَدِك والقميص ومَشَدّ المَسَكَة والقيمة بأنواعها، ونص على أن كل من له حق التصرف بعقار من العقارات المذكورة أن يستبدل تلك العقارات نقداً.
إلا أن القانون رقم 189 تاريخ 13/6/1960 المعدل للقانون رقم 163 سالف الذكر قد استثنى في مادته الأولى من تلك العقارات عقارات أصحاب التصرف المسجل نوعها وقفاً لأحد السلاطين أو الأمراء العثمانيين التي تحوّل حق الوقف فيها إلى عوائد سنوية تستوفيها جهة الوقف من وزارة الخزانة. وقد ذكر فيه أن تعيين هذه العقارات التي لا تستحق جهة الوقف عنها شيئاً من الأجور السنوية أو الاستبدال أو الاستملاك يكون بقرار يصدر عن وزير الأوقاف.
وبتاريخ 29/6/1960 صدر القرار رقم 97 الذي عدَ العقارات العائدة لوقفي السلطانين سليم وسليمان من أوقاف السلاطين العثمانيين وتطبق بحقهما المادة الأولى من القانون رقم 189 لعام 1960.
وتقوم وزارة الأوقاف بالطلب من أصحاب حقوق القرار تقديم معاملة الاستبدال خلال عشرة أيام من تاريخ تبليغهم، فإذا لم يتقدم أصحاب حقوق القرار بطلب الاستبدال خلال هذه المدة أو كان بعضهم مجهول الإقامة فيحق لدائرة الأوقاف أن تجري ذلك بمعرفتها وفي هذه الحال يطلب من القاضي الشرعي تعيين الخبير الممثل لصاحب حق التصرف.
وبذلك يكون المشرع قد أقر قاعدة عامة لتصفية حق الوقف القائم على الأرض بصورة يتملك معها صاحب البناء أو الأغراس الأرض تبعاً لما يملكه من بناء أو غراس بمقابل أن يدفع إلى وزارة الأوقاف نسبة مئوية من كامل قيمة العقار أرضاً وبناءً وغراساً. وتختلف هذه النسبة بين ثمانية بالمئة إلى خمس وخمسين بالمئة بحسب نوع الحق العيني المنشأ على العقار الموقوف.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الخطوة التشـريعية الحميدة بالقانون رقم 163 تنطوي على فائدة محققة لا للوقف فحسب بل لأصحاب الحقوق العينية المنشأة على عقاراتهم وللاقتصاد القومي بوجه عام.
ومن ثم، ووفقاً لما سبق بيانه، فإن النصوص القانونية الواردة في القانون المدني السوري في المواد 1004-1016 بشأن الإجارتين وفي المواد 1017-1027 بشأن الإجارة الطويلة، قد أصبحت غير معمول بها ولم تعد نافذة بعد تاريخ نشر القانون 163 سالف الذكر بالجريدة الرسمية. بعد أن ألغى هذا القانون الأحكام المغايرة له في المادة 24 منه باستثناء معاملات الاستبدال المنظمة وفق أحكام القرار رقم 80 تاريخ 29/1/1929 والتي جرى الكشف عليها ونظم الخبراء تقريرهم بها.
أولاً- عقد الإجارتين:
عقد الإجارتين على ما يبدو لا وجود له في كتب الفقه الإسلامي، ويظهر أنه نظام أوجدته الدولة العثمانية بعد سنة 1020 للهجرة على أثر الحرائق التي شملت أكثر عقارات الأوقاف في القسطنطينية، فعجزت غلاتها عن تجديدها مما أدى إلى تشويه منظر البلاد، فابتكرت طريقة الإجارتين تشجيعاً على استئجار هذه العقارات لتعميرها اقتباساً من طريقة التحكير في الأراضي.
1- تعريفه:
عرفه مصطفى أحمد الزرقا بأنه: «عقد إجارة مديدة بإذن القاضي الشرعي على عقار الوقف المتوهن الذي يعجز الوقف عن إعادته إلى حالته من العمران السابق، بأجرة معجلة تقارب قيمته تؤخذ لتعميره، وأجرة مؤجلة ضئيلة يتجدد العقد عليها، تدفع كل سنة، وذلك كمخرج من عدم جواز بيع الوقف، ولا إجارته مدة طويلة، ومن هنا سميت بالإجارتين».
وقد عرفته الفقرة الأولى من المادة 1013 من القانون المدني المصري بنصها: «عقد الإجارتين هو أن يحكر الوقف أرضاً عليها بناء في حاجة إلى الإصلاح مقابل مبلغ منجز من المال مساو لقيمة هذا البناء وأجرة سنوية للأرض مساوية لأجر المثل».
أما المادة 1004 من القانون المدني السوري فقد عرفته بما يتفق مع المادة 180 من قانون الملكية العقارية ذي الرقم 3339 لعام 1930 والنافذ في لبنان بقولها: «الإجارتين عقد يكتسب بموجبه شخص ما، بصورة دائمة، حق اسـتعمال عقار موقوف واستغلاله، مقابل تأدية ثمنه. ويُقَوّم هذا الثمن بمبلـغ معين من المال يعتبر كبدل إيجار معجل معادل لقيمة الحـق المتفرغ عنه، ويضاف إلى ذلك المبلغ مرتب دائم بمبلغ 3 بالألف من قيمة العقار حسبما تحدد القيمة المذكورة بالتخمين المالي المتخذ أساساً لجباية الضريبة العقارية».
والملاحظ من التعريفات سالفة الذكر أن حق الإجارتين إنما هو حق عيني يمكّن صاحبه من استعمال العقار الموقوف واستغلاله مقابل مبلغ مساوٍ لقيمة الأرض وأجرة سنوية مساوية لأجر المثل. وتطلق عبارة الإجارتين على العقد المولد للحق وعلى الحق نفسه. ولعل السبب في تسميته «الإجارتين» أنه اعتبر ما يدفعه المنتفع أولاً أجرة، وما يدفعه ثانياً كل سنة أجرة أيضاً. وعلى ذلك كان الأولى تسميته عقد الأجرتين لا الإجارتين.
وقد نصت المادة 1006 من القانون المدني السوري على أنه: «يجب الحصول مسبقاً على إجازة من القاضي قبل عقد الإجارتين». وعليه يتوجب على صاحب العلاقة أن يحصل على موافقة القاضي قبل إقرار العقد لا بعده. والإجازة اللاحقة لا تقوم مقام الإجازة المنصوص عنها في هذه المادة مادام المشرع اشترط تسبيق الموافقة. وعقد الإجارتين هو عقد شكلي لا ينعقد إلا بتوثيق رسمي، ولكونه حقاً عينياً عقارياً أصلياً فإنه لا ينشأ بين المتعاقدين أو تجاه الغير إلا إذا سجل وفق ما يقضي به قانون السجل العقاري.
2- تمييز حق الإجارتين عن الحقوق المتشابهة:
يفترق حق الإجارتين - شأنه في ذلك شأن الإجارة الطويلة - عن حق الانتفاع من جهة وعن حق المستأجر العادي من جهة ثانية.
فهو يفترق عن حق الانتفاع، من حيث أن هذا الحق هو حق مؤقت، ينتهي بانقضاء أجلـــه أو بموت المنتفع. في حين أن حق الإجارتين هو حق انتفاع دائم.
ويفترق عن حق المستأجر، من حيث أن هذا الحق هو حق شخصي، يخول صاحبه مطالبة المؤجر بتمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة، في حين أن حق الإجارتين هو حق عيني، يخول صاحبه سلطة مباشرة على العين الموقوفة.
وعقد الإجارتين يشبه الحكر في كونه يخول حقاً عينياً يجوز بمقتضاه للمستأجر أن يتصرف في حقه بمقابل أو بغير مقابل، وينتقل إلى ورثته، وفي أن الأجرة تزيد وتنقص على حسب الزمان والمكان.
ويختلفان في الوجوه الآتية: إن محل عقد الإجارتين عقار مبني دائماً، أما الحكر فيكون محله عقاراً مبنياً أو أرضاً زراعية. إضافة إلى أن المستأجر يدفع في عقد الإجارتين مبلغاً منجزاً من المال مساوياً لقيمة البناء، وكذلك يدفع أجرة سنوية للأرض مساوية لأجرة المثل، أما في الحكر فيدفع المحتكر أجرة المثل فقط. وإضافة إلى ذلك كله فإن مصدر حق الحكر مأخوذ من الشريعة الإسلامية في حين أن حق الإجارتين مستمد من القوانين الوضعية.
3- حقوق صاحب الإجارتين: يتمتع صاحب الإجارتين بالحقوق الآتية:
أ - حق استعمال العقار: نصت الفقرة الأولى من المادة 1007 على أنه: «لصاحب الإجارتين الحق في استعمال العقار واستغلاله كمالك حقيقي» وبذلك يكون لصاحب الإجارتين الحق في استعمال العقار، أي استخدامه في الوجوه المعد لها والتي تتفق مع طبيعته، كسـكنى الدار أو زراعة الأرض.
ب - حق استغلال العقار: لصاحب الإجارتين الحق في استغلال العقار والانتفاع بجميع ما يغله من ثمار ومنتجات كما له الحق في كل ما يتحد بالعقار سواء أكان الاتحاد طبيعياً أم اصطناعياً. وهذا ما أكدته المادة 1009 من القانون المدني السوري إذ نصت على أنه: »يشمل حق الإجارتين كل ما يغله العقار وكل ما يتحد به عرضاً سواء أكان الاتحاد طبيعياً أو اصطناعياً».
ج - حق التصرف في العقار: إن حق الإجارتين قابل للتصرف والانتقال. فصاحب الإجارتين له أن يستغله بنفسه أو أن يؤجره، وأن يتصرف بحقه بمطلق الحرية، وله أن يتفرغ عنه بعوض أو بدون عوض وأن يرهنه وأن يجري تأميناً عليه وأن يفرض عليه جميع الحقوق العينية كالانتفاع مثلاً وفق ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 1007 من القانون المدني السوري.
وحق الإجارتين قابل للانتقال بالإرث أو بالوصية ويخضع في ذلك لأحكام قانون الانتقال المطبقة على العقارات الأميرية عملاً بأحكام المادة 1008 من القانون المدني السوري التي جاء فيها: «إن حق الإجارتين قابل للانتقال بالإرث أو بالوصية وفقاً للأحكام المطبقة على العقارات الأميرية».
د- حق إحداث الأبنية والغراس: لصاحب الإجارتين الحق في إحداث ما شاء من الأبنية والغراس في العقار بشرط حصوله على إذن مسبق من متولي الوقف (وزارة الأوقاف اليوم) وفق ما نصت عليه المادة 1010 من القانون المدني السوري: «لصاحب حق الإجارتين أن يغرس في العقار، بإذن من متولي الوقف، ما شاء من الأغراس وأن ينشئ فيه ما يشاء من البناء بشرط أن يراعي النصوص المتعلقة بالضابطة والطرقات والتوسع والتخطيط».
ولكن إذا بنى صاحب الإجارتين أو غرس أغراساً بلا إذن مسبق من متولي الوقف فيعتبر صاحب الإجارتين بحكم الباني أو الغارس على أرض الغير، وتطبق على هذه الأبنية والأغراس أحكام الالتصاق كما هي موضحة في المواد 888 وما يليها من القانون المدنـي وذلك حسب نص المادة 1012 من القانون المدني السوري.
هـ - حق إجراء حفريات في العقار واستخراج مواد البناء منها: حسب نص المادة 1011 من القانون المدني السوري، فإن لصاحب حق الإجارتين أن يجري في العقار حفريات إلى أي عمق شاء وله - بشرط الاحتفاظ بأحكام القوانين والقرارات المتعلقة بالمناجم والمقالع والآثار القديمة وبأنظمة الضابطة والطرقات - أن يستخرج من هذه الحفريات ما يشاء من مواد البناء دون سائر المواد الأخرى.
4- التزامات صاحب الإجارتين:
يترتب على صاحب الإجارتين الالتزامات الآتية:
أ - تأدية المرتب السنوي: إذ نصت المادة 1014 من القانون المدني السوري: «1- يتوجب على صاحب حق الإجارتين أن يؤدي المرتب الدائم 2- فإذا لم يدفعه أو لم يدفع التعويضات وسائر النفقات الأخرى المتوجبة يجوز نزع ملكيته بالطرق القانونية».
وقد ذكرت المادة 1004 من القانون المدني أن المرتب الدائم ثلاثة بالإلف من قيمة العقار حسبما تحدد القيمة المذكورة بالتخمين المتخذ أساساً لجباية الضريبة العقارية. إلا أن المادة 16 من القانون 163 تاريخ 27/9/1958 حددت الأجرة السنوية اعتباراً من أول تموز 1958 بنسبة مئوية تعادل 12.5% من كامل أجرة العقار المحددة في قانون الإيجارات على أساس القيمة المخمنة للعقار التي تتخذ أساساً لاستيفاء الضريبة العقارية أو على أساس الأجرة المحددة قضائياً. مع العلم أن الأرض الزراعية تعتبر بحكم أماكن التجارة من حيث النسبة المحددة في قانون الإيجارات.
ب - وجوب صيانة العقار ودفع الضرائب والرسوم: فقد نصت المادة 1013 من القانون المدني السوري على: «1- أن صاحب حق الإجارتين مسؤول عن النقص الذي يحصل بسببه في قيمة العقار 2- ويترتب عليه نفقات صيانة العقار وما يلحقه من الضرائب والرسوم 3- ولا يحق له المطالبة بالنفقات التي يدفعها ولا بقيمة التحسين الذي يحدثه فيه» وذلك تحت طائلة نزع ملكيته بالطرق القانونية عملاً بصراحة الفقرة الثانية من المادة 1014 من القانون المدني السوري.
5- زوال حق الإجارتين:
يزول حق الإجارتين - على الرغم من كونه في الأصل حقاً دائماً - بالأسباب الآتية:
أ - الاندغام: يزول حق الإجارتين باندغامه مع ملكية العقار، فيما إذا أقدم صاحب الإجارتين على شراء هذه الملكية مقابل بدل معادل لقيمة ثلاثين قسطاً سنوياً. إذ نصت المادة 1005 من القانون المدني السوري على أنه: «لصاحب حق الإجارتين أن يشتري في أي وقت ملكية العقار المجردة مقابل بدل معادل لقيمة 30 قسطاً سنوياً».
وبصدور القانون رقم 163 لعام 1958 المتعلق باستبدال حقوق الإجارتين، إن كان بطلب من صاحب الحق أو بطلب من وزارة الأوقاف وفق أحكام هذا القانون، فإنه لم يعد لصاحب حق الإجارتين أي حق في شراء ملكية العقار اعتباراً من تاريخ نفاذه. وهذا بالطبع لا يؤثر في الحالات التي تم بها شراء ملكية العقار استناداً إلى هذا النص قبل ذلك وتسجيل هذا الشراء أصولاً. وذلك طبعاً بعد أن تتم معاملة استبداله عملاً بأحكام المادة 15 من القانون رقم 163 لعام 1958 التي حظرت، تحت طائلة بطلان المعاملات ومسؤولية الموظفين المسلكية، إجراء أي معاملة عقارية لدى دوائر السجل العقاري على حقوق القرار، ما لم يستبدل الحق العيني العائد للوقف وفقاً لأحكام هذا القانون.
ب - إخلال صاحب الإجارتين بالتزامه بدفع المرتب السنوي: يتوجب على صاحب حق الإجارتين عملاً بأحكام المادة 1014 من القانون المدني السوري أن يؤدي المرتب الدائم، فإذا لم يدفعه، أو لم يدفع التعويضات وسائر النفقات الأخرى المتوجبة، يجوز نزع ملكيته بالطرق القانونية.
ج - وفاة صاحب الإجارتين من دون وارث: نصت الفقرة الأولى من المادة 1015 من القانون المدني السوري على أنه: «يبقى حق الإجارتين على الوقف في حالة انقراض ورثة صاحب الحق المذكور إلا أنه يعود إلى الوقف».
د - عدم الاستعمال: يزول حق الإجارتين فيما إذا أهمل صاحب الإجارتين استعمال حقه مدة عشر سنوات، وفق ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 1015 من القانون المدني السوري.
ومما تجدر الإشارة إليه أن حق الإجارتين لا ينقضي بتلف الأبنية أو الغراس ولو كان تلفاً تاماً بل يبقى جارياً على الأرض. وأنه تطبق الأحكام المتعلقة بالشيوع والقسمة على حقوق الإجارتين عملاً بأحكام المادة 1016 من القانون المدني السوري.
هـ - استبدال العقار الموقوف المثقل بحق الإجارتين: إن العقارات الوقفية المثقلة بحق الإجارتين يمكن استبدالها بالنقد، وذلك بتأدية بدل معادل لنسبة مئوية قدرها اثنا عشر ونصف بالمئة من كامل قيمة العقار أرضاً وبناءً وغراساً، حسب القانون رقم 163 بتاريخ 27/9/1958. وتقدر هذه القيمة من قبل ثلاثة خبراء يعينون من أصحاب الاختصاص في تقدير قيمة الأملاك. فالأول يعينه ممثل إدارة الأوقاف من قائمة يقررها مجلس الأوقاف المحلي في كل سنة شمسية، ولو كان العقار يعود لأكثر من وقف واحد. والثاني يعينه القاضي الشرعي من أصل قائمة خبراء للأملاك المقررة من وزارة العدل. والثالث يعينه صاحب حق التصرف من قبل وزارة العدل، وإذا تعدد أصحاب التصرف فيكون لخبرائهم صوت واحد. والقيمة التي يقدرها الخبراء باتفاق الآراء تكون قطعية وغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن أو المراجعة. أما في حال صدور تقرير الخبراء بأكثرية الآراء فيكون لكل من ممثل إدارة الأوقاف وصاحب حق القرار الاعتراض على التقرير المذكور خلال عشرة أيام من تاريخ تبليغهم تقرير الخبراء، ويكون ذلك أمام اللجنة الاستئنافية التي تتألف من خمسة خبراء اختصاصيين في تقدير الأملاك من قائمة الخبراء المقررة من وزارة العدل، إذ يختار الأول صاحب حق القرار ويختار الثاني ممثل إدارة الأوقاف والثالث يختاره القاضي الشرعي ويختار الرابع والخامس مجلس الأوقاف. وتصدر اللجنة تقريرها بالإجماع أو بالأكثرية بشكل قطعي ملزم للطرفين.
ثانياً- إجارة الطويلة (المقاطعة):
لقد استعمل مشرع القانون المدني التسميتين، ويلاحظ أن تسمية المقاطعة أدق، لأن تسمية الإجارة الطويلة ليست مانعة لأنها تصدق على الإيجارات المعقودة لمدة طويلة وعلى الإجارتين.
1 - تعريفه:
عرفه مصطفى أحمد الزرقا بأنه: حق قرار مرتب على الأرض الموقوفة بإجارة مديدة تعقد بإذن القاضي يدفع فيها المسـتحكر لجانب الوقف مبلغاً معجلاً يقارب قيمة الأرض، ويرتب عليه مبلغ آخر ضئيل يستوفى سنوياً لجهة الوقف من المستحكر أو ممن ينتقل إليه هذا الحق، على أن يكون للمستحكر حق الغراس والبناء وسائر وجوه الانتفاع.
وقد عرفته المـادة 193 من قانون الملكية العقارية الصـادر بالقـرار 3339 لعام 1930 والنافذ في لبنان بقولها: «الإجارة الطويلة حق يكتسب به صاحبه مقابل بدل معين، حق إحداث ما شاء من الأبنية وغرس ما شاء من الغراس في عقار موقوف ويمكنه عدا ذلك أن يحرز ملكية هذه الأبنية والأغراس ملكية مانعة ضمن الشروط المعينة في المادة 196».
أما المادة 1017 من القانون المدني السوري فقد عرفته بقولها: «1- الإجارة الطويلة عقد يكتسب به صاحبه، مقابل بدل معين، حق إحداث ما شاء من الأبنية وغرس ما شاء من الأغراس في عقار موقوف 2- ويمكنه أيضاً أن يكتسب ملكية هذه الأبنية والغراس ضمن الشروط المعينة في المادة 1020».
من خلال ما سبق بيانه يتضح أن حق الإجارة الطويلة إنما هو حق عيني يمكّن صاحبه من إحداث ما شاء من الأبنية وغرس ما شاء من الأغراس في عقار موقوف مقابل بدل معين، وهذا البدل يكون مبلغاً معيناً من المال موازياً لقيمة الحـق المتفرغ عنه، يضاف إليه مرتب سنوي دائم بمعدل اثنين ونصف بالألف من قيمة العقار كما هي محددة في التخمين المتخذ أساساً لجباية الضريبة العقارية عملاً بأحكام الفقرة الأولى من المادة 1019 من القانون المدني السوري.
وإعمالاً لنص المادة 1018 من القانون المدني السوري فإنه لا يرخص بعقد الإجارة الطويلة إلا بالمقاطعة (أي بالبدل السنوي المقطوع) دون أي عقد سواها. وأنه لا بد لصحة عقد المقاطعة من الحصول على إذن مسبق من القاضي عملاً بأحكام المادة 1021 من القانون المدني السوري. وتطبق الأحكام المتعلقة بالشيوع والقسمة على حقوق الإجارة الطويلة (المقاطعة) على ما نصت عليه المادة 1027 من القانون المدني السوري.
ويلاحظ أنه منذ صدور القانون رقم 163 تاريخ 27/9/1958 لم يعد من الجائز عقد الإجارة الطويلة على العقارات الموقوفة، لأن المادة 21 منه حظرت إنشاء أي حق عيني على العقارات الوقفية تحت طائلة البطلان.
وبمقتضى المادة 16 من القانون المذكور عدلت الأجرة السنوية التي كانت اثنين ونصف بالألف من قيمة العقار لتصبح اعتباراً من أول تموز 1958 نسبة مئوية تعادل ثمانية بالمائة من كامل أجرة العقار المحدد في قانون الإيجارات على أساس القيمة المخمنة للعقار التي تتخذ أساساً لاستيفاء الضريبة العقارية أو على أساس الأجرة المحددة قضائياً.
2- حقوق صاحب الإجارة الطويلة:
يعتبر صاحب الإجارة الطويلة مالكاً لكل الأبنية المشيدة ولكل الأغراس المغروسة في العقار الموقوف، فيستعملها ويستغلها ويتصرف بها كيفما شاء تصرف المالك بملكه على ما قضت به صراحة المادة 1022 من القانون المدني السوري وله في سبيل ذلك:
أ - حق استعمال الأبنية والأغراس كسكنى الدار أو الاحتطاب من الأشجار.
ب - حق استغلالها والانتفاع بجميع ما تغله من ثمار ومنتجات.
ج - حق التصرف بها بملء الحرية، كالتفرغ عنها ببدل أو من دون بدل، ورهنها أو إجراء تأمين عليها ووقفها أو فرض أي حق عيني آخر عليها، كالانتفاع أو الارتفاق ضمن حدود حقه.
د - وله حق بناء ما شاء من الأبنية وغرس ما شاء من الأغراس من دون الحصول على إذن مسبق من وزارة الأوقاف (المتولي سابقاً) وتعتبر هذه الأبنية والغراس ملكاً خالصاً له وتبقى كذلك حتى بعد سقوط وزوال حق الإجارة الطويلة. وتعدّ الأراضي الموقوفة ملحقة بالأبنية المشيدة عليها وبالأغراس المغروسة فيها داخلة من ثم في التفرغ الواقع على الأبنية والغراس ما لم يكن هناك اتفاق على خلاف ذلك، حسب ما جاء في المادة 1023 من القانون المدني السوري.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه بعد صدور القانون رقم 163 لعام 1958 أصبح صاحب حق المقاطعة مقيداً بتنفيذه للأحكام الواردة في هذا القانون بشأن استبدال حق المقاطعة وفقاً لأحكامه. لأن ملكيته للعقار معلقة على تحديد بدل الاستبدال وتأديته لجهة الوقف، لكون المشرع بموجب أحكام المادة 15 من هذا القانون حظر إجراء أي معاملة عقارية على مثل هذه العقارات قبل استبدالها تحت طائلة البطلان. فتفرُغ صاحب المقاطعة عنها أو رهنها أو إجراء أي تامين عليها أو فرض أي حق عيني آخر لا يصح قبل استبدالها وتحريرها من رقبة الوقف.
3- التزامات صاحب الإجارة الطويلة:
يترتب على صاحب الإجارة الطويلة الالتزامات الآتية:
آ - تأدية مرتب دائم: يترتب على صاحب الإجارة الطويلة تأدية المرتب السنوي، تحت طائلة سقوط حقه إذا استمر على عدم دفع المرتب مدة ثلاث سنوات عملاً بأحكام المادة 1025 من القانون المدني السوري.
ب - تجديد الأبنية والأغراس: على صاحب الإجارة الطويلة إذا زالت الأبنية أو الأغراس لأي سبب من الأسباب أن يجددها وإلا فهو مهدد بسقوط حقه بعد إنذار موجه إليه من متولي الوقف، ولا يكون السقوط حكمياً، بل لا بد من اللجوء إلى القضاء واستصدار حكم بذلك إعمالاً لصراحة المادة 1025 من القانون المدني السوري.
وقد اجتهدت محكمة النقض السورية في قرارها ذي الرقم 489 تاريخ 12/6/1961 بقولها: «إن مجرد تخلف المحتكر عن دفع المرتب مدة ثلاث سنوات لا يؤدي إلى سقوط الحق، إذ تتوقف حالة السقوط على حصول التنبيه الرسمي بالوفاء، وأن النص الوارد في المادة 1025 من القانون المدني السوري والقاضي بوجوب الإنذار من أجل تجديد الأبنية والغراس بعد زوالها قبل المطالبة بسقوط الحكر لا يفيد الخروج عن القواعد العامة المتعلقة بفسخ العقود أو انفساخها بل يرمي إلى وضع تشريع ينظم حالة لم يتناولها العقد الملزم للجانبين، وأن مجرد تخلف المحتكر عن أداء المرتب السنوي وإغفال تجديد الأبنية والأغراس والأشجار دون توجيه الإنذار من صاحب الرقبة لا يسقط حق المحتكر».
4- زوال حق الإجارة الطويلة (المقاطعة):
يزول حق الإجارة الطويلة بأحد الأسباب الآتية:
آ - الاندغام: يزول حق الإجارة الطويلة إذا اجتمع الحق مع ملكية العقار الموقوف في شخص واحد وفق ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 126 من القانون المدني السوري؛ كأن يشتري صاحب المقاطعة العقار الموقوف وفق ما نصت عليه المادة 1020 من القانون المدني السوري التي تنص على أنه «لصاحب حق المقاطعة أن يحوز بأي وقت، ملكية العقار مقابل بدل معادل لقيمة ثلاثين قسطاً سنوياً».
إلا أنه بعد صدور القانون رقم 163 لعام 1958 المتضمن استبدال حقوق القرار في العقارات الوقفية، فقد أصبح تملك صاحب حق المقاطعة ملكية العقار منوطاً بإنجاز معاملة الاستبدال بالنقد الذي يسـتحق دفعة واحدة خـلال 15 يوماً من تاريخ تبليغ تقرير الخبراء القطعي أو أقساطاً شهرية لمدة سنة قابلة للتمديد سنة أخرى مرة واحدة، إذا تحقق لمجلس الأوقاف المحلي عجز المدين مع استمرار جهة الوقف باستيفاء الأجور على أساس قيمة العقار المقدرة من قبل الخبراء بموجب هذا القانون وبالنسبة المحددة في قانون الإيجارات.
ب - إخلال صاحب الإجارة الطويلة بالتزامه بتجديد البناء: يسقط حق صاحب الإجارة الطويلة إذا زالت الأبنية أو الأغراس لأي سبب من الأسباب، ولم يبادر صاحب الإجارة الطويلة إلى تجديدها، على الرغم من الإنذار الموجه إليه من وزارة الأوقاف.
ج - امتناع صاحب الإجارة الطويلة عن دفع المرتب السنوي مدة ثلاث سنوات: إن حق صاحب الإجارة الطويلة لا يسقط حكماً بمجرد تخلف هذا الأخير عن دفع المرتب السنوي مدة ثلاث سنوات، بل لا بد من إنذاره عملاً بالمبادئ العامة في فسخ العقود، والتي جاءت على ذكرها المادة 158 من القانون المدني السـوري في فقرتها الأولى بقولها: «في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بإلزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذار المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتضى».
وقد قضت محكمة النقض السورية بقرارها رقم 82 تاريخ 5/2/1962: «إن سقوط الحق بالحكر بسبب عدم قيام صاحب الحق بالحكر بالتزاماته في إقامة الأبنية وتحسين العقارات المحكرة وعدم دفع المرتب السنوي، معلق على توجيه اعذار رسمي لصاحب الحق بالحكر يثبت امتناعه عن القيام بواجبه، ولا يقوم مقام الإنذار استدعاء الدعوى لان الدعوى التي يجوز اعتبارها قائمـة مقام الإنذار هي الدعــوى التي ترمي إلى تنفيذ العقد المنازع عليه».
وجاء في اجتهاد آخر برقم 346 تاريخ 14/6/1962: «1- إن إسقاط حق الحكر لتخلف صاحب الحق عن القيام بالتحسينات الواجبة بالعقار أو بجزء منها أو التخلف عن تجديدها أو لعدم دفع المرتبات السنوية مقيد بتوجيه الإنذار 2- إن إقامة الدعوى التي يصح اعتبارها قائمة مقام الإنـذار، هي تلك التي ترمي إلى المطالبة بتنفيـذ العقـد المنازع عليـه حتى إذا ما استمر المدين معارضاً في التنفيذ، اعتبر ناكلاً».
د - وفاة صاحب حق الإجارة الطويلة بدون وارث: يسقط حق الإجارة الطويلة في حالة انقراض الورثة ويعود العقار إلى الوقف عملاً بأحكام المادة 1026 من القانون المدني السوري، أما الأبنية والأغراس المحدثة فهي تعود إلى الدولة باعتبارها مالاً لا صاحب له حسبما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 262 من قانون الأحوال الشخصية التي تنص: «إذا لم يوجد أحد من هؤلاء آلت التركة أو ما بقي منها إلى الخزينة العامة».
هـ - الاستملاك للمنفعة العامة: إن نزع ملكية العقارات المحكورة، بما عليها من بناء أو أغراس، للمنفعة العامة بطريق الاستملاك يؤدي إلى فسخ عقد التحكير، ويسقط ما للمحتكر من حق البقاء والقرار، وينقل حقه إلى التعويض المحدد بدلاً للاستملاك.
ذلك لأن الشريعة الإسلامية تقضي بأنه إذا خرب البناء المحتكر أو جف شجره ولم يبق لهما أثر في أرض الوقـف ومضت مـدة الاحتكار، فإن الأرض تعود إلى جهة الوقف ولا يكون للمحتكر ولا لورثته حق البقاء وإعادة البناء. وبما أنه إذا لم يكن الانتفاع بالعين المؤجرة فإن العقد ينفسخ وتسقط عن المحتكر أجرة المدة الباقية، ومن ثم فإن نزع ملكية الأرض المحكورة هي وما عليها من بناء للمنفعة العامة يترتب عليه حتماً أن يفسخ عقد الاحتكار، ويسقط ما كان للمحتكر من حق البقاء والقرار، ولا يكون له إلا ثمن بنائه. أما الوقف فيكون له ثمن الأرض كله.
ومما تجدر الإشارة إليه أن استملاك عقارات الوقف قد صدر بالقانون رقم 272 تاريخ 6/6/1946 والمعدل بالقانون رقم 108 تاريخ 10/8/1958 وعمل به اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 108 لعام 1958. وأنه في تاريخ 16/1/1960 صدر القانون رقم 10 الذي قضى بعدم خضوع عقار الوقف للربع النظامي من الاستملاك.
ثالثاً- الموازنة بين أحكام الإجارة الطويلة وأحكام الإجارتين:
1- من حيث وعاء الحق:
إن حق الإجارة الطويلة مقصور على العقارات الملك، في حين أن حق الإجارتين مقصور على الأراضي الأميرية.
2- من حيث المرتب السنوي:
إن المرتب السنوي بحسب القانون رقم 163 لعام 1958 في الإجارة الطويلة هو ثمانية بالمئة من كامـل أجرة العقار. في حين أن هذا المرتب في الإجارتين هو اثنا عشر ونصف بالمئة. ولعل الفرق يرجع إلى أن الإجارة الطويلة تقـع على الأوقاف الزراعية أو المستغلات، في حين أن الإجارتين تقع على المسقفات، أي الأوقاف الواقعة ضمن المدن والمعدة للبناء.
3- من حيث مشتملات الحق:
إن وجود الأراضي الأميرية خارج المدن، حيث المقالع والمرامل، يقتضي أن يكون لصاحب الإجارتين الحق في استخراج المواد من الأرض. في حين أن وقوع العقارات الملك المثقلة بحق المقاطعة في المناطق المبنية يستتبع أن لا يكون لصاحب المقاطعة مثل هذا الحق.
4- من حيث حرية إحداث البناء والغراس:
إن صاحب حق المقاطعة هو مالك لكل الأبنية المشـيدة، ولكل الأغراس المغروسة في العقار الموقوف، فيستعملها ويستغلها ويتصرف بها بملء الحرية تصرف المالك. في حين أن صاحب الإجارتين إذا بنى أو غرس في الأرض الموقوفة من دون إذن وزارة الأوقاف، يعد بانياً أو غارساً سيئ النية في أرض الغير.
5- من حيث الالتزام بتجديد الأبنية والأغراس:
يتعين على صاحب الإجارة الطويلة إذا لم يبق أي أثر للأبنية أو الأغراس أن يجددها، وإلا فإن حقه يكون مهدداً بالسقوط. ولا إلزام من هذا النوع على عاتق صاحب الإجارتين، وإذا شاء هذا الأخير تجديدها فهو لا يستطيع ذلك إلا بإذن خاص من وزارة الأوقاف.
6- من حيث انتقال الحق:
بما أن الأغراس والبناء التي يحدثها صاحب المقاطعة تكون حقاً خالصاً له، لذلك فإنها تورث وفقاً للقواعد المطبقة على العقارات الملك عملاً بأحكام المادة 1024 من القانون المدني السوري، وهي القواعد الواردة في قانون الأحوال الشخصية. في حين أن حق الإجارتين، باعتباره يقع على أرض أميرية، يخضع لقانون انتقال الأموال غير المنقولة.
7- من حيث مآل الأبنية والأغراس عند انقضاء الحق:
إن الأبنية والأغراس التي يحدثها صاحب الإجارة الطويلة تعد ملكاً خالصاً له، في حين أن الأبنية والأغراس التي يحدثها صاحب الإجارتين تعد تابعة لحكم الوقف. وينبني على هذا الفرق أن حق الإجارة الطويلة إذا سقط عن صاحبه آلت الأبنية والأغراس التي أحدثها إلى الدولة، باعتبارها مالاً لا مستحق له، أما الأبنية والأغراس التي يحدثها صاحب الإجارتين فهي تؤول، عند سـقوط حق الإجارتين عن صاحبه إلى الوقف ذاته وفق ما نصت عليه المادة 106 من القانون المدني السوري.
وظاهر مما تقدم أن حق الإجارة الطويلة، عند سقوطه عن صاحبه، يعود إلى الوقف مستقلاً عن الأبنية والأغراس، في حين أن حق الإجارتين عند سقوطه عن صاحبه يعود إلى الوقف مقترناً بالأبنية والأغراس.
8- من حيث الاستبدال:
يجري استبدال العقار الموقوف المثقل بحق الإجارة الطويلة بإعطاء جهة الوقف بدلاً معادلاً لنسبة مئوية قدرها ثمانية بالمئة من كامل قيمة العقار. في حين أن استبدال العقار الموقوف المثقل بحق الإجارتين يجري بتأدية بدل معادل لنسبة مئوية قدرها اثنا عشر ونصف بالمئة من كامل قيمة العقار أرضاً وبناءً وغراساً.
إلى جانب حق الإجارتين وحق الإجارة الطويلة المترتبين على الوقف هناك حقوق عينية أخرى ورد النص بشـأنها في المادة الأولى من القانون رقم 163 لعام 1958 وهذه الحقوق هي:
1- المُرْصَد: (بضم الميم وسكون الراء وفتح ما بعدها)
ويكون عندما يحتاج عقار الوقـف إلى الترميم ولا يكون في غلة الوقف ما يكفي للقيام به، فيحق للمتولي بإذن من القاضي، أن يسمح للمستأجر بإجراء الترميم من ماله على أن تبقى هذه النفقات ديناً له على الوقف وعلى أن يبقى عقار الوقف في يده ما لم يسترد الدين. وبذلك يتفق هذا الحق مع حق الرهن في أن كلاً منهما من الحقوق التبعية التي تتبع الدين في وجوده وعدمه. ويختلفان من حيث أن المقصود من الرهن هو ضمان الدين في حين أن المقصود من حق المرصد هو إنشاء شبه حق قرار على الأرض ليستفيد صاحب حق المرصد منه فيكون المقصود هو هذه الفائدة لا ضمان الدين.
2- الكَدِك: (بفتح الكاف وكسر ما بعدها)
وهو لفظ تركي الأصل، يطلق على ما يضعه المستأجر في العقار الموقوف من أدوات ولوازم مستقرة أو غير مستقرة مما هو ضروري للانتفاع من العقار بحسب ما أُعد له كالرفوف والأغلاق المتعلقة بالمتاجر والكؤوس والفناجين وغيرهما مما يستعمل في المقاهي، وما يضعه مستأجر الحمام من مساطب وشراشف وغيرها من الأدوات اللازمة للانتفاع بالحمام. فهذه الزوائد المستقرة وغير المستقرة تعد جزءاً من المستغل الذي يقوم عليه العقار الموقوف. ويسمى الكدك «سكنى» في الحوانيت الصناعية والتجارية، كما يسمى «كردار» في الأراضي الزراعية.
3- الحِكْر: (بكسر حرف الحاء وسكون الكاف)
ويقال له المقاطعة وهو أجرة سنوية مقطوعة معينة تترتب على الأرض الموقوفة، يدفعها المستحكر سنوياً إلى جهة الوقف المتصرف بما عليها، على أن يكون للمستحكر الحق ببناء ما يشاء من أبنية أو يغرس ما يشاء من أغراس، فيكون بناء العقار أو الغراس مملوكاً لمن بناه أو غرسه، وأرضه موقوفة، وهي تابعة بطريق الإيجار لصاحب البناء أو الغراس، تنتقل مع بناء العقار أو الغراس من مالك إلى مالك آخر بإذن المتولي، ولا تعود للوقف إلا بموت صاحبها بلا وارث، ويلزم صاحب العقار أو الغراس ببدل أجر المثل عنها سنوياً.
والحكمة التي من أجلها أجيز هذا العقد هي أن العين التي يقرر عليها الحكر تكون في حالة لا ينتفع بها، حتى أنه لا يوجد من يستبدل بها غيرها. ولهذا السبب أباحت الشريعة الإسلامية للقاضي تحكيرها إذا توافرت الشروط التي أوجبتها الشريعة الإسلامية من أن تكون العين الموقوفة تخربت وتعطل الانتفاع بها بالكلية، وألا يكون للوقف ريع تُعمر به، وألا يوجد من يرغب في استئجارها مدة مستقبلة بأجرة معجلة تصرف في عمارتها، وألا يمكن استبدالها أيضاً.
4- القيمة:
إذا وضع المستأجر بإذن المتولي في الأرض الزراعية الموقوفة ما هو ضروري لاستغلالها كالسياج والسماد وعمارة الحوش أو بنى غرفاً عليها، فللمستأجر حق أرجحية في استئجار الأرض الزراعية ولا يكون للوقف حق إخلائه من المأجور ما لم يستنكف عن دفع بدل مثل الأرض. وبذلك ينشأ للمستأجر حق هو شبه حق قرار على الأرض الموقوفة.
5- القميص:
هو أن تكون دار الرحى، فتؤجر فيضع فيها المستأجر آلات الطحن وأدواته، فتسمى قميصاً وتترك دار الرحى بيده ولا ينال الوقف بعد ذلك منها إلا ما يسمح به المستأجر مما يسمى أجر المثل ويأخذ القميص من حيث المآل حكم القيمة.
6- مَشَدّ المَسَكَة:
(مَشَدّ) بفتحتين مع تشديد الدال، و(المَسَكَة) بثلاث فتحات وهي على وزن سمكة، وهو لفظ مشتق من (الشد والتمسك) وهو أن تكون أرض الوقف مأجـورة للزراعة لمـدة معينة، والمستأجر يعدها للزراعة فيفلحها، ويسمدها، فتنقضي مدة إجارته، فتؤجر له ثانية لئلا يضار بضياع ما بذله فيها وهكذا دواليك إلى أن يدعي بأن له يداً ثابتة فيها، أو صار له مسكة يتمسك بها، وقد كان يعد مستحقاً للأرض وأولى من غيره باستثمارها.
7- الغراس:
وهو أن تكون أرض زراعية جارية بملك الوقف، تؤجر ويؤذن للمستأجر بغرس ما شاء من الشجر فيها، على أن يكون له فيها حصة شائعة مما غرس، وقد يجتمع ذلك أحياناً مع (القيمة) فيكون ذلك وسيلة لاستملاك الأرض الزراعية.
مراجع للاستزادة: |
- وهبة الزحيلي، الوصايا والوقف في الفقه الإسلامي، الطبعة الثانية (جامعة الإمارات، كلّية الشريعة والقانون- دار الفكر، دمشق 1993).
- منذر القحف، الوقف في المجتمع الإسلامي المعاصر (وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مركز البحوث الإسلامية، دولة قطر 1998).
- منذر القحف، الوقف الإسلامي تطوّره إدارته وتنميته، الطبعة الأولى (دار الفكر، دمشق 2000).
- التصنيف : القانون الخاص - النوع : القانون الخاص - المجلد : المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية - رقم الصفحة ضمن المجلد : 162 مشاركة :