الآرش في الفقه الإسلامي
آرش في فقه إسلامي
al-arsh (compensation) in islamic jurisprudence - al-arch (indemnisation) dans la jurisprudence islamique
الأرش في الفقه الإسلامي
محمد الزحيلي
الأرش لغة: من أرش بينهم أرشاً: أغرى بعضهم ببعض، وأرش فلاناً: شجه، وأدى أرشه، فالأرش لغة: هو الدية أو الخدش، أو ما نقص من الثوب، لأنه سبب للأرش.
والأرش في الاصطلاح العام: هو الضمان الذي يلتزمه الشخص لقاء مسؤوليته عن تعدِّ، أو نقص، أو عيب، وفي الاصطلاح الفقهي: هو المال الواجب في الجناية على مادون النفس، ويسمى دية ما دون النفس فهو أخص منها، وقد يطلق على بدل النفس كاملة وهو الدية فيكون بمعناها، ولكن ينحصر الأرش غالباً عند الفقهاء على الضمان المالي بسبب جناية على مادون النفس إذا أدت إلى قطع عضو، أو طرف، أو إبطال منفعة. ويجب القصاص إن كانت الجناية عمداً، ويجب الأرش أو الدية إذا كانت الجناية خطأ، أو إذا انتقل المجني عليه في حالة العمد من طلب القصاص إلى الدية؛ ولذلك وضع الفقهاء باب أرش الجنايات.
وأسباب الأرش كثيرة، ويجمعها كل نقص سببه الشخص، ومن ذلك إذهاب بكارة المرأة من دون وطء، ووجود العيب المنقص لمنافع الإنسان أو جماله، كشلل اليد، وتحويل الحنك، والعيب المنقص للبدل في الأشياء، أو في الحيوان، والتعدي على جسم الإنسان، أو التزام السلامة في العقود.
ويتم تقدير الأرش إما عن طريق الشارع، وإما بتقدير أهل الخبرة، وإما بالفرق بين سعر الشيء السليم من العيب وسعره معيباً، ويكون الأرش هو الفرق بين السعرين.
وينقسم الأرش في الجناية من حيث تقديره إلى قسمين:
أولاً. الأرش المقدر:
وهو الدية المقدرة شرعاً للجناية على مادون النفس، وهو ما جاء في كتاب رسول الله r إلى أهل اليمن «في الرِّجْل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة (وهي الجرح الذي يصل إلى أم الرأس) ثلث الدية، وفي الجائفة (وهي الجرح الذي يصل إلى الجوف) ثلث الدية، وفي المنقلة (وهي الجرح الذي ينقل العظم من مكانه) عشر من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد أو الرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة (وهي الجرح الذي يوضح العظم) خمس من الإبل» هذا الحديث أخرجه النسائي وهذا لفظه، وصححه ابن حبان والحاكم والدارقطني (نصب الراية 2/367) وورد بعضه في السنن إلا الترمذي، ورواه مالك والشافعي، وصححه العلماء (نيل الأوطار 7/61، الموطأ ص530، بدائع المنن 2/260، التلخيص الحبير4/17، 188).
ثانياً. الأرش غير المقدر:
وهو التعويض على الجناية على النفس التي لم يرد فيها تقدير في نص شرعي، وإنما يقدره القاضي بالاستعانة بأهل الرأي والخبرة من الأطباء ويسمى حكومة العدل، ويختلف تقديره بحسب جسامة الجناية وضررها المترتب عليها، والقاعدة في ذلك أن ما لا قصاص فيه من الجنايات على ما دون النفس، وليس له أرش مقدر ففيه حكومة العدل.
أما الأرش المقدر فهو ثلاثة أنواع:
1- الأرش المقدر للأعضاء كاليد، والرجل، والسن، والأصبع، فإن كان العضو واحداً في الجسم كالأنف والفم والذكر فيجب فيه الدية كاملة، وهي مئة من الإبل، أو ألف دينار من الذهب (والدينار 4.45 غرام، أي إن الدية 4450 غراماً من الذهب)، ويختلف تقديره بحسب الأزمان، وبحسب العملات النقدية الآن.
وإن كان في الجسم عضوان ففي كل واحد منهما نصف الدية كاليد، أو الرجل، أو العين، أو الأذن.
وإن كان في الجسم أكثر من عضوين فتقسم الدية على حسب الأعضاء، ففي كل أصبع من اليد أو الرجل عشر الدية، وفي الأسنان، كل سن خمسة من الإبل أي نصف عشر الدية.
فإن كانت الجناية عمداً فالأرش (الدية كاملة أو بعضها) على الجاني؛ لأن العاقلة لا تتحمل دية العمد، وكذلك إذا كانت الجناية خطأ وثبتت باعتراف الجاني فقط فهو يتحملها؛ لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر، ولا تتعدى إلى غيره.
2- وإن كانت الجناية على الأعضاء خطأ (ولا يوجد شبه عمد عند القائلين به في الجناية على مادون النفس) فتجب الدية كاملة عند الشافعية وقول للمالكية، وقال المالكية في المشهور والحنابلة: تجب دية الأعضاء والجروح كلها على الجاني إن كانت أقل من ثلث الدية التامة، ولا تتحمل العاقلة إلا ما كان ثلث الدية فصاعداً، وقال الحنفية: تحمل العاقلة دية السن (نصف عشر الدية الكاملة) والموضحة وما فوقها، أي إن كانت الدية (الأرش في الجروح) خطأ على ما دون النفس يقل عن نصف عشر الدية فيتحملها الجاني، وإن كان أكثر من ذلك فتتحمله العاقلة.
3- وإن كانت الجناية على الجنين فتجب ديته (الغُرَّة وهي أرش الجنين نصف عشر الدية الكاملة، خمس من الإبل أو خمسون ديناراً) كاملة على العاقلة عند أبي حنيفة والشافعي في الجديد، وقال مالك: تجب على الجاني في الخطأ والعمد، وقال الحنابلة: إن كانت الجناية على الجنين خطأ أو شبه عمد فهي على العاقلة، وإن كانت عمداً فهي على الجاني.
والجنايات التي توجب الأرش نوعان:
أولاً - الجروح، وهي قسمان:
1- الشجاج في الوجه والرأس، وهي عشرة مرتبة بحسب جسامتها، وهي الخارصة التي تكشط الجلد، والدامية التي يخرج منها الدم، والباضعة التي تشق اللحم، والمتلاحمة التي تنزل في اللحم، والسمحاق التي تستوعب اللحم حتى تبقى غشاوة رقيقة فوق العظم، والموضحة التي تكشف عن العظم، والهاشمة التي تهشم العظم، والمنقِّلة التي تنقل العظم من مكان إلى مكان، والمأمومة أو الآمة التي تصل إلى أم الرأس وهي الجلدة الرقيقة التي تحيط بالدماغ، والدامغة التي تصل إلى الدماغ.
ويجب أرش مقدر في الشرع في خمسة؛ أقلها الموضحة خمس من الإبل، والهاشمة التي تتجاوز الموضحة وفيها عشرة من الإبل، والمنقِّلة عشرة من الإبل، والمأمومة ثلث الدية الكاملة، وكذا الدامغة في الأصح.
وأما بقية شجاج الرأس والوجه، وهي الخمسة الأخرى فيجب فيها أرش غير مقدر، أي حكومة عدل.
2- الجروح فيما دون الرأس والوجه، وهي إما جائفة وهي التي تصل إلى الجوف في جسم الإنسان، ويجب فيها ثلث الدية، وإن كانت غير جائفة أي لم تصل إلى الجوف فيجب فيها حكومة عدل.
ثانياً. جناية على الأعضاء بقطع عضو كالرجل واليد والأسنان، والعين والأنف واللسان والعقل، والأذن، أو إتلاف المنفعة كالنظر والسمع والشم والكلام أو الجمال، وتجب الدية المقدرة في الحديث السابق، بحسب كون العضو واحداً أو أكثر لما سبق. وإن كان النقص جزئياً في المنفعة أو الجمال كذهاب بعض النظر في العين أو الجمال ففيه أرش وهو حكومة عدل، وكذا الشم كاملاً أو ناقصاً.
ويجب الأرش على العاقلة مؤجلاً إلى سنة إذا كان أقل من ثلث الدية الكاملة، وإن كان من الثلث إلى الثلثين فتجب مؤجلة إلى سنتين، وإن كان الأرش (أو الدية) أكثر من الثلثين فتجب مؤجلة إلى ثلاث سنوات،، وتبدأ المدة من وقت الجناية عند الجمهور، ومن وقت الحكم عند الحنفية.
أما الأرش أو الدية على الجاني في العمد فتجب عليه حالاً من دون تأجيل عند الجمهور؛ لأنها مغلظة عليه بسبب العمدية.
ويتعدد الأرش عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة بتعدد الجنايات التي تقع من الجاني، ولذلك فقد يصل مجموعها إلى أكثر من دية كاملة.
وقال الحنفية والشافعية: كل أرش واجب في دية كاملة للرجل يجب فيه نصف الدية في المرأة.
ووافق على ذلك المالكية والحنابلة إذا بلغ الأرش ثلث الدية أو أكثر، أما إذا كان الأرش أقل من الثلث فالأنثى تتساوى فيه مع الذكر.
وذهب الحنفية إلى تساوي المسلم والذمي في الأرش والديات، وكذلك المستأمن، وقال المالكية: إن دية الذمي على النصف من دية المسلم، أما المجوسي والمعاهد والمرتد ففيه خمس دية المسلم، وقال الحنابلة كل هؤلاء على النصف من دية المسلم، وقال الشافعية كلهم على الثلث من دية المسلم.
وبجب الأرش في الجناية على المبيع، وذلك إذا وقع النقص في المبيع، أو وجد فيه عيب، أو وقع عليه اعتداء، فيجب على البائع ضمانه وتعويضه، ويسمى الأرش في البيع.
ويتحقق الأرش في البيع بشرطين، الأول: أن يؤدي العيب إلى نقص القيمة أو فوات غرض صحيح في المبيع، والثاني: أن يكون الأصل في جنس المعقود عليه السلامة من هذا العيب أو النقص، ولذلك يشترط أن يكون فاحشاً، وهو مالا يدخل تحت تقويم المقومين، ويثبت لصاحبه خيار العيب، ويثبت لصاحب الخيار رد المبيع كاملاً أو فسخ العقد، أو إمساك المبيع بجميع الثمن عند الحنفية والشافعي، وقال الحنابلة بالإمساك مع الأرش أي التعويض عن العيب.
ويصح الإمساك مع الأرش أو الرجوع بنقصان الثمن عند الحنفية والشافعية إذا طرأ على المبيع أمور تمنع الرد كالزيادة فيه ، أو النقص، أو التصرف فيه، فينتقل الحق من الرد إلى الرجوع إلى الأرش بنقصان الثمن.
وفصل المالكية فقالوا: العيوب ثلاثة: يسير ولاشيء فيه، وفاحش وهو الذي يخير فيه المشتري بين الرد والإمساك بلا أرش (كالحنفية والشافعية)، ومتوسط وهو الذي ينقص الثمن ويحق فيه للمشتري الأرش فقط بأن يحط من الثمن بقدر نقص العيب.
وطريقة معرفة الأرش في المبيع: أن يقوَّم المبيع بلا عيب يوم العقد، ويقوَّم مع العيب، وينظر إلى التفاوت، وتؤخذ نسبته إلى القيمة الكاملة، ويرجع المشتري بنسبة التفاوت على البائع.
وقد يكون الأرش ضماناً لنقصان المغصوب في يد الغاصب، ويقع في عقود المعاضات كالبيع والإجارة، وفي القسمة والصلح عن المال، وفي بدل الصلح عن دم العمد، وفي بدل الخلع.
وقد يقع النقصان في المهر، ويجب على الزوج ضمانه أو تعويضه، وهوأرش نقصان المهر وتعيبه، والعيب الفاحش في المهر: هو كل ما يخرجه من الجيد إلى الوسط، أو ما يخرجه من الوسط إلى الرديء، ولذلك لا يضمن الزوج العيب اليسير في المهر إلا إذا كان كيلياً أو وزنياً فيضمنه الزوج.
مراجع للاستزادة: |
- علاء الدين الكاشاني، بدائع الصنائع (مطبعة الجمالية، القاهرة 1328هـ/1990م).
- كمال الدين بن الهمام، فتح القدير (المكتبة التجارية، مصر 1356هـ).
- محمد بن أحمد بن رشد الحفيد، بداية المجتهد (دار ابن حزم، بيروت 1317هـ/1995م).
- محمد الخرشي، شرح الخرشي على مختصر خليل (المطبعة الأميرية، بولاق، مصر 1317هـ).
- يحيى بن شرف النووي، روضة الطالبين (المكتب الإسلامي، دمشق 1966م).
- إبراهيم بن إسحاق الشيرازي، المهذب، (دار القلم، دمشق 1417هـ/1996م).
- محمد بن الخطيب الشربيني، مغني المحتاج (مصطفى البابي الحلبي، القاهرة 1377هـ/1985م).
- عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المغني (دار المنار، مصر 1367هـ).
- منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع (مطبعة الحكومة، مكة المكرمة 1394هـ).
- التصنيف : العلوم الشرعية - النوع : العلوم الشرعية - المجلد : المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية - رقم الصفحة ضمن المجلد : 163 مشاركة :