إنابة وتجديد
delegation and novation - délégation et novation

انقضاء الالتزام

انقضاء الالتزام

الإنابة والتجديد

أحمد عبد الدائم

الإنابة Délégation

التجديد Novation

 

تبدو الإنابة للوهلة الأولى أنها تجديد للالتزام بتغيير المدين بمقارنة سريعة مع الجزء الثاني من الفقرة الثانية من المادة 350 من القانون المدني السوري التي تنص «أو إذا حصل المدين على رضاء الدائن بشخص أجنبي قبل أن يكون هو المدين الجديد». إذاً، هناك تداخل بين الإنابة والتجديد، ولذلك فمن الضروري تحديد نطاق كل منهما بغية إزالة هذا اللبس القائم بينهما.

أولا- الإنابة Délégation:

يعدّ الوفاء صحيحاً سواء تمّ من المدين أم من نائبه أو من شخص آخر له مصلحة في الوفاء. فما هو تعريف الإنابة؟ وما هي أنواعها ثم ما هي آثارها؟.

1- تعريف الإنابة: لم يعرف المشرع السوري الإنابة، بيد أنّه يمكن تعريفها بأنها نظام قانوني يطلب بواسطته أحد الأشخاص ويسمى «المنيب» من آخر ويسمى «المناب» بأن يقوم بأداء ما أو أن يلتزم مثل هذا الأداء لمصلحة شخص ثالث هو «المناب لديه».

إذاً، تفترض الإنابة -وفق المادة 357 من القانون المدني السوري- وجود ثلاثة أشخاص هم:

أ- المنيب: وهو المدين الذي ينيب الشخص الأجنبي لوفاء الدين إلى الدائن؛ ولذلك سمي منيباً.

ب- المناب: الشخص الأجنبي الذي ينيبه المدين لوفاء الدين إلى الدائن؛ ولذلك سمي مناباً.

ج- المناب لديه: وهو الدائن الذي يستوفي الدين من الشخص الأجنبي الذي أنابه المدين ولذلك سمي مناباً لديه.

وغالباً ما يكون بين المنيب والمناب علاقة مديونية، فالمنيب دائن والمناب مدين، وهذا ما يفسر رضاء المناب بأن يتعهد بالوفاء للمناب لديه دائن الدائن، إلا أنه قد توجد حالات يقصد فيها المناب التبرع بقيمة الدين للمنيب أو إقراضه هذه القيمة على أن يطالبه بها بعد ذلك، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 357 بأنّه «لا تقتضي الإنابة أن تكون هناك مديونية سابقة ما بين المدين والأجنبي».

ولا يشترط أن يكون المناب لديه طرفاً في الاتفاق الذي يتم بين المنيب والمناب، كما لا يشترط للقبول شكل خاص ولا وقت معين.

2- أنواع الإنابة: هناك نوعان للإنابة، إنابة كاملة وإنابة ناقصة.

أ- الإنابة الكاملة: تنطوي الإنابة الكاملة على تجديد بأن يتفق أطراف الإنابة الثلاثة على أن يستبدلوا بالتزام سابق التزاماً جديداً أن يحل شخص أجنبي (المناب) محل المدين الأصلي (المنيب) في وفاء الدين للدائن (المناب لديه).

وقد نصت المادة 358 من القانون المدني السوري على أنّه :

«إذا اتفق المتعاقدون في الإنابة على أن يستبدلوا بالتزام سابق التزاماً جديداً كانت هذه الإنابة تجديداً للالتزام بتغيير المدين، ويترتب عليها أن تبرأ ذمة المنيب قبل المناب لديه؛ على أن يكون الالتزام الجديد الذي ارتضاه المناب صحيحاً وألا يكون المناب معسراً وقت الإنابة».

وهكذا، تتضمن الإنابة تجديداً بتغيير المدين إذا كان هناك مديونية سابقة بين المنيب والمناب، كما لو باع المدين عقاراً له وكلف المشتري بدفع الثمن لدائنه، فهنا تنطوي الإنابة على تجديد بتغيير المدين؛ لأنّ المناب لديه (دائن البائع) ارتضى المناب (المشتري) مديناً له بدلاً من مدينه الأصلي.

حتى تؤدي الإنابة الكاملة إلى براءة ذمة المنيب يجب توافر الشرطين التاليين:

(1) يجب أن يكون الالتزام الجديد صحيحاً: وليس ذلك إلا تطبيقاً لقواعد التجديد، حيث يشترط أن ينشأ التزام جديد صحيح لكي ينقضي الالتزام القديم.

(2) يجب ألا يكون المناب معسراً وقت الإنابة: اشترط القانون المدني ألا يكون المناب معسراً وقت الإنابة؛ لأنه لا يتصور في حالة إعسار المناب وقت الإنابة أن يقبل الدائن إبراء ذمة مدينه الأصلي إلا نتيجة لجهله بحالة المناب، فيكون التجديد قابلاً للإبطال للغلط، أي إنّه إذا كان الدائن المناب لديه يجهل إعسار المناب وقت الإنابة؛ فيكون التجديد قابلاً للإبطال لغلط أو تدليس في إرادة الدائن.

ب- الإنابة الناقصة: تكون الإنابة ناقصة عند عدم اتفاق أطراف الإنابة على التجديد، فيقوم الالتزام الجديد إلى جانب الالتزام الأول، وفي هذه الحالة تؤدي الإنابة وظيفة التأمين الشخصي؛ لأنّ الدائن لا يبرئ فيها ذمة المدين الأصلي، وإنما يقبل المناب بوصفه مديناً آخر، ويصبح له عندئذٍ مدينان بدلاً من مدين واحد المدين الأصلي (المنيب) والمدين الجديد (المناب)، والنوع الثاني هو الغالب إذ يندر أن يقبل الدائن إبراء ذمة المدين الأصلي وانقضاء التزامه.

3- آثار الإنابة: تختلف هذه الآثار باختلاف نوع الإنابة كاملة أو ناقصة.

أ- أثر الإنابة الكاملة: تؤدي الإنابة إلى انقضاء التزام المدين الأصلي وإلى إبراء ذمته بنشوء التزام جديد بين المدين الجديد والدائن، أي تجديد للالتزام بتغيير المدين، وهذا يعني أنّ الإنابة لا تعدّ تجديداً إلا باتفاق أطرافها (المنيب والمناب والمناب لديه) على أن يستبدلوا بالتزام سابق التزاماً جديداً يتمثل بحلول المناب محل المدين الأصلي.

ب- أثر الإنابة الناقصة: تشمل آثار الإنابة الناقصة تحديد علاقة المنيب بالمناب لديه ثم علاقة المنيب بالمناب وأخيراً علاقة المناب بالمناب لديه.

(1) علاقة المنيب بالمناب لديه: لا تبرأ ذمة المنيب إلا إذا وفى المناب الالتزام الجديد الذي في ذمته للمناب لديه، أو إذا وفى المنيب ذاته الدين الأصلي للمناب لديه. كما يحق للمناب لديه الرجوع على المنيب بالدين الأصلي بما يكفله من تأمينات قبل رجوعه على المناب، ويستطيع أيضاً الرجوع على المناب بالالتزام الجديد قبل رجوعه على المنيب.

(2) علاقة المنيب بالمناب: تخضع علاقة المنيب بالمناب للعلاقة السابقة التي كانت قائمة بينهما. فإذا لم تكن هناك مديونية سابقة بينهما، ثم وفى المناب الدين للمناب لديه؛ فإنه يستطيع الرجوع على المدين المنيب بدعوى الوكالة أو الفضالة أو الإثراء بلا سبب إلا إذا كان المناب متبرعاً.

أما إذا كان المناب مديناً للمنيب وقبل الإنابة بوصفها تجديداً لالتزامه؛ فإنّ هذا يؤدي إلى انقضاء التزامه نحو المنيب في مقابل الالتزام الذي نشأ في ذمته للمناب لديه، وإذا قام بوفاء الدين الجديد فلا يستطيع الرجوع على المنيب. أما إذا تم الوفاء من المنيب جاز له الرجوع على المناب بما له من دين في ذمته.

(3) علاقة المناب بالمناب لديه: يصبح المناب مديناً جديداً للمناب لديه، ويستطيع المناب لديه الرجوع على أي من المدينين كما يشاء، وإذا وفى أحدهما الدين برئت ذمة المدينين معاً تجاهه.

ج- تجريد التزام المناب قبل المناب لديه عن سببه: يعدّ التزام المناب تجاه المناب لديه التزاماً مجرداً عن سببه سواء كانت الإنابة كاملة أم ناقصة، وسواء كان السبب مديونية سابقة أم قرضاً أم تبرعاً، ويكون التزام المناب قبل المناب لديه صحيحاً ولو كان التزامه قبل المنيب باطلاً، أو كان هذا الالتزام خاضعاً لأحد الدفوع، وبالتالي لا يجوز للمناب الاحتجاج على المناب لديه بالبطلان أو بالدفوع التي يستطيع التمسك بها قبل المنيب، ولا يبقى أمامه إلا حق الرجوع على المنيب، كل هذا ما لم يوجد اتفاق آخر حسب نص المادة 359 من القانون المدني السوري.

وهكذا يجوز الاتفاق بين المناب والمناب لديه على أن يكون للأول التمسك بالدفوع التي كانت له قبل المنيب، إذ إنّ مبدأ تجريد التزام المناب قبل المناب لديه لم يشرّع إلا لحماية هذا الأخير، فإن هو ارتضى التنازل عن تلك الحماية جاز ذلك، وزالت الحماية.

ثانياً- التجديد Novation:

بحث القانون المدني السوري في تعريف التجديد ثم في شروطه، وبعد ذلك في أنواعه، وأخيراً في آثار هذا التجديد.

1- تعريف التجديد: التجديد هو اتفاق يقصد به استبدال التزام جديد بالتزام قديم مغاير له في عنصر من عناصره، فيكون سبباً في انقضاء الالتزام القديم وفي نشوء الالتزام الجديد الذي حلّ محله. ويتميز الدين الجديد من الدين القديم إما بتغيير في الدين، وإما بتغيير المدين، وإما بتغيير الدائن.

2- شرائط التجديد: يشترط في التجديد ما يلي:

أ- وجود التزام قديم: يجب في التجديد وجود التزام قديم، فإذا لم يكن الالتزام القديم موجوداً فعلاً أو أنه انقضى بسبب سابق على التجديد؛ فلا يمكن أن يكون هناك تجديد. ولا يكفي أن يكون الالتزام القديم موجوداً، بل يجب أن يكون صحيحاً حتى يتم التجديد. فإذا كان مصدر الالتزام القديم عقداً باطلاً، فإنّ الالتزام القديم يكون معدوماً، والعقد الباطل لا ينتج في الأصل أي أثر، ولا يمكن أن يكون هناك تجديد لهذا الالتزام المعدوم.

وقد يكون مصدر الالتزام القديم عقداً قابلاً للإبطال لنقص في الأهلية أو لعيب في الإرادة، فالأصل أن تجديد مثل هذا الالتزام لا يكون صحيحاً، بل يبقى مهدداً بالإبطال، وإذا طلب ذو الشأن إبطال العقد انعدم الالتزام القديم، وانعدم تبعاً لذلك الالتزام الجديد، وبطل التجديد.

ب- إنشاء التزام جديد: يشترط في الالتزام الجديد أن يكون صحيحاً وخالياً من أسباب البطلان؛ لأنّ الدائن لن يقبل انقضاء حقه إلا إذا كان متأكداً من استيفائه الحق الجديد الذي حلّ محل الحق القديم. فمثلاً، إذا كان عقد التجديد الذي أبرم بين الدائن والمدين باطلاً، فلا ينشأ الالتزام الجديد؛ ويسقط التجديد تبعاً لذلك، ويبقى الالتزام على أصله دون أن ينقضي. كذلك الأمر، إذا كان عقد التجديد قابلاً للإبطال فإن مصير التجديد يبقى مهدداً، فإذا ما أبطله صاحب الحق في الإبطال زال الالتزام الجديد، وعاد الالتزام القديم بأثر رجعي حيث يعدّ التجديد كأن لم يكن.

ج- نية التجديد: يشترط لصحة التجديد أن يكون الاتفاق عليه واضحاً وأن تظهر نية التجديد صريحةً في العقد أو أن تستخلص على نحو واضح من ظروف الحال كضرورة اختلاف الالتزام الجديد عن الالتزام القديم في أحد عناصره الجوهرية السابقة. وبالتالي لا يعدّ تجديداً تغيير زمان الوفاء بمنح المدين أجلاً جديداً، أو إلغاء الأجل القائم، أو مكانه أو طريقة الوفاء به أو تعديل سعر الفائدة المتفق عليها إلا إذا صرح الطرفان المتعاقدان أنه تجديدٌ، وعندئذٍ يعدّ تجديداً في محل الدين.

د- أهلية التصرف: بما أنّ التجديد هو عقد بين الدائن والمدين، لذلك يجب أن يتوافر فيه الرضا والأهلية. فيجب أن يتوافر في هذا التجديد أهلية الأداء التامة لكلا الطرفين المتعاقدين حتى يعدّ عقد التجديد صحيحاً.

3- حالات التجديد: تنص المادة 350 من القانون المدني السوري على أنّ التجديد يكون في الحالات الثلاث التالية:

أ- التجديد بتغيير الدين: يتجدد الالتزام بتغيير محل الدين أو مصدره فيما إذا اتفق الطرفان على إنشاء التزام جديد يحل محل الالتزام الأول، ويختلف عنه في محل الدين أو في مصدره. فإذا كان محل الالتزام القديم نقوداً، فاتفق الطرفان على أن يكون محل الالتزام الجديد أرضاً أو سيارة؛ حصل التجديد. كذلك، إذا كان مصدر التزام المدين عقد بيع، واتفق البائع والمشتري على بقاء الثمن في ذمة المشتري على سبيل القرض؛ يكون هناك تجديد للالتزام بتغيير مصدره.

ويجب التمييز بين التجديد وبين الوفاء بمقابل، وهو أنه في التجديد يقتصر الاتفاق على نشوء التزام جديد، أما في الوفاء بمقابل فلا يكفي قيام الالتزام الجديد، بل يجب تنفيذه فوراً من المدين إلى الدائن.

ب- التجديد بتغيير المدين: يتم تجديد الالتزام بتغيير المدين في صورتين، وهما:

(1) اتفاق الدائن مع أجنبي على أن يكون هذا الأجنبي مديناً مكان المدين الأصلي على أن تبرأ ذمة المدين الأصلي دون حاجة إلى رضائه. وتقابل هذه الحالة حوالة الدين التي تتم باتفاق الدائن والمدين الجديد، لكنها تختلف عنها بأن حوالة الدين هي انتقال للدين ذاته من ذمة مدين إلى ذمة مدين آخر، ولذلك يبقى للدين المحال به ضماناته، أما التجديد فإنه يؤدي لانقضاء الدين مع ضماناته.

(2) اتفاق المدين والدائن وأجنبي على أن يكون هذا الأجنبي هو المدين الجديد. وتقترب هذه الصورة من حوالة الدين التي تتم باتفاق المدين القديم والمدين الجديد، لكنها تختلف عنها بأن الحوالة تنعقد باتفاق المدينين القديم والجديد، لكنها لا تكون نافذة في مواجهة الدائن إلا إذا أقرها.

ج- التجديد بتغيير الدائن: يتجدد الالتزام بتغيير الدائن؛ وذلك إذا اتفق الدائن والمدين وأجنبي على أن يكون هذا الأجنبي هو الدائن الجديد بدل الدائن القديم، فينقضي بذلك الالتزام القديم؛ ويحل محله التزام جديد يختلف عن الأول في شخص الدائن.

فيجب في هذا التجديد اتفاق الأطراف الثلاثة: المدين والدائن القديم والدائن الجديد، وهذا ما يميز تجديد الالتزام بتغيير الدائن من حوالة الحق؛ إذ إنّ حوالة الحق تنعقد بمجرد اتفاق الدائن القديم والدائن الجديد، ويكفي تبليغ المدين بها حتى تنفذ في حقه. أيضاً يختلف التجديد عن حوالة الحق بانقضاء الالتزام القديم مع ملحقاته؛ وبالتالي لا يكون للالتزام الجديد تأمينات الدين القديم ولا صفاته ولا دفوعه، في حين تنقل الحوالة الحق القديم بكل تأميناته وصفاته ودفوعه.

4- آثار التجديد:

أ- المبدأ: انقضاء الالتزام الأصلي ونشوء التزام جديد محله: يترتب على التجديد انقضاء الالتزام الأصلي وزواله مع تأميناته ونشوء مكانه التزام جديد بحسب نص المادة 354 من القانون المدني السوري.

وهكذا يتميز الالتزام الجديد من الالتزام الأصلي بمقوماته الذاتية الخاصة وتأميناته، فقد يكون الالتزام الأصلي مدنياً وغير منتج لأية فوائد، وينشأ بالتجديد التزام تجاري ينشئ فوائد، وقد يكون الالتزام الأصلي معلقاً على شرط أو مضافاً إلى أجل، ويكون الالتزام الجديد منجزاً ليس فيه شرط أو أجل.

ب- الاستثناء: انتقال التأمينات إلى الالتزام الجديد: أجاز المشرع – استثناءً - انتقال التأمينات إلى الالتزام الجديد باتفاق الطرفين المتعاقدين، وذلك رعايةً منه لمصلحة الدائن الذي لم يكن ليقبل التجديد لولا اعتقاده باستيفائه هذا الالتزام. والتأمينات التي تضمن الالتزام الأصلي إما أن تكون مقدمة من المدين نفسه وإما أن تكون مقدمة من الغير على شكل كفالة شخصية أو كفالة عينية.

(1) انتقال التأمينات المقدمة من المدين: إذا قدم المدين عند نشوء الالتزام الأصلي بعض أمواله ضماناً للوفاء، ثم تم تجديد هذا الالتزام، فقد أجازت المادة 355 من القانون المدني السوري الاتفاق على نقل هذه التأمينات العينية إلى الالتزام الجديد بشرط مراعاة الأحكام الآتية فيه:

¦ إذا كان التجديد بتغيير الدين: جاز للدائن والمدين أن يتفقا على انتقال التأمينات للالتزام الجديد؛ بشرط ألا يلحق ذلك ضرراً بالغير. فمثلاً، إذا كان التأمين المراد نقله للدين الجديد هو رهناً على عقار مملوك للمدين قيمته مليون ليرة، وكانت قيمة الدين القديم 600 ألف ليرة، وكان العقار نفسه مرهوناً رهناً ثانياً ضماناً لدين آخر مقداره 400 ألف ليرة، ثم اتفق الدائن والمدين على تجديد الدين الأول المضمون بالرهن الأول وكان الدين الجديد هو 800 ألف ليرة واتفق الدائن والمدين على ضمان الرهن للدين الجديد؛ فهنا لا يتم هذا الضمان إلا بحدود الدين القديم، أي بحدود 600 ألف ليرة فقط وليس 800 ألف؛ لأنّ ضمان الدين الجديد كله سيؤدي إلى عدم استيفاء الدائن المرتهن الثاني لجزء من حقه، لأن قيمة العقار أصبحت أقل من قيمة مجموع الدينين.

¦ إذا كان التجديد بتغيير المدين: جاز للدائن والمدين الجديد أن يتفقا على استبقاء التأمينات العينية المقدمة من المدين القديم دون حاجة إلى رضا هذا المدين القديم، حيث يعدّ هذا المدين بمنزلة كفيل عيني للالتزام الجديد، ويظل التأمين قائماً على ماله رغم انقضاء الالتزام بالنسبة إليه.

¦ إذا كان التجديد بتغيير الدائن: جاز للمتعاقدين ثلاثتهم أن يتفقوا على استبقاء التأمينات وانتقالها إلى الالتزام الجديد. ويجب رضا الأطراف الثلاثة على استبقاء هذه التأمينات؛ لأنّ التجديد أصلاً لا يتم إلا برضائهم جميعاً.

ويجب الإشارة إلى أنّ الاتفاق على نقل التأمينات العينية لا يكون نافذاً في حق الغير إلا إذا تم مع التجديد في وقت واحد، فسواء كان التجديد بتغيير الدين أم المدين أم الدائن، فإنّ الاتفاق على نقل التأمينات العينية المقدمة من المدين لا يكون نافذاً في حق الغير إلا إذا تم مع التجديد في وقت واحد وكان ثابت التاريخ، هذا مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالسجل العقاري.

(2) انتقال التأمينات المقدمة من قبل الغير: قد يلجأ المدين إلى الغير طالباً معونته في تقديم ضمانات للوفاء بالتزاماته، فيضمن هذا الغير المدين الأصلي تجاه الدائن، وذلك إما بضم ذمته المالية إلى ذمة المدين عن طريق الكفالة أو التضامن؛ وإما بتقديم جزء من أمواله الشخصية بوصفه تأميناً عينياً للالتزام، ويسمى عندئذٍ كفيلاً عينياً.

فإذا تم تجديد الالتزام، فإنّ انتقال هذه الكفالة سواء كانت شخصية أم عينية لا يكون إلا برضاه؛ لأنّ قبوله كفالة الدين القديم لا يعني تلقائياً قبوله كفالة الالتزام الجديد. أيضاً في التضامن، فتجديد الدين من قبل أحد المدينين المتضامنين مبرئ في الأصل لذمة باقي المدينين بسبب انقضاء الالتزام القديم بالتجديد، ما لم يحتفظ الدائن بحقه قبلهم استناداً إلى نص المادة 286 من القانون المدني السوري. وتجديد الدين من قبل أحد المدينين المتضامنين - حتى لو احتفظ الدائن بحقه تجاه باقي المدينين المتضامنين - لا يجعل منهم مدينين متضامنين بالالتزام الجديد إلا إذا رضوا بذلك. أما إذا لم يوافقوا على التجديد؛ فلا يلزمون الدين الجديد، بيد أنهم يظلون -في حال احتفاظ الدائن بحقه قبلهم- متضامنين بالدين الأصلي بعد حسم حصة المدين الذي أجرى التجديد، فيستطيع الدائن الرجوع على أي منهم بكامل هذا الرصيد.

يتبين في ختام هذا البحث أنّ أهمية الإنابة تبرز على نحو أساسي في الإنابة الناقصة التي تؤدي فيها وظيفة التأمين الشخصي؛ لأنّ الدائن لا يبرئ فيها ذمة المدين الأصلي، وإنما يقبل المناب مديناً آخر، ويصبح له عندئذٍ مدينان بدلاً من مدين واحد المدين الأصلي والمدين الجديد. أما الإنابة الكاملة فهي نادرة؛ لأنّ الدائن لا يقبل حلول شخص أجنبي (المناب) محل مدينه الأصلي؛ لأنّه يعلم أنّ هذا القبول سيفقده حق مطالبة هذا المدين الأصلي بالدين وانقضاء الالتزام.

وفيما يتعلق بالتجديد فقد تضاءلت أهميته العملية في الوقت الحاضر، وأصبح اللجوء إليه نادراً في التعامل؛ لأنّ التجديد بتغيير الدين أصبح يغني عنه الوفاء بمقابل، وتغني حوالة الدين عن التجديد بتغيير المدين، وكذلك حوالة الحق عن التجديد بتغيير الدائن. ولكن ما يزال هناك بعض المزايا للتجديد تتمثل عندما يراد استبدال محل الالتزام أو مصدره، وإن كان هذا نادراً في الواقع.

 

مراجع للاستزادة:

 

- أحمد عبد الدائم، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الثاني، أحكام الالتزام (مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، منشورات جامعة حلب، 2003).

- أحمد عبد الدائم، النظرية العامة للالتزام، الجزء الثاني، أحكام الالتزام (مركز التعليم المفتوح، الدراسات القانونية العملية، منشورات جامعة حلب، 2006).

- أديب استانبولي، شفيق طعمة، التقنين المدني السوري ، ج4 (المكتبة القانونية، دمشق 1992).

- رمضان أبو السعود، أحكام الالتزام (دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1998).

- سعيد جبر، حسن البراوي، أحكام الالتزام في القانون المدني السوري (مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، 2003).

- سليمان مرقس، موجز أصول الالتزامات (مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة 1961).

- عادل حسن علي، الإثبات- أحكام الالتزام (مكتبة زهراء الشرق، 1997).

- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، الجزء الثالث (دار الحلبي، بيروت 1998).

- عبد الودود يحيى، الموجز في النظرية العامة للالتزامات (دار النهضة العربية، القاهرة 1994).

- ماجد حلواني، نظرية الالتزام العامة (بلا تاريخ).

- محمد لبيب شنب، الوجيز في نظرية الالتزام، الإثبات- أحكام الالتزام (1993).

 


- التصنيف : القانون الخاص - النوع : القانون الخاص - المجلد : المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية - رقم الصفحة ضمن المجلد : 478 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق