-

الإغراق التجاري

الإغراق التجاري

ماهر ملندي

تعريف الإغراق

أنواع الإغراق

مكافحة الإغراق

 

توازى تطور القواعد القانونية الناظمة للعلاقات التجارية وذاك المتعلق بالتحولات المهمة التي شهدتها المجتمعات الوطنية المختلفة والنظام الدولي المعاصر، وخصوصاً بعد قيام الثورة الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر واتساع نطاق التبادلات التجارية والمالية التي تعدّ الأداة الفعالة لزيادة الإنتاج والثروة وتعظيم الأرباح. وترتكز العلاقات التجارية في الوقت الحالي على قاعدة حرية التجارة وتجاوز السياسات الحمائية التي تمثل إحدى المقومات الأساسية للنظام الاشتراكي، لغاية سقوط الأنظمة الشيوعية في أوربا الشرقية وتنامي قواعد اقتصاد السوق الحر المستند بأسسه العامة إلى مفهوم الدولة الراعية التي لا تتدخل في تنظيم العلاقات التجارية لمواطنيها. وقد شهد مذهب الحرية التجارية رواجاً منذ القرن التاسع عشر مع بروز الفكر الرأسمالي التقليدي الذي يرسخ مبادئ الحرية الاقتصادية وضرورة عدم تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية للأفراد؛ وكذلك تقديس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتأمين الحقوق والحريات العامة وتشجيع المنافسة في السوق وفق قواعد العرض والطلب. ومع ذلك فقد تعددت أساليب الحماية التجارية سواء على الصعيد الوطني أم الدولي، والتي يُطلق عليها أحياناً تعبير قيود أو أدوات الحماية التجارية كفرض الرسوم الجمركية على المستوردات أو الصادرات، أو تطبيق أنظمة الحصص وتراخيص الاستيراد والدعم الحكومي وفرض رقابة صارمة على أسعار الصرف. كما انتهجت بعض الدول سياسات تنافسية غير متكافئة، تتعارض ومبدأ عدم التمييز في العلاقات التجارية؛ المنصوص عليه صراحة في الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (الغات) وميثاق منظمة التجارة العالمية واتفاقاتها الملحقة. وتتجسَّد أهم صور التنافس التجاري غير القانوني أو الشرعي، فيما يسمى بسياسة الإغراق التجاري Dumping.

أولاً- تعريف الإغراق:

وهي ظاهرة شائعة في الأسواق الوطنية والدولية، وتتمثَّل في بيع سلعة ما بثمن يقلُّ عن تكاليف إنتاجها أو أسعار السلع البديلة في السوق. أي قيام المنتج أو الموزع أو المستورد بإغراق السوق ببضائعه وبيعها بأسعار تقلُّ عن تلك السائدة في السوق أو المعروضة من قبل منافسيه الآخرين. وهكذا تبرز سياسة الإغراق بوصفها إحدى وسائل المنافسة غير المشروعة، كما تعكس أزمة النظام الاقتصادي الرأسمالي نتيجة غياب التخطيط المركزي وفوضى الإنتاج والتوزيع.

ثانياً- أنواع الإغراق:

تطبق سياسة الإغراق التجارية بأساليب وطرق مختلفة، وهنا يمكننا التمييز بين ثلاثة أنواع رئيسة للإغراق، وهي:

1- الإغراق العارض أو المؤقت: وهو يحدث على نحو مفاجئ لأسباب طارئة، حيث يطرح المنتج أو المستورد ما لديه من بضائع فائضة في السوق، ويبيعها بأسعار منخفضة تلافياً لخسائر أفدح في حال احتفاظه بسلعه الكاسدة فترة أطول، وهذا ما قد يُحدث اضطراباً مفاجئاً في السوق، نتيجة ارتفاع العرض من هذه السلع وانخفاض أسعارها مقارنة بالسلع الأخرى؛ مما يجذب المستهلكين لشراء السلع ذات الأسعار المنخفضة وابتعادهم عن شراء السلع الأخرى، ويُبعد بالتالي منتجيها أو مستورديها عن المنافسة في السوق.

2- الإغراق قصير الأجل: وهنا يعمد التاجر أو المستورد إلى بيع سلعه بأسعار منخفضة ولفترة محدودة. وقد يتحمل المغرق خسائر كبيرة في هذه الفترة على أمل تحقيق أرباح مقبلة بعد القضاء على منافسيه في السوق.

3- الإغراق الدائم: أي إقدام المنتج أو المستورد أو التاجر على اتباع سياسة الاستمرار ببيع سلعه في السوق بأقل من السعر السائد أو تكلفة الإنتاج، وهذا ما قد يولِّد الاحتكار، والعكس صحيح. وقد تمارس الدولة نفسها سياسة الإغراق عندما تعمد إلى تخفيض قيمة عملتها الوطنية، أو تقدِّم دعماً لمؤسسة أو سلعة ما تشجيعاً لعملية التصدير إلى الخارج وبيع منتجاتها بأسعار أقل من سعر السوق، أو لتسهيل تداول السلع الأساسية من قبل أصحاب الدخل المحدود.

ثالثاً- مكافحة الإغراق:

تنال مشكلة الإغراق من مبادئ الحرية الاقتصادية والمنافسة العادلة، فهي تؤدي إلى الإضرار بالصناعات المنافسة، وتزعزع الاقتصاد الوطني واستقراره. ولذلك تلجأ السلطات العامة لدى العديد من الدول إلى إقرار تشريعات وطنية مختلفة وعقد معاهدات ثنائية أو جماعية فيما بينها، أو إيجاد ترتيبات محددة لمكافحة سياسة الإغراق والحفاظ على مصالح مواطنيها. وغالباً ما تلجأ الدول إلى فرض رسوم تعويضية، تساوي الفرق ما بين سعر المبيع للمنتجات التي أغرقت السوق والسعر الحقيقي للمنتج المحدد وفق الأسعار السائدة أو تكلفة الإنتاج. وقد نصت المادة السادسة من اتفاقية «الغات» المتعلقة بالإجراءات المضادة للإغراق على اتباع قواعد معيّنة لحساب هامش الإغراق وقيمة الرسم التعويضي أو المضاد، إذ يتوجب على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية التدخل الفوري لوقف حالة إغراق بضائعها لأسواق دول أخرى في حال تجاوزها هامش 2% أو أكثر من سعر تصدير المنتج، أو إذا تعدَّت الكمية المستوردة من دول معيّنة نسبة 3% أو أكثر من إجمالي واردات الدولة المستوردة من هذا المنتج، وفي حال تجاوز هذه النسب، ولم تتدخل الدولة التي أحدثت ضرراً بمنتجات دولة أخرى نتيجة انتهاج سياسة الإغراق؛ يجوز حينئذ للدولة المتضررة اتخاذ إجراءات مضادة أو اللجوء إلى جهاز تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية. وتتوقف الإجراءات المضادة للإغراق بعد مرور خمس سنوات على اتخاذها، ما لم تثبت السلطات المعنية لدى الدولة المتضررة -وبناءً على تحقيق تُجريه لجنة الممارسات الخاصة بمواجهة الإغراق لدى المنظمة  - أن سياسة الإغراق ستستمر مع أضرارها رغم إزالة الإجراءات المضادة.

وأخيراً، تعدّ ظاهرة الإغراق التجاري سياسة تنافسية غير مشروعة، وقد تلجأ الدول أحياناً إلى فرض قيود كمية أو التقييد الاختياري للمستوردات بغية تلافي إغراق أسواقها بالبضائع المستوردة وتوفير منافسة شريفة وعادلة بين الفعاليات الاقتصادية المختلفة، وعلى الأخص عندما تحدث أزمة خلل في ميزان المدفوعات أو تدفق مفاجئ للمستوردات من سلع معيّنة، على نحو قد يُلحق ضرراً جسيماً بالمنتج الوطني، أو يهدد بوقوع ضرر كهذا. ويحق حينها للسلطات العامة اتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات مضادة حفاظاً على اقتصادها الوطني؛ ولكن بشرط تطبيق هذه الإجراءات التدخلية في فترة محددة وإنهاء العمل بها عند زوال الظروف الاستثنائية والطارئة التي اقتضت اللجوء إليها؛ والعودة بالتالي إلى الأصل في العلاقات التجارية المستندة إلى مبدأ عدم التمييز.

 

مراجع للاستزادة:

 

- إبراهيم مشورب، الاقتصاد السياسي (دار المنهل اللبناني، مكتبة رأس النبع، بيروت 2002م).

- إبراهيم العيسوي، الغات وأخواتها - النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية العربية، الطبعة الثالثة (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2001م).

- خليل السحمراني، منظمة التجارة العالمية والدول النامية (دار النفائس، بيروت 2003م).

- رعد الصرن، أساسيات التجارة الدولية المعاصرة، الجزء الأول (سلسلة الرضا للمعلومات، دمشق 2000م).

- زينب حسين عوض الله، الاقتصاد الدولي (الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت 1998م).

- عادل أحمد حشيش ومجدي محمود شهاب، أساسيات الاقتصاد الدولي (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2003م).

- عبد المطلب عبد الحميد، النظام الاقتصادي العالمي الجديد وآفاقه المستقبلية بعد أحداث 11 سبتمبر (مجموعة النيل العربية، القاهرة 2003م).

- Dominique CARREAU et Patrick JUILLARD, Droit international économique, (L,G. D. J, Paris, 1998).

- T. Flory, Le G.A.T.T droit international et commerce mondial, (L.G.D.J, Paris, 1986).

- P.Weil, Aspects du droit international économique, (Pedone, Paris, 1972).


- التصنيف : القانون التجاري - النوع : القانون التجاري - المجلد : المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق