المناطق الحرة
مناطق حره
free zones - zones franches
بشار محمد
الأسعد
تشغل
المناطق الحرة Free zones في نطاق التجارة والتبادل الدوليين حيزاً كبيراً، وتحتل فضاءً
اقتصادياً مهماً، حيث تمثل المناطق الحرة اليوم عاملاً من العوامل التي تلجأ إليها
الدول ـ وخاصة النامية منهاـ لجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية المباشرة
وتشجيعها، وذلك لما تقدمه تلك المناطق من التسهيلات والحوافز والمزايا الاستثمارية
التي تمكن الشركات المستثمرة من زيادة قدرتها التنافسية ومن ثم تحقيق عائد أكبر
لها، مما أدى إلى زيادة اهتمام الدول بأهمية مثل هذه المناطق في الاقتصاد الوطني،
فوضعت التشريعات وسنت القوانين التي تحكم عملها لإعطائها المزيد من المزايا
والحوافز التي تعمل على جعلها مركزاً لاستقطاب استثمارات خارجية ومحلية في الأنشطة
الاقتصادية المختلفة ولا سيما التصديرية.
أولاً
ـ
نشأة المناطق الحرة وتطورها:
تعود
فكرة المناطق الحرة إلى عصر الامبراطورية الرومانية حيث
أقيمت هذه المناطق بغرض جذب التجارة الدولية العابرة، فقد كانت هذه المناطق تقام
في المراكز الرئيسية لخطوط التجارة الدولية واقتصرت أنشطتها على تموين السفن
وإعادة شحنها، وكانت أول منطقة حرة معروفة هي جزر "ديلوس"
في بحر إيجا حيث كانت تطبق فكرة إعادة الشحن والتخزين وإعادة التصدير للبضائع
العابرة لحدود الامبراطورية.
وفي
العصور الحديثة استغلت الدول الاستعمارية بعض المواقع المهمة في مستعمراتها لإنشاء
المناطق الحرة، وذلك بغرض جذب التجارة الدولية العابرة للحدود إلى هذه الأماكن
لشحن منتجات هذه المستعمرات وتصديرها إلى هذه الدول. ومن الأمثلة على ذلك المنطقة
الحرة في سنغافورا التي أنشأت عام 1819، والمنطقة الحرة في هونغ كونغ التي أنشأت عام 1842.
ومع
النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بدأت فكرة الموانئ الحرة
تنمو بسرعة، وكان الاستخدام الغالب للمناطق الحرة في هذا الوقت في مراكز للتخزين
وإعادة التصدير، ومن الأمثلة الناجحة للمناطق الحرة خلال هذه الفترة منطقة "كولون" في بنما.
وفي
أواخر الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي بدأ ظهور شكل جديد من أشكال
المناطق الحرة التجارية لا يعتمد على النشاط التجاري فحسب؛ بل يعتمد على الصناعات
التصديرية، أي إنه يتم التخطيط لجذب جزء من تدفقات الاستثمارات الدولية للاستثمار
الصناعي في الدولة المضيفة، ومن أمثلة المناطق الحرة التي قامت في هذه الفترة
منطقة "باتان" في الفليبين
ومنطقة "ماسان" في اليابان ومنطقة "ليباس"
في ماليزيا.
وخلال الستينات وبداية
السبعينات بدأت عدة دول بإنشاء مناطق حرة تخدم الهدفين في الوقت نفسه، أي لتكون
مناطق حرة تجارية وصناعية مثل المناطق الحرة المصرية.
لذا
يمكن القول: إن المناطق الحرة تطورت عبر الزمن من حيث:
> نوعية النشاط والغرض: فبعد أن
كانت مجرد مناطق تُمنح فيها المشروعات التجارية بعض الامتيازات
بغرض تنشيط التجارة العابرة؛ أصبحت مناطق تمارس فيها عمليات مختلفة من التخزين
والتصنيع البسيط إلى التصنيع الثقيل فضلاً عن أنشطة الخدمات، وكذلك من الإنشاء
بغرض خدمة المصالح الأجنبية للدول الاستعمارية، إضافة إلى كونها أداة من أدوات
التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية.
> الموقع: فبعد أن كانت تتخذ
مواقعها بالقرب من الموانئ البحرية أصبحت تتخذ مواقعها بالقرب من الموانئ الجوية
أو داخل البلاد لتعمير المناطق النائية وتنميتها.
> المساحة: فبعد أن
كانت تقام على مساحة محدودة أصبحت تقام على مساحات شاسعة، بل أصبحت تشمل مدناً أو
موانئ بأكملها.
وقد أظهرت التقارير
العالمية تطور المناطق الحرة عالمياً منذ عام 1970 حتى الآن على النحو التالي:
ـ تزايد انتشار المناطق الحرة من (25)
دولة إلى (120) دولة.
ـ ارتفع عدد المناطق الحرة من (80) منطقة
إلى (5000) منطقة.
ـ ارتفع حجم تجارة المناطق الحرة من (10)
مليار دولار أمريكي إلى (400) مليار دولار أمريكي.
ـ ارتفع عدد
الوظائف التي وفرتها المناطق الحرة من مليون وظيفة إلى (41) مليون وظيفة.
ثانياً
ـ
مفهوم المناطق الحرة وتمييزها
من الأنظمة المشابهة:
على
الرغم من الانتشار الواسع للمناطق الحرة فإنه ليس ثمة تعريف موحد لها، كما يلاحظ
بالنسبة إلى التشريعات والنظم المختلفة التي تنظم أسلوب العمل بالمناطق الحرة في
العالم أنها لم تضع تعريفاً محدداً للمنطقة الحرة، وإنما وضعت تحديداً لحدود
المنطقة أو للإجراءات والتنظيمات الجمركية التي يخضع لها نظام العمل بداخل
المنطقة؛ أو تعييناً لمجالات الأنشطة التي من الممكن ممارستها داخل حدود تلك
المناطق.
وتعرّف
المنطقة الحرة عموماً بأنها جزء من أراضي الدولة تدخل ضمن حدودها سياسياً وتخضع
لسلطتها إدارياً، ويتم التعامل فيها بصورة خاصة من النواحي الجمركية والاستيرادية والنقدية والضريبية وغيرها من المعاملات
التجارية التي تتعلق بحركة البضائع دخولاً وخروجاً بحيث لا تنطبق على هذه
المعاملات تلك الإجراءات العادية المعمول بها داخل الدولة؛ بهدف السماح بقدر أكبر
من المعاملات والمبادلات التي من شأنها جذب الاستثمارات إليها وزيادة التبادل
التجاري.
وتتسم المناطق الحرة بهذا المعنى بالخصائص التالية:
1ـ العزل: بمعنى أن
المنطقة الحرة محصورة عن بقية إقليم الدولة المضيفة لها، وفي حالة الضرورة يمكن
وضع عازل غير ممكن اقتحامه، كما لا يمكن لأي شخص طبيعي أن يأتي للإقامة فيها
باستثناء الأيدي العاملة.
2ـ الخروج عن الإقليم الجمركي: إن المنطقة
الحرة توجد خارج الإقليم الجمركي للدولة المضيفة لها، بمعنى أن العمليات بداخلها
لا تخضع للتشريعات والأنظمة الجمركية والقانونية والقيود المطبقة بالنسبة إلى
الأنشطة ذاتها داخل الإقليم الجمركي.
3ـ التعطيل الضريبي: إذ إن
الميزة الأساسية للمناطق الحرة تكمن في نظامها الضريبي الذي يخضع له المتعاملون
ومن خلال مختلف العمليات التي تجري داخل المناطق الحرة، ذلك أن المنطقة الحرة لا
يمكن تحديدها كما هي؛ إلا إذا مُنحت أنظمة تشريعية مشجعة وخاصة من الناحية
الضريبية مقارنة بالمحيط الاقتصادي الذي تعمل من حوله.
4ـ العالمية: فالمناطق الحرة مفتوحة
على كل المتعاملين الذين يرغبون في الاستثمار فيها من دون أي تفرقة بالنظر إلى
الجنسية الأصلية لرؤوس الأموال المستثمرة.
5ـ المساواة: إن كل المتعاملين في
المنطقة الحرة يعاملون على قدم المساواة، ذلك أن الامتيازات
تُمنح للجميع، فليس هناك أي تمييز تفضيلي في المعاملة داخل المنطقة نفسها.
6ـ تيسير الإجراءات الإدارية: فالمناطق
الحرة تتميز بانسحاب ملحوظ للإدارات، فالإجراءات الإدارية داخل المنطقة تتميز
بالسرعة والمرونة والبساطة.
وتأسيساً
على ما سبق فإن المناطق الحرة هي نظام قانوني مُنشأ لكيانات قانونية ذات طبيعة اقتصادية
(تجارية، صناعية، خدمية…) تعمل في إطار الحرية الاقتصادية، وتعدّ أجنبية في نظر
القانون الجمركي والضريبي للدولة المضيفة على الرغم من خضوعها لسيادتها، وتمتاز
العمليات فيها بالسرعة والفعالية والسرية.
وعلى
الرغم من التاريخ الطويل للمناطق الحرة في الاقتصاد العالمي؛ فإنه ما زال كثيرون
يخلطون بين هذه المناطق وبين غيرها من المفاهيم الأخرى قريبة الشبه بها مثل
الأسواق الحرة أو مناطق التجارة الحرة، ولذلك يجب التأكيد أن هناك فرقًا بين هذه
المفاهيم الثلاثة.
فالأسواق
الحرة هي الأماكن التي تباع فيها السلع الاستهلاكية تامة الصنع للأفراد العابرين
للمطارات والموانئ في الدول المختلفة سواء كانت سلعاً محلية أم أجنبية، من دون
إجراء أي عمليات صناعية على هذه السلع في تلك الأسواق الحرة، ويتم البيع فيها في
حدود الاستهلاك الشخصي للأفراد المسافرين؛ بهدف امتصاص العملات الأجنبية من هؤلاء
الأفراد؛ ولتنشيط السياحة.
أما
بالنسبة إلى مناطق التجارة الحرة فهي نمط دولي مختلف أيضاً عن المناطق الحرة، حيث
تنشأ منطقة التجارة الحرة بين دولتين أو أكثر لتحرير جميع السلع المتبادلة بينها
عن طريق إعفائها من الرسوم والضرائب الجمركية وذات الأثر المماثل، وذلك لتنشيط
التجارة البينية للدول الأعضاء في هذه المنطقة.
ثالثاً
ـ
أهداف المناطق الحرة:
أدت
التطورات السريعة والمتلاحقة في مختلف مجالات الإنتاج والاستهلاك والخدمات في
العالم وفلسفة وظيفة الدولة ونماذج التنمية؛ إلى تطور أيضاً في الأهداف التفصيلية
للمناطق الحرة بحسب خصوصية الدولة المضيفة للاستثمار، ولعل
من أهم أهداف المناطق الحرة:
1ـ جذب رؤوس الأموال
الأجنبية والمحلية وتشجيعها للتطوير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإقامة
مشاريع البُنى الأساسية والمرافق والتسهيلات الخدمية.
2ـ زيادة حركة التبادل
التجاري وزيادة حجم الصادرات وموارد النقد الأجنبي.
3ـ توفير مصادر جديدة
لدعم موارد الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل.
4ـ إدخال
تقنيات حديثة.
5ـ إيجاد فرص عمل جديدة
للعمالة وتنمية مهارتها وتطويرها.
6ـ استغلال
المزايا النسبية المتوافرة.
7ـ تنمية الإقليم المحيط
وجذب مشاريع التكامل الخلفية.
8ـ تنشيط تجارة الخدمات
(خدمات مالية، بنوك ومصارف، خدمات النقل والاتصالات)،
حيث يزداد الطلب على هذا النوع من الخدمات في المناطق الحرة.
وقد وضعت منظمة الأمم
المتحدة في عام 1985 جدولاً تبين فيه الأهداف الأكثر أهمية للمناطق الحرة، وتتمثل هذه الأهداف بما يلي:
1ـ توليد مصادر للعملات الأجنبية.
2ـ إيجاد فرص عمل.
3ـ جذب رأس المال الأجنبي والتكنولوجيا المتطورة.
4ـ اكتساب مهارات
جديدة.
5ـ خلق روابط بين صناعات المناطق الحرة
والاقتصاد المحلي.
رابعاً
ـ
أنواع المناطق الحرة:
على
الرغم من اختلاف أنواع التي تأخذها هذه المناطق بيد أن جميعها تشترك في أنه لا يتم
فرض أي نوع من الرسوم أو الضرائب الجمركية على وارداتها من العالم الخارجي، كما
تعامل المنتجات التي تخرج من هذه المناطق إلى داخل البلاد كما لو كانت سلعاً
مستوردة من الخارج.
وينبغي الإشارة إلى أنه من
الصعوبة بمكان التمييز الدقيق بين الكثير من أنواع المناطق الحرة لتداخلها وتشابك
نشاطاتها الاستثمارية، لكن للأغراض التحليلية يمكن
تقسيمها إلى الآتي:
1ـ المناطق الحرة التجارية: هي المناطق
الحرة التي يتحدد نشاطها في استيراد السلع والمنتجات من خارج الدولة التي تقام
فيها أو من داخلها؛ لغرض خزنها أو إعادة تعبئتها وتغليفها ومن ثم تصديرها إلى
الخارج وجزء منها إلى الداخل، أي تعد بمنزلة مستودع أو مركز تخزين. وتتحدد أهدافها
في تنمية التبادل التجاري من خلال تنمية تجارة الترانزيت، وتجارة إعادة التصدير
وتيسير تدفق السلع من الدولة المضيفة وإليها، كما هو حال بعض الدول (مصر مثلاً)
التي قامت بتأسيس عدة مناطق حرة تجارية مخصصة لإنشاء مشروعات التخزين والنقل
البحري والخدمات المرتبطة بهما، وفي ماليزيا يوجد اثنتا
عشرة منطقة حرة تجارية ذات استراتيجيات مختلفة وبمواقع مختلفة أيضاً، وإن ما يخزن
فيها يخصص لأغراض التصدير وبنسبة لا تقل عن (80%).
وتعد
المناطق الحرة التجارية من أقدم نماذج المناطق الحرة وتهدف إلى زيادة التصدير
وإعادة التصدير، وتستغلها الشركات الكبرى مركزاً لتوزيع بضائعها المصنعة في البلد
الأم، وتسمى أيضاً بالمناطق الحرة للتخزين أو المستودعات.
2ـ المناطق الحرة الصناعية: هي المناطق
الحرة التي تخصص للاستثمار الصناعي والأعمال التجارية والخدمية المرتبطة بها حصراً
واستثناءً من إجراءات السياسة الصناعية المتبعة في الدولة وقيودها. وقد غلبت الصناعات
كثيفة العمالة كصناعة المنسوجات والألبسة الجاهزة والصناعات الجلدية والصناعات
الغذائية على المناطق الحرة الصناعية في البلدان النامية، ثم امتدت إلى الصناعات
التجميعية في مجال صناعة المركبات والآلات الثقيلة والأجهزة الإلكترونية، وتنحصر
مشروعاتها باستيراد الأجزاء والقطع تامة الصنع وتخزينها في مخازن مؤقتة إلى حين
تجميعها لإنتاج منتجات نهائية وإعادة تصديرها.
ومن
أهم مميزات هذه الصناعات اعتمادها كثيراً على أسواق تجارية واسعة تكون في العادة
غير متاحة في الدول الأقل تقدماً، إضافة إلى أنها تستوعب نسبة كبيرة من الأيدي
العاملة الفنية والخبيرة في أعمال تلك الصناعات والتي يمكن توطينها في الدولة
المضيفة بعد فترة من الزمن.
ومن
أبرز المناطق الحرة الصناعية الناجحة في الدول النامية المنطقة الحرة في مدينة
"كانديلا» الهندية، والمنطقة الحرة في مدينة نصر
في القاهرة (مصر).
وتستهدف
المناطق الحرة الصناعية جذب الشركات الصناعية الأجنبية لتوطين فروع لها فيها، وخلق
تكامل بين المنطقة الحرة والشركة الأم على مستوى السلعة بحيث يتم إنتاج أجزاء منها
في المنطقة الحرة على الأقل وتجميع بقية الأجزاء؛ أو إنتاجها بالكامل في المنطقة
الحرة الصناعية. وتمنح الدولة المضيفة مزايا وتسهيلات عديدة لتشجيع الشركات
الأجنبية للاستثمار الصناعي في مناطقها الحرة الصناعية وتوفر أفضل البُنى الأساسية والخدمات الاستشارية والمعلوماتية فيها. وعموماً ينبغي أن يراعى في الصناعات التي تقام في المناطق
الحرة الصناعية المستحدثة ألا تعمل على تقليد الصناعات المحلية واستنساخها
وتكاملها ويفضل أن تتسم الصناعات التي تقام فيها بالآتي:
> صناعات
تتوافر لها المواد والخامات والطاقة محلياً وموجهة إلى التصدير إقليمياً وعالمياً.
> صناعات تتكامل مع
الصناعات الوطنية عمودياً وأفقياً .
> صناعات جديدة وتعتمد
على تقنية جديدة.
> صناعات
تلبي احتياجات الاستهلاك الوطني أو الإقليمي وتعوّض عن الاستيراد من الخارج إذا
كان الهدف من المنطقة الحرة التعويض عن الواردات.
> صناعات
تساعد على استيعاب المزيد من الأيدي العاملة الوطنية.
> صناعات
غير ملوثة للبيئة.
3ـ المناطق الحرة التجارية والصناعية: يُعدّ هذا
النمط من المناطق الحرة أكثر جدوى من النمطين السابقين وأكثر انتشاراً في العالم؛
إذ تجمع خصائص المناطق الحرة التجارية والمناطق الصناعية وسماتهما، أي إنها تشمل
كلاً من المناطق الصناعية والمناطق الحرة التجارية، وتسمى أيضا بمناطق تجهيز
الصادرات.
وتتميز
المناطق الحرة التجارية والصناعية بارتفاع تكاليفها الاستثمارية، وارتفاع أجور
الأراضي فيها لشدة المنافسة في الطلب عليها، حيث توفر الدولة المضيفة جميع
المتطلبات الضرورية لممارسة الشركات التجارية والصناعية والخدمية لنشاطها سواء ما
يتعلق منها بخدمات المناولة والتخزين والنقل وتوفير الوسائل والمعدات المتخصصة
وقوة العمل المدربة وغيرها من خدمات البنية الأساسية الضرورية للمشروعات؛ أم ما
يتعلق بتسهيل المعاملات الشخصية للمستثمرين والعاملين في المناطق الحرة كالأمور
المتعلقة بالإقامة لهم ولأفراد أسرهم؛ أم ما يتعلق بالجوانب الترفيهية والسياحية
والفندقية والإطعامية.
4ـ المناطق الحرة متعددة الأغراض: وتسمى
أيضاً بمجمعات الأعمال الحرة، ويعد هذا النوع الأكثر تطوراً من أنواع المناطق
الحرة العامة في الوقت الحاضر؛ إذ تمارس أنشطة متعددة في وقت واحد كالنشاط التجاري
والتخزين والنشاط الصناعي والمعارض والنشاط السياحي والنشاط الخدمي كشركات التأمين
والبنوك ومكاتب الاستشارات الفنية والقانونية والاقتصادية إضافة إلى مجمعات التكنولوجيا والإنتاج الفني والتلفازي
والإعلامي والإنترنت وخدمات النقل البحري وقرى الشحن والحاويات وخدمات الترانزيت،
حيث تقسم المنطقة الحرة إلى قطاعات، كل قطاع يخصص لنمط من الأنشطة، مثال ذلك
المنطقة الحرة في "بودنج" بمدينة شنغهاي في
الصين حيث تقسم إلى خمس مناطق حرة فرعية (قطاعات) تجارية، مالية، علمية، سياحية،
ترانزيت.
5ـ المناطق الحرة المتخصصة: هي المناطق
الحرة التي تنشأ في بلد ما وتحدد لنوع معين من الاستثمار أو لنشاط استراتيجي (خدمي
أو إنتاجي) معين، أي إن المناطق الحرة المتخصصة تقام بهدف استيعاب مجموعة متجانسة
من السلع والخدمات يراد توجيهها إلى سوق محددة مسبقاً، وتتركز حول (أو تعتمد على)
موارد ومهارات ومعارف وتقنيات مشتركة، وتكون عوامل ومقومات نجاحها أو إخفاقها
متماثلة، ولها منافسون محددون، ومن الممكن صياغة استراتيجية خاصة بها في ضوء
متطلبات السياسة الاقتصادية للدولة المضيفة، وتمنح الحوافز والتسهيلات المرتبطة
بهذا النوع من الاستثمار والتي من شأنها تيسير إقامة المستثمرين وجذبهم إليه.
ويكون التخصص على مستوى فرع من فروع الصناعة أو الخدمات، مثل منطقة حرة للصناعات الكيمياوية والبتروكيمياوية،
ومنطقة حرة للصناعات الهندسية.
وتعد تجارب الصين وماليزيا
وغيرها من البلدان الآسيوية نماذج جيدة لهذا النوع من المناطق الحرة والتي عدت
بمنزلة وسيلة فعالة لتوفير التقنيات والمهارات العالية التي تحتاج إليها البلاد
وبأقل كلفة ممكنة، وكما هو الحال في المنطقة الحرة لصناعة الجلود في تركيا.
ولا
تقتصر المناطق الحرة المتخصصة على القطاع الصناعي وإنما تمتد إلى قطاعات أخرى
كالمناطق الحرة المالية والمصرفية، وكما هو الحال في المنطقة الحرة للبورصة في إسطنبول في تركيا، وكذلك المنطقة الحرة المالية في السعديات
في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمناطق الحرة الإعلامية كالمنطقة الحرة
للانترنت في دبي، كما يوجد مناطق حرة متخصصة بالسياحة كما هو الحال في تركيا
والصين.
خامساً
ـ
الأهمية الاقتصادية للمناطق
الحرة:
تأتي
أهمية المناطق الحرة من كونها إحدى الأدوات الاقتصادية التي تسهم في تنمية
الاقتصاد القومي من خلال إقامة صناعات تصديرية، وجلب التكنولوجيا
الحديثة، وتوفير الفرص للعمالة، وتعظيم الموارد من النقد الأجنبي، وذلك في سياق ما
تتمتع به المناطق الحرة من مزايا وحوافز وإعفاءات جمركية وضريبية.
وبمعنى
آخر فالمناطق الحرة هي إحدى أوجه التنمية الداعمة
لعملية التنمية الشاملة ذاتها، وذلك من خلال الترابطات
الأمامية والخلفية التي تخلقها هذه المناطق، واستناداً إلى الفلسفة التي تتمحور
حول تحرير التجارة والانفتاح الاقتصادي وتقديم التسهيلات والإعفاءات، ولاسيما أن
العالم يشهد تسارعاً في حركة المتغيرات الاقتصادية لجهة المزيد من تحرير التجارة
والتي كان لها الأثر الأكبر في تحديد مسارات المستقبل العالمي، حيث تُعدّ المناطق
الحرة هنا بوابات عبور للاقتصاد العالمي، ونوافذ تصدير لامتحان قدرة البلد
التصديرية وفقاً لاقتصاد السوق. فالمتغيرات والمستجدات العالمية أدت إلى تحولات
عميقة في الاقتصاد العالمي وذلك بتدويل الإنتاج ودمج الأسواق كتجليات للعولمة؛
والتي تتطلب إزالة الحواجز في وجه تدفق السلع ورؤوس الأموال والخدمات في إطار
الاتفاقات والمنظمات الدولية مثل الشراكة الأوربية ومنظمة التجارة العالمية.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أهمية
المناطق الحرة من خلال النقاط التالية:
1ـ قدرة المناطق الحرة على اجتذاب الاستثمارات
المحلية والأجنبية من خلال الإعفاءات والحوافز التي تقدمها، مما يسهم في دعم ميزان
المدفوعات بالعملات الصعبة.
2ـ تنمية المبادلات التجارية عامة، وتجارة الترانزيت
خاصة؛ حيث إن فلسفة المناطق الحرة القائمة على حرية انتقال السلع والخدمات من دون
خضوعها لأي قيود جمركية وغير جمركية كالقيود الكمية والنقدية وغيرها، إضافةً إلى
مرونة الإجراءات المتبعة بغية تخفيض التكلفة على المستثمرين؛ تؤدي إلى زيادة
قدراتهم التنافسية.
3ـ الإعفاءات التي تمتاز بها المشاريع في المناطق
الحرة تعمل على تشجيع إقامة صناعات ذات مستوى تكنولوجي متقدم وأساليب إنتاجية
متطورة تمكنها من الإنتاج بجودة وكفاءة عاليتين، مما يسهم في رفع تنافسية مثل هذه
الصناعات في الأسواق العالمية.
4ـ توفير فرص
العمل إذ إن المشاريع التي تقام في المناطق الحرة تسهم على نحو مباشر
وغير مباشر في توظيف الأيدي العاملة الوطنية وتكسبها المهارات الفنية التي يمكن
نقلها إلى قطاعات خارج المناطق الحرة، مما ينعكس إيجابياً على رفع إنتاجية هذه
القطاعات.
5ـ المساهمة
المباشرة وغير المباشرة في تطوير المناطق والأقاليم التي تقام فيها
المناطق الحرة، إضافة إلى التأثير الإيجابي في مختلف القطاعات الاقتصادية المرتبطة
بنشاط المناطق الحرة كقطاع النقل والمواصلات والمرافئ والتامين.
6ـ التكامل الصناعي إذ يمكن إقامة صناعات تكون مكملة
لصناعات في مناطق حرة أخرى أو خارج المناطق الحرة؛ إذ إن كثيراً من المنتجات لم تعد
تصنع في مصنع واحد بل يتم إنتاجها في مصانع واقعة في عدة بلدان، ويتم تجميعها في
المناطق الحرة بقصد تصديرها إلى الأسواق العالمية.
7ـ جذب تكنولوجيا حديثة وأساليب عمل وإدارة متطورة،
فقد زادت أهمية التكنولوجيا الحديثة في التنمية
الاقتصادية وخاصة في عصر العولمة الاقتصادية واشتداد المنافسة على التصدير،
ولاسيما أن التكنولوجيا الحديثة تؤدي دوراً مهماً في
خفض نفقات الإنتاج وتحسين الجودة وبالتالي تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات
المحلية في الأسواق العالمية، ويعدّ نقل التكنولوجيا من
أهم أهداف إنشاء المناطق الحرة من أجل رفع الكفاءة الإنتاجية للصناعات المحلية
وبالتالي زيادة قدرتها التصديرية.
8ـ تعظيم القيمة المضافة للموارد الطبيعية: وذلك عن
طريق استغلال المواد الأولية والخام في عملية التصنيع بدلاً من تصدير الموارد
والمواد بصورتها الأولية وبأسعار متدنية جداً، لأنه يمكن إقامة مشاريع صناعية يتم
فيها إجراء عمليات تصنيع وتحويل لهذه المواد وخلق قيم مضافة أعلى لها.
9ـ التدريب والتنمية البشرية: حيث تسهم المناطق
الحرة في توفير فرص لتدريب الأيدي العاملة وتعزيز قدرة الموارد البشرية المحلية
التي تم توظيفها في الشركات المستثمرة في هذه المناطق، وبالتالي يكون لها مردود
إيجابي على مهارة الأيدي العاملة المحلية وهذا قد يؤدي دوراً مهماً في الرفع من كفاءة هؤلاء العمال، وبالتالي المساهمة في زيادة
الكفاءة الإنتاجية للاقتصاد الوطني عند عودتهم إلى العمل في الشركات الوطنية. وهذا
الأمر يتوقف على عدد هؤلاء العمال والمجالات التي تم تدريبهم فيها ومدة التدريب،
وهل هناك تخصصات مشابهة في الشركات العاملة في المناطق الحرة بحيث يمكن أن تسهم في
تحديث الأساليب الإدارية المتبعة في الشركات الوطنية، الأمر الذي يرفع من كفاءة
العمال والمديرين المحليين.
10ـ تنشيط تجارة الخدمات: تشتمل على
الخدمات المالية والاستشارية والمتضمنة خدمات البنوك والتأمين والدراسات والوساطات والاتصالات والتجارة الإلكترونية، وهي الخدمات التي
يزداد الطلب عليها في المناطق الحرة لتكون بمنزلة تسهيل للأنشطة الاقتصادية داخل
المناطق الحرة وخارجها.
سادساً
ـ
مقومات
إنشاء المناطق الحرة:
إن
الدور البارز الذي بدأت تسهم به المناطق الحرة في تحقيق التنمية الشاملة للبلد
باعتبارها إحدى وسائل التنمية؛ هو ما دفع باتجاه تعميق البحث في فلسفة إنشاء هذه المناطق؛
ودراسة المقومات الاقتصادية اللازمة لنجاحها وتعظيم فوائدها وتحجيم سلبياتها، وأهم مقومات إنشاء المناطق الحرة هي:
1ـ الموقع الجغرافي
المتميز:
هو عامل أساسي دفع إلى التفكير في إنشاء مناطق حرة في بلد معين؛ باعتبارها تقام
عادة عند المطارات الدولية والموانئ والمنافذ الحدودية وعند عقد المواصلات الدولية
البرية أو البحرية. وهكذا فإن الموقع الجغرافي ـ في حال
توافر عناصره الأساسية ـ يمكن أن يعدّ ميزة نسبية لبلد دون آخر عند التفكير في
إنشاء المناطق الحرة.
2ـ توافر المواد الأولية: وهي إحدى
العوامل الجاذبة للنشاط الاستثماري إلى العمل في المناطق الحرة، وخاصة إذا كانت
تلك المواد تعدّ سلعة ذات طلب تصديري أو مواد أولية في العملية الإنتاجية، مما
يبرر إقامة المشروع في المنطقة الحرة قريباً من مصادر المواد الأولية بغية التوفير
في التكلفة الإنتاجية للسلع المصنعة فيها، مما يساعد على توفير أرضية صالحة لخلق
التشابك الاقتصادي مع الداخل.
3ـ توافر الموارد
البشرية:
تتمثل بمدى توافر الأيدي العاملة ذات التأهيل العلمي والتقني المطلوب، وبأجور
مناسبة. ومن الطبيعي أن يرتبط هذا العنصر بهدف توفير فرص العمل للأيدي العاملة
الوطنية، ورفع مستوى تدريبها وأدائها. ولعل ذلك هو أحد العوامل الجاذبة للمستثمرين الأجانب للاستثمار
في المناطق الحرة في جنوب شرقي آسيا. أما فيما يتعلق بالأجور فإن العبرة ليست في
مقارنة أجور العاملين في المناطق الحرة بأجور أقرانهم من العاملين في المشاريع
داخل البلد المستضيف؛ وإنما العبرة في كونها مناسبة أو غير مناسبة عند مقارنتها
بمستوى الأجور المدفوعة في بلد المستثمر الأصلي وفي البلدان الأخرى المقامة فيها
مناطق حرة.
4ـ توافر مصادر الطاقة: تعد إحدى
المقومات الأساسية التي تؤخذ بعين الاعتبار عند التفكير في إقامة المشاريع الصناعية
في منطقة حرة دون أخرى، وخاصة عندما يعتمد المشروع بصفة أساسية على مصادر الطاقة
سواء أكانت كهربائية أم نفطية أم غازية؛ لأنها تعدّ
عنصراً من عناصر تكاليف الإنتاج الرئيسة. وعليه فإن
لانخفاض تكاليف الطاقة تأثيراً جوهرياً في تكاليف العملية الإنتاجية وعوائد الاستثمار،
وبالتالي في اتخاذ القرار باختيار موقع المشروع.
5ـ الاستقرار السياسي والاقتصادي: يعد أحد
أهم العناصر الأساسية في جذب الاستثمارات، لما له من ارتباط بدرجة المخاطرة التي
يمكن أن يتعرض لها رأس المال ومستقبل النشاط الذي يقدم عليه المستثمر، وخاصة إذا
كانت أسواق البلد المستضيف والبلدان المجاورة هي السوق المستهدفة ـ كلياً أو
رئيسياًـ عند إقامة المشروع، مع مراعاة توجهات السياسة الدولية ومتطلباتها التي
تدفع في بعض الأحيان باتجاه تنشيط مراكز اقتصادية معينة، بما فيها المناطق الحرة
في مناطق معينة.
6ـ الأسواق المحلية: تؤثر في
اختيار نوع الاستثمار في منطقة حرة دون أخرى على أساس دراسة الأسواق المحلية
والإقليمية وحجمها (إجمالي الطلب الخاص والعام)، وذلك عندما يستهدف المستثمر تسويق
سلعه أو منتوجاته إلى السوق المحلية أو الإقليمية. أما إذا كانت الأسواق المستهدفة هي من الأسواق الدولية في
عملية إعادة التصدير أو تسويق الإنتاج، ففي هذه الحالة لا حاجة إلى دراسة الأسواق
المحلية والإقليمية؛ إلا بقدر استهدافها ضمن إطار السياسة التسويقية.
7ـ القوانين والأنظمة والتعليمات: تكون هذه
القوانين عامل جذبٍ للاستثمارات بقدر ما يمكن أن تمنحه من امتيازات
خاصة للمشاريع المقامة في المنطقة الحرة. وبصورة عامة تتعلق هذه القوانين بتأسيس
المشروعات والشركات داخل المنطقة الحرة؛ وكذلك بالضرائب
والرقابة على التمويل الخارجي. والجدير بالذكر أن بعض الدول ـوفي سياسة جذب
المشاريع إلى المناطق الحرةـ تلجأ إلى تضمين قوانين المناطق الحرة ما يتعلق بعدم
خضوع الشركات والمشروعات المقامة في المناطق الحرة لقرارات التأميم والمصادرة،
فكلما اقتصر القانون على الإطار العام، وترك التفاصيل لإدارة المنطقة الحرة؛ وفر
المرونة لتكييف التشريع في خدمة المنطقة والبلد.
وكذلك
الحال فيما يتعلق بالأنظمة والتعليمات التي تصدرها إدارة المنطقة الحرة لتنظيم
حركة النشاط الاستثماري وإجراءات العمل في المنطقة، إذ كلما تحررت الإدارة من
البيروقراطية والتعقيدات الإدارية في التعامل مع المستثمرين في المنطقة الحرة
تمكنت من النجاح وجذب المزيد من الاستثمارات.
8ـ البُنى التحتية: تتمثل هذه البُنى ـ
بصفة أساسية ـ بالخدمات اللازمة لعمل المشاريع الصناعية والتجارية والخدمية ومنها:
شبكة طرق داخلية؛ مصادر طاقة كهربائية وغازية ونفطية؛
ماء؛ شبكة اتصالات هاتفية محلية ودولية؛ وربط المنطقة الحرة بالميناء أو بعقد مواصلات
دولية طرق برية أو خطوط سكك حديد، وتوفير الخدمات السائدة في المنطقة المتمثلة
بدوائر الجمارك والمصارف والتأمين والنقل. كما تعمد بعض
الدول إلى توفير مكاتب استشارية لتقديم المشورة للمستثمرين في المنطقة الحرة في
المجالات الإدارية والمالية والهندسية والفنية في أهم الاختصاصات مجانياً.
9ـ شروط الاستثمار والإعفاءات والامتيازات الممنوحة للمستثمرين: إن صياغة
شروط الاستثمار والإعفاءات والامتيازات التي تقرر أي
دولة اعتمادها بالنسبة إلى المستثمرين في المناطق الحرة لديها؛ تمثل صياغة
لنظريتها في مجال إدارة هذا النشاط بحسبانه أحد عناصر الاقتصاد القومي، كما تمثل ـ
إضافة إلى المقومات سالفة الذكرـ مفتاح التقدم أو التراجع للنشاط الاستثماري في
المناطق الحرة في ذلك البلد. وهي المؤشر على نجاح تجربة تلك المناطق أو إخفاقها،
لذلك فإن هذا العنصر يحتاج إلى دراسة وتمحيص دقيقين، والنظر إليه ينبغي أن يكون
بنظرة المستثمر، وليس بنظرة إدارة المنطقة؛ إذ إنه كل ما كانت الشروط بسيطة وميسرة
وبعيدة عن البيروقراطية الإدارية داخل البلد، وكلما كانت الإعفاءات والامتيازات أفضل؛ كان ذلك عامل جذبٍ أساسياً للمستثمرين،
ومؤشراً على النجاح المتوقع لتلك المنطقة.
سابعاً
ـ
الإطار القانوني للمناطق الحرة
السورية:
تعد المناطق الحرة أحد
أنماط الاستثمار في سورية، وذلك بهدف جذب الاستثمارات العربية والأجنبية، وتشجيع
الاستثمارات الوطنية لإقامة مشروعات تصديرية لتعظيم الصادرات السورية إلى خارج
البلاد، وخلق فرص عمل جديدة.
وتعود
تجربة المناطق الحرة السورية إلى عام 1952 عندما أنشئت أول منطقة حرة في مدينة
دمشق.
وفي
عام 1971 صدر المرسوم التشريعي رقم (18) لعام 1971 الذي تم بمقتضاه إحداث المؤسسة
العامة للمناطق الحرة، وقد صدق نظام الاستثمار فيها بموجب المرسوم التشريعي رقم
(84) لعام 1972 والذي تم تعديله بالمرسوم التشريعي (40) لعام 2003؛ إذ يعدّ هذا
النظام نقلة نوعية في مجال عمل المناطق الحرة السورية لما أضافته من أنشطة جديدة
لم تكن موجودة في السابق؛ إذ سمح بممارسة الأنشطة الخدمية بمختلف أنواعها وإقامة
النقاط والمناطق الحرة الخاصة.
وتشهد
المناطق الحرة في سورية تطوراً متزايداً خلال السنوات الأخيرة وتحديداً منذ عام
1999؛ إذ تعد هذه المناطق ـ وفي ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية التي تكرس
التوجه نحو مزيد من تحرير التجارة ـ بوابات عبور الاقتصاد الوطني نحو الانفتاح
الاقتصادي وتطبيق سياسات التحرر والتعامل مع الأسواق والأنماط الاقتصادية
المتعددة، مستثمرة الموقع الجغرافي والاستراتيجي لسورية بين القارات الثلاث آسيا
وأوربا وإفريقيا بغية تشكيل نافذة للتجارة والتصنيع والتصدير بين هذه القارات.
وتتوزع
المناطق الحرة القائمة في الجمهورية العربية السورية على ساحل البحر الأبيض
المتوسط وفي مطار دمشق الدولي وفي مواقع مهمة داخل البلاد بطريقة تجعل لهذه
المناطق أهمية استراتيجية خاصة. والمناطق الحرة القائمة في القطر حالياً هي: (
دمشق، مطار دمشق الدولي، عدرا، حلب، اللاذقية، اللاذقية
المرفئية، طرطوس، اليعربية، دير الزور، طرطوس المرفئية، حسياء)، حيث يمارس ضمن
هذه المناطق النشاط الصناعي والتجاري والخدمي والمصرفي والتأميني.
1ـ المؤسسة العامة للمناطق الحرة في سورية: تم إحداث
المؤسسة العامة للمناطق الحرة بموجب المرسوم التشريعي رقم (18) لعام 1971 وصدق
نظام الاستثمار فيها بموجب المرسوم التشريعي رقم (84) لعام 1972 وتم تعديله
بالمرسوم التشريعي (40) لعام 2003 النافذ حالياً، وهي مؤسسة ذات شخصية اعتبارية
واستقلال مالي وإداري ترتبط بوزير الاقتصاد والتجارة، وتعد من المؤسسات ذات الطابع
الاقتصادي وتضطلع بالمهام الآتية:
أ ـ إدارة المناطق الحرة واستثمارها، وإحداث
المستودعات والمخازن اللازمة وتطويرها بما يؤدي إلى نمو المناطق الحرة وازدهارها.
ب ـ اقتراح مشاريع
إنشاء المناطق الحرة أو إلغائها.
ج ـ تنظيم أعمال المناطق الحرة وتنسيق
فعاليتها بما يؤدي إلى خدمة الاقتصاد وتنمية المبادلات التجارية الدولية.
د ـ معالجة كل ما يتعلق بإدارة المناطق
الحرة واستثمارها.
وتختص
المؤسسة على وجه الحصر باستثمار جميع المناطق والأسواق الحرة وفق النشاطات التالية:
> النشاط
التجاري والأسواق الحرة.
> النشاط
الصناعي.
> النشاط
المصرفي.
> النشاط
الفندقي والمطاعم.
> المدن والمراكز
الإعلامية.
> نشاط التجارة
الإلكترونية والمعلوماتية.
> المكاتب
التجارية ومكاتب الشحن.
> النشاط الصحي كإقامة
منتجعات صحية ضمنها أو مشافي ومصحات وفقاً لنظامها.
> النشاط الخدمي بجميع
أنواعه.
> أي نشاط آخر يسهم بتنمية
المبادلات التجارية ويؤدي إلى خدمة الاقتصاد الوطني وفقاً لتقديرات مجلس إدارة
مؤسسة المناطق الحرة0
2ـ دور المناطق الحرة في الاقتصاد الوطني
السوري:
تأتي أهمية المناطق الحرة من الموقع الاستراتيجي المهم الذي تتمتع به سورية بحيث
تعدّ من أهم المنافذ الاقتصادية على العالم الخارجي. وتعد المناطق الحرة إحدى أهم
الموارد الاقتصادية التي تسهم في تنمية الاقتصاد القومي من خلال إقامة صناعات
تصديرية والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة وتوفير فرص
عمالة ورفد القطر بالقطع الأجنبي، إضافة إلى المواقع المهمة التي أقيمت عليها فروع
المناطق الحرة وسط العاصمة والمنافذ البحرية والحدودية؛ حيث تؤدي دوراً مميزاً في
حركة التجارة والترانزيت وإعادة التصدير نحو الأسواق العالمية .
ويعدّ
نظام الاستثمار الجديد الخاص بإدارة المناطق الحرة واستثمارها المصدق بالمرسوم
التشريعي رقم (40) لعام 2003 خطوة نوعية ونقلة مهمة للمناطق الحرة السورية، ويأتي
ذلك في الوقت الذي تشهد فيه المناطق الحرة تطوراً جوهرياً لتفعيل
دورها في خدمة الاقتصاد الوطني من أجل مواكبة التطورات العالمية واستقطاب
الاستثمارات العربية والأجنبية.
3ـ ضوابط الاستثمار في المناطق الحرة السورية: تتمثل
الأمور الضابطة للاستثمار والمواد التجارية والصناعية،
وطرق حل الخلافات والرسوم المترتبة في المناطق الحرة السورية بما يلي:
أ ـ يسمح بتصدير مواد البناء الأساسية
والآلات والمعدات المصنوعة محلياً أو المكتسبة الصفة الوطنية بدفع الرسوم الجمركية
إلى المناطق الحرة السورية معفاة من إجازة التصدير والتعهد بأحكام القطع ومستثناة
من أحكام منع التصدير أو تقييده في حال استعمالها في المناطق الحرة لإقامة الأبنية
والمنشآت الاستثمارية وتجهيزها. أما في حال إعادة تصديرها إلى الخارج فتخضع
للأحكام العامة للتصدير سواء من حيث المنع أم التقييد أم التعهد بإعادة القطع.
ب ـ يسمح بتصدير المواد الأولية المحلية إلى
المناطق الحرة بموجب بيانات تصدير نظامية ووفق ما تسمح به أحكام التجارة الخارجية
ووفق أنظمة القطع النافذة باستثناء بعض الكميات من هذه المواد أو من مواد التعبئة
والتغليف المشمولة بالمخصصات السنوية التي يحددها السيد وزير الاقتصاد والتجارة
الخارجية لكل مستثمر والتي لا تخضع لأحكام التجارة الخارجية وأنظمة القطع النافذة.
ج ـ تطبق أحكام الإدخال المؤقت بقصد التصنيع
وإعادة التصدير النافذة على عمليات الإدخال المؤقت بقصد التصنيع أو إكمال الصنع
وإعادة التصدير الجارية من المناطق الحرة إلى القطر، كما تطبق أحكام التصدير
المؤقت من القطر إلى الخارج بقصد التصنيع أو إكمال الصنع النافذة في القطر على
عمليات التصدير المؤقت المماثلة الجارية من القطر إلى المناطق الحرة.
ـ يتم
منح شهادة المنشأ السوري للمنتجات المصنعة في المناطق الحرة السورية من غرف
الصناعة في القطر، وتصادق عليها الجهة المختصة وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة.
ـ يتم منح شهادة منشأ
منطقة حرة سورية للمنتجات المصنعة أو المحولة في المناطق الحرة السورية من قبل
إدارة المؤسسة العامة للمناطق الحرة وعلى مسؤوليتها بغض النظر عن نسبة التكلفة
المحلية لهذه المنتجات؛ وعلى أن تذيل الشهادة بعبارة تفيد أن محتواها لا يعدّ
بضاعة سورية المنشأ وإنما تم تصنيعه أو تحويله في المنطقة الحرة حصراً.
د ـ يسمح بإدخال بقايا عمليات التصنيع
والفوارغ الناتجة من هذه العمليات في المناطق الحرة إلى البلاد بشرط ألا تتجاوز
كمياتها حدود الكميات المقدرة في تجارب التصنيع وعلى أن تستوفى عنها الرسوم
الجمركية وتستثنى من أحكام التجارة الخارجية، أما إذا كانت البقايا والفوارغ غير
صالحة للاستعمال فيجري إتلافها أصولاً في المنطقة الحرة أو داخل القطر وفقاً
لطبيعتها وكمياتها.
هـ ـ تعفى جميع النشاطات
القائمة داخل المناطق والأسواق الحرة وفقاً لنظامها وكذلك الوثائق المتعلقة بهذه
النشاطات من جميع الضرائب والرسوم، ولاسيما ضرائب الدخل على الأرباح والرواتب
والأجور وجميع الضرائب الأخرى النافذة في القطر، وكذلك الرسوم كرسم الطابع والرسوم
الجمركية وغيرها؛ إلا إذا أعدت الوثائق المتعلقة بالنشاط ضمن المناطق الحرة لتبرز
أمام السلطات المحلية الرسمية داخل القطر؛ عندئذ تخضع لرسم الطابع المتوجب على مثيلاتها من الوثائق المحلية وذلك وفق قانون رسم
الطابع رقم (53) لعام 2006.
و ـ إذا نشأ نزاع بين المؤسسة من جهة
والمستثمرين أو المودعين لديها من جهة أخرى يمكن حل
هذا النزاع بإحدى الطرق التالية:
> إجراء تسوية يقرها
مجلس الإدارة.
> التحكيم.
> اللجوء إلى القضاء
السوري المختص.
ز ـ يمكن أن يستمر
العمل ضمن المناطق الحرة خارج أوقات الدوام الرسمي وأيام العطـل والأعياد على ألا
يتجاوز حدود منشأة المستثمر صاحب العلاقة.
إذا رغب المستثمر أو
المودع في القيام بعمليات إدخال أو إخراج أو نقل أو أي عمل يستوجب تكليف بعض
العاملين للإشراف عليه من غير العاملين القائمين على الحراسة أصلاً؛ تتقاضى
المؤسسة أجور الإشراف وفقاً للمعدلات التي يحددها المجلس لهذه الغاية.
4ـ مزايا الاستثمارات القائمة في المناطق الحرة
السورية:
يوفر نظام إدارة الاستثمار في المناطق الحرة للاستثمارات المقامة في المناطق الحرة
السورية المزايا التالية:
أ ـ الإعفاء الكامل من جميع الضرائب
والرسوم.
ب ـ حرية تحويل رأس المال الأجنبي المستثمر
في المناطق الحرة وأرباحه إلى خارج القطر وبالعكس.
ج ـ حرية استخدام اليد
العاملة السورية أو الأجنبية في المشاريع المقامة أو
التي ستقام في المناطق الحرة.
د ـ منح شهادة منشأ سورية، أو منشأ منطقة
حرة سورية للمنتجات المصنعة في المناطق الحرة، إضافة إلى تمكنهم من إدخال مواد
أولية محلية بقيمة (200000) مئتي ألف ليرة سورية سنوياً
من دون حاجة إلى تغطيتها بالقطع الأجنبي وتصديق فواتير البضائع الأجنبية والمخزنة
فيها.
هـ ـ توفير البنى التحتية للمشاريع المقامة في
المناطق الحرة (ماء، كهرباء، هاتف، صرف صحي، طرق، حراسة).
و ـ حرية توفير مواد البناء والآلات
والتجهيزات اللازمة للمشاريع المقامـة في المناطق الحرة سواء من داخل القطر أم
خارجه.
ز ـ السماح بعمليات التنازل عن حق استثمار
المنشأة متى شاء المستثمر لطالب إشغال جديد أو لمستثمر آخر.
ح ـ حرية حركة
البضائع ضمـن المناطق الحـرة (تنـازل، نقـل من مكـان إلى آخـر، أو من منطقـة حرة
إلى أخرى).
ط ـ فتح حساب جار
بالقطع الأجنبي للمستثمرين في المناطق الحرة لدى المصارف الخاصة العاملة فيها أو
لدى المصرف التجاري السوري (فروع المناطق الحرة).
ك ـ منح المستثمر
سجلاً تجارياً أو صناعياً وتسجيل علامة فارقة تجارية أو صناعية له وحمايتها،
وتأسيس شركات وتسجيلها ضمن المناطق الحرة.
ل ـ أجور أماكن استثمارية (بدلات إشغال)
معتدلة وتنافسية.
م ـ توفير
مستودعات عامة مجهزة بجميع الخدمات لاستقبال البضائع بالنسبة إلى غير المستثمرين
ويمكنهم الاستفادة من المزايا الممنوحة للمستثمرين لدى المناطق الحرة.
و ـ السماح بتصدير المواد الأولية المحلية
إلى المناطق الحرة بموجب بيانات تصدير نظامية ووفق ما تسمح به أحكام التجارة
الخارجية ووفق أنظمة القطع النافذة باستثناء بعض الكميات من هذه المواد أو من مواد
التعبئة والتغليف المشمولة بالمخصصات السنوية التي يحددها الوزير لكل مستثمر والتي
لا تخضع لأحكام التجارة الخارجية وأنظمة القطع النافذة عند تصديرها إلى المناطق
الحرة.
ن ـ لا تسري قرارات الحجز الاحتياطية أو
التنفيذية على المنشآت المقامة ضمن المناطق الحرة والبضائع والأشياء الموجودة
ضمنها؛ إلا إذا كان الحجز ناجماً عن نزاع يتعلق بنشاط في المناطق الحرة لأحد
المتخاصمين، أو نص قرار الحجز صراحة على حجز موجودات المستثمر في المنطقة الحرة
دون المنشأة وحق استثمارها.
ص ـ للمستثمر
إدخال وسائط النقل اللازمة لنشاطه إدخالاً مؤقتاً إلى القطر شريطة ألا تستخدم إلا
للأغراض التي أدخلت من أجلها، سواء كانت هذه الوسائط لنقل الركاب الجماعي أو لنقل
البضائع أم سيارات ذات استعمال خاص (إسعاف، إطفاء، برادات…).
ع ـ وجود نظام تحكيم وتسويات للمنازعات
الناشئة في المناطق الحرة.
ف ـ السماح بإدخال (25%) من قيمة الصادرات
إلى داخل سورية، استثناء من أحكام التجارة الخارجية.
إن الفكرة الأساسية
لتطوير عمل المناطق الحرة مستقبلاً تكمن في محاولة الخروج من مفهوم تعاملها مع
السلع فقط سواء في الإنتاج أم التخزين، والتركيز على الخدمات النوعية سيكون هو
مفتاح المستقبل لعمل المناطق الحرة في ظل انفتاح الحدود وإلغاء الجمارك. وإذا كان
التحرير المتزايد للاقتصاديات العالمية والعمل وفق اقتصاديات السوق يطرح على
المناطق الحرة باعتبارها نوافذ مهمة للاقتصاد المفتوح تحدي تراجع دورها مع انتقال
الاقتصاد بآلياته إلى التحرير التدريجي والكامل للسلع والخدمات ورأس المال، فإن
مواصلة نجاحها يفرض عليها تحديث الإدارة والتجديد والابتكار والتحكم في
المعلوماتية وتعزيز ما تتمتع به من مزايا تنافسية من جهة تحرير التبادل التجاري من
القيود القانونية والإدارية والمالية.
مراجع للاستزادة: |
ـ
سمير شرف (وآخرون)، «دراسة تحليلية للفوائد والتكاليف للمناطق الحرة»، مجلة جامعة تشرين
للدراسات والبحوث العلمية، سلسلة العلوم القانونية والاقتصادية، المجلد 27، العدد
4، 2005.
ـ
عدنان سليمان، المناطق الحرة السورية واقع وآفاق
التطوير، بحث منشور ضمن مؤلف اقتصاديات المناطق الحرة، (دمشق 2002).
ـ
محمودي مراد، النظرية العامة للمناطق الاقتصادية الحرة
(دار الكتاب الحديث، القاهرة 2002).
ـ
نبيل الجداوي، دور المناطق الحرة في التنمية الاقتصادية
العالمية والتجارة الدولية (حالة مصر)، بحث مقدم إلى الملتقى الثاني لإدارة
المناطق الحرة، «أثر اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والدولية على أنشطة المناطق
الحرة» (القاهرة، 14ـ18/5/2006).
ـ
منور أوسرير، «دراسة نظرية عن المناطق الحرة، مشروع
منطقة بلارة»، مجلة الباحث، الجزائر، العدد (2)، شباط
2003، البحث منشور على شبكة الإنترنت:
http://rcweb.luedld.net/rc2/5%20BMS%20Osrir-1.pdf
ـ
الأنظمة المتعلقة بالاستثمار في المناطق الحرة السورية.
- التصنيف : القانون المالي - النوع : القانون المالي - المجلد : المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام - رقم الصفحة ضمن المجلد : 214 مشاركة :