مناطق التجارة الحرة
مناطق تجاره حره
free trade zones - zones de libre-échange
محمد خير العكام
أولاً ـ
تطور فكرة
التكامل الاقتصادي:
ظهرت فكرة التكامل الاقتصادي منذ أن أحست الأمم بعبء
التجزئة وتكلفتها العالية على العملية الاقتصادية، فظهرت صور التكامل بين الدول
الأوربية منذ القرن التاسع عشر، قبل أي تأصيل نظري لفكرة التكامل ذاتها والتي لم
تبدأ إلا بعد الحرب العالمية الثانية مع تزايد هذه الظاهرة، فانبثقت نظرية التكامل
الاقتصادي من التجربة لدى دول أوربا الغربية الرأسمالية ومن ثم لدى الدول
الاشتراكية السابقة. وفي معرض البحث عن التجربة التكاملية التي تناسب الدول
النامية ظهرت وتأصلت نظرية التكامل الإنمائي التي جعلت من التكامل الطريق الأقصر
لتحقيق التنمية والاعتماد الجماعي على الذات.
وارتبطت فكرة التكامل الاقتصادي بمفهوم تحرير التجارة
الدولية وتدعيم الروابط الاقتصادية بين الدول الأعضاء من أجل التأثير في المتغيرات
الاقتصادية؛ مما ينعكس بدوره على تخصيص الموارد والدخل والاستهلاك وأسعار الصرف
بحسبان أن المشكلة الاقتصادية في الدول الرأسمالية كانت الحواجز التجارية التي
كانت تقف عائقاً في وجه تسويق الإنتاج خارج الحدود الوطنية وليس من أجل تنمية
الموارد الإنتاجية، أما في الدول النامية وبحسبان أن مشكلتها الاقتصادية تتمثل في
ضآلة الموارد الاقتصادية المستقلة وضآلة حجم التبادل التجاري فيما بينها، لذلك فهي
بحاجة إلى أن يكون التكامل سبباً لبناء قواها الإنتاجية، ولا يمكن فيها فصل
التكامل عن التنمية، لذلك تمايزت نظرية التكامل الاقتصادي الرأسمالي من نظرية
التكامل التنموي، وعلى هذا يمكن تعريف التكامل الاقتصادي بأنه عملية وحالة، فهو
بوصفه عملية يتضمن التدابير التي يراد منها إلغاء التمييز بين الوحدات الاقتصادية
المنتمية إلى دول مختلفة، وهو بوصفه حالة يعني إلغاء مختلف صور التفرقة بين
الاقتصاديات القومية.
ثانياً ـ
مراحل التكامل الاقتصادي:
التكامل الاقتصادي في الفكر الرأسمالي هو فرع من فروع
نظرية التجارة الخارجية، فهو ينشأ عبر إزالة الحواجز والقيود أمام انتقال السلع
والخدمات وعناصر الإنتاج، وبحسب مدى هذه الإزالة تتمايز صور التكامل أو مراحله وفق التسلسل التالي:
1ـ منطقة التجارة
الحرة: هي أولى مراحل التكامل الاقتصادي، وتعني تحرير التجارة
فيما بين دولها من جميع الحواجز الجمركية وغير الجمركية، كالقيود الكمية والنقدية
والإدارية، مع احتفاظ كل دولة من دولها بتعرفاتها
الجمركية إزاء الدول غير الأعضاء في منطقة التجارة الحرة؛ والحرية في تقدير
سياستها التجارية.
2ـ الاتحاد الجمركي: وهو المرحلة التي تلي مرحلة منطقة التجارة الحرة، وتتطلب ـ إضافة إلى
إلغاء الحواجز الجمركية وغير الجمركية بين دولهاـ توحيد التعرفات
الجمركية لهذه الدول إزاء العالم الخارجي وتعديل الاتفاقيات التجارية المعقودة مع
الدول غير الأعضاء؛ كيلا تتعارض مع الالتزامات الناشئة منه، ومنع الدولة العضو من
عقد اتفاقات تجارية جديدة دون موافقة الدول الأخرى الأعضاء فيه؛ مما يعني تقييد
حرية الدول في اختيار سياساتها التجارية، إضافة إلى إيجاد صيغة مقبولة بين أطرافه
لتوزيع حصيلة الرسوم الجمركية المحصلة على حدوده.
3ـ السوق المشتركة: تمثل هذه الصورة مرحلة أعلى من مرحلة الاتحاد الجمركي في سلم التكامل
الاقتصادي، ويتم فيها ـ إضافة إلى متطلبات المراحل السابقة ـ إلغاء الحواجز التي
تمنع أو تقيد حركة عناصر الإنتاج؛ أي تقيد حرية انتقال رأس المال والأشخاص
والإقامة وممارسة النشاط الاقتصادي بين أعضائه، وبدءاً من هذه المرحلة تتبلور
أهدافه السياسية والاجتماعية إضافة إلى هدفه الاقتصادي، كما تتطلب نوعاً من
التنسيق بين السياسات الاقتصادية لدوله وخاصة المالية منها، وعلى الأخص السياسة
الضريبية والنقدية.
4ـ الاتحاد
الاقتصادي: تتعمق في هذه المرحلة عملية تنسيق السياسات الاقتصادية
بين الدول الأعضاء، سواء السياسات المالية أم النقدية أم الزراعية أم الصناعية أم
سياسات سعر الصرف، وتتوسع لتشمل السياسات الاجتماعية؛ كي تضمن تحقيق الانسجام بين
السياسات العامة للدول الأطراف. والوصول إلى هذه المرحلة يتطلب توافر إدارة
اقتصادية فوق الإدارات الوطنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة والضرورية للعمل على
تحقيق أهدافه.
5ـ مرحلة الوحدة
الاقتصادية: وتصل ذروة التنسيق في هذه المرحلة
حتى توحيد سياسات الدول الأعضاء من الناحية الاقتصادية وحلول السلطة الإقليمية محل
السلطة الوطنية في كل المجالات التي تقتضي عملية التوحيد، إضافة إلى إنشاء عملة
موحدة يجري تداولها في منطقة التكامل بدل عملات الدول الأعضاء الوطنية.
بيد أنه هنالك عدد من الملاحظات على تلك المراحل، هي:
1ـ يرى الكثير من الاقتصاديين الغربيين أن المراحل
السابقة إنما تمثل درجات أو مراحل متتالية للتكامل، فكل مرحلة تالية تمثل مرحلة
أعلى من المرحلة السابقة، والبناء التكاملي هو بناء هرمي، بيد أن واقع التجارب
التكاملية أثبت إمكانية تداخل تلك المراحل.
2ـ إن المراحل السابق ذكرها تتناسب والنظام الاقتصادي الرأسمالي للدول
المتقدمة الذي يعتمد على الملكية الخاصة وآليات السوق ودرجة عالية من التصنيع
ونسبة مرتفعة من التجارة البينية بين دوله، هذه النسبة هي التي جعلت الأثر الثابت
للتكامل الاقتصادي في الرفاهية الاقتصادية الكلية لكل دولة من دول التكامل مرتفعاً
فيها، لذا فالدول الاشتراكية السابقة لم تعتمد الأسلوب نفسه للوصول إلى حالة
التكامل فيما بينها، كما أن معظم التجارب التكاملية للدول النامية أخفقت؛ لأنها
قلّدت التجربة التكاملية الأوربية دون أي تفّهم لواقعها الاقتصادي وخاصة ظاهرة ضعف
نسبة تجارتها البينية، والتي تؤدي إلى ضعف الأثر الثابت للتكامل في الرفاهية
الاقتصادية وحاجة تلك الدول إلى التنمية السريعة والمستدامة، وهذا ما أدى إلى
تأخير ظهور الفكر التكاملي التنموي المناسب لتلك الدول والذي يساعد على تنميتها
الجماعية، ويحررها من التبعية للدول المتقدمة.
3ـ يمكن للدول النامية أن تستعين بالمراحل السابقة لبناء التكامل الاقتصادي
بين دولها، خاصة أنها أصبحت مفروضة عليها واقعياً في زمن العولمة الاقتصادية الذي
يجعلها مضطرة إلى الاستجابة إلى أحكام منظمة التجارة العالمية، ولكن يجب أن يرافق
ذلك ومنذ اللحظة الأولى لبناء أي تجربة تكاملية الالتزام بالتخطيط الإقليمي للنشاط
الاقتصادي بهدف تفعيل المدخل الإنتاجي للتكامل لدعم
مدخله التجاري والوصول إلى مرحلة السوق المشتركة؛ وليس الاكتفاء بمرحلة أدنى
والتنسيق على جميع المستويات للاستخدام الأكفأ للمزايا النسبية لكل دولة من دول
التكامل؛ بحيث يتضمن هذا التنسيق إجراءات مختلفة، منها تنسيق على مستوى السياسات
والتشريعات الخاصة بالتبادل التجاري والقطاع الضريبي والنقدي والأجور والأسعار،
وتنسيق الاستثمارات لتجنب التوزيع غير المتكافئ بين الأعضاء لتوزيع مكاسب التكامل
وتكاليفه وتجنب قيام الصناعات المتماثلة المتنافسة، والتنسيق المالي والضريبي تجاه
تدفق رؤوس الأموال الوافدة للمنطقة التكاملية بغرض توزيع هذه الأموال؛ لتساعد على
التقريب بين مستويات النمو الاقتصادي لدولها كيلا تخل بالتخطيط التنموي الشامل
لها؛ وليكون لكل دولة من دول التكامل مصلحة حقيقية على المدى البعيد في هذا
التكامل، وبذلك يكون التكامل أداة للتنمية القطرية والإقليمية معاً.
ثالثاً ـ
أسس التكامل الاقتصادي التنموي:
على ضوء ما سبق بيانه فإن التكامل التنموي يقوم على أمرين رئيسيين يجب تنفيذهما في وقت واحد:
1ـ الأمر الأول: يعتمد على تنسيق بين السياسات الاقتصادية وخطط التنمية القطرية لبناء
التنمية الإقليمية للمنطقة التكاملية وبرامجها، وتعدّ جهود هذا الأمر شرطاً
مسبّقاً لنجاح التكامل الاقتصادي التنموي بحسبان أن تنفيذها يكفل تعظيم أثر خلق
التنمية وتحجيم أثر قوة تحويل التنمية فيما بين دول منطقة التكامل من جهة وبين
منطقة التكامل والدول الأخرى من جهة أخرى، وللقيام بهذا الدور على النحو المطلوب يجب أن تشمل الخطوات التالية:
أ ـ الاتفاق على حد أدنى من التوافق في طبيعة الفلسفة الاقتصادية التي تختارها
الدول منهاجاً لتنظيم حياتها الاقتصادية.
ب ـ توفير حد أدنى من التنسيق والتجانس بين السياسات
النقدية والائتمانية فيما بينها.
ج ـ توفير حد مناسب من التنسيق المالي والضريبي،
وخاصة في المعاملة الضريبية لقطاعها الإنتاجي ومن ثم الاستهلاكي.
د ـ تنسيقاً في مجالات التنمية الإنتاجية لضمان
الاستفادة من مبدأ تقسيم العمل الإقليمي وتوزيع نتائج التنمية على كل دول التكامل
وزيادة الروابط الاقتصادية الإقليمية بين دوله.
هـ ـ إقامة قطاعات مشتركة للبحث العلمي والتطوير.
و ـ الاتفاق على آلية تكاملية تعمل على الموازنة بين
التكلفة والعائد بين دول التكامل.
2ـ والأمر الثاني: يعتمد على إقامة منطقة حرة بشقيها التجاري والاستثماري، فهذه المنطقة هي
الكفيلة بتهيئة المناخ الملائم لتحويل استراتيجية التنمية المتجهة نحو الخارج؛
لتسهم في توسيع دائرة التخصص الصناعي المستقبلي للموارد الاقتصادية لمنطقة
التكامل، وللقيام بذلك لا بد من:
أ ـ تنفيذ برنامج لإزالة القيود الجمركية وغير
الجمركية على التجارة البينية في مرحلة زمنية طويلة نسبياً وعلى نحو تدريجي.
ب ـ تحقيق الشق الاستثماري للمنطقة الذي يتطلب تحقيق
شرطين: الأول ضمان حرية انتقال الأموال بين دول المنطقة، والثاني ضمان تجنب
الازدواج الضريبي على هذا الانتقال.
ج ـ تحقيق حد أدنى من التنسيق بين السياسات
الاقتصادية لضمان توزيع المشاريع الاستثمارية بين دولها لبناء التنمية المتوازنة
وتنسيق الحوافز الاستثمارية فيما بينها وإحداث التشابك الإنتاجي بين مشاريعها.
د ـ يفضل اختيار الدول ذات المعدل المتقارب في الحماية الجمركية عند البدء
بتكوين دول منطقة التكامل.
هـ ـ الالتزام بمجموعة من الشروط لتكون هذه المنطقة منسجمة مع أحكام منظمة
التجارة العالمية وقواعدها لضمان عدم تعميم التفضيلات
المحددة بين دولها على جميع الدول الأعضاء في تلك المنطقة وأهم هذه الشروط:
> تغطية التحرر التجاري فيها بنسبة 80% من إجمالي التجارة البينية بين
دولها.
> ألا تؤدي إلى التمييز في المعاملة ضد المنتجات الأجنبية العائدة للدول
التي لا تنتمي إليها.
> ألا يؤدي نشوء الاتحاد الجمركي فيها إلى رفع معدل التعرفات
الجمركية لدول المنطقة.
> شفافية قواعد المنشأ واتخاذ مبدأ تسوية المنازعات بين دولها.
> أن يسبق مبدأ الدولة الأولى بالرعاية أو يصاحب قيام هذه المناطق.
> تغطية التحرر لمعظم الخدمات التي التزمت بها الدول النامية في جولة الأورغواي لاتفاقيات الغات عام
1994.
> ألا تتجاوز الفترة الزمنية لإقامة هذه المنطقة عشر سنوات.
> تقديم تقرير دوري عن تقدم تنفيذ هذه المنطقة إلى
مجلس السلع العائد لمنظمة التجارة العالمية.
وهكذا يمكن القول: إن مفهوم التكامل الاقتصادي التنموي واسع الأبعاد ديناميكي
التطبيق، وهو الحل الوحيد لحماية المصالح الاقتصادية للدول النامية والوسيلة
الأسرع لتحقيق التنمية فيها والاستقلال الاقتصادي عن الدول المتقدمة.
رابعاً ـ
تعريف منطقة التجارة الحرة:
يمكن تعريف منطقة التجارة الحرة بأنها تجمع اقتصادي بين
مجموعة من الدول يتم بموجبه تحرير التجارة فيما بينها من جميع الحواجز الجمركية
والقيود الأخرى على التجارة مع احتفاظ كل دولة بتعرفاتها
الجمركية إزاء الدول خارج المنطقة، وذلك بتحقيق منافع اقتصادية تتمثل في تعظيم
الإنتاج وحجم التجارة بين دول المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد يُجري بعض اقتصاديي التكامل
تحليل الآثار الاقتصادية الناجمة عن تحركات السلع بحرية
داخل دول المنطقة، مع افتراض ضمني بتجانس التعرفة
الجمركية التي تفرضها دول المنطقة على الدول خارج المنطقة. وهنا لا تنطبق نتائج
التحليل على مناطق التجارة الحرة، بل على الاتحادات
الجمركية بوصفها المرحلة الثانية التي تلي مرحلة منطقة التجارة الحرة، وبناء على
ذلك فإن أي مناقشة لمنطقة التجارة الحرة ينبغي أن يستبعد فرضية تجانس التعرفات الجمركية المفروضة من دول المنطقة على الدول خارجها
والتركيز على حرية حركة السلع داخل المنطقة.
خامساً ـ
الآثار
المترتبة على إنشاء منطقة التجارة الحرة:
يمكن القول: إن حرية حركة السلع والخدمات داخل المنطقة
مع الإبقاء على اختلاف معدلات الرسوم الجمركية في تجارة دول المنطقة مع الدول غير
الأعضاء يمكن أن يرتب آثاراً تتمثل في خلق إمكانيات الانحراف في اتجاهات التجارة
والإنتاج والاستثمار يؤثر سلباً في الرفاهية الاقتصادية لهذه الدول، يمكن الإشارة
إليها بإيجاز كما يلي:
1ـ انحراف
التجارة:
يتحقق هذا الانحراف عندما تلجأ دولة عضو في المنطقة إلى
تطبيق تعرفة جمركية أدنى على سلعة عند استيرادها من
دولة من خارج المنطقة بدل استيرادها من دولة من داخل المنطقة وخاصة عندما تطبق هذه
الأخيرة تعرفة مرتفعة عليها، الأمر الذي يتعارض مع
الهدف من إنشاء منطقة التجارة الحرة المتمثل في زيادة التبادل التجاري بين دولها.
فإذا لم تتخذ تدابير للحيلولة دون حصول ذلك؛ فإن السلعة موضوع المتاجرة تدخل
المنطقة بوصفها صادرة من دولة من خارج المنطقة وواردة إلى دولة داخلها، ولا يمكن
التقليل من ذلك إلا عندما يكون مستوى التباين بين معدلات التعرفات
الجمركية بين دول المنطقة منخفضاً، على الرغم من أن هذا الإجراء لا يمكن أن تعترض
عليه الدولة ذات المعدل الجمركي المرتفع؛ وذلك لسببين:
أ ـ إن هذا السلوك له آثار إيجابية في الاقتصاد الدولي، ويساير اتجاه التحرر
التجاري.
ب ـ لا يمكن منع الدولة ذات معدل التعرفة المنخفض
من اللجوء إلى هذا الإجراء بحسبان أن المبادئ التي تقوم عليها منطقة التجارة الحرة
ـ والمتمثلة بحرية كل دولة فيها من وضع تعرفتها
الجمركية وتعديلها وفق ما تراه مناسباً لأوضاعها الاقتصادية ـ لا تمنع من تلك
القواعد.
2ـ انحراف
الإنتاج:
ويتمثل هذا الانحراف في أن بعض المنتجات الصناعية قد
تحتوي على نسبة مرتفعة من المواد اللازمة لصناعتها؛ ولكنها غير متوافرة في دول
المنطقة؛ الأمر الذي يستوجب معه استيرادها من الخارج، وعلى ذلك فإن صناعة هذه
المنتجات تتحول من الدولة ذات التعرفة الجمركية
المرتفعة نسبياً إلى الدولة ذات التعرفة الجمركية
المنخفضة نسبياً بين دول المنطقة.
عندما يؤثر هذا الفارق في التكلفة الإنتاجية للسلعة؛
يوحي أن النشاط الإنتاجي لا يقوم على مبدأ الميزة النسبية في الإنتاج، بل تبعاً
للاختلاف في معدل التعرفات الجمركية؛ مما يؤثر في
الكفاءة الاقتصادية في تقسيم العمل بين الدول على أساس الميزة النسبية في الإنتاج،
ويتعارض مع نظرية التجارة الدولية.
ويجدر التنويه في هذا المجال أنه من غير المستطاع دائماً
التمييز بين الدول ذوات التعرفات الجمركية المرتفعة
والدول ذوات التعرفات الجمركية المنخفضة في منطقة
التجارة الحرة، فقد تكون تعرفة بعض السلع مرتفعة في
دولة عضو في حين أن تعرفة سلع أخرى مرتفعة في دولة أخرى،
وفي هذا المجال يتم تحويل إنتاجي لبعض هذه السلع إلى الدولة الأولى في حين يتم
تحويل بعضها الآخر إلى الدولة الثانية، وتصبح المشكلة أكثر تعقيداً كلما زاد عدد
الدول الأعضاء في المنطقة، وهذا الوضع يؤدي إلى إعادة توزيع الموارد بين دولها
تبعاً لاختلاف تلك المعدلات وليس تبعاً للميزة النسبية، وهذا ما يؤثر في الكفاءة
الاقتصادية للمنطقة برمتها.
3ـ انحراف
الاستثمار:
انحراف الإنتاج السابق بيانه قد يُصحب بحركات انحرافية في الاستثمارات تسيء إلى الوضع الاقتصادي على مستوى
المنطقة برمتها، فمع افتراض بقاء باقي عناصر المناخ الاستثماري على حالها، فإن
المستثمرين الأجانب سوف يستثمرون أموالهم في الدول ذات الرسوم الجمركية على المواد
الأولية والسلع الوسيطة (غير تامة الصنع) المنخفضة نسبياً، وذلك لتحقيق أكبر ربح
ممكن لهم وأكبر منافسة للمنتجات التي ينتجونها، فإن هذا السلوك من جانب هؤلاء يعني
ضمناً ابتعادهم عن الاستثمار في الدول ذات المعدل الجمركي المرتفع.
سادساً ـ
وسائل تلافي
الانحرافات الناشئة من قيام منطقة التجارة الحرة:
اقترح اقتصاديو التكامل وسائل يمكن من خلالها تجنب
الانحرافات السابق ذكرها التي تؤثر سلباً في الكفاءة الاقتصادية لدول المنطقة؛ من خلال الحلول الثلاثة التالية:
1ـ قاعدة النسبة
المئوية:
تنطوي هذه القاعدة في الأساس على حساب القيمة المضافة
بحسبانها جزءاً من قيمة المنتج النهائي لأي سلعة موضوع المتاجرة، ومن ثم تلغى
الرسوم الجمركية على التجارة البينية على السلع التي تشكل القيمة المضافة فيها
نسبة مئوية معيّنة من قيمتها السوقية، تحددها المنطقة بداية. ترتفع هذه النسبة أو
تنخفض وفق تقدير دول المنطقة لحاجتها إلى التشابك الإنتاجي فيما بينها، كما هو
الحال لدى الدول النامية، ولكن هذا لا يحول دون انحراف التجارة بين دولها، وعموماً
فإن هذه القاعدة تؤدي إلى زيادة في المكاسب المتأتية من إقامة منطقة التجارة الحرة
عند التسوية بين المزايا الحدية لخلق التجارة والمساوئ الحدية لانحرافها، وعلى
أساس هذه التسوية يتم الاتفاق على تلك النسبة المئوية.
ولكن ثمة مشكلات تنشأ عند التطبيق العملي لهذه
القاعدة، لعل أهمها:
أ ـ الاتفاق على قواعد حسابات التكاليف بالنسبة إلى
جميع السلع والخدمات المتداولة، وهذا يتطلب وقتاً وجهداً كبيراً، وهي ما تسمى
بقواعد المنشأ.
ب ـ قد تؤثر تقلبات أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية في حساب النسبة
المئوية.
ج ـ التنوع الشديد في السلع والذي يستلزم تصنيفها بشكل متتالٍ في العملية
التصنيعية.
د ـ تستلزم تكاليف ورقابة إدارية على عمليات المتاجرة بين الدول.
2ـ قاعدة
التحويل:
إن المشاكل الناجمة عن تطبيق القاعدة السابق ذكرها دعا
إلى التفكير في هذه القاعدة، والتي تتمثل في إعداد قائمة بالعمليات الإنتاجية
المتعاقبة بصدد تصنيع منتج نهائي من كل سلعة موضوع المتاجرة، والبلد الذي تجري فيه
عملية التحويل المهمة يعدّ منشأ لهذه السلعة.
إن هذه القاعدة تتجاوز الصعوبات التطبيقية للقاعدة
السابقة؛ إلا أنها تحمل بعض الصعوبات، ومنها:
أ ـ صعوبة الاتفاق على إعداد القوائم المشتركة الخاصة بحصر العمليات الإنتاجية
لكل سلعة.
ب ـ إن قاعدة التحويل ذاتها قد يكون من الصعوبة تطبيقها على بعض الصناعات
كالصناعات الكيمياوية، وقد يكون سهلاً على صناعات أخرى
كالصناعات النسيجية.
3ـ قاعدة الضرائب التعويضية:
تتم حماية المنطقة من انحرافي التجارة والإنتاج إلى
خارجها عن طريق أداء الضرائب التعويضية، فتدفع الضرائب التعويضية في خصوص الحركة
التجارية داخل منطقة التجارة الحرة في الحالات التي تتجاوز فيها الفوارق في الرسوم
الجمركية بين الدول الأعضاء حدوداً معيّنة، لذلك يحدد الاتفاق على حدود التباين
بين معدلات التعرفات الجمركية بين دولها والتي على
أساسها يتم اختيار هذه الدول، فضلاً عن الاتفاق على مستوى التعرفة
التي يقع عليها الاختيار معياراً يمكن اتخاذه لكل فرع من فروع الإنتاج في اقتصاد
دول المنطقة؛ وتبدأ معه الدول دفع هذه الضرائب، وكلما كان معدل التباين أقل قلّت
الحاجة إلى دفع مثل هذه الضرائب.
بيد أن دفع هذه الضرائب التعويضية من بعض دول المنطقة
إلى بعضها الآخر يستلزم قناعة تامة منها بأنه مفيد لها أيضاً، إن لم يكن على المدى
القريب، فإنه يكون على المدى البعيد، كما تؤدي إلى زيادة التكلفة الإدارية للمنطقة
الناجمة عن تزايد إمكانية تقديم بيانات باطلة ومضللة في هذا المجال.
سابعاً ـ
نقد مرحلة
منطقة التجارة الحرة التكاملية:
يبدو مما سبق أن الوسائل السابقة لا تحل جميع المشاكل
الناجمة عن إنشاء منطقة التجارة الحرة، بيد أن الجمع فيما بينها يخفف من تلك
المشاكل، والتغلب عليها كلياً لا يمكن أن يتم إلا بانتقال إلى المرحلة التكاملية
العليا فيما بينها، وهي الاتحاد الجمركي، فالوصول إلى هذه المرحلة بين الدول
الأعضاء في منطقة التجارة الحرة يقلل من حجم تلك الانحرافات في التجارة والإنتاج والاستثمار
لكونها توحد تعامل كل دول المنطقة مع العالم الخارجي في معدل التعرفة
الجمركية عن طريق توحيد التعرفة لدول المنطقة في
تعاملها مع الدول خارجها، وبناء هذا الاتحاد بين دول المنطقة هو الذي يعالج
مشاكلها التي عُرضت سابقاً، لذلك لا بد من اعتبار منطقة التجارة الحرة مرحلة
انتقالية بين الدول ولا بد من الاتفاق فيما بعد بين دولها على الوصول إلى مرحلة
الاتحاد الجمركي، هذا في الدول المتقدمة، أما في الدول النامية فحتى مرحلة الاتحاد
الجمركي لا يكفي لزيادة الكفاءة الاقتصادية وزيادة معدلات التنمية والدخل لدول
التكامل، ولا بد من الاتفاق من اللحظة الأولى أن يرافق قيام الاتحاد الجمركي تحرير
حركة عوامل الإنتاج أيضاً بين دوله، وهذا ما جعل هنالك تمايزاً في نظرية التكامل
الرأسمالية من نظرية التكامل الاقتصادي الإنمائي، كما مرّ في فقرة سابقة.
بناء على الحقائق السابقة فإن التجارة التكاملية التي قامت وتزايدت في العالم
في النصف الثاني من القرن العشرين استمرت وتطورت إلى ما بعد مرحلة منطقة التجارة
الحرة كما هو الحال لدى التجربة الأوربية، ومنها ما تعثر في الطريق، وذلك لسببين:
> الأول: تقليدها للتجربة
الأوربية دون إدراكها للفرق بين ظروفها الاقتصادية ومشكلاتها وظروف الدول الأوربية
ومشكلاتها التي دعتها للتكامل.
> الثاني: تأخرها في بناء
النظرية التكاملية الإنمائية، وعدم توافر الإرادة السياسية التي تتطلبها العملية
التكاملية، وارتباط الدول النامية اقتصادياً بالدول المتقدمة أكثر من ارتباطها بالدول
المماثلة لها بدرجة التطور الاقتصادية والأقرب جغرافياً.
بيد أن تغير الظروف الاقتصادية العالمية جعل الدول
النامية مضطرة للتمسك بإقامة مثل هذه المناطق؛ وذلك لحماية مصالحها الاقتصادية
تجاه الدول المتقدمة والعالم مع زيادة الاتجاه إلى تكوين كيانات اقتصادية كبرى في
العالم، كقيام منطقة التجارة الحرة بين دول أمريكا الشمالية "النافتا"، وقيام منطقة التجارة الحرة لدول جنوب أمريكا،
وقيام اتحاد بين هاتين المنطقتين في العام 1995 لإقامة منطقة تجارة حرة موحدة
للدول الأمريكية، وغيرها من المناطق، وهذا ما جعل الدول العربية تعيد النظر
بتجاربها التكاملية من أجل تفعيلها وتجديدها على ضوء
تلك الظروف.
ثامناً ـ
منطقة
التجارة الحرة العربية الكبرى:
أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لجامعة الدول
العربية في دورته /59/ بتاريخ 17/2/1997 قراره رقم /1217/ القاضي بالإعلان عن قيام
منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى متضمناً الموافقة على البرنامج التنفيذي
لاتفاقية تيسير التبادل التجاري وتنميته بين الدول العربية المعقودة في عام 1981
تنفيذاً لقرار القمة العربية الطارئة المعقودة في
القاهرة في عام 1996، وذلك من أجل الإسراع في إقامة منطقة تجارة عربية حرة وفقاً
لبرنامج عمل وجدول زمني محدد؛ كي تكون نواة لتحرك اقتصادي عربي صادق وجدي نحو
تحقيق السوق العربية المشتركة تشمل جميع الدول العربية بالمستقبل.
وجاء إقرار هذا البرنامج التنفيذي تأكيداً لضرورة تنفيذ
متطلبات الاعتراف بالترتيبات الاقتصادية الإقليمية في
النظام التجاري الدولي الجديد أكثر مما يكون تعبيراً عن أهمية المدخل التجاري في
إنجاز التكامل الاقتصادي العربي الذي يجب أن يكون تنموي الطابع بالدرجة الأولى.
1ـ الإطار القانوني
لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى:
استند هذا الإطار من الناحية التنظيمية والمؤسسية على
نحو أساسي إلى اتفاقية تيسير التبادل التجاري وتنميته بين الدول العربية، وتم تسويغ هذا الاستناد من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي وفقاً لما يلي:
أ ـ إمكانية الاستناد
إليها من الناحية القانونية: فقد أتاحت المادتان (6ـ7) منها إنشاء منطقة للتجارة العربية بين
الدول الأعضاء، فأتاحت المادة السادسة إعفاء السلع
الزراعية والحيوانية والمواد الخام والسلع نصف المصنعة والمنتجة من المشروعات
العربية المشتركة من كل الرسوم الجمركية والضرائب ذات الأثر المماثل ومن القيود
غير الجمركية، كما أتاحت المادة السابعة تحرير السلع
المصنعة من القيود السابقة تدريجياً على أساس القوائم على نحو فوري، فالبرنامج
التنفيذي سعى إلى الوصول إلى الهدف نفسه؛ ولكن بالنسبة إلى كل السلع وفق جدول زمني
حدده بعشر سنوات تبدأ في (1/1/1998).
ب ـ سهولة انضمام جميع
الدول العربية إليها؛ لسهولة متطلبات هذا الانضمام من الناحيتين
القانونية والاقتصادية: فمن الناحية الأولى يكفي الدول غير المنضمة إليها
المصادقةُ عليها وإيداع وثائق التصديق لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية،
ومن الناحية الثانية تعدّ منطقة التجارة الحرة الحد الأدنى من صور التكامل
الاقتصادي التي لا تلزم الدول التي تنضم إليها بتغييرات واسعة في نظمها وسياساتها
الاقتصادية يمكن أن تؤثر على نحو واسع في أوضاعها الاقتصادية؛ مما يسهّل على كل
الدول العربية الانضمام إليها.
ج ـ وجود بعض النصوص في
تلك الاتفاقية يمكن الاعتماد عليها من الناحية الفنية لحل بعض إشكالات تنفيذ تلك المنطقة
وتوفير بعض متطلباتها: كالاعتماد على المادة (9) منها فيما يخص قواعد المنشأ.
د ـ وجود بعض النصوص في
تلك الاتفاقية يمكن الاعتماد عليها بالمستقبل من
أجل تطوير منطقة التجارة الحرة والانتقال بها إلى مرحلة الاتحاد الجمركي: كالمادة
الثامنة منها التي تشدد على ذلك، وهذا ما حدث فعلاً، فبعد أن تحققت المنطقة مع
دخول عام 2005 بالنسبة إلى السلع ثم معظم الخدمات؛ بدأ العرب في قممهم الأخيرة
التحضير لقيام الاتحاد الجمركي العربي والذي اتفق على إعلانه في عام 2013؛ وذلك في
القمة الاقتصادية العربية المنعقدة في الكويت عام 2009.
ويجب التنويه هنا أن رغبة العرب في الاستناد إلى اتفاقية
تيسير التبادل التجاري وتنميته كان بهدف عدم العودة إلى الوراء والاستفادة ما أمكن
مما تحقق في هذا الصعيد على الرغم من تواضعه، ولم يكن الأساس القانوني النموذجي
لذلك.
تعدّ جميع المؤسسات القومية القائمة كصندوق النقد العربي
وبرنامج تمويل التجارة العربية والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار بمنزلة إطار مؤسس
عام وداعم للإطار التنظيمي لمنطقة التجارة الحرة
العربية الكبرى، ولكن تلك المؤسسات غير كافية، ولا بد من إقامة اتحاد مدفوعات عربي
يدعم الدول الأعضاء في تحقيق حرية التبادل التجاري.
هـ ـ استند البرنامج إلى
الأحكام الواردة في الاتفاقيات الدولية، كاتفاقيات تحرير التجارة المعقودة ضمن إطار جولة الأورغواي وغيرها فيما يتعلق بتحديد قواعد المنشأ والمواصفات
والمقاييس واشتراطات الوقاية الصحية والأمنية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل
ومبدأ الشفافية وتبادل المعلومات والبيانات والإجراءات واللوائح الخاصة بالتبادل
التجاري والاتفاقيات التجارية وتثبيت الرسوم والضرائب بتاريخ محدد لأغراض تطبيق
البرنامج، كما استند إلى الأسس الفنية ذاتها المتبعة في منظمة التجارة العالمية
فيما يتعلق بإجراءات الوقاية والإغراق ومعالجة حالات الدعم وخلل ميزان المدفوعات
الناجمة عن تطبيق هذا البرنامج بين الدول الأعضاء.
2ـ المكونات الأساسية
للبرنامج التنفيذي لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى:
القراءة المتأنية للبرنامج التنفيذي تدل على
جهد كبير فقد تضمن:
أ ـ القواعد والأسس القانونية التي ذكرت أعلاه.
ب ـ الاتفاق على تحرير التبادل التجاري بين الدول الأطراف تدريجياً على مدى
عشر سنوات تخفض في كل منها الرسوم الجمركية والضرائب ذات الأثر المماثل 10 0/0 إلى
أن يتم إنجاز التحرير الكامل لكل السلع ذات المنشأ العربي بتاريخ 31/12/2007، كما
أقر برنامج الرزنامة الزراعية، وأقر مبدأ عدم سريان
أحكامه على المنتجات والمواد المحظور استيرادها أو تداولها أو استخدامها لأسباب
دينية أو صحية أو أمنية أو لقواعد الحجر الزراعي أو البيطري، كما ألزم الدول
الأطراف باتباع نظام التصنيف الجمركي المنسق للسلع.
ج ـ الاتفاق على عدم خضوع التجارة البينية العربية للقيود غير الجمركية.
د ـ الاتفاق على أن تخضع السلع لقواعد المنشأ التي
أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في دورة (57) بالقرار (1269) المؤرخ في
13/2/1996.
كما أقر الكثير من المبادئ كضرورة تسوية المنازعات
الناجمة عنه بواسطة لجنة تشكل من الدول الأعضاء لهذا الغرض، كما أقر معاملة خاصة
بالدول العربية الأقل نمواً والتي شملت سبع دول عربية، هي اليمن والسودان وموريتانيا
والصومال وجزر القمر وجيبوتي، وفلسطين، كما أقر مبدأ التشاور بين الدول الأطراف
حول مجالات النشاط الاقتصادي الأكثر ارتباطاً بالمعاملات التجارية والتي من الممكن
أن تؤثر في تطبيق الاتفاقية والبرنامج التنفيذي، وهذه المجالات تتمثل بالخدمات
المرتبطة بالتجارة والتعاون التكنولوجي والبحث العلمي وحماية حقوق الملكية الفردية
وتنسيق النظم والتشريعات والسياسات التجارية، كما أوجد البرنامج جهازاً إدارياً
لمتابعة تنفيذ متطلبات تحقيق هذه المنطقة ومعالجة المشاكل التي تعترضها، فأنشأ لجنة للتنفيذ والمتابعة وأخرى للمفاوضات وثالثة
لقواعد المنشأ، إضافة إلى اعتبار المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمنزلة أمانة فنية
لها.
تجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن معظم الدول العربية
انضمت إلى هذه المنطقة بعد استيفائها لشروط الانضمام إليها من الناحية القانونية،
فحتى الانتهاء من مدة تنفيذ البرنامج الذي اتفق بين الدول العربية عام 2001على
تقليصه إلى سبع سنوات بدلاً من عشر، انضمت إليها عشرون دولة تدريجياً ولم يبقَ
خارجها سوى جيبوتي وجزر القمر والصومال، وقد تفاوتت درجة التزام كل منها في
متطلبات قيامها.
لقد واجه البرنامج التنفيذي مجموعة من المشاكل الفنية والإجرائية،
ولا يمكن القول: إنها تحققت على نحو قانوني، وحققت المعايير الدولية من أجل
الاعتراف بها بحسبانها تكتلاً اقتصادياً إقليمياً دون الإسراع بإيجاد حلول مناسبة
لها، وليس هذا فحسب، بل لا بد من النظر إليها على أنها وسيلة لحل المشاكل
الاقتصادية التي تعانيها الدول العربية، وليست هدفاً لذاتها
أو تنفيذاً للمعايير الدولية المتعلقة بالتكتلات
الاقتصادية الإقليمية، لذا فالعرب بحاجة إلى منهج تكاملي شامل يجمع بين تحرير
التجارة والتنسيق التنموي والتخطيط الإقليمي الذي يربط بين التجارة والإنتاج على
المستوى الإقليمي وتحسين مناخ الاستثمار وجعل الأسواق أكثر شفافية واستقراراً،
وذلك لتحقيق المصالح المشتركة للدول الأطراف مع مراعاة الاحتياجات والأوضاع الخاصة
بالدول الأقل نمواً. ولقيام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى بهذا الدور لا بد
من توفير شروط وعوامل موضوعية بين الدول الأعضاء حاول البرنامج التنفيذي توفيرها،
ولكن مكوناته لم تعكس المنهج التكاملي الشامل حتى يمكن القول: إنه حقق متطلبات
نظرية التكامل الاقتصادي التنموية كافة؛ مما يجعل عدم توافرها عقبة تحول دون
تحقيقها لأهدافها المرتبطة بالمشاكل الاقتصادية للدول العربية وإن حققت معايير
الاعتراف الدولية بها.
مراجع للاستزادة: |
ـ حسين عمر، التكامل الاقتصادي أنشودة العالم المعاصر
(دار الفكر العربي، ط/1، القاهرة 1998).
ـ محمد محمود إمام، تحرير منطقة التجارة الحرة العربية؛
التحديات وضرورات التحقيق (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2005).
ـ محمد خير العكام، دور
السياسات الضريبية في البلاد العربية في إنجاز السوق العربية المشتركة (رسالة
دكتوراه، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 2003).
ـ سليمان المنذري، السوق
العربية المشتركة في عصر العولمة (مكتبة مدبولي، ط/2،
القاهرة 2005).
ـ سامي عفيفي حاتم، التجارة
الخارجية بين التنظير والتنظيم، الكتاب الثاني (الدار المصرية اللبنانية ط/2،
القاهرة 1994).
ـ محمد محمود إمام، التكامل الاقتصادي الإقليمي بين
النظرية والتطبيق (معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة
2001).
- التصنيف : القانون المالي - النوع : القانون المالي - المجلد : المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام - رقم الصفحة ضمن المجلد : 207 مشاركة :