جرايم واقعه علي حريه وشرف
offenses against the freedom and honor - infractions portant atteinte à la liberté et à l'honneur

 الجرائم الواقعة على الحرية والشر

الجرائم الواقعة على الحرية والشرف

حلا زودة

الحرمان من الحرية 

خرق حرمة المنزل

التهديد

إفشاء الأسرار

الذم والقدح

 

إن حرية الإنسان وشرفه من العناصر اللصيقة به والتي يشكل المساس بها والاعتداء عليها اعتداء على الشخص نفسه، ولذلك أدرج قانون العقوبات السوري الجرائم الواقعة على الحرية والشرف Les infractions portant atteinte à la liberté et à l’honneur في الفصل الثاني من الباب الثامن المتعلق بالجنايات والجنح التي تقع على الأشخاص، وذلك في المواد من (555) حتى (572).

وبتجريمه للاعتداء على حرية الإنسان وشرفه فإن الشارع السوري قد صان حقوقاً أساسية من حقوق الفرد الخاصة التي حرص الدستور الدائم لعام 1973 على تأكيد حرمتها.

ووفق قانون العقوبات السوري تشمل الجرائم الواقعة على الحرية والشرف جرائم الحرمان من الحرية وخرق حرمة المنزل والتهديد وإفشاء الأسرار والذم والقدح.

أولاً- الحرمان من الحرية:

تعد حرية الإنسان من أثمن ما يملك، وهي الأصل فيه، فلا يجوز حرمانه منها إلا إذا ارتكب ما يوجب ذلك قانوناً، من هنا فقد عاقبت المادتان (555) و(556) من قانون العقوبات كل من يحرم إنساناً من حريته الشخصية بأي وسيلة كانت من دون سبب مشروع.

1- أركان جريمة الحرمان من الحرية:

تتحقق جريمة الحرمان من الحرية بارتكاب السلوك الإجرامي المتمثل في حرمان الشخص دون سبب مشروع من حريته بأي طريقة كانت، وبتوافر القصد الجرمي المتمثل بالعلم بحجز الحرية من دون وجه حق واتجاه الإرادة نحو تحقيق تلك الغاية.

أ- الركن المادي لجريمة الحرمان من الحرية: يتحقق الركن المادي لهذه الجريمة من خلال حجز حرية الشخص سواء استمر هذا الأمر لساعات أم لأيام، ولا عبرة للوسيلة التي يحرم الجاني من خلالها المجني عليه من حريته، سواء باحتجازه في مكان ما أم بعدم السماح له بالتنقل والحركة وممارسة شؤون حياته المعتادة.

وجريمة الحرمان جريمة مستمرة، فتعد مقترفة في اللحظة التي يلقى فيها القبض على المجني عليه من قبل الغير، وتنتهي بإطلاق سراحه.

ولا يكفي مجرد القبض على المجني عليه وحرمانه من حريته لقيام الجريمة، بل لابد أن تحجز الحرية لسبب غير مشروع. وعلى ذلك فإن قيام رجال الضابطة العدلية بحجز حرية الأشخاص الذين يرتكبون جريمة مشهودة لا يعد من قبيل الاعتداء على الحرية؛ لأنه جاء نتيجة سبب مشروع.

كما أن حجز حرية الشخص تنفيذاً لمذكرة إحضار أو مذكرة توقيف صادرة عن الجهات القضائية المختصة لا يعدّ اعتداء على الحرية الشخصية.

وصيانة للحرية الشخصية من الحبس غير المشروع فقد ألزمت المادة (424) من قانون أصول المحاكمات الجزائية كل من علم بتوقيف أحد الناس في أمكنة غير التي أعدتها الحكومة للحبس والتوقيف أن يخبر بذلك النائب العام أو معاونه أو قاضي التحقيق أو قاضي الصلح، وعلى هؤلاء عند تبلغهم الإخبار التوجه في الحال إلى المحل الحاصل فيه التوقيف وإطلاق سراح من كان موقوفاً بصورة غير قانونية، أما إذا تبين لهم أن هناك سبباً قانونياً موجباً للتوقيف فعليهم إرسال الموقوف في الحال إلى النائب العام أو قاضي الصلح العائد إليه الأمر مع تنظيم محضر بالواقع. وإذا أهملوا العمل بما تقدم عُدّوا حسب المادة (425) من قانون أصول المحاكمات الجزائية شركاء في جريمة حجز الحرية الشخصية وجرت الملاحقة بحقهم بهذه الصفة.

ب - الركن المعنوي لجريمة الحرمان من الحرية: إن جريمة الحرمان من الحرية الشخصية جريمة قصدية، فهي تتطلب توافر القصد الجرمي العام المتمثل بالعلم والإرادة. فيجب أن يعلم الجاني أنه يحرم شخصاً من حريته الشخصية من دون وجه حق أو سبب مشروع، وأن تتجه إرادته إلى تحقيق تلك النتيجة.

بناءً على ذلك فإن قيام شخص بإغلاق باب على شخص آخر من دون أن يعلم بوجوده داخل المكان يجعل جريمة الحرمان من الحرية غير متحققة.

2- عقوبة جريمة الحرمان من الحرية:

إن عقوبة الحرمان من الحرية هي في الأحوال العادية الحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وتخفف هذه العقوبة إلى الحد الذي نصت عليه المادة (142) من ق.ع إذا أطلق عفواً سراح الشخص المختطف خلال ثماني وأربعين ساعة من دون أن ترتكب به جريمة أخرى جناية كانت أو جنحة (المادة 555 من قانون العقوبات).

وعلة التخفيف واضحة هنا وذلك بتشجيع مرتكبي هذه الجريمة على عدم الاستمرار بها. وبمقتضى أحكام المادة (556) من قانون العقوبات تشدد عقوبة الحرمان من الحرية من جنحة إلى جناية بحيث تصبح الأشغال الشاقة المؤقتة في الحالات الآتية:

أ- إذا جاوزت مدة حرمان الحرية الشهر: فإذا طالت مدة حجز حرية المجني عليه أكثر من شهر كان ذلك موجباً لتشديد العقوبة.

ب- إذا أنزل بمن حرمت حريته تعذيب جسدي أو معنوي: فالقيام بتعذيب جسدي ضد المجني عليه كإحداث حروق أو رضوض به أو قطع أعضائه، أو تعذيب معنوي كترويعه وتهديده بالقتل أو بالتعذيب أو حجزه في مكان مظلم أو إطلاق رصاص من حوله… كل ذلك من شأنه تشديد عقوبة الجاني.

ج- إذا وقع الجرم على موظف في أثناء قيامه بوظيفته أو في معرض قيامه بها: وفي هذه الحالة ينبغي لتشديد العقوبة أن يعلم الجاني بأنه يعتدي على الحرية الشخصية لموظف، وأن يقوم بفعلته تلك بسبب الوظيفة أو في أثنائها، فإذا قام شخص بحجز حرية موظف نتيجة خلاف شخصي بينهما أو دون أن يعلم أن المجني عليه موظف فلا يمكن تشديد العقوبة بحقه.

ثانياً- خرق حرمة المنزل:

نص الدستور السوري الدائم لعام 1973 في المادة (31) منه على أن «المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون».

فمسكن المرء أو منزله هو حصن خصوصيته، وهو المكان الذي يتصرف فيه على راحته ولا يُباح دخوله للآخرين كيفما اتفق. لذا جرَّم قانون العقوبات كل فعل يستهدف الاعتداء على حرمة المنازل بدخولها أو المكوث فيها خلافاً لإرادة أصحابها أو ساكنيها، كما جرَّم أيضاً التسلل والمكوث في الأماكن التي تخص الغير خلافاً لإرادتهم (المادتان 557 و558 من قانون العقوبات).

وبذلك فقد ميز قانون العقوبات السوري عند تناوله جريمة خرق حرمة المنزل بين جريمة الدخول أو المكوث في منزل يخص الغير وبين جريمة التسلل إلى أماكن تخص الغير أو المكوث فيها على الرغم من إرادته.

1- جريمة الدخول إلى المساكن والمكوث فيها:

جرَّمت المادة (557) من قانون العقوبات دخول شخص أو مكوثه في منزل آخر أو مسكنه أو ملحقاتهما خلافاً لإرادته. فإن الحق الذي أراد الشارع حمايته في هذه المادة هو حرية الشخص في التمتع بالخصوصية والأمان في المكان الذي اتخذه سكناً له.

أ- أركان جريمة الدخول إلى المساكن والمكوث فيها: ينبغي لقيام جريمة خرق حرمة منزل أن يقوم الجاني بالدخول أو المكوث في منزل أو مسكن يخص الغير من دون إرادته مع علمه بذلك.

q الركن المادي: تفترض هذه الجريمة دخول الجاني أو مكوثه في منزل الغير أو مسكنه رغماً عنه، ويقصد بالمنزل أو المسكن كل مكان يقيم فيه الشخص بصورة دائمة أو مؤقتة سواء أكان هذا المكان ملكاً له أم لا، وأياً كان شكله (خيمة، شاليه، شقة في مبنى، مركب مائي…). ويتسع مدلول المنزل أو المسكن ليشمل توابعه وملحقاته التي يضمها معه سور واحد، كالساحة والحديقة والمخزن وحظيرة الحيوانات...

أما السلوك الإجرامي في جريمة خرق حرمة المنزل فيتحقق بصورتين إيجابية وسلبية؛ إذ تتجسد الصورة الإيجابية بالدخول إلى منزل الغير بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في الدخول سواء كانت طبيعية كالولوج من الباب أم غير طبيعية كالدخول عبر النافذة أو بالتسلق أو بالكسر…

أما الصورة السلبية للسلوك الإجرامي في هذه الجريمة فتكون من خلال البقاء في المنزل والامتناع عن مغادرته، وذلك بعد الدخول إليه سواء أكان الدخول بعلم صاحب المنزل ورضاه أم لم يكن كذلك.

ويستوي في كلتا الصورتين أن يكون الدخول أو المكوث في المنزل بعلم صاحب المنزل أم من غير علمه، بوجوده أم بغيابه، فالمهم هو أن يكون الدخول أو المكوث قد تم رغم إرادة شاغلي المنزل ومن دون رضاهم، فإرادة المجني عليه تقوم بدور رئيسي في إتمام الركن المادي لجريمة خرق حرمة المنزل، وبالتالي فإن رضى المجني عليه يرتب عدم قيام الجريمة أصلاً.

لذلك قضت محكمة النقض السورية بأنه: «لا عقاب على من دخل منزل آخر خلافاً لإرادته إلا في حالة الاعتداء على إرادة صاحبه في الدخول إليه قسراً وبدون موافقته، وهذا هو الركن الأساسي في الجريمة ولا وجود لها بدونه، أما إذا تم الدخول إلى المنزل برضى من يملك الإذن بالدخول من أفراد الأسرة القاطنين مع صاحب المنزل كالزوجة مثلاً أو الابن أو الابنة وحتى إذا تم الدخول بموافقة الخادمة فإن الدخول إلى البيت لا يؤلف جرماً لانتفاء الركن الأساسي المكون لهذا الجرم».

q الركن المعنوي: إن جريمة خرق حرمة منزل بالدخول أو المكوث فيه رغم إرادة ساكنيه جريمة مقصودة تفترض علم الجاني بأنه يدخل منزلاً يخص الغير أو يمكث فيه من دون إرادة ذوي الشأن. وعلى ذلك لو ظن الجاني بأن صاحب المنزل لا يمانع في دخوله أو مكوثه فيه، أو اعتقد أنه يدخل منزلاً يخصه فإن القصد الجرمي ينتفي لديه وتنتفي الجريمة بالنتيجة. كما تنتفي الجريمة في حال اعتقد الفاعل أن من يرفض دخوله أو مكوثه في المنزل لا حق له في هذا الرفض.

ب- عقوبة جريمة الدخول إلى المساكن والمكوث فيها: عاقبت الفقرة الأولى من المادة (557) من قانون العقوبات على دخول شخص أو مكوثه في منزل آخر خلافاً لإرادته بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وذلك في حال لم يقترن الفعل بظروف مشددة؛ إذ في هذه الحالة تصبح العقوبة الحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات.

والظروف التي تستدعي تشديد عقوبة مرتكبي جريمة الدخول إلى المساكن والمكوث فيها حسب الفقرة الثانية من المادة (557) من قانون العقوبات هي:

t وقوع الفعل ليلاً.

t وقوع الفعل بواسطة الكسر أو العنف على الأشخاص.

t وقوع الفعل باستعمال السلاح.

t ارتكاب الفعل من قبل عدة أشخاص مجتمعين.

كما يلاحظ أن الفقرة الأخيرة من المادة (557) المذكورة قد اشترطت تقديم شكوى من الفريق المتضرر لملاحقة الجاني الذي يرتكب جريمة خرق حرمة منزل المنصوص عليها في الفقرة الأولى، مما يعني أنه إذا لم يتقدم المجني عليه بأي شكوى ضد الجاني فإن النيابة العامة لا تستطيع إقامة الدعوى العامة بحقه.

أما في حال اقترنت الجريمة بإحدى الظروف المشددة التي بينتها الفقرة الثانية السالف ذكرها فتعود إلى النيابة حريتها في تحريك الدعوى العامة ضد الجاني بغض النظر عن موقف المضرور من الجريمة سواء تقدم بشكوى ضد الجاني أم لم يفعل.

2- جريمة التسلل والمكوث في أماكن تخص الغير:

نصت المادة (558) من قانون العقوبات على جريمة التسلل أو المكوث في أماكن تخص الغير.

وواضح من نص هذه المادة أن الحق المراد حمايته بموجبها يختلف عن الحق المحمي بموجب المادة (557) من قانون العقوبات، فالمقصود بالحماية بموجب نص المادة (558) هو حرمة الأماكن غير المخصصة للسكن والأماكن التي لا ينطبق عليها وصف المنازل مادام أصحابها لم يبيحوا للناس دخولها من دون تمييز، كالمعامل والمكاتب أو الأراضي المحاطة بسياج أو الأمكنة المخصصة لإيداع بعض المواد والأشياء.

أ- أركان جريمة التسلل والمكوث في أماكن تخص الغير: تفترض هذه الجريمة تسلل الجاني أو مكوثه في مكان يخص الغير وغير مباح للجمهور رغم إرادة صاحب الحق في إقصائه عن ذلك المكان.

q الركن المادي: يتخذ السلوك الإجرامي في هذه الجريمة مظهرين: يقوم الأول منهما على التسلل إلى مكان يخص الغير بواسطة الكسر أو العنف على الأشخاص، مما يعني أن الدخول خلسة إلى أماكن تخص الغير يجب أن يقع حصراً بإحدى الوسيلتين اللتين حددتهما الفقرة الأولى من المادة (558) من قانون العقوبات وإلا فلا قيام للجريمة.

ويعتمد المظهر الثاني على المكوث في مكان يخص الغير خلافاً لإرادة من له الحق بالتصرف سواء كان مالك المكان أم وكيله المكلف بالسهر عليه.

q الركن المعنوي: كحال الدخول إلى منزل أو المكوث فيه فإنه يشترط لمعاقبة الجاني على تسلله أو مكوثه في مكان يخص الغير وغير مباح للجمهور أن يقع ذلك منه عن علم وإرادة للفعل والنتيجة معاً.

ب- عقوبة التسلل والمكوث في أماكن تخص الغير: تعد جريمة التسلل والمكوث في أماكن تخص الغير من المخالفات  فيعاقب مرتكبها بالحبس التكديري أو بغرامة لا تتجاوز المئة ليرة (المادة 558 من قانون العقوبات).

كما لا تجري الملاحقة الجزائية بحق الجاني إلا بتقديم شكوى من الفريق المتضرر من جرّاء الجريمة.

ثالثاً- التهديد:

التهديد هو توعد المجني عليه بشر أو ضرر يصيبه أياً كانت الوسيلة التي توسل بها الجاني، وسواء تمثل ذلك الشر بالاعتداء على نفس المجني عليه أم على ماله أم عرضه أم أحد المقربين إليه…

ويعدّ التهديد نوعاً من الإكراه الأدبي أو المعنوي بقصد الحصول على مطلب محدد أو مجرد إزعاج الشخص المُهدَد والمساس بأمـنه وحريـته الشخصية.

بناء على ذلك تتجلى الحكمة من تجريم أفعال الوعيد والتهديد في خطورتها وأثرها في نفسية المُهَدد، وخاصة إن كانت موجهة ضد حقه في الحياة أو ضد سلامة جسده أو عرضه أو شرفه أو ماله، وما يصاحب ذلك من قلق وخوف مستمرين يعكران أمنه وطمأنينته.

1- أركان جريمة التهديد:

يستلزم قيام جريمة التهديد توافر ثلاثة عناصر أساسية هي: السلوك المادي، والقصد الجرمي، واستعمال إحدى الوسائل التي نص عليها القانون، كما تختلف عقوبة التهديد باختلاف الوسائل المستعملة والفعل المهدد بارتكابه.

أ- الركن المادي: لم يضع قانون العقوبات السوري تعريفاً محدداً لجريمة التهديد، فكل فعل أو سلوك من شأنه بث الرعب في نفس الشخص المُهَدد؛ أو إحداث الخوف لديه من جريمة يُراد ارتكابها أو من ضرر يُراد إيقاعه به أو بماله أو بمن يعرفهم أو يعنيه أمرهم؛ يعدّ تهديداً معاقباً عليه، وقد يكون التهديد صريحاً أو ضمنياً، والمهم أن يكون جدياً ومؤثراً في نفس المجني عليه، ويعود تقدير كل ذلك إلى قاضي الموضوع حسب ظروف القضية وملابساتها.

وقد أورد قانون العقوبات مجموعة من الوسائل التي ترتكب بها جريمة التهديد وذلك في المواد من (559) حتى (564) منه. وبالعودة إلى تلك المواد يمكن القول: إن جريمة التهديد قد تقع إما بالسلاح، وإما عبر توعد المجني عليه بارتكاب جريمة ضده، أو إنزال ضرر غير محق به.

× التهديد بالسلاح: نصت المادة (559) من قانون العقوبات على جريمة التهديد بالسلاح، ولكنها لم تحدد نوعاً معيناً من أنواع السلاح، وبالتالي فإنه يدخل في مفهوم السلاح الذي ترتكب به جريمة التهديد كل أداة تصلح لأن يستخدمها الجاني لتحقيق مآربه، سواء كانت سلاحاً بطبيعتها كالمسدسات والبنادق، أم كانت سلاحاً بالتخصيص كالعصي وسكاكين الطبخ…

غير أن الفقرة الثانية منها قد قضت بتشديد العقوبة في حال كان السلاح المستخدم في التهديد نارياً؛ واستعمله الفاعل عبر إطلاق عدة طلقات في الهواء أو بقرب المجني عليه لإرهابه وتخويفه.

ولا يشترط لوقوع التهديد بالسلاح أن يستخدمه الجاني فعلاً بل يكفي أن يشهره في وجه المجني عليه، بأن يبرزه ويجعله على مرأى منه فيبعث في نفسه الخوف والفزع، كما لا يشترط أن يقترن إشهار السلاح بتوجيه ألفاظ تهديد ووعيد؛ بل يكفي إشهاره حتى تقوم الجريمة.

وفي حال كان السلاح المُهدَد به سلاحاً ممنوعاً أو غير مرخص فإن جرم حمل السلاح وحيازته يعد مستقلاً استقلالاً تاماً عن جرم التهديد به.

× توعد المجني عليه بارتكاب جريمة ضده: قد تقع جريمة التهديد عبر توعد المجني عليه بجناية أو جنحة، وبموجب المواد من (560) حتى (563) من قانون العقوبات فإن عقوبة المهدِد تختلف حسب نوع الجريمة المهدَد بها، وحسب الوسيلة المستخدمة في التهديد.

إذ عاقبت المادة (560) من قانون العقوبات من توعد آخر بجناية عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو أكثر من 15 سنة أو الاعتقال المؤبد؛ سواء بواسطة كتابة ولو مغفلة أم بواسطة شخص ثالث إذا تضمن الوعيد الأمر بإجراء عمل أو الامتناع عنه.

وعلى ذلك فإن التوعد قد يقع كتابة من خلال توجيه محرر مكتوب يتضمن عبارات تهديد ووعيد إلى المجني عليه، ويمكن أن يتخذ التهديد كتابة شكل رموز كإرسال ورقة إلى المجني عليه تحمل صورة رأس مقطوعة أو جمجمة…

كما يقع التوعد بواسطة شخص ثالث، وذلك بتكليف شخص لإيصال التهديد إلى الشخص المقصود، أو ثبوت أن الفاعل يرغب في إيصاله إلى علم من أراد تهديده عن طريق الوسيط، ويعد التهديد بواسطة الرسول الموفد كالتهديد المباشر؛ لأن الرسول الموفد لإبلاغ التهديد يقوم مقام المهدِد نفسه؛ والتهديد بهذه الصورة لا يختلف عن التهديد المباشر المقصود منه ترك الفرصة للمهدَد كي يفكر بين الانصياع لمشيئة المهدِد وبين الرفض والقبول بما هُدد به.

كما يجب أن يتضمن الوعيد بإحدى الجنايات المذكورة في المادة (560) المذكورة أمراً بإجراء عمل أو الامتناع عنه، كمن يهدد مدينه بالقتل إذا لم يسدد ديونه، أو من يهدد جاره بإحراق منزله إذا مر على أرضه.

أما في حال هدد الجاني المجني عليه بارتكاب إحدى الجنايات التي ذكرتها المادة (560) المشار إليها آنفاً من دون أن يتضمن التهديد أمراً للقيام بعمل معين أو الامتناع عنه، أو تضمن التهديد أمراً إلا أنه حصل مشافهة ومن دون واسطة شخص ثالث؛ فإن عقوبته تكون أخف عملاً بأحكام المادة (561) من قانون العقوبات.

كما عاقبت المادة (562) على التهديد بجناية أخف من الجنايات الواردة في المادة (560) من قانون العقوبات إذا ارتكب كتابة أو بواسطة شخص ثالث، من دون أن تشير هذه المادة إلى ضرورة اقتران التهديد بإجراء أمر أو الامتناع عنه.

كذلك عاقبت المادة (563) على التهديد بجنحة المتضمن أمراً إذا وقع كتابة أو بواسطة شخص ثالث، بمعنى أنه إذا وقع التهديد بجنحة مشافهة من قبل الجاني نفسه أو لم يتضمن أي أمر إلى المجني عليه فلا تقع الجريمة.

× توعد المجني عليه بإنزال ضرر غير محق به: تفترض هذه الصورة من صور التهديد والتي جرَّمتها المادة (564) من قانون العقوبات توعد المجني عليه بإلحاق ضرر غير محق به بشرط أن يحصل التهديد بالقول أي شفاهة؛ أو بإحدى وسائل العلانية التي حددتها المادة (208) من القانون ذاته، ومن بينها الكلام والصراخ والحركات المؤداة في الأماكن العامة والكتابة والرسوم…، وأن يكون من شأن التهديد التأثير في نفس المجني عليه تأثيراً شديداً، وقد أوجبت المادة (564) أن تكون إقامة الدعوى العامة بناء على شكوى المجني عليه.

ب- الركن المعنوي لجريمة التهديد: إن جريمة التهديد من الجرائم المقصودة بلا شك، فيشترط توافر القصد الجرمي لدى من ارتكبها أو شارك بارتكابها بوصفه وسيطاً، فيجب لقيامها توافر العلم وإرادة الفعل ونتيجته لدى الجاني. وهذا معناه أن يرتكب الجاني تهديده أو وعيده ضد المجني عليه وهو مدرك وعالم بأثر هذا التهديد من حيث إيقاع الذعر والقلق والخوف في نفس المجني عليه، ويجب أن يقوم بعبارات التهديد شفاهة أو كتابة أو بواسطة شخص ثالث بإرادة حرة سليمة خالية من أي عيب يشوبها كالإكراه أو التهديد أو الخداع، وقد انصرفت إرادته إلى إحداث هذا الأثر.

ولا يشترط لتوافر القصد الجرمي أن تكون لدى الجاني نية تنفيذ ما هدد به، فالشارع عاقب على التهديد لما يحدثه في نفس المجني عليه من رعب وفزع، كما أنه لم يعتد بالباعث الذي دفع الجاني إلى تهديد المجني عليه، فيعاقب الجاني مادامت نيته اتجهت إلى بث الرعب في نفس المهدَد ولو كان باعثه الانتقام أو الحصول على المال.

2- عقوبة جريمة التهديد:

تختلف العقوبة المفروضة على مرتكب جرم التهديد حسب الوسيلة المستخدمة في التهديد، والأمر المُهدَد به.

أ- عقوبة التهديد بالسلاح: لا تتجاوز عقوبة التهديد بالسلاح حسب المادة (559) من قانون العقوبات الحبس ستة أشهر، لكنها تصبح الحبس من شهرين إلى سنة إذا كان السلاح نارياً واستعمله الفاعل.

ب- عقوبة التهديد بارتكاب جناية أو جنحة ضد المجني عليه: تكون العقوبة في هذه الحالة وفق التفصيل الآتي:

Ÿ الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات في حال التوعد بجناية عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو أكثر من 15 سنة أو الاعتقال المؤبد بواسطة الكتابة أو بواسطة شخص ثالث مع الأمر بإجراء عمل أو الامتناع عنه (المادة 560 من قانون العقوبات).

Ÿ الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين في حال التوعد بجناية عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة أو الاعتقال المؤبد إذا لم يتضمن توجيه أمر إلى المجني عليه، أو في حال التهديد الشفوي بجناية مع توجيه أمر إلى المجني عليه ومن دون واسطة شخص ثالث (المادة 561 من قانون العقوبات).

Ÿ الحبس من شهر إلى سنة عند التهديد بجناية أخف مما سبق ذكره في المادة (560) إذا ارتكب بإحدى الوسائل المبينة في المادة نفسها (المادة 562 من قانون العقوبات).

Ÿ الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر في حال التهديد بجنحة المتضمن أمراً إذا وقع كتابة أو بواسطة شخص ثالث (المادة 563 من قانون العقوبات).

ج- عقوبة التهديد بإنزال ضرر غير محق بالقول أو بإحدى وسائل العلانية: وهي بموجب المادة (564) من قانون العقوبات الغرامة التي لا تتجاوز مئة ليرة، وتفرض بناءً على شكوى المجني عليه.

رابعاً- إفشاء الأسرار:

ألزم قانون العقوبات السوري بعض الأشخاص ممن يطلعون بحكم وضعهم أو وظيفتهم أو مهنتهم على أسرار خاصة بالغير بأن يحافظوا على تلك الأسرار، وألا يقوموا بإفشائها من دون سبب مشروع.

ولعل السبب وراء إدراج جريمة إفشاء الأسرار ضمن الجرائم الواقعة على الشرف أن إفشاء أسرار تخص الغير قد يسيء إلى اعتبارهم ومكانتهم الاجتماعية.

وقد فرق قانون العقوبات السوري في جريمة إفشاء الأسرار بين حالات ثلاث يختلف بعضها عن بعض من حيث صفة مرتكب الجريمة، وطبيعة السر، وكيفية إفشائه أو الاطلاع عليه، كما تختلف أخيراً من حيث العقوبة.

1- إفشاء سر من قبل شخص مؤتمن عليه بحكم وظيفته:

عاقبت المادة (565) من قانون العقوبات كل من كان بحكم وضعه أو وظيفته أو مهنته أو فنه على علم بسر وأفشاه من دون سبب مشروع، أو استعمله لمنفعته الخاصة، أو لمنفعة آخر إذا أدى ذلك إلى التسبب بضرر ولو كان معنوياً.

أ- أركان جريمة إفشاء سر من قبل شخص مؤتمن عليه بحكم وظيفته: يتضح من خلال نص المادة (565) المذكورة أنه لتحقق جريمة إفشاء الأسرار لابد من توافر الأركان الآتية:

¦ صفة المؤتمن على السر: فإن الجريمة لا ترتكب من قبل أي شخص كان، بل لابد من توافر صفة مخصوصة في الجاني بأن يكون أفضى بسر اؤتمن عليه بحكم وظيفته أو مهنته أو فنه.

ولم تحدد المادة (565) من قانون العقوبات الأشخاص المؤتمنين على الأسرار بصورة حصرية، غير أنه يمكن القول: إن الأشخاص الملزمين بالحفاظ على السر المهني هم أشخاص يمارسون مهناً تفترض الثقة والدراية ولا تمارس إلا بالعلم بالأسرار، ويكون اللجوء إلى أصحابها اضطرارياً، وبالتالي يندرج ضمن هذه الطائفة الأطباء والصيادلة والمحامون ورجال الدين...

وبديهي لا يسأل هؤلاء الأشخاص إلا عند إفشائهم لأسرار وصلت إلى علمهم بمقتضى عملهم أو مهنتهم، أما إذا قاموا بإفشاء ما تناهى إليهم من أسرار خارج نطاق العمل أو المهنة فلا تطبق أحكام المادة (565) عليهم.

¦ الركن المادي: يتطلب الركن المادي للجريمة المنصوص عليها في المادة (565) من قانون العقوبات إفشاء سر مهني علم به الجاني بحكم عمله أو مهنته بصورة تلحق ضرراً بالمجني عليه. ولم يعرِّف الشارع السوري السر المهني، غير أن بعض الفقهاء عرَّفه بأنه: «كل ما يضر إفشاؤه بسمعة مودعه أو كرامته».

ويرى بعضهم أن مفهوم السر يأخذ معنى مرناً يعود تقديره إلى القاضي من خلال الرجوع إلى طبيعة العمل بحد ذاته وطبيعة الفعل المرتكب وآثاره الضارة.

ولا يشترط في العلم بالسر أن يكون صاحبه قد أفضى به إلى الأمين أو طلب منه كتمانه صراحة، فقد يصل السر إلى علم الأمين عن طريق المباغتة أو الحدس أو الخبرة، فالطبيب الذي يكتشف من خلال معاينة المريض أنه مصاب بمرض الزهري مطالب بكتمان ذلك السر ولو أن المريض نفسه لا يعلم به.

أما السلوك الإجرامي المتمثل في فعل الإفشاء فيقصد به إطلاع الجاني الغيرَ على السر كله أو بعضه من دون سبب مشروع، سواء تم ذلك مشافهة أم كتابة أم بالإشارة، وسواء أفضى الجاني بالسر إلى شخص واحد أو إلى عدد غير محدد من الناس، ويقوم مقام فعل الإفشاء استعمال الجاني السر لمنفعته الشخصية أو لمنفعة شخص آخر، سواء أكانت المنفعة مادية أم معنوية كتحقيق ربح مادي أو الحصول على منصب في مجال العمل.

أخيراً: فإنه ينبغي لاكتمال الركن المادي في هذه الجريمة أن يسبب إفشاء السر أو استعماله ضرراً للمجني عليه حتى لو كان الضرر معنوياً، كأن يؤدي إلى إلحاق خسارة مالية به أو تلويث سمعته… وبالتالي فإن انتفاء الضرر ينفي الجريمة، أي إنه لا قيام للجريمة إذا لم يتسبب إفشاء السر أو استعماله بضرر مادي أو معنوي للمجني عليه.

¦ الركن المعنوي: إن جريمة إفشاء الأسرار جريمة مقصودة بلا شك، فهي تتطلب توافر القصد الجرمي العام بأن يعلم الجاني أنه يطلع الغير على سر عَلِمَ به بحكم مهنته أو وظيفته؛ وأن صاحب العلاقة غير راضٍ بهذا الإفشاء.

بناءً على ذلك لا تقع الجريمة إذا لم يعلم الأمين بالصفة السرية للواقعة، أو إذا حصل إفشاؤه لها نتيجة الإهمال ومن دون قصد كالمحامي الذي يترك في مكان غير آمن معلومات سرية تخص موكله فيطلع الغير عليها، كما لا تقوم الجريمة إذا أفشى الأمين السر تحت وطأة الضغط والإكراه أو لاعتقاده أن صاحب السر لا يمانع في إفشائه.

ب- العقوبة وإباحة إفشاء الأسرار المهنية: إن من أفشى سراً علم به بحكم وظيفته من دون سبب مشروع، أو استعمله لمنفعته الخاصة أو لمنفعة آخر بصورة أدت إلى التسبب بضرر؛ يعاقب بالحبس سنة على الأكثر مع غرامة لا تتجاوز مئتي ليرة.

لئن كان الأصل هو منع الأشخاص الذين يعلمون بأسرار مهنية من إفشائها؛ إلا أن هناك بعض الاعتبارات تجيز الخروج على هذا الأصل، وتبيح لمن علم بسر مهني أن يفشيه من دون أن تناله أي مسؤولية أو عقاب.

1- وأهم الحالات التي تبيح إفشاء الأسرار المهنية هي حالة التبليغ عن الجنح والجنايات ورضاء صاحب السر نفسه بالإفشاء (المادتان (56) و(66) من قانون البينات السوري).

2- إفشاء السر من قبل الأشخاص الملحقين بمصالح البريد والبرق والهاتف: تعد الرسائل المتبادلة بين الأشخاص والمحادثات الجارية فيما بينهم عبر الهاتف مجالاً مهماً لتبادل الأسرار وإيداعها، ذلك أن الإنسان يبوح في رسائله وأحاديثه الهاتفية بهمومه وأسراره الخاصة، وبما يعتمل في داخله من دون خوف أو رقيب.

لذا لا يجوز هتك حرمة الرسائل المتبادلة بين الناس، أو الإنصات إلى مكالماتهم الهاتفية إلا إذا كان هناك موجب قانوني يستدعي ذلك؛ كوقوع جريمة خطيرة يتطلب التحقيق فيها الاطلاع على الخطابات والرسائل أو مراقبة المحادثات الهاتفية لبعض الأشخاص.

فيما عدا ذلك فإنه لا يجوز لأي من العاملين لــــــــــدى مصلحة البريد والبــــــــــرق أو مصلحة الهاتف الاطلاع على رسائل أو محادثات هاتفية تخص الغير، إذ عاقبت المادة (566) من قانون العقوبات كل شخص ملحق بمصلحة البريد أو البرق يسيء استعمال صفته هذه؛ بأن يطّلع على رسالة مختومة أو يتلف أو يختلس إحدى الرسائل أو يفضي بمضمونها إلى غير المرسل إليه.

وتنزل العقوبة أيضاً بمن كان ملحقاً بمصلحة الهاتف وأفشى مخابرة هاتفية اطلع عليها بحكم وظيفته أو عمله.

أ- أركان الجريمة: وهي: صفة الجاني، والركن المادي، والركن المعنوي:

q صفة الجاني: لا ترتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة (566) من قانون العقوبات من قبل أي شخص كان، فلابد أن يكون مرتكب الجريمة موظفاً يعمل في مصلحة البريد والبرق أو في مصلحة الهاتف؛ أياً كانت درجته الوظيفية وأياً كانت طبيعة العمل الذي يمارسه سواء أكان دائماً أم مؤقتاً.

q الركن المادي: تختلف صور الركن المادي لهذه الجريمة عندما تنصب على الرسائل عن صوره لدى وقوع الجريمة على مخابرة هاتفية، ففي الحالة الأولى يتحقق الركن المادي للجريمة بالاطلاع على رسالة مختومة؛ أو إتلاف الرسائل واختلاسها؛ أو إفشاء مضمونها إلى غير من أرسلت إليه. فإذا قام الموظف بالاطلاع على رسالة مختومة تعد الجريمة مرتكبة، مما يعني أن مجرد الاطلاع على هذا النوع من الرسائل يجعل الجريمة متحققة ولو لم يحصل إفشاء لمضمونها.

ويمكن أن يحصل الاطلاع على الرسائل المختومة بطريقة واضحة ظاهرة مثل كسر الختم أو قطع الظرف أو تمزيق اللفائف، كما قد يحصل بطريقة غير ظاهرة لا يكشفها الشخص العادي كإزالة الصمغ عن الظرف وفتحه ومن ثم إعادة لصقه مرة ثانية.

كما تقع الجريمة بإتلاف الرسائل سواء بتمزيقها أم حرقها أم تقطيعها أم أي فعل من شأنه إزالة الوجود المادي للرسالة، وتقع الجريمة أيضاً باختلاس الرسائل أي سرقتها وإخفائها بصورة تحول دون وصولها إلى من أرسلت إليه، ويعاقب الجاني أيضاً إذا اطّلع على الرسالة وأفضى بمضمونها إلى غير المرسل إليه بغض النظر عن الطريقة التي تم بها الإفضاء شفاهة أو كتابة، وبغض النظر عما إذا كانت الرسالة مختومة أم لا.

أما هتك سرية المحادثات الهاتفية فيعاقب عليه إذا قام موظف لدى مصلحة الهاتف بإفشاء مخابرة هاتفية اطّلع عليها بحكم وظيفته أو عمله سواء جاء اطلاعه هذا نتيجة استراق السمع أم نتيجة تسجيل المخابرة أم نقلها عبر جهاز ما، وسواء حصل الإفضاء إلى شخص واحد أم إلى مجموعة أشخاص، وسواء ترتب عليه ضرر أم لم يترتب.

q الركن المعنوي: يتطلب قيام هذه الجريمة توافر القصد الجرمي لدى الجاني بأن يعلم أنه يتلف أو يختلس أو يطلع على رسالة أو مخابرة هاتفية بحكم عمله وأنه يقوم بإفشائها إلى الآخرين من دون علم صاحب العلاقة ودون رضاه.

أما إذا حصل الفعل نتيجة خطأ أو إهمال فلا يتوافر القصد الجرمي؛ كموظف البريد الذي يتلف رسالة ظناً منه أنها ورقة عادية لا قيمة لها وإن كان يؤاخذ مسلكياً لإهمال واجبات عمله، كما لا يعاقب الشخص الملحق بمصلحة البريد إذا كان يعتقد خلافاً للحقيقة أن الرسالة موجهة إليه فقام بفضها والاطلاع على ما جاء فيها.

ب- العقوبة: إن كل شخص ملحق بمصلحة البريد أو البرق أو بمصلحة الهاتف يرتكب الجرائم الواردة في المادة (566) يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين.

3- إفشاء السر من قبل شخص عادي:

نصت المادة (567) من قانون العقوبات على أنه:

«1- كل شخص آخر يتلف أو يفض قصداً رسالة أو برقية غير مرسلة إليه أو يطلع بالخدعة على مخابرة هاتفية يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائة ليرة.

2- ويقضى بالعقوبة نفسها على من اطلع على رسالة أو على مخابرة برقية أو هاتفية في إذاعتها إلحاق ضرر بآخر فأعلم بها غير من أرسلت إليه».

أ- أركان الجريمة: يستفاد من نص المادة (567) أن جريمة إفشاء السر لا تقوم إلا بتوافر الأركان الآتية:

q الركن المادي: يتخذ السلوك الإجرامي في جريمة إفشاء الأسرار من قبل شخص عادي الصور الآتية:

¦ إتلاف رسالة أو برقية غير مرسلة إلى الجاني أو فضِّها.

¦ الاطلاع بالخدعة على مخابرة هاتفية

¦ الاطلاع على رسالة أو مخابرة برقية أو هاتفية وإعلام غير من وجهت إليه بها، سواء تم الاطلاع مصادفة أم قصداً، غير أنه يشترط في هذه الحالة توافر عنصر الضرر بأن يلحق بصاحب العلاقة ضرر نتيجة إذاعة مضمون الرسالة أو المخابرة، ويلاحظ أن الشارع لم يتطلب توافر عنصر الضرر في الجرائم التي يرتكبها الموظفون الملحقون بمصلحة البريد والبرق أو مصلحة الهاتف، وعلة ذلك أن هؤلاء الأشخاص ملزمون بالمحافظة على الأسرار التي تصل إلى علمهم بحكم عملهم.

q الركن المعنوي: إن جريمة إفشاء السر من قبل شخص هي من الجرائم المقصودة، فيجب أن يقوم الجاني بإتلاف رسالة أو فضها قصداً وعن علم، أو أن يطلع بصورة متعمدة على مخابرة هاتفية، وأن يقوم قصداً بإطلاع الغير على مضمون الرسالة أو المخابرة، وفي حال حصل الإتلاف أو الإفشاء من دون قصد فلا قيام للجريمة، كما ينبغي للجاني أن يعلم عند إذاعة رسالة أو مخابرة هاتفية تخص الغير أن ذلك يلحق ضرراً بصاحب العلاقة، فإن لم يعلم بذلك انتفى القصد الجرمي لديه.

ب- العقوبة: تعد هذه الجريمة من المخالفات؛ إذ إن عقوبتها هي الغرامة التي لا تتجاوز مئة ليرة.

خامساً- الذم والقدح:

يحرص كثير من الناس على سمعته وشرفه من أن ينالهما أي سوء ولاسيما بصورة علنية، لذا عاقب قانون العقوبات في مواده من (568) حتى (572) كل من ينسب إلى شخص أموراً تمس شرفه وكرامته سواء بالذم أم بالقدح.

وقد عرّفت الفقرة الأولى من المادة (375) من قانون العقوبات الذم بأنه «نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام ينال من شرفه أو كرامته»، ويشترط فيه أن يكون الأمر المنسوب واقعة معينة ومحددة يمكن المجادلة فيها نفياً أو إثباتاً.

في حين بينت الفقرة الثانية أن المقصود بالقدح «كل لفظة ازدراء أو سباب وكل تعبير أو رسم يشفان عن التحقير إذا لم ينطو على نسبة أمر ما».

1- أركان جريمتي الذم والقدح:

يشترط لعقاب الجاني - الذي اجترأ على المساس بشرف شخص ما وبكرامته قدحاً أو ذماً - أن ينسب الجاني إلى المجني عليه علانية أمراً محدداً (في جريمة الذم) أو غير محدد (في جريمة القدح) يمس كرامته وشرفه، وذلك عن علم وإرادة منه لما يفعله.

أ- الركن المادي: وهو نسبة واقعة إلى المجني عليه علانية تمس شرفه وتسيء إلى سمعته، فإن كانت الواقعة محددة كان الفعل ذماً؛ كمن يقول عن فتاة إنها تمتهن البغاء أو عن موظف إنه ارتشى من فلان، أما إذا لم تكن الواقعة محددة كان الفعل قدحاً؛ كمن يقول عن آخر إنه أسوأ خلق الله، ومن قبيل القدح أيضاً كل دعاء على الغير بشر كالدعاء بالموت والهلاك، كما تعد ألفاظ السباب من القدح إذا شفت عن تحقير ولم تتضمن نسبة أمر ما إلى من وجهت إليه.

إن هذا الاختلاف بين طبيعة الذم وطبيعة القدح قد استوجب الاختلاف في العقوبة بين الجريمتين أيضاً، ذلك أن إسناد واقعة محددة إلى المجني عليه يجعل الأمر أقرب إلى التصديق ويكون تأثيره أشد في نفس المجني عليه.

وعموماً لابد عند تفهم معاني الألفاظ ومراميها وخاصة إذا كانت قدحاً من الرجوع إلى عرف المنطقة والجهة التي استعمل فيها اللفظ، فقد يكون اللفظ بريئاً لا شائبة فيه لكنه يشكل في العرف المحلي إهانة تحط من الكرامة.

ويستوي في جريمة الذم خصوصاً أن ينسب الجاني أمراً إلى المجني عليه على أنه يعلم به أو بطريق الرواية عن الغير أو يردده على أنه مجرد إشاعة، كما لا يسمح لمرتكب الذم تبريراً لنفسه بإثبات حقيقة الفعل موضوع الذم أو إثبات اشتهاره.

والمهم أن ينسب الأمر الماس بالشرف والكرامة - ذماً كان أم قدحاً - إلى شخص محدد سواء كان طبيعياً أم اعتبارياً، فإذا تعذر تعرف شخص المجني عليه فلا قيام للجريمة.

ولا فرق بين أن يكون الشخص الذي وجهت إليه عبارات الذم والقدح حياً أو ميتاً، فالإساءة إلى ذكرى الأموات بعبارات مسيئة أو بذيئة ماسة بالشرف تسمح لأقاربهم حتى الدرجة الرابعة ولكل قريب أو وريث تضرر شخصياً من الجريمة بالادعاء على الجاني.

ويجب لاكتمال الركن المادي في جريمتي الذم والقدح أن يوجه الجاني الألفاظ الماسة بالشرف إلى المجني عليه علانية على ملأ من الناس، ذلك أن العلانية التي ترافق الذم والقدح لها أكبر الأثر في جرح كرامة المجني عليه وإهانة اعتباره ومكانته الاجتماعية أمام الناس، ومن هنا تأتي خطورة الذم والقدح والعبرة من تجريمهما.

وحسبما عرفتها محكمة النقض السورية فإن العلانية هي الذيوع والانتشار بصورة تؤدي إلى وصول العلم إلى الناس وصولاً حقيقياً أو مفترضاً بحيث يطلع على الواقعة أشخاص غير معينين ولا يهم عددهم قل أو كثر.

وقد نصت الفقرة الأولى من المادة (568) من قانون العقوبات السوري على أنه: «يعاقب على الذم بأحد الناس المقترف بإحدى الوسائل المذكورة في المادة (208) بالحبس حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة حتى مائة ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين»، وإلى ذلك ذهبت أيضاً الفقرة الأولى من المادة (570) المتعلقة بجريمة القدح.

مما يعني أن الذم أو القدح يمكن أن يرتكب بالقول شفاهة سواء تكلم القائل كلاماً بلهجة عادية وصوت منخفض أم بالصراخ، ويمكن أن يرتكب أيضاً كتابة أو رسماً أو عبر التصوير الفوتوغرافي…

بناءً على ذلك قضت محكمة النقض بأن «عنصر العلنية المنصوص عنه في المادة (208) من قانون العقوبات يعتبر متوفراً في برقية تضمنت الذم والقدح وأرسلت من لبنان إلى سورية، إذ تداولتها أيدي عدة موظفين اطلعوا على ما تضمنته من عبارات، فهذه الكتابة قد وزعت على أكثر من شخص من هؤلاء الموظفين ولا ينفي قيام هذه العلنية القول بأن هؤلاء ملزمون بحكم وظائفهم بحفظ سرية المراسلات البرقية لأن القانون لم يشترط لتوفر العلنية اطلاع عدد غير محصور من الناس».

إذاً ينبغي لتحقق العلانية أن يطلع الغير على عبارات الذم والقدح، فإذا اطلع عليها من وجهت إليه فقط كما لو تسلم الأخير رسالة مختومة تشتمه أو تنسب إليه أموراً ماسة بالشرف والكرامة ولم يعلم بفحواها أحد غيره انتفت العلانية عن الفعل، لكنه لا يبقى بلا عقاب بل تصبح العقوبة أخف فتقتصر على الغرامة فقط.

كما يتطلب قانون العقوبات السوري لمعاقبة الجاني ألا تكون عبارات الذم والقدح قد وردت في معرض ممارسة حق الدفاع أمام القضاء، فالمادة (407) من قانون العقوبات تقضي بألا تترتب أي دعوى ذم أو قدح على الخطب والكتابات التي تلفظ أو تبرز أمام المحاكم عن نية حسنة وفي حدود حق الدفاع القانوني.

وبموجب المادة (571) من قانون العقوبات ينبغي ألا يتسبب المجني عليه بالذم أو القدح نتيجة عمله غير المحق بأن يرتكب عملاً غير محق ينجم عنه توجيه الشتائم والسباب إليه، أو أن يبادل الفاعل ألفاظ القدح وعباراته، ففي هذه الحالة يستطيع القاضي أن يعفي كلا الفريقين أو أحدهما من العقوبة.

ب- الركن المعنوي: لابد لتحقق جريمتي الذم والقدح من توافر القصد الجرمي لدى الجاني بأن يعلم أن ما يوجهه إلى المجني عليه يمس شرفه واعتباره، وأن يقصد إحداث هذا الأثر على ملأ من الناس، ولا عبرة للباعث أو الدافع الذي دفع الجاني إلى توجيه عبارات الذم والقدح، فقد يكون غرضه الإضرار بالمجني عليه وقد يكون مدفوعاً بعوامل شريفة؛ لكن الغاية لا تبرر الوسيلة.

2- عقوبة جرائم الذم والقدح:

ميز قانون العقوبات بين جريمتي الذم والقدح من حيث العقوبة فجعلها في الأولى أشد منها في الثانية، كما خفف العقوبة في حالة الذم أو القدح غير العلني على النحو الآتي:

أ- عقوبة الذم العلني: وهي الحبس حتى ثلاثة أشهر والغرامة حتى مئة ليرة أو إحدى هاتين العقوبتين (المادة 568/1 من قانون العقوبات).

ب- عقوبة الذم غير العلني: وتقتصر بموجب الفقرة الثانية للمادة (568) على الغرامة وحدها.

ج- عقوبة القدح العلني: وهي الحبس من أسبوع إلى ثلاثة أو الغرامة من مئة إلى مئتي ليرة (المادة 570/1 من قانون العقوبات).

د- عقوبة القدح غير العلني: وتقتصر بموجب الفقرة الثانية للمادة (570) على الغرامة وحدها.

ويجوز للقاضي إعفاء الفريقين أو أحدهما من العقوبة إذا تسبب المعتدى عليه بالقدح بعمل غير محق أو كان القدح متبادلاً.

مع التنويه بأنه بموجب المادة (572) تتوقف الدعوى على اتخاذ المجني عليه صفة المدعي الشخصي، فلا تستطيع النيابة العامة تحريك الدعوى العامة من تلقاء نفسها في جرائم الذم والقدح ما لم يتقدم المجني عليه بادعاء شخصي ضد الجاني، نظراً إلى أن هذه الجرائم من الجرائم الحساسة التي يكون ضررها الشخصي أظهر وأكبر من الضرر العام نظراً إلى مساسها بشرف المجني عليه، ولذلك ترك أمر إثارة الدعوى العامة بشأنها في يد صاحب العلاقة وتبعاً لتقديره.

مراجع للاستزادة:

 

- عبد الوهاب حومد، أصول المحاكمات الجزائية (المطبعة الجديدة، الطبعة الرابعة، دمشق 1987).

- علي محمد جعفر، قانون العقوبات - القسم الخاص (المؤسسة الجامعية للدراسات، الطبعة الأولى، بيروت 2006).

- علي الزعبي، حق الخصوصية في القانون الجنائي (المؤسسة الحديثة للكتاب، الطبعة الأولى، طرابلس 2006).

- فريد الزغبي، الموسوعة الجزائية (دار صادر، الطبعة الثالثة، بيروت 1995).

- فوزية عبد الستار، شرح قانون العقوبات - القسم الخاص (دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة 1990).

- كامل السعيد، شرح أصول المحاكمات الجزائية (دار الثقافة، الطبعة الأولى، الإصدار الثاني، عمان 2008).

- كامل السعيد، شرح قانون العقوبات، الجرائم الواقعة على الشرف والحرية (دار الثقافة، الطبعة الأولى، عمان 1996).

- مصطفى هرجة، المشكلات العملية في جرائم السب والقذف والبلاغ الكاذب (دار محمود، مصر 1995).

- محمد سعيد نمور، الجرائم الواقعة على الأشخاص في قانون العقوبات الأردني (دار عمار، الطبعة الأولى، عمان 1990).

- محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات - القسم الخاص (دار النهضة العربية، الطبعة الثامنة، القاهرة 1984).

 


- التصنيف : القانون الجزائي - النوع : القانون الجزائي - المجلد : المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة - رقم الصفحة ضمن المجلد : 535 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق