جريمه موامره علي امن دوله
conspiracy crime against state security - crime de conspiration contre la sécurité de l'Etat

 جريمة المؤامرة على أمن الدولة

جريمة المؤامرة على أمن الدولة

عبد الجبار الحنيص

تعريف المؤامرة complot 

شروط المؤامرة ومقوماتها

المشاكل القانونية التي تثيرها المؤامرة

العذر المحل والعذر المخفف في العقوبات المقررة للمؤامرة

   

لم يُجرّم المشرع السوري - كقاعدة عامة - الاتفاق الجنائي على ارتكاب أي جريمة من الجرائم، وإنما حصر التجريم بالاتفاق الجنائي على ارتكاب جناية معينة من الجنايات المخلة بأمن الدولة، وهو ما يطلق عليه اسم «المؤامرة». فتجريم المؤامرة هو استثناء لمبدأ عدم معاقبة الأفعال التي لا تشكل شروعاً في الجريمة، أو الأفعال التي لا تدخل في تنفيذها. والمؤامرة ليست من قبيل هذه الأفعال التنفيذية، وإنما هي حالة نفسية، أي مجرد عزم على ارتكاب جريمة.

أولاً- تعريف المؤامرة complot:

عرفت المادة (260) من قانون العقوبات السوري المؤامرة بأنها: «كل اتفاق تم بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية معينة». ويستفاد من هذا التعريف أن المؤامرة هي صورة من صور الاتفاق الجنائي accord criminel. ولتحديد مفهوم الاتفاق الجنائي ينبغي استعراض المراحل الثلاثة التي تمر بها الجريمة: أولها، مرحلة التفكير أو المرحلة النفسية، وفيها تخطر الجريمة في ذهن الفاعل، فيتصورها، ويفكر فيها، ويعقد العزم على ارتكابها. وثانيها، مرحلة التحضير، وفيها يعد الفاعل العدة لتنفيذ ما عقد العزم على اقترافه، فيقوم بالتحضير للجريمة. وثالثها، مرحلة التنفيذ، وفيها يشرع الفاعل في تنفيذ مشروعه الإجرامي الذي خطط وحضر له. والقانون السوري لا يعاقب إلا على هذه المرحلة الأخيرة، فهو لا يعاقب على النوايا وما توسوس به النفس، ولا على أفعال التحضير للجريمة إلا إذا كانت تشكل بذاتها جرائم مستقلة.

ومن المسلم به قانوناً أن مجرد العزم على ارتكاب الجريمة لا يجرم البتة، ويرجع ذلك للأسباب الآتية: أولاً، لصعوبة إثبات العزم؛ لأنه مسألة نفسية بحته. ثانياً، لأنه لا يشكل خطراً على نظام المجتمع والمصالح المحمية جزائياً، على فرض ثبوت هذا العزم. ثالثاً، لأن تجريمه قد يدفع الفاعل إلى الإقدام على ارتكاب الجريمة محل العزم بدلاً من الأحجام عنها، لذا كان من الحكمة وحسن السياسة الجنائية أن يتريث المشرع، فلا يجرم مجرد العزم على ارتكاب الجريمة حتى تتاح الفرصة للفاعل ليعدل عن تنفيذ عزمه. 

والاتفاق الجنائي لا يخرج عن كونه مجرد عزم جنائي عقد النية عليه شخصان فأكثر، فإذا اتفق شخصان فأكثر على ارتكاب جريمة ما، فهل يقتضي أن يعاقب القانون على هذا الاتفاق المعقود أم لا؟

الواقع أن معظم فقهاء العلوم الجزائية يعتبرون الاتفاق الجنائي مجرد عزم إجرامي، يعاقب عليه القانون في حد ذاته كجريمة خاصة مستقلة، لا خطوة للجريمة المتفق عليها. وتفسير ذلك يكمن في كون الاتفاق الجنائي ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد الأمن والنظام، ويجب إحباط هذا الاتفاق بالحيلولة بين الفاعلين وتحقيق خططهم الإجرامية، وفي ذلك قضاء على الشر في مهده. ولكن لا يجوز اعتبار الاتفاق الجنائي جريمة يعاقب عليها دائماً، وإنما ينبغي أن يقتصر التجريم على بعض الاتفاقات الجنائية التي تستهدف ارتكاب جرائم معينة شديدة الخطورة. فيعاقب المشرع السوري على الاتفاق الجنائي في حالتين:

الحالة الأولى: ما نصت عليه المادة (325) من قانون العقوبات، التي اشترط فيها المشرع أن يكون الغرض من الاتفاق المعقود ارتكاب عدد من الجنايات، وأن تكون هذه الجنايات مما يقع على الأشخاص، أو على الأموال.

الحالة الثانية: وهي ما قضت به المادة (260) السالف ذكرها في بداية البحث، وتتناول الاتفاق بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية من الجنايات الواقعة على أمن الدولة بوسائل معينة.

ثانياً- شروط المؤامرة ومقوماتها:

يتضح من التعريف الذي أورده المشرع السوري في نص المادة 260 من قانون العقوبات للمؤامرة، أن قيامها يتطلب توافر شروط خمسة:

1- وجود اتفاق:

لم يُعرّف المشرع السوري الاتفاق. ويعرف الفقه الجزائي الاتفاق بأنه تقابل إرادتين أو أكثر، وتبادل الرضا أو القبول بين شخصين أو أكثر، على ارتكاب جريمة معينة بذاتها وتحديد وسائلها. ففي هذا الاتفاق تتلاقى نوايا المتآمرين، وتتحد إراداتهم، ويصوب عزمهم المقرر نحو هدف واحد، وتتناسق الأدوار التي يتوازعونها فيما بينهم وتنسجم. إذ يجب أن يعلن كل مشارك في مؤامرة عن رغبته وعزمه لسائر المتآمرين، فتتحد إراداتهم على ارتكاب الجناية المتفق عليها من بين الجنايات الواقعة على أمن الدولة.

ويتطلب اتحاد إرادات المتآمرين وجود قرار موحد وحاسم، لذا يجب أن يكون اتفاقهم نهائياً وقطعياً. وتطبيقاً لذلك يتوجب على الإدعاء العام أن يقدم الأدلة التي تبث وجود هذا الاتفاق النهائي والقاطع بين المدعى عليهم على ارتكاب جناية معينة من الجنايات الواقعة على أمن الدولة.

ولا يشترط في الاتفاق أن يتخذ شكل منظمة دائمة، فيكفي مجرد اتحاد إرادتين أو أكثر لقيام الاتفاق، بغض النظر عن طريقة تنظيمه أو مدة استمراره. كما لا يشترط في الاتفاق شكلاً معيناً، فقد يكون سرياً كما قد يكون علنياً، وقد يكون شفوياً كما قد يكون كتابياً. ويتحقق الاتفاق حتى لو كان وقت البدء بتنفيذ الجناية المعقود النية على ارتكابها غير معين على وجه الدقة. وكذلك فإن تعليق المتآمرين تنفيذ اتفاقهم على حوادث مستقبلية لا يعيب هذا الاتفاق نفسه، ولا ينفي وجوده، ما دامت ممكنة الوقوع والتحقق. وليس من الضروري أيضاً أن يكون الوقت المحدد للبدء بتنفيذ المؤامرة وشيكاً، بل يكفي ألا يكون بعيداً جداً إلى الحد الذي يفيد بأن الاتفاق لن ينجز بصورة حاسمة وقاطعة بين المتآمرين.

ولكن ما هي الآثار القانونية التي تترتب على العدول عن الاتفاق؟

فقد يعدل المتآمرون اختيارياً عن المؤامرة، ويقلعوا عن اتفاقهم، فما حكم هذا العدول؟ اختلف الفقه الجزائي حول هذه المسألة، فمن الفقهاء من يرى أن جريمة المؤامرة تتم بمجرد حصول الاتفاق التام، ولا عبرة بعد ذلك لعدول المتآمرين، إذ يعد هذا العدول بمنزلة الندم الإيجابي اللاحق لإتمام الجريمة. وحجة أصحاب هذا الرأي تستند إلى أن المشرع لا يعاقب من يخبر السلطة من المتآمرين بوجود مؤامرة قبل البدء بأي فعل مهيأ للتنفيذ، وإخبار السلطة هو بمنزلة عدول عنها. ولو كان العدول بحد ذاته يمنع العقاب لما كان ثمة داع لوجود نص يقضي بإعفاء المتآمر المخبر من العقاب كله.

أما الرأي السائد في الفقه الفرنسي أنه لا عقاب على من يعدل من المتآمرين عن اتفاقه قبل الشروع في تنفيذ المؤامرة. وحجة أصحاب هذا الرأي تستند إلى أن عدول المتآمر معناه أنه لا يكون متفقاً، أي إن اتفاقه كان عرضاً، والقانون لا يجرم الاتفاق العرضي، وإنما يجرم الاتفاق الذي يدوم ويستمر حتى اكتشافه. ويزيد أنصاره على هذا أن المؤامرة المعدول عنها غير خطرة، ولا تستوجب مساءلة من عدل عنها جزائياً. وينتهون إلى أن معاقبة من يعدل من المتآمرين عن اتفاقهم دفع لهم إلى تنفيذ ما عقدوا العزم على تنفيذه.

ويبدو أن هذا الرأي يستند إلى اعتبارات عملية أكثر منها قانونية. فجريمة المؤامرة إذا قامت  بحصول الاتفاق التام استحق فاعلوها العقاب. ولقد حدد المشرع طريق الإعفاء من العقوبة فاشترط الإخبار. إذ نصت المادة (262/1) من قانون العقوبات السوري على أنه: «يعفى من العقوبة من اشترك بمؤامرة على أمن الدولة وأخبر السلطة بها قبل البدء بأي فعل مهيأ للتنفيذ».

ويقول بعض الفقهاء في هذا الصدد أنه كان من الأجدر بأصحاب الرأي السائد في فرنسا أن يتجهوا إلى الجهة المختصة بتحريك الدعوى الجزائية، ليناشدوها عدم تحريكها حماية للمتآمر الذي عدل عن مؤامرته وإثابة له، حتى تمارس هذه الجهة سلطتها التقديرية في حفظ الدعوى الجزائية. والقول بخلاف هذا فيه إهدار للحكمة من اشتراط الإخبار للإعفاء من العقاب على حد زعمهم.

2- تعدد الجناة:

يشترط لقيام جريمة المؤامرة تعدد الجناة، فلا يتصور وقوعها من فرد واحد. إذ التآمر، بحكم معناه اللغوي، يعبر عن تفاعل إرادتين أو أكثر، وشرط التعدد هو ما تتميز به جريمة المؤامرة عما سواها من الجرائم الأخرى، ويستهدف العقاب على المؤامرة الميثاق الجماعي الذي انصهرت فيه إرادات مجموعة من الناس. وتكتفي تشريعات معظم الدول الجزائية، ومنها قانون العقوبات السوري، بأن يكون الحد الأدنى لهذا التعدد شخصين. ويشترط أن تكون إرادة المتآمرين غير معيبة، وذلك لأن الغلط أو التدليس اللذين يعتورانها من شأنهما، لدى السائد في الفقه الجزائي، أن يحولا دون توافر القصد الجرمي في حق من شابا إرادته. ويترتب على ذلك أنه لا تقوم جريمة المؤامرة إلا إذا كان هناك شخصان على الأقل لم تشب إرادتهما عيوب تنفي قصدهما الجزائي.

وإن أوجبت المادة (260) من قانون العقوبات السوري أن يتم الاتفاق بين شخصين فأكثر، فلا يشترط أن يكون جميع المتآمرين معروفين أو حاضرين، بل يكفي أن يثبت أن المتهم قد وطد العزم مع غيره على ارتكاب جناية مخلة بأمن الدولة، وإن بقي هذا الغير مجهولاً أو غائباً. وقد جاء في حكم لمحكمة النقض المصرية أنه إذا تآمر اثنان ثم هرب أحدهما عقب اكتشاف المؤامرة فلم يمثل أمام المحكمة، أو إذا كان أحد المتآمرين مجهولاً، فللمحكمة أن تعلن قيام المؤامرة رغم ذلك إذا اطمأنت إلى توافر المسؤولية الجزائية في حق هذا المجهول أو ذاك الغائب (نقض مصري في 16 ديسمبر 1935، مجموعة القواعد القانونية، السنة 37، رقم 55).

ويجب أن يكون الشخصان المتآمران مسؤوليْن جزائياً. فإذا كان أحدهما غير مسؤول جزائياً، كأن يكون صغيراً لم يتم سن العاشرة من عمره، أو مجنوناً، أو فاقد الإدراك بسبب التسمم بالمسكرات أو المخدرات دون علم منه، فجريمة المؤامرة لا تقوم. أما العذر المحل الذي يستفيد منه أحد الشخصين المتآمرين عملاً بأحكام المادة (262/1) من قانون العقوبات السوري، لا يحول دون قيام جريمة المؤامرة، لأن هذا العذر لا ينفي المسؤولية الجزائية، لذا يبقى المتآمر الآخر وحده معاقباً على تآمره.

3- أن يكون الغرض من الاتفاق ارتكاب جناية مخلة بأمن الدولة:

لا تتوافر مقومات جريمة المؤامرة ما لم يفصح المتآمرون عن الهدف أو الغرض المُتَّفَق عليه، وهو ارتكاب جناية معينة من الجنايات المخلة بأمن الدولة. والعقاب على المؤامرة إنما يمثل استثناء من القاعدة العامة التي تقول بعدم فرض العقوبة على غير الأفعال التنفيذية أو أفعال الشروع. والمؤامرة لم تكن من هذه الأفعال، وإنما هي مجرد عزم على ارتكاب الجريمة. لهذا فقد حدد المشرع السوري الجنايات المخلة بأمن الدولة، والتي يعد الاتفاق على ارتكابها مؤامرة يستحق فاعلوها العقاب. وهذه الجنايات منصوص عليها حصراً في قانون العقوبات السوري، وهي:

أ- المؤامرة الرامية إلى اقتراف إحدى الجنايات الواردة في الفقرة الأولى من المادة (279)، إذ تعاقب الفقرة الثانية من المادة ذاتها على هذه المؤامرة بالحبس سنة على الأقل.

ب- المؤامرة التي تستهدف ارتكاب إحدى الجنايات الواقعة على الدستور، والمنصوص عليها في المواد (291-294)، فتعاقب عليها المادة 295 بالإقامة الجبرية الجنائية.

ج- المؤامرة التي ترمي إلى ارتكاب إحدى جنايات الفتنة المنصوص عليها في المواد 298-302، وتعاقب عليها المادة 303 بالأشغال الشاقة المؤقتة.  

د- المؤامرة التي ترمي إلى ارتكاب عمل واحد أو عدد من أعمال الإرهاب المنصوص على تعريفها في المادة (304)، وتعاقب عليها المادة (305/1) بالأشغال الشاقة المؤقتة.

والملاحظ أن المؤامرة على ارتكاب إحدى الجنايات المذكورة أعلاه تعد جناية في جميع الحالات، ما عدا الحالة التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة (297)، إذ إن المؤامرة على اقتراف إحدى الجنايات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة تعد جنحة. 

4- تعيين الوسائل التي ستستخدم في تحقيق الغرض من المؤامرة:

 ينبغي أن ينصب الاتفاق المكون لجريمة المؤامرة على الوسيلة التي بها يحقق المتآمرون الجريمة محل المؤامرة. إذ لا يكفي أن يتفق المتآمرون على تعيين الغرض الذي يسعون إلى تحقيقه، أو تحديد الجناية التي يعتزمون ارتكابها، وإنما يتوجب أيضاً عليهم تحديد الوسائل التي ينوون استعمالها في تنفيذ الجناية التي نسجوا خيوط مؤامرتهم حولها. لهذا، فإذا اتفق المتآمرون على الجناية وحدها دون وسيلة تنفيذها، فلا مؤامرة. وهذا ما قصده المشرع السوري حينما أشار إلى ضرورة انصراف الاتفاق إلى الجناية ووسائل ارتكابها معاً، وقد عبر عن هذه الوسائل بقوله: «بوسائل معينة».

5- الركن المعنوي (القصد الجرمي):

المؤامرة جريمة مقصودة، لهذا ينبغي توافر القصد الجرمي بشقيه العلم والإرادة، لدى المتآمرين، أو لدى أثنين منهم على الأقل، وألا فلا مؤامرة لعدم توافر شرط تعدد الجناة. ومعنى القصد الجرمي أن يشترك العضو في الاتفاق الجنائي وهو عالم أن الغرض منه ارتكاب جناية معينة من الجنايات المخلة بأمن الدولة والمنصوص عليها في المواد (279 و291-294 و298-302 و304) من قانون العقوبات، وأن يكون قد أراد ارتكاب هذه الجناية المتفق عليها بجميع أركانها كما يحددها القانون. وعلى النيابة العامة عبء إثبات توافر القصد الجرمي لدى المتآمرين. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه: «لا وجود لجريمة الاتفاق الجنائي، أي المؤامرة إذا تبين أن المتهم كان مخدوعاً من أول الأمر ممن مد إليهم يده للتعاون على تنفيذ خططهم، ولم يكن أحد من هؤلاء مخلصاً له في هذه الخطط، بل كانوا يعملون على غشه بتقديم أوراق مزورة، وذلك لعدم وجود إرادتين على الأقل تكونا اتحدتا على الإجرام» (نقض مصري في 16ديسمبر 1935، مجموعة القواعد القانونية، س 37، رقم 55).

ويستفاد من هذا الاجتهاد أن القصد الجرمي لم يتوافر لدى هؤلاء الأشخاص غير المخلصين في الاشتراك في الاتفاق، وان إرادة العضو الباقي بعد استبعادهم لا تشكل وحدها اتفاقاً معاقباً عليه. ويوضح ذلك أيضاً كما لو اتفق مجموعة أشخاص على إثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة، وتحقيقاً لذلك تعاقدوا مع أحد تجار الأسلحة على استيراد كميات من السلاح والذخيرة دون أن يعلم هذا الأمر سوى أنه عمل تجاري بحت، فلا مسؤولية على التاجر لانتفاء القصد الجرمي لديه، وإن كانت جريمة المؤامرة مكتملة لدى المتفقين الآخرين.

ويعد القصد الجرمي متوافراً في نفس المتآمر، سواء قام بنفسه بتنفيذ الجناية محل المؤامرة، أم قام بها غيره؛ لأن المؤامرة جريمة مستقلة بذاتها ولا يؤثر في وجودها، بعد تمام الاتفاق، قيام المتآمرين بتنفيذ مشروعهم أو عجزهم عنه.

وإن الدافع إلى المؤامرة لا يؤثر في قيام أركان الجريمة ومنها القصد الجرمي. فمتى تم الاتفاق على ارتكاب جناية معينة من الجنايات المخلة بأمن الدولة، تعد المؤامرة قائمة سواء كان الدافع لدى المتآمرين نبيلاً ومحموداً، أم غير ذلك.

ثالثاً- المشاكل القانونية التي تثيرها المؤامرة:

بعد أن تم تعريف المؤامرة وتحديد مقوماتها، من المفيد التعرف على المشكلات القانونية التي يثيرها تعريفها، وهي:

1- هل المؤامرة جريمة مستمرة أم متعاقبة أم مؤقتة؟

يعتبر الرأي السائد في أوساط الفقه الجزائي أن المؤامرة جريمة مستمرة، إذ تستمر باستمرار الاتفاق الجنائي الذي جمع بين المتآمرين ووحد بين إراداتهم. ويترتب على ذلك أن حالة الاستمرار تنتهي بأحد فرضين: إما بعدول المتفقين عن مؤامرتهم، وإما بارتكابهم للجناية محل المؤامرة. ويرى جانب من الفقه أن المؤامرة جريمة وقتية تتم بمرد الاتفاق، فقوامها هذا الفعل الإيجابي المتمثل في توحيد إرادات المتآمرين، وتوطيد عزمهم المشترك على ارتكاب الجناية محل المؤامرة، ورسم الخطط وتحديد الوسائل لتنفيذها، ولا يدخل في مقوماتها الامتداد الزمني، أي الفعل السلبي الذي يتجلى في الاحتفاظ بالعزم الجماعي الموطد بين المتآمرين والبقاء عليه. ويرى آخرون أن المؤامرة جريمة متتابعة، لا مستمرة، بحجة أن المتآمرين لا يجتمع شملهم في المؤامرة دفعة واحدة، بل ينضمون إليها الواحد تلو الآخر، وفي كل مرة ينضم إلى الاتفاق عضو جديد تتجدد معه جريمة المؤامرة، وتصبح مع هذا التجدد من قبيل الجرائم المتعاقبة.      

ويبدو أن الرأي الأول هو الأقرب إلى المنطق والواقع، فالمؤامرة هي جريمة تتم بالاتفاق المنعقد بين أعضائها، ولكن فعل الاتفاق هذا قابل للاستمرار، فتستمر المؤامرة باستمرار الاتفاق، ولا تنتهي حالة الاستمرار إلا بارتكاب الجناية المتفق عليها، أو بالعدول عن الاتفاق. ومن هذا التاريخ يبدأ سريان التقادم على الدعوى العامة.

2- الشروع في المؤامرة:

عرّف المشرع السوري الشروع في المادة (199) من قانون العقوبات بأنه: «كل محاولة لارتكاب جناية بدأت بأفعال ترمي مباشرة إلى اقترافها، تعد كالجناية نفسها إذا لم يحل دون إتمامها سوى ظروف خارجة عن إرادة الفاعل». ويستفاد من هذا النص أن الشروع في الجنايات معاقب عليه دوماً. والمؤامرة هي جناية، فهل يعاقب على الشروع فيها عملاً بالأحكام العامة للشروع؟

أجاب غالبية فقهاء القانون الجزائي عن هذا السؤال بالنفي، أي إن الشروع في المؤامرة غير معاقب عليه. إذ لا يمكن تصور الشروع في المؤامرة؛ لأن معنى الشروع البدء بالتنفيذ أو القيام بأفعال مادية تقود مباشرة إلى اقتراف الجناية. والمؤامرة في ذاتها، هي دون ذلك، أي إنها لا تعدو أكثر من حالة نفسية تتمثل في اتحاد إرادات عدد من الأشخاص على ارتكاب جناية معينة من الجنايات المخلة بأمن الدولة. وهذا الاتحاد، لا يتصور فيه الشروع، فهو إما أن يكون وإما ألا يكون، فإن وجد تمت المؤامرة. وكذلك فإن الاتفاق الجنائي بين المتآمرين غالباً ما يتم مرة واحدة.

3- الاشتراك والتدخل في المؤامرة:

يعد فاعلاً، أو شريكاً في المؤامرة كل من يسهم فيها، أو ينضم إليها، أو يقوم بأي دور من أدوار تكوينها أو إخراجها، أو يرضى بها ويساق إلى تيارها. ولم يفرق المشرع السوري بين الفاعل والشريك في المؤامرة من حيث العقوبة، ولا يميز الرؤساء من الأعضاء فيها، ولامنشئيها من المنضمين إليها. فالعقوبة المقررة قانوناً واحدة بالنسبة للجميع، وذلك باستثناء الحالة التي يكون فيها الشريك قد نظم أمر المساهمة في المؤامرة أو أدار عمل من اشتركوا فيها، فتشدّد عقوبته وفقاً للشروط الواردة في نص المادة (247) من قانون العقوبات (المادة 212 من قانون العقوبات).

ولكن هل يتصور التدخل في المؤامرة؟ الواقع أن طبيعة المؤامرة قد تتعارض وبعض صور التدخل المنصوص عليها في المادة (218) من قانون العقوبات. ولكن بعضها الآخر ممكن الحدوث فعلاً. فقد تقتصر مساهمة بعض الأشخاص على إسداء العون والمساعدة والنصح والإرشاد إلى المتآمرين مع علمهم بالمؤامرة - وهذه الأفعال جميعها من صور التدخل - دون أن ينضم هؤلاء الأشخاص إلى المؤامرة، أو يشتركوا في الاتفاق عليها. والعلم بالمؤامرة لا يكفي وحده لاستكمال عناصر القصد الجرمي، بل لابد أيضاً من توافر إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون. فمثلاً المالك الذي يقدم منزله أو يؤجره ليعقد المتآمرون فيه اجتماعاتهم، مع علمه بأمرهم، دون أن يسهم في هذه الاجتماعات وفي الاتفاق المتمخض عنها لا يعد متآمراً وإنما هو متدخل. وكذلك تاجر الأسلحة الذي يزود المتآمرين بالأسلحة والذخائر مستهدفاً التجارة والربح فحسب، ودون أن يشترك في الاتفاق الجنائي، لا يعد فاعلاً أو شريكاً، حتى لو كان عالماً بالمؤامرة، وإنما هو متدخل  بسبب مساعدته للمتآمرين  وعلمه بمشروعهم التآمري.

والجدير بالملاحظة أنه في معظم الحالات لا فائدة عملية للتفريق بين الفاعل والشريك والمتدخل؛ لأن المشرع السوري يعاقب المتدخل الذي لولا مساعدته ما ارتكبت الجريمة كما لو كان هو ذاته الفاعل (المادة 219/1 من قانون العقوبات).

4- التحريض على المؤامرة:

لم يورد المشرع السوري نصاً خاصاً بالدعوة إلى التآمر على ارتكاب إحدى الجنايات المخلة بأمن الدولة والمنصوص عليها في المواد (279 و291- 294 و298-302 و304) من قانون العقوبات. وليس معنى ذلك أن الدعوة إلى التآمر لا تشكل جرماً معاقباً عليه في التشريع الجزائي السوري. وإنما ينبغي العودة إلى الأحكام العامة للتحريض المنصوص عليها في المادتين (216 و217) من قانون العقوبات. ولكن ما هي عناصر التحريض على المؤامرة، ومن هو المحرض؟ عرف المشرع السوري المحرض بقوله: «يعد محرضاً من حمل أو حاول أن يحمل شخصاً بأي وسيلة كانت على ارتكاب جريمة» (المادة 216 من قانون العقوبات). وانطلاقاً من هذا التعريف الموسع للتحريض، يمكن، في معرض تحليل التحريض على المؤامرة، إيراد ما يلي:

أ- يشترط لقيام جريمة التحريض على المؤامرة وجود دعوة جدية وصريحة ذات موضوع معين، وهدف واضح. ولا بد لقيام هذه الجريمة أيضاً من مشروع مقرر ومصمم عليه من ذي قبل يدعو صاحبه غيره لقبوله وتبنيه وتنفيذه، أو للانضمام إليه والعمل له.

ب- ويستوي في التحريض على المؤامرة أن يكون دعوة إلى تكوينها وخلقها، أو أن يكون دعوة للانضمام إلى مؤامرة موجودة وقائمة فعلاً أو الاشتراك فيها.

ج- إذا أفضى التحريض إلى نتيجة بحيث يلبي المُحرَّض دعوة المُحِرّض وينعقد الاتفاق الجنائي وتتم المؤامرة، فيعاقب المُحرِّض كمتآمر، وتزول عنه صفة المُحرِّض باندماج إرادته بإرادة المُحرَّض.

ت- ينبغي التفريق بين التحريض على المؤامرة ذاتها وبين التحريض على الجناية التي هي الغرض من المؤامرة. فالمادة (291) مثلاً من قانون العقوبات تعاقب على الاعتداء الذي يستهدف تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة بالاعتقال المؤقت خمس سنوات على الأقل. أما المؤامرة على ارتكاب هذه الجناية الواقعة على الدستور، فيعاقب عليها بالإقامة الجبرية الجنائية عملاً بأحكام المادة (295) من قانون العقوبات. فالتحريض على تكوين مثل هذه المؤامرة أو الانضمام إليها يعاقب عليه بالعقوبة المقررة لها. أما التحريض على القيام باعتداء يستهدف تغيير الدستور بطرق غير مشروعة، فالجريمة لم تعد تحريضاً على مؤامرة، وإنما تحريض على ارتكاب جناية الاعتداء نفسها المنصوص عليها في المادة (291) المشار إليها سابقاً. وفي هذه الحالة يعاقب المُحرِّض بالاعتقال المؤقت خمس سنوات على الأقل.

5- المؤامرة المقترنة بأفعال مهيئة للتنفيذ:

قد يقوم المتآمرون ببعض الأفعال المادية التي تخرج مؤامرتهم من حيز الاتفاق المجرد، وتمهد لتنفيذ الجناية التي اتفقوا على ارتكابها، والشروع فيها. وهذه الأفعال التحضيرية تلي مرحلة انعقاد المؤامرة وتسبق مرحلة الاعتداء. ومن أمثلتها شراء الأسلحة والذخائر، واستئجار المستودعات ووضعها فيها، وشراء الأبنية أو استئجارها لاتخاذها منطلقاً في تنفيذ الجناية المتفق عليها، أو مقراً لقيادة التنفيذ. فما هو موقف المشرع السوري من المؤامرة المقترنة بالأفعال التحضيرية المهيئة للتنفيذ؟ لم يورد المشرع السوري نصاً خاصاً بذلك، مما يقتضي الرجوع إلى الأحكام العامة المتعلقة بالشروع المنصوص عليها في المادة (199) من قانون العقوبات. وبموجب هذه الأحكام لا يعد شروعاً في الجريمة مجرد العزم على ارتكابها ولا الأعمال التحضيرية لذلك، وأن الشروع في الجريمة ينحصر في الأفعال التي ترمي مباشرة إلى اقترافها، أي مما يدخل في تنفيذها. وبناء على ذلك فالاتفاق الجنائي الذي اقترن بأفعال تحضيرية يظل مؤامرة، وتبقى عقوبته كما هي من غير تشديد أو تغيير. أما إذا تعدى المتآمرون مرحلة التهيئة أو التحضير إلى مرحلة البدء في تنفيذ الجناية المتفق على ارتكابها، فتصبح المؤامرة اعتداء، ويعاقب الفاعلون كمعتدين لا كمتآمرين.

ومما تجدر الإشارة إليه أخيراً أنه يصعب في كثير من الأحيان التفريق بين الأفعال التحضيرية والأفعال التنفيذية في الجرائم الواقعة على أمن الدولة، ويعود ذلك إلى المرونة في صياغة النصوص الناظمة لها، فهي واسعة المدى والشمول. فمثلاً قيام المتآمرين بشراء الأسلحة يعد فعلاً تحضيرياً، لكن توزيعها على الأعضاء المشتركين في المؤامرة مصحوبة بأوامر تقضي باستعمالها، أو المهاجمة، يعد شروعاً في جناية الاعتداء المتفق على ارتكابها، أي فعلاً من أفعال البدء بتنفيذها، وتتحول المؤامرة به إلى اعتداء.

والأفعال التحضيرية التي يقوم بها المتآمرون يمكن أن تشكل جرائم مستقلة عن جريمة المؤامرة، يلاحق من أجلها فاعلوها، ويعاقبون عليها فضلاً عن معاقبتهم كمتآمرين.

6- المؤامرة في قانون العقوبات العسكرية:

أشار قانون العقوبات العسكري وأصول المحاكمات العسكرية الصادر بالمرسوم رقم 61 تاريخ 27 شباط 1950 وتعديلاته إلى المؤامرة في النصين الآتيين:

النص الأول: وهو ما نصت عليه المادة (103) المعدلة بموجب المرسوم التشريعي رقم 31 تاريخ 14/1973، إذ عرفت جريمة «الفرار بمؤامرة» بما يلي: «يعد فراراً بمؤامرة، كل فرار يحصل من عسكريين فأكثر بعد اتفاقهم عليه». ولم يعاقب المشرع السوري في هذا النص على المؤامرة كجريمة مستقلة، وإنما يشدّد العقاب على الفرار الذي يحصل تنفيذاً لمؤامرة بين عسكرييْن فأكثر، فاعتبر المؤامرة ظرفاً مشدداً. ومما يدعم وجهة النظر هذه أن الفقرة الخامسة من المادة (103) ذاتها توجب الحكم بالإعدام على من يفر بمؤامرة أمام العدو زمن الحرب. أما إذا لم يكن الفرار قد حصل بمؤامرة فيعاقب الفار بالاعتقال المؤبد عملاً بأحكام المادة (102/2) من قانون العقوبات العسكري. وكذلك فقد فرقت المادة (103) المشار إليها سابقاً في العقاب بين رئيس المؤامرة على الفرار وسائر الفارين، إذ اعتبرت صفته هذه سبباً لمعاقبته بأشد مما يعاقب به رفاقه الفارون الآخرون. 

النص الثاني: وهو ما نصت عليه المادة (155/3) من قانون العقوبات العسكري وأصول المحاكمات العسكرية، إذ عاقبت بالإعدام: «كل عسكري يشترك في المؤامرات التي يراد بها الضغط على مقررات الرئيس العسكري المسؤول».

ومما تجدر الإشارة إليه أخيراً أنه توجد نصوص أخرى في قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية تتعلق بجرائم تتصل بجريمة المؤامرة بسبب صفتها الجماعية. ومنها ما جاء في المادة (113) المعدلة بالمرسوم التشريعي رقم 120 تاريخ 6/10/1953 التي تنص على أنه: «يعد في حالة عصيان العسكريون تحت السلاح الذين يجتمعون، وعددهم اثنان عل الأقل، فيرفضون بالاتفاق، الإذعان لأوامر رؤسائهم لدى أول إنذار».

وكذلك  تنص المادة (120) على أنه: «إذا اجتمع ثلاثة عسكريين فأكثر بقصد الفساد، وتداولوا بعدم إطاعة الآمر أو الأعلى رتبة أو مقاومته أو الاعتداء عليه فيعاقب كل منهم بالحبس…».

رابعاً- العذر المحل والعذر المخفف في العقوبات المقررة للمؤامرة:

نصت المادة (262) من قانون العقوبات السوري على أنه:

«1- يعفى من العقوبة من اشترك بمؤامرة على أمن الدولة، وأخبر السلطة بها قبل البدء بأي فعل مهيِّيء للتنفيذ. 2- وإذا اقترف فعل كهذا أو بدئ به فلا يكون العذر إلا مخففاً. 3- ويستفيد كذلك من عذر مخفف المجرم الذي أخبر السلطة بمؤامرة أو بجناية أخرى على أمن الدولة قبل إتمامها، أو أتاح القبض - ولو بعد مباشرة الملاحقات - على المجرمين الآخرين أو على الذين يعرف مخبأهم».

1- العذر المحل:

لقد خص المشرع السوري جريمة المؤامرة وحدها بالإعفاء من العقوبة من بين الجرائم الواقعة على أمن الدولة. إذ أراد أن يتيح الفرصة للندم والتوبة أمام المشتركين في المؤامرة التي تستهدف أمن الدولة، كما رغب في كشف أسرار هذه المؤامرة بغية القضاء على الخطر في مهده. ويستفاد من نص الفقرة الأولى من المادة (262) المشار إليها آنفاً أن العذر المحل لا يتحقق إلا إذا توافرت الشروط التالية:

أ- وجود إخبار يتضمن ما يعرفه المتآمر المخبر من وجود الاتفاق الجنائي على ارتكاب جناية معينة من الجنايات المخلة بأمن الدولة. وينبغي أيضاً أن يشتمل الإخبار على أسماء المتآمرين كلهم أو بعضهم. ولم يضع المشرع شروطاً معينة لشكل الإخبار، إذ يصح أن يكون خطياً أو شفهياً، مباشراً، أو بالواسطة. ولكنه اشترط أن يكون الإخبار إلى السلطة العامة.

ب- أن يكون المخبر شريكاً في المؤامرة أو فاعلاً لها أو متدخلاً فيها. أما إذا كان محرضاً عليها فلا يستفيد من العذر المحل أطلاقاً (الفقرة الرابعة من المادة 262).

ج- يجب أن يتم الإخبار عن المؤامرة قبل البدء بأي فعل مهيِّيء للتنفيذ، ومعنى ذلك أن لا يكون المتآمرون كلهم أو بعضهم قد قاموا بأي فعل من الأفعال التحضيرية لتنفيذ الجريمة المتفق على ارتكابها. ولكن هل يشترط لإعفاء المتآمر المخبر من العقاب ألا تكون السلطة قد علمت بالمؤامرة قبل الإخبار؟ سكت المشرع السوري - خلافاً للتشريعات الأجنبية - عن الإجابة عن هذا السؤال، ولكن المنطق القانوني يقتضي أن يحصل الإخبار قبل علم السلطة العامة بالمؤامرة. ومعنى ذلك يجب وروده قبل البحث والتفتيش عن المتآمرين، أو قبل ملاحقتهم. فما يدلي به المجرم من معلومات تتعلق بالمؤامرة بعد اكتشافها وملاحقة المتآمرين يعد اعترافاً لا إخباراً. ما دامت الحكمة من العذر المحل أن يكشف أحد المشتركين في المؤامرة اللثام عنها لتمكين السلطة من الإمساك بخيوطها والقبض على فاعليها، فإذا حصل الإخبار بعد أن تكون السلطة قد وضعت يدها على المؤامرة وكشفت فاعليها فَقَدَ الإعفاء من العقاب غايته والحكمة منه.

2- العذر المخفف:

يمنح العذر المخفف في ثلاث حالات، وهي:

الحالة الأولى: إذا تمت المؤامرة وحصل الإخبار عنها بعد اقتراف المتآمرين فعلاً من الأفعال المهيئة للتنفيذ، أي بعد قيامهم بالأفعال التحضيرية التي تسبق مرحلة تنفيذ الاعتداء الذي عقد العزم على القيام به. ومثال ذلك قيامهم بتحضير وسائل تحقيق الجناية المتفق عليها وشراء الأسلحة. 

الحالة الثانية: لا تشترط قيام المتآمرين بفعل تام من الأفعال المهيئة للتنفيذ، بل يكفي أن يكونوا قد بدؤوا بمثل هذا الفعل.

الحالة الثالثة: ويستفيد من عذر مخفف المجرم الذي أخبر بمؤامرة أو بجناية أخرى على أمن الدولة قبل إتمامها، أو أتاح القبض - ولو بعد مباشرة الملاحقات - على المجرمين الآخرين أو الذين يعرف مخبأهم (الفقرة الثالثة من المادة 262 من قانون العقوبات). إن هذا الحكم يتناقض مع ما جاء في نص كل من الفقرتين الأولى والثانية من المادة ذاتها. إذ تمنح الفقرة الثالثة العذر المخفف للمجرم الذي أخبر السلطة بمؤامرة قبل إتمامها. وهذا الموقف غير سديد لسببين: أولهما، أن المؤامرة قبل إتمامهما ليست جريمة يعاقب عليها، والشروع فيها لا يمكن تصوره والمعاقبة عليه كما سبق بيانه. فالمؤامرة إما أن تحصل تامة باستيفائها لمقوماتها كاملة، وعندئذ تعد جريمة، ويعتبر كل شريك فيها مجرماً يستحق العقاب، وإما أن لا تكون تامة، وعندئذ لا تشكل جريمة ولا عقوبة فيها على أحد.  

وثانيهما، إذ تمت المؤامرة، وقام أحد المتآمرين بإخبار السلطة العامة بها، قبل البدء بأي عمل مهيء للتنفيذ، فالمجرم المخبر يستفيد من الإعفاء من كامل العقوبة عملاً بأحكام الفقرة الأولى من المادة (262) الآنفة الذكر. فكيف يمكن التوفيق بين هذا الحكم وما جاء في نص الفقرة الثالثة من المادة نفسها.

مراجع للاستزادة:

- رياض الخاني وجاك يوسف الحكيم، شرح قانون العقوبات- القسم الخاص، الطبعة السادسة (منشورات جامعة دمشق، 1992-1993).

- عبد الفتاح مصطفى الصيفي، شرح قانون العقوبات اللبناني- جرائم الاعتداء على أمن الدولة وعلى الأموال (دار النهضة العربية، بيروت 1972).

- محمد الفاضل، الجرائم الواقعة على أمن الدولة (المطبعة الجديدة، دمشق 1977-1978).

- محمد الفاضل، محاضرات في الجرائم السياسية، الطبعة الثالثة (مطبعة دمشق، 1967).

 


- التصنيف : القانون الجزائي - النوع : القانون الجزائي - المجلد : المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية - رقم الصفحة ضمن المجلد : 64 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق