مبدأ تخصيص الاعتمادات
مبدا تخصيص اعتمادات
the principle of allocation of funds - principe d’allocation des crédits
مبدأ تخصيص الاعتمادات
يوسف شباط
استثناءات مبدأ تخصيص الاعتمادات
وضع علم المالية مبادئ أساسية تكفل قيام الموازنة بالدور الذي بني عليه مفهومها، يتعلق بعضها بأصول تنظيم الموازنة على نحو يكفل حق الشعب ونوابه في الاطلاع عليها ومراقبتها بصورة دقيقة وسهلة، ويتعلق بعضها الآخر بالمدة التي يجب أن تعد الموازنة من أجلها.
وقد نشأت هذه القواعد في ظل الدولة الليبرالية، وتعاظمت أهميتها بصورة خاصة في القرن التاسع عشر، إذ كانت تعبر عن الأصول النظرية المالية التقليدية، وتختلف قيمة هذه المبادئ حسب الدول، ويتطور مدى تطبيقها مع تطور مفهوم الموازنة؛ حتى إن قيمة بعضها زالت أو أصبحت في طريق الزوال، بعد انتشار المذاهب السياسية والاجتماعية الحديثة التي نتج منها تداخل بين السياسة والاقتصاد والمالية العامة، وكان نتيجة ذلك أن أصبح تطبيق هذه المبادئ العامة والتقيد بها موضع خلاف كبير بين الفقهاء، فأصاب هذه المبادئ التقليدية تطور يتماشى مع المفهوم الجديد للمالية العامة وموازناتها؛ بما يحقق الغاية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتوخاة من الموازنة.
ومن هذه المبادئ مبدأ تخصيص الاعتمادات الذي يعود الأصل في نشوئه إلى إحكام رقابة السلطة التشريعية على أعمال الحكومة، كما هو الحال في بقية المبادئ الأساسية للموازنة فتأتي الإجازة بالإنفاق غير مطلقة لمبالغ ضخمة، وإنما مقتصرة على وحدات صغيرة من الاعتمادات.
فيتم بذلك تخصيص مبلغ محدد من المال لينفق في غاية معينة لا تستطيع الحكومة أن تحيد عنها.
أولاً ـ تعريف مبدأ تخصيص الاعتمادات:
إن مبدأ تخصيص الاعتمادات يعني أن تكون إجازة الإنفاق محددة بوحدات صغيرة من الاعتمادات لا بمبالغ ضخمة، ويعود أصل هذا المبدأ إلى إحكام رقابة السلطة التشريعية على أعمال الحكومة، وكلما تم التوسع في تخصيص الاعتمادات تم تقييد الحكومة أكثر.
وفي سورية نصت المادة (75) من الدستور: "يتم التصويت على الموازنة باباً بابا ويحدد القانون طريقة إعدادها".
وأكدت ذلك المادة (129) من النظام الداخلي لمجلس الشعب: "يقدم الرئيس أقسام الموازنة لمناقشتها قسماً قسماً والاقتراع على أبوابها باباً باباً".
وعلى هذا فإن إقرار اعتمادات الموازنة من السلطة التشريعية في سورية يكون على أساس الباب، فلا يجوز نقل اعتماد باب إلى آخر إلا وفق النصوص القانونية.
وفي فرنسا تقوم الحكومة بتوزيع الاعتمادات إلى فصول، وتعرض على اللجنة المالية في الجمعية الوطنية، وعلى رئاسة الجمهورية فإذا لم تعترض هذه الجهات خلال شهرين تعد هذه الاعتمادات نافذة، وإلا عرض الأمر على المجالس التشريعية.
أما في بريطانيا فإن الثقة بين السلطة التشريعية والحكومة كبيرة، ومن ثم فإن مبدأ تخصيص الاعتمادات لا يكون ذا قيمة، فالسلطة التشريعية تقر الموازنة بأرقام إجمالية، وتقوم الحكومة بعد ذلك بتوزيع الاعتمادات بين الفروع المختلفة.
وتقسم نفقات كل وحدة إدارية إلى:
أ ـ الرواتب والأجور والتعويضات: وتشمل جميع النفقات التي تصرفها الدولة للموظفين والمستخدمين والخبراء والعمال لقاء قيامهم بعمل مقابل أجر، كما يشمل التعويضات والمكافآت التي يتقاضونها لقاء استخدامهم.
ب ـ النفقات الإدارية: وتشمل النفقات الاستهلاكية التي يستلزمها سير العمل في الإدارة كاللوازم، وبدلات الإيجار، والقرطاسية، والماء، والكهرباء.
ج ـ نفقات المشاريع الاستثمارية: وهي تستهدف زيادة في الموجودات الثابتة وزيادة الدخل القومي، وزيادة الإنتاج، ودعم الاقتصاد الوطني، وتعد من أهم أنواع النفقات للدولة، وأهمها نفقات الإنشاء والتعمير.
د ـ النفقات التحويلية: وتتكون من المساعدات الاقتصادية والثقافية والإعانات الخيرية، التي تنفقها الدولة، من دون الحصول على منفعة، أو خدمة مقابلة.
هـ ـ الديون والالتزامات واجبة الأداء: وتتضمن بصورة خاصة أعباء الدين العام، ومختلف التزامات الخزينة العامة.
وكان كل باب من هذه الأبواب يقسم إلى بنود، لكل منها رقم حساب ثانوي.
ثانياً ـ نتائج مبدأ تخصيص الاعتمادات:
1ـ يجب على الموظف أن يتقيد بالاعتمادات الواردة في الموازنة، فإذا نفدت الاعتمادات في أحد البنود لا يمكنه عقد نفقة جديدة؛ إلا إذا طلب اعتماداً إضافياً من السلطة التشريعية.
2ـ على الموظف الإداري أن يتقيد بما تم إقراره من السلطة التشريعية، فلا يجوز أن يغير الغاية التي خصص الاعتماد لأجلها؛ إلا أنه بعد تطور وظائف الدولة الاجتماعية والاقتصادية فقد تم منح الحكومة حرية أكبر، فنص الدستور السوري في المادة (78) منه: "لا يجوز إجراء المناقلة بين أبواب الموازنة إلا وفق أحكام القانون"، ونص القانون المالي الأساسي رقم (54) لعام 2006 في سورية في المادة (19) منه على أنه تجري مناقلات الاعتمادات بين الأبواب والبنود بقرار من وزير المالية، وبين الفروع والأقسام بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء؛ على أن تودع السلطة التشريعية نسخة منه.
وعلى هذا فإن التشريع السوري قد أعطى حرية للحكومة فإذا حققت إحدى الإدارات أو المؤسسات وفراً جاز للحكومة أن تنقل منه إلى إدارة أو مؤسسة أخرى تعاني عجزاً.
3ـ إن تخصيص الاعتمادات في سورية يكون على أساس الباب؛ لأن السلطة التشريعية تقر الاعتمادات المخصصة لكل باب وغاية هذا الاعتماد، ومن ثم فإن وزير المالية بناءً على اقتراح الوزير المختص يوزع الاعتمادات المخصصة في الأبواب إلى بنود والبنود إلى فقرات.
4ـ لا يجوز أن تضاف إلى اعتمادات دورة مالية اعتمادات باقية من دون استعمال من دورة مالية سابقة، إلا في حالة تدوير الاعتمادات.
يقضي مبدأ تخصيص اعتمادات النفقات العامة أن تقوم السلطة التشريعية بتوزيع نفقات القسم الواحد المخصص لكل وزارة إلى مختلف الفروع التي يتألف منها هذا القسم والتي تتألف من الإدارات والمؤسسات العامة التابعة للوزارة، كما تقوم بتوزيع نفقات الفرع الواحد إلى الأبواب الخمسة الرئيسية التي تشكل التبويب النوعي للنفقات العامة.
ثالثاً ـ استثناءات مبدأ تخصيص الاعتمادات:
1ـ على الرغم من تقسيم النفقات العامة إلى أبواب وبنود وفقرات، فقد تعطى الحكومة الحرية في نقل الاعتمادات من باب إلى باب أحياناً وبين البنود والفقرات في الباب الواحد إذا اضطرت إلى ذلك، وقد ميز المشرع السوري من حيث صاحب الاختصاص في إجراء المناقلات فيما بين الاعتمادات الجارية والاعتمادات الاستثمارية في المادة (18) من القانون المالي الأساسي رقم (54) لعام 2006، إذ نصت تلك المادة على:
أ ـ تجري مناقلات الاعتمادات المخصصة للعمليات الجارية بين الأبواب والبنود من وزير المالية بناءً على اقتراح الوزير المختص.
ب ـ تجري مناقلات الاعتمادات المخصصة للعمليات الجارية بين الفروع والأقسام بمرسوم.
ج ـ تجري مناقلات الاعتمادات المخصصة للمشاريع الاستثمارية بين البنود والفقرات بقرار من وزير المالية بناءً على اقتراح الوزير المختص.
د ـ تجري مناقلات الاعتمادات المخصصة للمشاريع الاستثمارية بين الفروع والأقسام بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على اقتراح من وزير المالية.
هـ ـ يجب ألا يؤدي إجراء المناقلات بين اعتمادات الموازنة العامة إلى الخروج بها عن الحدود والأهداف الواردة في الخطة الاقتصادية.
فالاختصاص محصور بين وزير المالية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية بسبب حجم ونطاق المناقلة ونوع الاعتمادات.
2ـ في الموازنة العامة للدولة اعتمادات إجمالية غير موزعة إلى أبواب، كاعتمادات رئاسة الجمهورية ومجلس الشعب ووزارة الدفاع.
3ـ يوجد نفقات غير مخصصة إلى قسم أو فرع بل تأتي كقطاع أخير ضمن قطاعات التبويب الوظيفي لموازنة الدولة العامة.
وهكذا فإنه في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية، وحتى تستطيع الدولة مواجهة التغيرات الاقتصادية، وتحقيق الأهداف المنوطة بها لا بد من التخفيف من حدة مبدأ تخصيص الاعتمادات؛ لأن الموازنة هي الأداة لتحقيق الغايات، والأهداف المنشودة.
وفعل خيراً المشرع السوري بمنحه السلطة التنفيذية الحق في إجراء المناقلات بين الأبواب والبنود والفروع والأقسام، على أن تتم هذه المناقلات ضمن إطار الخطة العامة، وبعد إيداع نسخة من القرارات لدى السلطة التشريعية؛ التي من الممكن أن تمارس رقابتها اللاحقة على تلك القرارات.
مراجع للاستزادة: |
ـ يوسف شباط، المالية العامة (مطبعة جامعة دمشق، ط3، دمشق 2009ـ2010).
ـ حسن عواضة، المالية العامة (دار النهضة العربية، بيروت 2001).
ـ عصام بشور، المالية العامة والتشريع المالي (الطبعة الخامسة، 1989).
ـ محمد سعيد فرهود، مبادئ المالية العامة (مديرية الكتب والمطبوعات، حلب 1990).
- P. LALUMIERE, Les finances publiques, Paris, 1989).
- التصنيف : القانون المالي - النوع : القانون المالي - المجلد : المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام - رقم الصفحة ضمن المجلد : 297 مشاركة :