الضرائب على الانفاق والاستهلاك ونظمها
ضرايب علي انفاق واستهلاك ونظمها
taxes on spending and consumption and its systems - taxes sur les dépenses et la consommation et leurs systèmes
الضرائب على الإنفاق والاستهلاك ونظمها
جميل الصابوني
تعريف الضريبة على الإنفاق أو الاستهلاك
تطور مفهوم الضرائب على الاستهلاك
الضرائب النوعية على الإنتاج والاستهلاك
تعدّ الضرائب ـ بوجه عام ـ واحدةً من أهم إيرادات الدولة، بل إنها تحتل المرتبة الأولى في ظل المالية العامة الحديثة، القائمة على تدخل الدولة وقيادتها للنشاط الاقتصادي في المجتمع.
وقد استقر الفقه على تقسيم الضرائب إلى نوعين رئيسين: الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة، ولجأ الفقه في سبيل التمييز بينهما إلى استخدام معايير متعددة، كالمعيار الإداري ومعيار الراجعية والمعيار الاقتصادي… وغيرها، وكان لكل معيارٍ مزاياه ونواقصه. إلى أن استقر الفقه الاقتصادي والمالي على استخدام معيارٍ عملي للتفريق بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة، إذ عدّ جميع الضرائب على الدخل والثروة (كالضريبة على الدخل والضريبة على رأس المال) ضرائب مباشرة، وبالمقابل عدّ جميع الضرائب المفروضة على استعمالات الدخل أو الثروة (كالضريبة على الإنفاق والاستهلاك، والضرائب الجمركية) ضرائب غير مباشرة. وبذلك تعدّ الضرائب على الإنفاق والاستهلاك من أهم صور الضرائب غير المباشرة. فما هي تلك الضرائب؟
أولاً ـ تعريف الضريبة على الإنفاق أو الاستهلاك Consumption Taxes:
تجدر الإشارة إلى أن الغاية القصوى والنهائية لأي إنتاج، بل لأي نشاطٍ اقتصادي هي الاستهلاك، وقد يستخدم الاستهلاك أو الإنفاق الشخصي أساساً لقياس القدرة الاقتصادية للفرد، بحيث تحسب المقدرة التكليفية للمكلفين حسب إنفاقهم لا حسب دخولهم وثرواتهم. ويعتمد معيار الإنفاق الشخصي أساساً لفرض الضريبة. على أن كل فردٍ من أفراد المجتمع يجب أن يتحمل نصيبه من الأعباء الضريبية وفقاً لما يحصل عليه من الموارد القومية، لا وفقاً لما يضيفه إلى الناتج القومي، وهذه الفكرة لها قبول واسع في الدول النامية؛ لأنها تسهم في تسريع عملية التنمية الشاملة، ولكون هذه الضرائب أسهل على الإدارة الضريبية في تحصيلها وجبايتها.
كما أن فرض الضرائب على الاستهلاك يضمن إيراداً مالياً ضخماً لخزانة الدولة من جهة، ومن جهةٍ ثانية تستطيع الدولة من خلاله تحقيق أهدافٍ اجتماعيةٍ واقتصادية.
وتعرّف الضريبة على الاستهلاك بأنها «ضريبةٌ تفرض بمناسبة حدوث واقعةٍ معينة، ألا وهي استغلال الدخل أو إنفاقه عند الحاجة في استهلاك سلعٍ وخدماتٍ مختلفة».
ويُلاحظ بدايةً أن مصطلح الضريبة على الإنفاق هو ذاته الضريبة على الاستهلاك، فكلاهما وجهان لعملةٍ واحدة تتجسد في فرض ضريبةٍ على إنفاق الدخل في عملية الاستهلاك. لذا يكتفى باستخدام مصطلح الضريبة على الاستهلاك، وقد تسمى أحياناً ضريبة على الإنتاج وتكون كذلك عندما يكون محلها الاستهلاك من أجل الإنتاج أي الاستهلاك غير النهائي.
وكما سبقت الإشارة فإن الضريبة على الاستهلاك تصنف من ضمن الضرائب غير المباشرة، التي لا تقرر على المكلفين بجداول أو قوائم موضوعة مسبقاً، وإنما تفرض بمناسبة حدوث واقعة الاستهلاك من قبل شخصٍ ما.
وتمتاز الضريبة على الاستهلاك بأن من يدفعها للدولة، يستطيع ـ غالباًـ تحميل عبئها لشخص آخر يسمى المكلف الحقيقي.
ويعتقد بعض الفقهاء أن هناك صعوبةً تظهر أحياناً في تمييز الإنفاق الاستهلاكي عن تملّك رأس المال، كما في حالة قيام الفرد بشراء سيارةٍ أو شراء مجوهراتٍ، فهل نعد ذلك استهلاكاً للدخل، أم هو تملكٌ لرأس مالٍ جديد. إلا أن آخرين لا يجدون صعوبةً في التمييز بينهما، على اعتبار أن الإنفاق في المثال السابق هو لإشباع حاجةٍ إنسانية كالرفاهية، لا بقصد تملك رأس المال. فهي عملية إنفاقٍ بقصد الاستهلاك، ويمكن أن تخضع للضريبة على الاستهلاك.
ثانياً ـ تطور مفهوم الضرائب على الاستهلاك:
اتخذت الضريبة على الاستهلاك أشكالاً متعددة عبر تاريخ نشوئها؛ لتشمل الضرائب النوعية على الإنتاج والاستهلاك (سواء المفروضة على السلع الضرورية، أم على السلع شائعة الاستعمال، أم على السلع الكمالية)، وقد تراجع هذا النوع من الضرائب على نحو ملحوظ في غالبية الأنظمة الاقتصادية العالمية. وهناك أيضاً الضريبة العامة على الاستهلاك التي اتخذت صوراً متعددة أيضاً (كالضريبة على الإنتاج، والضريبة على رقم الأعمـال، وأخيراً الضريبة على القيمة المضافة).
وهناك بعض المزايا التي تتمتع بها الضريبة على الاستهلاك. فمن أهم مزاياها: أنها توفر حصيلةً ماليةً جيدة للدولة، كما أنها لا تحتاج إلى إدارةٍ ضريبيةٍ على قدرٍ عالٍ من الكفاءة والمهارة، باعتبارها تُفَرض وتجبى استناداً إلى واقعةٍ معينة. كما يعتقد بعض الفقه أنها ضريبة عادلة إلى حدٍ كبير؛ لزعمهم أن الإنفاق الاستهلاكي يعبر بدقةٍ عن القدرة المالية للمستهلك، فكلما زادت تلك القدرة زاد إنفاق الفرد على استهلاك السلع والخدمات. وأخيراً فهي ضريبة لا تتطلب مكلفاً على مستوى عالٍ من النضج والوعي الضريبي، فغالبية المكلفين يسددون الضرائب على الاستهلاك من دون علمٍ منهم أصلاً بأنهم تحملوا عبئاً ضريبياً، وذلك لكون الضريبة هنا تضاف عادةً إلى سعر السلعة أو الخدمة.
وبالمقابل تحيط بالضريبة على الاستهلاك بعض المثالب والمساوئ، وأهمها أنها ضريبة عينية تفتقد إمكانية تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك من حيث عدم مراعاة الظروف الشخصية والاجتماعية للمكلف، خاصةً عندما تفرض على سلعٍ ضروريةٍ أو شائعة الاستعمال، حينئذٍ يكون عبؤها أكبر على الفقراء ومتوسطي الدخل، باعتبار أن الميل الحدي للاستهلاك عند هؤلاء هو أعلى منه عند الأغنياء. كما أنها تعد ضريبةً كسولة تولد التراخي وعدم التقدم في مستوى عمل وأداء الإدارة الضريبية.
وهذا ما يبرر اللجوء إلى هذه الضرائب على نحو واسع جداً في الدول النامية التي تفتقر إلى الوعي الضريبي وللإدارة الضريبية ذات الكفاءة، في حين تكون الأولوية للضرائب على الدخل في الدول المتقدمة، بحيث لا تتجاوز حصيلة الضرائب على الاستهلاك في تلك الدول نسبة 30% من إجمالي الحصيلة الضريبية لديها.
وعلى الرغم مما سبق فإن جميع الظواهر والعمليات الاقتصادية والمالية، ومنها عملية الإنفاق أو الاستهلاك تكون خاضعةً لقانون التطور. لذلك وتلازماً مع هذا التطور مرت الضرائب على الاستهلاك بعدة صور خلال مراحل زمنية متعاقبة أهمها:
ثالثاً ـ الضرائب النوعية على الإنتاج والاستهلاك Consumption and Product Taxes:
الأصل في هذه الضرائب هو فرضها على أنواعٍ معينةٍ من السلع والخدمات، التي تحددها النصوص القانونية صراحةً، أما ما عداها فلا تخضع للضريبة. لذلك يُلاحظ أن هذه الضرائب تفرض بنصوصٍ متعددة، تتضمن تحديد السلعة أو الخدمة الخاضعة للضريبة، وبيان القواعد الفنية المرتبطة بفرضها وربطها وجبايتها.
وهذه الضرائب تفرض على صورتين هما:
(1)ـ الضرائب النوعية على الإنتاج: وهي ضريبة على استهلاك سلعةٍ ما، تفرض في مرحلة إنتاجها، إذ يقوم المنتجون بدفع هذه الضريبة إلى الدولة ثم يقومون بنقل عبئها إلى المستهلكين، من خلال إضافتها إلى ثمن السلعة عند بيعها بعد إجراء عمليات التحويل والإنتاج عليها. وقد سميت في بعض الدول برسوم الإنتاج، كما في مصر.
ويبدو فرض هذه الضريبة متميزاً بالبساطة والوضوح، إلا أنه يصطدم بمشكلتين رئيستين: المشكلة الأولى: أن فرض الضريبة عند مرحلة الإنتاج قد يؤدي إلى التهرب الضريبي، ويتحقق ذلك إذا ما تم إخفاء إنتاج السلع عن علم الدوائر المالية المختصة، ومن ثم فلن تصل إليها الضريبة مرة أخرى؛ لأن هذه الضريبة غالباً ما تفرض فقط في مرحلة الإنتاج، ومثال ذلك قيام مصنع للأحذية بإنتاج (10000) حذاء ولكنه لم يذكر في دفاتره أو وثائقه الخاضعة لاطلاع الدوائر المالية سوى نصف الكمية أي (5000) حذاء، فالنتيجة هنا هي بقاء (5000) حذاء غير خاضعة لضريبة الإنتاج. وهذا يبدو غريباً في ظل الضرائب غير المباشرة التي تمتاز عموماً بأنها لا تسمح عادة بحدوث التهرب الضريبي. لذا يرى بعض الفقهاء ورجال المال أن السبيل لمواجهة هذه المشكلة هو الاعتماد على رقابة مشددة على حجم الإنتاج في مراكز الإنتاج المختلفة، ولاسيما رقابة كمية المواد الأولية الداخلة لكل مركز إنتاجي أو مصنع ومقارنتها بكمية المنتجات التي أنتجها ذلك المصنع خلال مدة معينة. أما المشكلة الثانية: فتظهر في تعريف الإنتاج، ففي بعض الصناعات يصعب تمييز متى تمت عملية الإنتاج، كما هو الحال في الصناعة القطنية، فهل يُعتبر أن مرحلة الإنتاج تمت عند غزل الخيط القطني أم عند تحويل الخيوط القطنية إلى أقمشة أم عند تحويل الأقمشة القطنية إلى ألبسة؟ وتزداد صعوبة التحديد عندما تحصل جميع العمليات السابقة في منشأةٍ صناعية واحدة. وحل هذه المشكلة كما يرى بعض الفقهاء وبعض القوانين أيضاً هي بفرض المشرع للضريبة عندما تصل السلعة إلى المرحلة الأخيرة من الإنتاج، وتصبح جاهزة لاستخدام المستهلك، وهي في المثال السابق عند مرحلة خياطة الأقمشة وتحويلها إلى ألبسة جاهزة. وهو حل منطقي لأنه يقود إلى فرض الضريبة على السلعة في مرحلةٍ اكتملت واتضحت فيها قيمتها النهائية، بعد عمليات التحويل.
(2)ـ الضرائب النوعية على الاستهلاك: وهي التي تفرض على استهلاك بعض السلع والخدمات في طور استهلاكها، وتسمى الضرائب على الاستهلاك، أو كما شاعت خطأً في سورية تسميتها رسم الإنفاق الاستهلاكي، مع العلم أن هناك فرقاً من حيث الهدف والمضمون والصفة القانونية ما بين الرسم والضريبة، بحيث لا يجوز الخلط بينهما لا تشريعاً ولا تطبيقاً. وهذه الضرائب تفرض على استهلاك أنواعٍ معينةٍ من السلع دون غيرها، لذا سميت بالضرائب النوعية؛ لكونها مجموعة من الضرائب مفروضة على مجموعة من السلع بقواعد فنية مختلفة.
ويثير فرض هذا النوع من الضرائب ثلاث مشكلات رئيسة: أولها تتعلق باختيار السلع والخدمات التي تخضع للضريبة، والثانية: تتعلق بكيفية فرض الضريبة، أما الثالثة: فهي تتعلق بكيفية تحصيل الضريبة. ففيما يخص المشكلة الأولى يُلاحظ أن المشرع يجد نفسه ـ وهو بصدد فرض هذه الضريبة ـ أمام اعتبارين متناقضين، وهما اعتبار العدالة واعتبار الحصيلة، وقد يضطر عندئذٍ إلى تغليب أحداهما على الأخرى، وأحياناً يحاول التوفيق بينهما قدر المستطاع، ولذلك تم تصنيف السلع الخاضعة لهذه الضريبة في ثلاثة أنواع:
أ ـ السلع الضرورية: وهي السلع التي لا يمكن الاستغناء عنها من قبل جميع أفراد المجتمع، لأنها تشبع لديهم حاجات أساسية ولازمة لاستمرار حياتهم، ومثالها (سلعة السكر والملح والخبز… إلخ). وتمتاز هذه السلع بميزتين: الأولى أنها سلع عامة، لكونها ضرورية لجميع فئات المجتمع بغض النظر عن دخولهم، لذلك فهي تستهلك بكميات كبيرة. والثانية أن الطلب على هذه السلع غير مرن، فارتفاع أسعارها لا يقود إلى نقص كمية الطلب عليها.
ولذلك فإن فرض ضريبةٍ على استهلاك هذا النوع من السلع يولد مجموعة آثار وحقائق مهمة هي:
ـ تحقيق حصيلة مالية ضخمة، على اعتبار أن استهلاك هذه السلع لا يرتبط مطلقاً بالقدرة المالية للفرد، بل يرتبط بحاجة كل فردٍ إلى هذه السلع، لذا فإن الطلب على تلك السلع يكون غير مرن؛ لأن ارتفاع أسعارها لن يقود إلى إنقاص الطلب عليها.
ـ وبالمقابل يُلاحظ أن هذه الضريبة لن تحقق العدالة؛ لأن عبأها الأكبر سيقع على عاتق الفقراء ومحدودي الدخل، لأن استهلاك تلك السلع يتساوى فيه أصحاب الدخول المرتفعة والمنخفضة على السواء، على الرغم من الفجوة القائمة بين دخولهم، مما يجعل عبء الضرائب المفروضة عليها أكبر على الفئة الثانية، نظراً لأنها تقتطع نسبة كبيرة من دخولهم، بعكس الفئة الأولى التي لن يكون لها النسبة نفسها من تلك الدخول بسبب حجم دخولهم الكبير.
ـ أن الضريبة على تلك السلع تنقصها المرونة الاقتصادية بوجه عام، بمعنى أن استهلاكها لا يتأثر بالتغير الحاصل في الأوضاع الاقتصادية، فلا فرق في استهلاكها بين أوقات الرخاء والانتعاش وبين فترات الكساد والركود، إذ لا ينقص الفرد من كمية السكر أو الملح التي يستخدمها في طعامه أو يزيدها حسب الأوضاع الاقتصادية السائدة.
لذلك يلاحظ أن غالبية الدول النامية تعتمد حتى الآن على فرض تلك الضريبة، ويعود سبب ذلك إلى تفضيل الهدف المالي للضريبة في هذه الدول على هدفيها الاجتماعي والاقتصادي.
ب ـ السلع شائعة الاستعمال: وتسمى سلع الاستعمال الجاري، وهي سلع ليست ضرورية، ولكنها شائعة الاستهلاك لدى عموم فئات الشعب (كالبن والشاي والتبغ)، وهي سلع يحقق فرض الضرائب على استهلاكها حصيلةً ماليةً ضخمة، نظراً لكونها سلعاً تُستَخدم من قبل معظم شرائح المجتمع بكميات كبيرة.
ويرى غالبية فقهاء المالية العامة أن فرض الضرائب على استهلاك هذه السلع من شأنه أن يحقق التوفيق بين اعتباري الحصيلة والعدالة، فارتفاع معدلاتها لا يُلحق ضرراً كبيراً بمستوى دخل ومعيشة الطبقات الفقيرة، كما أن فرضها يمدُ خزينة الدولة بحصيلة مالية هائلة على اعتبار أن الطلب على هذه السلع قليل المرونة. وإن كان التطبيق العملي قد أثبت وما زال أن الفقراء ومحدودي الدخل هم الأكثر تأثراً بعبء الضرائب المفروضة على هذا النوع من السلع، خصوصاً أنهم الأكثر استهلاكاً لهذا النوع من السلع، وخاصةً التبغ والشاي.
ج ـ السلع الكمالية: الظاهر أن هذه السلع تعتبر مجالاً خصباً وعادلاً لفرض الضريبة، كون من يتحمل عِبأها هم الأغنياء، باعتبار أنهم هم فقط القادرون على استهلاكها (ومثال تلك السلع: السيارات الفارهة وأجهزة الكمبيوتر المحمول واللوحات الفنية والتحف وغيرها).
ولا شك أن هذا الكلام فيه قدرٌ كبيرٌ من الصحة، خصوصاً فيما يتعلق بالقيم المرتفعة لمثل تلك السلع، ومن ثم فإن فرض الضريبة عليها بمعدلٍ تصاعدي سوف يحقق حصيلةً ضريبيةٍ كبيرة، ناهيك طبعاً عن العدالة التي ستتحقق حتماً في فرضها على القادرين على استهلاك تلك السلع. وذلك على الرغم من الصعوبات التي يعتقد بعض الفقهاء أنها تواجه تطبيق الضريبة على تلك السلع مثل:
(1) ـ نسبية مفهوم السلع الكمالية أو الرفاهية: سواء من حيث الزمان أو الأشخاص، فسلعة السكر في القرن الثامن عشر كانت تعد سلعةً كمالية، في حين أنها أصبحت شائعة الاستعمال بل ضرورية حالياً. كذلك يُلاحظ أن السيارة تعد سلعة كمالية لموظف تؤمن له وسائل النقل المختلفة حاجة الانتقال من مكان إلى آخر، في حين يمكن اعتبارها سلعةً ضرورية لطبيب يحتاج إلى سيارته الخاصة لممارسة عمله على الوجه المطلوب.
(2) ـ قلة حصيلة الضريبة على السلع الكمالية إذا ما قورنت بتلك المفروضة عل أنواع السلع الأخرى، والسبب في ذلك أن استهلاكها لا يمثل إلا جزءاً صغيراً من الاستهلاك العام في المجتمع.
(3) ـ مرونة الطلب على السلع الكمالية، بمعنى أن زيادة فرض الضرائب عليها، أو فرضها بمعدلاتٍ تصاعدية يؤدي إلى انخفاض الطلب عليها.
وأياً يكن فإن الضرائب النوعية على الاستهلاك، تفرض إما بصورة مبلغٍ معين يضاف إلى سعر السلعة وتسمى (ضريبة نوعية)، أو تفرض بنسبةٍ مئويةٍ من سعر السلعة وتسمى (ضريبة قيمية).
وبوجه عام يراد من وراء فرض الضرائب النوعية على الاستهلاك تحقيق مجموعة أهدافٍ تختلف باختلاف الدول، وباختلاف مذاهبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فقد تسعى بعض الدول، بهدف تخفيض المدخرات القومية وتقليص حجم النقود المكتنزة لدى الأغنياء إلى تخفيض العبء الضريبي عليهم، وذلك من خلال عدم فرض ضرائب أو فرضها بمعدلات منخفضة جداً على السلع الكمالية، لزيادة إنفاقهم الاستهلاكي. وقد يكون الهدف اجتماعياً إصلاحياً، بحيث تقوم الدولة بفرض ضرائب مرتفعة جداً على المشروبات الكحولية، أو إلغاء الضرائب على الأشياء ذات القيمة العلمية والثقافية المهمة كالكتب والاسطوانات.
رابعاً ـ الضرائب العامة على الاستهلاك:
وهي ضريبة تفرض بوجه عام على استهلاك السلع والخدمات كافة إلا ما استثني منها بنصٍ قانونيٍ خاص. وانقسمت هذه الضرائب عبر التاريخ ـ وما زالت ـ إلى نظامين هما:
1ـ نظام الضريبة الواحدة على رقم الأعمال The Single Stage Tax System:
وفيه تفرض الضريبة على السلعة عند مرحلةٍ معينةٍ من المراحل التي تمر بها السلعة في إنتاجها أو توزيعها حتى وصولها إلى المستهلك النهائي (كفرضها مثلاً في مرحلة شراء المواد الأولية، أو فرضها في مرحلة انتقال السلعة من المُنتِج إلى تاجر الجملة). ويتوقف عادةً تحديد المرحلة التي تفرض فيها الضريبة على الظروف الاقتصادية والاجتماعية في الدولـة، وعلى كفاءة الجهاز الضريبي فيها.
وهذا النظام يتخذ أشكالاً متعددة هي:
أ ـ الضريبة على مبيعات المنتجين الصناعيين Manufactures Sales Tax: وهنا تفرض الضريبة عند مرحلة بيع المنتجات محلية الصنع من قبل المنتجين، لذا فهي لا تسري على مبيعات تجار الجملة أو التجزئة. كما أنها تفرض على السلع المستوردة تامة الصنع عند مرحلة الإفراج الجمركي عنها فقط، ولا يجوز فرضها عند قيام المستورد ببيعها للغير، كما لا يجوز فرضها على المواد الأولية أو على السلع نصف المصنعة بمناسبة استيرادها.
وهذه الضريبة لا تفرض عادةً إلا على كبار المنتجين الذين يتجاوز رقم أعمالهم حداً معيناً، حرصاً على جعلها ضرائب مجدية اقتصادياً. كما أنها تفرض على إجمالي ثمن السلعة من دون خصم ما يسدد منها على مدخلات الإنتاج، ما لم تسمح قوانين الدولة بهذا الخصم.
وتمتاز هذه الضريبة بسهولة تحصيلها، وبوفرة حصيلتها، وبسهولة إحكام الرقابة عليها. ولكن يعاب عليها فرضها بمعدلٍ مرتفع نسبياً مما يدفع المكلفين بها إلى محاولة التهرب من تسديدها.
ب ـ الضريبة على مبيعات تجار الجملة Wholesalers Sales Tax: وهي تفرض فقط على مبيعات تجار الجملة من السلع المحلية، سواء كانت مواد أولية أو مواد وسيطة أو مواد تامة الصنع. كما تفرض على السلع المستوردة في مرحلة الإفراج الجمركي عنها. كما أنها تفرض عادةً على كبار التجار الذين تتجاوز أرقام أعمالهم حداً معيناً، وهي عادةً لا تسمح بسياسة الخصم الضريبي. كما أنها تتميز بوفرة الحصيلة ولكن يعاب عليها صعوبة إحكام الرقابة عليها مما رفع نسبة التهرب منها.
ج ـ الضريبة على مبيعات تجار التجزئة Retailers Sales Tax: وتفرض على مبيعات تجار التجزئة فقط من السلع المحلية أو المستوردة، وتفرض على إجمالي ثمن مبيع السلعة من دون أي خصم ضريبي على مدخلات إنتاجها. لذلك فهي لا تفرض على السلع المستوردة عند مرحلة الإفراج الجمركي عنها، وإنما عند مرحلة بيعها للغير. وهي تمتاز بوفرة الحصيلة وصعوبة التهرب منها، ولكن يعاب عليها صعوبة إحكام الرقابة عليها.
(2)ـ نظام الضريبة المتعددة على رقم الأعمال:
وهنـا تفرض الضريبة عند كل مرحلةٍ من المراحل المختلفة لإنتاج وتوزيع السلعـة وصولاً إلى استهلاكها من المستهلك النهائي. وهذه الضريبة تفرض بأحد أسلوبين:
أ ـ الضريبة على رقم الأعمال Turnover Tax: وتفرض هذه الضريبة على إجمالي مبيعات المنشأة، وذلك عند كل مرحلةٍ من مراحل إنتاج السلعة، سواء كانت مواد أولية أم سلعاً نصف مصنعة أو تامة الصنع. وهي تفرض على السلع المحلية والمستوردة أيضاً، وتحدد على أساس مجموع المبالغ التي يحصل عليها المكلف عن جميع الصفقات التي تتم خلال فترة المحاسبة، وتكون هذه الضريبة عادةً ذات معدل منخفض كونها ضريبة تراكمية، ولكن ما يميزها من الضريبة على القيمة المضافة أنه لا يسمح فيها بالخصم الضريبي. وقد انتشرت هذه الضريبة بدايةً في ألمانيا عام 1916 ومنها إلى جميع دول أوربا، كفرنسا التي طبقتها عام 1920 وبلجيكا عام 1921.
وتتميز هذه الضريبة بوفرة الحصيلة وصعوبة التهرب منها، ولكنها تثير مشكلاتٍ كثيرة منها على الصعيد الدولي: أثرها السلبي في درجة المنافسة بين الدول نتيجة اختلاف معدلاتها بين الدول من جهة، واختلاف معدلاتها وإعفاءاتها من دولةٍ إلى أخرى مما يؤثر سلباً في حركة انتقال السلع والخدمات بين الدول.
أما على الصعيد المحلي: فهذه الضريبة تشكل عبئاً ضريبياً ضخماً لكونها ضريبة تراكمية ولا مكان للخصم الضريبي فيها، بل يرتفع معدلها كلما زاد عدد مراحل إنتاج وتوزيع السلعة المفروضة عليها. كما أن لهذه الضريبة تأثيراً واضحاً في إعاقة النمو الاقتصادي على المدى البعيد؛ لأنها تعوق عملية تصدير السلع بسبب ارتفاع أسعارها الناجم عن عدم السماح بالخصم الضريبي، أو لأن ارتفاع معدلاتها يقود إلى نقص الطلب الذي يؤدي إلى قلة الإنتاج.
ب ـ الضريبة العامة على المبيعات General Sales Tax: وتمثل هذه الضريبة الصورة البدائية البسيطة للضريبة على القيمة المضافة، وهي ضريبة غير مباشرة تفرض على جميع المبيعات من السلع المصنعة، سواء كانت سلعاً محلية أم مستوردة إلا ما استثني منها بنصٍ خاص. في حين لا تفرض هذه الضريبة على الخدمات إلا ما نص القانون صراحةً على خضوعها للضريبة. وقد طبقت هذه الضريبة في مصر بموجب القانون رقم 11 لعام 1991.
ج ـ الضريبة على القيمة المضافة Value Added Tax: وهي تتجاوز مساوئ الضرائب السابقة، فهي ضريبة تفرض على السلع والخدمات كافة إلا ما استثني منها بنصٍ خاص، على الرغم من فرضها أيضاً على جميع السلع والخدمات، وفي جميع مراحل إنتاجها وتوزيعها، إلا أنها تسمح بخصم الضرائب المسددة منها في مرحلة المحاسبة الضريبية السابقة، فهي تفرض فقط على مقدار الزيادة في قيمة السلعة التي تنجم في مختلف مراحل السلعة من إنتاج وتوزيع حتى وصولها إلى الاستهلاك النهائي.
ويرمز لها اختصاراً بضريبة VAT، وتعتبر الصورة الأكثر تطوراً للضرائب على الاستهلاك، إذ صدر أول اقتراحٍ بفرض ضريبةٍ على القيمة المضافة عام 1891 من قبل رجل الأعمال الألماني (ويهلم سبنز)، وذلك بدلاً من الضريبة على رقم الأعمال التي كانت شائعة آنذاك في أوربا. ولكن الوجود الحقيقي لهذه الضريبة على النحو المعروف حالياً كان على يد الفرنسي (موريس لوريه) عام 1953. وبناءً على فكرته صدر قانون الضريبة على القيمة المضافة في فرنسا عام 1954، ثم انتشرت هذه الضريبة في أوربا والعالم بسرعة كبيرة، ليتجاوز عدد الدول التي تطبقها حالياً 145 دولة.
تعرَّف الضريبة على القيمة المضافة بأنها «ضريبة تفرض على الزيادة الحاصلة في قيمة السلعة أو الخدمة عند كل مرحلةٍ من مراحل المحاسبة الضريبية، على أن يسمح لكل من ساهم في إنتاج السلعة أو أداء الخدمة بخصم الضريبة، التي دفعها المنتج السابق له والتي كان قد تحملها، من مبلغ الضريبة المستحق عليه، إلى أن يتحمل عبأها كاملاً المستهلك النهائي للسلعة أو الخدمـة».
وتمتاز الضريبة على القيمة المضافة بمجموعة خصائص أهمها:
ـ هي ضريبة عامة على الاستهلاك المحلي فقط كما أنها ضريبة غير تراكمية تسمح بخصم الضريبة على مرحلة من إنتاجها وتداولها ولكنها ضريبة عينية لا تفرق بين مستهلك وآخر من حيث ظروفه الشخصية والعائلية، كما أنها وفيرة الحصيلة وتقلل من التهرب الضريبي إذ تكشف المطارح الضريبية للمكلفين.
وبالمقابل تنتقد تلك الضريبة من ثلاثة أوجه هي:
* أن تطبيقها يتطلب إمساك دفاتر منتظمة لمعرفة رقم الأعمال الخاضعة للضريبة.
* ضرورة التزام المكلفين بها بتحرير فواتير ضريبية لجميع مبيعاتهم ومعاملاتهم، وهذا يعتبر عائقاً في وجه تطبيقها لدى بعض المكلفين، خصوصاً المهملين منهم.
* حتمية وجود جهازٍ ضريبيٍ ذي كفاءة مادية وبشرية مرتفعة، لحل المشكلات التي تعتري تطبيق تلك الضريبة.
وهكذا يمكن القول إن الضريبة على القيمة المضافة تتجاوز معظم المشكلات التي تثيرها الضرائب على الإنتاج والاستهلاك، لذلك انتشرت في معظم دول العالم، ولكن الأخذ بها يقتضي عدداً من المتطلبات إن لم تتوافر في البيئة الاقتصادية والضريبية لدى الدولة لا يمكن تطبيقها فيها بنجاح.
مراجع للاستزادة: |
ـ السيد عطية عبد الواحد، مبادئ واقتصاديات المالية العامة (دار النهضة العربية، القاهرة 2000).
ـ برهان الدين جمل، المالية العامة ـ دراسة مقارنة (دار طلاس، طبعة أولى، دمشق 1992).
ـ صابر يونس بريك ، دور الضريبة العامة على المبيعات في تمويل التنمية الاقتصادية في مصر ومدى إمكانية تطويرها إلى ضريبة على القيمة المضافة (دار النهضة العربية، القاهرة 2006).
ـ محمد خير العكام، الضريبة على القيمة المضافة ودورها التكاملي (هيئة الموسوعة العربية، طبعة أولى، دمشق 2005).
ـ محمد سعيد فرهود، مبادئ المالية العامة، الجزء الأول (منشورات جامعة حلب، حلب، 1978).
ـ محمد سعيد فرهود، «العدالة الضريبية اقتصادياً»، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، العدد الرابع، السنة 25، ديسمبر، 2001.
ـ رمسيس أسعد عبد الملك، اقتصاديات المالية العامة (دار المعارف، طبعة ثانية، القاهرة 1966).
ـ يونس أحمد البطريق، النظم الضريبية (الدار الجامعية، الإسكندرية 2001).
- Richard. A. MUSGRAVE & Peggy.B. MUSGRAVE, Public Finance in Theory and Practice, (McGraw-Hill, 1989).
- التصنيف : القانون المالي - النوع : القانون المالي - المجلد : المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي - رقم الصفحة ضمن المجلد : 560 مشاركة :