الانعكاس الضريبي
انعكاس ضريبي
fiscal repercussion - répercussion fiscale
مي محرزي
العوامل المؤثرة في الانعكاس الضريبي
تظهر عند تطبيق تشريع ضريبي معيّن مشاكل كثيرة قد تتسبب في الخروج عن مبادئ العدالة والمساواة الضريبية؛ ولاسيما فيما يتعلق بتوزيع الأعباء الضريبية توزيعاً عادلاً بين المكلفين. ولخطورة هذه الظواهر والمشاكل فإن المشرع غالباً ما يحاول توقعها وإيجاد الحلول المناسبة لعلاجها، ومن هذه الظواهر ظاهرة نقل العبء الضريبي أو الانعكاس الضريبي.
ويعدّ الانعكاس الضريبي Fiscal Repecussion من الظواهر المعقدة التي يصعب تحديدها والسيطرة عليها بصورة دقيقة ونهائية، وتحدث هذه الظاهرة بعد أن يدفع المكلف القانوني الضريبة لخزينة الدولة، فلا يضيع عليها شيء، كل ما هنالك أن تخلصه من عبء الضريبة لاحقاً يكون على حساب شخص آخر هو المكلف الفعلي الذي يقوم مقامه في تحمل عبئها. فنقل العبء الضريبي (الانعكاس الضريبي) لا يعدّ مخالفاً للقانون، ولا يقع مرتكبه تحت طائلة القانون؛ وهذا ما يجعل التدخل للحد من الآثار المترتبة على هذه الظاهرة أو لتعديل نتائجها أمراً صعباً ومتعذراً في بعض الأحيان.
من خلال هذا البحث سيتم إلقاء الضوء على هذه الظاهرة ودراستها وتعريفها لما لذلك من أهمية. ودراسة الانعكاس الضريبي تتطلب ببساطة الإجابة على عدة أسئلة:
هل يمكن أن ينتقل العبء الضريبي من المكلف به قانوناً إلى شخص آخر؟ وإلى أي مدى (كاملاً أو جزئياً)؟ وفي أي اتجاه (إلى الأمام أو إلى الخلف)؟ ثم من هو الشخص الذي يتحمل بصفة نهائية هذا العبء؟ وما هي شروطه والعوامل المؤثرة فيه؟ وما هي صوره؟ وما هي آثاره؟
وفيما يلي ستتم الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال خطة البحث التالية:
أولاً ـ مفهوم الانعكاس الضريبي
يقال: إن من صفات الضريبة محاولة الالتصاق بمؤديها، ولكن كل مكلف يؤدي الضريبة يحاول نقلها عنه والرجوع بها على غيره، وكثيراً ما ينجح المكلف بذلك. كالمالك الذي يحاول أن يحمّل المستأجر الضريبة العقارية التي يدفعها بأن يرفع الإيجار وكالمنتج الذي يدمج في نفقة إنتاجه ما يدفعه من ضرائب، ويحاول بذلك أن يحمّلها للمستهلك.
وهكذا يمكن التمييز بين نوعين من المكلفين: المكلف القانوني والمكلف الاقتصادي.
فالمكلف القانوني: هو الذي يؤدي الضريبة إلى صندوق الخزينة، وتحديده سهل للغاية، فتاجر البضاعة يدفع عنها الرسوم الجمركية، والوارث يؤدي رسوم الانتقال… إلخ، وكل منهم يسعى باستخدام الوسائل القانونية إلى الرجوع على غيره بما دفع.
أما المكلف الاقتصادي: فهو الذي يتحمل الضريبة، وتستقر عليه في نهاية انعكاساتها من واحد إلى آخر، وقد يكون واحداً، وقد يكون متعدداً لأن دافع الضريبة قد لا يتيسر له الرجوع بها على شخص واحد، فيحصلها من أشخاص عديدين. وبالتالي فإن هذا المكلف الاقتصادي هو المكلف الحقيقي الذي تنتهي عنده سلسلة الرجوع، وهو الذي يتحمل أثر الضريبة في نهاية المطاف. ويطلق على استقرار الضريبة بصيغة نهائية على شخص معيّن اسم «عدم راجعية الضريبة» incidence؛ وبهذا يمكن تعريف الانعكاس الضريبي بأنه: «عملية اقتصادية، يتوصل بواسطتها دافع الضريبة [المكلف القانوني] إلى نقل ما دفعه كله أو بعضه أو أكثر منه إلى شخص آخر (المكلف الفعلي أو الاقتصادي) عن طريق المبادلات من خلال تغيرات الأسعار، مستعيناً ببعض القوى الاقتصادية».
ثانياً ـ شروط الانعكاس الضريبي
يعدّ الانعكاس الضريبي أو نقل عبء الضريبة مسألة اقتصادية تتعلق بالأسعار والتداول. ولكي يمكن نقل عبء الضريبة فإنه لابد من توافر شرطين:
الشرط الأول: أن يكون موضوع الضريبة أو مطرح الضريبة سلعة ينتجها المكلف القانوني أو خدمة يقوم بها بقصد مبادلتها، وبناء على هذا فإن الانعكاس الضريبي للضريبة على الدخل أو رأس المال أصعب من الضرائب غير المباشرة؛ لأنها تصيب مجموع دخل المكلف أو ثروته، فلا تصيب سلعة معيّنة ينتجها أو خدمة يؤديها لبيعها لغيره. وعلى العكس تنتقل الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك أو التداول؛ لأنها تصيب سلعاً أو خدمات يبيعها المكلف لغيره. وكذلك تنتقل الضرائب المباشرة العينية على دخول عوامل الإنتاج (دخل المباني، دخل العمال، دخل رأسمال المال… إلخ)؛ لأن هذه الدخول تدخل في ثمن السلع أو الخدمات التي يبيعها أو يقوم بها المكلف.
الشرط الثاني: أن يكون تغيير ثمن السلعة أو الخدمة المفروض عليها الضريبة ممكناً.
تتوقف قدرة المكلف القانوني في نقل عبء الضريبة على إمكانيته في تغيير سعر السلعة أو الخدمة المفروض عليها الضريبة، فنقل عبء الضريبة أو انعكاس الضريبة يتم عن طريق تغيير أسعار السلع والخدمات نفسها المفروضة عليها الضريبة، أو تغيير أثمان عوامل إنتاج السلع والخدمات المفروضة عليها الضريبة، أو تغيير أثمان سلع أو خدمات أخرى غير السلع المفروضة عليها الضريبة، يقوم المكلف بمبادلتها أو التعامل بها، أي بيعها أو شرائها. فإذا تمكن المكلف من تغيير الأثمان سواء بزيادتها أم خفضها تمكن بالتالي من نقل عبء الضريبة، وإذا لم يتمكن فتستقر الضريبة على عاتقه.
ثالثاً ـ صور الانعكاس الضريبي
يمكن التمييز بين أنواع مختلفة من صور الانعكاس الضريبي:
1ـ الانعكاس إلى الأمام والانعكاس إلى الخلف: يكون الانعكاس إلى الأمام في حالة تمكن المكلف القانوني من نقل عبء الضريبة إلى مرحلة تالية من مراحل إنتاج السلعة أو تداولها، كأن يتمكن المنتج أو المستورد من إدماج الضريبة التي دفعها في ثمن البيع وتحميلها للمستهلك.
أما الانعكاس إلى الخلف: فهو نقل عبء الضريبة إلى الشخص الذي يأتي في المرحلة السابقة في الدورة الاقتصادية للمكلف القانوني. كأن يعود التاجر إلى المنتج طالباً تخفيض أسعار منتجاته على أثر فرض ضريبة على المبيعات تقع على عاتق التاجر.
ويحدث الانعكاس إلى الأمام في حالات الازدهار الاقتصادي عندما يكون الطلب مرتفعاً يسمح بزيادة الأسعار. وهي ظاهرة شائعة في الضرائب غير المباشرة، أما الانعكاس إلى الخلف فيحدث في حالات الركود الاقتصادي عندما لا يسمح بزيادة الأسعار، وغالباً يحدث جزئياً على السلع المفروض عليها ضرائب مباشرة.
2ـ الانعكاس الجزئي والانعكاس الكامل والانعكاس المزدوج: يقع الانعكاس الجزئي عندما لا ينقل المكلف القانوني سوى جزء من عبء الضريبة إلى الآخرين، ويتحمل الجزء الباقي، فإذا فرضت على المنتج ضريبة مقدارها 2000 ليرة سورية، فرفع أسعار منتجاته بقيمة 1500ليرة سورية، وتحمل الجزء الباقي وهو 500ل.س؛ فهنا لا يتحمل عبء الضريبة شخص واحد بل أشخاص عدة.
أما الانعكاس الكامل: فيتحقق عندما يقوم المكلف القانوني بنقل العبء الضريبي كاملاً إلى الغير.
أما في حالة الانعكاس المزدوج: فلا يكتفي المكلف القانوني بنقل عبء الضريبة كاملاً إلى الغير، وإنما يستغل الفرصة ليحقق ربحاً إضافياً. فيزيد المبلغ الذي ينقل إلى الغير عن المبلغ الذي دفعه ضريبة إلى خزينة الدولة.
3ـ الانعكاس البسيط والانعكاس المركّب: يقصد بالانعكاس البسيط نقل عبء الضريبة من المكلف القانوني إلى الغير الذي يستقر عليه عبء الضريبة ويصبح المكلف الحقيقي؛ أي نقل عبء الضريبة من مكلف إلى آخر لمرّة واحدة.
أما الانعكاس المركّب: فهو نقل عبء الضريبة عدة مرات من شخص إلى آخر قبل أن يستقر في النهاية على المكلف الحقيقي. كأن يقوم المنتج بزيادة أسعار سلعه الإنتاجية بغية نقل عبء الضريبة إلى تاجر الجملة، وهذا يزيد في الأسعار، فيحول عبء الضريبة منه إلى تاجر المفرق الذي يرفع أسعاره ليثقل عبء الضريبة للمستهلك.
4ـ الانعكاس المقصود والانعكاس غير المقصود: يكون الانعكاس مقصوداً عندما يقصد المشرع ألا يستقر العبء الضريبي على المكلف القانوني، بل يعلم بصورة مسبّقة أن هذا الأخير سوف ينجح في نقل العبء الضريبي إلى غيره.
أما إذا اعتقد المشرع أن العبء الضريبي سوف يستقر على المكلف القانوني، وعلى الرغم من ذلك يستطيع هذا الأخير نقل العبء الضريبي إلى شخص آخر يكون الانعكاس غير مقصود.
ولابد من الإشارة إلى أن الانعكاس الضريبي لا يتوقف على إرادة المشرع، فهناك عوامل كثيرة خارجة عن إرادته تتحكم به، فقد ينجح المكلف القانوني بنقل عبء بعض الضرائب التي لا يريد المشرع لها أن تنتقل، وقد لا يستطيع أن ينقل عبء ضرائب أخرى يرغب المشرع بنقلها.
لما تقدم لا يمكن الاعتماد في كل الأحوال على قصد المشرع في عملية نقل عبء الضريبة، فهناك ضرائب لا تقبل الانعكاس بطبيعتها كالضريبة على التركات، وأخرى انعكاسها صعب كالضرائب على الدخل، وأخرى انعكاسها سهل كالضرائب غير المباشرة عموماً.
رابعاً ـ العوامل المؤثرة في الانعكاس الضريبي
يتحكم في انعكاس الضريبة أربعة عوامل رئيسة، هي: اقتصادية وسياسية ومالية ونفسية.
1ـ العوامل الاقتصادية: وتنقسم إلى أربع طوائف تتعلق بطبيعة السوق وباستراتيجية الشركات والمشروعات الاقتصادية وبدرجة مرونة العرض والطلب وأخيراً بالظروف الاقتصادية الوقتية السائدة في المجتمع.
أ ـ طبيعة السوق: وفقاً للتحليل التقليدي فإنه يصعب حدوث الانعكاس الضريبي في حالة المنافسة التامة، ولكن المنافسة التامة هي افتراض نظري لا يمكن أن يتحقق إلا بظروف نادرة وخاصة. وعلى الرغم من صعوبة حدوث الانعكاس في هذه الحالة يمكن تصور حدوثه؛ لأن قدرة المنتج على بيع منتجاته لم تعد اليوم تتحدد فقط بمستوى الأسعار، وإنما بمستوى الدعاية عن المنتجات.
أما في حالة الاحتكار: فإنه يسهل على المنتج زيادة ثمن السلعة لينقل العبء الضريبي الذي تحمله إلى الغير. ولكن يبقى سلوكه محكوماً على الدوام بالمفاضلة بين مقدار الربح الذي سوف يحصل عليه في حالة زيادة الأسعار ونقل العبء الضريبي ومقدار الربح الذي سوف يحققه إذا احتفظ بالأسعار نفسها، ويتحمل هو مقدار الضريبة.
أما في ظل المنافسة الاحتكارية: فهذه الحالة تسود المجتمعات الرأسمالية المعاصرة، وفيها يستطيع كبار المنتجين في معظم الأحيان تحميل أثمان المنتجات بعبء الضريبة سواء أصابت الضريبة الإنتاج أم الاستهلاك أم الأرباح التجارية والصناعية.
ب ـ استراتيجية الشركات والمشروعات الاقتصادية: قد تفضل بعض الشركات في فترة معيّنة تحمل العبء الضريبي كاملاً وعدم زيادة أسعار منتجاتها، وتهدف من وراء ذلك إلى تحقيق عدة أمور، منها: عدم إثارة الرأي العام في حالة زيادة الأسعار، أو رفع قدرتها الإنتاجية وزيادة رقم مبيعاتها ولو انخفضت نسبة أرباحها في تلك الفترة.
ج ـ مرونة العرض والطلب: تتوقف مرونة الطلب والعرض للسلع على درجة حساسية كل منها للتغييرات في مستوى الأسعار، فإذا انخفض الطلب على سلعة ما نتيجة زيادة سعرها، أو ارتفع أثر انخفاضها وكان الطلب عليها مرناً، وفي هذه الحالة يتعذر انعكاس الضريبة كما في السلع الكمالية التي تتصف بأنها شديدة المرونة، أما الطلب على السلع الضرورية فضعيف المرونة؛ لأنها سلع يحرص الجميع على الحصول عليها مهما ارتفعت أثمانها، وبالتالي يسهل انعكاس الضريبة بشأنها.
بصفة عامة: إن إمكانية حدوث الانعكاس الضريبي تكون أكبر كلما قلّت درجة مرونة الطلب.
أما درجة مرونة العرض: فتتوقف على مقدار المخزون من السلعة وعلى قابليتها للتخزين، وهذا يؤثر في عملية الانعكاس الضريبي، فكلما كانت مرونة العرض ضعيفة كان نقل عبء الضريبة إلى المستهلك أكثر صعوبة، والعكس صحيح.
مثال ذلك: لا يستطيع منتج الخضراوات القابلة للتلف نقل عبء الضريبة إلى المستهلكين عن طريق زيادة أسعارها؛ وذلك خشية أن يتلف المعروض منها إذا انصرف عنها المستهلكون.
د ـ الظروف الاقتصادية السائدة في المجتمع: وتؤدي هذه الظروف دوراً كبيراً في إمكانية حدوث الانعكاس الضريبي أو عدمه.
ـ ففي حالة الازدهار الاقتصادي: يسهل حدوث الانعكاس لأن حساسية الطلب لزيادة الأسعار تقل، ومن ثم تميل مرونة الطلب إلى الانخفاض.
ـ أما في فترات الكساد: فيصعب حدوث الانعكاس باتجاه المستهلكين لأن حساسية الطلب تزيد مقابل ارتفاع الأسعار مما يؤدي إلى قلة حجم الطلب بالمقارنة بحجم العرض، ومن ثم تأخذ الأثمان في الانخفاض. ويلاحظ أنه في هذه الفترات يسهل حدوث الانعكاس الضريبي إلى الخلف؛ أي إلى المنتجين.
2ـ العوامل السياسية: وتعدّ هذه العوامل ردعاً للمكلف القانوني تنهاه عن نقل عبء الضريبة، وتتمثل في خشيته من رد فعل الدولة والمنظمات الشعبية والمستهلكين في حال زيادة أسعار السلع وتضمينها إجمالي العبء الضريبي الذي تحمله.
3ـ العوامل المالية: ويقصد بها التنظيم الفني للضريبة، فالأصول العلمية لفرض الضريبة تؤثر في انعكاسها.
أ ـ فإذا كانت الضريبة تحقق مبدأ الشمول الشخصي والمادي، كان انعكاسها سهلاً، كالضرائب العامة على المبيعات.
ب ـ يتأثر الانعكاس بنوع مطرح الضريبة: فهناك ضرائب قابلة للانعكاس بطبيعتها مثل الضرائب على الاستهلاك أو الضرائب غير المباشرة، وهناك ضرائب لا تقبل الانعكاس بطبيعتها مثل الضرائب على الدخل ورأس المال.
ج ـ يؤدي أسلوب جباية الضريبة دوراً في نقل عبء الضريبة: ففي أسلوب الحجز عند المنبع لا يحاول المكلف نقل عبء الضريبة التي يسددها لأنه لا يشعر بثقلها، أما في أسلوب الجباية المباشرة، فيحاول المكلف نقل عبء الضريبة لأنه يشعر بوطأتها.
د ـ يؤدي معدل الضريبة دوراً في نقل عبء الضريبة: فإذا كان مرتفعاً سعى المكلف إلى نقل عبئها إلى الغير، وينعكس الأمر في غير ذلك، كما أن الضرائب ذات المعدل النسبي قابلة للانعكاس عندما تفرض على الطبقات ذات الدخل المحدود في حين لا تسعى الطبقات ذات الدخل المرتفع إلى نقل عبئها. أما الضرائب التصاعدية فإنها لا تنعكس لأنها عادلة، وتتناسب وحجم مطرح الضريبة.
4ـ العوامل النفسية: تؤثر العوامل النفسية في نقل عبء الضريبة. فعندما يكون المكلف ذا وعي ضريبي مرتفع يتولد لديه شعور بأنه يشارك في تحمل الأعباء العامة عن طريق تسديده الضريبة، وأن هذا واجبه تجاه الدولة التي تقدم له الخدمات بمختلف أشكالها، فإنه لن يسعى إلى نقل عبئها إلى الغير. كما أن للعادة دوراً في هذا المجال، فعندما يعتاد المستهلك شراء سلعة بسعر معين، فإنه نفسياً يكون غير مهيأ لتقبل زيادة في السعر نتيجة نقل عبء الضريبة.
والخلاصة: أن الانعكاس الضريبي يأتي في النهاية محصلة لتفاعل جميع العوامل السابقة، ولما تقدم يجب عند تحديد شخصية المكلف الفعلي أو الحقيقي للضريبة إدخال مختلف هذه العوامل في الحسبان.
خامساً ـ آثار الانعكاس الضريبي
يتولى القانون الخاص بكل ضريبة تحديد الأشخاص المكلفين قانوناً أداء الضريبة، بيد أنه من الطبيعي أن يقوم هؤلاء بعد دفع الضريبة المفروضة عليهم إلى خزانة الدولة بمحاولة التخلص منها وإلقاء عبئها على أشخاص آخرين.
فعملية نقل الضريبة أو الانعكاس الضريبي تتم بعد أن يكون المكلف القانوني قد دفع الضريبة إلى خزينة الدولة، ثم يبدأ من ناحيته بالسعي إلى استردادها بإلقاء عبئها على عاتق شخص أو أشخاص آخرين. بيد أنه بهذا العمل لم يرتكب مخالفة لنصوص التشريع الضريبي، ولم ينجم عن عمله هذا حرمان لخزانة الدولة من قيمة الضريبة. ولكنه تصرف تصرفاً اقتصادياً تظهر فيه كفاءته وخبرته ومعرفته بأحوال السوق.
مما تقدم تبدو أهمية دراسة عملية الانعكاس الضريبي وتحليلها، فإغفال هذه الظاهرة يؤدي إلى الإخلال بأهم القواعد العلمية للضريبة؛ ولاسيما قاعدة الضرائب الوظيفية وقاعدة العدالة الضريبية.
1ـ استناداً إلى قاعدة الضرائب الوظيفية ينظر إلى الضريبة كأداة تستهدف تحقيق آثار أو أهداف اجتماعية واقتصادية وسياسية معيّنة. وتحقيق هذه الأهداف يتوقف على استقرار عبء الضريبة في ذمة بعض المكلفين القانونيين دون غيرهم، فإذا لم يتم الإلمام والإحاطة بكل قواعد نقل العبء الضريبي أو الانعكاس الضريبي واتجاهاته؛ فإن الحكومة ستصل إلى نتيجة لم ترغب فيها ولم تخطط لها. فقد تفرض ضريبة على بعض الأشخاص دون غيرهم، وتظن أنهم هم الذين سيتحملون عبئها الفعلي، وبالتالي فهي تتوقع حدوث آثار اقتصادية معيّنة لهذه الضريبة، ثم تتفاجأ بأن هؤلاء الأشخاص استطاعوا أن ينقلوا عبء الضريبة إلى أشخاص آخرين لم تقصدهم على الإطلاق، فإن هذا سيؤدي إلى اختلاف الآثار الاقتصادية المترتبة على فرض الضريبة عن تلك الآثار التي تسعى إليها الحكومة.
2ـ أما فيما يخصّ قاعدة العدالة الضريبة فإن إغفال عملية الانعكاس الضريبي واحتمال حدوثها عند رسم السياسة الضريبية لا بد أن يؤدي إلى إرهاق كاهل مجموعة من المكلفين أعباءً ضريبية لم تقصد الحكومة تحميلهم إياها. وهذا سيتنافى ورغبة الحكومة في تحقيق العدالة الضريبية. فلنفرض أن مقتضيات العدالة الضريبية قد أدت إلى فرض ضريبة على دخول أفراد المجتمع من مستهلكين ومنتجين، ثم نجحت شريحة المنتجين في نقل عبء الضريبة المفروضة عليهم إلى المستهلكين في صورة ارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية، فهنا نجد أن عملية الانعكاس الضريبي أو نقل العبء الضريبي قد أدت إلى إرهاق شريحة المستهلكين حيث تحملت دخولهم عبء الضريبتين في حين أن دخول المنتجين قد تخلصت من أي عبء ضريبي؛ مما يتنافى ورغبة الحكومة في تحقيق العدالة الضريبية.
3ـ للانعكاس الضريبي أهمية كبيرة للسياسة الضريبية، فعلى ضوئه تتحدد معالم هذه السياسة وأهدافها، فهو الذي يبين للمشرع متحمل عبء الضريبة النهائي، والذي على ضوئه يختار وعاءها وسعرها بما يحقق أهداف السياسة الضريبية.
مما تقدم يتبين أن ظاهرة الانعكاس الضريبي تحدث بعد أن يسدد المكلف القانوني الضريبة لمصلحة الضرائب، فهي لا تضر بالخزينة العامة للدولة، وليس فيها انتهاك لحرمة القوانين المالية. ولكن من شأنها أن تحدث اضطراباً في النظام الذي يضعه المشرع لتوزيع الأعباء العامة على المكلفين.
فهناك ضرائب يتوقع المشرع قيام المكلف القانوني بنقل عبئها إلى الغير، بل قد يريد حدوث ذلك، ويراعيه عند وضع قواعد تطبيق الضريبة كالضرائب الجمركية.
ولكن انعكاس الضريبة يكون في معظم الأحوال ضد إرادة المشرع، ولهذا يجب ـ قبل فرض ضريبة جديدة أو تغيير سعر ضريبة مطبقة ـ دراسة قابليتها للانعكاس أو عدمه حتى لا تكون نتائج فعل ذلك مغايرة للأهداف التي كان يرمي إلى تحقيقها من وراء ذلك.
ويعدّ من العبث محاولة وضع قانون ثابت للانعكاس الضريبي يمكن العمل به وبقواعده. وجُلّ ما يمكن عمله هو ذكر بعض الملاحظات الأساسية، وأهمها:
1ـ هناك ضرائب لا تقبل بطبيعتها الانعكاس، ويتحمل المكلف القانوني عبأها كله، مثالها ضريبة التركات.
2ـ وهناك ضرائب انعكاسها صعب جداً، أو يندر حصوله، كالضريبة العامة على مجموع الدخل.
3ـ أما الضرائب التي تقبل الانعكاس فهي الضرائب غير المباشرة أو الضرائب على الإنفاق. بيد أنه يقل احتمال انعكاسها كلما كان سعر الضريبة معتدلاً.
مراجع للاستزادة: |
ـ أحمد جمال الدين موسى، دروس في ميزانية الدولة (مصر 2004).
ـ حسن عواضة وعبد الرؤوف قطيش، المالية العامة (دار الخلود للنشر، لبنان 1995).
ـ حامد عبد المجيد دراز والمرسي السيد حجازي، المالية العامة (الدار الجامعية، الإسكندرية 2004).
ـ عادل أحمد حشيش ومصطفى رشدي شيحة، مقدمة في الاقتصاد العام /المالية العامة/ (دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية 1998).
ـ عصام بشور، المالية العامة والتشريع المالي (مطبعة جامعة دمشق، 1991ـ1992).
ـ فاطمة السويسي، المالية العامة /موازنة ـ ضرائب/ (المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان 2005).
ـ محمود رياض عطية، موجز في المالية العامة (المكتبة الاقتصادية، دار المعارف، مصر 1969).
ـ محمد فؤاد إبراهيم، مبادئ علم المالية العامة، ج1(مكتبة النهضة العربية، القاهرة، بلا تاريخ).
ـ يوسف شباط ومحمد خير العكام، المالية العامة (جامعة دمشق، 2006ـ2007).
- A. BARRERE, L’analyse de la répercussion et de L’incidence. De L’impôt par la méthode de flux. Revue de science financiére, 1965.
- G. SCHMOLDUS, Psychologie des finances et de L‘impôt. (P.U.F 1973).
- L. MEHL, Science et technique fiscales. (P.U.F. Themis, 1959).
- التصنيف : القانون المالي - النوع : القانون المالي - المجلد : المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي - رقم الصفحة ضمن المجلد : 445 مشاركة :