شركه توصيه
commandite company - société en commandite

 شركة التوصية

شركة التوصية

جمال مكناس

مفهوم شركة التوصية

إدارة شركة التوصية

طرق الحل والتصفية في شركة التوصية

 

أولاً ـ مفهوم شركة التوصية:

1ـ تعريف شركة التوصية ونشأتها:

تعرف المادة (44) من قانون الشركات شركة التوصية Société en commandite على أنها:

«شركة تعمل تحت عنوان معين يكون فيها أحد الشركاء على الأقل شريكاً متضامناً إضافة إلى شريك أو شركاء موصين.

أ ـ الشركاء المتضامنون: هم الذين يحق لهم الاشتراك في إدارة الشركة ويكونون مسؤولين بالتضامن عن ديون الشركة والالتزامات المترتبة عليها في أموالهم الخاصة.

ب ـ الشركاء الموصون: هم الذين يقدمون حصة في رأسمال الشركة دون أن يكون لهم الحق بالاشتراك في إدارة الشركة وتكون مسؤولية كل منهم عن ديون الشركة والالتزامات المترتبة عليها محصورة بمقدار حصته في رأسمال الشركة».

وتعدّ شركة التوصية من الشركات الواسعة الانتشار في سورية، نظراً لأن بإمكان الأشخاص الممنوعين من التجارة كالأطباء والمحامين والموظفين تأسيس شركة توصية كشركاء موصين فيها أضف إلى ذلك إمكانية استمرار شركة التضامن وتحويلها إلى شركة توصية في حال وفاة أحد الشركاء المتضامنين وحلول ورثته القصر محله بوصفهم شركاء موصين.

كما نص قانون الشركات على تطبيق أحكام شركة التضامن على شركة التوصية المنصوص عليها في هذا القانون، وذلك في الحالات والأمور التي لم يرد عليها نص خاص في باب شركة التوصية وبما لا يتعارض مع أحكام شركة التوصية، وأخضع الشركاء المتضامنين في شركة التوصية للأحكام المطبقة على الشركاء المتضامنين في شركة التضامن (المادة 50/1 و2 شركات).

2ـ خصائص شركة التوصية:

تتميز شركة التوصية بخصائص تميزها من غيرها من الشركات، وتتمثل هذه الخصائص في وجود فئتين من الشركاء وفي عنوان الشركة وفي عدم جواز تداول الحصص.

أ ـ وجود فئتين من الشركاء:

يتضح من تعريف المشرع لشركة التوصية أنها تضم فريقين من الشركاء أحدهما من الشركاء المتضامنين، والآخر من الشركاء الموصين.

(1) الشركاء المتضامنون:

ذُكر أنه تسري على الشركاء المتضامنين في شركة التوصية الأحكام المطبقة على الشركاء المتضامنين في شركة التضامن. وعليه فإن مسؤولية الشريك المتضامن تكون مسؤولية شخصية وتضامنية عن ديون الشركة والتزاماتها، كما أنه يمكن أن تكون حصة الشريك المتضامن في الشركة عملاً في الشركة علاوة على ما قد يقدمه من حصة نقدية أو عينية. وبما أن شركة التوصية هي شركة تجارية بموضوعها، فإن الشريك المتضامن فيها يكتسب صفة التاجر، ولا بد من توافر أهلية تعاطي التجارة لديه، وإن شهر إفلاس الشركة يؤدي إلى شهر إفلاسه. كما أن اسم الشريك المتضامن هو وحده الذي يمكن أن يرد في عنوان الشركة دون الشركاء الموصين.

(2) الشركاء الموصون:

الشريك الموصي هو شريك ذو مسؤولية محدودة لا يسأل عن ديون الشركة والتزاماتها إلا في حدود الحصة المقدمة منه إلى الشركة.

ويؤثر تحديد مسؤولية الشريك الموصي في طبيعة الحصة التي يقدمها إلى الشركة. إذ يقدم حصة مالية سواء كانت نقدية أم عينية، ولا يجوز للشريك الموصي أن يقدم حصة بالعمل لأن قياس المسؤولية المحدودة يكون رهيناً بقيمة الحصة المقدمة للشركة، ويصعب تقويم حصته إن كانت عملاً.

وبما أن مسؤولية الشريك الموصي عن ديون الشركة والتزاماتها محدودة بحدود حصته فإنه لا يكتسب صفة التاجر، وإن كان تقديم الحصة إلى الشركة يعد عملاً تجارياً، لذا لا يشترط في الشريك الموصي أن يكون كامل الأهلية.

وتعدّ شركة التوصية من شركات الأشخاص؛ وبالتالي فإن عقدها يعد من العقود الملازمة للشخص، لذلك فإن تنازل الشريك الموصي عن حصته إلى شخص آخر يقتضي الحصول على موافقة الشركاء المتضامنين (المادة 47 شركات). على أن ما يطرأ على شخصية الشريك الموصي لا يؤثر في حياة الشركة، وعليه فإن إفلاس الشريك الموصي أو إعساره أو وفاته أو فقدان الأهلية أو إصابته بعجز دائم لا يؤدي إلى حل الشركة (المادة 50/3 شركات).

أما من حيث نية المشاركة، فالأصل أنه لا يحق للشريك الموصي أن يتدخل في إدارة الشركة، بيد أن من حقه مراقبة إدارة الشركة وإبداء رأيه في إدارتها مادام لا يظهر مديراً حيال الغير، وهذا ما يميز الشريك الموصي من الممول الذي يقدم قرضاً للشركة ولا يحق له مراقبة أعمالها أو التدخل فيها.

ب ـ عنوان شركة التوصية:

(1) تكوينه:

لشركة التوصية عنوان يميزها من غيرها وتوقع به التعهدات التي تتم لحسابها، ويتكون هذا العنوان من أسماء الشركاء المتضامنين وحدهم. ولقد نصت على ذلك الفقرة الأولى من (المادة 45 من قانون الشركات) بقولها:

«1ـ لا يجوز أن يتضمن عنوان الشركة إلا أسماء الشركاء المتضامنين».

وما دام عنوان شركة التوصية يتألف فقط من أسماء الشركاء المتضامنين، فتسري في شأنه الأحكام نفسها التي سبق تفصيلها عند دراسة عنوان شركة التضامن، وعلى هذا يمكن أن يتضمن عنوان الشركة أسماء جميع الشركاء المتضامنين أو اسم أحدهم مع إضافة عبارة «وشركاؤه». وإذا لم يكن هناك إلا شريك متضامن واحد والباقي شركاء موصون، فلا يستطيع أن يوقع باسمه وحده، بل لابد من إضافة عبارة «وشريكه أو شركاؤه»، حتى يعلم الغير أنه يوقع باسم الشركة لا باسمه الخاص.

2ـ منع ذكر اسم الشريك الموصي في العنوان:

إن قصر عنوان شركة التوصية على أسماء الشركاء المتضامنين يعني بداهة ومنطقاً عدم اشتماله على أسماء الشركاء الموصين الذين لا يجوز أن تذكر أسماؤهم في عنوان الشركة، حتى لا يقع الغير الذي يتعامل مع الشركة في الغلط، فيوليها الثقة وائتمانه اعتماداً على أموال الموصي الذي ذكر اسمه في العنوان، في حين أنه لا يسأل إلا بقدر حصته في رأس المال، وهو معتقد أنه شريك متضامن ومسؤول بأمواله الشخصية وعلى وجه التضامن عن جميع ديون الشركة والتزاماتها، في حين أن الواقع فعلاً وقانوناً غير ذلك.

وقد رتب المشرع جزاءً خطيراً على مخالفة هذا المنع من وضع اسم الشريك الموصي في عنوان الشركة فقرر في الفقرة الثانية من (المادة 45 من قانون الشركات) أنه:

«2ـ لا يجوز أن يدرج اسم أي شريك موص في عنوان شركة التوصية، وإذا تسامح الشريك الموصي بإدراج اسمه في عنوان الشركة أصبح مسؤولاً كشريك متضامن تجاه الغير حسن النية».

ويستفاد من هذا النص أن الشريك الموصي ـ الذي يدرج اسمه في عنوان الشركة ـ ينقلب بالنسبة إلى الغير إلى شريك متضامن، يسأل عن ديون الشركة والتزاماتها مسؤولية شخصية وتضامنية غير محدودة بقدر الحصة التي تعهد بتقديمها، بل يكتسب أيضاً بالنسبة إليهم صفة التاجر، ويمكن شهر إفلاسه.

غير أن هذا الجزاء منوط بكون ذكر اسم الشريك الموصي في عنوان الشركة قد جاء بناءً على إذن صريح أو ضمني منه عندما تسامح بإدراج اسمه في عنوان الشركة. فإن تحقق ذلك أصبح في مركز الشريك المتضامن في علاقته مع الغير.

وعليه فإن تطبيق هذا الجزاء يتطلب توافر شرطين: الأول أن يعلم الشريك الموصي بإدراج اسمه في عنوان الشركة، أما الثاني فأن يكون الغير حسن النية.

على أنه إذا كان الغير يعلم بأن الشريك هو مجرد شريك موصٍ لم يعد هناك مبرر لمجاراته باعتباره شريكاً متضامناً تجاه الغير. وبما أن حسن نية الغير مفترضة فإن يجب على الشريك الموصي إثبات علم الغير بصفته، وذلك بجميع وسائل الإثبات، فإذا تمكن من إثبات سوء نيته أو علمه بصفته، تعذر على هذا الغير مطالبة الشريك الموصي كشريك متضامن، لأن الهدف من الشهر إعلام الغير، وقد تحقق العلم في هذه الحالة.

وجدير بالملاحظة أن علاقة الشريك الموصي بغيره من الشركاء لا تتأثر بهذا الإدراج، فيبقى محتفظاً بصفته شريكاً موصياً لا يسأل إلا في حدود حصته، ويكون من حقه أن يرجع عليهم بما دفعه للغير زيادة عن مقدار حصته في الشركة. وإذا كان إدراج اسمه قد تم من دون علمه كان له أن يطالب الشركاء المتضامنين بتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقته من جراء هذا العمل.

ج ـ عدم جواز تداول حصص الشركاء:

(1) التنازل عن الحصص:

تعدّ شركة التوصية من شركات الأشخاص التي تقوم على الاعتبار الشخصي للشركاء. ويمتد الاعتبار الشخصي إلى جميع الشركاء، سواء كانوا متضامنين أم موصين.

ويترتب على ذلك أنه لا يجوز تداول الحصص في شركة التوصية إلا بموافقة جميع الشركاء، إذا كان المتفرغ عن حصته في الشركة متضامناً وشرط القيام بمعاملات الشهر (المادة 38 شركات). أما إذا كان الشريك المتنازل عن حصته للغير شريكاً موصياً فلابد من موافقة الشركاء المتضامنين (المادة 47 شركات).

(2) ضم شريك جديد إلى الشركة:

ـ دخول شريك متضامن جديد:

نص قانون الشركات على جواز ضم شريك متضامن جديد إلى الشركة لما في ذلك من زيادة في ملاءة الشركة وائتمانها. إلا أن المشرع علق قبول دخول شريك متضامن جديد إلى شركة التوصية على موافقة جميع الشركاء المتضامنين فيها، وعدم ضرورة موافقة الشركاء الموصين على ذلك (المادة 48/1 شركات). ومبرر ذلك أن الشريك المتضامن الجديد سيشارك في إدارة الشركة واتخاذ القرارات التي تصدر عن الشركاء المتضامنين، بخلاف الشريك الموصي الممنوع من إدارة الشركة، إضافة إلى طبيعة المسؤولية غير المحدودة للشركاء المتضامنين، كل ذلك دفع المشرع إلى النص على وجوب موافقة الشركاء المتضامنين. ويُرى أنه لا مانع من أن يرد نص في عقد الشركة يقضي بضرورة موافقة الشركاء الموصين أيضاً، نظراً لطبيعة عقد شركة التوصية الذي يقوم على الاعتبار الشخصي.

ـ تحويل صفة الشريك الموصي إلى شريك متضامن:

قد يرغب الشريك الموصي تحويل صفته إلى شريك متضامن، إما لأنه لم يعد ممنوعاً من تعاطي التجارة، وإما لأنه أصبح كامل الأهلية لتعاطي التجارة، وإما رغبة منه في المشاركة الفعلية في الإدارة الخارجية للشركة. لذلك فقد أجاز القانون تحويل صفة الشريك الموصي إلى شريك متضامن، وذلك بموجب عقد رسمي موقع من قبله ومن قبل الشركاء المتضامنين، ويتم شهره أصولاً بتسجيله لدى أمين سجل التجارة في سجل الشركات. وبالتالي فإن هذا الشريك الموصي لا يكتسب صفة الشريك المتضامن في الشركة، ما لم يتم إجراء هذا التسجيل. ويجب التمييز بين هذه الحالة والحالة التي عامل فيها المشرع الشريك الموصي شريكاً متضامناً كجزاء مؤيد لحظر ذكر اسمه في عنوان الشركة؛ لأن هذا الجزاء يطبق بالنسبة للغير حسن النية فقط دون باقي الشركاء. أما تحويل صفة الشريك الموصي إلى متضامن فيكون نافذاً تجاه الشركاء والغير بعد توقيع العقد من قبل الشركاء المتضامنين وشهره أصولاً.

ـ دخول شريك موصٍ جديد:

قد تحتاج الشركة إلى زيادة في رأس مالها أو إلى خبرة فنية معيّنة، فيعمد الشركاء إلى قبول إدخال شريك موصٍ جديد أو أكثر؛ وذلك بهدف رفع مستوى أداء الشركة أو بما يحقق مصالح الشركة والشركاء. لذلك أجاز القانون قبول دخول شريك موصٍ جديد في شركة التوصية شرط موافقة جميع الشركاء المتضامنين والموصين فيها. ولم يشترط المشرع ضرورة شهر دخول شريك موصٍ جديد في سجل الشركات، وقد يكون مبرر ذلك أن أسماء الشركاء الموصين لا تدرج في عنوان الشركة، وليس لهم الحق بالاشتراك في إدارتها، كما أن مسؤولية الشريك الموصي عن ديون الشركة والتزاماتها قاصرة على حدود حصصهم في رأس مال الشركة، كل ذلك دفع المشرع إلى عدم النص على ضرورة الشهر صراحة إذ لا يؤثر عدم شهر هذا الدخول في الغير المتعاملين مع الشركة. ومع ذلك فإن دخول شريك موصٍ جديد يعدّ تعديلاً لعقد شركة التوصية ويستوجب توقيع عقد جديد وشهره أصولاً طبقاً لأحكام الفقرة الثالثة من (المادة 49 من قانون الشركات).

ثانياً ـ إدارة شركة التوصية:

خص المشرع إدارة شركة التوصية بأحكام خاصة تتمثل في حصر إدارتها بالشركاء المتضامنين، ومنع على الشريك الموصي التدخل في إدارة الشركة.

1ـ أحكام إدارة الشركة:

تتم إدارة شركة التوصية من قبل مدير يجوز أن يكون من الشركاء المتضامنين أو من الغير، ويتولى الإدارة بصفته صاحب السلطة العليا فيها مجلس الشركاء الذي تكون قراراته ملزمة لمدير الشركة سواء أكان من الشركاء المتضامنين أم من الغير. وقد جاء قانون الشركات ببعض الأحكام الخاصة ـ الجدير ذكرها ـ فيما يتعلق باتخاذ القرارات في الشركة. ذلك أن القرارات في شركة التوصية تصدر بأصوات الشركاء المتضامنين فقط ما لم يعطِ عقد تأسيس الشركة للشركاء الموصين حق التصويت (المادة 49/1 شركات). كما تصدر القرارات في مجلس الشركاء بالإجماع ما لم ينص عقد الشركة على عقد الاكتفاء بأغلبية معيّنة (المادة 49/2 شركات). على أنه إذا تعلق الأمر بقرارات خاصة بحياة الشركة ومصيرها كتعديل عقد الشركة أو حلها أو دمجها، فإن هذه القرارات لا تكون صحيحة ما لم يتفق عليها الشركاء المتضامنون والموصون في عقد يوقعون عليه جميعهم، ويشهر أصولاً بتسجيله في سجل الشركة لدى أمانة السجل التجاري. (المادة 49/3 شركات).

فيما عدا هذه الأحكام الخاصة، تطبق أحكام إدارة شركة التضامن فيما يتعلق بصلاحيات مدير الشركة وواجباته ومسؤوليته عن إدارة الشركة تجاه الشركة والشركاء، وضرورة تعيين مفتش للحسابات إذا زاد عدد الشركاء المتضامنين عن خمسة شركاء أو بلغ رأس مال شركة التوصية خمسة وعشرين مليون ليرة سورية. كذلك الأمر فيما يتعلق بعزل المدير واعتزاله.

2 ـ منع الشريك الموصي من التدخل في الإدارة:

أ ـ المبدأ ومبرراته:

نصت الفقرة الأولى من المادة (46 شركات) على أنه:

«لا يحق للشريك الموصي التدخل في إدارة أعمال الشركة تجاه الغير وليس له سلطة تمثيلها ولو كان ذلك بناءً على توكيل …».

يستفاد من هذا النص أن الشريك الموصي لا دخل له في إدارة الشركة. فلا يجوز أن يقوم بعمل من أعمال الإدارة، أو أن يكون مديراً للشركة، وإنما يجب أن تكون الإدارة لأحد الشركاء المتضامنين أو لشخص أجنبي عن الشركة.

وعليه لا يجوز للشريك الموصي أن يشتري نيابة عن الشركة أو أن يعبر عن إرادتها حتى لو وافق جميع الشركاء المتضامنين والموصين. ولا يقتصر هذا الحظر على إبرام العقود، وإنما يشمل أيضاً الأعمال الممهدة لعقدها كالتفاوض عن الشركة من أجل تصرف قانوني ما. كما ليس للشريك الموصي إلزام الشركة حيال الغير بعمله غير المشروع لانتفاء نيابته عنها أو تبعيته لها.

ويقوم حظر تدخل الشريك الموصي في إدارة أعمال الشركة على اعتبار مزدوج: الأول وجوب حماية الغير، والثاني هو وجوب حماية الشركاء المتضامنين.

فحماية الغير ـ كما هو الحال في قاعدة منع ذكر اسم الموصي في عنوان الشركة ـ تقضي أن مسؤولية الشريك الموصي عن ديون الشركة محدودة بالحصة المالية التي يقدمها للشركة، وقد يوحي تدخله في أعمال الإدارة للغير أنه شريك متضامن مسؤول مسؤولية غير محدودة عن ديون الشركة، فيوليها ائتماناً كبيراً اعتماداً على أمواله، ثم يتبين بعد ذلك أنه شريك موصٍ لا يسأل إلا في حدود حصته. لذلك حظر المشرع على الموصي التدخل في أعمال إدارة الشركة؛ ليدفع هذا الخطأ الذي قد يقع فيه الغير.

أما فيما يخص حماية الشركاء المتضامنين؛ فإن مسؤولية الشريك الموصي المحدودة قد تدفعه إلى عدم اتخاذ الحيطة وبذل العناية اللازمة إذا ما سمح له بتولي إدارة الشركة، ومن شأن ذلك الإضرار بالشركاء المتضامنين الذين يسألون عن ديون الشركة في جميع أموالهم. فلا يقبل أن يتحمل الشركاء المتضامنون مخاطر أخطاء الشريك الموصي الذي لا يحسن أعمال الإدارة بسبب اطمئنانه إلى مسؤوليته المحدودة عن ديون الشركة والتزاماتها.

ولا يجوز الاعتراض على ذلك بأن الشركاء المتضامنين قد أساؤوا اختيار شركائهم الموصين الذين خالفوا حظر التدخل في الإدارة، مما عرضهم للمسؤولية تجاه دائني الشركة. ولا شأن لحسن اختيار الشريك الموصي بتدخله في إدارة الشركة، وليس ثمة ما يمنع تدخل المشرع بحماية الشركاء المتضامنين من سوء اختيارهم لشركائهم الموصين في شركة التوصية، وعليه فرض المشرع هذا الحظر.

ب ـ نطاق المنع من التدخل في الإدارة:

لما كان منع الشريك الموصي من التدخل في إدارة أعمال الشركة ـ وفقاً للرأي الراجح ـ مقصوداً به حماية الغير الذي يتعامل مع الشركة، فمن الطبيعي أن يقتصر نطاقه على أعمال الإدارة الخارجية المتصلة بصلة الشركة بالغير، وعليه يجب التمييز بين فئتين من أعمال الإدارة: ما يعرف بأعمال الإدارة الخارجية وما يعرف بأعمال الإدارة الداخلية.

(1) أعمال الإدارة الخارجية: وهي تلك الأعمال المتعلقة بعلاقة الشركة بالغير، كأن يعمل الشريك الموصي مديراً للشركة أو أحد فروعها، أو أن يبيع ويشتري، يؤجر ويستأجر باسم الشركة ولحسابها. أو أي عمل يفضي إلى دخول الشركة في علاقة قانونية مع الغير، تجعلها دائنة أو مدينة للغير. ويعود تقدير عمل ما من قبيل أعمال الإدارة الخارجية إلى قاضي الموضوع بما له من سلطة تقديرية دون معقب على قضائه من محكمة النقض، لأن ذلك يتعلق بمسألة من مسائل الواقع.

(2) أعمال الإدارة الداخلية: وهي تلك الأعمال التي تتم داخل الشركة من دون أن يكون للغير شأن بها. ذلك أنه يجوز للشريك الموصي إتيانها، لأن قيامه بها لا يؤدي إلى إيقاع الغير في غلط ما.

وعليه يحق للشريك الموصي أن يشترك في أعمال مجلس الشركاء، ولا تعدّ هذه المشاركة مساهمة منه في إدارة الشركة أو تدخلاً فيها أو أعمالها. كما يحق للشريك الموصي أن يطلع على دفاتر الشركة وحساباتها والسجلات الخاصة بالقرارات المتخذة في سياق إدارتها وأن يتداول مع الشركاء المتضامنين أو مع مديري الشركة بشأنها (المادة 46/2و3 شركات). ولا يجوز حرمان الشريك الموصي من المشاركة في تلك الأعمال، سواء في عقد تأسيس الشركة أم بموجب قرار لاحق. ذلك أن من شأن حرمانه من المساهمة في إدارة الشركة ـ وفقاً لما أُشير إليه أعلاه ـ القضاء على نية المشاركة التي تعدّ ركناً من أركان عقد الشركة.

كما أن منع تدخل الشريك الموصي في أعمال الإدارة لا يمنع من إمكانية تعامله مع الشركة بالبيع والشراء أو بغيرها من التصرفات القانونية. ذلك أن منع الشريك الموصي يقتصر على تمثيل الشركة والتعبير عن إرادتها، وبالتالي لا ينشأ التعارض بين مصلحة الشركة بوصفها شخصاً اعتبارياً ومصلحة الشريك الموصي الشخصية.

ج ـ جزاء مخالفة المنع من التدخل في الإدارة:

(1) مضمونه: تكفل المشرع بتقرير الجزاء على مخالفة مبدأ منع الشريك الموصي من التدخل في إدارة أعمال الشركة تجاه الغير أو تمثيلها بناءً على توكيل، فنص في الفقرة الأولى نفسها من المادة (46) من قانون الشركات على أنه إذا خالف الشريك الموصي هذا المنع عدّ «مسؤولاً عن ديون الشركة والتزاماتها التي تحملتها بسبب تدخله أو مساهمته في إدارتها مسؤولية الشريك المتضامن».

وعليه، فقد قصر المشرع مسؤولية الشريك الموصي التضامنية على الديون والالتزامات التي تحملتها الشركة بسبب تدخله أو مساهمته في إدارتها، وحسناً فعل. ذلك أنه ـ وبموجب أحكام الفقرة الثالثة من (المادة 314) من قانون التجارة الملغى ـ كان جزاء الشريك الموصي إذا خالف هذا المنع أنه يصبح «مسؤولاً بوجه التضامن حتى النهاية مع الشركاء المتضامنين عن الالتزامات الناشئة عن عمله الإداري، فتكون التبعة الملقاة عليه محصورة في النتائج الناجمة عن الأعمال التي تدخل فيها» وهذا أمر وجوبي. «وأنها شاملة لجميع ديون الشركة على نسبة عدد تلك الأعمال وجسامتها»، وهذا أمر جوازي يعود تقديره لمحكمة الموضوع تستهدي به بحسب أهمية الأعمال التي يقوم بها وخطورتها وبحسب تكرارها بحيث أصبحت كافية لكي يتولد لدى الغير الاعتقاد أن هذا الشريك شريك متضامن، فيجوز للمحكمة أن تؤاخذه عن كل ديون الشركة والتزاماتها التي ترتبت منذ تدخله بالإدارة دون استثناء.

ويستوي للغير أن يكون الشريك الموصي قد تدخل في إدارة أعمال الشركة بناءً على توكيل من الشركاء المتضامنين أو من دون توكيل منهم. ذلك أن الغير لا شأن له بعلاقات الشركاء فيما بينهم، ويكفيه أن الشريك الموصي تدخل في أعمال الإدارة الخارجية للشركة.

ويذهب بعض الفقه والقضاء إلى قصر هذا المؤيد على الغير حسن النية، فإذا أثبت الشريك الموصي أن الغير الذي تعامل معه كان عالماً بصفته تعذر عليه مطالبته كشريك متضامن. ويُرى أنه لا يشترط لاعتبار الشريك المخالف للمنع مسؤولاً كشريك متضامن أن يكون الغير حسن النية، أي لا يعلم أنه بصدد التعامل مع شريك موصٍ، وليس شريكاً متضامناً. ذلك أن المشرع لم يشترط حسن النية لدى الغير، خلافاً لحكم حظر إدراج اسم الشريك الموصي في عنوان الشركة. ولا يمكن تفسير ذلك إلا باعتبار مبدأ منع الشريك الموصي من التدخل في أعمال الشركة مقرراً لمصلحة الشركاء المتضامنين، وليس فقط حماية للغير.

(2) أثره: يثور التساؤل عن أثر مسؤولية الشريك الموصي مسؤولية تضامنية نتيجة تدخله في إدارة أعمال الشركة الخارجية؛ في اكتسابه صفة التاجر نتيجة ذلك، وأثر هذا الجزاء في علاقته بباقي الشركاء.

ـ مدى اكتساب الشريك الموصي صفة التاجر: إن اعتبار الشريك الموصي مسؤولاً مسؤولية تضامنية عن ديون الشركة والتزاماتها التي تحملتها الشركة بسبب تدخله أو مساهمته في إدارتها ليس من شأنه إضفاء صفة التاجر عليه. ويترتب على ذلك أن إفلاس شركة التوصية لا يستتبع شهر إفلاسه. أما إذا تكررت مساهمته وتدخله في الإدارة، وكانت من الأهمية بمكان، وأصبحت مسؤوليته تضامنية؛ فإنه يكتسب صفة التاجر، ويترتب على شهر إفلاس الشركة شهر إفلاسه أيضاً، ويمكن ملاحقته ـ عند الاقتضاء ـ بجرائم الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي. وقد لجأ الاجتهاد القضائي الفرنسي إلى مثل هذه المؤيدات الشديدة عندما تبين له أن الشريك الموصي شريكٌ صوريٌّ؛ وهو في الحقيقة أهم شريك متضامن.

ـ أثره في مواجهة الشركاء: إن مسؤولية الشريك الموصي عن ديون الشركة والتزاماتها على وجه التضامن بسبب تدخله في الإدارة الخارجية للشركة يستوجب التمييز بين أن يكون هذا التدخل قد تم باتفاق وتفويض مع شركائه وبين أن يكون قد تم من دون ذلك، ففي الحالة الأولى يقتصر أثر الجزاء في علاقته مع الغير، ويبقى متمتعاً بمركزه القانوني بوصفه شريكاً موصياً بالنسبة إلى شركائه، ويحق له الرجوع عليهم بما دفعه من ديون الشركة زيادة على حصته؛ لأن حظر تدخله هنا استهدف حماية الغير، وتنازل الشركاء عن الحماية بتفويضه إدارة الشركة، ويرجع عليهم بناءً على قواعد الوكالة.

أما إذا كان تدخله بالإدارة تم من دون توكيل أو اتفاق مع شركائه، فإن هذه الأعمال لا تلزم الشركة على الإطلاق، ويعدّ كأنه تصرف باسمه ولحسابه الخاص، فيما عدا الحالات التي يمكنه الرجوع فيها على الشركة تطبيقاً لقواعد الإثراء بلا سبب إذا توافرت شروطها. أو على أساس أحكام الفضالة بحيث لا يحق للشريك الموصي أن يسترد ما يجاوز قيمة حصته إلا في حدود ما أفادت به الشركة من العمل الذي قام به الشريك.

ثالثاً ـ طرق الحل والتصفية في شركة التوصية:

تخضع شركة التوصية في حلها أو انقضائها للحالات العامة لانقضاء الشركات المتمثلة في حلها رضائياً أو قضائياً وباندماجها وبزوال موضوعها أو بانتهاء مدتها، وكذلك لأحكام انقضاء شركة التضامن نفسها باعتبارها من شركات الأشخاص التي تقوم على الاعتبار الشخصي، واستثنى المشرع من ذلك، أن إفلاس الشريك الموصي أو إعساره أو وفاته أو فقده الأهلية أو إصابته بعجز دائم لا يؤثر في حياة الشركة، ولا يؤدي إلى حلها (مادة 50/3 شركات). كما تسري عليها القواعد المتعلقة بشهر الانقضاء وآثاره من تصفية الشركة عن طريق مصفٍّ يتولى تحصيل ما لها ووفاء ما عليها من ديون، ومن ثم توزيع باقي الموجودات الناجمة عن التصفية على الشركاء عن طريق قسمتها عليهم وفقاً لما هو منصوص عليه في عقد الشركة، وتسقط حقوق دائني الشركة في مطالبة الشركاء بمضي خمس سنوات على إغلاق أعمال التصفية.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ جاك الحكيم، الشركات التجارية، الطبعة الرابعة (منشورات جامعة دمشق 2006).

ـ محمد فريد العريني ومحمد السيد الفقي، القانون التجاري (منشورات الحلبي الحقوقية 2002).

ـ محمد هاني دويدار، القانون التجاري (دار النهضة العربية، بيروت 1995).


- التصنيف : القانون التجاري - النوع : القانون التجاري - المجلد : المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي - رقم الصفحة ضمن المجلد : 314 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق