الوصية
وصيه
legacy - legs
أحمد بدر
الدين حسون
1-1. تعريف الوصية
الوصية
في اللغة: مأخوذة من وصيت الشيء بالشيء أصيه، من باب
وَعَدَ، وأصل الوصية: الوصل، يقال: وصَّى بالشيء ووصَّى الشيء إذا وصله، ووصلته
وأوصيت إليه بمال: جعلته له، وتطلق على الموصى به.
والوصية في الاصطلاح: تمليكٌ
مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء كان ذلك في الأعيان أم في المنافع.
1-2.
مشروعية الوصية:
دليل
الوصية من الكتاب:
قوله تعالى في توزيع
الميراث والتركة: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى
بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء 12].
وقوله عز وجل: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾
[النساء 12].
وقوله
تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾
[البقرة 180].
ومن السنة أحاديث:
فعَنْ
سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِr يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ
وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ وَأَنَا
ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ
بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ: «لاَ»، فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ، فَقَالَ: «لاَ»، ثُمَّ
قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلْثُ كَبِيرٌ ـ أَوْ
كَثِيرٌ ـ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ
تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ
لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا،
حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ» [رواه
البخاري ومسلم].
وَعَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ: «إِنَّ
اَللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ؛ زِيَادَةً
فِي حَسَنَاتِكُمْ» [رواه الدارقطني وأحمد والبزار].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِr قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ
لَهُ شَيْءٌ، يُوصِى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ
مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» [البخاري ومسلم].
وأما
الإجماع: فقد أجمع العلماء على مشروعية الوصية.
وأما
المعقول: فهو حاجة الناس إلى الوصية زيادة في القربات
والحسنات وتداركاً لما قد يكون فَرَّط به الإنسان في حياته من أعمال الخير.
1ـ 3ـ
أركان الوصية:
عند
جمهور الفقهاء أربعة: موصٍ، وموصى له، وموصى به، وصيغة.
وعند الحنفية ركن الوصية كأي عقد هو شيء واحد: الإيجاب
والقبول.
1ـ 4ـ
كيفية انعقاد
الوصية:
تنعقد الوصية شرعاً بأحد طرق
ثلاثة: باللفظ والعبارة، أو بالكتابة والخط، أو بالإشارة المفهمة، وكذا في القانون
السوري [المادة (208) من قانون الأحوال الشخصية].
ويتم
الإيجاب بكل لفظ يدل على التمليك بعد الموت.
وتنعقد
الوصية بالكتابة كاللفظ.
أما
القبول فللفقهاء فيه أقوال:
للحنفية: القبول: عدم الرد. وقد أخذ القانون السوري (م/226) برأي الحنفية في الاكتفاء بعدم
الرد.
للمالكية والحنابلة والشافعية
في قول: أنه لا بد من القبول بالقول أو ما يقوم مقامه من التصرفات الدالة على
الرضا عند الوصية لمعيّن. للشافعية في المعتمد: المراد بالقبول القبول اللفظي.
الفورية في القبول والرد بعد الموت:
اتفق الفقهاء على أنه لا
يشترط كون القبول أو الرد من الموصى له فوراً بعد الموت، بل هما على التراخي، لأن
الفور عرفاً إنما يشترط في العقود المنجزة التي يرتبط القبول فيها بالإيجاب
كالبيع، وليست الوصية منها.
لكن رأى الشافعية أن
للوارث الحق في مطالبة الموصى له بالقبول أو الرد، فإن امتنع بعد المطالبة، كان
امتناعه رداً للوصية.
واشترط القانون السوري (ف1/
م227) أن يكون رد الوصية خلال ثلاثين يوماً من وفاة الموصي، أو من حين علم الموصى
له بالوصية إن لم يكن عالماً حين الوفاة، وهذا من قبيل السياسة الشرعية، منعاً
للإضرار بالورثة أو بالتركة.
تجزؤ الرد ورد بعض الموصى به من دون بعضه
الآخر:
قد يتجزأ الرد، فيقبل الموصى له بعض الموصى به، ويرد بعضه الآخر، كما إذا أوصي له
بدار وأرض زراعية، فقبل الدار، ورد الأرض الزراعية؛ أو بالعكس؛ نفذت الوصية فيما
قبله، وبطلت فيما رده؛ لأنه أدرى بمصلحته، ولا ضرر على غيره في التجزئة.
وإذا
كانت الوصية لجماعة، فقبل بعضهم، ورد الآخرون، لزمت الوصية لمن قبل، وبطلت لمن رد؛
لأن بطلانها في نصيب مَن رَدَّ لا يُؤَثِّر في صحتها في نصيب من قبل، لكن إذا شرط
الموصي عدم التجزئة، وجب العمل بالشرط، لأن شرط الموصي محترم ما لم يخالف الشريعة
(المادة 228 بفقرتيها من القانون السوري).
2ـ1ـ
تعليق الوصية على شرط وإضافتها إلى المستقبل:
لا
خلاف بين الفقهاء في جواز تعليق الوصية على شرط وإضافتها إلى المستقبل؛ لأنها
بطبيعتها عقد مضاف إلى ما بعد الموت، فكل العقود تقبل التنجيز
إلا الوصية والإيصاء، لكون مفهومهما
الإضافة إلى المستقبل.
وقد
نص القانون السوري (210/ ف 1) على صحة إضافة الوصية إلى
المستقبل، وتعليقها بالشرط، وتقييدها به إذا كان الشرط صحيحاً.
والشرط الصحيح: هو كل ما كان
فيه مصلحة مشروعة للموصي، أو للموصى له، أو لغيرهما،
ولم يكن منهياً عنه، ولا مخالفاً لمقاصد الشريعة.
2-2. إضافة الوصية إلى ما بعد الموت:
يجوز إضافة الوصية إلى ما
بعد الموت، لأن ما بعد الموت في الوصية كحال الحياة، فإذا جاز تعليقها على شرط في
الحياة جاز بعد الموت.
لقول
رسول اللهr: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»
[رواه أبو داود والحاكم والبيهقي]، ولأن الوصية لا
تتأثر بالفور، فأولى ألا تتأثر بالتعليق لوضوح الأمر
وقلة الغرر [كشاف القناع 4/351، ط/ دار الفكر].
3-1. شروط الموصي (مَن صدرت منه الوصية):
الشرط الأول: أن يكون أهلاً للتبرع.
وذلك
عند توافر التكليف (العقل والبلوغ).
الشرط
الثاني:
الرضا والاختيار
بأن يكون الموصي راضيًا
مختارًا؛ فلا تصح وصية المكره والهازل والمخطئ؛ لأن هذا من العوارض التي تفوت
الرضا.
3-2. شروط الموصي له (مَن تبرع له الموصي بجزء من ماله بع وفاته):
أولا ًـ أن
يكون
موجوداً:
اختلف
الفقهاء في اشتراط كون الموصى له موجودًا (حين الوصية)
على قولين:
الأول
للحنفية والشافعية في الأصح، والحنابلة في المذهب: اشتراط كون الموصى له موجودًا،
فإذا قال: أوصيت بثلث مالي لما في بطن فلانة؛ فإن كان
موجودًا حال الوصية صحت الوصية وإلا فلا.
الثاني للمالكية والشافعية في
مقابل الأصح والحنابلة في قول: عدم اشتراط كون الموصى له موجودًا حال الوصية؛ وعلى
ذلك تصح الوصية لمن سيكون من حمل موجود، أو سيوجد؛ فيستحقه إن استهل صارخًا.
ثانياً ـ أن يكون
الموصى له أهلاً للتملك:
لا خلاف بين الفقهاء في
أنه يشترط أن يكون الموصى له المعين حال الوصية أهلاً للتملك.
ثالثاً
ـ أن يكون الموصى له معلومًا غير مجهول:
أي
معينًا بشخصه؛ كزيد.
أو
بنوعه؛ كالمساكين.
4 ـ1ـ
مقدار
الوصية:
إنَّ
حق الإنسان في الإيصاء مقيد بحدود ثلث التركة، بنصوص
الأحاديث النبوية التي مر ذكرها في الفقرة (1 ـ 2).
وروي
عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أنهم قالوا: الخمس اقتصاد، والربع جهد،
والثلث حيف [بدائع الصنائع، 6/422].
4 ـ2ـ
الوصية لوارث:
ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط
ألا يكون الموصى له وارثًا للموصي عند موت الموصي، إذا كان هناك وارث آخر.
لقولهr:
«إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ
حَقَّهُ، فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» [أبو داود والترمذي وابن ماجه].
وقولهr:
«لاَ تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إِلاَّ أَنْ
يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» [البيهقي والدارقطني].
ولأن
في إيثار بعض الورثة من غير رضا الآخرين ضررًا يؤدي إلى الشقاق والنزاع، وقطع
الرحم وإثارة البغضاء والحسد بين الورثة.
فإن أجاز بقية الورثة؛ فقد
اختلف الفقهاء في صحة الوصية.
فذهب
(الحنفية والمالكية والشافعية في الأظهر والحنابلة في المذهب) إلى
أن الوصية صحيحة. ولأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح؛
كما لو أوصى لأجنبي.
وإن أجازها بعضهم دون بعض،
جازت في حصة المجيز، وبطلت في حق من لم يجز لولاية المجيز على نفسه دون غيره.
وفي قول عند المالكية وهو
مقابل الأظهر عند الشافعية وقول عند الحنابلة أن الوصية باطلة.
4 ـ3ـ
تنفيذ الوصية
اتفق
الفقهاء على أن تنفيذ ما يوصي به الميت يجيء بعد الدين وقبل أخذ الورثة أنصباءهم من التركة؛ لقوله تعالى: ﴿مِنْ
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء 11].
وتقديم
الوصية على حقوق الورثة ليس على إطلاقه؛ لأن تنفيذ الوصية مقيد بحدود الثلث.
فإن كان الموصى به شيئاً
معيناً أخذه، وإن كان بثلث أو ربع مثلاً؛ كان الموصى له شريكاً للورثة في التركة
بنسبة نصيبه الموصى له به، لا مُقَدَّماً عليهم.
5ـ صفة الوصية من حيث
اللزوم وعدمه والرجوع عنها والأثر المترتب عليه: اتفق الفقهاء على أن
الوصية عقد غير لازم، بمعنى أنه يجوز للموصي في حال حياته الرجوع عنها كلها أو
بعضها، سواء وقعت منه الوصية في حال صحته أم مرضه.
لقول
عمرt: يُغَيِّر الرجل ما شاء في وصيته، ولأنها عطية أو تبرع لم يتم،
يُنَجَّز بالموت، فجاز الرجوع عنها قبل تنجيزها؛
كالهبة.
فَرَّق
القانون بين الوصية الاختيارية والوصية الواجبة، فعدّ الوصية الواجبة لازمة بمجرد
إنشائها، بل ولو لم ينشئها، أما الوصية الاختيارية فلا تلزم إلا بموت الموصي، وقد
نص قانون الأحوال الشخصية السوري (فقرة د/م 220، و/م 221، 222) على مبدأ الرجوع عن
الوصية وحالاته.
6- أحكام الموصى له:
6 ـ1ـ الوصية للجهات العامة
اتفق
الفقهاء على صحة الوصية لجهة عامة؛ كعمارة المساجد؛ إنشاء، وترميمًا، وبناء
المدارس والجامعات والمستشفيات، وسقاية الماء، والمكتبات والملاجئ ونحوها، سواء
أكان الموصى به عيناً كمكتبة، أم منفعة كأجرة دار أو محل تجاري، بنحو دائم أو مؤقت
وكذلك تصح الوصية لأعمال البر مطلقاً من غير تحديد جهة معينة، وتُصْرَف في أي جهة
خيرية.
ونص
القانون السوري (م 213 و214) على وفق المقرر لدى الفقهاء.
6 ـ2ـ الوصية للحمل:
اتفق
الفقهاء على صحة الوصية للحمل إن كان موجودًا حال
الوصية؛ لأن الحمل يرث، والوصية كالميراث. وذهب المالكية
إلى أن الوصية تصح للموصى له، سواء أكان موجوداً حين الوصية أم منتظر الوجود
كالحمل، وتصح لمن سيكون من حمل موجود أو سيوجد إن استهل صارخاً ونحوه، مما يدل على
تحقق حياته.
أما في القانون: فالقانون
السوري (م 212، ف/ب) اشترط أن يكون الموصى له موجوداً عند الوصية وحين موت الموصي،
إن كان معيناً.
6 ـ3ـ الوصية للمعدوم:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن
الوصية للمعدوم باطلة ولا تصح؛ لأن من شرط الموصى له أن يكون موجوداً وقت الوصية.
وذهب المالكية إلى أن الوصية للمعدوم جائزة، وهو أن يوصي لميت علم الموصي بموته
حين الوصية، وتُصْرَف في وفاء ديونه ثم لوارثه، فإن لم يكن وارث بطلت، ولا يعطى
لبيت المال.
وقد
أخذ القانون [المادة (231) من القانون السوري] بقول المالكية، كقوله: أوصيت لمن
سيولد لخالد.
كما تصح لما يشمل الموجود
والمعدوم كقوله: أوصيت لأولاد خالد، أي الموجود منهم أو من سيوجد.
6 ـ4ـ الوصية لجماعة محصورين:
اتفق
الفقهاء على صحة الوصية لقوم محصورين
إما
بالاسم، مثل أحمد وخالد وعلي.
وإما
بالإشارة كالوصية لهؤلاء.
وإما
بالوصف مثل طلاب العلم من أولاد فلان، أو المرضى من عائلته.
وإما
بالجنس كبني فلان وهم يحصون.
أولاً ـ فإن كانت الوصية
لمعينين بأسمائهم، قسمت عليهم بحسب نص الموصي، فإن لم يوجد نص، قسمت على عدد
الرؤوس بالتساوي، ومن مات منهم بعد الاستحقاق، كان نصيبه لورثته إن كان الموصى به
عيناً، ولباقي الموصى لهم إن كان الموصى به منفعة.
ثانياً ـ وإن كانت الوصية
لمحصورين معروفين بالوصف أو الجنس: فيقسم الموصى به لهم على حسب نص الموصي، وإلا فعلى عدد الرؤوس، كما في الحالة الأولى، وإن مات واحد
منهم بعد استحقاق الوصية، كان الموصى به تركة لورثته إن كان عيناً. فإن كان منفعة كان نصيبه عند الحنفية لباقي الموصى لهم؛ لأن
المنافع لا تورث عندهم، كما ذكر في الحالة الأولى.
وإذا بطلت الوصية لبعض
الموصى لهم كموته قبل موت الموصي، أو رده الوصية بعد موته، وزع الموصى به على
الباقين، [المادة 234 من القانون السوري].
6 ـ5ـ الوصية لجماعة غير محصورين:
لو أوصى رجل لجماعة لا
يمكن حصرهم واستيعابهم؛ كالقبيلة العظيمة، والفقراء والمساكين: صحت الوصية عند
المالكية والشافعية والحنابلة، ثم اختلفوا في لزوم تعميم المال على الجماعة من
عدمه؟
فقال المالكية: لا يلزم
التعميم ولا التسوية، ويعطون بالاجتهاد بقدر الحاجة.
وقال
الشافعية في الأظهر: يجزئ دفع الوصية إلى ثلاثة منهم.
وقال
الحنابلة: يجزئ الدفع إلى واحد منهم.
وذهب الحنفية والشافعية في
مقابل الأظهر إلى أن: من أوصى لقبيلة لا تحصى؛ فالوصية باطلة؛ إذ يشترط كون الموصى
له معلومًا، أما إذا كانوا يحصون فقد صحت التوصية باتفاق الفقهاء.
7 ـ
أحكام الموصى به:
7 ـ1ـ الوصية بمعين:
الوصية
بشيء معين؛ كدار معيّنة ومزرعة معيّنة، جائزة؛ بشرط
وجوده عند الوصية. والمعيّن إما عَيْنٌ بذاتها، وإما
نوع من المال.
وورد
في القانون السوري (م 243 ـ 245) بيان أحكام الوصية
بمعين.
7 ـ2ـ الوصية بشائع:
تجوز الوصية بالمشاع
وبالمقسوم المعين؛ لأنها تمليك جزء من ماله، فجاز في المشاع.
فإن كان شائعاً في كل
المال، كالوصية بثلث ماله أو ربعه، فالشرط وجوده عند موت الموصي؛ لأنه وقت تنفيذ
الوصية.
وإن كان شائعاً في بعض
المال؛ اشترط وجوده وقت الوصية.
وورد
في القانون السوري (م 243 ـ 245) بيان أحكام الوصية بمشاع.
7 ـ3ـ الوصية بالمجهول:
اتفق الفقهاء على جواز
الوصية بالمجهول؛ كشاة من غنمه، وثوب من أثوابه، وكالوصية بجزء أو سهم من ماله.
7 ـ4ـ الوصية بالمنافع:
ذهب
الفقهاء إلى جواز الوصية بالمنافع؛ لأنها كالأعيان في تملكها بعقد المعاوضة والإرث، فصحت الوصية بها كالأعيان.
وتخرج قيمة المنافع من ثلث
المال فإن لم تخرج من الثلث، أجيز منها بقدر الثلث.
7 ـ 5ـ الوصية بالتصرف في عين:
قد
يوصي الإنسان ببيع بعض أمواله من التركة، أو بإجارة بعض عقاراته، فإذا كان الثمن
المسمى أو بدل الإيجار بقدر ثمن المثل أو أجر المثل، أو كان بأقل من المثل بمقدار
يخرج من الثلث، أو يزيد على ثلث التركة زيادة يسيرة يتغابن الناس فيها، نفذت
الوصية من غير توقف على إجازة الورثة؛ إذ لا ضرر عليهم في الوصية، ويعدّ هذا النقص
وصية في حدود الثلث، فلا يحتاج إلى إجازة الورثة.
أما
إذا كان النقص يزيد على ثلث التركة زيادة كبيرة، وهو ما يعبر عنه بالغبن الفاحش؛
فيتوقف تنفيذ الوصية على إجازة الورثة، ما لم يقبل الموصى له بدفع القدر الزائد
على الثلث.
وأخذ
القانون السوري (م 240) بهذه الأحكام المتفق عليها بين الفقهاء.
7 ـ6ـ الوصية بالإقراض:
قد يوصي الإنسان بإقراض
شخص مقداراً معلوماً من المال مدة معلومة، من غير ربا، فيطبق مبدأ النفاذ من
الثلث، وهو ما نصت عليه المادة (218) من القانون السوري.
فإن كان المال الموصى
بإقراضه يخرج من ثلث التركة، نفذت الوصية من غير توقف على الإجازة.
ونصت المادة (218) من
القانون السوري على أنه: تصح الوصية بإقراض الموصى له قدراً معلوماً من المال، ولا
تنفذ فيما زاد من هذا المقدار على ثلث التركة، إلا بإجازة الورثة.
7 ـ7ـ الوصية بالحقوق:
تصح
الوصية بحقوق الارتفاق التي تنتقل بالإرث، كحق الشَّرب
والمسيل والمجرى، والتعلي، وحق الخلو ونحوها.
غير أن الوصية بحق الشَّرب
والمجرى والمسيل لا تجوز قانوناً إلا تبعاً للأرض الموصى بها أو لمالك أرض ينتفع
بها.
ونصت المادة (217) من
القانون السوري على أنه: تصح الوصية بالحقوق التي تنتقل بالإرث، ومنها حق المنفعة
بالعين المستأجرة بعد وفاة المستأجر.
7 ـ8ـ الوصية بقسمة التركة:
قد يوصي الإنسان بوصية
تتضمن تقسيم التركة بين الورثة، بمقدار نصيب كل واحد منهم في التركة، ليضمن
بالقسمة عدم وقوع خلاف أو نزاع بينهم، وليحقق لكل واحد نصيبه من دون استغلال أو
محاباة، فهل تعدّ هذه الوصية ملزمة؟
يرى
جمهور الفقهاء: أن هذا التقسيم لا يلزم الورثة، فلهم أن يقبلوه أو يرفضوه؛ لأن
القيمة المالية لأعيان التركة قد تكون متساوية، لكن المصلحة فيها متفاوتة متغايرة،
فكما لا يجوز إبطال حق الوارث في قدر حقه، لا يجوز إبطاله في عين هذا الحق أيضاً.
ويرى
بعض فقهاء الشافعية والحنابلة: أن هذا التقسيم من المورث
جائز، ويلزم به الورثة.
وأخذ القانون السوري (م
219) بهذا الرأي، ونص على أنه إذا زادت حصة بعض الورثة على استحقاقه في التركة،
كانت الزيادة وصية، وجرى على الزيادة حكم الوصية للوارث.
7 ـ9ـ الوصية بالمرتبات:
أجاز فقهاء المالكية
والحنفية والشافعية الوصية بالمرتب من رأس مال التركة، وهي من قبيل الوصية
بالأعيان: لأنها وصية بمقدار معلوم من المال يقسط سنوياً أو شهرياً أو يومياً، ولا
يختلف عن الوصية بمقدار من المال إلا في التقسيط.
وتقدر الوصية أولاً لتعرف
نسبتها إلى التركة، فإن خرجت من الثلث نفذت، وإن زادت على الثلث توقفت على إجازة
الورثة.
ويختلف
تنفيذ هذه الوصية بحسب كون الوصية في مدة معينة أو مدى الحياة.
أ ـ فإن كانت
الوصية بمرتب في مدة معينة، سواء أكانت من رأس مال التركة أم من غلة التركة، فيحبس
عند جمهور الحنفية والمالكية ثلث التركة، ليؤخذ منه ومن غلاته كل شهر المقدار الذي
سماه الموصي، ولو كان الثلث أكثر من الوصية.
وقال أبو يوسف: يحبس من
الثلث ما يغل المرتب في المدة المعلومة، وما زاد على ذلك لا يحبس؛ لأن المطلوب
ضمان تنفيذ الوصية.
ب ـ أما إن كانت
الوصية بمرتب مدى الحياة: فهي أيضاً كالوصية في مدة معينة من حيث التقدير
والتنفيذ. وتقدر مدة حياة الموصى له عند مالك وأبي يوسف
بالسن الغالبة لأهل زمانه، فيحبس من الثلث ما يكفي لنفقة تلك المدة.
فإذا مات الموصى له قبل
انتهاء المدة التي قدرها له الأطباء، انتهت الوصية، وإذا عاش بعد انتهاء المدة
المحددة، كان له عند أكثر الفقهاء الرجوع بالمرتب على الورثة.
7 ـ10ـ حكم الزيادة في الموصى به:
إذا
طرأت زيادة في الموصى به من قبل الموصي بعد الإيصاء،
فلا يعدّ ذلك رجوعاً عن الوصية في المذهب المالكي، وأخذ القانون السوري في المواد
(254ـ256) بهذا الحكم وقرر أحوال الزيادة، وهي أربعة:
الحال الأولى ـ الزيادة غير المستقلة بنفسها:
إذا
زاد الموصي في العين الموصى بها شيئاً لا يستقل بنفسه؛ كترميم الدار وتجصيصها، فيلتحق بالموصى به، وتكون العين كلها وصية.
الحال الثانية ـ الزيادة المستقلة بنفسها:
إذا
زاد الموصي في العين شيئاً يستقل بنفسه؛ كغرس الأرض والبناء عليها، أو كانت
الزيادة غير المستقلة مما لا يتسامح فيها عادة، أصبح الورثة شركاء مع الموصى له في
كل العين الموصى بها مع زوائدها.
الحال الثالثة ـ الزيادة بالهدم والبناء الجديد:
إذا
هدم الموصي العقار الموصى به، وأعاد بناءه مع تغيير
معالمه، كانت الدار بحالتها الجديدة وصية بدل الأولى.
أما
إن أعاد بناء الدار على نحو آخر لا يعده العرف تجديداً للأول، كأن كانت من طابق
واحد، فجعلها عمارة ذات طبقات، كانت العمارة كلها شركة بين الموصى له والورثة،
ويكون نصيب الموصى له فيها بقيمة أرضه، ونصيب الورثة بقيمة البناء قائماً.
الحال الرابعة ـ إدماج البناءان:
إذا
جعل الموصي البناء الموصى به مع بناء آخر وحدة سكنية واحدة، لا يمكن معها تسليم
العين الموصى بها منفردة، كأن كانتا دارين أوصى بإحداهما،
ثم جعلهما داراً واحدة، اشترك الموصى له مع الورثة بقدر
قيمة الدار الموصى بها قبل هذا التغيير والضم.
الوصية
للأقارب مستحبة عند أئمة المذاهب الأربعة.
يرى
بعض الفقهاء كابن حزم الظاهري والطبري وأبي بكر بن عبد العزيز من الحنابلة: أن
الوصية واجبة ديانة وقضاءً، للوالدين والأقربين الذين
لا يرثون بسبب حجبهم عن الميراث، أو لمانع يمنعهم من الإرث؛ كاختلاف الدين، فإذا
لم يوص الميت للأقارب بشيء وجب على ورثته أو على الوصي إخراج شيء غير محدد المقدار
من مال الميت وإعطاؤه للوالدين غير الوارثين.
وقد أخذ القانون السوري (م
257) بهذا الرأي، فأوجب الوصية لبعض المحرومين من الإرث؛ وهم الأحفاد الذين يموت
آباؤهم في حياة أبيهم أو أمهم.
حيث استحدث نظام الوصية
الواجبة لمعالجة هذه المشكلة تمشياً مع روح التشريع الإسلامي في توزيع الثروة على
أساس من العدل والمنطق.
فإذا لم يوصِ الجد أو الجدة
للحفدة بمثل نصيب أصلهم، تجب لهم الوصية قانوناً؛ بمثل هذا النصيب على ألا يزيد
على الثلث.
وبما أن هذه الوصية لا
تتوافر لها مقومات الوصية الاختيارية لعدم الإيجاب من الموصي والقبول من الموصى
له، فهي أشبه بالميراث، فيسلك فيها مسلك الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين،
ويحجب الأصل فرعه، ويأخذ كل فرع نصيب أصله فقط.
من تجب له هذه الوصية:
قصر
القانون السوري هذه الوصية على أولاد الابن فقط ـ ذكوراً وإناثاً ـ من دون أولاد
البنت؛ لأن هؤلاء لا يحرمون من الميراث في هذه الحالة لوجود أخوالهم أو خالاتهم،
وإنما هم من ذوي الأرحام الذين يرثون في رأي الحنفية عند عدم ذوي الفروض والعصبات.
شروط
وجوب هذه الوصية:
اشترط القانون السوري لوجوب هذه الوصية
شرطين:
الأول: أن يكون فرع
الولد غير وارث من المتوفى.
الثاني: ألا يكون
المتوفى قد أعطاه ما يساوي الوصية الواجبة، بغير عوض عن طريق آخر كالهبة أو
الوصية.
مقدار الوصية الواجبة:
نصت
المادة (257) ـ الفقرة (أ) من قانون الأحوال الشخصية السوري
على ما يلي:
الوصية الواجبة لهؤلاء
الأحفاد تكون بمقدار حصتهم مما يرثه أبوهم عن أصله المتوفى على فرض موت أبيهم إثر
وفاة أصله المذكور، على ألا يتجاوز ذلك ثلث التركة.
تقديم
هذه الوصية:
نص القانون على أن الوصية
الواجبة مقدمة على غيرها من الوصايا الاختيارية الأخرى في الاستيفاء من ثلث
التركة.
مراجع للاستزادة: |
ـ
علاء الدين بن عابدين، رد المحتار على الدر المختار (دار
الفكر).
ـ
الصاوي، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (دار المعارف).
ـ
محمد الخطيب الشربيني، مغني المحتاج شرح منهاج الطالبين
(دار الفكر، دمشق، بلا تاريخ).
ـ
منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع
(دار الفكر، بيروت 1982).
ـ
قاضي زادة، تكملة فتح القدير على الهداية (دار الفكر).
ـ
عبدالله بن أحمد بن قدامة،
المغني (مكتبة القاهرة).
ـ
وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، الطبعة الرابعة
(دار الفكر، دمشق 1422هـ/2002م)..
ـ
فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز
الدقائق (دار الكتاب الإسلامي).
ـ
علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني، بدائع الصنائع
في ترتيب الشرائع (المكتبة العلمية، بيروت).
ـ
ابن جزي، القوانين الفقهية (دار الفكر).
ـ
المرداوي، الإنصاف (دار إحياء التراث العربي).
ـ
محمد بن محمد الحطاب، مواهب الجليل شرح مختصر الخليل
(دار الفكر 1978).
ـ
ابن البزاز الكردي، الفتاوى البزازية
بهامش الهندية (دار الفكر).
ـ
ابن قدامة، الكافي، المغني المطبوع مع الشرح الكبير
(دار الفكر).
ـ
ابن شاس، عقد الجواهر الثمينة (دار الغرب الرسلامي).
ـ
الخرشي، شرح مختصر خليل (دار صادر).
ـ
عبد الرزاق الصنعاني، المصنف 9/71 ـ ط المجلس العلمي،
رقم 16383.
- التصنيف : العلوم الشرعية - النوع : العلوم الشرعية - المجلد : المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام - رقم الصفحة ضمن المجلد : 521 مشاركة :