نقل تقانه في قانون خاص
technology transfer in private law - transfert technologique dans le droit privé

 نقل التقانة في القانون الخاص

نقل التقانة في القانون الخاص

جمال مكناس

ماهية نقل التقانة

عقد نقل التقانة الدولي

آثار العقد الدولي لنقل التقانة

 

أولاً ـ ماهية نقل التقانة:

1ـ نشأة التقانة وأهميتها:

كانت الحرية التجارية أحد عوامل الثورة الصناعية التي جنت مكاسبها الدول الأوربية قبل غيرها، كما كانت حافزاً لهذه الدول للسيطرة على الأسواق التجارية بما تقدمه لها من سلع ومنتجات، فتنافست في تطوير صناعتها وتسابقت في مجال الاكتشافات والاختراعات، مما أدى إلى المنافسة في مجال العلم والتقانة، فزادت البحوث والدراسات وتوالى ظهور الاختراعات، وتنافست الخبرات والمعارف، وظهرت في الأسواق كسلع يمكن تداولها عن طريق التعاقد عليها بين مالكها ومن هو في حاجة إليها، فكانت النتيجة عقود نقل التقانة التي تكون المعرفة الفنية محلاً لها. وقد تصدى الفقه بالبحث لهذه العقود وكذلك المنظمات الإقليمية والدولية نظراً للأهمية البالغة التي تمثلها التقانة بسبب إسهامها في نشر المعرفة الفنية إلى جانب أهميتها بما تعود به من مكاسب اقتصادية للمؤسسة التي تحوزها وللدولة التي تنتمي لها هذه المؤسسة.

2ـ التنظيم الدولي لنقل التقانة:

إن عملية نقل التقانة يجب أن تحقق الأمان المتبادل بين المورد والمتلقي بحيث يحقق كل منهما هدفه من خلال الوصول إلى التوازن الاقتصادي للعقد المبرم بينهما، ويحصل المورد على ما يقابل جهوده ونفقاته والأرباح التي يتوقعها، ويحصل المتلقي على نتائج التقانة المتعاقد عليها بما يحقق له دفع عملية التنمية الاقتصادية، ولا بد من أن يتم ذلك كله في جو من التعاون والثقة وحسن النية.

وقد بذلت المنظمات الدولية والإقليمية جهوداً تشريعية وديبلوماسية لإقرار التوازن بين الأطراف المتعاقدة وتقليص الفجوة بين الدول المتقدمة من جهة، وبين الدول النامية من جهة أخرى، بما يحقق التعاون الدولي في مجال نقل التقانة.

وكان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1713 الصادر بتاريخ 19 أيلول 1961 أول خطوة على طريق تنظيم عملية انتقال التقانة عبر الحدود الدولية، وقد طالبت الجمعية بموجبه بإجراء دراسة حول آثار براءات الاختراع في اقتصاديات الدول النامية. وتوالت بعد ذلك قرارات أخرى، وعقدت مؤتمرات تدعو إلى ضرورة التعاون لوقف الممارسات المقيدة في عمليات نقل التقانة.

كما عقد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عدة دورات لوضع مدونة لقواعد السلوك في نقل التقانة. وبذلت جهود دولية لتسهيل نقل التقانة والحد من الشروط التعسفية والممارسات المقيدة، ومع ذلك أخفقت هذه الجهود بسبب رفض الدول مالكة التقانة الموافقة على إقرار اتفاقية دولية ملزمة، وتتقيد بأحكامها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. على أن هذا الإخفاق لا يقلل من أهمية ما تركته من آثار عملية مارستها الدول النامية وظهرت نتائجها في العقود التي أبرمتها، بحيث بدأت بسن تشريعات وطنية تشجع الابتكار وتبطل العقود التي تتضمن شروطاً معينة من شأنها إلحاق الضرر بالمتلقي في هذه الدول. وبذلك وقفت هذه التشريعات بصورة مباشرة في تنظيم العقود لمنع جميع الممارسات والشروط التعسفية التي يفرضها أحد أطراف العقد على الآخر. وقد وجهت لهذه التشريعات انتقادات تتمثل في أنها لا تشجع على انتقال التقانة إلى الدول النامية، لأنها تمثل مصدر قلق عند الموردين.

ثانياً ـ عقد نقل التقانة الدولي:

تطلعت الدول النامية إلى نقل التقانة كأحد طموحاتها للوصول إلى مستوى من التطور يخلصها من مشكلات عديدة تعانيها، وسعت للحصول على التقانة بالوسائل المختلفة التي تنقل بها، وكان العقد إحدى هذه الوسائل، بحيث يبرم اتفاق بين طرفين يتعهد أحدهما بأن ينقل تقانة يملكها أو يحوزها إلى الآخر الذي يبحث عنها لقاء عوض متفق عليه؛ فظهر العقد الدولي لنقل التقانة الذي تعددت صوره وفقاً لمحله ولاحتياجات المتلقي.

1ـ محل العقد الدولي لنقل التقانة:

يعد محل العقد، بصورة عامة، أحد أركانه؛ ويجب أن تتوافر فيه شروط معينة، كأن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين، موجوداً أو بالإمكان وجوده، ممكناً غير مستحيل، ومشروعاً غير مخالف للنظام العام والآداب. وهذه الشروط لا بد من توافرها في العقود الداخلية والدولية.

وتعد التقانة محل عقد نقل التقانة الداخلي أو الدولي. ويمكن تعريفها بأنها: مجموعة النظم والقواعد التطبيقية وأساليب العمل التي تستقر نتيجة تطبيق المعطيات المستحدثة لبحوث أو دراسات مبتكرة في مجال الإنتاج؛ أو مجموعة أساليب فنية مستحدثة في إنتاج السلع والخدمات، أو تطبيق أحدث ما يتوصل إليه العقل البشري من الحقائق العلمية على وسائل الإنتاج والخدمات. وبإيجاز يمكن تعريف التقانة بأنها "الجانب التطبيقي للعلم".

وقد أطلق الفقه الأمريكي على محل العقد الدولي للتقانة اصطلاح حق المعرفة know-how وشاع استخدامه في الأوساط التجارية الأمريكية. ويقابل حق المعرفة في الفقه الفرنسي اصطلاح المعرفة الفنية savoir-faire، الذي عرفها كمحل لعقد نقل التقانة بأنها تطلق صناعياً على مجموعة المعارف غير المسجلة والتي تستعمل في الصناعة. ويتفق هذا التعريف مع التعريف الذي وضعه الأستاذ جان مارك موسرون عندما قال: "إن المعرفة الفنية تنطبق على كل معرفة فنية سرية قابلة للنقل وليست محلاً لبراءة اختراع ".

وفي النتيجة يمكن القول إن المعرفة الفنية كمحل لعقد النقل الدولي للتقانة هي التطبيق العملي للأبحاث العلمية والوسيلة للحصول على أفضل التطبيقات لهذه الأبحاث؛ وهي المهارة الفنية والخبرة الفنية والطرق الفنية.

ومن أهم خصائص المعرفة الفنية كمحل للعقد الدولي لنقل التقانة سريتها، لأنها أداة رئيسة لاحتكارها والاستئثار باستغلالها واستثمارها، وتعطي مالكها ميزة بارزة على منافسيه. ويلحق بهذه الخاصية خاصية مرتبطة بها وهي الجدة لحل مشكلات تواجه التطورات التقنية، وأنها قابلة للتداول بحيث يمكن نقلها للغير عن طريق التنازل عنها أو الترخيص باستغلالها لقاء عوض يحدده أطراف العقد.

2ـ أطراف العقد الدولي لنقل التقانة:

يكون الطرف في العقد الدولي لنقل التقانة شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً، من أشخاص القانون العام، كالدولة أو إحدى المؤسسات التابعة لها. وهو في الدول النامية يكون غالباً الدولة أو إحدى مؤسساتها، بعكس ما هو عليه في الدول المتقدمة، إذ غالباً ما يكون شخصاً اعتبارياً، ولا تكون الدولة في الدول المتقدمة، في معظم الأحيان طرفاً في عقد نقل التقانة.

ويطلق على الطرف الأول في عقد نقل التقانة تسميات مختلفة مثل المستورد والمرخص له والمتلقي والمنقول إليه وعلى الطرف الثاني اسم المورد أو المرخص أو الناقل.

3ـ تكوين العقد الدولي لنقل التقانة:

يمر العقد الدولي لنقل التقانة في مرحلتين أساسيتين تنتهيان بالتوقيع عليه.

المرحلة الأولى: وهي المرحلة السابقة على التعاقد وهي مرحلة المفاوضات بين طرفين أحدهما يحوز المعرفة الفنية وآخر يطلبها. وقد رتب الفقه والاجتهاد القضائي المسؤولية عن الخطأ في أثناء المفاوضات من خلال فكرة السلوك المعيب أو المخل في أثناء المفاوضات، وعلى أساس أن الخطأ هو عكس التفاوض بحسن نية. وقد يتحقق هذا الخطأ إذا أفشى أحد المتفاوضين بالمعلومات السرية التي أمكن الاطلاع عليها.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة التعاقد، ويتم فيها تحرير العقد وتوقيعه بحيث يصبح نافذاً منتجاً لآثاره.

4ـ صور العقد الدولي لنقل التقانة:

تتعدد وسائل نقل التقانة وفقاً للغاية التي يسعى الأطراف إلى تحقيقها، وطبقاً لموضوع عقد نقل التقانة. فإذا اقتصر العقد على نقل التقانة أو المعرفة الفنية، يسمى بالعقد البسيط، أما إذا أضيف إلى نقل التقانة أداء آخر فإنه يطلق عليه تسمية العقد المركب.

أ ـ العقد البسيط كإحدى وسائل نقل التقانة:

للعقد البسيط لنقل التقانة أنواع متعددة طبقاً لتنوع عناصر التقانة، من أبرزها:

(1) ـ عقد الهندسة: وبموجبه يلتزم المهندس بأن يصمم أو ينشئ منشأة ضمن الشروط المنصوص عليها في العقد مقابل ما يتعهد المتلقي الوفاء به من أداءات. وقد يكون التزام المهندس استشارياً ولا يتضمن إجراء الدراسات وتنفيذ المشروع بصورته الأولية أو النهائية؛ ويتكفل العقد بتحديد الأداءات التي يلتزم كل طرف فيه القيام بها، فالمورد يلتزم بتزويد المتلقي بالمستندات والرسوم والخرائط والخطط ونوعية الآلات.

(2) ـ عقد المساعدة الفنية: يقصد بالمساعدة الفنية تقديم الخدمات لوضع التقانة أو المعرفة الفنية موضع التنفيذ. وبموجب عقد المساعدة الفنية يلتزم المورد بتدريب العاملين التابعين للمتلقي بما في ذلك اختيارهم وإيفاد عدد منهم إلى منشأة المورد، وكذلك إيفاد عدد من المختصين التابعين للمورد إلى منشأة المتلقي فترة من الوقت وخاصة في أثناء تطبيق الطريقة الفنية المنقولة وبداية التصنيع.

(3) ـ عقد البحث: يهدف هذا العقد إلى التوسع في مجال العلم والبحث التطبيقي والتوصل إلى اكتشافات جديدة، ومحل هذا العقد هو التقانة التي عن طريقها يمكن التوصل إلى معارف تقنية جديدة. ومن أمثلة هذا العقد: عقد البحث وعقد التنقيب عن النفط والمعادن، والعقود التي تهدف إلى ابتكار وسائل فنية كحل للمشكلات الصناعية.

ب ـ العقد المركب كصورة للعقد الدولي لنقل التقانة:

بموجب العقد المركب تمتد التزامات المورد إلى تزويد المتلقي، إضافة إلى التقانة، بأداءات أخرى، كتقديم الخدمات اللازمة والمواد الأولية وبناء المصنع واستخدام التقانة، ومن أبرز صور هذا العقد:

(1) ـ عقد تسليم المفتاح باليد: ويتضمن هذا العقد أداءات متنوعة ويقوم المورد بتنفيذ جميع العمليات الإنشائية ابتداءً من تمهيد أرض البناء إلى إقامة الأبنية وتقديم التقانة وتوريد الآلات والأجهزة وتركيبها وتدريب العاملين وتشغيل المصنع، على أنه إذا احتفظ المتلقي ببعض هذه الأداءات ليقوم بها بنفسه أو ليعهد بها إلى الغير فإن ذلك لا يغير من طبيعة هذا العقد لأنها لا تتعلق إلا بحجم الخدمات المطلوب تقديمها.

(2) ـ عقد تسليم الإنتاج باليد: نظراً لمساوئ عقد تسليم المفتاح باليد طالبت الدول النامية بتعديل صيغة هذا العقد إثر إخفاق بعض المصانع وتوقفها، وذلك بزيادة التزامات المورد، وبتحميله أداءات جديدة على نحو يدفع به إلى المطالبة في أن تكون له سلطة الإشراف الفعلية على إدارة المنشأة، التي من خلالها يكون له سلطة اختيار العاملين والإشراف على تدريبهم وتأهيلهم ومراقبة أعمالهم في جميع مراحل تنفيذ العقد.

وعليه يلتزم المورد بموجب هذا العقد بوصف قدرته على الإنتاج بكمية معينة ونوعية محددة. كما يلتزم بإجراء التجارب لمدة متفق عليها لتشغيل المصنع وبيان قدرة خطوط الإنتاج على التوصل إلى ما تم الاتفاق عليه في كمية الإنتاج ونوعيته. وفي حال إخفاق التجارب يلتزم المورد بالبحث عن الطريقة المناسبة أو بإجراء التحسينات على الطريقة التي أثبتت التجارب إخفاقها، على نحو يوصله إلى تحقيق النتائج التي التزم بها.

ثالثاً ـ آثار العقد الدولي لنقل التقانة:

يرتب عقد نقل التقانة التزامات متبادلة على عاتق كل من المورد والمتلقي، ويتعين على كل منهما الوفاء بما التزم به، فضلاً على التزامهما بالتقيد بحسن النية ومبدأ الإخلاص وشرف التعامل، وهذه المبادئ مؤسسة على فلسفة معنوية هي الالتزام بمبادئ الشرف التجاري.

التزامات المورد:

يرتب العقد الدولي لنقل التقانة على عاتق المورد التزامات عديدة منها ما هي مشتركة مع التزامات المتلقي وأخرى رئيسة تقع على عاتق المورد بصورة أساسية، وهي الالتزام بنقل التقانة والالتزام بالضمان.

أ ـ الالتزام بنقل التقانة:

يلتزم المورد بنقل التقانة إلى المتلقي وفقاً لما هو متفق عليه في العقد. وبما أن التقانة تتكون من أشياء مادية ومستندات توضح دراسات الجدوى والخرائط والطرق الفنية المشتملة على التعليمات والإرشادات والتركيبات والمواصفات إضافة إلى المساعدة الفنية التي تشمل تقديم المستشارين وتدريب العاملين، يجب على المورد أن يضع في حسبانه أن ما ينقله ذو عناصر يتعين الوفاء بها كاملة وألا يبقى التنفيذ ناقصاً بحيث يكون أمام حالة عدم التنفيذ وما يترتب عليه من تقويض للعقد برمته.

وعليه فإذا تم نقل التقانة بحسن نية مع مراعاة الشروط التعاقدية، فإن ذلك بلا شك يأتي بالنتائج المتوقعة. أما إذا أخل المورد بواجبه في نقل التقانة ولم يراع حسن النية في أثناء التنفيذ إما عن غش منه أو مستغلاً جهل المتلقي، فإنه ينفذ بحقه جزاء الإخلال بتنفيذ شروط العقد وما يرتبه على عاتقه من التزامات.

ب ـ الالتزام بالضمان:

إن التزام المورد بضمان نقل التقانة لا يقتصر على ضمان الاستحقاق والتعرض والعيوب الخفية بل يمتد هذا الالتزام إلى ضمان المورد تحقيق النتيجة التي يسعى إليها المتلقي عندما تعاقد مع المورد.

وعليه، يضمن المورد أي تعرض قد يتعرض له المرخص له باستغلال براءة اختراع أو معرفة فنية سواء أكان التعرض صادراً من الغير أم من المورد نفسه. كما يضمن المورد العيب الخفي الذي قد تتضمنه التقانة المنقولة. فإذا وجد في المبيع عيب ينقص من نفعه وجب على المورد إزالة هذا العيب أو أن يبدل بالمبيع غيره، وإلا كان مخلاً بالتزامه بضمان الحيازة النافعة مما يحمله عبء هذا الإخلال.

أما التزام المورد بضمان تحقيق النتيجة في العقد الدولي لنقل التقانة، فإن مصدره يكون القانون أو العقد نفسه. ومع ذلك فإن أطراف العقد يحرصون على توضيح شروط هذا الضمان من حيث الوفاء به ونوعية النتائج وكمية الإنتاج ونوعية المواد الأولية والآلات المستعملة وظروف العمل.

وفي التطبيق العملي، يلاحظ أن المتعاقدين في عقود نقل التقانة أرسو كثيراً من الأعراف والشروط الواجب النص عليها في العقود الدولية لنقل التقانة، والتي تنطوي على تحقيق نتيجة سبق للمورد الوصول إليها في مصانعه بطرقه ووسائله، وأن هذه النتيجة هي غاية المتعاقدين وسبب التزامهما.

التزامات المتلقي:

يلتزم المتلقي بصورة رئيسة بأداء مقابل التقانة وبالمحافظة على سريتها، إضافة إلى الالتزامات المشتركة التي تقع على عاتقه وعلى عاتق المورد.

أ ـ الالتزام بدفع المقابل:

إن نقل المورد التقانة إلى المتلقي يقابله التزام هذا الأخير بأداءٍ آخر إلى المورد، وهذا الأداء تختلف أشكاله، فقد يكون أداءً نقدياً أو عينياً، وقد يكون مقايضةً بتقانة ينقلها المتلقي للمورد، وقد يكون الأداء على شكل دفعة واحدة أو دورياً. وسند التزام المتلقي بدفع المقابل أن المورد ينتظر أساساً الحصول على مقابل نقل التقانة إلى المتلقي ليسترد ما أنفقه في ابتكارها أو في سبيل الحصول عليها والربح الذي يسعى إلى تحقيقه.

ب ـ الالتزام بالمحافظة على السرية:

تكمن قيمة التقانة والمعرفة الفنية في جدتها وسريتها، ذلك أن التجسس الصناعي يعد من أخطر الحالات التي تواجه مالك التقانة بما تسببه من القلق الذي ينتابه من خطر سرقتها أو الحصول على جزء من المعلومات السرية التي تشترك في تكوينها، وتدفعه هذه المخاوف إلى اتخاذ جميع الوسائل الاحتياطية لضمان المحافظة عليها. لذلك يعد الالتزام بالمحافظة على السرية التزاماً رئيساً في العقد الدولي لنقل التقانة، ويشترك الطرفان المورد والمتلقي في ضمانه مع أنه يعد التزاماً يختص به المتلقي أساساً.

ويقصد بالالتزام بالمحافظة على السرية عدم إفشاء أسرار جميع عناصر التقانة، ذلك لأن لكل عنصر من هذه العناصر الأخرى أثراً في القيمة الإجمالية للتقانة بصرف النظر عن أهمية أحد هذه العناصر نسبة إلى غيره.

ويلتزم المتلقي بضمان السرية بعد إبرام العقد وتحدد مسؤوليته تعاقدياً، كما يلتزم بذلك في أثناء المفاوضات ويسأل تعاقدياً أو تقصيرياً عن إخلاله بهذا الالتزام.

3ـ الالتزامات المشتركة في العقد الدولي لنقل التقانة

يختص المورد والمتلقي كل منهما بتنفيذ التزامات معينة ينشئها العقد، بحيث يقوم المورد والمتلقي بالوفاء بالالتزام ذاته في بعض الحالات من عقود نقل التقانة، كالالتزام بتبادل التحسينات والمحافظة على السرية، إضافة إلى التزامات أخرى قد ينص عليها العقد، كالالتزام بمواصلة الإنتاج، والالتزام بتحمل التبعة.

أ ـ الالتزام بتبادل التحسينات:

قد تطرأ تحسينات على التقانة وتأتي من طرف المورد والمتلقي على حد سواء، لذلك يستحسن أن يتبادل أطراف العقد هذه التحسينات لما في ذلك من زيادة في مجال التقدم والتطور التقني. وعليه، يلتزم أطراف العقد الدولي لنقل التقانة، عادةً، بأن ينقل كل منهما للآخر ما يتوصل إليه من هذه التحسينات زيادة في تحقيق التعاون للارتقاء بالتقانة بما يعود عليهما بالفائدة.

وقد لا يقتصر شرط تبادل التحسينات على ما يتوصل إليه أحد المتعاقدين نتيجة أبحاثه وطرقه، بل يتعداه إلى ما يصل إليهما عن طريق شخص ثالث. ولا بد في مثل هذه الحالة من الاتفاق على الكيفية التي يتم بها تزويد الطرف الآخر بالتحسينات منعاً للتناقض بين التزامات أحد الأطراف الذي ارتبط بعدة عقود نقل تقانة تضمنت جميعها الالتزام بتبادل التحسينات والالتزام بالمحافظة على السرية.

ب ـ الالتزام بمواصلة الإنتاج والتقيد بشروط الحصرية:

قد تكون للمورد مصلحة في استمرار عملية الإنتاج بالكيفية المتفق عليها، من حيث حدها الأدنى أو الأعلى، ولاسيما إذا كان المقابل في العقد جزءاً من عائدها على شكل أداء دوري. كما قد تتحقق مصلحة المورد عندما يشترط المحافظة على مستوى معين من الإنتاج ولاسيما عندما تكون علامته التجارية من بين عناصر العقد. وبالمقابل قد تتحقق مصلحة المتلقي في التزام المورد بضمان تحقيق كمية ونوعية من الإنتاج اتفق عليها عند إبرام عقد نقل التقانة، ولاسيما إذا كان المورد يمد المتلقي بمواد أولية تتعلق بالمعرفة الفنية المنقولة.

وقد ينص عقد نقل التقانة على شرط الحصر كقيد على أحد المتعاقدين يلتزم بموجبه بالامتناع عن القيام بفعل معين تتحقق به مصلحة الطرف الآخر. ومثل هذا الحصر قد يتضمن حصر الاستغلال بتحديد الغرض وذلك بتقييد المجال أو المجالات التي يحق للمتلقي أن يستغل التقانة فيها بما يعني استبعاد مجالات أخرى. وقد يتعلق الحصر بتحديد المنطقة التي تستغل فيها التقانة أو يتم فيها تسويق المنتجات.

ج ـ الالتزام بتحمل المخاطر:

قد تسبب التقانة أضراراً في أثناء استغلالها أو عند تركيب المصنع وتشغيله أو نتيجة استعمال السلع المنتجة، وتتجاوز هذه الأضرار غالباً، المورد والمتلقي والمستخدمين. وعليه، يتحتم على مورد التقانة أن يضمن نتائج ما توصل إليه من تقانة على نحو يوفر الأمان للمستهلكين عند استخدامهم السلع المنتجة. كما يلتزم المورد بضمان الأمان تأسيساً على مبدأ عدم إفقار المتلقي إذا كان هو سببه؛ لأنه يلتزم بضمان العيوب الخفية التي يعلمها وأخفاها عن المتلقي وتلك التي لا يعلمها إذا ارتكب غشاً.

وقد نصت بعض التشريعات الوطنية نصوصاً تمنع الاتفاق على إعفاء المورد من المسؤولية الناشئة من الأخطاء أو العيوب المتصلة بالتقانة. لذلك لا بد من أن ينص عقد نقل التقانة على تحديد الطرف الذي سيتحمل المسؤولية عن أخطاء استغلال التقانة أو استعمال منتجاتها.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ محمود الكيلاني، عقود التجارة الدولية في مجال نقل التكنولوجيا (1988).

ـ محسن شفيق، عقد تسليم مفتاح (نموذج من عقود التنمية) محاضرات ألقيت على طلبة دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص.

- Jacques AZEMA, Définition juridique du know-How,Travaux- de la faculté de Droit et des Sciences Économiques de Montpellier (1975).

- Jean Marie DELEUZE, Le contrat de transfert de processus technologiques (kow-how), (masson, 1982).

- Jean Marc MOUSSERON, Techniques contractuelles (Francis Lèfebvre, 1987).


- التصنيف : القانون الخاص - النوع : القانون الخاص - المجلد : المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام - رقم الصفحة ضمن المجلد : 482 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق