نسب
pedigree - pedigree

 النسب

النسب

محمد أبو الخير شكري

تعريفه  
أهميته الشرعية طرق إثبات النسب
أسباب ثبوت النسب من الأب الفرق بين الإقرار بالنسب والتبني
آثار النسب المحرمات بالنسب من النساء
 

أولاً ـ تعريفه:

النسب: في الاصطلاح هو القرابة، وهي اتصال بين شخصين بالاشتراك في ولادة قريبة أو بعيدة.

ثانياً ـ أهميته الشرعية:

النسب أقوى الدعائم التي تقوم عليها الأسرة، وهو العمود الذي يجمع هذه الأسرة على روابط من الحنان والعطف والرحمة. وقد امتنَّ الله عز وجل على الإنسان بنعمة النسب، فقال عز وجل في القرآن الكريم: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ [الفرقان 54].

وحفاظاً على هذا النسب فقد منع الشرع الآباء من إنكار نسب الأولاد، وحرم على النساء نسبةَ ولد إلى غير أبيه الحقيقي، فعن أبي هريرة أنه سمع رسول اللهr حين نزلت آية الملاعنة قال: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ رَجُلاً لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللهِ فِي شَيْءٍ وَلا يُدْخِلُهَا اللهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللهُ عز وجل مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَة" (رواه النسائي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان).

كما منع الشرع الأبناء من انتسابهم إلى غير آبائهم فقال رسول اللهr: "مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَام" (متفق عليه).

وحرَّمت الشريعة الإسلامية نظام التبني وأبطلته، بعد أن كان سائداً في الجاهلية وصدر الإسلام وأنزل الله عز وجل قوله: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ # ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ [الأحزاب 4ـ5].

فحفاظاً على وحدة الأسرة وصفاء أصلها وتماسكها وعدم دخول عنصر غريب إليها يفسد عليها بهاءها ونقاءها، ويغير حقائقها، ويضيع حقوقها؛ وجب أن يُنسَب الولد إلى أبيه الحقيقي لا إلى أبيه المزور، وهذا لا يثبت إلا من طريق الزواج الصحيح أو الفاسد أو الوطء بشبهة أو الإقرار بالنسب، أما نسب الولد من أمّه فهو ثابت في كل حالات الولادة؛ شرعية كانت أم غير شرعية.

ومع مراعاة الإسلام موضوع النسب بأعلى درجات العناية لم يمنع رعاية الولد اللقيط وتربيته وتعليمه إلى سن البلوغ فقط دون أن يُدخل هذا اللقيط إلى نسب الأسرة؛ لأن التبني من أعظم المحرمات في الشريعة الإسلامية.

ثالثاً ـ أسباب ثبوت النسب من الأب:

وهي: إما النكاح وإما بالاستيلاد، أما النكاح: فإما أن يكون بعقد صحيح وإما بعقد فاسد، وإما بوطء شبهة.

الزواج الصحيح:

اتفق الفقهاء على أن الولد الذي تأتي به المرأة المتزوجة زواجاً صحيحاً كما ينسب إليها ينسب إلى زوجها، للحديث الشريف الذي قال فيه النبي رسول اللهr: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاش،ِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ" (متفق عليه). ومعناه أن الولد يلحق الأب الذي له زوجية صحيحة، وأما الزنى فلا يصلح سبباً لإثبات النسب، وإنما يستحق الزاني العاهر الرجم بالحجارة، والمراد بالفراش: المرأة التي يستفرشها الرجل، ويستمتع بها، وذلك بالشروط التالية:

أ ـ الشرط الأول: أن يكون الزوج ممن يُتصوَّر منه الحمل عادة بأن يكون بالغاً غير مجبوب ولا ممسوح؛ وهو الذي قُطع عضوه التناسلي وأنثياه.

ب ـ الشرط الثاني: ألا تقل مدة ولادته عن ستة أشهر من وقت الزواج أو من إمكان الوطء على الأقل، فإن وُلِدَ في مدة أقل من ستة أشهر وهي الحد الأدنى للحمل؛ لا يثبت نسبته من الزوج اتفاقاً.

ج ـ الشرط الثالث: إمكان تلاقي الزوجين بعد العقد، أي إمكان التلاقي بالفعل أو الحس والعادة وإمكان الوطء والدخول، فلو تأكد عدم اللقاء بين الزوجين فعلاً، لم يثبت نسب الولد من الزوج، كما لو كان أحد الزوجين غائباً في بلد بعيد غيبةً امتدت إلى أكثر من أقصى مدة الحمل.

الزواج الفاسد:

الزواج الفاسد في إثبات النسب كالزواج الصحيح، ويشترط لثبوت النسب بالزواج الفاسد ثلاثة شروط:

أ ـ الشرط الأول: أن يكون الرجل ممن يُتصوَّر منه الحمل؛ أي بالغاً أو مراهقاً.

ب ـ الشرط الثاني: تحقق الدخول بالمرأة أو الخلوة بها.

ج ـ الشرط الثالث: أن تلد المرأة بعد ستة أشهر أو أكثر من تاريخ الدخول أو الخلوة بها.

3ـ الوطء بشبهة:

الوطء بشبهة: هو الاتصال الجنسي غير الزنى، وليس بناءً على عقد صحيح أو فاسد، مثل وطء امرأة يجدها الرجل على فراشه، فيظنها زوجته.

فإن أتت المرأة بولد بعد مضي ستة أشهر أو أكثر من وقت الوطء ثبت نسبه من الواطئ لتأكد أن الحمل منه، وإن أتت به قبل مضي ستة أشهر لا يثبت النسب منه، أما إن حدث الوطء بغير شبهة، وإنما بالزنى، فلا يثبت نسب الولد من الزاني للحديث المتقدِّم: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"؛ ولأن الزنى محظور شرعاً، فلا يكون سبباً لنعمة النسب.

أما الاستيلاد، فهو ما تصير الأمة به أم ولد، إذا حملت من سيدها؛ وأقر بأنه ولده.

رابعاً ـ آثار النسب:

إذا ثبت النسب ولو من نكاح فاسد أو وطء بشبهة ترتبت عليه جميع نتائج القرابة، فيمنع الزواج في الدرجات الممنوعة، وتستحق به نفقة القرابة، ويستحق به الإرث.

خامساً ـ طرق إثبات النسب:

الزواج الصحيح أو الفاسد. الإقرار بالنسب أو ادعاء الولد. البينة.

الزواج الصحيح أو الفاسد:

الزواج الصحيح أو الفاسد سبب لإثبات النسب، فمتى ثبت الزواج ولو كان فاسداً أو عرفياً منعقداً بعقد خاص دون تسجيل في السجلات الرسمية، فقد ثبت كل ما تأتي به المرأة من أولاد.

2ـ الإقرار بالنسب أو ادعاء الولد:

وهو نوعان:

الأول: أن يلحق المقر النسب بنفسه: وقد اشترط الفقهاء شروطاً أربعة لصحة إقرار الإنسان بنسب على نفسه، أي باستلحاق النسب من نفسه، وهي:

أ ـ أن يكون المقَرُّ به مجهول النسب: فإن كان معروف النسب لم يصح استلحاقه بالإقرار.

ب ـ أن يكون المقَرُّ به محتمل الثبوت من نسب المقر: فلا يكذبه الحس ظاهراً أو ينازعه فيه منازع، بأن يكون في سن يمكن أن يكون منه بحيث يولد مثله لمثله، وكذلك إذا نازع المقرَّ منازع آخر لم يثبت نسبه إليه.

ج ـ أن يصدق المقَرُّ به (أي الابن) في إقراره إن كان أهلاً للتصديق بأن يكون مكلفاً ـ أي بالغاً ـ عند الجمهور؛ أو مميزاً يعبر عن نفسه عند الحنفية.

د ـ ألا يكون فيه حمل النسب على الغير سواء كذَّبه المقَرُّ به (أي الابن) أم صدَّقه؛ لأن إقرار الإنسان حجة على نفسه لا على غيره.

الثاني: الإقرار بحمل النسب على الغير: وهو الإقرار من الرجل بالنسب على الغير، كهذا أخي أو عمي، ويثبت النسب بإثباته بالبينة بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين عند الحنفية؛ وبرجلين عند المالكية، وقال الشافعية وأحمد: يجب إقرار جميع الورثة بنسب من يشاركهم في الإرث؛ ليثبت النسب وإن كان الوارث واحداً ذكراً أو أنثى.

ويبطل الإقرار بالنسب إن صرح المقر في إقراره بأن الولد ابنه من الزنى؛ لأن الزنى لا يصلح سبباً لإثبات النسب؛ لأن النسب نعمة، فلا تنال بالمحظور. وهذا يعني أن الإقرار بالنسب لا بد لوجوده من وجود سبب مشروع للدخول بالمرأة كما تقدم في بيان أسباب ثبوت النسب.

البينة:

ثبوت النسب بالبينة أقوى من ثبوته بالإقرار؛ لأن البينة أقوى الأدلة.

والبينة التي يثبت بها النسب: هي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند الحنفية، وشهادة رجلين عند المالكية، وجميع الورثة عند الشافعية والحنابلة.

والشهادة تكون بمعاينة المشهود به أو سماعه، فإذا رأى أو سمع بنفسه؛ جاز له أن يشهد، وإن لم يره أو يسمعه بنفسه؛ لا يحل، لكن اتفق الفقهاء في المذاهب الأربعة على جواز إثبات النسب بشهادة السماع، كما هو الشأن في الزواج والدخول والرضاع والولادة والوفاة؛ لأن هذه الأمور لا يطلع عليها إلا خواص الناس، فإذا لم تجز فيها الشهادة بالسماع أدى إلى الحرج وتعطيل الأحكام المترتبة عليها كالإرث والحرمة في الزواج وغير ذلك.

سادساً ـ الفرق بين الإقرار بالنسب والتبني:

ليس الإقرار بالنسب هو التبني المعروف؛ لأن الإقرار لا ينشئ النسب وإنما هو طريق لإثباته وظهوره، أما التبني: فهو تصرف منشئ للنسب؛ لأن البنوة التي تثبت بالتبني تتحقق ولو كان للمتبنى أب معروف، أما البنوة التي تثبت بالإقرار؛ فلا تتحقق إلا إذا لم يكن للولد أب معروف.

سابعاً ـ المحرمات بالنسب من النساء:

المحرمات بسبب النسب من النساء على التأبيد هي التي تحرم على الشخص بالقرابة النسبية، قال عز وجل: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْت﴾ [النساء 23]، وهن أربعة أنواع:

أ ـ أصول الشخص وإن علون: وهي الأم، والجدة أم الأم وأم الأب، ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُم﴾ والأم في الآية تشمل الأم والجدة.

ب ـ فروع الشخص وإن نزلن: وهي البنت وبنت البنت وبنت الابن وإن نزلن ﴿وَبَنَاتُكُمْ﴾.

ج ـ الطبقة الأولى أو المباشرة من فروع الأجداد والجدات وهن العمات والخالات، سواء كنَّ عمات أوخالات للشخص نفسه أو عمات وخالات لأبيه أو لأمه أو أحد جدوده وجداته ﴿وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ﴾، أما الطبقة الثانية من هذه الفروع فلا تحرم، كبنات العمات وبنات الخالات.

د ـ فروع الأبوين أو أحدهما وإن بعدت درجتهن: وهي الأخوات الشقيقات أو لأب أو لأم، وبناتهن وبنات الإخوة والأخوات وإن نزلن ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ﴾ [النساء 23].

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الكريم محمد اللاحم، الفرائض.

ـ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (دار الفكر، دمشق 1984).

ـ عبد الله بن قدامة المقدسي، المغني (مكتبة الرياض الحديثة، الرياض 1981).

ـ محمد الشربيني الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (دار إحياء التراث العربي، بيروت 1933).


- التصنيف : العلوم الشرعية - النوع : العلوم الشرعية - المجلد : المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام - رقم الصفحة ضمن المجلد : 368 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق