الزكاة
زكاه
zakat / alms - zakât / purification
محمد الزحيلي
تعريفها وحكمتها وفرضيتها وعقاب مانعها | |
شروط المزكي | |
شروط المال المزكى | زكاة عروض التجارة |
شروط أداء الزكاة | زكاة الأسهم والسندات |
زكاة المعدِن والركاز | زكاة العمارات وكسب العمل والمهن الحرة |
تعريفها وحكمتها وفرضيتها وعقاب مانعها:
الزكاة لغة:
النماء والزيادة والبركة والكثرة، يقال: زكا الزرع إذا نما، وقول عليt: "العلم يزكو بالإنفاق" أي يزيد، وزكت النفقة: إذا بورك
فيها، وفلان زاكٍ: أي كثير الخير، وسميت الصدقة زكاة؛
لأنها سبب النماء والبركة، لأن المال ينمو ببركة إخراجها ودعاء الآخذ.
والزكاة في الاصطلاح الشرعي: اسم لأخذ قدر مخصوص، من مال مخصوص، على أوصاف مخصوصة، لطائفة مخصوصة،
وتطلق الزكاة على المال المأخوذ، وهو نسبة مئوية كربع العشر أو نصف العشر أو العشر،
من أموال محددة تجب فيها الزكاة كالنقود والزروع، إذا
توافرت فيه شروط خاصة، ويدفع إلى فئات محدودة بنص القرآن الكريم.
والزكاة مشروعة بإجماع المسلمين؛ لقوله تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِم بِهَا{ [التوبة 103]، وقوله تعالى: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ{
[البقرة 43]، وقوله تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤُتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ
دِينُ الْقيِّمَةِ{ [البينة 5]، كما وردت آيات أخرى في
ذلك، وجاءت بلفظ الأمر الذي يفيد لغة وشرعاً الوجوب.
وروى أبو هريرةt قال: قال رسول اللهr: «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به
شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم شهر رمضان» رواه
البخاري ومسلم، وروى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيr قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن
لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج،
وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم، وقال رسول اللهr لمعاذt حين بعثه إلى اليمن: «فأعلمهم أن
الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» رواه البخاري
ومسلم، والأحاديث القولية كثيرة، وطبق رسول اللهr ذلك فعلياً، وسار عليها المسلمون، وأجمع عليها العلماء، وشرعت في
السنة الثانية من الهجرة، وهي نوعان: زكاة المال، وهي الأعم الأغلب عند الإطلاق،
وزكاة البدن، وتسمى زكاة الفطر، أو صدقة الفطر في آخر رمضان.
وحكمتها واضحة جلية، وأنها شرعت لحكم كثيرة، وفوائد عدة
تتعلق بالإيمان، والأخلاق، والعبادة، والتربية، ولتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية،
منها: تبرهن على صدق الإيمان، وحسن التعامل مع الفئات المحتاجة،
وتزيد الإيمان، وهي عبادة لله تعالى، وتطهر النفس من داء الشح والبخل، وتعوّد
المؤمن على البذل والسخاء، وتقوي أواصر الأخوة في المجتمع، وتسهم في القضاء على
الفقر والبطالة، وتصون المال وتحصنه من الأعين وامتداد أيدي الآثمين والمجرمين،
وتساعد على تنمية الاقتصاد في حركة المال، وتنظيمه، وتساهم في تزكية النفوس، وهي
حد ذاتها شكر لنعمة المال، وتحقق التكافل الاجتماعي ونماءه.
والزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي فرض،
يثاب فاعلها، ويعاقب تاركها، ثبتت فرضيتها بالنصوص الشرعية القطعية التي سبقت في
مشروعيتها بالكتاب والسنة والإجماع، وصارت معلومة من الدين بالضرورة (أي البداهة)، فمن قصّر في أدائها يعدّ عاصياً، وتؤخذ منه جبراً
إن قامت الدولة الإسلامية بجمعها، وإن تهرب منها فهو آثم، ويعاقب في الدنيا
والآخرة، ومن أنكر وجوبها فإنه يخرج من الإسلام؛ إلا إذا كان ممن يخفى عليه ذلك
لقرب عهده بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة أو في بلاد تمنع تعليم الإسلام
كالدول الإلحادية والشيوعية والعلمانية، وفي هذه الحالة لا يحكم بكفر منكرها،
وإنما يُعرَّف بوجوبها، وتؤخذ منه، ولذلك ورد الترهيب والتشديد في عقاب مانع
الزكاة، فقال تعالى: }وَالَّذِين يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ # يَوْمَ يُحْمَى
عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ
وَظُهْورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأِنفُسِكُمْ
فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ{ [التوبة 34ـ35]، وقال رسول اللهr: «من آتاه الله مالاً، فلم يؤدِّ
زكاته؛ مُثِّل له شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه، يعني شدقيه»، ثم يقول: «أنا مالك أنا كنزك»،
ثم تلا: }وَلا
يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مًن فَضْلِهِ هُوَ
خَيْراً لَهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُم سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ
القيامة وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
وَاللهُ ِبَما تَعْمَلُونَ خَبِير{ [آل عمران 180]، والحديث رواه
البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، وفي مجال العقوبة بالتعزير
والتغريم المالي قال رسول اللهr: «من
أعطاهاـ أي الزكاة ـ مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا
آخذوها وشطر إبله ـ أي ماله ـ عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى» رواه أبو داود والنسائي
وأحمد.
وسبب وجوبها أن يملك المسلم مقداراً من المال، النامي
نصاباً، والمقصود بالنامي؛ أي ينمو عادة بالربح والزيادة والثمرة والولادة، ولو
تقديراً أي وإن لم يقم صاحبه بتنميته، بل اقتصر على ادخاره، وكان هذا المال زائداً
على حاجته ونفقته، وبقي مدخراً سنة، فهذا يدل على غنى صاحبه، فيطلب منه دفع مقدار
قليل محدد لمساعدة الفقراء والمساكين وسائر الأصناف التي تدفع إليهم الزكاة.
والنصاب: هو المقدار الذي حدده الشرع؛ ليكون علامة على
الغنى مع عدم الحاجة إليه بصرفه خلال العام، مثل عشرين مثقالاً من الذهب، وهو ما
يساوي 85 غراماً، أو مئتي درهم تعادل 672 غراماً من
الفضة، كما سيأتي في الشروط، فمتى ملك المسلم هذا النصاب وجبت عليه الزكاة عند
توافر الشروط الأخرى.
وركن الزكاة: هو إخراج الجزء الذي قدره الشرع من النصاب السابق بإنهاء يد مالكه عنه، وتمليكه للفقير،
وتسليمه إليه، أو إلى نائب عنه، وهو الإمام أو الجابي في الدولة الإسلامية، أو
الجمعيات الخيرية الموثوقة التي تتسلمه لتدفعه إلى
الفقير والمسكين وسائر الأصناف الثمانية.
وشروط الزكاة متعددة، بعضها يتعلق بالمزكي، وبعضها
بالمال، وبعضها بالأداء، وهي:
يشترط في المزكي شرطان
أساسيان، وهما:
1ـ الإسلام؛ لأن الزكاة عبادة دينية، وخاطب الله تعالى بها المسلمين، كما سبق في
أحاديث المشروعية، ومنها حديث معاذt أن الرسولr كلفه دعوة أهل اليمن للإسلام
والشهادتين، فإن قبلوا ذلك فقال له: "فأعلمهم أن
الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" رواه
البخاري ومسلم، وروى أنسt أن أبا بكرt كتب له كتاباً، وفيه "هذه
فريضة الصدقة التي فرضها رسول اللهr على المسلمين، والتي أمر الله بها
رسوله" رواه البخاري وأبو داود، ولا زكاة على غير المسلم بالإجماع، ولكن قال
الشافعية بوجوب الزكاة على مال المرتد الذي كسبه قبل الردة، وأما بعد الردة فيتوقف
الأمر على مصير ردته، وقال المالكية والشافعية والحنابلة يؤخذ العشر ـ على أنه رسم
مثل الجمارك ـ من تجار أهل الذمة، ومن الحربيين إذا اتجروا في بلاد المسلمين،
وأضاف المالكية أخذ نصف العشر إذا حملوا ذلك إلى مكة والمدينة، وقال الحنفية: يؤخذ
من الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر على أساس المعاملة بالمثل، وقيد الشافعية
أيضاً الأخذ عند الشرط عليهم فقط، وأخذ عمرt الزكاة مضاعفة من نصارى بني تغلب
عندما رفضوا دفع الجزية، ورضوا بدفع الزكاة، ويمكن أخذ ما يقابل الزكاة من غير
المسلمين في البلاد الإسلامية للتكافل الاجتماعي والمصالح العامة.
2ـ البلوغ والعقل عند
الحنفية، فلا زكاة على صبي ومجنون في مالهما؛
لأنها عبادة كالصلاة والصوم، ولم يشترط بقية المذاهب هذين الشرطين، وتؤخذ الزكاة
من مال الصبي والمجنون؛ لأنها زكاة مالية، وتجب في مالهما،
ويدفعها عنهما الولي؛ ولأن الزكاة تراد لثواب المزكي،
ومواساة الفقراء والمساكين، ولنماء المال وتحصينه مما يحتاج إليه الصغير والمجنون،
وقياساً على وجوب النفقة عليه في ماله، ودفع الضرائب من ماله، كما يخرج من ماله
غرامة المتلفات، وهو الأولى والراجح.
ثانياً ـ
شروط المال المزكى:
يشترط في المال حتى تجب فيه الزكاة ثلاثة شروط متفق عليها وشرط مختلف فيه، وهي:
1ـ كون المال مما تجب
فيه الزكاة؛ وهو خمسة أصناف، وهي: النقدان من الذهب والفضة سواء كانا مضروبين أم لا، وفي حكمهما اليوم الأوراق النقدية، ثم المعدن والركاز،
وعروض التجارة، والزروع والثمار، والأنعام الأهلية
السائمة عند الجمهور، وكذا المعلوفة عند المالكية.
ويشترط في هذه الأموال التي تجب فيها الزكاة بالنصوص
الشرعية كونها نامية بذاتها، أو معدة للنماء بالتجارة
أو السوم أي بالرعي، لأن الإسامة سبب لحصول النماء
والنسل والسمن، والتجارة سبب لحصول الربح، وأضاف الحنفية والحنابلة العسل، خلافاً
للمالكية والشافعية فقالوا: لا زكاة فيه، والراجح الأول.
أما الأموال غير النامية ـ وهي المتخذة للاستعمال الشخصي
لا للربح ـ فلا تؤخذ منها الزكاة كدار السكن والسيارة الخاصة وأثاث البيت وأصول
الأملاك والعقارات، والجواهر واللآلئ والمعادن غير الذهب والفضة، وآلات الصناعة
وكتب العلم، ودواب الركوب إلا إذا صارت للربح والتجارة،
فتجب فيها زكاة التجارة؛ لأن كل مال أعد للربح وجبت فيه الزكاة، لأنه أصبح مالاً
نامياً.
وكذلك لا تجب الزكاة في حلي المرأة التي تستعمله
لزينتها عند الجمهور؛ لأنه للاستعمال وغير نامٍ، وقال الحنفية: تجب فيه الزكاة؛
لأنه ذهب وفضة، وهما مال نامٍ بالخلقة، وخلقا أثماناً.
2ـ بلوغ النصاب: يشترط لوجوب الزكاة في المال أن يبلغ النصاب في كل نوع على حدة، والنصاب
هو المقدار الذي عدّه الشرع علامة على الغنى، وورد
تحديد نصاب كل نوع من الأموال الزكوية بالنصّ عليه، وهو
في الذهب عشرون مثقالاً أو ديناراً، وتساوي اليوم 85 غراماً، وفي الفضة مئتا درهم، وتساوي 672 غراماً تقريباً، أو (595) غراماً من
الفضة الخالصة، وتقدر الأموال النقدية اليوم بنصاب الذهب في القول الراجح لعلماء
العصر، أي بما يساوي 85 غراماً منه، ونصاب الغنم والماعز: أربعون، ونصاب البقر والجاموس:
ثلاثون، ونصاب الإبل: خمسة، ونصاب الزروع والثمار: خمسة
أوسق؛ لقولهr: "ليس
فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة"
رواه البخاري ومسلم، والوسق ستون صاعاً، والصاع يساوي
2.4كغ، فيكون النصاب 720 كغ تقريباً، وفي قول هو الأصح
653كغ.
ونصاب مال التجارة يقدر بنصاب الذهب، فإن بلغ رأس مال التجارة قيمة 85 غراماً من
الذهب وجبت فيه الزكاة، فالشرط في المال كونه نصاباً أو مقدراً بقيمة نصاب.
3ـ الملك التام: يشترط لوجوب الزكاة ـ متى بلغ نصاباً ـ أن يكون مملوكاً لصاحبه ملكاً
تاماً في أصله مع وضع اليد عليه، أو القدرة على التصرف فيه، ولذلك لا تجب الزكاة
على المال الموقوف لله تعالى، ولا على المال المرهون عند المرتهن، ولا على الأموال
المباحة، وحصل خلاف بين الفقهاء وتفصيل في الزكاة على المدين الذي يملك نصاباً
وزيادة، ولكن عليه دين، وكذلك الزكاة على الدائن إذا تأخر قبضه للدين، أو كان
الدين على عاجز عن سداده، أو منكر له، ولا حجة للدائن ليثبته أمام القضاء، مع
تفصيل في شرط عدم الدين في أنواع الأموال الزكوية، فلا
يؤثر الدين غالباً في زكاة الزروع والثمار.
4ـ الحول: لا تجب الزكاة على النصاب إلا إذا حال عليه الحول، المقدر بالعام القمري؛
لقولهr: "لا زكاة في مال
حتى يحول عليه الحول" رواه أبو داود، وهو حديث حسن، وأجمع التابعون
والفقهاء على اشتراط الحول.
وشرط الحول مقتصر على أربعة أنواع من الأموال الزكوية، وهي: النقدان، والمعادن والركاز في قول، والتجارة، والمواشي، ولا يشترط حولان الحول
في الزروع والثمار، بل تجب الزكاة فوراً عند حصاده
وقطفه؛ لقوله تعالى: }وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ{ [الأنعام 141]، وأضاف المالكية
والشافعية والحنابلة عدم اشتراط الحول في المعدن والركاز،
وتجب الزكاة فيهما عند إخراجه والحصول عليه، وهو الراجح قياساً على الزروع والثمار.
ويشترط وجود النصاب في أول الحول وآخره
باتفاق، مع تفصيل واختلاف إن نقص خلال الحول، ويضم إلى النصاب كل مال مستفاد من
جنسه في أثناء الحول، مع تفصيل بين الفقهاء في ذلك.
5ـ الزيادة على
الحاجات الأصلية: وهذا شرط عند الحنفية بأن يكون
المال الذي تجب فيه الزكاة فارغاً عن الدين وعن الحاجة الأصلية لمالكه، وإلا كان كالمعدوم لحاجة المالك لدفعه في النفقة ودار السكنى
والثياب المحتاج إليها؛ لأن المال في هذه الحالة أصبح كأنه غير نامٍ، كآلات الحرفة
وأثاث المنزل ودواب الركوب وكتب العلم لأهلها، فإن ملك
الشخص النصاب أو أكثر من الأموال، ولكنها مشغولة في الحوائج الأصلية له؛ فلا تجب
عليه الزكاة عند الحنفية، لأنها صارت كالمعدومة.
6ـ الشروط الخاصة: إن الشروط السابقة عامة في الأموال الزكوية،
وهناك شروط خاصة لوجوب الزكاة في كل نوع منها، لا مجال لعرضها، وسترد الإشارة
إليها عند بيان أنواع الأموال الزكوية.
ثالثا ـ
شروط أداء الزكاة:
يشترط لصحة أداء الزكاة عدة شروط، وهي:
1ـ النية: لا يصح أداء الزكاة إلا بالنية من المزكي في أدائها؛ لتتميز من الكفارات، وبقية الصدقات، والهبات؛ ولأن الزكاة عبادة تفتقر
إلى النية، لقولهr : "إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"
رواه البخاري ومسلم، ومحل النية: القلب، ولا يجب التلفظ بها، وفصل الفقهاء في وقت
النية عند فرز حصة الزكاة، أو عند دفعها إلى مستحقيها، وكل ذلك صحيح.
وتكفي نية الولي عند دفع الزكاة عن الصغير والمجنون،
وتجزئ نية الإمام أو من يقوم مقامه عند أخذ الزكاة جبراً ممن امتنع عنها.
2ـ التمليك: يشترط لصحة أداء الزكاة أن يتم تمليكها فعلاً للمستحقين؛ لأن الله تعالى
قال فيها: }وَآتُوا الزَّكَاةَ{ [البقرة 43]، والإيتاء: هو
التمليك، ولقوله تعالى: }إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ{ [التوبة 60]، فاللام للتمليك، وسمى الله تعالى
الزكاة صدقة، والتصدق تمليك. فلا تجزئ فيها الإباحة ولا الإبراء.
3ـ مكان الأداء: يشترط أن تؤدى الزكاة في البلد الذي يوجد فيه المال المزكى،
وتؤدى إلى فقرائه ومن يستحقها؛ لقولهr في حديث معاذt السابق في أخذ الزكاة من أهل اليمن: "تؤخذ
من أغنيائهم، وترد على فقرائهم" رواه البخاري ومسلم؛ ولأن أهل البلد
أولى بزكاة المال الموجود في بلدهم لتعلق نفوسهم بها، ولأن المقرر شرعاً البدء
بالأقرب فالأقرب، وليتم التكافل الاجتماعي بين أهل البلد، ولتخفيف العبء على
المزكي.
لكن يجوز نقل الزكاة من بلد إلى آخر في ثلاث حالات، إذا
كان في البلد الآخر قريب للمزكي، وهو فقير، فالزكاة له قربة وصدقة، وإذا كان أهل
البلد الآخر أكثر حاجة وفقراً، أو إذا وقعت عليهم كارثة أو نكبة، وإذا فاضت الزكاة
عن أهل البلد؛ فينقل الفائض إلى فقراء البلد الآخر.
4ـ شروط أخرى: اشترط المالكية لأداء الزكاة أن يتم إخراجها بعد حولان الحول، فلا يجوز
تعجيل الزكاة عندهم، خلافاً لجمهور الفقهاء، فيجوزون تعجيل الزكاة قبل تمام الحول،
واشترط المالكية أن يتم دفع الزكاة لمن يستحقها مباشرة، واشترطوا أن تكون الزكاة
من عين ما وجبت فيه، ولا تصح من غيره، وهذا فيه تفصيل عند الفقهاء.
وإن الأموال التي تجب فيها
الزكاة خمسة أنواع في الأصل، ويضاف مستجدات معاصرة، وهي:
أولاً ـ النقود: وتشمل الدنانير من الذهب، والدراهم من الفضة، والأوراق النقدية والعملات
المعدنية المعاصرة من مختلف الدول، وتجب فيها الزكاة باتفاق الفقهاء؛ لقول الله
تعالى: }وَالَّذِينَ
يَكْنِزُوَن الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{ [التوبة 34]، مع
قول النبيr: "ما أديت زكاته
فليس بكنز" رواه الحاكم وصححه وأقره الذهبي، وورد النص على الذهب
والفضة، ويقاس عليهما العملات المعدنية والأوراق
النقدية المعاصرة؛ لأنها النقد الرسمي للدول، وتشاركهما
في التنمية وتقويم المتلفات، واتفق الناس والدول في العالم العربي والإسلامي، وسائر
بلاد العالم، والمؤسسات الوطنية والدولية على اعتبار الأوراق النقدية نقداً يحل
محل الذهب والفضة.
وتجب الزكاة في النقود عامة إذا توافرت الشروط العامة
السابقة كالحول والنصاب، وسواء كان الذهب والفضة مضروبين عملة كالدنانير والدراهم،
أم مازالا تبرين أي غير مضروبين، أم كانا على شكل آنية أو غيرها، أم كانا حلياً
عند الحنفية فقط، وتجب الزكاة في الذهب والفضة المستخرجين من باطن الأرض بمجرد
الاستخراج (عند الجمهور خلافاً للمالكية) إذا بلغ المستخرج نصاباً، واشترط
المالكية حولان الحول، كما سبق.
ونصاب الذهب الذي تجب فيه الزكاة عشرون مثقالاً أو
ديناراً، وتساوي اليوم 85 غراماً، ونصاب الفضة مئتا
درهم (والمراد الدرهم الشرعي) وتساوي اليوم نحو 672 غراماً تقريباً، أو 595 غراماً
من الفضة الخالصة، وهو الأصح؛ لقولهr: "ليس في أقل من عشرين
مثقالاً من الذهب، ولا في أقل من مئتي درهم صدقة"
أخرجه الدارقطني، وقال ابن حجر: إسناده ضعيف، وأن النبيr "كان يأخذ من كل عشرين ديناراً فصاعداً نصف دينار، ومن
الأربعين ديناراً" أخرجه ابن ماجه، وضعفه البوصيري،
وقول النبيr: "ليس فيما دون
خمس أواقٍ من الورق صدقة" أخرجه البخاري، والأوقية: أربعون درهماً،
والوَرِق: هو الفضة، وفي كتاب أنس المرفوع: "وفي الرِّقَة (الفضة) ربع العشر،
فإن لم يكن إلا تسعين ومئة درهم فليس فيها شيء إلا أن
يشاء ربها» (أي صدقة تطوع) أخرجه البخاري.
وقال جمهور الفقهاء (غير الشافعية): يضم أحد النقدين إلى الآخر في تكميل النصاب، فيضم الذهب إلى الفضة
وبالعكس، وقال الشافعية: لا يضم أحدهما إلى الآخر
كالإبل والبقر.
وتقدر العملات الورقية أو
المعدنية اليوم بنصاب الذهب عند أكثر العلماء المعاصرين، ويضم بعضها إلى بعض
لإكمال النصاب كالدولار واليورو والريال والليرة، ويكون التقدير بحسب سعر الصرف
عند إخراج الزكاة، وبحسب القوة الشرائية للنقد المعاصر في كل بلد من البلدان.
وتؤخذ الزكاة من النقود بنسبة ربع العشر (2.5%)، وكل مازاد عن النصاب فبحسابه عند الجمهور، ومنهم الصاحبان خلافاً
لأبي حنيفة؛ لقولهr: "إذا
كانت الزكاة مئتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد
فبحساب ذلك" رواه أبو داود وصححه ابن القطان.
ثانياً ـ زكاة
الأنعام:
وهي الإبل والبقر، ويدخل معها الجاموس، والغنم، وتشمل
الماعز، وأجمع العلماء على وجوب الزكاة فيها؛ لأنها تتخذ للنماء غالباً ولكثرة
منافعها، وثبت ذلك في حديث أبي بكرt المتضمن زكاة الإبل ونصابها،
وزكاة الغنم ونصابها، وأخرجه البخاري وأبو داود وأحمد وغيرهم، ولحديث معاذt المتضمن زكاة البقر ونصابها، أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة.
ولا تجب الزكاة في سائر الحيوان كالبغال والحمير والظباء
والخيل، ولا ينضم نوع مما تجب فيه الزكاة إلى النوع الآخر، فهي ثلاثة أجناس: الإبل
والبقر والغنم، ولا يضم جنس إلى جنس، ويشترط لوجوب الزكاة في الأنعام الشروط
العامة السابقة، كما يشترط فيها أن تكون إنسية، لا وحشية، وأن تكون سائمة، ترعى في
البوادي والجبال، لا معلوفة في البيوت والحظائر، ولم يشترط المالكية السوم، واستدل الجمهور بقولهr: "في
كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون"، رواه أبو داود والحاكم صححه، وفي
كتاب أنس مرفوعاً: "وفي صدقة الغنم في سائمتها،
إذا كانت أربعين إلى عشرين ومئة: شاة"
أخرجه البخاري، ورد في الحديثين وصف "سائمة"
فكان السوم شرطاً، وتأكد في حديث ثالث "في الغنم
السائمة زكاة" أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم.
وتضم الصغار إلى الكبار في كل نوع، ولا يضم نوع إلى نوع،
ويشترط بلوغ النصاب، ولكنه يختلف بحسب أنواع الأنعام، كما يختلف مقدار الواجب في
كل نوع، ولا تجب الزكاة فيما بين العددين، وهي:
1ـ الغنم: نصابها أربعون؛ لقولهr: "في
كل أربعين شاةً شاةٌ" أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود، وفي كتاب أبي
بكر لأنس رضي الله عنهما: "فإذا
كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاةً، شاة واحدة؛ فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء
صاحبها" أخرجه البخاري وأبو داود.
ويجب في الغنم ما بين 40ـ120 شاة واحدة تبلغ سنة من
الغنم أو سنتين من المعز، فإذا بلغت 121ـ200 وجبت شاتان، فإن زادت على 201ـ300
وجبت ثلاث شياه، ثم في كل مئة زيادة شاة واحدة، ولا يجب
شيء إن نقصت عن أربعين، ولا يجب شيء فيما بين كل عددين، لكن تضم الصغار إلى
الكبار، والعبرة في النصاب في أول الحول، فإن زادت في أثناء الحول فوصل العدد إلى
النصاب الثاني؛ وجبت الزكاة على الجميع.
2ـ البقر: وتشمل الجاموس، وأول نصابها ثلاثون، ولا تجب الزكاة فيما دون ذلك، فإن
بلغت ثلاثين وجب فيها تبيع أو تبيعة، وهو من البقر ما
له سنة من العمر، فإن بلغ العدد أربعين وجبت مُسِنَّة، أي لها سنتان، فإن بلغت 60
وجب تبيعان، فإن بلغت 70 وجب تبيع ومسنة، فإن بلغت 80 وجب مسنَّتان، ثم في كل ثلاثين زائدة تبيع، وفي كل أربعين مسنة، ولا
شيء بين العددين، ويحسب الصغار والكبار، وما ولد بعد تمام النصاب يضم إليه.
ودليل ذلك حديث معاذt عندما بعثه رسول اللهr إلى اليمن، فقال: "أمرني أن آخذ
من كل ثلاثين بقرة تبيعاً، ومن كل أربعين مسنة" وهو حديث مشهور أخرجه
مالك وأبو داود والترمذي؛ وقال: حديث حسن، والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم.
ثالثاً ـ الإبل:
وتشمل الذكور والإناث، والكبار والصغار إذا كانت سائمة،
خلافاً للمالكية، ونصابها خمس، ولا زكاة فيما دون خمس من الإبل، لقول النبيr: "ومن لم يكن معه إلا أربع من
الإبل؛ فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها"، وفي رواية: "ليس فيما دون خمس
ذَوْد صدقة" أخرجه البخاري ومسلم، والذود: هو من الإبل من الثلاث إلى
العشر، وأجمع العلماء على هذا النصاب.
ويجب في الخمس من الإبل شاة، وفي العشر شاتان، وفي الخمس
عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه،
والشاة واحدة من الغنم على أن تكون جَذعة ضأن، أي لها
سنة، أو ثنية من المعز، أي لها سنتان، فإن بلغت الإبل 25ـ35؛ فتجب بنت مخاض من
الإبل: وهي التي دخلت في سنتها الثانية، فإن بلغت 36ـ45؛ فتجب بنت لبون من الإبل:
وهي التي دخلت في الثالثة من عمرها، فإن بلغت 46ـ60؛ فتجب حِقّة
من الإبل: وهي الناقة التي دخلت في عامها الرابع، فإن بلغت 61ـ75؛ فتجب جَذَعة: وهي الناقة التي دخلت في عامها الخامس، وفي 76ـ90 تجب
بنتا لبون، وفي 91ـ120 تجب حِقّتان، وفي 121ـ129 تجب
ثلاث بنات لبون؛ فإن بلغت 130 فما فوق، فيجب في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ولا يجب شيء في الأوقاص: وهي
ما كانت بين الفريضتين؛ أي العددين، كالزائد عن الخمس إلى التسع؛ لقولهr: "ليس فيما دون خمس ذَوْد
صدقة" أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد، والذود من الإبل: ما
بين الثلاث إلى العشر، وقولهr: "إن
الأوقاص لا صدقة فيها" رواه أبو عبيد؛ ولأن
العفو مال ناقص عن النصاب، ويخير المزكي بين الغنم والمعز، والذكر والأنثى، ويجوز
للمزكي أن يعطي بعيراً بدل الغنم والمعز فيما دون خمس وعشرين عوضاً عن الشاة
الواحدة أو الشياه المتعددة؛ لأن الأصل في صدقة الحيوان
أن يخرج من جنس الفرض، وإنما عدل إلى الغنم رفقاً برب المال، فإن اختار أصل الفرض
قبل منه، وقال الحنفية: إذا زادت الإبل على مئة وعشرين فتستأنف عندهم الفريضة،
فتبدأ بإضافة شاة إلى الحقتين بعد 121ـ125، ثم شاتان مع
الحِقّتين من 126ـ130، وهكذا، وفي 145ـ149 تجب حِقّتان وبنت مخاض وهكذا ـ كما قال الحنفية ـ لا تجزئ ذكور
الإبل إلا بالقيمة للإناث، بخلاف البقر والغنم، فيجزئ الذكر والأنثى.
ومن لم يجد بنت مخاض أو بنت لبون أو حقة
أو جذعة صعد إلى الأعلى منه، وأخذ من المدفوع له الفرق؛
وهو شاتان أو عشرون درهماً، أو نزل إلى الأسفل، وأعطى الفرق شاتين أو عشرين
درهماً، أو فرق القيمة في العصر الحاضر.
ثالثاً ـ زكاة الزروع والثمار:
وهي زكاة النبات؛ أي النابت، فإن كان له ساق فهو الشجر،
والمقصود منه المثمر، وإن لم يكن له ساق فهو زرع، وتجب الزكاة في الزروع والثمار التي يقتاتها الناس
في الأحوال العادية؛ لأن القوت أشرف النبات، وهو ما يقوم به بدن الإنسان من
الطعام، وهو مال نامٍ.
وثبتت مشروعية الزكاة في الزروع
والثمار في قوله تعالى: }كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ
يَوْمَ حَصَادِهِ{ [الأنعام 141]، وحقه: إخراج زكاته، وقوله تعالى: }أَنفِقُوا مِن
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِنَ الأَرضِ{ [البقرة 267]، وقال رسول اللهr في العنب: "إنها تُخرص (أي تخمَّن)
كما يخرص النخل، فتؤدى زكاته زبيباً، كما تؤدى زكاة
النخل تمراً" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجه والبيهقي والدارقطني والحاكم
وصححه، والخرص: تقدير ما يكون من الرطب تمراً، ومن
العنب زبيباً، وكان خرص النخل معروفاً بالمدينة، وأجمع
العلماء على وجوب الزكاة في الزروع والثمار، ولا تجب
الزكاة في الزروع إلا بعد انعقاد الحب واشتداده، ولو
بعضه، ولا تجب في الثمار إلا بعد بدو صلاحها، أي ظهور نضجها باحمرار أو اصفرار أو
تلون أو حلاوة بحسب المعهود في كل ثمر مع توافر الشروط العامة السابقة، واشترط
المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبان في الحنفية: أن يكون الناتج مما يقتات
ويدخر ومما ينبته الآدميون، ولا زكاة في الفواكه والخضراوات والبقول، وقال أبو
حنيفة: تجب الزكاة في كل ما تخرجه الأرض إلا الحطب والحشيش والقصب الفارسي الذي
تتخذ منه الأقلام لحديث "ما أخرجته الأرض ففيه
العشر" وهو حديث غريب ورد في كتب الحنفية، واستدلوا أيضاً بقولهr: "فيما سقت السماء والعيون أو
كان عَثَرياً (أي تشرب عروقه من غير سقي) العشر"
رواه البخاري وأصحاب السنن وأحمد، فالنص عام في الحديثين، فيشمل كل ما تخرجه
الأرض، لكن استدل الجمهور بالأحاديث الصريحة التي ذكرت الزروع
والثمار، وألحق الحنفية والحنابلة العسل، وأوجبوا فيه الزكاة لورود حديث فيه،
خلافاً للمالكية والشافعية فقالوا: لا زكاة في العسل، لعدم ثبوت حديث العسل عندهم.
وأما المقدار الواجب إخراجه في زكاة الزروع
والثمار: فنوعان باتفاق الفقهاء، وهما:
1ـ العشر: أي عشر الناتج من الزروع والثمار التي تسقى
بماء السماء، وتشرب بعروقها؛ وهي البعل، وكذا ما يسقى من الأنهار العامة، فيجب
العشر لعدم المؤنة، أي المشقة، والكلفة والنفقة في
سقيه.
2ـ نصف العشر: أي خمسة بالمئة من الزروع
والثمار التي تسقى بالمؤن كالنضح بالبعير، أو الدلاء،
أو الناعورة، أو بالآلات الحديثة من الآبار، أو بشراء الماء، فهذا يجب فيه نصف
العشر لوجود الكلفة والنفقة مما يثقل على صاحبها، فاقتضى التخفيف عليه.
والدليل الشرعي على النوعين أن النبيr قال: "فيما سقت السماء والعيون
ـ أو كان عَثَرياً ـ العشرـ وفيما سقي بالنضح نصف العشر" رواه البخاري وأصحاب السنن
وأحمد، وقالr: "وفيما سقت
الأنهار والغيوم العشر، وفيما سقي بالساقية (التي يستخرج بواسطتها الماء من البئر
ونحوها) نصف العشر" رواه مسلم والبيهقي،
وقال: "وهو قول العامة لم يختلفوا" وفي رواية: "أو
كان بعلاً العشر" رواها أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم.
وإذا سقي الزرع أو الشجر نصفه بالنضح،
ونصفه بالمطر، فيجب فيه ثلاثة أرباع العشر، أي 7.5% اعتباراً بالسقيين.
ولا تضم الأجناس في الثمار بعضها إلى بعض، فلا يضم التمر إلى الزبيب، ولا يضم
القمح إلى الشعير عند الجمهور، فإن كانت من جنس واحد فتضم الأنواع إلى بعضها، مع
تفصيلات عند الفقهاء.
ولا تجب الزكاة في الزروع
والثمار إلا إذا بلغت نصاباً عند المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبين من
الحنفية، وهو خمسة أوسق، وتساوي 720كغ أو 653كغ، لقولهr: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة" رواه البخاري ومسلم، وفي
رواية لمسلم: "ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة" وفي رواية ثالثة لمسلم:
"ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق" وهذه الرواية أشمل؛ لأنها تشمل التمر
والزبيب.
وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يشترط النصاب
في الزروع والثمار، وتجب الزكاة في كثير الخارج وقليله؛ لعموم قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِنَ الأَرْضِ{ [البقرة 267]، وقوله عز وجل: }وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ{ [الأنعام 141]،
وللأحاديث السابقة: "ما سقته السماء…"
من غير تفصيل بين القليل والكثير.
أما الأرض المستأجرة أو المستعارة للزرع والشجر: فقال
الجمهور تجب الزكاة على المستأجر أو المستعير؛ لأنه زرعها، وحصل على الزرع فالزكاة
عليه، وليس على المالك؛ لأن الزكاة واجبة على الزرع، فكان على مالكه، وهو المستأجر
أو المستعير؛ ولقوله تعالى: }وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ{ [الأنعام 141]، وفي إيجاب الزكاة
على المالك إجحاف ينافي المواساة، وبدليل أنه لا تجب عليه الزكاة إن لم يزرعها،
فهي من حقوق الزرع، وتتقيد بقدره.
وخالف أبو حنيفة فقال: تجب الزكاة على المؤجر أو المعير؛
لأن الزكاة من مؤونة الأرض كالخراج؛ ولأن الأرض أصل
الوجوب، فصار كأنه زرع بنفسه، والراجح قول الجمهور.
رابعاً ـ
زكاة
المعدِن والركاز:
المعدِن: بكسر الدال اسم للمكان
الذي خلق الله تعالى به الجواهر من الذهب والفضة والحديد والنحاس، ويسمى المستخرج
معدَناً بفتح الدال.
والمراد من زكاة المعدن: أي زكاة المستخرج من المعدِن
إذا استخرجه مسلم من أرض موات لا مالك لها، أو من أرض يملكها، وإذا استخرجه غير
مسلم فلا زكاة عليه، وقال أبو حنيفة خلافاً لصاحبيه إن وجد المعدن في أرض مملوكة
لصاحبها، فلا زكاة فيه، وقال الصاحبان والجمهور: تجب الزكاة في المعدن مطلقاً.
والمعدِن: هو ما خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلقها، والركاز أو الكنز: هو المال المدفون بفعل الناس من غير
المسلمين، فإن دفعه أو ضيَّعه مسلم فهو لقطة، ولها أحكامها الخاصة.
والمعدن: والركاز وإن كانا من
الذهب والفضة وغيرهما؛ فإنهما
يعدّان نوعاً مستقلاً من الأموال الزكوية لتعلق أحكام
خاصة بهما كعدم اشتراط الحول، والنسبة التي تجب فيهما،
وتدفع إلى المستحقين.
ويرى الحنفية: أن المعدن والركاز
شيء واحد؛ وهو كل مال مدفون تحت الأرض خلقة أو وضعاً،
وتجب فيهما أحكام واحدة، وقال الجمهور: إنهما مختلفان
في الحقيقة والأحكام.
والمعادن التي خلقها الله في الأرض، وتجب فيها الزكاة هي
المعادن الجامدة التي تذوب، وتنطبع بالنار، كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص،
ويلحق بها الزئبق والكبريت، وحصرها الشافعية بالذهب
والفضة، وأضاف الحنابلة: المعادن المائعة كالنفط والزرنيخ وسائر المعادن السائلة
كالقار (الزفت)، فتجب فيها الزكاة، والمهم أن المعادن تشمل الثروة المعدنية البرية
فيها والبحرية المملوكة لجهة غير حكومية.
ولا يشترط حولان الحول لزكاة المعدن والركاز
باتفاق الفقهاء، وإنما تجب الزكاة فيهما عند إخراجهما
أو الحصول عليهما؛ لأنه يحصل عليها دفعة واحدة، وهو مال
مستفاد من الأرض فلا يعدّ في وجوب حقه حول، كالزرع والثمار.
أما الواجب إخراجه زكاة في المعدن والركاز،
فاتفق الفقهاء على وجوب الخمس في الركاز؛ لقولهr: "العجماء
جُبار (أي ما تتلفه البهائم هدر لا شيء فيه) والبئر جُبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس" رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن.
أما المعدن فقال الحنفية:
يجب فيه الخمس كالركاز الذي يشمل عندهم المعدن والكنز؛
لأنه من الركز، أي المركوز،
سواء من الخالق أم من المخلوق، وقياساً على الكنز الجاهلي، بجامع ثبوت الغنيمة في
كل منهما، فيجب فيه الخمس.
وقال الجمهور:
يجب في المعدَن ربع العشر قياساً على زكاة النقود، فيجب ربع العشر من كل جنس من
الأجناس إذا بلغ نصاباً، لكن الشافعية فرقوا في ذلك؛ فقالوا: فإن كان استخراج
المعادن بغير كلفة فيجب فيها الخمس؛ لأنه حق يتعلق بالمستفاد من الأرض، وإن كان
الاستخراج بكلفة ونفقة وجهد، فيجب فيه ربع العشر، فاختلف القدر باختلاف المؤن؛
قياساً على زكاة الزروع.
ويشترط بلوغ النصاب في الركاز
والمعدن حتى تجب فيه الزكاة عند الشافعية، وفي المعادن عند الجمهور، فإن كان ذهباً
فنصابه عشرون مثقالاً أو ديناراً ( 85غ)، وإن كان فضة فنصابه مئتا
درهم (672غ)، وإن كان من المعادن الأخرى فيقدر بنصاب الذهب وقيمة ذلك من الذهب،
للأحاديث السابقة: "ليس فيما دون خمس أواقٍ
صدقة" و"ليس في تسعين ومئة شيء" و"ليس
عليكم في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالاً". ويضم المستخرج سابقاً مع
ما يستخرج لاحقاً في الجنس الواحد لإكمال النصاب، ولا يضم جنس إلى جنس آخر، ويعد
لكل معدن نصاب مستقل بانفراده؛ لأن المعادن أجناس، وقال الجمهور: يشترط النصاب في
المعادن فقط، ولا يشترط في الركاز بلوغ النصاب.
وتصرف زكاة المعادن والركاز
إلى المصالح العامة في بيت المال عند الجمهور؛ لأنها غنيمة لقوله تعالى: }وَاعْلَمُوا أَنَّمَا
غَنِمْتْم مِن شَيْءٍ فَأَّنَ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربَى وَاليَتَامَى
وَالْمَسَاكِيِنِ وَابْنِ السَّبِيلِ{ [الأنفال 41]،
فتعدّ المعادن والركاز غنيمة؛ لأنها كانت في محلة من
الأرض في أيدي الكفرة، وقد استولى عليها المسلمون عَنْوة؛ أي قهراً.
وقال الشافعية: تصرف زكاة المعدن والركاز
إلى مصارف الزكاة الثمانية التي وردت في القرآن الكريم كما سيأتي، وهذا هو الراجح؛
لأنها زكاة، وليست غنيمة.
خامساً ـ
زكاة عروض التجارة:
التجارة: هي تقليب المال بالمعاوضة لغرض الربح، والعروض:
جمع عرْض بسكون الراء، وهو المتاع، وكل شيء هو عَرْض يجوز بيعه وشراؤه؛ إلا
الدراهم والدنانير فإنها عين، وتطلق العروض على الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا
وزن كالحيوان والعقار والثياب، والمقصود من عروض التجارة أنها السلع التي تقلَّب
في الأيدي بغرض الربح، ولا تختص بنوع معيّن، سواء كانت من الأصناف التي تزكى
كالذهب والفضة، والحبوب والثمار، والأنعام والمعادن، أم كانت من غيرها كالأقمشة
والمصنوعات، والأرض والعقارات، والأسهم والسلاح، فكلها عروض تجارة، وتجب فيها
الزكاة إذا توافرت شروطها العامة والخاصة.
وسبب الزكاة فيها هو تملك السلع بنية التجارة؛ لأن
التجارة يطلب بها نماء المال، فتعلقت بها الزكاة كالسوم
في الماشية، ومحلها: الأعيان القابلة للمعاوضة.
وثبتت مشروعية وجوب الزكاة في التجارة في القرآن الكريم،
قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنِفقُوا مِن
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ{ (البقرة267)، ومن الكسب: التجارة،
قال مجاهد: نزلت الآية في التجارة، وقد أمر الله بالإنفاق منها، والأمر للوجوب،
والإنفاق الواجب هو الزكاة، وقال تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً{ (التوبة103)، وقال تعالى: }وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِم حَقٌ مَعْلُوم{
(المعارج 24)، فأموال التجارة أعم الأموال، فكانت أولى
من غيرها بوجوب الزكاة، كما ثبتت مشروعيتها بالسنة، فقال النبيr: "في الإبل صدقتها، وفي البقر
صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البَزّ صدقته" ورواه
الحاكم بإسنادين صحيحين، والدارقطني
والبيهقي، والبَزّ: هي
الثياب المعدة للبيع عند البزازين، ويقال للسلاح، ولا
تجب الزكاة في عين الثياب والسلاح، فتعين الحمل على التجارة بهما،
ويقاس عليهما كل الأموال المعدة للتجارة لاتحاد العلة،
وقال سمرةt: "إن
رسول اللهr كان يأمرنا أن نخرج
الصدقة في الذي نعده للبيع" رواه أبو داود والدارقطني والبيهقي وهو حسن، وكان
حماس يبيع الأُدم أي الجلود، فقال له عمر بن الخطابt: "يا حماس، أدِّ زكاة مالك،
فقلت: ما لي مال، إنما أبيع الأُدم، قال: قوّمه، ثم
أدِّ زكاته، ففعلت" رواه الشافعي والدارقطني
والبيهقي، وقال ابن عمر رضي الله عنهما:
"ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة"
رواه البيهقي بإسناد صحيح، وأجمع العلماء على ذلك.
ويشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة حتى تصبح السلع
عروض تجارة شروط، وهي ملك العروض بمعاوضة كشراء وإجارة،
فإن ملكت بغير معاوضة كالإرث والوصية والهبة أو
الاحتطاب والاصطياد، فلا تعدّ عروض التجارة إلا بعد أن ينوي بها التجارة، ويبدأ
بها فعلاً، ويشترط أن ينوي المالك عند التملك التجارة، أي التصرف بنية التجارة،
ولا يقصد بها الاقتناء للانتفاع بها، ويضاف إلى ذلك الشروط العامة للزكاة، ومنها:
حولان الحول من وقت تملك النصاب والبدء بالتجارة، وأن تبلغ العروض نصاباً،
والمعتبر فيها نصاب الذهب، وهو عشرون ديناراً (أي 85 غراماً ذهباً)، ويقدر ذلك
اليوم بغالب نقد البلد وعملته الورقية، واشترط الحنفية
والمالكية توافر النصاب في أول الحول وآخره، واكتفى
الشافعية باشتراط بلوغ النصاب آخر الحول فقط، وقال الحنابلة: يشترط النصاب في أول
الحول وآخره وفي جميع الحول، ويتم تقويم التجارة في
نهاية الحول بحسب سعرها في وقت إخراج الزكاة عند الجمهور، ويشمل جميع السلع
والأموال النقدية عنده، أي رأس المال والربح، ويضمان إلى بعضهما،
لكن الشافعية قالوا: تقوَّم بحسب ما اشتراها التاجر؛ لأن النصاب مبني على ما
اشتراه به، فيجب أن تجب الزكاة فيه، ولا يقوَّم الأثاث وموجودات المحل وأدوات
التجارة وسيارة الخدمة باتفاق.
والواجب في زكاة التجارة 2.5%؛ أي
ربع العشر، كالنقود، وتدفع الزكاة نقوداً، ويجب إخراج القيمة عند الجمهور، وقال
الحنفية: يخير التاجر بين دفع الزكاة نقداً، أو من عين العروض ربع عشرها.
وإذا كانت التجارة بين الشركاء في رأس المال فتجب عليهم
الزكاة بحسب رأس مال كل منهم إذا توافرت الشروط، وإن كانت الشركة مضاربة، أي رأس
المال من واحد، والعمل من الآخر، فتجب الزكاة على صاحب رأس المال فقط، أما العامل
فتجب الزكاة على الربح الذي يأخذه إن بلغ نصاباً وحال عليه الحول بعد فرزه عند
المالكية والحنابلة، وقبل فرزه عند الشافعية، وعند الحنفية: تجب الزكاة على العامل
بحسب حظه أو نصيبه كل سنة، ولا يؤخر إلى التصفية.
سادساً ـ
زكاة الأسهم
والسندات:
الأسهم: جمع سهم، وهو الحصة الشائعة من المال في شيء مشترك، وتصرف اليوم للأسهم في
الشركات، والسندات جمع سند، وهو الوثيقة التي تثبت حق شخص مخصوص على آخر أو على
جهة كالدولة أو الشركة، وتسمى أحياناً أذونات الخزانة،
وهي في الغالب قرض بفائدة ربوية، وصدر بديل شرعي منها،
وهي الصكوك، أو صكوك الاستثمار.
أما زكاة الأسهم فيفرق بين نوعين، وهما:
1ـ الأسهم للمتاجرة: وهي التي يشتريها شخص ليتاجر بها، فيبيعها عندما يرى ذلك، فتجب الزكاة
فيها على رأس المال وعلى الربح إذا بلغ الجميع نصاباً، وحال عليها الحول، مهما
كانت الشركة صناعية أو زراعية أو تجارية، وتزكى بحسب عروض التجارة، وتؤخذ من
القيمة السوقية لها بنسبة ربع العشر (2.5%) ويضاف إليها أموال المالك الزكوية الأخرى.
2ـ الأسهم للاقتناء
والاستفادة من ريعها والاستثمار، فتجب الزكاة
فيها حسب التفصيل الآتي:
أ ـ إذا كانت الأسهم في شركة تجارية، وتمارس التجارة برأس المال، فهنا تطبق
عليها زكاة عروض التجارة السابقة بشروطها، ومقدار الواجب فيها، فإن قامت الشركة
بإخراج الزكاة عنها باتفاق الشركاء كفى وحصل المقصود، وإن لم تقم الشركة بإخراج
الزكاة وجب على المالك تزكيتها كزكاة عروض التجارة، على رأس المال والربح معاً بعد
حولان الحول.
ب ـ إذا كانت الأسهم للاقتناء والاستثمار للاستفادة من الريع في شركات صناعية
وزراعية وبناء ومقاولات وعقارات وغيرها، فما وجد في الشركة من أموال سائلة تجب
فيها الزكاة، وأمكن معرفة ما يخص كل سهم من الموجودات الزكوية؛
فإن المالك يزكي ذلك بنسبة (2.5%). وإن لم يمكن معرفة ما يخصه فيجب عليه أن يتحرى
ما أمكنه، ويزكي ما يقابل أسهمه من الموجودات الزكوية،
ما لم تكن الشركة في حالة عجز كبير بحيث تستغرق ديونها موجوداتها
فلا زكاة فيها، وإذا كانت الشركة ليس لديها أموال تجب فيها الزكاة؛ فإن المالك
يزكي الريع فقط إذا توافرت فيه شروط الزكاة العامة، وشروط النقدين،
أما السندات فإن كانت صكوكاً شرعية فيطبق عليها أحكام زكاة الأسهم السابقة، وإن
كانت سندات قرض بفائدة ربوية فيجب على مالك السند تزكية
الأصل، أي رأس المال كل عام بأن يضم رأس مال السند إلى ماله الذي تجب فيه الزكاة
من الذهب أو الفضة أو العملات أو عروض التجارة، فإن توافر النصاب وحال الحول زكى
الجميع بنسبة ربع العشر، مع تذكيره بأن التعامل بهذه السندات حرام، ويأثم صاحبها
لاشتمالها على الربا المحرم، فإن أخذه وجب عليه أن يتخلص منه، ويدفعه إلى المصالح العامة
والجمعيات الخيرية، ولا يجوز له الانتفاع به مطلقاً، ويجب عليه التوبة من هذه
المعصية.
سابعاً ـ
زكاة
العمارات وكسب العمل والمهن الحرة:
يختلف حكم زكاة العمارات بحسب التفصيل
الآتي:
1ـ إذا كانت العمارة للسكن الشخصي للمالك وأولاده؛ فلا زكاة فيها لأنها ليست
نامية، وهي للمصالح الخاصة والشخصية.
2ـ إذا كانت العمارة للتجارة، بأن يتم بناؤها للبيع؛ فيجب فيها زكاة عروض
التجارة التي سبقت بشروطها وكيفيتها ومقدار الواجب فيها، وتشمل رأس المال
والأرباح.
3ـ إذا كانت العمارة للاستثمار، أي لإيجارها، وأخذ الريع الشهري أو السنوي
منها، وهي المستغلات، فتجب الزكاة على الريع الذي تحصل منها بنسبة 2.5%، ويرى
جمهور العلماء المعاصرين اشتراط الحول؛ أي مرور سنة على تسلم الريع، وهو الراجح،
ويرى بعضهم أنه لا يشترط الحول، ويجب إخراج الزكاة عند قبض الريع وتسلمه، قياساً
على الزروع والثمار.
أما كسب العمل كرواتب الموظفين، وأجور العمال: فيرى أكثر
العلماء المعاصرين أنه لا زكاة عليها إلا إذا بقي منها شيء، وعندما يبلغ النصاب
ويحول الحول عليه، فتجب عليه الزكاة كالنقود عامة؛ لأن كسب العمل مخصص للحاجات
الخاصة والنفقة فلا زكاة عليه إلا إذا فاض، ومثله المال الموروث والموصى به
والموهوب.
ويرى بعض العلماء وجوب الزكاة على كسب العمل، قياساً على
الزروع والثمار، ومواساة للفقراء، والقول الأول أرجح.
ويطبق على زكاة المهن الحرة كعمل الطبيب والمهندس والمحامي والخياط والنجار
والحداد وغيرهم من أصحاب المهن الحرة، ما سبق في الرواتب والأجور، فلا زكاة عليها
إلا إذا زادت على حاجات الإنسان، وبلغ الزائد نصاباً، وحال عليه الحول.
وأما مصارف الزكاة فقد حددها القرآن الكريم بالنص القطعي
الثبوت والقطعي الدلالة، وهم الأصناف الثمانية الواردة في القرآن الكريم بقوله
تعالى: }إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِيَن عَلَيهَا
وَالْمَؤَلَّفَةِ قُلُوبُهَمْ، وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ
اللّهِ وَابْنِ السَّبِيِل فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{
[التوبة 60]، وفي الأحاديث الشريفة التي سترد.
وابتدأت الآية بأداة الحصر }إِنَّمَا{ ليعلم أن الزكاة لا تصرف إلى
غيرهم؛ لأنها شرعت لأهداف معيّنة، وهذا مجمع عليه، ويستأنس لذلك بحديث ضعيف، وهو
قولهr: "إن الله لم يرضَ
بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من
هذه الأجزاء أعطيتُك حقك" رواه أبو داود والدارقطني
والبيهقي.
وأضاف القرآن الكريم الصدقات إلى الأصناف الأربعة الأولى
بلام الملك، والأربعة الأخيرة بحرف «في» الظرفية؛ للإشعار بإطلاق الملك ووجوب
التمليك النهائي في الأربعة الأولى، وتقيد في الأربعة الأخيرة بالحالة والصفة،
فإذا دفعت الزكاة إلى الأصناف الأربعة الأخيرة، ولم يقع الصرف فيها في حالتها
ووصفتها استرجعت منهم، بخلاف الأولى فيملكونها نهائياً، ولا تسترجع منهم، وهذه
الأصناف هي:
أولاً ـ الفقراء:
وهم جمع فقير:
وهو من لا مال له ولا كسب، أو له مال وكسب لا يقع موقعاً من كفايته في المطعم
والملبس والمسكن وغيره مما لابد منه على ما يليق بحالته، وحالة من في نفقته من غير
إسراف ولا تقتير، ولا يخرجه عن الفقر الدار المسكونة، والثياب الملبوسة،
والأموال الغائبة، ولا الديون المؤجلة له، ويدفع إلى الفقير كفايته لعام عند الجمهور،
وقال الشافعية: كفاية العمر الغالب ـ في الأصح ـ بما تزول به حاجته من أداة يعمل
بها إن كان فيه قوة، أو بضاعة يتجر فيها، حتى لو احتاج إلى مال كثير لشراء البضاعة
والآلات التي تصلح له ويعمل بها أو يحسن التجارة فيها؛ وجب أن يدفع إليه، ويختلف
ذلك باختلاف الحرف والبلاد والأزمان والأشخاص، حتى لا يحتاج إلى الزكاة في عام
لاحق، فإن لم يكن محترفاً، ولا يحسن صنعة أصلاً ولا تجارة ولا شيئاً من أنواع
المكاسب أعطي كفاية العمر الغالب لأمثاله في بلاده، ولا يتقدر
بكفاية سنة حتى لا يحتاج إلى الزكاة مرّة أخرى، كشراء عقار يستغل منه كفايته.
فإن كان الفقير قادراً على الكسب من عمل يليق به، ويحصل
منه على ما يكفيه، فلا تدفع إليه الزكاة، وإن دفعت إليه دون طلبه فلا يجوز له
قبولها؛ لقولهr: "لا
تحلُّ الصدقة للغني، ولا لذي قوة سوي" وفي رواية: "ولا لذي قوة مكتسب" رواه أبو داود
والترمذي.
وإن كان الفقير مكفياً بغيره
فلا يجوز دفع الزكاة إليه؛ إلا إذا كان مكفياً بنفقة
متبرع، فيجوز له الأخذ، وكذا يجوز له الأخذ إذا كان قوياً وقادراً على الكسب ولا
يجد عملاً، أو يجد عملاً لا يكفيه، أو كان متفرغاً للدراسة وطلب العلم.
ثانياً ـ المساكين:
جمع مسكين،
وهو الذي يقدر على مال أو كسب لائق، يقع موقعاً من كفايته، ولكنه لا يكفيه لمطعمه
وملبسه ومسكنه وحاجته، وحاجات من يعولهم ومن ينفق عليهم، والفقير أسوأ حالاً من
المسكين عند الجمهور، وعند الحنفية والمالكية: العكس، فالمسكين عندهم أسوأ حالاً
من الفقير.
ويشترط في المسكين ـ كالفقير لدفع الزكاة إليه ـ ألا
يكون قوياً مكتسباً قادراً على الكسب من عمل يليق به ويكفيه، وألا يكون مكفياً بغيره.
ويعطى المسكين من الزكاة كفايته كالفقير، أو تمام
كفايته، ولا يشترط فيهما لاستحقاق الزكاة أن يكونا زَمِنين؛ أي صاحبي عاهة، وتشمل
الكفاية للفقير أو المسكين حاجته إلى النكاح وكتب الدراسة، ويُشترط الإسلام في
الفقير والمسكين؛ لأن الزكاة من أغنيائهم لفقرائهم كما سبق في حديث معاذ.
ثالثاً ـ العاملون
عليها:
وهم العمال والموظفون والسعاة
والجباة والأعوان الذين يعّينهم الإمام لحصر أموال الزكاة، وضبطها، وجمعها،
وحفظها، وتوزيعها بعد حصر المستحقين لها، ويشترط في العامل
البلوغ والعقل والإسلام، وفي قول يجوز أن يستعان في ذلك بغير المسلم كالمحاسب،
وتشترط الأمانة والفقه بأحكام الزكاة، ويجوز أن يكون امرأة، ولا يشترط في الأعوان
معرفة الفقه والأحكام، وأهم شرط في العامل لاستحقاقه سهماً في الزكاة أن يقوم
بالعمل فعلاً، فلو فرق المالك الزكاة أو حملها للإمام سقط سهم العامل، وتوزع على
الأصناف السبعة الباقية إن وجدوا، وكذلك يسقط سهم العامل إذا كان موظفاً، ويتقاضى
أجراً من بيت المال أو خزانة الدولة.
ويعطى العامل على الزكاة قدر أجرته؛ أي أجرة المثل للعمل
الذي قام به، أو يقوم به أمثاله في المؤسسات الأخرى، ويستحب للإمام أن يبدأ بإعطاء
العاملين على الزكاة أجرتهم أولاً؛ لأنهم يأخذونها على وجه العوض عن عملهم،
وتتوقف الزكاة عليهم، وغيرهم يأخذها على سبيل المواساة، ولا يجوز للعامل أن يأخذ
نسبة مئوية مما يجبي لأنه يعمل بأجر، فيجب أن يكون معلوماً، ولأن الأخذ بالنسبة
لجهالتها تؤدي إلى مفاسد جمة، ولا يشترط في العامل أن يكون فقيراً أو مسكيناً؛
لأنه يستحق الأجرة لقاء عمله، ويزاد في عدد العاملين عليها بقدر الحاجة إلى كل ما
تحتاج إليه جباية الزكاة وتوزيعها.
رابعاً ـ المؤلفة
قلوبهم:
وهم الذين يتقرب إليهم بالعطاء، وتستمال
قلوبهم إلى الإسلام، وتقوية الإيمان، سواء أكانوا كفاراً أم مسلمين، والكافر يرجى
خيره وإسلامه، أو يخاف شره، فيدفع بالعطاء، وهذا عند الجمهور، وقال الحنفية
والشافعية: لا يعطى الكفار من الزكاة قطعاً؛ لأنها خاصة بالمسلمين، ولا حق فيها
لكافر، وأن النبيr كان يعطي الكفار من الغنائم مما
هو مرصد للمصالح العامة، وأكد ذلك عمر بن الخطابt بعد أن قوي الإسلام، وقال: "إنا لا نعطي على الإسلام شيئاً، فمن شاء فليؤمن، ومن
شاء فليكفر"، وعند ضعف المسلمين فيرجح قول الجمهور، وأما المؤلفة
قلوبهم من المسلمين فأصناف، منهم قوم أسلموا، ونيتهم في الإسلام ضعيفة، فتتألف
قلوبهم؛ ليقوى إيمانهم ويألفوا المسلمين، ومنهم قوم أسلموا، ونيتهم في الإسلام
قوية، ولهم الشرف في قومهم، فيعطون من الزكاة ليرغب نظراؤهم في الإسلام، ومنهم قوم
مسلمون يقومون على الثغور أمام العدو، ويحمون المسلمين من هجمات الكفار وعدوانهم،
فيعطون لتثبيتهم ودعمهم، ومنهم قوم مسلمون يساعدون الدولة على جباية الزكاة من قوم
يتعذر إرسال العمال والجباة إليهم، فيعطون من سهم المؤلفة قلوبهم لحاجة المسلمين
إليهم، ويمكن أن تكون المرأة والنساء من المؤلفة
قلوبهم.
خامساً ـ الرقاب:
جمع رقبة، والمراد عتق الرقبة،
وهو تحرير رقاب العبيد لينالوا شرف الحرية، ومنهم المكاتب الذي تعاقد مع سيده لدفع
مبلغ من المال لينال حريته، فيدفع إليه من الزكاة لمساعدته على ذلك.
واليوم انتهى الرق في العالم، فقال العلماء المعاصرون
بدفع سهم الرقاب من الزكاة لتحرير المسلمين من الاحتلال الأجنبي والنفوذ الخارجي
لينالوا حريتهم، ولفكاك الأسرى المسلمين من أيدي المشركين.
سادساً ـ الغارمون:
جمع غارم وهو الذي عليه الدين؛ كمن يستدين لينفق على نفسه
وعياله، ومن لزمه الدين بغير اختياره بالإتلاف خطأ، ويشترط فيه أن يكون فقيراً
محتاجاً إلى ما يقضي به الدين، وأن يكون دينه لطاعة أو مباح شرعاً، فإن كان في
معصية كخمر ونحوه وإسراف؛ فلا يعطَ إلا إن تاب، كما يشمل الغارم المصلح الذي يسعى
إلى إصلاح ذات البين بين جماعتين، واستدان مالاً ليصرفه على ذلك خوفاً من وقوع
فتنة، فيدفع إليه من الزكاة، ولا يشترط أن يكون فقيراً؛ لأن الدفع إليه مساهمة في
المال الذي أنفقه للإصلاح الاجتماعي، وإذا مات شخص وعليه دين، ولا تركة له؛ فيجوز
قضاؤه عنه من سهم الغارمين في قول، لعموم الآية.
سابعاً ـ سبيل الله:
هو الجهاد لنشر الدعوة الإسلامية، وهو الجهاد بالعلم
والمال والنفس، لقوله r: «لا
تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: الغازي في سبيل الله…» رواه أبو داود وابن ماجه
والبيهقي، وهو حديث حسن أو صحيح، وهو المجاهد، وأكثر ما
جاء في القرآن الكريم أن سبيل الله هو الجهاد، ويعطى المجاهد في سبيل الله ما
يكفيه، ويكفي من تجب عليه نفقته من زوجة وعيال وأقارب إلا إذا كان له مرتب من
الدولة فلا يعطى من الزكاة بسبب الجهاد، إلا أن يكون فقيراً أو مسكيناً أو غارماً
أو ابن سبيل.
ثامناً ـ
ابن السبيل:
وهو المسافر عن بلده أو من يريد سفراً من بلد الإقامة
إلى وطنه أو غيره، ولا يجد نفقات السفر؛ بشرطين أن يكون السفر مباحاً، وليس معصية
أو لمعصية، وأن يكون محتاجاً وليس معه كفاية، ولو كان له أموال في بلد آخر، ولا
يستطيع الحصول عليها، ولو كان قادراً على الكسب.
ويعطى ابن السبيل من الزكاة بقدر كفايته للوصول إلى مقصده، أو موضع ماله، فيعطى
ما يكفيه لركوبه ونفقته ونقل زاده أو أمتعته وما يكفي
ذهابه ورجوعه إن كان يريد الرجوع.
وتصرف الزكاة في البلد الذي يوجد فيه المال، ولا يجوز
نقلها إلى بلد آخر إلا لقريب فقير، أو عند تحقق الفقر الأشد والحاجة الماسة في
البلد الآخر، وعندما تفيض الزكاة على أهل البلد فيجوز نقلها إلى بلد آخر، كما سبق
في شرط مكان الأداء.
وإذا أدى المسلم زكاة ماله فقد أدى الواجب الأصلي عليه،
ولكن هل يوجد في الشرع حق سوى الزكاة؟ والجواب نعم بحسب الحالات الآتية:
أولاً ـ صدقة التطوع:
وهي مستحبة في جميع الأوقات، وطلبها الله تعالى في آيات
كثيرة، منها قوله تعالى: }مَن ذَا الَّذِي يُقْرضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً
فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً{ [البقرة 245]،
كما ثبتت صدقة التطوع في أحاديث عديدة قولية وعملية،
وكان رسول اللهr أجود الناس في
صدقات التطوع، وأجود ما يكون في رمضان، وقال عليه الصلاة والسلام: "من أطعم جائعاً أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى
مؤمناً على ظمأ؛ سقاه الله عز وجل يوم القيامة من الرحيق المختوم (في الجنة)، ومن
كسا مؤمناً عارياً كساه الله من خُضْر الجنة" أي ثيابها
الخضراء، رواه أبو داود والترمذي بإسناد جيد.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن
العبد إذا تصدق من طيِّب تقبلها الله منه، وأخذها بيمينه، فربَّاها كما يُربِّي
مهره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربى في يد
الله ـ أو في كف الله ـ حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا" رواه ابن خزيمة بهذا اللفظ، ورواه بلفظ آخر البخاري ومسلم والنسائي
والترمذي وابن ماجه، ويستأنس لذلك بقولهr: "إن
في المال حقاً سوى الزكاة" وهو حديث ضعيف.
ثانياً ـ المشاركة في
التكافل الاجتماعي:
وهي مستحبة مبدئياً، وتصبح واجبة عند الحاجة والفاقة
والضرورة والكوارث والنكبات التي تقع على المسلمين للآيات الكثيرة، والأحاديث
العديدة، منها قولهr: "مثل
المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى
له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري ومسلم وأحمد، وقال عليه
الصلاة والسلام: "أنا وكافل اليتيم في الجنة
كهاتين" وأشار بالسبابة والوسطى، رواه
البخاري ومسلم، وقال أيضاً: "ما آمن بي من بات
شبعان، وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم" رواه أحمد، وقال أيضاً: "أيما أهل عَرْصة (بقعة)
أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله" رواه أحمد.
ثالثاً ـ المساهمة في
أعباء الدولة:
إن احتاجت الدولة إلى الأموال، ولم يبق في بيت المال ما
يكفي ويسدّ الحاجات؛ فلها أن تفرض على الأغنياء والموسرين ما يسد الحاجة، وهو
الخراج أو ما يسمى اليوم الضرائب، علماً أن دفع الضريبة لا يحل محل الزكاة قطعاً،
ولا يغني عنها، ويجب على الأغنياء والموسرين المساهمة في أعباء الدولة من أموالهم
بحسب قدرتهم.
رابعاً ـ النفقة:
وهي أهم الحقوق في المال، فيجب على المالك أن ينفق على
نفسه أولاً، ثم على زوجته، ثم على أقاربه؛ ولاسيما أولاده وأبويه وغيرهم بحسب
التفصيل الذي ذكره الفقهاء.
مراجع للاستزادة: |
ـ محمد الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (مطبعة
عيسى الحلبي، القاهرة، د.ت).
ـ وهبة الزحيلي، الفقه
الإسلامي وأدلته (دار الفكر، ط/ رابعة معدلة، دمشق 1418هـ/1997م).
ـ محمد الزحيلي، المعتمد في
الفقه الشافعي (دار القلم، ط/1، دمشق 1428هـ/2007م).
ـ محمد الخطيب الشربيني، مغني
المحتاج (مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة 1377هـ/1958م).
ـ ابن قدامة المقدسي، المغني (دار المنار، مصر 1367هـ).
ـ علاء الدين الكاشاني، بدائع
الصنائع (مطبعة الجمالية، القاهرة 1328هـ/1910م).
- التصنيف : العلوم الشرعية - النوع : العلوم الشرعية - المجلد : المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي - رقم الصفحة ضمن المجلد : 72 مشاركة :