زواج
marriage - mariage

 الزواج

الزواج

محمد الزحيلي

 

تعريفه وحكمه الشرعي
شروط الانعقاد النفقة
شروط صحة الزواج الإرث
شروط النفاذ العدّة
شروط اللزوم حرمة المصاهرة
 

تعريفه وحكمه الشرعي:

الزواج لغة: الاقتران والاختلاط، يقال: زوَّج الأشياء تزويجاً وزواجاً: قرن بعضها ببعض، والأزواج القرناء، وتزوجه النوم: خالطه، والزوج يطلق على الرجل والمرأة، وهو خلاف الفرد.

والزواج شرعاً: عقد يتضمن إباحة استمتاع كل من الزوجين بالآخر على وجه مشروع، ويطلق عليه: النكاح، فهما مترادفان، وهو الوسيلة الشرعية الوحيدة لممارسة الجنس، ولقاء الرجل المرأةَ، للسكن والمعاشرة والإنجاب لاستمرار النسل والذرية.

والزواج مشروع بالاتفاق؛ لثبوت ذلك في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: }فَانكِحُوا مَا طَاَبَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثَلاث َوَرُبَاعَ{ [النساء 3]، وقوله تعالى: }وَأَنكِحُوا الأَيَامىَ مِنكُمْ وَالصَّالِحِيَن مِنْ عِبَادكُمْ وَإِمَائِكُمْ{ [النور32]، وورد في ذلك أحاديث عديدة، منها قولهr: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة (القدرة على الزواج ونفقاته) فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" رواه البخاري ومسلم، وأجمع العلماء على ذلك، وهو ما عليه المسلمون قاطبة.

وحكمته: أنه تلبية للغريزة الجنسية، وطلب للذرية، وإقامة للأسرة التي هي نواة للمجتمع، وإعفاف المرء نفسه وزوجه عن الوقوع في الحرام، وحفظ النوع الإنساني من الانقراض، مع التعاون بين الزوجين على تحمل أعباء الحياة المقترنة بالمودة بينهما والألفة وحسن المعاشرة والرحمة، والمصاهرة بين الأسر.

وحكم الزواج الأصلي أو العام: أنه مستحب أو مندوب؛ لأنه متعلق بالفطرة والغريزة، ويحتاج إليه الإنسان، ووردت فيه أحاديث للترغيب به، وهو أفضل من التفرغ للعبادة والانقطاع لها، ثم يختلف حكم الزواج باختلاف الأشخاص وبحسب حاجتهم إليه، فيكون فرضاً إذا تيقن الإنسان الوقوع في الزنى إن لم يتزوج؛ وكان قادراً على نفقاته وحقوقه الشرعية، ويكون حراماً إذا تيقن الشخص من ظلم المرأة والإضرار بها إذا تزوج أو كان عاجزاً عن تكاليف الزواج، ويكون مكروهاً إذا خاف بالزواج الوقوع في الجور والظلم، أو كان عاجزاً عن الإنفاق، أو يعرف من نفسه إساءة العشرة لزوجه، ويكون مستحباً في حال الاعتدال، وهو الغالب عند أكثر الناس، ويكون مباحاً إذا لم يرج فيه مصلحة، ولم يخش منه مفسدة. والمرأة مساوية للرجل في هذه الأحكام.

وأركان الزواج عند الجمهور خمسة، وهي الصيغة (الإيجاب، والقبول) والعاقدان (الزوج والولي) والزوجة، مع شرط الشاهدين، والمهر، ولكل ركن شروط خاصة.

فالصيغة: ركن في الزواج باتفاق، ولها ألفاظ محددة لأهمية الزواج وخطورته، ولذلك يشترط في الصيغة شروط كثيرة، فالإيجاب: يشترط فيه لفظ التزويج أو الإنكاح صراحة، مع اتصال القبول بالإيجاب، والتنجيز: بأن يكون في الحال، فلا تصح إضافته إلى المستقبل، ولا يصح تعليقه على شرط، وأن تكون الصيغة مطلقة عن التوقيت بمدة معلومة أو بمدة مجهولة، ويتم الإيجاب بقول ولي الزوجة: زوجتك، أو أنكحتك ابتني مثلاً، ويكون القبول بقول الزوج: تزوجتها، أو نكحتها، أو قبلت نكاحها، أو تزويجها، أو رضيت به، ويصح تقدم لفظ الزوج، فيقول: تزوجت ابنتك، أو نكحتها، أو زوجني ابنتك، فيقول الولي: زوجتك أو أنكحتك، وهو عقد مدني لا يحتاج إلى شكليات فيه إلا اشتراط الشهادة، ويصح أن يكون كل من الإيجاب والقبول كتابة بين الغائبين، أو إشارة من الأخرس والعاجز عن النطق بشرط سماع الشاهدين ومعرفة العاقدين، ولا ينعقد الزواج بالمعاطاة، أي مجرد الفعل؛ احتراماً لأمر الفروج وخطورتها وشدة حرمتها وعظيم الآثار التي تترتب عليها كالنسب وغيره، ويصح الزواج بغير اللغة العربية بالنسبة إلى غير العرب، ويتم باللغة التي يفهمها العاقدان.

ويشترط في الزوج العاقد: أن يكون خالياً من موانع الزواج للقرابة أو المصاهرة أو الرضاع، وأن يكون معيّناً في العقد، وألا يكون مُحْرِماً بحج أو عمرة، وأن يكون أهلاً بالبلوغ والعقل، وله أهلية التصرف، إذا تولى عقد الزواج بنفسه، فإن كان صغيراً أو مجنوناً فيجب أن ينوب عنه وليه، وإن كان محجوراً عليه فيشترط أن يأذن له الولي أو الوصي أو القيم.

ويشترط في الزوجة: الخلو من موانع النكاح للقرابة أو المصاهرة أو الرضاع، وأن تكون متعينة في العقد، وألا تكون مُحْرِمة بالحج أو العمرة.

واشترط الجمهور وجود الولي في الزواج، فلا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها أصالة أو نيابة عن غيرها؛ لقولهr: "لا تُنْكِح المرأة المرأة ولا تُنْكِح المرأة نفسها" رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه الدارقطني والبيهقي وابن حبان وصححه، والشافعي وأحمد، ورواه أبو داود والترمذي بلفظ: "لا نكاح إلا بولي"، ويشترط في الولي اتحاد الدين، والبلوغ والعقل، والسلامة من الآفات المخلة بالنظر للزوجة، وعدم الحجر، وعدم الإحرام في حج أو عمرة، ولم يشترط الحنفية وجود الولي في عقد الزواج، وأجازوا للمرأة البالغة العاقلة أن تزوج نفسها، أو تنوب عن غيرها، فإن فقد الولي أو غاب، أو عضل المرأة؛ قام القضاء مقامه لقولهr: "السلطان ولي من لا ولي له" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم.

وأضاف العلماء المعاصرون اشتراط سن معيّنة في الزوجين، وهو سن البلوغ 13ـ15 سنة، أو سن التكليف القانوني 17ـ18 سنة.

وتتنوع شروط الزواج وتتفاوت عند الحنفية وتنقسم إلى شروط للانعقاد، والصحة، والنفاذ، واللزوم، وهي:

أولاً ـ شروط الانعقاد:

وهي التي يلزم توافرها في أركان الزواج وإلا كان العقد باطلاً، وهي إما في العاقدين وإما في الصيغة، فهي نوعان:

1ـ شروط الزوجين: وهي أهلية التصرف، وسماع كلام الآخر، ولو حكماً بالكتاب إلى امرأة غائبة، وأن يفهم كل منهما المقصود من العقد بأنه لإنشاء الزواج؛ ليتحقق الرضا، وقد يأتي هذا في شروط الصيغة، كما يشترط في المرأة أن تكون أنثى محققة الأنوثة، وألا تكون محرمة على الرجل تحريماً لا شبهة فيه، فإن فقد شرط من هذه الشروط كان العقد باطلاً.

2ـ شروط الصيغة: وهي الإيجاب والقبول، فيشترط فيهما اتحاد المجلس إذا كان العاقدان حاضرين، بأن يكونا في مجلس واحد؛ لأن شرط الارتباط فيهما اتحاد الزمان، فجعل المجلس جامعاً لأطرافه تيسيراً على العاقدين، وعند الغائبين فيتحد المجلس بقراءة الكتاب أو الرسالة أمام الشهود، وأن يتم التوافق بين الإيجاب والقبول في محل العقد وفي مقدار المهر؛ لأن ذكر المهر في الصيغة يجعله جزءاً منها، وأن يبقى الموجب على إيجابه حتى يقبل العاقد الآخر، وأن تكون الصيغة منجزة في الحال، فلا تصح إذا كانت مضافة إلى المستقبل أو معلقة على شرط غير كائن.

ثانياً ـ شروط صحة الزواج:

وهي التي يلزم توافرها لترتيب الأثر على العقد، فإن تخلف أحدها كان العقد فاسداً عند الحنفية، وباطلاً عند الجمهور، وهذه الشروط عشرة، بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه، وهي:

1ـ المحلية الفرعية: بألا تكون المرأة محرمة على الرجل تحريماً مؤقتاً أو تحريماً فيه شبهة، كالمعتدة من طلاق بائن، وأخت المطلقة التي في العدة، والجمع بين اثنتين كلتاهما محرم للأخرى، أما المحلية الأصلية كالأخت والبنت فهي شرط لانعقاد الزواج.

2ـ الصيغة المؤبدة غير المؤقتة، سواء كانت المدة محددة إلى شهر مثلاً، أم مجهولة كمدة إقامتي في هذا البلد، فالأول نكاح متعة فاسد، والثاني نكاح مؤقت وفاسد.

3ـ الشهادة: وهي شرط في صحة الزواج لقولهr: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه الدارقطني والبيهقي وابن حبان وصححه والشافعي وأحمد، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا بد في النكاح من أربعة: الولي والزوج والشاهدين" رواه الدارقطني، وقوله أيضاً: "البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة" رواه الترمذي، وذلك حفاظاً على حقوق الزوجة والولد، ولدرء التهمة، ولخطورة الزواج وأهميته، فيشترط شاهدان على الزواج.

ويشترط في الشاهدين: الأهلية بالبلوغ والعقل، والتعدد، والذكورة عند الجمهور خلافاً للحنفية الذين أجازوا شهادة الرجل والمرأتين على عقد النكاح، والعدالة عند الجمهور خلافاً للحنفية، والإسلام إن كان الزوجان مسلمين، وأضاف الشافعية شرط البصر، وأن يتم سماع الشاهدين للصيغة؛ ويفهما المراد منها.

4ـ الرضا والاختيار عند الجمهور، فإن حصل إكراه كان العقد فاسداً، واشترط الحنفية الرضا فقط، فيصح مع الإكراه والهزل؛ لأن المستكره قاصد للزواج لكن غير راضٍ به، لحديث: "ثلاثة جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، ولكن رأي الجمهور أرجح.

تعيين الزوجين في العقد عند الشافعية والحنابلة؛ لأنهما المقصودان في النكاح، فلو اقتصر الولي على قوله: ابنتي؛ فلا يصح العقد.

عدم الإحرام بالحج أو العمرة من أحد الزوجين أو الولي عند الجمهور؛ لقولهr: "لا ينكح المُحرِم ولا يُنكح" رواه مسلم، وقال الحنفية: يصح العقد، ولا يحل الوطء، والراجح قول الجمهور.

7ـ9ـ المهر وعدم التواطؤ على كتمان الزواج وعدم المرض المخوف في أحد الزوجين، وهذه الشروط الثلاثة عند المالكية، ولم يشترطها الجمهور، وهو الراجح؛ لأن المهر ليس ركناً ولا شرطاً، بل هو حكم من أحكامه، فإن لم يتعين في العقد يثبت مهر المثل، وحضور الشاهدين يكفي لإعلان الزواج، وعدم المرض ليس شرطاً، إلا ما اشترطه العلماء المعاصرون من اشتراط الخلو من الأمراض الجنسية أو الوراثية، وهو شرط لزوم، لا صحة.

10ـ حضور الولي عند الجمهور، فلا يصح الزواج إلا بولي للأدلة السابقة، وقال الحنفية: لا يشترط الولي للمرأة البالغة العاقلة، ولها تزويج نفسها ـ أو ابنتها أو الوكالة عن الغير ـ من الكفء، وإلا يحق لأوليائها الاعتراض فقط.

ثالثاً ـ شروط النفاذ:

وهي التي يتوقف عليها ترتب آثار العقد عليه بالفعل بعد انعقاده، فإن تخلف كان العقد موقوفاً عند الحنفية والمالكية، ويشترط لنفاذ عقد الزواج خمسة شروط، وهي:

كمال الأهلية لكل من الزوجين بالعقل والبلوغ إن تولى كل منهما العقد بنفسه: فلو باشره صبي مميز، كان العقد موقوفاً عند الحنفية والمالكية على إجازة الولي، وقال الشافعية والحنابلة: العقد باطل.

2ـ الرشد للزوج إذا تولى الزواج بنفسه: وهو شرط عند المالكية فقط، فإن كان الزوج سفيهاً كان عقده موقوفاً على إجازة وليه، وقال الشافعية والحنابلة: هذا شرط صحة، وإلا كان باطلاً، ولم يشترط الحنفية الرشد لصحة الزواج ولا لنفاذه؛ لأنه من الحوائج الأصلية التي لا تدخل تحت الحجر.

3ـ الولي الأقرب: فإن كان العاقد ولياً أبعد مع وجود الأقرب فالعقد موقوف عند الحنفية، لكنه شرط نفاذ، وفصل المالكية فإن كان الأقرب غير مجبر كالابن والأخ فالعقد صحيح مكروه، وإن كان مجبراً وهو الأب كان شرط صحة، ويفسخ العقد إلا إذا أجازه الولي الأقرب مع تفويضه الأمر إلى الأبعد.

ألا يخالف الوكيل موكله فيما وكل به في الزواج بفتاة معيّنة أو بمهر معيّن. فإن خالف الوكيل لم ينفذ العقد، وكان موقوفاً على إجازة الموكل.

ألا يكون العاقد فضولياً: وهو من لا يكون له ولاية التزويج وقت العقد، فإن كان العاقد فضولياً فالزواج موقوف على إجازة الزوج عند الحنفية والمالكية، وهو باطل عند الشافعية والحنابلة.

رابعاً ـ شروط اللزوم:

وهي التي يتوقف عليها استمرار العقد وبقاؤه، فالعقد اللازم لا يجوز لأحد العاقدين أو لغيرهما فسخه بإرادته المنفردة، وإلا كان جائزاً أو غير لازم، ويشترط للزواج أربعة شروط، وهي:

1ـ أن يكون الولي المزوج لفاقد الأهلية كالمجنون والمعتوه، أو ناقصها وهو الصغير والصغيرة؛ هوالأب والجد: فإن كان المزوج غيرهما كالأخ والعم، كان العقد غير لازم عند أبي حنيفة ومحمد، ويحق للمتزوج خيار الفسخ عند زوال المانع؛ أي الإفاقة من الجنون أو العته، أو البلوغ بعد الصغر.

2ـ أن يكون الزوج كفْئاً إذا زوجت المرأة البالغة العاقلة نفسها من غير رضا الأولياء. فإن كان غير كفء يحق للولي فسخ الزواج من القاضي عند الحنفية، وقال الجمهور: إن الكفاءة حق للمرأة وللأولياء، فلو زوّجت المرأة لغير كفء يحق للزوجة أو أحد الأولياء طلب فسخ الزواج؛ لما يلحقه من العار، فهو شرط لزوم.

أن يكون المهر بالغاً مهر المثل عند أبي حنيفة: ويحق للأولياء الاعتراض وطلب فسخ الزواج إذا كان المهر أقل من ذلك إذا زوّجت المرأة نفسها بغير رضا الأولياء، وقال الصاحبان: ليس هذا بشرط.

خلو الزوج عن عيب الجب والعنة عند عدم الرضا من الزوجة بهما: ولها طلب فسخ الزواج.

وأما الاشتراط في الزواج بما يشترطه أحد الزوجين على الآخر مما له فيه غرض صحيح؛ ففيه اختلاف بين المذاهب وتفصيلات، فبعضها صحيح إذا كانت تلائم مقتضى العقد، ولا تتنافى مع أحكام الشرع، وتوسع الحنابلة أكثر من غيرهم بالتصحيح، وهو الراجح لقولهr: "إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" رواه البخاري ومسلم وأحمد وأصحاب السنن، وقولهr: "المسلمون على شروطهم" رواه الترمذي وصححه.

أما أهلية الزوجين فيرى بعض التابعين اشتراط البلوغ في الزوجين، ولا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا؛ لقوله تعالى: }حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ{ [النساء 6]، فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا الشرط في الآية فائدة؛ ولأنه لا حاجة بهما إلى النكاح، ورأى ابن حزم تزويج الصغيرة عملاً بالآثار المروية في ذلك، أما تزويج الصغير فباطل، ويشترط فيه البلوغ، وإن وقع فهو باطل، ولم يشترط جمهور الفقهاء الأهلية لانعقاد الزواج، فلا يشترط البلوغ، ويصح زواج الصغير والصغيرة، ويزوجهما الولي بالشروط السابقة.

ورأى العلماء المعاصرون الأخذ بالرأي الأول مراعاة لأوضاع المجتمع؛ وتقديراً لمخاطر الزواج، وكثرة مسؤولياته وتبعاته، وأخذت بذلك قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة.

ولا يشترط العقل باتفاق الفقهاء، ويجوز للولي أن يزوج المجنون أو المجنونة، أو المعتوه أو المعتوهة، واشترط الشافعية وجود الحاجة لهم إلى الزواج، وقال الحنابلة بتزويج المجنونة إذا ظهر منها ميل إلى الرجال؛ لأن لها حاجة لدفع ضرر الشهوة عنها، وصيانتها عن الفجور، وهذا ما أخذت به بعض قوانين الأحوال الشخصية إذا ثبت بتقرير هيئة من أطباء الأمراض العقلية فائدة الزواج في الشفاء.

وإذا توافرت في الزواج شروطه الكاملة كان صحيحاً، وترتبت عليه آثاره الشرعية التي ستُعرض بعد قليل، وإلا كان الزواج فاسداً أو باطلاً عند الحنفية، فهما نوعان:

أولاً ـ الزواج الفاسد:

الزواج الفاسد عند الحنفية: هو ما فقد شرطاً من شروط الصحة كالزواج بغير شهود، والزواج المؤقت، وجمع خمس في عقد، والجمع بين المرأة وأختها، أو عمتها، أو خالتها، وزواج امرأة الغير بلا علم بأنها متزوجة، ونكاح المحارم مع العلم بعدم الحل، فهذا فاسد عند أبي حنيفة، ولكنه باطل عند الصاحبين، وهو الراجح.

ولا يترتب على الزواج الفاسد حكم قبل الدخول، فلا يثبت فيه شيء من آثار الزوجية، فلا يحل فيه الدخول بالمرأة، ولا يجب فيه مهر للمرأة، ولا نفقة، ولا تجب عليها العدة، ولا تثبت به حرمة المصاهرة، ولا يثبت به النسب، ولا التوارث، لكنه يجب على الزوجين أن يتفرقا بأنفسهما، وإلا رفع الأمر إلى القاضي ليحكم بالتفريق بينهما، وتجوز فيه دعوى الحسبة لإزالة المنكر من غير أن يكون للمدعي مصلحة شخصية، ويثبت لكل منهما فسخه، ولو بغير حضور صاحبه؛ خروجاً عن المعصية، مع بقاء حق القاضي في التفريق بينهما.

وإذا حصل دخول بالمرأة في الزواج الفاسد، كان الدخول معصية، ووجب التفريق بينهما، ولكن لا يقام عليهما حد الزنى لشبهة العقد، وإنما يعزِّرهما القاضي بما يراه زاجراً لهما ورادعاً لغيرهما، لكن تترتب على الدخول في الزواج الفاسد الأحكام الآتية:

وجوب المهر للمرأة، ويجب الأقل من المهر المسمى ومهر المثل؛ وذلك بسبب الدخول.

ثبوت نسب الولد من الرجل إن وجد؛ احتياطاً لمصلحة الولد وعدم ضياعه.

وجوب العدة على المرأة من حين التفريق بينهما؛ لأن النكاح الفاسد بعد الوطء منعقد في حق الفراش، أما الخلوة فلا تجب فيها العدة، كما تجب العدة بالموت.

4ـ ثبوت حرمة المصاهرة بين الزوج وأصول المرأة وفروعها، وبين الزوجة وأصول الرجل وفروعه.

ولا تترتب على الزواج الفاسد أحكام أخرى، فلا تجب به نفقة، ولا طاعة، ولا يثبت به حق التوارث.

ثانياً ـ الزواج الباطل:

وهو الذي حصل خلل في ركنه أو في شرط من شروط انعقاده، كزواج الصبي غير المميز، والزواج بصيغة تدل على المستقبل، والزواج بالمحارم كالعمة والأخت، والمرأة المتزوجة برجل آخر مع العلم بأنها متزوجة، وزواج المسلمة بغير مسلم، وزواج المسلم بالمجوسية والوثنية ونحوهما مما لا يدين بدين سماوي.

ولا يترتب على الزواج الباطل شيء من آثار الزواج الصحيح، فلا يحل فيه الدخول بالمرأة، ولا يجب به مهر ولا نفقة ولا طاعة، ولا يثبت به توارث ولا مصاهرة، ويجب عدم التمكين من الدخول بينهما، فإن دخلا فرق القاضي بينهما جبراً، ولا عدة فيه بعد التفريق كالموقوف قبل إجازته.

والزواج الفاسد والباطل مترادفان عند الجمهور، وتترتب عليه الآثار التي سبقت للزواج الفاسد، ويجب فسخه رفعاً للمعصية، مع تفصيلات في بعض الأنواع واختلاف بين المذاهب في الأنواع، كثبوت المهر بالدخول؛ لقولهr: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ـ ثلاثا ًـ، فإن دخل بها فلها مهر المثل بما استحل من فرجها" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم وصححه والبيهقي.

ويدخل في النكاح الباطل كل نكاح منهي عنه، ومنها أنكحة الجاهلية، كنكاح الرايات التي كانت العاهرات والبغايا في الجاهلية ينصبنها على أبوابهن؛ ليدخل من أراد الدخول، ونكاح الرهط؛ وهو اشتراك نفر في إصابة المرأة، ونكاح الاستبضاع الذي يطلبه الزوج من زوجته بأن تكون فراشاً لشخص ذي صفات؛ ليكتسبها الولد منه، ونكاح الشغار: وهو أن يزوج شخص ابنته أو أخته لآخر على أن يزوجه الآخر بنته أو أخته، وتكون كل زوجة مهراً للأخرى، ونكاح المتعة: هو التمتع بالمرأة ليوم أو لشهر أو لسنة بأجر معيّن، وكان في الجاهلية، وحرمه الإسلام، ونكاح الخِدْن (الصديق): وهو الصديق الذي يزني بالمرأة سراً، وكان في الجاهلية، ويشيع الآن في الغرب، والنكاح المؤقت: وهو أن يتزوج رجل امرأة بشهادة شاهدين ومهر لعشرة أيام أو لشهر أو لسنة، وهو باطل كنكاح المتعة.

ثم يأتي نكاح المحلِّل للمرأة التي طلقها زوجها ثلاثاً، وأصبحت حراماً عليه، فتتزوج بآخر زواجاً صورياً أو مؤقتاً أو بشرط الطلاق؛ لتحل للأول وتعود إليه، وله أحكام مفصلة، واختلاف بين الفقهاء، ومثله النكاح بشرط الطلاق، والنكاح بنية الطلاق، ونكاح المحرم بالحج أو بالعمرة، ونكاح السر: وهو الذي يتم من دون حضور شهود في رأي الجمهور، وقال المالكية هو الذي يتواصى الزوجان والولي على كتمه، أو إذا أوصوا الشهود على كتمه، فهذه الأنكحة فيها اختلاف وتفصيلات بين المذاهب الفقهية.

ويتصل بشرط ألا تكون المرأة محرمة على الرجل في الزواج بيان المحرمات من النساء، وهن قسمان:

أولاً ـ المحرمات حرمة مؤبدة:

وهذا التحريم يعني منع النكاح من بعض النساء على نحو مؤبد؛ مهما كانت الظروف والأحوال، ونص القرآن الكريم على تحريم أربع عشرة امرأة أكثرهن للتحريم المؤبد، وبعضهن للتحريم المؤقت، قال الله تعالى: }وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم{ [النساء 22]، ثم قال تعالى: }حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتِ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاِتي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكْم مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُم مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً٭ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ{ [النساء23ـ 24]، سبع منهن حرمن بالنسب، واثنتان بالرضاع، وأربع بالمصاهرة، وواحدة بالجمع، والمراد تحريم العقد عليهن أصلاً. وأسباب التحريم المؤبد أربعة أنواع، وهي:

المحرمات بالنسب، أي بسبب القرابة، وهن سبع:

أ ـ الأم: وهي كل من ولدتك أو ولدت من ولدتك أو ولدك، وهن أصول الإنسان.

ب ـ البنت: وهي كل من ولدتها، أو ولدت ممن ولدته، وهن فروع الإنسان، أو كل من ينتهي إليك نسبها.

ج ـ الأخت الشقيقة (من الأبوين) والأخت لأب والأخت لأم: وهن فروع الأبوين، وضابطها: كل من ولدها أبواك أو أحدهما فهي أختك.

د ـ بنت الأخ، وإن نزلت: سواء كانت بنت أخ شقيق، أم بنت أخ لأب، أم بنت أخ لأم.

هـ ـ بنت الأخت، وإن نزلت: سواء كانت بنت أخت شقيقة أم لأب أم لأم.

و ـ العمة: وهي أخت الأب، سواء كانت أخته الشقيقة، أم لأب أم لأم، وأخت الأب عمة حقيقية، ويلحق بها العمة مجازاً، وهي عمة الأب وعمة الأم، وهن فروع الجدين الإناث من جهة الأب، وضابطها: كل أخت ذكر ولدك.

ز ـ الخالة: وهي أخت الأم، سواء كانت شقيقة أم لأب أم لأم، وأخت الأم خالة حقيقية، ويلحق بها الخالة المجازية، وهي خالة الأب، وخالة الأم، وهن فروع الجدين الإناث من جهة الأم، وضابطها كل أخت لأنثى ولدتك بواسطة أو من دون واسطة، لكن يجوز نكاح بنات الخالة وبنات الخال.

وهذا التحريم من النسب يشمل المرأة، فيحرم على المرأة أبوها وإن علا، وابنها وإن نزل، وجميع إخوتها، وجميع أبناءإخوتها وأخواتها، ويحرم عليها أعمامها وأخوالها وأعمام أبيها وأعمام أمها وأخوال أبيها وأخوال أمها؛ لأن التحريم ليس خاصاً بالرجال، بل تشمل الآية الرجال والنساء.

المحرمات بالمصاهرة: أي بسبب المصاهرة بين الرجل والمرأة، والتحريم مؤبد، وهن:

أ ـ زوجة الأب، وزوجة الأجداد وإن علوا من جهة الأب أو الأم: وهن زوجات الأصول، وتحرم كل منهن بمجرد العقد، وإن لم يدخل الأصل بها.

ب ـ زوجة الابن، وزوجة ابن الابن وإن نزل، وزوجة ابن البنت وإن نزلت: وهن زوجات الفروع، وضابطهن: زوجة كل من ولدت بواسطة أو بغيرها، وتحرم بمجرد العقد، وإن لم يدخل الفرع بها، ولكن بشرط أن يكون الولد أو ولد الولد من الصلب؛ ليخرج الولد المتبنى، فلا تحرم زوجته على الأب المتبني.

ج ـ أم الزوجة وإن علت من جميع أصولها: سواء كانت الأم من النسب أم الرضاع، وتحرم بمجرد العقد سواء دخل بالزوجة أم لا.

د ـ بنت الزوجة: وتسمى الربيبة بشرط أن يكون الزوج دخل بزوجته في عقد صحيح أو فاسد، وقال الفقهاء: العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات.

وهذا التحريم بالمصاهرة يشمل المرأة كالرجل، فيحرم عليها أن تنكح زوج أمها، وإن علت كزوج جدتها، ويحرم عليها نكاح زوج ابنتها وإن نزلت كزوج ابنة الابن وابنة البنت، ويحرم عليها نكاح ابن زوجها، وإن نزل كابن ابن زوجها وابن بنت زوجها، ويحرم عليها نكاح أبي زوجها وإن علا.

3ـ المحرمات بالرضاع: إن النساء السبع اللاتي يحرمن بسبب النسب يحرمن بسبب الرضاع لنص الآية على الأمهات والأخوات، وقاس العلماء عليهن من سواهن؛ لقولهr: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" وفي رواية: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" رواه البخاري ومسلم، وهذا يشمل ما يلي:

أ ـ الأم بالرضاع: وهي التي أرضعت، وأمها وإن علت بالنسب أو بالرضاع، وكذا الأم بالرضاع للوالد، وأم صاحب اللبن (زوج المرضعة)؛ فتحرم أمه.

ب ـ الأخت بالرضاع: وهي التي رضعتَ من أمها، أو رضعتْ من أمك، أو رضعتَ أنت وهي من امرأة واحدة، أو رضعتْ من لبن أبيك (أي رضعت من زوجة الأب)، لكن مع تفصيل، فإن رضعتْ من أمك صارت حراماً عليك وعلى جميع إخوتك، ويحل لك ولإخوتك الزواج بأخواتها؛ لأنهن لم يرضعن من أمك، وإن رضعتَ أنت من أمها صرت حراماً عليها وعلى جميع أخواتها، وتحل هي وأخواتها لأخيك؛ لأنها لم ترضع من أمك، ولا رضع إخوتك من أمها.

ج ـ بنت الأخ من الرضاع: وهي كل أنثى ارتضعت من لبن أخيك، وبناتها، وبنات أولادها.

د ـ بنت الأخت من الرضاع: وهي كل أنثى أرضعتها أختك من النسب أو من الرضاع.

هـ ـ العمة من الرضاع: وهي كل أنثى رضعت مع أبيك، أو رضعت من لبن الجد.

و ـ الخالة من الرضاع: وهي كل أنثى رضعت مع أمك من النسب أو الرضاع، أو رضعت من إحدى جداتك.

ز ـ البنت من الرضاع: وهي كل أنثى رضعت من زوجتك، فأنت أبوها من الرضاع، وكذلك كل من رضعت من زوجة ابنك، فهي بنت ابن من الرضاع؛ لأن اللبن حادث من المرضعة بسبب ينسب إلى الزوج، فيكون الرضيع ابناً لهما، كالمولود منهما.

4ـ المحرمات بسبب الجمع بين المصاهرة والرضاع، وهن:

أ ـ أم الزوجة من الرضاع: وهي التي أرضعت زوجتك، كأم الزوجة من النسب.

ب ـ بنت الزوجة من الرضاع: وهي التي رضعت من زوجتك قبل الزواج بها، أو بعد الزواج بها، وهي الربيبة بالرضاع.

ج ـ زوجة الأب من الرضاع: وهي زوجة الأب الذي رضعت من زوجته الثانية، وهي ضرة الأم بالرضاع.

د ـ زوجة الابن من الرضاع: وهي زوجة من رضع من زوجتك، وهي حليلة الابن من الرضاع.

ثانياً ـ المحرمات حرمة مؤقتة:

وهذا التحريم بسبب، أو لوجود مانع، فإذا زال السبب، أو زال المانع؛ زالت الحرمة، وعاد الحل، وهن سبعة أصناف، وهي:

1ـ الجمع بين الأختين في النكاح: سواء كانتا من النسب أم من الرضاع، وسواء كانتا من أبوين أم من أحدهما، ويحرم الجمع بينهما في عقد معاً أو في عقدين، فإن ماتت الأولى، أو طلقت؛ حل العقد على الثانية لقوله تعالى: }وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ{ [النساء 23].

الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، لقولهr: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" رواه البخاري ومسلم وأحمد وأصحاب السنن، وقال ابن عبد البر: أكثر طرقه متواترة.

ويحرم الجمع بين المرأة وبنت أخيها وإن نزل، أو بنت أختها وإن نزلت، سواء كانت العمومة أو الخؤولة في النسب أم من الرضاع، والضابط في ذلك: يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة أو رضاع لو كانت إحداهما ذكراً لحرمت المناكحة بينهما، والحكمة منع إيقاع الضغائن بين الأرحام، فإن ماتت واحدة مما سبق أو طلقت؛ حلت له الأخرى.

3ـ الزوجة الخامسة: يجوز للرجل أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع، ويحرم عليه أن يتزوج خامسة ما دام عنده أربع زوجات، ويحرم أن ينكح خمساً في عقد، ويبقى التحريم حتى تموت إحدى الزوجات أو يطلقها؛ لأن قيس بن الحارثt قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة، فقال النبيr: "اختر منهن أربعاً" رواه أبو داود، وقال رسول اللهr لغيلان؛ وقد أسلم وتحته عشر نسوة: "أمسك أربعاً وفارق سائرهن" رواه ابن حبان والحاكم وصححه؛ ولأن الآية اقتصرت على أربع زوجات، فيحرم الزيادة عليهن، قال الله تعالى: }فَانِكحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ{ [النساء 3]، فامتنعت الزيادة في الدوام، ففي الابتداء أولى.

4ـ المشركة الوثنية التي ليس لها كتاب سماوي: كالوثنية والمجوسية والبوذية والملحدة والإباحية، فإن أسلمت حل نكاحها؛ لقوله تعالى: }وَلاَ تََنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُشرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُم{ [البقرة221].

ويحل للمسلم أن يتزوج من أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى حصراً؛ لأن الولاية له عليها، ولعل الزواج يكون سبباً في إسلامها وإسلام أهلها؛ لقوله تعالى: }وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِيَن أُوتُوا الْكِتَابَ{ [المائدة 5]، أي حل لكم، ولها حق الزوجة، أما المرأة المسلمة فلا يجوز لها أن تتزوج من رجل غير مسلم مهما كانت ديانته؛ لأن للزوج ولاية على زوجته، ولا ولاية لغير المسلم على المسلم؛ لقوله تعالى: }وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرٍينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً{ [النساء 141]؛ ولأن غير المسلم لا يؤمن بدين المسلمة؛ فلا تأمنه على دينها لقوله تعالى: }وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِيَن حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُم{ [البقرة 221]، فإن أسلم حل النكاح منه.

المرأة المتزوجة: لا يجوز لرجل آخر أن يعقد على امرأة لها زوج موجود، حتى يموت أو يطلقها وتنقضي عدتها؛ لقوله تعالى: }وَالْمُحْصَنَات مِن النِّسَاءِ{ (النساء 24)، أي المتزوجات.

المرأة المعتدة من آخر: وتلحق بالمرأة المتزوجة؛ لأن العدة امتداد وتبع للحياة الزوجية الأولى، ووجبت لحفظ النسب، وللإحداد على الزوج، سواء كانت العدة من طلاق رجعي أو بائن أم من وفاة، فإذا انقضت العدة جاز الزواج بها، لقوله تعالى: }وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ{ (البقرة 235)، أي حتى يبلغ الوقت المقدر للعدة.

المرأة المطلقة ثلاثاً من زوجها: وتصبح محرمة عليه تحريماً مؤقتاً حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً مع الوطء، ثم يطلقها الثاني، وتنقضي عدتها منه، فإذا حصل ذلك جاز للزوج الأول أن يعقد عليها زواجاً جديداً؛ لقوله تعالى: }فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ{ [البقرة 230].

أحكام الزواج وآثاره:

يترتب على الزواج الذي تتوافر أركانه وشروطه آثار كثيرة، وأهمها باختصار:

أولاًـ المهر:

المهر هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها حقيقة، ويصح بعمل كالتعليم، ويسمى طَولاً وصداقاً، ونِحْلة وأجراً، وفريضة، ونكاحا؛ بقوله تعالى: }وَمَن لَمْ يَسْتَطِع مِنْكُمْ طَوْلاً{ [النساء 225]، وقوله تعالى: }وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهنَّ نِحْلَةً{ [النساء 4]، أي عطية، وقوله تعالى: }فَمَا اسْتَمتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً{ [النساء 24]، وقوله تعالى: }لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً{ [البقرة 236]، أي تعينوا لهن مهراً، وقوله تعالى: }وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحا{ [النور 33]، وله أسماء أخر في اللغة، ولم ترد في القرآن الكريم.

وثبتت مشروعية المهر في القرآن الكريم في الآيات السابقة، كما ثبتت في السنة، فقال رسول اللهr لرجل يريد الزواج: "أعطها ثوباً، أعطها ولو خاتماً من حديد" وفي رواية "التمس ولو خاتماً من حديد"، فاعتل الرجل، فقال عليه الصلاة والسلام : "زوجتكها بما معك من القرآن" أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد والحاكم، وقالت عائشة رضي الله عنها: "كان صداق رسول اللهr لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونَشَّاً، أتدرون ما النشُّ؟ نصف أوقية، وذلك خمسمئة درهم" أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد والحاكم، والنشّ: عشرون درهماً، وأجمع المسلمون على وجوب المهر من غير مخالف في جميع العصور.

وحكمته: إظهار الجدية والصدق في رغبة الزوج في معاشرة زوجته معاشرة شريفة على سنة الله ورسوله لبناء حياة زوجية كريمة ومتميزة، ويمكِّن المرأة من الاستعانة به في تهيئة متطلبات الزواج، ولإظهار خطر الزواج ومكانته، ولإعزاز المرأة وإكرامها، فالصداق ليس ثمناً، وإنما هو أمر رمزي لتكريم المرأة والحفاظ على كرامتها وسمعتها، فيكون الرجل هوالطالب ليد المرأة، وهو الباذل للمهر؛ وليدل على أهليته وقدرته واستطاعته على تحمل نفقات الزفاف والحياة الزوجية.

والمهر ليس ركناً ولا شرطاً في الزواج، وإنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه، وواجب في العقد. فإن تم العقد بلا مهر صح عند الجمهور، ووجب للزوجة المهر اتفاقاً، وهو مهر المثل؛ لقوله تعالى: }لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً{ (البقرة 236)، فالله أثبت النكاح مع ترك الصداق، وليس للمهر حد مقرر، فلا حد لأقله، ولا لأكثره، والضابط فيه: كل ما جاز أن يكون ثمناً أو مثمناً في البيع، أو أجرة في الإجارة، جاز جعله مهراً، لقوله تعالى: }وَأُحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم{ (النساء 24)، فإنه تعالى أطلق المال، ولم يقدره بحد معيّن، ولا بجنس معيّن، لكن يستحب تخفيفه؛ لأنه ليس ثمناً، ولا محلاً للمباهاة والتفاخر في غلائه، لما ينجم عن غلاء المهور من المفاسد الفردية والاجتماعية، ومخالفة السنة النبوية، حتى لا يصبح عائقاً أمام الشباب عن الزواج، فتطول العزوبة والعنوسة، وتنتشر الفاحشة، ولذلك قال رسول اللهr: "خير النكاح أيسره" وفي رواية "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة" رواه أحمد وأبو داود، والحاكم وصححه، وقال رسول اللهr لِصَحَابيّ تزوج: "بارك الله لك، أولم ولو بشاة" رواه البخاري ومسلم.

ويجب المهر في العقد الصحيح، ويستقر جميعه بالدخول بالزوجة؛ لقوله تعالى: }وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ{ [النساء 21]، والإفضاء: هو الجماع، ويستقر بموت أحد الزوجين قبل الدخول لإجماع الصحابة على ذلك، ويستقر بالخلوة بين الزوجين عند الجمهور خلافاً للشافعية والمالكية، ويستقر نصف المهر إذا طلَّق الرجل زوجته بعد عقد صحيح سمي فيه المهر وقبل الدخول بها؛ لقوله تعالى: }وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُّنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ{ [البقرة 237]، والمراد بالمس: الجماع، ويجب المهر بالوطء والدخول الحقيقي في العقد الفاسد، أو الوطء بشبهة؛ لقولهr: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ـ ثلاثاً ـ فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد.

والمهر حق للمرأة، ويكون ملكاً خالصاً لها، ولها أن تتصرف فيه كما تتصرف في سائر أموالها متى كانت أهلاً للتصرف، ولا يشاركها فيه أحد، لا الأب ولا الأم، ولا الإخوة أو سائر الأقارب.

ويجوز تعجيل المهر عند العقد، وقبل الدخول، ويجوز أن يكون مؤجلاً كله أو بعضه إلى أجل قريب أو بعيد، أو إلى أقرب الأجلين: الطلاق أو الموت عملاً بالعرف والعادة في البلاد الإسلامية، ويجوز تقسيطه بالاتفاق الصريح، وعند عدم الاتفاق على التعجيل أو التأجيل أو التقسيط يعمل بعرف البلد؛ لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فإن لم يكن عرف استحق المهر حالاً؛ لأنه يجب بتمام العقد، وهو أثر من آثاره.

وإذا أعسر الزوج عن دفع المهر المعجل لم يكن للزوجة عند الحنفية ـ والأصح عند الحنابلة ـ الحق في فسخ الزواج بأي حال، وإنما لها الحق في منع نفسها من الزوج، وعدم التقيد بإذنه في الخروج والسفر، وقال الشافعية: لها الحق في فسخ الزواج قبل الدخول وبعده، وقال المالكية: لها الحق في فسخه قبل الدخول؛ لا بعده.

ويسقط المهر كله عن الزوج عند الحنفية بالفرقة بغير طلاق قبل الدخول وقبل الخلوة بها، وقال المالكية: إن فسخ الزوج النكاح أو رده بعيب قبل الدخول فلا يجب لها شيء، وقال الشافعية والحنابلة: إن حصلت الفرقة قبل الدخول من قبل الزوجة سقط المهر، وكذا إن فسخ الزوج النكاح قبل الدخول بعيب في الزوجة، أما إن حصلت الفرقة قبل الدخول لا لسبب الزوجة فلا يسقط المهر، ويجوز للزوجة هبة المهر لزوجها برضاها باتفاق الفقهاء متى كانت أهلاً للتبرع، وكذا إبراؤه عنه.

ثانياً ـ حل الاستمتاع بين الزوجين:

وهذا موضوع عقد الزواج، فيحل لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر على الوجه المشروع، لقوله تعالى: }نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ{ [البقرة 223]، ويحل للزوج جميع أنواع الاستمتاع بزوجته إلا الإتيان في الدبر، فهو حرام؛ لقولهr: "ملعون من أتى امرأة في دبرها" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وأحمد والدارمي، كما يحرم الوطء في الحيض والنفاس، لكن يجوز خلالهما الاستمتاع بسائر البدن؛ لقوله r: "اصنعوا كل شيء غير النكاح" رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه، ويجوز العَزْل وهو أن يجامع الرجل زوجته، فإذا قارب الإنزال نزع، فأنزل خارج الفرج؛ بشرط الإذن من الزوجة.

ويجب على الرجل حسن المعاشرة لزوجته بالمعروف، ويجب على المرأة ذلك حتى تتحقق أهداف الزواج من السكن والرحمة والمودة، لقوله تعالى: }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةٍ{ [الروم 21].

ثالثاً ـ القَسْم بين الزوجات:

إذا تزوج الرجل أكثر من واحدة فيجب عليه العدل بين الزوجات، وذلك بالمبيت عند كل واحدة منهن بالتساوي مع الأخرى، والعدل بالنفقة؛ وإلا كان آثماً وظالماً ومؤاخذاً قضاء وديانة، لقولهr: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ـ وفي رواية: فلم يعدل بينهما ـ جاء يوم القيامة وشقه مائل"، وفي رواية: "وأحد شقيه ساقط" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد والدارمي، وكان رسول اللهr "يقسم لنسائه فيعدل" وفي رواية: "كان يقسم لعائشة يَومَها، ويومَ سودة" رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي، أما ميل القلب لو حصل فلا مؤاخذة عليه؛ لأنه غير مقدور عليه، وكان رسول اللهr يقسم فيعدل، ويقول: "اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني ميل القلب، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي.

ويجب العدل بين الزوجات، ولو كانت إحداهن مريضة، أو حائضاً، أو نفساء، أو فيها عيب، ولو كانت محرمة أو مجنونة؛ لأن المقصود هو الأنس لا مجرد الاستمتاع، إلا الناشزة؛ فلا تستحق القسم لخروجها عن طاعته، وإذا أراد السفر للانتقال الدائم فيجب أن ينقل جميع الزوجات، وإن كان سفراً مؤقتاً فيصحب إحداهن بالقرعة، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول اللهr إذا أراد السفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها" رواه البخاري ومسلم، وذلك ليتحقق العدل.

رابعاً ـ متعة الطلاق:

والمراد بها المال أو الكسوة التي يعطيها الزوج للمطلقة زيادة على المهر، أو بدلاً منه عند عدم تعيينه في العقد؛ لتطييب نفسها، وتعويضها عن ألم الفراق، ولذلك عرفها الشافعية: بأنها مال يجب على الزوج دفعه إلى امرأته المفارقة في الحياة بطلاق وما في معناه، وعرفها المالكية: بأنها الإحسان إلى المطلقات حين الطلاق بما يقدر عليه المطلق بحسب حاله في القلة والكثرة.

وثبتت المتعة للزوجة عند الطلاق في قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَ مِنْ عِدَّةٍ تَْعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً{ [الأحزاب 49]، وقال تعالى: }لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة ًوَمَتعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالمْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِيَن{ [البقرة 236].

وأوجب الحنفية المتعة في طلاق المفوَّضة [التي لم يسم لها مهر عند العقد] قبل الدخول، أو المسمى لها مهر تسمية فاسدة؛ لأنه ورد الأمر بالمتعة في الآيتين، والأمر يقتضي الوجوب؛ ولأن المتعة في هذه الحالات بدل من نصف المهر الواجب عند الطلاق قبل الدخول، وهو واجب، فكان بدله واجباً، ثم تستحب المتعة عند الحنفية في حالتي الطلاق قبل الدخول، أو بعد الدخول في نكاح فيه مهر مسمى.

وقال المالكية: المتعة مستحبة لكل مطلقة؛ لأن الله تعالى قيدها في الآيتين بقوله: }حَقَاً عَلَى الْمُتَّقِيَن{ [البقرة 241]، وقوله: }حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِيَن{ [البقرة 236]، والواجبات لا تتقيد بهما، فكانت مستحبة.

وقال الشافعية: تجب المتعة لكل مطلقة، سواء طلقت قبل الدخول أم بعده، ولكل فرقة لا بسبب الزوجة، إلا التي فرض لها مهر وفورقت قبل الدخول أو كانت الفرقة بسببها؛ لعموم قوله تعالى: }وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقَاً عَلَى الْمُتَّقِين{ [البقرة 241]، وللأمر الوارد في الآيتين السابقتين، وتأكد ذلك بتمتيع النبيr لزوجاته في قوله تعالى: }قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتٌنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلا{ [الأحزاب 28]، وهو ما أخذت به قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة.

ومذهب الحنابلة موافق للحنفية، فتجب المتعة لكل زوجة مفوَّضة، وتستحب لغيرها، ولا متعة للمتوفى عنها باتفاق؛ لأن النصوص السابقة في المطلقات فقط.

وتقدر المتعة بحسب حال الزوج يساراً و إعساراً، وبما لا تزيد على نصف مهر المثل، أو بحسب كفاية المرأة لنفقة سنة مثلاً؛ لقوله تعالى: }مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ{ [البقرة 240]، وهي في الوصية للزوجة، فيقاس عليها متعة الطلاق، وهو ما أخذت به بعض القوانين المعاصرة.

خامساً ـ النفقة:

تجب نفقة الزوجة على زوجها، وهي في الدرجة الثانية بعد النفس، وتقدم على سائر النفقات، ولا تسقط بمضي الزمان، وهي ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع والمعقول، قال الله تعالى: }الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ{ [النساء 34]، فالقيِّم على غيره: هو المتكفل، مع التصريح بأن الزوج هو المسؤول عن النفقة: }وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ{، وقال تعالى: }وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف{ [البقرة 233]، فكلف الله تعالى الزوج المولود له الذي يثبت له النسب بالرزق، فتجب نفقة الزوجات على الأزواج، وقال تعالى: }قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِم{ [الأحزاب 50]، وهي تدل على وجوب الإنفاق على الزوجة، وهو فرض على الأزواج، وقال رسول اللهr: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد، وقال رسول اللهr لهند زوجة أبي سفيانt: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" رواه البخاري ومسلم والبيهقي، فدل على وجوب النفقة للزوجة في مال زوجها، وأجمع الصحابة على ذلك؛ ولأنها محبوسة المنافع على الزوج في بيته ولأولاده، فوجب لها نفقتها؛ ولأن الزوج يتولى الإشراف على بيت الزوجية، فهو المسؤول عن النفقة والمهر تكريماً للزوجة، وإبعاداً لها عن الكسب والبحث عن الرزق، وحفظاً لها عن التعرض للسوء والانحراف، ولتكون متفرغة لأقدس وظيفة؛ وهي رعاية الزوج والبيت وتربية الأولاد.

ولا تجب النفقة بمجرد العقد، بل بعد الزفاف واتباع الزوجة لزوجها في البيت والبلد مع تمكينه من وجوه الاستمتاع المشروع بها، وتجب لها هذه النفقة حتى بعد الطلاق الرجعي في أثناء العدة باتفاق، وبعد الطلاق البائن إن كانت حاملاً باتفاق، فإن لم تكن حاملاً؛ ففيها خلاف بحقها في السكنى فقط أو مع النفقة الكاملة.

وتقدر النفقة بحسب حال الزوج في اليسار والإعسار عند الجمهور؛ لأن النفقة تتبع الاستطاعة لقوله تعالى: }لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله{ [الطلاق 7]، كما يراعى في تقديرها العرف والزمان والمكان، وتشمل الطعام والكساء والمسكن والدواء وأدوات التنظيف، وآلات الأكل، والأثاث، والتدفئة والتبريد، والخادمة إن كانت الزوجة لا تخدم نفسها في عادة بلدها وأهلها.

سادساً ـ الإرث:

يثبت للزوجة حق الإرث من زوجها إذا مات، ولو كان ذلك قبل الدخول و الوطء والخلوة؛ لقوله تعالى: }وَلَهُّنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَمْ يَكُن لَكُمْ وَلَدٌ فَِإن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ{ [النساء 12]، وهذا الفرض لها بالإرث بالربع أو بالثمن من تركة الزوج تستحقه الزوجة إن كانت واحدة، ويشترك به الزوجات إذا تعددن مثنى أو ثلاث أو رباع، وللزوجة أو الزوجات الربع عند عدم وجود فرع وارث للزوج، وهو الولد مطلقاً سواء كان ذكراً أم أنثى، صلبياً أم غير صلبي كولد الابن، واحداً أم متعدداً، وسواء كان الفرع الوارث من زوجته الموجودة أم من زوجاته الموجودات في عصمته عند الموت، أم من غيرهن من قبل، فإن وجد ولد فترث الزوجة أو الزوجات الثمن.

كما يثبت للزوج حق الإرث من زوجته إذا ماتت، فله نصف تركتها إن لم يكن لها ولد مطلقاً، وله الربع إن كان لها ولد، لقوله تعالى: }وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكمْ إِن لَمْ يَكُن لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصيِّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ{ [النساء 12]، ويرث الزوج الزوجة واحدة أو متعددة.

سابعاً ـ العدّة:

العدة لغة: مأخوذة من العدّ، وهو الإحصاء، أي ما تعدّه المرأة وتحصيه من الأيام والأقراء والأشهر، وهي في الفقه: مدة حددها الشرع تقضيها المرأة دون زواج بعد طلاقها أو وفاة زوجها؛ وذلك لحكمة شرعية من معرفة براءة رحمها، أو لتفجعها على زوجها، ولتكون مرحلة انتقالية تأتي بعد العلاقة بين الزوجين.

والعدة من آثار الزواج، أو الوطء بشبهة، ويتعلق بالعدة أيضاً نفقة المعتدة، وسكناها في أثناء العدة، والإحداد على الزوج المتوفى، وتجب العدة على الزوجة مطلقاً بوفاة الزوج، سواء حصل دخول أم خلوة أم لم يحصل، أما في الطلاق فلا تجب العدة إلا إن حصل دخول، وإلا فلا تجب العدة، لقوله تعالى: }إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْل أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ َعَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا{ [الأحزاب 49].

وثبتت العدة بالقرآن والسنة والإجماع، قال تعالى: }وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ{ [البقرة 228]، فالتربص هو الانتظار من دون زواج حتى تنتهي عدتها، والقروء: جمع قرء، وهو الطهر أو الحيض لغة، وقال تعالى: }وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ{ [الطلاق 4]، فالأجل هو العدة التي تتربص فيها المرأة الحامل حتى تتزوج بعدها، وهي محددة بوضع الحمل، وقال تعالى: }وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِسَائِكُم إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْن{ [الطلاق 4]، فالمرأة الآيسة من المحيض أو التي لم تحض عدتها ثلاثة أشهر، وقال تعالى: }وَالَّذِين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً{ [البقرة 234]، فالمتوفى عنها زوجها تنتظر في العدة أربعة أشهر وعشرة أيام، "ولما قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى، ثم وضعت بعد موته، أنكحها رسول اللهr"، وفي رواية قال لها: "قد حللتِ فانكحي" رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن إلا أبا داود، وأجمع الصحابة على مشروعية العدة للمرأة؛ نظراً لأهمية الرباط المقدس في الزواج، وما يترتب عليه من نسب، ولرعاية حق الزوج والولد، واستعداداً للزوج الثاني، والعدة حق لله تعالى لا يصح التنازل عنها، ولا الاتفاق على إلغائها، أو التفريط فيها، أو نقص مقدارها، مع الوفاء للزوج الميت وحسن المعاملة والعشرة معه، وفيها أحكام تفصيلية كثيرة.

ثامناً ـ حرمة المصاهرة

بين كل من الزوجين وأقارب الآخر، إما حرمة مؤبدة، وإما مؤقتة، وسبق بيانها في المحرمات من النساء.

ويترتب على الزواج حقوق وواجبات للزوجين، وكل حق لأحدهما فهو واجب على الآخر، وبعضها حقوق مشتركة، وبعضها حقوق للزوج، وبعضها حقوق للزوجة، وكلها تكملة لآثار الزواج، وسبق بيان بعضها، وهي ثلاثة أقسام:

أولاً ـ الحقوق المشتركة للزوجين:

يترتب على عقد الزواج حقوق مشتركة بين الزوجين، فكل منها حق لأحدهما؛ وواجب على الآخر، وهي:

حق الاستمتاع بين الزوجين، وسبق شرحه.

حسن المعاشرة بين الزوجين حتى تتحقق أهداف الزواج من المودة والسكن والرحمة، قال تعالى مخاطباً للجميع: }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مََوَدَّةً وَرَحْمَةً{ [الروم 21]، وقال تعالى: }وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ{ [النساء 36]، والصاحب بالجنب هو كل واحد من الزوجين، فيلزم على كل من الزوجين المعاشرة بالمعروف للآخر من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وألا يماطل بحقه مع قدرته، ولا يظهر الكراهة لبذله، بل يبذله ببشر وطلاقة، ولا يتبعه منة ولا أذى؛ لأن هذا من المعروف المأمور به، لقوله تعالى: }وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{ [النساء 19]، وقوله تعالى: }وَلَهُنَّ مِثْلُ الذِّيِ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف{ [البقرة 228]، وقال ابن عباس]:إني أريد أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله تعالى يقول: }وَلَهُنَّ مِثْلُ الذِّيِ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف{ [البقرة 228]، وقال أبو زيد: "تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيكم".

ويسن لكل واحد منهما تحسين الخلق لصاحبه، والرفق به، واحتمال أذاه، أو خطئه، أو سوء طبعه إن وجد.

لكن ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المعاشرة بالمعروف واجبة على كل واحد من الزوجين في معاشرة الآخر للآيات السابقة، وقال الحنفية: هي أمر مندوب إليه ومستحب؛ لأن قوله تعالى: }وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{ [النساء 19]، هو للفضل والإحسان قولاً وفعلاً وخلقاً، ويتأكد ذلك بقولهr: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي وصححه وابن ماجه والطبراني.

الإرث، وهو من الحقوق المشتركة بين الزوجين، وسبق شرحه.

حرمة المصاهرة بين الزوجين لأقارب الزوج الآخر، وسبق شرح المحرمات من المصاهرة المؤبدة والمؤقتة.

5ـ ثبوت النسب للزوج، وثبوت الولادة للزوجة؛ للأولاد الذين ينجبهما الزوج والزوجة، لقولهr: "الولد للفراش" رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة ومالك وأحمد، فالنسب للزوج صاحب الفراش، والولادة لمن كانت فراشاً له وولدت فعلاً، وللنسب أحكام مفصلة في بابه.

ثانياً ـ حقوق الزوج:

إن حقوق الزوج على زوجته كثيرة، وهي أعظم من حقوقها عليه، لقوله تعالى: }وَلَهُنَّ مِثْلُ الذِّيِ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ{ [البقرة 228]، قال الجصاص رحمه الله: "أخبر تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا؛ وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه مثله"، ومن حقوق الزوج على زوجته:

1ـ طاعة المرأة لزوجها، اتفق الفقهاء على أن طاعة الزوج واجبة على الزوجة؛ لقوله تعالى: }الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ{ [النساء 34]،، وقوله تعالى: }وَلَهُنَّ مِثْلُ الذِّيِ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ{ [البقرة 228]، واتفقوا على أن وجوب طاعة الزوجة لزوجها مقيدة بألا تكون في معصية الله؛ للحديث الشريف "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، والحاكم وصححه والطبراني، وسألت عائشة رضي الله عنها النبيr فقالت: "أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: زوجها" رواه الهيثمي، وقالr: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لما جعل الله لهم عليهن من الحق" رواه الترمذي وحسنه، وقالr: "أيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة" رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه، فإن خرجت الزوجة عن طاعة زوجها، وخاف نشوزها؛ جاز له تأديبها بحسب الوسائل الشرعية بالحكمة والحسنى لقوله تعالى: }وَاللاتِي تَخَافُوَن نُشُوزَهَنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ{ [النساء 34]، على أن يكون الضرب خفيفاً غير مبرّح باليد، وعلى الكتف أو بسواك ونحوه، والأولى عدم الضرب؛ لأن رسول اللهr ما ضرب امرأة ولا خادماً، رواه النسائي، فإن أطاعته كف عن التأديب.

2ـ تسليم الزوجة نفسها للزوج بعد تسليم مهرها المعجل، وتمام الزفاف المعهود بحسب العادة، فإذا طلب الزوج انتقالها إلى بيته وجب تسليمها إليه وتمكينه من الاستمتاع بها، وعليها طاعته في ذلك مالم يشغلها عن الفرائض أو يضرها؛ لأن الضرر ونحوه ليس من المعاشرة بالمعروف، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح" رواه البخاري ومسلم.

3ـ عدم خروج الزوجة من البيت إلا بإذن الزوج؛ لأن من الطاعة القرار في البيت وتفرغها لشؤون الزوجية والبيت ورعاية الأولاد في الصغر والكبر، فلا تخرج من بيت الزوجية إلا بإذنه، وذلك لضبط الأمور في الحياة المشتركة وإدارة البيت، فإن خرجت ارتكبت معصية، للحديث الشريف: أن امرأة أتت النبيr فقالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على زوجته؟ فقال: "حقه عليها ألا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع" رواه البزار وأبو داود الطيالسي، والهيثمي، فليس للزوجة الخروج من المنزل ولو لزيارة أهلها أو للحج أو للمسجد إلا بإذن زوجها، وإن خرجت بإذنه وجب عليها التزام الستر الشرعي وسائر الآداب الشرعية، ولا يعني هذا الواجب التضييق على المرأة، وإنما للستر وتنظيم شؤون الأسرة والبيت، وعلى الزوج حقوق مقابل ذلك في السماح لها بزيارة أهلها والقيام بواجباتها دون ضرر ولا إضرار.

4ـ سفر الزوج بزوجته والانتقال بها حيث ينتقل إذا أوفاها مهرها المعجل، ولم يلحقها ضرر وأذى؛ لقوله تعالى: }أَسْكِنْوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُم مِن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ{ [الطلاق 6]، ولأن النبيr وأصحابه رضوان الله عليهم كانوا يسافرون بنسائهم؛ بشرط توافر الأمان في السفر.

5ـ خدمة المرأة لزوجها وبيتها، وهو واجب ديانة لا قضاء عند الحنفية، وقال المالكية يجب عليها خدمة زوجها في الأعمال الباطنة (أي داخل البيت) التي جرت العادة بقيام الزوجة بمثلها، وقال الشافعية والحنابلة وبعض المالكية: لا يجب على الزوجة خدمة زوجها وبيتها؛ ولكن الأولى فعل ما جرت به العادة، وقد جرت العادة أن تقوم المرأة بخدمة زوجها وبيتها، ولذلك تسمى ربة البيت، ويؤكد ذلك الحديث المشهور: "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" رواه البخاري ومسلم.

6ـ الحفاظ على البيت: يجب على الزوجة أن تحافظ على بيت زوجها، وتكون أمينة عليه، وأن تحفظ غيبة زوجها في نفسها وماله وبيته وولده، وتمنع الإذن لأحد بالدخول إلى البيت إلا بإذنه؛ لقولهr: "أما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وابن ماجه.

ويضاف إلى ذلك الحقوق المشتركة التي تثبت للزوجين، كحسن العشرة، وحق الاستمتاع، والنسب للأولاد، والإرث بعد وفاة الزوجة، كما سبق.

ثالثاً ـ حقوق الزوجة:

تستحق المرأة حقوقاً على زوجها، منها ما سبق في الحقوق المشتركة كحسن المعاشرة، وحق الاستمتاع، والإرث بعد الوفاة، وثبوت حقها في الولادة، كما يثبت لها حقوق أخرى كأثر من آثار الزواج السابقة، وهي المهر، والقَسْم عند تعدد الزوجات، والنفقة، ومتعة الطلاق.

ويضاف إلى ذلك حقوق خاصة للزوجة على زوجها مما يثبت في القرآن والسنة، وهي:

إحسان العشرة بمعاملة الزوج لزوجته بالألفة والمعاشرة بالمعروف من الصحبة الجميلة، والإكرام لها، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها، وكف الأذى عنها، وألا يمطلها حقها، ولا يظهر الكراهة فيما يبذله لها، مع المعاملة ببشر وطلاقة وجه وطيب الكلام؛ لقوله تعالى: }وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{ (النساء 19)، وقال رسول اللهr: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عندكم عوانٍ (أسرى) ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، إن لكم على نسائكم حقاً؛ ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" رواه الترمذي وصححه وابن ماجه، وقال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي وصححه، وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لأهله" رواه الترمذي وصححه وأحمد، ومن حسن العشرة للزوجة حسن معاملتها بالتلطف بها ومداعبتها، لما ورد في الأثر: "كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن حق" أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

إعفاف الزوجة، وذلك بأن تأخذ حقها من الاستمتاع، والوطء، حتى تعف بالوطء الحلال عن الحرام، وهو أثر من آثار الزواج، وهو أيضاً من الحقوق المشتركة، ولكن يخصه الفقهاء عند تعدد الزوجات، فيثبت لكل منهن حق الإعفاف، فيكون الوطء حقاً لها؛ لأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين، ودفع الضرر عنهما، وهو مفضٍ إلى دفع ضرر الشهوة عن المرأة كإفضائه إلى دفعه عن الرجل، فإن قضى وطره بزوجة أخرى؛ فيجب عليه ذلك للزوجة الثانية وهكذا، ولذلك حرم الإسلام الإيلاء، وهو الحلف بامتناع الوطء مدة تزيد على أربعة أشهر، فإن فعل فرق بينهما، وحرم الإسلام الظهار، وهو أن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، أي يحرمها على نفسه، فإن لم يكفِّر فرق بينهما، وكذلك الفسخ لتعذر الوطء، وإن سافر طالبه الشرع بالعودة إلى زوجته كل أربعة أشهر، أو كل ستة أشهر، ولو كان سفره للجهاد والقتال، وهو ما قرره عمرt، ووافقه عليه الصحابة، وتبعهم فقهاء المذاهب.

ويتبع ذلك حق الزوجة في القسم عند تعدد الزوجات، والعدل بينهن بالتسوية، وسبق شرحه مع أدلته من القرآن والسنة.

إخدام الزوجة، وهو حق للزوجة على زوجها، وهو أن يقدم لها خادمة، وعليه أجرتها ونفقتها لتساعدها في شؤون البيت والأولاد؛ لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها؛ ولأن هذا من كفايتها، ومما تحتاج إليه على الدوام فأشبه النفقة، فإن كانت الزوجة ممن يخدم أمثالها في بيت أهلها، أو كانت مريضة، أو كثيرة العيال؛ وجب إخدامها، وإلا فهو مستحب، ويترك أمره لتقدير الزوج ويساره وأحواله، وبحسب الأعراف والعادات، كما سبق في النفقة.

وينتهي عقد الزواج ككل العقود، وكل شؤون الحياة، ويكون إنهاؤه وانتهاؤه إما بطرق عامة، وإما بطرق خاصة، وتشمل فرقة الطلاق، وفرقة الفسخ، فبهما يتم انحلال الزواج.

أولاً ـ الطرق العامة لإنهاء الزواج:

ينتهي الزواج بأحد الطرق العامة الآتية:

1ـ الموت الذي ينهي الحياة الزوجية بين الزوجين، وهو طريق عام بوفاة أحد الزوجين، وبقاء الآخر، أو بوفاة كلا الزوجين، وهو أكثر الطرق إنهاء للزواج، وهو الأعم الأغلب، ويترتب عليه آثار تتعلق بالزوج الآخر كالإرث لكل منهما، والعدة على الزوجة، والنفقة للمرأة الحامل التي تُوفِّي زوجها، والإحداد عليه.

2ـ الطلاق: وهو طريق لانحلال الزواج وإنهائه باختيار الزوج أو بحكم القاضي، وهو شرعاً: حل قيد الزواج، أو حل عقدة النكاح بلفظ الطلاق ونحوه، وأقره الشرع للحاجة إلى الخلاص من الطرف الآخر عند تباين الأخلاق والطباع، وعدم إمكان الجمع بين الزوجين، وعدم تحمل أحدهما للآخر، أو لطروء البغضاء الموجبة لعدم إقامة الأحكام الشرعية في الزواج، فكان تشريع الطلاق رحمة من الله تعالى؛ لأنه علاج حاسم، وحل نهائي وأخير لما استعصى حله على الزوجين وأهل المعروف والحكمين؛ مما يعقد الحياة المشتركة بين الزوجين، وقد يكون بسبب الإصابة بمرض لا يحتمل، أو لعقم لا علاج له، مما يؤدي إلى ذهاب المحبة والمودة، وتوليد الكراهية والبغضاء، فيأتي الطلاق ضرورة لحل مشكلات الأسرة، ومنفذاً متعيناً للخلاص من المفاسد والشرور الحادثة، فهو مشروع مع الكراهة.

وثبتت مشروعية الطلاق بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: }الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْريحٌ بِإِحْسَان{ [البقرة 229]، وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ{ [الطلاق 1]، وقال تعالى: }لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لْم تَمَسُّوهُنَّ{ [البقرة 236]، وقال رسول اللهr: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه، وقال عمرt: "طلق النبيr حفصة، ثم راجعها" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم والدارمي، وأجمع المسلمون على جواز الطلاق، ويؤيده العقل عند الحاجة والضرر، ولإزالة المفسدة الحاصلة، والخصومة الدائمة، لذلك قال الله تعالى: }وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاً مِن سَعَتِهِ{ [النساء 130]، وكان الطلاق من ميزات الإسلام بدليل تراجع الأمم الأخرى عن منعه وتحريمه، وإقراره اليوم في العالم، ولكن شرعه الإسلام ضمن آداب محددة، ومراحل متعددة، وإجراءات منصوصة، مع الحفاظ على حقوق الزوجين عند الطلاق وبعده، وبيان آثاره.

والأصل في حكم الطلاق أنه حلال ومكروه للحديث السابق "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". وقد يختلف حكمه بحسب الأحوال والظروف، وتعتريه الأحكام الخمسة بحسب الأشخاص.

وشرع الإسلام الطلاق ـ في الأصل ـ بيد الزوج؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق" رواه ابن ماجه والدارقطني؛ لأن الزوج هو الذي دفع المهر، وأنفق على الزوجة والبيت، وهو أكثر تؤدة وتقديراً لمخاطره وعواقبه، وهو أبعد عن الطيش والعاطفة في التصرفات التي تلحق الضرر؛ ولأنه يلتزم بآثار الطلاق كالمهر المؤجل، ونفقة العدة، ومتعة الطلاق، والبحث عن زوجة أخرى ومهر جديد؛ مما يدفعه للتروي في إيقاع الطلاق، وقد قبلت المرأة الزواج على أن الطلاق بيد الرجل، وتستطيع أن تشترطه لنفسها إن رضي الرجل، ولها أن تطلب الطلاق من القاضي عند وقوع الضرر عليها.

ومتى وقع الطلاق ترتبت عليه آثار كثيرة، فيجب على الرجل دفع المهر المؤجل، والنفقة للزوجة في العدة، ومتعة الطلاق كما سبق، ويجب على المرأة العدة، والحضانة للأولاد الصغار.

وشرّع الإسلام الطلاق مرّة بعد مرّة، لقوله تعالى: }الْطَّلاقُ مَرَّتَانِ{ [البقرة 229]، وشرع الرجعة بعد كل طلقة، لتكون فرصة للزوجين بمراجعة النفس، ومحاسبتها على ما صدر منها، والتوازن بين الفراق الدائم أو العودة، وتذكر محاسن الزوج الآخر، والبحث في مصير الأولاد، فإن رأى الزوج المصلحة في العودة؛ راجع زوجته في العدة بمجرد قوله؛ ومن دون عقد ولا مهر جديدين، وتعود الحياة الزوجية إلى مجاريها، وهكذا في الطلقة الثانية، فإن انتهت العدة صارت بائنة عنه، وجاز لهما الرجوع بعقد ومهر جديدين، وإن طلقها الثالثة صارت بائنة عليه بينونة كبرى، فلا تحل له، ولا يمكنه الرجوع إليها إلا بعد أن تتزوج بآخر زواجاً صحيحاً، ويتم الدخول، فإن طلقها بعد ذلك طلاقاً صحيحاً ومضت عدتها؛ جاز للأول أن يرجع إليها بعقد ومهر جديدين، قال تعالى: }الْطَّلاقُ مَرَّتَان…٭ فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ{ [البقرة 229 ، 230].

ثانياً ـ الطرق الخاصة لإنهاء الزواج:

وهي طرق كثيرة، ولكنها نادرة وقليلة، وأكثرها وقوعاً الخلع، وقد ينتهي الزواج بأسباب أخرى، وبيان ذلك فيما يلي:

1ـ الخلع: وهو فرقة بعوض بلفظ طلاق أو خلع، وذلك بأن تطلب المرأة التفريق من زوجها، على أن تدفع له البدل من ذلك، لتفتدي نفسها به، لقوله تعالى: }فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عََلَيْهِمَا فِيمَا افْتََدَتْ بِهِ{ (البقرة 229]، وقال تعالى: }فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً{ [النساء 4]، وأتت امرأة ثابت بن قيس إلى النبيr تشكو زوجها، وقد أعطاها حديقة مهراً، فقال عليه الصلاة والسلام: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، فاستدعاه رسول اللهr، وعرض عليه القضية، وقال له: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة" رواه البخاري، وأبو داود والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد، وأجمع المسلمون على جواز الخلع؛ لأنه رفع عقد بالتراضي؛ لدفع الضرر عن المرأة غالباً، وعوض الخلع كالصداق يصح أن يكون قليلاً أو كثيراً، ويتحدد غالباً بمقدار المهر أو أقل أو أكثر، من جنسه أو من غير جنسه، لكن يكره أن يزيد على مقدار المهر، ويقع الخلع طلاقاً بائناً أو فسخاً للزواج.

2ـ التفريق من القاضي، وذلك بأن ترفع المرأة أمرها للقاضي، وتشكو زوجها، فيفرق بينهما للضرر، أو لغيبة الزوج، أو للعيب أو للعلل الجنسية، أو لسوء العشرة، أو لعدم الإنفاق، أو للشقاق بين الزوجين، أو لحبس الزوج، ويلحق بذلك التفريق بسبب الردة أو إسلام أحد الزوجين، وفي ذلك تفصيل بين الفقهاء، وقررت ذلك قوانين الأحوال الشخصية.

الإيلاء: وهو لغة الحلف واليمين، واصطلاحاً: هو أن يحلف الزوج على الامتناع من وطء الزوجة مطلقاً، أو أكثر من أربعة أشهر، وهو حرام لما فيه من إيذاء الزوجة، ومنعها من حقها بالامتناع عن الاستمتاع المشروع، وإلحاق الضرر بها، لذلك نهى القرآن الكريم عنه، ووضع له الحل، فقال تعالى: }للَّذين يُؤْلُونَ مِن نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإن فَاؤُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم ٭ وَإِن عََزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيم{ [البقرة 226ـ227]، وهنا يمهل الزوج أربعة أشهر حداً أقصى، فإن رجع كفر عن يمينه، وعادت المياه إلى مجاريها في الحياة الزوجية، وإن أبى الزوج الفيئة بالوطء أو بالطلاق؛ رفع الأمر إلى القاضي ويطلق عنه طلقة؛ أو يعد انتهاء المدة طلاقاً بذاته.

4ـ الظهار: مشتق من الظهر؛ لأن صورته الأصلية أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، أي أنت علي حرام، أي ظهرك محرم علي كتحريم ظهرها، وكان طلاقاً في الجاهلية؛ لتبقى المرأة من دون زوج، ولا يمكنها أن تنكح غيره، ولا رجعة بعده، فألغاه الإسلام، وقد يشبه الرجل زوجته بإحدى محارمه الأخريات، ولذلك عرفه الفقهاء بأن يشبه الزوج الزوجة في الحرمة بما لا يحل له من محارمه كأمه أو أخته.

والظهار حرام في الشرع، وهو كبيرة من الكبائر، وثبت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: }الَّذِيَن يُظَاهِرُونِ مِنكمُ مِن نِسَائِهِم مَاهُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُم إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً{ [المجادلة 2]، فهو منكر؛ لأنه إيذاء وإضرار بالزوجة، وهو زور وكذب وافتراء وتغيير للحقيقة، فالزوجة ليست أماً، وروت خولة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنها قالت: "ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت، فجئت رسول اللهr أشكو إليه، فنزل القرآن، فبين لها الحكم"، رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم والطبري، وأجمع المسلمون على تحريم الظهار وأنه من الكبائر، ويتحلل منه بالكفارة.

ومتى ظاهر الزوج من زوجته فإنه يحرم عليه وطؤها قبل أن يعود عن كلامه بالكفارة؛ لقوله تعالى: }وَالَّذِيَن يُظَاهِرُونَ مِن نِسَائِهِم ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِن قَبْل أَن يَتَمَاسَا…٭ فَمَن لَْم يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَا فَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّيَن مِسْكِيناً{ [المجادلة 3ـ4]، فإن امتنع الزوج عن العود عن ظهاره وتقديم الكفارة؛ فيقوم القاضي بالتفريق بين الزوجين لرفع الضرر والإيذاء الذي يلحق بالزوجة.

5ـ اللعان: هو لغة: مصدر لاعن يلاعن ملاعنة ولعاناً، وأصل اللعن الطرد والإبعاد، وسمي اللعان الشرعي بذلك لبعد أحد الزوجين من الرحمة؛ لأن الكاذب يستحق بالإثم والكذب الطرد من رحمة الله تعالى، والإبعاد عنها، أو لبعد أحد الزوجين عن الآخر بعد إجرائه، فلا يجتمعان أبداً، واللعان اصطلاحاً كلمات معلومة، جعلت حجة للمضطر إلى قذف زوجته أو نفي الولد منها، وكيفيته: أن يقسم الزوج أربع مرات على صدقه في قذف زوجته بالزنى، والخامسة باستحقاقه لعنة الله إن كان كاذباً، وبذلك يبرأ من حد القذف، ثم تقسم الزوجة أربع مرات على كذبه، والخامسة باستحقاقها غضب الله إن كان صادقاً، فتبرأ من حد الزنى، ثم يفرق بينهما أبداً، فلا يحق لهما التزوج من بعضهما ثانية.

وثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: }وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِيَن{ [النور 6]، وسأل عويمر العجلاني رسول اللهr عن ذلك، فبيّن له اللعان، رواه البخاري ومسلم، وكذلك قصة هلال بن أمية أنه قذف امرأته، فتلاعنا، رواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي، وأجمع الصحابة ومن بعدهم على مشروعية اللعان بين الزوجين.

والأصل أن من قذف امرأة بالزنى، وجب عليه أن يأتي بالبينة، وإلا أقيم حد القذف عليه، واستثني الزوج من ذلك؛ لأنه إذا رأى الفاحشة من زوجته فإنه مضطر إلى كشف ذلك؛ لأنها لطخت فراشه، وألحقت العار به، وقد تأتي بولد ينسب إليه إن سكت، وإن طلقها التزم بالمهر كاملاً، ولحقه نسب الولد الذي سيأتي، فلا تنتهي المشكلة بالطلاق، فشرع الإسلام اللعان لتحقيق العدالة بين الزوجين؛ لأنه قد يكون الزوج كاذباً، فيطللب منه اللعان باليمين خمس مرات أنه صادق، ولا يحد حد القذف، وتدرأ الزوجة عن نفسها التهمة باللعان باليمين خمس مرات أنه كاذب، ويتحمل كل منهما نتيجة يمينه إن كان صادقاً أو كاذباً، ثم يفرق بين الزوجين تفريقاً أبدياً، وإن تم نفي الولد باللعان، فينتفي نسبه من الزوج، ويلحق بالزوجة فقط؛ لما ورد في الحديث الشريف "أن رجلاً رمى امرأته (أي بالزنى)، فانتفى من ولدها في زمان رسول اللهr، فأمر بهما، فتلاعنا، كما قال الله تعالى، ثم قضى بالولد للمرأة، وفرق بين المتلاعنين" رواه البخاري ومسلم والبيهقي، ويحرم كل من الزوجين على الآخر إلى الأبد؛ لحديث سهل بن سعدt قال: "مضت السنة بعدُ في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً" رواه أبو داود، فلا تحل له بعد ذلك.

6ـ التفريق بسبب الردة أو إسلام أحد الزوجين، فإذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق عند الحنفية، ولا حاجة إلى تفريق القاضي، وقال المالكية: إن فرقة الردة طلاق، وقال الشافعية والحنابلة: يتوقف فسخ النكاح على انقضاء العدة، فإن أسلم المرتد قبل انقضائها؛ فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة؛ تم الطلاق، وبانت المرأة منذ اختلف الدينان، وإن كانت الردة بعد الدخول فللزوجة المهر كاملاً، وإن كانت قبل الدخول؛ فللزوجة نصف المهر، وإن كانت المرأة هي المرتدة قبل الدخول فلا شيء لها؛ لأنها المتسببة، وإن كانت الردة بعد الدخول فلها المهر كاملاً.

وإذا أسلمت المرأة، وزوجها كافر؛ عرض القاضي عليه الإسلام، فإن أسلم فهي زوجته، وإن أبى فرق القاضي بينهما لعدم جواز بقاء المسلمة عند كافر.

وإذا أسلم الزوج، وكانت امرأته كتابية (من الدين اليهودي أو النصراني)؛ فيبقى الزواج، أما إن كانت مجوسية أو وثنية أو ملحدة؛ فيعرض القاضي عليها الإسلام، فإن أسلمت فهي امرأته، وإن أبت فرق القاضي بينهما؛ لأن نكاح المجوسية أو الوثنية أو الملحدة حرام مطلقاً، فإن حصل ذلك قبل الدخول فلا مهر لها، وإن كان بعد الدخول فلها المهر المسمى.

وإذا أسلمت المرأة في دار الحرب لم تقع الفرقة عليها حتى تنقضي عدتها؛ لأن إسلام زوجها مرجو، والعرض عليه متعذر، فنزل منزلة الطلاق الرجعي، فإذا انقضت عدتها ولم يسلم زوجها؛ بانت منه.

وبعد فهذه نبذة مختصرة عن الزواج وأحكامه وانحلاله، وهناك تفصيلات كثيرة في كتب الفقه، وجاءت مدونة في قوانين الأسرة، أو قوانين الأحوال الشخصية.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (مطبعة عيسى الحلبي، القاهرة، د.ت).

ـ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (دار الفكر، ط4 معدلة، دمشق 1418هـ/1997م).

ـ محمد الزحيلي، المعتمد في الفقه الشافعي (دار القلم، ط1، دمشق 1428هـ/2007م).

ـ محمد الخطيب الشربيني، مغني المحتاج (مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، 1377هـ/1958م).

ـ ابن قدامة المقدسي، المغني (دار المنار، مصر 1367هـ).

ـ الكاشاني، بدائع الصنائع (مطبعة الجمالية، القاهرة 1327هـ/1911م).


- التصنيف : العلوم الشرعية - النوع : العلوم الشرعية - المجلد : المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي - رقم الصفحة ضمن المجلد : 84 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق