تعويض
compensation - dommages-intérêts

 التعويض

التعويض

فواز صالح

تعريف التعويض وطريقته 

أنواع التعويض

تقدير التعويض

 

أولاً- تعريف التعويض وطريقته:

1- تعريف التعويض:

هو جزاء المسؤولية المدنية بنوعيها العقدية والتقصيرية، ويهدف إلى جبر الضرر الذي لحق بالمضرور. ويتميز التعويض  Les dommages-intérêts بهذا المعنى من العقوبة، إذ إن الغاية من العقوبة هي مجازاة المجرم على جرمه وبالتالي ردعه، وكذلك ردع غيره، ويترتب على ذلك أن التعويض يقدر بقدر الضرر، أما العقوبة فتقدر بقدر درجة خطورة الفاعل على المجتمع، وجسامة خطئه.

2- طريقة التعويض:

تنص المادة (172) مدني على ما يأتي:

«1- يعيّن القاضي طريقة التعويض تبعاً للظروف، ويصح أن يكون التعويض مقسطاً كما يصح أن يكون إيراداً مرتباً. ويجوز في هاتين الحالتين إلزام المدين بأن يقدم تأميناً.

2- ويقدر التعويض بالنقد، على أنه يجوز للقاضي تبعاً للظروف وبناءً على طلب المضرور، أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، أو أن يحكم بأداء أمر معيّن متصل بالعمل غير المشروع، وذلك على سبيل التعويض».

يتبين من نص هذه المادة أن التعويض إما أن يكون عيناً، وإما أن يكون بمقابل.

أ- التعويض العيني: وهو إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر. والتعويض العيني يؤدي إلى وفاء الالتزام عيناً، والوفاء العيني بالالتزام هو الأصل في الالتزامات العقدية. ويمكن أن يقع الوفاء العيني بالالتزام في إطار الالتزامات غير العقدية أيضاً. فإذا أخل المدين بالتزامه بعدم الإضرار بالغير، كأن يقوم شخص ببناء حائط من أجل حجب النور والهواء عن جاره بشكل تعسفي، يمكن أن يحكم عليه بالتعويض العيني، أي إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر، وذلك بإزالة الجدار وهدمه على حساب من بناه. وإذا طالب المضرور بالتعويض العيني -وكان ممكناً- فيجب على القاضي أن يحكم به. ولكن لا يجوز للقاضي أن يجبر المدين على قبول التعويض العيني، ولا يلزم المضرور بطلب التعويض العيني؛ ولاسيما إذا لم يتقدم به المسؤول. ويستنتج من نص المادة (172) مدني أن القاضي يملك سلطة اختيار طريقة التعويض التي يراها أصلح من غيرها من أجل جبر الضرر الواقع؛ آخذاً بالحسبان طلب المضرور والظروف المحيطة بوقوع الفعل غير المشروع.

ب- التعويض بمقابل: إذا كان التعويض العيني يؤدي إلى محو الضرر وإزالته؛ فإن التعويض بمقابل يهدف إلى جبر الضرر. وقد يكون المقابل في هذا التعويض نقداً أو غير نقدي. ويحكم بالتعويض غير النقدي غالباً لجبر الضرر الأدبي، ومثاله أن يقرر القاضي في حكمه نشر الحكم الصادر بإدانة المسؤول في أي اعتداء على حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وكفرض الحراسة وإيقاع الحجز.

ولكن يبقى التعويض النقدي هو الأصل في دعوى المسؤولية التقصيرية. ويحكم القاضي به عندما يتعذر الحكم بالتعويض العيني، أو عندما لا يطلب المضرور التعويض العيني. والأصل في التعويض النقدي أن يكون مبلغاً نقدياً يدفعه المدعى عليه مرّة واحدة للمضرور. ولكن أجازت المادة (172) مدني للقاضي أن يحكم بتعويض نقدي مقسط، أو إيراد مرتب مدى الحياة. فمثلاً إذا أدى العمل غير المشروع إلى عجز المضرور عن العمل عجزاً كلياً يمكن أن يحكم القاضي على المسؤول في مثل هذه الحال بإيراد مرتب مدى الحياة للمضرور. ويجوز للقاضي أن يلزم المسؤول بتقديم تأمين. وتجيز المادة (460) من قانون أصول المحاكمات لعام 1953 وتعديلاته إكراه المسؤول عن الفعل غير المشروع مبدئياً وحبسه من أجل تأمين تعويض الأضرار الناجمة عن جرم جزائي.

ثانياً- أنواع التعويض:

تنص المادة (222) مدني على أنه: «1- إذا لم يكن التعويض مقدراً في العقد أو بنص في القانون فالقاضي هو الذي يقدره. ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به، ويعتبــر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول. 2- ومع ذلك إذا كان الالتزام مصدره العقد، فلا يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشاً أو خطأ جسيماً إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد».

يستخلص من نص هذه المادة أن التعويض على ثلاثة أنواع، وهي:

1- التعويض الاتفاقي:

ويسمى هذا التعويض بالتعويض الاتفاقي؛ لأنه يقدر باتفاق مسبّق بين الطرفين. وهذا ما أجازته المادة (224) مدني للمتعاقدين، إذ جاء فيها أنه: «يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً قيمة التعويض، بالنص عليها في العقد، أو في اتفاق لاحق، ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد (216) إلى (221)». وإذا تم اشتراط التعويض في العقد فيسمى بالشرط الجزائي. ويفضل المتعاقدان غالباً الاتفاق في العقد على شرط جزائي، ولاسيما من أجل ضمان تنفيذ التزام بعمل أو التزام بالامتناع عن عمل؛ وذلك لأن الشرط الجزائي يؤدي إلى التقليل من المنازعات التي قد تنشأ بصدد ركن الضرر في نطاق المسؤولية المدنية. زد على ذلك أن إدراج مثل هذا الشرط في العقد يسهل من مهمة القاضي في تقدير التعويض. كما يضمن إدراج مثل هذا الشرط في العقد التنفيذ العيني للالتزام، أو عدم التأخر في تنفيذه. والأصل أن يكون الشرط الجزائي مبلغاً من النقود، ولكن لا يوجد ما يمنع أن يكون شيئاً آخر، كأن يتفق المتعاقدان في عقد البيع بالتقسيط حلول جميع الأقساط إذا أخل المشتري في دفع قسط من الأقساط. أو كأن ينص عقد إيجار الأرض الزراعية على تسليم الأرض عند انتهاء مدة الإيجار خالية، وينص أيضاً على حق المؤجر في تملك ما يكون بها من زراعة عند انتهاء تلك المدة في حال إخلال المستأجر بالتزامه بالتسليم على النحو المتفق عليه. ويتميز الشرط الجزائي بهذا المعنى من العربون من حيث إن الأول له صفة التعويض، وبالتالي لا يستحق إلا في حالة تعذر تنفيذ الالتزام تنفيذاً  عينياً، في حين أن العربون هو حق كل من المتعاقدين في العدول عن العقد مقابل خسارة مقدار العربون حتى لو لم يترتب على ذلك العدول أي ضرر؛ وفقاً لما ذهبت إليه المادة (104) مدني. وبالتالي إذا تضمن العقد شرطاً جزائياً عند النكول لا يكون عقداً بالعربون، وإنما يعدّ المبلغ سلفة؛ لأن المتعاقدين وضعا شرطاً جزائياً على النكول بالعقد. ويترتب على ذلك أن مجرد وجود شرط جزائي في العقد يجعل العقد منجزاً وباتاً. كما يتميز الشرط الجزائي من الصلح من حيث إنه اتفاق مسبّق على تقدير التعويض قبل تحقق سبب استحقاقه؛ وهو الإخلال بتنفيذ الالتزام أو التأخر في تنفيذه، في حين أن الصلح هو اتفاق لاحق على تقدير التعويض بعد تحقق سبب استحقاقه.

أ- طبيعة الشرط الجزائي: سبق القول: إن الشرط الجزائي هو اتفاق مسبّق على تقدير التعويض. وبما أن الشرط الجزائي هو اتفاق؛ فهو يخضع لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وللأحكام العامة للعقد. ويهدف هذا الاتفاق إلى تحديد مبلغ التعويض مسبّقاً فيما لو أخل المدين بالتزامه لاحقاً أو تأخر في تنفيذه فيتوجب عليه دفع ذلك المبلغ؛ وبالتالي فإن الشرط الجزائي فيه صفة التعويض أيضاً إضافة إلى صفة الاتفاق، ونتيجة ذلك فهو يخضع لأحكام التعويض بمقابل. زد على ذلك أن الشرط الجزائي يتضمن معنى الجزاء أو العقوبة الخاصة؛ وبالتالي يمكن أن يكون مبلغ التعويض فيه أكثر من قيمة الضرر، كما أن الدائن يعفى من إثبات الضرر الذي لحق به نتيجة الإخلال بالالتزام الأصلي أو التأخر في تنفيذه.

ب- خصائص الشرط الجزائي: يتميز الشرط الجزائي بالخصائص الآتية:

(1) الشرط الجزائي هو اتفاق عقدي؛ وبالتالي تسري عليه جميع أحكام العقد من أركان وشرائط صحة وبطلان وقابلية للإبطال. ولكنه اتفاق يتضمن خروجاً على القواعد العامة في التنفيذ العيني؛ وبالتالي فإن النصوص التي تقرره تعدّ نصوصاً استثنائية لا يمكن القياس عليها.

(2) الشرط الجزائي هو اتفاق تبعي يحدد التزاماً جزائياً، ولا ينشأ إلا نتيجة الإخلال بالتزام أصلي. وبالتالي فإن الشرط الجزائي يتبع الالتزام الأصلي وجوداً وعدماً. ويترتب على ذلك أن الشرط الجزائي لا ينشئ الالتزام بالتعويض، وإنما الإخلال بالالتزام الأصلي هو الذي ينشئه، ويؤدي إلى تحقق الشرط الجزائي. ويقتصر دور هذا الشرط على تحديد مبلغ هذا التعويض. ويترتب على الصفة التبعية للشرط الجزائي أن بطلان الالتزام الأصلي أو انقضاءه يؤدي إلى بطلان الشرط الجزائي أو انقضائه. كما أن مطالبة الدائن بفسخ العقد المنشئ للالتزام الأصلي يؤدي إلى إبطال الشرط الجزائي حتى لو كان هذا الشرط منصوصاً عليه في اتفاق لاحق. وبالمقابل فإن بطلان الشرط الجزائي لا يؤدي إلى بطلان الالتزام الأصلي الذي يبقى قائماً.

ج- شرائط الشرط الجزائي: من الرجوع إلى نص المادة (224) مدني يتبين أن تطبيق الشرط الجزائي يخضع لتوافر الشرائط الآتية:

(1) إخلال المدين بالتزامه الأصلي أو التأخر في تنفيذه، وتعذر التنفيذ العيني جبراً عنه. ويترتب على ذلك أنه لا يحق للدائن أن يطلب تطبيق الشرط الجزائي مادام التنفيذ العيني ممكناً؛ إلا إذا وافقه المدين على طلبه. كما لا يحق للمدين أن يستبدل تطبيق الشرط الجزائي بالتنفيذ العيني؛ ما لم يوافقه الدائن على ذلك. ولا يجوز الجمع بين الشرط الجزائي وبين التنفيذ العيني إلا إذا كان الشرط هو جزاء التأخر في تنفيذ الالتزام.

(2) إعذار المدين: يجب على الدائن قبل تطبيق الشرط الجزائي أن يقوم بإعذار المدين؛ طبقاً لما نصت عليه المادة (219) مدني بدلالة المادة (224) منه.

(3) أن يؤدي إخلال المدين بالتزامه إلى إلحاق ضرر بالدائن: ولكن المادة (225/1) أعفت الدائن من إثبات الضرر، وجعلت من مجرد إخلال المدين بالتزامه أو تأخره في تنفيذه قرينة على وقوع الضرر، ولكن هذه القرينة بسيطة تقبل إثبات العكس، ويترتب على المدين عبء ذلك. تنص المادة (225) مدني على أنه: «1- لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر. 2- ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه. 3- ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين».

(4) قيام علاقة السببية بين إخلال المدين بالتزامه وبين الضرر الذي لحق بالدائن: ولكن بما أن القانون قد افترض الضرر، وأعفى الدائن من عبء إثباته؛ فيتعذر تكليفه بإثبات علاقة السببية بين ذلك الضرر المفترض وإخلال المدين بالتزامه الأصلي؛ وبالتالي فإن علاقة السببية تكون مفترضة أيضاً، ويقع على عاتق المدين عبء إثبات نفيها. ويستخلص من ذلك أنه يكفي من أجل تطبيق الشرط الجزائي أن يثبت الدائن إخلال المدين بالتزامه؛ إلا إذا استطاع المدين أن يثبت عدم إلحاق الضرر بالدائن، أو يثبت انتفاء علاقة السببية، وذلك بإثبات السبب الأجنبي.

يلاحظ من خلال هذه الشرائط أن المشرع رجح صفة التعويض في الشرط الجزائي على صفة الاتفاق.

د- آثار الشرط الجزائي: يترتب على تحقق شرائط الشرط الجزائي وجوب تطبيقه والقضاء بمضمونه، ويترتب على ذلك الآثار الآتية:

(1) افترض المشرع في الشرط الجزائي وقوع الضرر بمجرد إخلال المدين بالتزامه، وبالتالي أعفى الدائن من إثبات الضرر. ولكن هذا الافتراض بسيط؛ لأنه يقبل إثبات العكس، إذ إنه أجاز للمدين إثبات أن الدائن لم يلحق به أي ضرر نتيجة إخلاله بالتزامه حتى يتخلص من تطبيق الشرط الجزائي. ويقع باطلاً الاتفاق على خلاف ذلك بموجب (المادة 225/3) مدني. وهكذا يكون المشرع قد نقل عبء إثبات الضرر من الدائن إلى المدين.

(2) إلزام المتعاقدين والقاضي -من حيث المبدأ- بمضمون الشرط الجزائي: إذا تحققت شرائط الشرط الجزائي يلتزم المتعاقدان والقاضي بمضمونه؛ وبالتالي يجب على القاضي الحكم على المدين بدفع المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي بغض النظر عن قيمة الضرر الذي أصاب الدائن. ويلاحظ من خلال ذلك أن المشرع رجح هنا صفة الاتفاق في الشرط الجزائي على صفة التعويض. ولكن هذا الإلزام ليس مطلقاً، وإنما هو مقيد بالسلطة التي قررها المشرع للقاضي في تعديل الشرط الجزائي.

(3) سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي: أجاز المشرع للقاضي تعديل المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي تخفيضاً وزيادةً.

q سلطة القاضي في تخفيض المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي: أجاز المشرع للقاضي أن يخفض مبلغ التعويض المتفق عليه في الشرط الجزائي في الحالات الآتية:

Ÿ الحالة الأولى: قيام المدين بتنفيذ التزامه الأصلي تنفيذاً جزئياً: ونصت على هذه الحالة المادة (225/2) مدني. ويتوجب على القاضي تخفيض مبلغ التعويض في الشرط الجزائي بما يتناسب مع هذا التنفيذ الجزئي للالتزام الأصلي. وذلك لأن تطبيق الشرط الجزائي كما هو متفق عليه في العقد حتى لو قام المدين بتنفيذ التزامه تنفيذاً جزئياً يجافي العدالة والمنطق السليم؛ وذلك لأن تطبيقه سيؤدي إلى اشتداد الجزاء كلما ازدادت نسبة التنفيذ في الوفاء الجزئي، واقترب من التنفيذ الكلي.

Ÿ الحالة الثانية: تقدير مبلغ التعويض في الشرط الجزائي مبالغ فيه على نحو كبير: ونصت على هذه الحالة أيضاً المادة (225/2) ذاتها. ومثال ذلك البيع بالتقسيط، فإذا تضمن العقد شرطاً جزائياً ينص على أنه إذا تأخر المشتري في دفع قسط من الأقساط ينفسخ العقد من تلقاء ذاته دون حاجة إلى حكم أو إعذار، ولا يلتزم البائع برد الأقساط المدفوعة بوصفها تعويضاً له عن فسخ العقد، فيمكن للقاضي استناداً إلى نص المادة المشار إليها أعلاه وبناءً على طلب المدين تخفيض قيمة التعويض الذي يستحقه البائع بموجب ذلك الشرط.

وتجدر الإشارة إلى أن المادة (107) من قانون التجارة السوري الجديد رقم (33) لعام 7200 - والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 1/4/2008- جردت القاضي من سلطة تخفيض مبلغ التعويض في الشرط الجزائي في مثل هاتين الحالتين، إذ تنص على أنه «في المواد التجارية لا يجوز للقاضي أن يخفض التعويض الاتفاقي ولو أثبت المدين أن تقديره كان مبالغاً فيه أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه، وللقاضي أن يعفي المدين من أداء التعويض إذا ثبت عدم إصابة الدائن بأي ضرر».

كما تنص المادة (101) من القانون نفسه على أنه في عقد الإيجار مع الوعد بالبيع، إذا تضمن العقد شرطاً يجيز للمؤجر الاحتفاظ على سبيل التعويض - في حال عدم وفاء المستأجر بالتزاماته - بأجور المدة المتبقية من الإيجار؛ يطبق هذا الشرط دون إعمال أحكام المادة (225/2) ) مدني. ويبدو أن الهدف من تجريد القاضي من سلطته في تخفيض مبلغ التعويض في الشرط الجزائي في المسائل التجارية هو إعمال اتفاق الطرفين، وترك المجال للتجار في تقدير الأضرار التي يمكن أن تلحق بأعمالهم وتجارتهم في حال إخلال المدين بالتزاماته.

Ÿ الحالة الثالثة: تجاوز قيمة الشرط الجزائي الحد الأقصى للفوائد الاتفاقية في حال ما إذا كان محل الالتزام الأصلي دفع مبلغ من النقود: وأوجبت المادة (228) مدني على القاضي في مثل هذه الحالة تخفيض مبلغ الشرط الجزائي إلى الحد الأقصى للفوائد المسموح به قانوناً.

q سلطة القاضي في زيادة مبلغ الشرط الجزائي: إذا تجاوز الضرر قيمة مبلغ التعويض في الشرط الجزائي أجاز المشرع للقاضي زيادة مبلغ التعويض في حالتين:

Ÿ الحالة الأولى: عدم وفاء المدين بالتزامه الأصلي يعود إلى ارتكابه غشاً أو خطأ جسيماً: ويحق للقاضي هنا زيادة مبلغ التعويض إلى ما يعادل قيمة الضرر الحقيقي؛ وفقاً لما جاء في المادة (226) مدني.

Ÿ الحالة الثانية: عدم جدية قيمة الشرط الجزائي: فإذا كان مبلغ التعويض في الشرط الجزائي تافهاً بحيث لا يتناسب مع قيمة الضرر الذي لحق بالمدين نتيجة ارتكاب المدين غشاً أو خطأ جسيماً؛ يمكن أن يستشف من ذلك أن الشرط الجزائي هو بمنزلة إعفاء المدين من المسؤولية في حال ما إذا كان الضرر ناجماً عن غش أو خطأ جسيم ارتكبه المدين، وذلك من أجل التهرب من نص المادة (218/2) مدني والذي يمنع مثل هذا الشرط بنص آمر؛ وبالتالي يجوز للقاضي في مثل هذه الحالة زيادة مبلغ التعويض في الشرط الجزائي إلى قيمة الضرر الحقيقي.

2- التعويض القانوني:

وهو التعويض الذي يقدره المشرع بموجب نص قانوني. ومثال ذلك المواد من (24 إلى 35) من قانون التأمينات الاجتماعية السوري رقم (92) لعام 1959 وتعديلاته التي تقرر تعويضاً معيّناً لكل إصابة من إصابات العمل. وكذلك المادة (2/ب) من قانون إيجار العقارات السوري رقم (6) لعام 2001 وتعديلاته والتي أعطت الحق للمالك في العقارات المؤجرة للسكن باستثناء العقارات المملوكة للجهات العامة أو المؤجرة لها في طلب إنهاء العلاقة الإيجارية واسترداد العقار المأجور للسكن المشمول بأحكام التمديد القانوني مقابل التعويض على المستأجر بمبلغ يعادل 40% من قيمة البناء المأجور شاغراً وبوضعه  الراهن بتاريخ الكشف والخبرة على المأجور من قبل المحكمة؛ وذلك بعد ثلاث سنوات من تاريخ نفاذ القانون. ولكن أهم حالة تدخل فيها المشرع مقدراً التعويض بموجب نص قانوني هي حالة الالتزام بدفع مبلغ من النقود، ويقدر المشرع التعويض في مثل هذه الحال على شكل فوائد تعويضية أو تأخيرية.

أ - خصائص الفوائد التأخيرية: تمتاز الفوائد التأخيرية بالخصائص الآتية:

(1) حدد القانون - من حيث المبدأ- مقدار التعويض عن التأخير في الوفاء بالتزام نقدي بفوائد قدرها 4% من مبلغ الدين سنوياً في المسائل المدنية، و5% في المسائل التجارية. (المادة 227 مدني).

(2) أجاز المشرع للطرفين الاتفاق على معدل آخر للفوائد شريطة ألا يتجاوز نسبة 9% من مبلغ الالتزام الأصلي تحت طائلة بطلان ما يزيد على ذلك، ورد ما دفع زيادة على هذا المعدل؛ وفقاً لما جاء في المادة (228) مدني.

(3) الفوائد التأخيرية مقدرة في القانون جزافاً، أي إنها غير مقدرة على أساس قيمة الضرر الحقيقي الذي لحق بالدائن نتيجة تأخير المدين في الوفاء بالتزامه النقدي، وإنما هي مقدرة على أساس سعر معدل الفائدة في السوق المالية.

(4) الضرر في الفوائد القانونية مفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس، وبالتالي يعفى الدائن من إثبات هذا الضرر، ولا يستطيع المدين إثبات أن الدائن لم يلحق به أي ضرر نتيجة تأخيره في تنفيذ التزامه. (المادة 229 مدني).

ب - شرائط استحقاق الفوائد التأخيرية: يعدّ استحقاق الفوائد التأخيرية نتيجة إخلال المدين بالتزامه بدفع مبلغ من النقود من قبيل التنفيذ عن طريق التعويض، وبالتالي يتطلب استحقاقه توافر جميع شرائط استحقاق التنفيذ عن طريق التعويض، وهي: خطأ المدين؛ وهو إخلاله بتنفيذ التزامه، وضرر الدائن، وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر، والإعذار. ولكن المشرع خرج عن هذه الشرائط بالنسبة إلى استحقاق الفوائد التأخيرية. فخطأ المدين هو تأخره في تنفيذ التزامه بدفع مبلغ من النقود. وأما ضرر الدائن فهو مفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس، وكذلك علاقة السببية. ويتوجب هنا أيضاً -وعلى غرار الشرط الجزائي- إعذار المدين. وهذا ما تنص عليه المادة (227) مدني، إذ جاء فيها أنه «إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود، وكان معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به؛ كان ملزماً بأن يدفــــــــع للدائن -على سبيل التعويض عن التأخر- فوائد قدرها أربعة في المئة في المسائل المدنية، وخمسة في المئة في المسائل التجارية. وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها؛ إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها، وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره». ويتبين من نص هذه المادة أنه يشترط لاستحقاق الفوائد التأخيرية توافر الشرائط الآتية:

(1) أن يكون الدين الذي تستحق عنه الفوائد التأخيرية معلوم المقدار وقت الطلب. وبالتالي يخرج عن نطاق استحقاق الفوائد التأخيرية المبلغ الذي يطالب به المتضرر من فعل غير مشروع؛ وذلك لأن التعويض عن الفعل غير المشروع ليس معلوم المقدار قبل تحديده بحكم قضائي أو باتفاق رضائي. ولكن بعد تحديده يصبح معلوم المقدار، وبالتالي يترتب على التأخير بدفعه استحقاق الفوائد التأخيرية. ويقصد بأن يكون الدين معلوم المقدار أن يكون تقديره قائماً على أسس ثابتة لا تكون محل خلاف أو تفاوت كبيرين، حتى لو كان محل نزاع.

(2) أن يطالب الدائن بالفوائد التأخيرية أمام القضاء؛ وذلك لأنها لا تسري إلا من تاريخ المطالبة القضائية بها أمام المحكمة المختصة بالنظر فيها. ويستثنى من ذلك الحالات الآتية:

Ÿ اتفاق الطرفين على سريان هذه الفوائد من تاريخ آخر غير تاريخ المطالبة القضائية بها.

Ÿ وجود عرف تجاري يقضي بسريان هذه الفوائد من تاريخ آخر.

Ÿ وجود نص قانوني يقضي بسريان هذه الفوائد من تاريخ آخر. ومثال ذلك نص المادة (426) مدني الذي يقضي بأن البائع يستحق عن الثمن فوائد في حال ما إذا أعذر المشتري من أجل دفعه، أو إذا سلم المبيع للمشتري وكان قابلاً لإنتاج ثمار وإيرادات.

ج- حالات زيادة الفوائد القانونية وتخفيضها:

(1) حالات زيادة الفوائد القانونية: يمكن زيادة الفوائد القانونية في حالتين، وهما:

Ÿ الحالة الأولى: تسبب المدين في إلحاق الضرر بالدائن عن سوء نية: إذا تقصد المدين إلحاق الضرر بالدائن، وكان الضرر أكبر من قيمة الفوائد القانونية أجازت المادة (232) مدني للدائن أن يطالب بتعويض تكميلي إضافة إلى الفوائد.

Ÿ الحالة الثانية: الحساب الجاري: يختلف معدل الفوائد التجارية التي تطبق على الحساب الجاري باختلاف الجهات، وتحسب الفوائد المركّبة في الحساب الجاري وفقاً لما يقضي به العرف التجاري؛ طبقاً لما نصت عليه المادة (234) مدني.

(2) حالات تخفيض الفوائد القانونية: أجاز القانون تخفيض الفوائد القانونية في ثلاث حالات، وهي:

Ÿ الحالة الأولى: تسبب الدائن بسوء نية في إطالة أمد النزاع: إذ يمكن للقاضي في هذه الحالة أن يحكم بتخفيض الفوائد بنوعيها القانونية والاتفاقية، أو لا يحكم بها نهائياً عن المدة التي تسبب الدائن بسوء نية في إطالة أمد النزاع؛ وفقاً لما ذهبت إليه المادة (230) مدني. ويقع على عاتق المدين إثبات ذلك.

Ÿ الحالة الثانية: توزيع الثمن في البيع الجبري: تنص المادة (231) مدني على أنه «عند توزيع ثمن الشيء الذي بيع جبراً لا يكون الدائنون المقبولون في التوزيع مستحقين بعد الإحالة القطعية لفوائد تأخير عن الأنصبة التي تقررت لهم في هذا التوزيع إلا إذا كان المحال عليه ملزماً بدفع فوائد الثمن، على ألا يتجاوز ما يتقاضاه الدائنون من فوائد في هذه الحالة ما هو مستحق منها قبل المحال عليه. وهذه الفوائد تقسم بين الدائنين جميعاً قسمة غرماء».

Ÿ الحالة الثالثة: تجاوز مجموع الفوائد رأس المال: لا يجوز للدائن أن يتقاضى فوائد تزيد في مجموعها على رأس المال؛ طبقاً لما نصت عليه المادة (233) مدني، ولكن دون إخلال بما يقضي به العرف التجاري.

3- التعويض القضائي:

وهو التعويض الذي يقدره القاضي، وهو الأصل. وبالتالي إذا لم يكن التعويض مقدراً بموجب اتفاق أو نص قانوني؛ فإن القاضي هو الذي يقدره. ويتبين من نص المادة (222) مدني أن التعويض يشمل ما لحق بالمدين من خسارة وما فاته من كسب. ولا يقتصر التعويض في المسؤولية المدنية بنوعيها العقدية والتقصيرية على الضرر المادي، وهو ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة، بل يشمل أيضاً الضرر الأدبي، وهو ما يؤذي  الشخص في نواحٍ معنوية كالعاطفة والكرامة والشرف، والاعتبارات الاجتماعية كإفشاء الطبيب المعالج سر مريض يضره إفشاؤه في سمعته؛ وفقاً لما جاء في المادة (223) مدني، والتي تنص على أنه: «1- يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضاً، ولكن لا يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق، أو طالب الدائن به أمام القضاء. 2- ولا يجوز الحكم بتعويض إلا للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب».

ثالثاً- تقدير التعويض:

يستحق المضرور التعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة الإخلال بالتزام عقدي، أو نتيجة عمل غير مشروع من تاريخ حدوث الضرر، لا من وقت صدور الحكم بالتعويض في دعوى المسؤولية. ويعدّ هذا الحكم مقرراً لحق المضرور في التعويض لا منشئاً له. ويترتب على ذلك أنه من وقت حدوث الضرر يحق للمضرور أن يتصرف في حقه، ويحوله للغير بموجب حوالة حق، كما له أن يتخذ من هذا التاريخ الإجراءات الاحتياطية التي تكفل له الحصول على حقه عند صدور الحكم في دعوى المسؤولية. ويستحق المضرور التعويض عن الضرر من وقت حدوثه دون حاجة إلى إعذار المسؤول؛ وذلك لأنه لا ضرورة للإعذار عندما يكون محل التزام المدين تعويضاً ترتب على عمل غير مشروع؛ وفقاً لما جاء في المادة (221/ب) مدني. أما عندما يكون محل التزام المدين تعويضاً ترتب على الإخلال بالتزام عقدي؛ فلا يستحق إلا بعد إعذار المدين ما لم ينص على خلاف ذلك؛ وفقاً لما جاء في المادة (219) مدني. كما أنه يحق للمضرور الطعن بدعوى عدم نفاذ التصرف (الدعوى البولصية) في تصرفات المسؤول الصادرة منه في الفترة الواقعة ما بين تاريخ حدوث الضرر وتاريخ صدور الحكم. وبما أن التعويض يهدف إلى جبر الضرر؛ فيجب أن يقدر بقدر الضرر. ويقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر طبقاً لما جاء في المادة (171) مدني؛ بحيث يشمل ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب مراعياً في ذلك الظروف الملابسة. ويشمل التعويض من جهة أخرى الضرر المادي والضرر الأدبي، كما أنه يشمل الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع. ويترتب على ذلك أن التعويض يجب أن يشمل الضرر المباشر، ولا يشمل الضرر غير المباشر إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص القانون عليها، كما هو عليه الحال في الضرر الناجم عن الأشعة المؤينة أو مصادر الأشعة. (تنص المادة /1/ من المرسوم التشريعي رقم (46) لعام 2005 على أن الضرر هو «الأذى الناجم عن الخواص الإشعاعية أو اختلاط الخواص الإشعاعية بالخواص السمية أو الانفجارية أو غيرها من الخواص الخطرة لمصدر أشعة يلحق بشخص ويسبب له أو لنفسه عاهة دائمة أو مؤقتة أو يؤدي إلى فقدانه الحياة أو يسبب له أضراراً مادية أو اقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر أو يلحق بالبيئة أو الممتلكات ويسبب دماراً أو تخريباً أو ضرراً لها، بما في ذلك تكاليف إعادة الحال إلى ما كان عليه وتكاليف تدابير تلافي الضرر»). كما يشمل التعويض ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب. فلو أن الشرطة ألقت القبض على فنان وهو في طريقه إلى إحياء حفلة فنية، ثم يتبين أن لا علاقة له بالجرم الذي تمَّ إلقاء القبض عليه من أجله؛ فإنه يحق له أن يرجع على المسؤول (وزارة الداخلية، أو الجهة التي تتبع لها الشرطة) بالتعويض عن الخسارة التي لحقت به، وقد تكون غالباً ضرراً أدبياً؛ وعن الربح الذي فاته، وهو ما كان سيجنيه نتيجة إحياء ذلك الحفل. ويشمل التعويض في المسؤولية العقدية الضرر المتوقع عادة وقت التعاقد، أما في المسؤولية التقصيرية فيشمل التعويض الضرر المتوقع والضرر غير المتوقع أيضاً؛ طبقاً لما جاء في المادة (222) مدني. فإذا دهس سائق سيارة شخصاً، وتبين بعد ذلك أنه كان يحمل مبلغاً كبيراً من النقود، وأثبت ذلك أمام القضاء فإن السائق يلتزم بتعويضه عن ذلك المبلغ حتى لو كان لا يتوقع في أثناء الحادث أنه كان من الممكن أن يكون حاملاً لمثل هذا المبلغ. ويجب على المحكمة أن تبين في حكمها بشأن تقدير التعويض عناصر الضرر المطلوب عنها التعويض، ومناقشة كل عنصر على نحو مستقل، ولكن لا تلزم المحكمة بأن تقدر تعويضاً خاصاً عن كل عنصر من هذه العناصر، ويحق لها أن تحكم بتعويض إجمالي عن جميع تلك  العناصر التي يستحق المضرور التعويض عنها. وإذا كان القاضي لا يخضع في تقديره للتعويض لرقابة محكمة النقض -على اعتبار أنه من الوقائع المادية التي تخضع للسلطة التقديرية للقاضي- فإن تحديد عناصر التعويض هو من المسائل القانونية التي يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة النقض. وعندما يقوم القاضي بتقدير التعويض يجب أن يراعي في ذلك الظروف الملابسة. ولكن اختلف الفقه حول المقصود بالظروف الملابسة إلى فريقين. يرى الفريق الأول أن المقصود بالظروف الملابسة هي الظروف الشخصية للمضرور فقط، فتدخل هذه الظروف وحدها في تقدير التعويض؛ وذلك لأن التعويض يقاس بمقدار الضرر الذي لحق المضرور. ومثل هذه الظروف حالة المضرور الجسمية والصحية والعائلية، والمالية. وأما الفريق الثاني فيرى أن المقصود بالظروف الملابسة هي الظروف الخاصة بالمضرور، وكذلك الظروف الخاصة بالمسؤول، ومنها جسامة الخطأ، والحالة المالية  للمسؤول. ويرى بعض أنصار الفريق الثاني أن المقصود بالظروف الملابسة هي الظروف الشخصية للمضرور وللمسؤول. ولكن يكون للظروف الملابسة المتعلقة بالمسؤول اعتبار ثانوي في تقدير التعويض، فلا يجوز تجاهلها نهائياً. ورأي الفريق الثاني هو المرجح؛ وذلك لأن نص المادة (171 مدني) جاء مطلقاً، وبالتالي يجب أن يجري على إطلاقه. والتناسب بين التعويض والضرر يقضي أن يقدر القاضي كامل الضرر حين تقدير التعويض؛ وبالتالي يجب أن يكون مقدار التعويض - بعد تقديره - مساوياً للضرر. ويترتب على ذلك أنه يجب على القاضي أن يقدر التعويض بقيمة الضرر وفقاً لما آل إليه وقت الحكم، وبالتالي يدخل في اعتباره تفاقم الضرر أو تناقصه من يوم حدوثه حتى يوم صدور الحكم. ويستخلص من ذلك أن العبرة في تقدير التعويض هي لوقت صدور الحكم، لا لوقت وقوع الضرر أو وقت المطالبة بالتعويض. لذا لا يجوز أن يقدر القاضي التعويض بأقل من قيمة الضرر؛ إلا إذا كان هناك نص يبرر ذلك، كما هو عليه الحال في إصابات العمل، حيث نص قانون التأمينات الاجتماعية لعام 1959 وتعديلاته على تعويض جزافي. وإذا كان لا يجوز للقاضي أن يحكم بتعويض أقل؛ فإنه لا يجوز له أن يحكم بتعويض للمضرور أكثر من الضرر، وإلا كان من حق المسؤول الرجوع على المضرور بما زاد بموجب دعوى الإثراء بلا سبب. وإذا لم يكن باستطاعة القاضي وقت الحكم أن يعيّن مدى التعويض على نحو نهائي؛ يحق له أن يحتفظ للمضرور بحقه في أن يطالب خلال مدة معيّنة بإعادة النظر في التقدير؛ وفقاً لما جاء في المادة (171) مدني. وإذا لم يحتفظ القاضي للمضرور بهذا الحق، ثم استفحل الضرر مستقبلاً بعد أن اكتسب الحكم الدرجة القطعية؛ يحق للمضرور أو ورثته الرجوع على المسؤول بموجب دعوى جديدة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي استجد. أما إذا تناقص الضرر؛ فلا يجوز إعادة النظر في التعويض.

ويترتب على مبدأ التناسب بين التعويض والضرر أنه لا يجوز الجمع بين تعويضين، ولكن يجوز الجمع بين التعويض وبين مبلغ آخر لا تنطبق عليه صفة التعويض. فلا يجوز مثلاً الجمع بين التعويض والنفقة، كما لا يجوز الجمع بين التعويض وبين التعويض الجزافي، ولا يجوز الجمع بين التعويض والإعانة الحكومية، كما لا يجوز للمضرور الجمع بين التعويض وبين مبلغ التأمين إذا كان التأمين على مال. في حين أنه يجوز للمضرور الجمع بين التعويض ومبلغ التأمين إذا كان التأمين على الحياة، كما يجوز الجمع بين التعويض وبين مكافأة نهاية الخدمة، وكذلك بين التعويض وبين راتب التقاعد. كما يجوز للورثة الجمع بين التعويض المحكوم به لهم وفق قواعد المسؤولية التقصيرية والتعويض الذي يخصص لهم من الجهة التي كان يعمل لديها المغدور؛ وذلك لأن سببهما مختلف.

مراجع للاستزادة:

 

- سامي عبد الله الدريعي، «بعض المشكلات التي يثيرها التقدير القضائي للتعويض»، بحث منشور في مجلة الحقوق الصادرة عن مجلس النشر العلمي في جامعة الكويت، العدد الرابع، السنة السادسة والعشرون، شوال 1423هـ/ديسمبر 2002م، ص 82.

- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، 2- في الالتزامات، المجلد الرابع: أحكام الالتزام،  تنقيح حبيب إبراهيم الخليلي (دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، القاهرة 1992).

- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزامات - في الفعل الضار والمسؤولية المدنية، المجلد الأول، (الطبعة الخامسة، 1992).

- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزامات في الفعل الضار والمسؤولية المدنية، المجلد الثاني، (الطبعة الخامسة، 1993).

- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، الإثبات- آثار الالتزام، المجلد الثاني (القاهرة، دون تاريخ).

- فواز صالح، «التعويض عن الضرر الأدبي الناجم عن جرم - دراسة مقارنة»، بحث منشور في مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 22، العدد الثاني، 2006، ص273-295.

- مصطفى الزرقاء، شرح القانون المدني السوري، نظرية الالتزام العامة، 2- أحكام الالتزام في ذاته (مطبعة دار الحياة، الطبعة الأولى، دمشق 1964).

- محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول مـــصادر الالتزام، 1- المصادر الإرادية، و2- المصادر غير الإرادية (مطبعة رياض، دمشق 1982-1983).

- محمود جلال حمزة، «وظيفة التعويض في المسؤولية المدنية بين النظرية والتطبيق»، بحث منشور في مجلة «المحامون» لعام 1985، العدد الثامن، ص 105 وما يليها.

- H., L., J. MAZEAUD et F.CHABAS, Leçon de droit civil, Tome II, Volume I, Obligations- théorie générale, 9ème édition, (Delta, 2000)

- F. TERRÉ, PH. SIMLER et Y. LEQUETTE, Droit civil, Les obligations, 8ème édition, (Dalloz, 2002).

- PH. LE TOURNEAU, Droit de la responsabilité et des contrats, (Dalloz, 2004/2005).

 


- التصنيف : القانون الخاص - النوع : القانون الخاص - المجلد : المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة - رقم الصفحة ضمن المجلد : 206 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق