تصادم بحري
abordage collision - Abordage

 التصادم البحري

التصادم البحري

محمد سامر عاشور

 مفهوم التصادم البحري وأشكاله

اقتضاء التعويض عن أضرار التصادم البحري

 

نتيجة للأخطار البحرية الناجمة عن التصادم البحري الحاصل بين السفن؛ وضع العديد من الاتفاقيات الدولية أحكاماً خاصة بالتصادم البحري، فقد عقدت اتفاقية دولية في بروكسل في 23 أيلول/سبتمبر 1910 تضمنت القواعد الخاصة بالأحكام التي تحدد المسؤولية عن التصادم، وقد انضمت الجمهورية العربية السورية إليها بالمرسوم التشريعي (رقم 584 تاريخ 21/4/1973). ووضع المؤتمر الدولي الخاص بسلامة الأرواح في البحار المعقود في لندن بتاريخ 10حزيران/يونيو 1948 قواعد دولية عامة لمنع التصادم، وعدلت هذه القواعد الدولية في مؤتمر لندن عام 1960. كما تم وضع اتفاقيتين تتعلقان بالاختصاص المدني والاختصاص الجزائي بدعاوى التصادم البحري في 10 أيار/مايو عام 1952 في بروكسل. هذا وقد قام المشرع السوري في قانون التجارة البحرية رقم (46) لعام 2006 بإدخال أحكام هذه الاتفاقيات في الفصل الأول من الباب السابع من قانون التجارة البحرية في المواد من (306 إلى 314) من القانون.

أولاً- مفهوم التصادم البحري وأشكاله

1- مفهوم التصادم البحري:

عرفت اتفاقية بروكسل لعام 1910 التصادم البحري في مادتها الأولى بأنه «التصادم الذي يحصل بين سفينتين بحريتين أو بين سفينة بحرية ومركب ملاحة داخلية بغض النظر عن المياه التي يقع فيها التصادم». وجاء التشريع السوري بتعريف مشابه لذلك التعريف حيث نصت الفقرة الأولى من المادة (306) من قانون التجارة البحرية (رقم 46) لعام 2006 على أنه: «إذا وقع تصادم بين سفن بحرية أو بينها وبين مراكب للملاحة الداخلية تسوى التعويضات المستحقة عن الأضرار التي تلحق بالسفن والأشياء والأشخاص الموجودين على السفينة طبقاً للأحكام الواردة في هذا الفصل دون اعتبار للنظام القانوني للمياه التي حصل فيها التصادم».

ومن دراسة المادة (306) تبين أنها تشترط عدة شروط لاعتبار «الحادثة» تصادماً بحرياً وهذه الشروط هي كالآتي: 

أ- أن يقع التصادم البحري إما بين سفينتين بحريتين، وإما بين سفينة بحرية ومركب ملاحة داخلية، أي بين منشأتين عائمتين: وعليه لا يعدّ تصادماً بحرياً الارتطام بين السفينة وبين جسم ثابت كرصيف الميناء مثلاً، ولا يعدّ تصادماً ارتطام السفينة بجسم آخر عائم ليس له وصف السفينة أو المركب، ففي مثل هذه الحالات تطبق القواعد العامة في المسؤولية.

وقد يقع التصادم بين أكثر من منشأتين عائمتين، فقد تصطدم سفينة أولى بسفينة ثانية، فتدفعها إلى الاصطدام بسفينة ثالثة. فإذا قلنا: إن الاصطدام كان بخطأ السفينة الأولى لا الثانية، وإن الضرر وقع على السفينة الثالثة؛ فإن لمالك السفينة الأخيرة إقامة دعوى التصادم على السفينة الأولى. ويقال عندئذٍ: إن التصادم البحري قد حدث بالوساطة.

وقد يحصل التصادم بين سفينتين مملوكتين لمجهزٍ واحد (والمجهز هو من يقوم باستغلال السفينة لحسابه بصفته مالكاً لها أو مستأجراً لها). ويدعى هذا بالتصادم بين السفن الشقيقة. 

وهنا تعدّ كل سفينة ثروة بحرية مستقلة بما لها من حقوق وما عليها من التزامات، وبالتالي فإنه يتوجب تسوية الحقوق والمسؤوليات الناشئة عن التصادم كما لو كانت السفينتان مملوكتين لمجهزين مختلفين.

ب- يتوجب أن تكون إحدى المنشأتين العائمتين المتصادمتين سفينة بحرية:

استناداً إلى نص الفقرة التاسعة من المادة الأولى من قانون التجارة البحرية السوري فإن السفينة هي كل منشأة عائمة ذاتية الدفع صالحة للملاحة البحرية، وتعدّ ملحقات السفينة اللازمة لاستغلالها جزءاً منها.

ولا يعتد بنوع السفينة في مجال التصادم، سواء أكانت تجارية أم سفينة صيد أم سفينة للنزهة، وسواءٌ كانت عائدة لملكية خاصة أم عامة.

والفقرة الأولى من المادة (306) من قانون التجارة البحرية السوري تعد التصادم بحرياً ما دامت إحدى المنشأتين سفينة بصرف النظر عن مكان حصول التصادم، فلا فرق بين أن يكون التصادم قد وقع في البحر أو في مياه داخلية أو في أنهار.

ج- حصول ارتطام مادي بين المنشأتين العائمتين:

يتوجب أن يكون التصادم البحري نتيجة حصول احتكاك، أو التحام مادي بين السفن البحرية العائمة، سواءٌ كان بجسمها أم أحد ملحقاتها. وجعل المشرع التصادم شاملاً كل ضرر يصيب السفينة أو الحمولة أو الأشخاص، ولو لم يكن هناك تصادم مادي حقيقي، كما لو نشأ الضرر عن قيام إحدى السفن بحركة، أو إغفالها القيام بحركة ما، أو لعدم مراعاتها الأنظمة (الفقرة 2 من المادة 306 من قانون التجارة البحرية).

وهكذا يدخل في مفهوم التصادم الضرر الذي أصاب السفينة لانجرافها في مجرى الماء الذي أحدثته حركة غير طبيعية صادرة عن سفينة أخرى، أو سقوط قسم من الحمولة في البحر، أو جرح أحد الأشخاص الموجودين على متنها.

2- أشكال التصادم البحري:

بينت اتفاقية بروكسل لعام 1910 ثلاثة أشكال للتصادم البحري أوردتها المواد (307-308-309) من قانون التجارة البحرية السوري، وهي :

أ- التصادم الناجم عن قوة قاهرة أو المشتبه في أسبابه:

نصت المادة  (307) من قانون التجارة البحرية السوري على أنه: «1- إذا نشأ التصادم عن القوة القاهرة أو قام شك حول أسبابه أو لم تعرف هذه الأسباب تحملت كل سفينة ما أصابها من ضرر 2- ويسري هذا الحكم ولو كانت السفن أو إحداها راسية وقت وقوع التصادم». 

(1) التصادم الناجم عن قوة قاهرة: التصادم الذي يقع نتيجة القوة القاهرة يسمى بالتصادم القهري، والقوة القاهرة هي كل حادثة لم يكن بالإمكان توقعها والتغلب عليها،  كأن يهب إعصار، فيؤدي إلى اصطدام سفينة بسفينة ثانية أو حدوث عاصفة لم يعلن عنها عند الإبحار. ويعد من قبيل القوة القاهرة أيضاً التصادم الذي يقع بين سفينتين إذا كان ذلك التصادم يرجع إلى خطأ ارتكبه ربان سفينة ثالثة.

(2) التصادم المشتبه أو المشكوك في أسبابه أو مجهول السبب: وهو التصادم الذي لم يكن بالإمكان نسبته إلى سبب محدد، فهو لا يعود إلى خطأ أحد رباني السفينتين، ولا يعود إلى القوة القاهرة، ولا إلى خطأ مشترك. وفي كل الحالات السابقة قضى القانون أن يتحمل كل متضرر ما لحقه من ضرر.

وهذا الحكم يطبق أيضاً ولو كانت السفن أو إحداها راسية وقت التصادم، لزوال ما كان سائداً أن السفينة الراسية، لا يمكن أن تكون مخطئة، وأن الضرر الحاصل في هذه الحالة يكون مسبباً من قبل السفينة المتحركة. واتفاق بروكسل ترك المجال هنا أمام الطرفين لإثبات الوقائع التي أدت إلى التصادم.

ب- التصادم الناجم عن خطأ إحدى السفينتين المتصادمتين:

نصت المادة (308) من قانون التجارة البحرية السوري على أنه: «إذا نشأ التصادم عن خطأ إحدى السفن؛ التزمت هذه السفينة بتعويض الضرر الناشئ عن التصادم».

وإذا كانت هذه المسؤولية ناشئة عن خطأ الربان وعن مخالفته لأنظمة الملاحة؛ فإن مالك السفينة هو الذي يتحمل المسؤولية بمقتضى قواعد القانون المدني والمتعلقة بمسؤولية المتبوع عن الضرر الذي يحدثه تابعه في حال تأدية وظيفته أو بسببها، وبمسؤولية حارس الأشياء. والخطأ في حالة التصادم ليس مفترضاً، وإنما هو خطأ يجب إثباته. ولكي يمكن التعويض؛ فإنه على المتضرر إقامة الدليل على خطأ الربان أو أحد البحارة، ورابطة السببية بين الخطأ والحادث، ويمكن ذلك بجميع وسائل الإثبات. وهذا ما نصت عليه المادة (311) من قانون التجارة البحرية السوري بقولها: «لا يفترض الخطأ فيما يتعلق بالمسؤولية الناشئة عن التصادم».

ج- التصادم الناجم عن الخطأ المشترك لكلتا السفينتين المتصادمتين:

كأن تهمل سفينة الإشارات الصوتية وقت الضباب في حين تبقى سفينة أخرى مسرعة نحوها. ولابد في التصادم الناجم عن الخطأ المشترك من التفريق بين توزيع المسؤولية بين السفينتين وبين مسؤوليتهما تجاه الغير:

(1) توزيع المسؤولية بين السفينتين: نصت الفقرة الأولى من المادة (309) من قانون التجارة البحرية السوري على أنه: «إذا كان الخطأ مشتركاً قدرت مسؤولية كل سفينة بنسبة الخطأ الذي وقع منها». وهذا الحكم ورد في اتفاقية بروكسل لعام 1910 في الفقرة الأولى من المادة الرابعة من الاتفاقية.

ولا تطبق هذه القاعدة إلا عند إقامة الدليل على نسبة الأخطاء المرتكبة. أما في حال الشك وتعذر إثباتها - مع وجود الخطأ المشترك - فإن المسؤولية توزع مناصفةً بين السفينتين.

وهذا ما نصت عليه المادة (309) من قانون التجارة البحرية بقولها: «ومع ذلك إذا حالت الظروف دون تحديد نسبة الخطأ الذي وقع من كل سفينة، أو إذا تبين أن الأخطاء متعادلة، وزعت المسؤولية فيما بينها بالتساوي».

(2) المسؤولية تجاه الغير: قد يؤدي التصادم بين سفينتين إلى إلحاق الضرر بالأشخاص أو البضائع (أو كليهما) حال وجودهما على متن إحدى السفينتين أو كليهما.

وهنا يجب التفرقة بين ما إذا كان الضرر الحاصل بدنياً أو مادياً:

q إذا كان الضرر بدنياً: أي إذا نجم عنه وفاة أو إصابة جسدية؛ فإن المشرع طبق في هذه الحالة القاعدة القاضية بتضامن المسؤولين المتعددين. وهنا يحق للمتضرر أن يلاحق أياً كان من المسؤولين وأن يحصل منه على كامل التعويض؛ وإن كان يجب ألا يتحمل - بحسب درجة الخطأ الذي ارتكبه - إلا جزءاً من هذا التعويض.

وتطبق هنا أحكام التضامن فيما يتعلق بحق السفينة التي تدفع أكثر من حصتها من التعويض بالرجوع على الثانية، وهذا ما قضت به الفقرة الثالثة من المادة (309) من قانون التجارة البحرية حيث جاء فيها «تكون المسؤولية بالتضامن إذا أدى الخطأ إلى وفاة شخص على السفينة أو إصابته بجروح، ويكون للسفينة التي تدفع أكثر من حصتها الرجوع على السفن الأخرى». وهذا ما ورد أيضاً في اتفاقية بروكسل في الفقرة الثالثة من المادة الرابعة منها.

q إذا كان الضرر مادياً: كأن يلحق الضرر بالسفن نفسها أو بالحمولة أو بأمتعة الركاب  والبحارة؛ فإن التضامن لا يوجد في هذه الحالة بين المسؤولين، وليس للمضرور إلا ملاحقة كلٍّ منهم بحسب نصيبه من التعويض المقرر له، وهذا ما قضت به الفقرة الثانية من المادة (309) من قانون التجارة البحرية، فجاء فيها «تسأل السفن في حدود النسبة المشار إليها في الفقرة السابقة وبدون تضامن بينها تجاه الغير؛ وذلك عن الأضرار التي تلحق بالسفن أو البضائع أو الأمتعة أو الأموال الأخرى الخاصة بالبحارة أو بأي شخصٍ آخر موجود على السفينة». وهذا أيضاً ما ورد في الفقرة  الثانية من المادة الرابعة من اتفاقية بروكسل.

3- المستثنيات من تطبيق أحكام التصادم البحري:

هناك حالات لا تطبق فيها أحكام التصادم البحري، وهي:

أ - لا تنطبق أحكام التصادم البحري إذا وقع بين سفينة خاصة وسفينة حكومية، سواء أكانت حربية أم مخصصة لخدمة عامة أو لملاحة عامة.

وهذا ما ورد في المادة (11) من اتفاقية بروكسل لعام 1910 حيث نصت على أنه «لا تطبق أحكام المعاهدة الحالية على السفن الحربية وسفن الحكومة المخصصة كليةً لخدمة عامة».

وقد سار المشرع السوري عكس ذلك، فنص في الفقرة الثالثة من المادة (306) من قانون التجارة البحرية على أنه: «تسري أحكام التصادم البحري ولو كانت إحدى السفن المتصادمة  سفينة حربية مخصصة للخدمة العامة ولأغراض غير تجارية من قبل الدولة أو أحد أشخاص القانون العام». وبما أن قواعد القانون الدولي تسمو على قواعد القانون الداخلي يعدّ قانون التجارة البحرية السوري معدلاً؛ ليتلاءم مع اتفاقية بروكسل مادامت سورية طرفاً منها.

ب - لا تطبق أحكام التصادم البحري في حالة وجود رابطة تعاقدية وقع التصادم بسببها: كما لو تم إبرام عقد قطر بين مجهز إحدى السفن أو نائبه وبين مجهز القطر.

ويجب في هذه الحالة التفرقة بين حالتين:

الحالة الأولى: أن يتم القطر داخل المرافئ، حيث تكون إدارة عملية القطر لربان السفينة المقطورة، ويسأل مجهز هذه السفينة عن جميع الأضرار التي تحدث أثناء عملية القطر. وهذا ما ورد في نص الفقرة الأولى من المادة (293) من قانون التجارة البحرية السوري.

الحالة الثانية: أن يتم القطر خارج المرافئ، حيث تكون إدارة عملية القطر لربان السفينة القاطرة، ويسأل مجهز هذه السفينة عن جميع الأضرار التي تحدث أثناء عملية القطر، إلا إذا أثبت أن الضرر نشأ عن خطأ السفينة المقطورة. (الفقرة الأولى من المادة 294 من قانون التجارة البحرية السوري). ويجوز العمل على خلاف ما ورد سابقاً؛ إذا وجد اتفاق بين السفينة القاطرة والمقطورة.

ولا تسري أحكام التصادم البحري على التصادم الذي يحدث بين سفينة الإرشاد وبين السفينة التي استخدمتها، إذ يخضع هذا التصادم لأحكام خاصة نصت عليها المادة (310) من قانون التجارة البحرية السوري حيث جاء فيها أنه: «تترتب المسؤولية المقررة في هذا الفصل على التصادم الذي يقع بخطأ المرشد ولو كان الإرشاد إجبارياً». وهذا ما نصت عليه أيضاً المادة الخامسة من اتفاقية بروكسل لعام 1910.

ثانياً- اقتضاء التعويض عن أضرار التصادم البحري

1- تحديد التعويض:

لم يرد في اتفاقية بروكسل أي نص فيما يتعلق ببيان طريقة تحديد التعويض اللازم عن الأضرار اللاحقة بالمضرور، كما أن قانون التجارة البحرية السوري لم يتضمن أية نصوص تتعلق بمبلغ التعويض الذي يتوجب على المحكمة المختصة أن تحكم به. ولابد من الرجوع في هذه الحالة إلى أحكام القانون المدني، ووفقاً لأحكام هذا القانون لا تتحقق مسؤولية مرتكب الخطأ الناجم عنه التصادم البحري إلا إذا ألحق ضرراً بالغير، وبالتالي إذا ما انتفى الضرر انتفت معه المسؤولية، ولو كان الخطأ مؤكداً. ويشترط في الضرر الموجب للتعويض أن يكون محققاً، ويعدّ كذلك إذا كان حالاً أي وقع فعلاً، كأن تكون السفينة المصدومة أصيبت فعلاً بأضرار مادية أو أن أحد أفراد طاقمها قد تُوفِّي أو تعرض لأضرار بدنية، كما يعدّ الضرر محققاً إذا كان من قبيل الضرر المستقبلي، ولكنه مؤكد الوقوع، كأن يصاب أحد أفراد السفينة المصدومة بإصابة تعطله عن العمل في المستقبل، لذلك يجب أن يشمل التعويض الضرر الحال والضرر المستقبلي.

وقد حدد القانون المدني السوري العناصر التي يتعين على القضاء اعتمادها عند تحديد التعويض وهي عناصر من شأنها أن تؤدي إلى التعويض الكامل الذي يجبر كل الضرر اللاحق بالمضرور، ويشمل ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة (222) من القانون المدني السوري على أنه «إذا لم يكن التعويض مقدراً في العقد أو بنص في القانون، فالقاضي هو الذي يقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب».

ويتوجب على المحكمة عند تقديرها للأضرار أن تدخل في حسبانها جسامة الخطأ، على الرغم من أن جسامة الخطأ لا ينظر إليها بصدد تعويض مدني حيث يراعى فيه مقدار الضرر، ويتحمل مدعي التعويض عبء إثبات الضرر. وله في ذلك اللجوء إلى وسائل الإثبات كافة؛ مما يقتضي استبعاد بعض الأضرار غير المباشرة والتي لم يقم الدليل على أنها ناجمة عن التصادم، إذ كثيراً ما يحدث أن يطالب المدعي بتعويضه عن مهلة توقف السفينة في أثناء قيامها بأعمال الصيانة أو فحص الآلات على إثر التصادم، بيد أن السفينة المخطئة ليست ملزمة بدفع التعويض الكامل الذي يطالب به المدعي دائماً، فهي ملزمة فقط بدفع مقابل التعطل الذي يقتضيه الإصلاح الضروري والذي يجب إثباته.

وهكذا فإن الأضرار التي ينبغي أخذها بالحسبان عند تعويض المضرور، والناجمة عن التصادم هي الأضرار المباشرة. ومن الأضرار الفادحة التي تنجم عن التصادم هـــــــــــــلاك السفينة، إما بغرقها وإما تحطمها؛ وبالتالي عـــــــــــدم صلاحيتها للملاحة، وهنا تظهر مسألة تحديد قيمة السفينة الهالكة، ويتعين - حتى يكون التعويض كاملاً للمتضرر - أن يتحمل المسؤول عن التصادم القيمة الحقيقية للسفينة أو نصيبه من هذه القيمة إذا كان التصادم ناجماً عن خطأ مشترك.

ومما يشمله التعويض أيضاً الكسب الفائت أو الضائع نتيجة توقف السفينة، حيث يترتب على التوقف حرمان المجهز من استعمال السفينة التي تعدّ مصدر كسبه، وهذا التعويض يتعين أن ينصب على الكسب الذي كان بإمكان المجهز أن يحققه لو لم تكن سفينته بقيت معطلة نتيجة التصادم.

وفيما يختص بالأضرار اللاحقة بالبضائع والأشخاص، فلا بد من الرجوع إلى القواعد العامة في القانون المدني، وعليه يرجع في تقدير البضائع إلى قيمة مثيلاتها في ميناء التفريغ أو بناءً على فاتورة الشراء؛ إضافة إلى الأرباح التي كانت ستتحقق لو تم وصولها دون تلف نتيجة التصادم، أو بمقدار الثمن الذي ينجم عن بيعها في ميناء الوصول بالسوق الحرة.

وفيما يختص بالأضرار التي تصيب الأشخاص، فهي أيضاً تقدر وفقاً للقواعد العامة في القانون المدني والتي تقضي أن كل عمل غير مشروع ترتب عليه ضرر ينشئ للمضرور الحق في التعويض.

ولابد أن يكون التعويض شاملاً الخسارة التي لحقت المضرور من نفقات نقل المصاب وكذلك النفقات الطبية. وعندما ينجم عن التصادم عجز مؤقت عن العمل لأحد المصابين بحادث التصادم يشمل  التعويض الأجرة، والكسب المهني الناجم عن العجز وكل الأضرار اللاحقة بسلامته البدنية. كما يشمل التعويض الأضرار اللاحقة بذوي المصاب نتيجة وفاته إثر التصادم.

وينشأ الحق في التعويض من وقت وقوع الضرر، فإذا نجم عن التصادم أضرار لم تظهر إلا بعد مرور زمن معيّن؛ فإن هذا الوقت هو الذي يتعين الاعتداد به عند تحديد وقت نشوء الحق في التعويض.

2- دعاوى التصادم البحري:

أ- الدعاوى الجزائية: إذا نجم عن التصادم ضرر يطول أفراد السفينة؛ فإن هذا الضرر ينشئ لصاحبه حقاً في التعويض، ويمكنه اقتضاءه عن طريق دعوى الحق الشخصي، يكون المدعي فيها هو المتضرر أو الشاحن أو الراكب أو المجني عليه، والمدعى عليه هو الربان أو الناقل أو أي فرد ارتكب جريمة على سطح السفينة أو تسبب بحادث، وإلى جانب المدعى عليه المسؤول بالمال إن وجد.

وقد جاء في الفقرة الأولى من المادة (11) من قانون التجارة البحرية السوري أنه تسري أحكام التشريعات الجزائية السورية على الجرائم التي ترتكب على كل سفينة ترفع علم الجمهورية العربية السورية. وقد جاء هذا الحكم أيضاً في المادة (17) من قانون العقوبات.

وعليه يمكن القول: إن الجرائم التي تحدث على السفن السورية داخل المياه السورية والجرائم التي تحدث على السفن الأجنبية في المياه السورية يكون القانون السوري مختصاً بها إذا تجاوزت الجريمة شفير السفينة، ودعوى التصادم البحري تخضع للقانون السوري لجهة المسؤولية المدنية والجزائية إذا حدث التصادم في البحر الإقليمي السوري.

أما بخصوص الجرائم التي تقع على ظهر السفينة في أعالي البحار فأولى المشرع للربان بأن يمثل الضابطة العدلية حيث يحقق في الجرائم التي ترتكب في أثناء الرحلة البحرية من خلال إجراء التحقيقات الأولية، ويحرر محضراً بها استناداً إلى المادة (8) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وله عند الضرورة إلقاء القبض على المتهم وحبسه احتياطياً حتى يتسنى له أن يسلمه إلى سلطات الميناء، حيث يضع القضاء الجزائي يده على الدعوى لجهة المسؤولية المدنية والجزائية وفقاً للمواد (1 إلى 5) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وفيما يختص بالمسؤولية المدنية عن أخطاء الربان، فللمضرور إذا توافرت لديه أدلة الإثبات الرجوع على المجهز مباشرة بمسؤولية المتبوع عن أعمال التابع، وسواء أكانت مسؤولية الربان تعاقدية أم تقصيرية فهي مسؤولية مستندة إلى الخطأ، وعبء الإثبات يقع على من يريد الرجوع على الربان بالتعويض، وعليه أن يقيم الدليل على خطأ الربان وعلى الضرر وعلاقة السببية، وله أن يستعين في الإثبات بدفتر اليومية وبالتقرير البحري وشهادة الضباط وغيرها من وسائل الإثبات.

كما ورد في اتفاق بروكسل لعام 1952 المتعلق بقواعد الاختصاص الجزائي في حالات التصادم في المرافئ والأحواض البحرية أو المياه الإقليمية أن للدولة صاحبة المكان ممارسة سيادتها كاملة في هذه الحالة، هذا وقد نصت المادة الأولى من هذه الاتفاقية على أنه إذا وقع تصادم أو أي حادث ملاحي آخر لسفينة بحرية وكان من شأنه أن يرتب مسؤولية  جنائية أو تأديبية على كاهل الربان أو أي شخص آخر في خدمة هذه السفينة؛ فلا يجوز اتخاذ أي إجراء في ذلك إلا أمام السلطات القضائية أو الإدارية للدولة التي تحمل السفينة علمها وقت وقوع التصادم. وتنتفي مسؤولية الربان إذا أثبت أن الضرر نشأ عن قيامه بالتزام قانوني مفروض، كما لو تأخر في إنقاذ أرواح بشرية أو سفينة تشرف على الغرق؛ لكونه ملزماً بذلك قانوناً، وإلا تعرض للعقاب.

ب- الدعاوى المدنية: تتنوع الدعاوى الناجمة عن التصادم لجهة المطالبة بالتعويض، ومنها دعوى التصادم ودعوى الخسارة البحرية: 

(1) دعوى التصادم:

يقيم المضرور دعواه للمطالبة بالتعويض. وإذا أصاب الضرر الناجم عن التصادم عدة أشخاص، فلكل من هؤلاء حق مستقل عن الآخر بالمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه. وفي حال وفاة المضرور ينتقل حقه بالمطالبة بالتعويض إلى ورثته.

وتقام الدعاوى على مجهز السفينة المسؤولة مالكاً كان أو مستأجراً، كما قد تقام على الربان باعتباره وكيلاً عن المجهز الذي يعرف من الرجوع إلى أوراق السفينة. ويمكن أن تقام دعوى المسؤولية الشخصية ضد ضابط الحراسة المسؤول عن مناورة خاطئة أو ضد القائد الذي كان يقوم بتوجيه السفينة وقت وقوع التصادم.

هذا وقد وحدت اتفاقية بروكسل لعام 1952 بعض القواعد المتعلقة بالاختصاص المدني في مسائل التصادم البحري، بينتها المادة الأولى من الاتفاقية، وأوردها المشرع السوري في الفقرة الأولى من المادة (313) من قانون التجارة البحرية حيث نصت على ما يأتي: «على المدعي في دعوى التصادم أن يرفع دعواه أمام إحدى محاكم ثلاثة حسب اختياره:

q أمام محكمة موطن المدعى عليه، أو المحكمة التي يقع بدائرتها أحد مراكز استغلاله.

q أمام محكمة المكان الذي أجري فيه الحجز على سفينة المدعى عليه.

q أمام محكمة محل وقوع التصادم».  

ويفرق المشرع السوري في المادة (313) من قانون التجارة البحرية فيما يتعلق بتحديد الاختصاص القضائي في دعاوى التصادم بين حالتين: التصادم إذا وقع في المياه الإقليمية السورية، والتصادم إذا وقع خارج المياه الإقليمية السورية:

q فإذا وقع التصادم في المرافئ السورية أو في غيرها من أجزاء المياه الداخلية الإقليمية؛ فإن الدعوى يجب أن ترفع أمام محكمة مكان وقوع التصادم.  

q وإذا وقع التصادم في عرض البحر فقد ترك المشرع الخيار للمدعي في أن يرفع الدعوى إما:

q أمام محكمة موطن المدعى عليه؛ وإما

q أمام المحكمة التي يقع في دائرتها مرفأ تسجيل سفينة المدعى عليه؛ وإما:

q أمام المحكمة التي يقع في دائرتها المكان الذي وقع فيه الحجز على سفينة المدعى عليه التي أحدثت الضرر أو على سفينة أخرى مملوكة له إذا كان الحجز عليها جائزاً أو المحكمة التي يقع في دائرتها المكان الذي كان من الجائز توقيع الحجز فيه والذي قدم فيه المدعى عليه كفيلاً أو ضامناً آخر.

وعليه ليس للسفن الأجنبية التي تتصادم في المياه الإقليمية السورية أن تختار المحكمة التي ستفصل في النزاع القائم بينها، وإنما يعود ذلك للمحكمة المختصة وفقاً للقانون السوري، حتى إن كانت جنسية السفن المتصادمة واحدة، وفي ذلك احترام لسيادة الدولة على مياهها وأراضيها الإقليمية.

وقد نص المشرع السوري في الفقرة الثانية من المادة (313) من قانون التجارة البحرية على أنه «إذا اختار المدعي إحدى المحاكم المبينة في الفقرة السابقة فلا يجوز له رفع دعوى جديدة تستند إلى الوقائع ذاتها أمام محكمة أخرى إلا إذا تنازل عن الدعوى الأولى». ووفقاً للفقرة الثالثة من المادة نفسها يجوز للخصوم الاتفاق على رفع الدعوى أمام محكمة غير المحاكم المذكورة في الفقرة الأولى أو عرض النزاع على التحكيم.

(2) دعوى الخسارة البحرية: يدخل التأمين هنا لتعويض المضرورين عن طريق دعوى الخسارة البحرية حيث يطالب المؤمن له بالتعويض، ويلتزم المؤمن بدفع التعويض في حدود الضرر الذي لحق بالشيء المؤمن عليه.

هذا وقد منح المشرع السوري الدائن بالتعويض ديناً ممتازاً (تختلف درجته بحسب نوع المطالبة) وذلك على السفينة المخطئة وأجرتها وملحقاتها، وذلك وفقاً للفقرات ب-هـ-ز من المادة (57) من قانون التجارة البحرية السوري.

وتتعدد ديون التعويضات الناجمة عن التصادم، وهي تشمل ما يلي: 

q المطالبات المتعلقة بالوفاة أو الضرر الشخصي الذي يحدث في البر أو في البحر، ويتصل اتصالاً مباشراً بتشغيل السفينة.

q المطالبات القائمة على الضرر المترتب على الهلاك أو التلف المادي الذي يسببه تشغيل السفينة لمنشآت الموانئ والأحواض وطرق الملاحة.

q التعويضات عن هلاك البضائع والأمتعة المحمولة على السفينة أو تلفها.

3- تقادم دعوى التصادم البحري:  

نصت المادة (314) من القانون البحري السوري على أنه: «يسقط بالتقادم حق الادعاء عن الأضرار الناتجة عن التصادم البحري بمضي سنتين من تاريخ وقوع الحادث». وهذا ما ورد في المادة السابعة من اتفاقية بروكسل. ويشمل هذا التقادم:

أ- جميع الحوادث الناجمة عن التصادم، ولو أدى إلى فقدان السفينة فقداناً كلياً.

ب- سائر السفن مهما كانت طبيعتها. 

ج- سائر الأشخاص أصحاب العلاقة من شاحنين ومجهزين وركاب.

د- سائر الأضرار من مادية أو بدنية.

ومدة التقادم التي تخضع لها دعوى التصادم ليست من النظام العام، واستناداً إلى القواعد العامة؛ فإن المحكمة لا تقضي بالتقادم من تلقاء ذاتها، بل يجب أن يكون ذلك بناءً على طلب المدعى عليه وكل ذي مصلحة في ذلك، كما يجوز التمسك بالتقادم في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى أمام محكمة الاستئناف وللمرة الأولى، ولا يمكن التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض، ومن حق المدعى عليه أن يتنازل عنه بشرط أن يكون هذا التنازل بعد ثبوت الحق فيه.

وفي حالة التصادم الناجم عن الخطأ المشترك إذا أدى التصادم إلى وقوع أضرار بدنية، واضطرت إحدى السفن المتسببة بالحادث إلى دفع تعويضات أكثر من حصتها عملاً بمبدأ التضامن تجاه الغير في حالة وقوع وفاة أو ضرر جسدي؛ فإن دعوى الرجوع على السفينة أو السفن المسؤولة الأخرى للمطالبة بالفرق تتقادم بمرور سنة من يوم الدفع، وهذا الحكم ورد في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من اتفاقية بروكسل، وكرسه المشرع السوري في المادة (314) من قانون التجارة البحرية والتي تنص على ما يأتي: «غير أن حق الرجوع المنصوص عليه بالفقرة الثالثة من المادة (309) ينقضي بمضي سنة من تاريخ الوفاء».

وبما أن قانون التجارة البحرية السوري لعام 2006 لم يحدد فيما إذا كانت هذه المهل خاضعة للقواعد العامة الخاصة بوقف سريان التقادم وانقطاعه وأمام سكوت القانون عن ذلك؛ فإنما يجب إعمال القواعد العامة في التقادم الواردة في القانون المدني ولاسيما الفقرة الأولى من المادة (379) منه والتي تقضي بعدم سريان التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه.

مراجع للاستزادة:

 

- أحمد حسني، النقل البحري الدولي للبضائع (دار منشأة المعارف، الإسكندرية 1980). 

- أخياظ محمد، التصادم البحري (رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس 1987).

- رزق الله الأنطاكي، نهاد السباعي، موسوعة الحقوق التجارية، الجزء الخامس (مطبعة الجامعة السورية، 1955).

- عادل علي المقدادي، السفين، أشخاص الملاحة البحرية، النقل البحري (مكتبة دار الثقافة، عمان 1999).

- عبد القادر حسين العطير، الوسيط في شرح قانون التجارة البحرية (مكتبة دار الثقافة، عمان 1999).

- علي البارودي، القانون البحري (الدار الجامعية، بيروت 1988).

- علي جمال الدين عوض، القانون البحري، الجزء الثاني (دار النهضة العربية، القاهرة 1963).  

- علي حسن يونس، القانون البحري (دار منشأة المعارف، الإسكندرية 1955). 

- هاني دويدار، الوجيز في القانون البحري (دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية 2001).

- هشام علي صادق، تنازع القوانين في المسؤولية التقصيرية المترتبة على التصادم البحري والحوادث الواقعة على ظهر السفينة (دار منشأة المعارف، الإسكندرية 1977). 

- هشام فرعون، القانون التجاري البحري (جامعة حلب، 1985).

- قانون التجارة البحرية السوري رقم (46) تاريخ 28/11/ 2006.


- التصنيف : القانون التجاري - النوع : القانون التجاري - المجلد : المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة - رقم الصفحة ضمن المجلد : 182 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق