نظرية التعسف في استعمال الحق
نظريه تعسف في استعمال حق
theory of abuse of the right - théorie de l'abus du droit
مازن
النهار
مفهوم نظرية التعسف في استعمال الحق
تطور نظرية التعسف في استعمال الحق
نظرية التعسف في الفقه القانوني الحديث
نظرية التعسف في استعمال الحق في القانون المدني السوري
أولاً. مفهوم نظرية التعسف في استعمال الحق
إن
تطبيق القاعدة التشريعية وتفعيلها ـ أي قاعدة تشريعية ـ من شأنه أن يترك آثاراً،
وهذه الآثار ترتب بدورها التزامات، وتقرر حقوقاً، ويمكن أن تكون عامة أو خاصة، وإن
استعمال هذه الحقوق استعمالاً سيئاً قد يلحق الأذى بالآخرين بصورة مقصودة أو غير
مقصودة، والمشرع لا يبرر هذه الإساءة في استعمال الحق، لأنه يقف على مسافة واحدة
من جميع أطياف المجتمع. وبغية تحقيق المساواة، وإقامة التوازن بين الحقوق الفردية
المتعارضة، أو بين الحق الفردي وحق الجماعة ولدت نظرية التعسف في استعمال الحق La théorie de l’abus du droit. فالشخص الذي يستعمل حقه، ولكنه يضر بالغير في أثناء هذا
الاستعمال يكون مسؤولاً عن التعويض.
وإن الخطأ في هذه النظرية
يُرتكب في استعمال الشخص حقّه لا في خروجه عن هذا الحق، ولا عن حدود رخصة أباحها
القانون، كما هو المألوف في الخطأ المعتاد. فمن يبني حائطاً في ملكه فيسد النور
ويمنع الهواء عن جاره من دون أن يكون له نفع من ذلك يُعد متعسفاً في استعمال حقه
في بناء هذا الحائط، ويُعدّ بالتالي مخطئاً، وهذا الخطأ يحقق مسؤوليته. فالحق وإن
كان في ذاته لا يمكن أن يكون مصدراً للمسؤولية، إلاّ أن كيفية ممارسته يمكن أن
تولد مسؤولية.
وللوقوف
على مفهوم نظرية التعسف في استعمال الحق بحسب الفقيه الفرنسي جوسران Josserand الذي يُعد رائد
هذه النظرية في فرنسا يجب أخذ معنيي الحق بالحسبان، فهناك الحقوق الذاتية Subjectifs
من عينية وشخصية، وهناك الحقوق الموضوعية Objectifs، أي مجموعة القواعد والمبادئ القانونية التي توضح ما هو مباح، وما
هو ممنوع بوجه عام. فإذا مارس المرء حقه الشرعي، وتجاوز في ممارسته قواعد الحق
الموضوعي ومبادئه يكون قد أساء استعمال حقه.
إن
عدم مشروعية العمل في نظرية التعسف يختلف عمّا هو عليه في أحوال المسؤولية
العادية، لأنه نابع من الحق، إلاَّ أن القصد منه إيقاع الضرر وتجاوز حسن النية
والانحراف فيه عن غرضه القانوني. فعنصر القصد يشكل ركن
العمل غير المشروع، إلاّ أن الخطأ مُضمر، مما يستدعي إثبات أن السلوك غير عادي،
واثبات تجاوز الشخص الغرض الذي من أجله مُنح الحق.
ولا
يقتصر تطبيق نظرية التعسف على الحقوق الناشئة من التزامات، بل يمتد إلى كل
القوانين والحقوق، سواء في ذلك القانون المدني، أم التجاري، أم الأصول، أم الأحوال
الشخصية، كالطلاق التعسفي مثلاً، وإلى أبعد من ذلك التعسف في استعمال حق الحرية،
أو حق الاجتماعات…، وفي القانون الخاص والعام. فمفهوم نظرية التعسف في استعمال
الحق هو وجه خاص من وجوه المسؤولية عن الفعل الشخصي، وتتمثل في الفعل الضار الناجم
عن ممارسة حق على نحو لا يأتلف مع روح هذا الحق، إما لسوء نية، وإما بطريقة تتجاوز
غرض الحق المقصود قانونياً، خلافاً للأوجه الأخرى للمسؤولية عن الفعل الشخصي التي
تتحصل عن فعل وقع خارج كل حق. ففي الحقوق الجزائية يتجلى مفهوم نظرية التعسف
بإيجاد جرم جديد هو: الامتناع عن إنقاذ حياة إنسان رهين الخطر كما في الفقه
الألماني مثلاً. ومجمل القول إن التعسف لا يتعلق بمضمون
الحق، بل في الباعث على استعماله، أو على نتيجة هذا الاستعمال.
ثانياً ـ
تطور نظرية التعسف في استعمال الحق:
إن تلمس تطور هذه النظرية
لا يمكن الوقوف عليه إلاّ باستعراض تاريخ ولادة هذه النظرية وتطورها واستقرارها.وإن
المعطيات القانونية المتداولة من فقه، أو تشريع، أو اجتهاد تُرجع ولادة هذه
النظرية إلى القرن السادس عشر، فقد حكم برلمان اكس Parlement
d’Aix في فرنسا في العام 1577،
وقبل الثورة الفرنسية على حلاج صوف كان يغني طـوال النهار لا لشيء إلاَّ لإزعاج جاره
المحامي.
إلا
ّأن لهذه النظرية جذوراً ضاربة في الفقه والتشريع الإسلامي، وهي مبسوطة ومتناثرة
في بطون كتب الفقه، ولا أدّل على ذلك من الإشارة التالية التي أوردها الغزالي
(450ـ 505هـ) في كتابه المعروف "إحياء علوم الدين"؛ من أن بعضهم شكا
كثرة الفأر في داره، فقيل له: لو اقتنيت هراً! فقال:
أخشى أن يسمع الفأر صوت الهر، فيهرب إلى دور الجيران، فأكون قد قدمت لهم ما لا أحب
لنفسي.
وقد قيل في المثل العربي
القديم: "إن أخذ الحق كله مر". ويذهب الشاطبي
في موافقاته إلى أنه يجب منع الفعل المأذون فيه شرعاً إذا قصد فيه فاعله الإضرار
بالغير.
ولم
يتح لهذه النظرية أن تظهر إلى الوجود إلا على أثر التبدل العميق في مفهوم الحقوق
الفردية أو الذاتية. فقد ظل الناس يرون لزمن طويل أن كل فرد إنما هو مركز لمنطقة
نفوذ مغلقة يكون فيها سيداً مطلقاً يستطيع أن يفعل ما يشاء على أن يراعي القوانين
والأنظمة، وبالتالي لا يعدّ متعسفاً في استعمال حقه. وقد رسخت مبادئ الثورة
الفرنسية ذلك، وخاصة بعد صدور القانون المدني عام 1804م، إذ عد الفقهاء أن الحقوق
المعترف بها قانونياً هي مطلقة، إلا َّأن الفقه والقضاء الفرنسيين عادا تحت تأثير
النظرة الاجتماعية للحقوق، وازدهار الفلسفة الاشتراكية إلى التوسيع في مفهوم إساءة
استعمال الحق وفي تطبيقاته، لتصل إلى مصاف القواعد الكلية في المسؤولية التقصيرية.
وحمل لواءَ هذه النظرية فقيهان كبيران هما: جوسران، وسالي، ووضعت لها المؤلفات
الخاصة بها، وقد سارت هذه النظرية على غرار النظرية التي سبقتها في القانون
الإداري وهي نظرية التعسف أو الانحراف في استعمال السلطة Le
détournement de pouvoir.
وقد نهجت معظم التشريعات العالمية الحديثة هذا النهج، فكرست في تقنيناتها مفهوم
هذه النظرية وقواعدها، ومنها القانون المصري (المادة 5 مدني) والقانون السوري
(المادة 6 مدني) والقانون العراقي (المادة 7 مدني)، وكذا القانون السويسري. وقد
استقرت بواقع ملموس في كل من شروح الفقه واجتهادات القضاء.
ثالثاً ـ
نظرية التعسف في الفقه القانوني
الحديث:
تناولت
أقلام الفقهاء القانونيين هذه النظرية بالشرح والنقد والتعليق، وكانت محل ترحيب
وتأييد لدى الفقهاء الذين أسسوا لها ونادوا بها وأفردوا لها الشروح والمؤلفات، في
حين كان لها معارضون ومنتقدون، تصدوا لدحضها بآراء مبثوثة في ردودهم عليها.
1ـ مؤيدو هذه النظرية: وهم
المؤسسون لها،وعلى رأسهم الفقيه القانوني جوسران Josserand والألماني سالي Saleilles، وكان انتصارها
على يديهما. ألف جوسران في العام 1905 كتاباً عنونه:"التعسف في استعمال
الحقوق" De L’abus des droits، ثم أتبعه في العام 1927 بكتاب "روح الحقوق ونسبيتها"
بث فيهما نظريته وأسسها وآراءه. أما سالي فقد ألف
"النظرية العامة في الالتزامات، والإعلان عن الإرادة". ويرى (أنصار
النظرية) أن الجور في استعمال الحق، أو ما يقترن بنية صاحبه من جفاء وحيف، أو
المسلك الذي يتبعه صاحب الحق، أو ما يبدو من شذوذ في استعماله إياه، أو انعدام
البواعث المشروعة إبان هذا الاستعمال، أو مجافاة المصلحة الاجتماعية، كل ذلك ينهض
أساساً للمساءلة. وقد أكد جوسران أهمية هذه النظرية، وتقدمها في مجالي التشريع
والاجتهاد من وجهة نظره إلى الحق الفردي وغايته الاقتصادية والاجتماعية، واضعاً
نصب عينيه التحري عن السبب أو الدافع من وراء استعمال صاحب الحق لحقه، بغية ضبطه
والحكم عليه في مدى انسجامه أو شذوذه عن الغاية الاجتماعية، وهي الوظيفة الرئيسية
لمفهوم الحق. وعدّ جوسران النظرية من صلب المسؤولية العادية، وأكد المظهر الشخصي
البحت لسوء استعمال الحق، وأن المعيار الجوهري في إساءة استعمال الحق هو انعدام
المصلحة المشروعة أكثر من التحري عن نية الأضرار، وانتهى إلى النتيجة التالية: إن
إساءة استعمال الحق تقع بين عملين متناقضين: الأول عمل غير مشروع، لا يستند إلى أي
حق؛ والثاني عمل مشروع يُسأل مستعمله عن نتائجه لاعتبارات تتعلق بالتضامن
الاجتماعي، لا على أساس خطأ صدر عنه. أما في كتابه الثاني
"روح الحقوق" فقد عدد فيه معايير إساءة استعمال الحقوق وهي:
أ ـ معيار
إرادي:
يتجسد بنية الأضرار.
ب ـ معيار فني: الخطأ في
التنفيذ.
ج ـ معيار
اقتصادي:
انعدام المصلحة المشروعة.
د ـ معيار
اجتماعي:
عدم ملاءمة الحق لمؤداه العام أو وظيفته الاجتماعية.
ومن
مؤيدي هذه النظرية أيضاً كولان وكابيتان، وسيزار، وبرو، وبودان الذي يرى أن التعسف
يوجد في حالتين: إحداهما عندما يستعمل الشخص حقه لمجرد
ما يقصده من الإضرار بالغير، والأخرى عندما يكون الضرر الذي حصل للغير قد وقع من
الشخص إبان استعماله حقه بسبب إهماله أو عدم تبصره بما لا يمكن وقوعه من الرجل
اليقظ.
2ـ معارضو هذه النظرية: وعلى رأسهم
الفقيه بلانيول، وقد انتقدوا النظرية نقداً عنيفاً. قال بلانيول: إن مسألة إساءة
استعمال الحق (التعسف) هي مسألة وهمية، لأن الحق يتوقف عندما تبدأ الإساءة، بمعنى
أن المسؤولية قائمة بذاتها ومستقلة، وأن من يمارس حقاً يأتي عملاً مشروعاً. فإذا
تجاوز حقه يكون قد خرج عن إطار الحق، فيصبح عمله غير مشروع، وبالتالي يكون قد
ارتكب خطأ فيخضع لأحكام المسؤولية التقصيرية المبنية على أساس الخطأ. وأن العمل لا يمكن أن يكون في وقت واحد متفقاً مع القانون
ومخالفاً له، فالحق عنده وسوء استعماله باعتباره حقاً لا يجتمعان. واستطرد قائلاً:
إن الأخذ بهذه النظرية يخول القضاة سلطة واسعة بالرجوع إلى نية المرء الذي يمارس
حقه، وبالبحث عن الغرض الاجتماعي الذي تقرر الحق من أجله. ومن منتقدي هذه النظرية
ومعارضيها الأخوان مازو اللذان قالا: إن الأساس الذي وضعه جوسران غير قانوني؛ لأنه
ترك للقاضي الحرية لتقدير الغرض الاجتماعي تبعاً لأهوائه الشخصية، ورجحا الأخذ
بالطابع التقليدي للخطأ، وهو خروج الإنسان بتصرفه عن سلوك الرجل البصير.في حين
يذهب الفريد مارتان إلى أن مبادئ هذه النظرية قد جاءت على سبيل التزيد، لأن كل ما
استعرضه القضاء من حالات كان من اليسير العثور على حلول لها بتطبيق القواعد العامة
للمسؤولية.
رابعاً ـ
نظرية التعسف في استعمال الحق في
القانون المدني السوري:
الأصل
ـ وعملاً بنص المادة الخامسة (مدني سوري) ـ لا يكون من استعمل حقه استعمالاً
مشروعاً مسؤولاً عما ينشأ من ذلك من ضرر. فإن محدث الضرر في معرض ممارسته لحقه،
وتبعاً للنص القانوني المذكور الذي يعد قاعدة عامة لا تتحقق مسؤوليته؛ لأن الجواز
الشرعي ينافي الضمان، مما يستدعي تمشياًً مع الأصل إثارة السؤال التالي: هل يعفى
محدث الضرر في القانون المدني السوري من تبعة المسؤولية المترتبة على فعله مطلقاً؟
أم هل هناك حدود لها؟
إن
الإجابة عن هذا التساؤل تفترض إعمال المبدأ القائل: إن النص الخاص يقيد النص
العام، ويحد من إطلاقه، ومن أجل إقامة التوازن بين الحقوق الفردية المتعارضة، أو
بين الحق الفردي وحق الجماعة نشأت نظرية التعسف في استعمال الحق. فالمادة (6 مدني سوري) وضعت القواعد العامة لهذه النظرية، وهي
كالقواعد من البيت وقد سار في هداها كل من الفقه والقضاء. وتُعد المادة (776 مدني
سوري) من أهم التطبيقات العملية لهذه النظرية في صدد منع مضار الجوار غير
المألوفة. وفق تفصيل المادة (6 مدني) يلاحظ أن استعمال
الحق يكون غير مشروع في الأحوال التالية:
أ ـ إذا لم يقصد به سوى
الإضرار بالغير.
ب ـ إذا كانت المصالح التي
يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية، ولا تناسب البتة ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
ج ـ إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها
غير مشروعة.
1ـ أساس النظرية:
إن الأساس القانوني الذي
بنت عليه هذه النظرية قواعدها كي تنهض بصرحها الشامخ في عالم القانون يمكن إسناده
إلى المبدأ العام الذي كرسته المادة (164) من القانون المدني السوري وقررت فيه أن:
"كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض". وإن قواعد المسؤولية
التقصيرية هي التي تنضوي تحت لوائها أحكام هذه النظرية، وتجعل منها مرتكزاً
وأساساً قانونياً. فالخطأ يوجب جبر الضرر، وجبر الضرر
يكون إما عيناً وإما في صورة التعويض النقدي، وهو الحالة الغالبة.ويبقى التعسف
داخلاً في نطاق المسؤولية التقصيرية حتى لو كان تعسفاً متصلاً بالتعاقد. كمن تعسف في إنهاء عقد جُعل له الحق في إنهائه، كعقد العمل أو
الشركة إذا لم تحدد المدة فيهما. إلا ّإن بعض الفقه يرى أن نظرية التعسف في
استعمال الحق مستقلة بذاتها، وليست فرعاً من المسؤولية التقصيرية وإن كان بينهما
تشابه في الهدف التشريعي، وتقارب في الصور التطبيقية.
وإن
الأساس مختلف بين الفعل الضار ومسؤوليته التقصيرية، وبين التعسف في استعمال الحق،
فأساس المسؤولية التقصيرية فعل غير مشروع، في حين أن أساس قاعدة التعسف هو في
استعمال حق مشروع هو التعسف ذاته؛ وإن لنظرية التعسف وظيفة وقائية ليس في
المسؤولية التقصيرية دور مماثل لها. إن صاحب الحق يمنع من ممارسة حقه المشروع
بصورة تعسفية قبل إقدامه على ممارسته إذا كان احتمال وقوع الضرر المتوقع من
استعماله أرجح من عدمه، وليس للمسؤولية التقصيرية هذا الدور الوقائي، لأنها تنشأ
في تحديد المسؤولية عن الفعل الضار بعد وقوعه.
2ـ معايير التعسف:
في الواقع لم يضع المشرع
السوري معياراً محدداً بعينه لتطبيقه على أنواع المنازعات التي يمكن أن تحدث، بل
إنه اتخذ معايير متنوعة في هذا الصدد. لذااستناداًً وجرياً مع النص القانوني
المادة (6) من القانون المدني السوري تم وضع ثلاثة معايير لنظرية التعسف في
استعمال الحق وهي:
أ ـ معيارنية الإضرار: وقد نصت
عليه الفقرة الأولى من المادة السادسة،وهو معيار ذاتي
(شخصي) يقاس بالمعيار العام للخطأ. ويعدّ هذا المعيار هيكل
النظرية، والعنصر الأساسي في بنائها ونشوئها، والأكثر شيوعاً في تطبيقاتها. ويكون
الدافع لاستعمال الحق وفق هذا المعيار تحقيق مآرب شخصية
بغية الإضرار بالغير. وإن انعدام أي مصلحة في استعمال صاحب الحق لحقه يؤكد بجلاء
قصد الإضرار بالغير، وقد تكفي المظاهر الخارجية لتعرف نية الإضرار، كما يمكن أن
تكشف عنها ظروف كل حالة بذاتها وملابساتها. وإن اختلاف
الحالات يستتبع اختلاف مظاهر نية الإضرار كمعيار شخصي، فقد قضي مثلاً بهدم مدخنة
كان قد أقامها صاحبها على سطح منزله، ولكن في قبالة نافذة جاره بقصد إيذائه.
ب ـ معيار انهيار التوازن بين المصالح، من خلال
رجحان الضرر الذي يلحق بالغير على مصلحة صاحب الحق: وقد نصت على هذا
المعيار الفقرة الثانية من المادة السادسة، وهو معيار مادي (موضوعي Objectif) يقوم على
الموازنة بين ما يصيب الغير من ضرر بالغ، وبين ما يتحقق من نفع ضئيل أو قليل
الأهمية لصاحب الحق. ويتم إعمال هذا المعيار من خلال
مقارنة بين الأهمية الاقتصادية والاجتماعية لمصلحة صاحب الحق، وبين ما يعارضها من
مصالح أخرى. ويتخذ في هذا المعيار سلوك الشخص المعتاد مقياساً، كما في التجاوز
اليسير بالبناء على أرض الجوار، لأن الضرر اللاحق بالجوار لا يتناسب مع الفائدة
المرجوة من استعمال الحق، مما يستدعي المطالبة بإزالة هذا التجاوز. ومن تطبيقات هذا المعيار ما نصت عليها المادة (204 فقرة 2 مدني
سوري) أنه إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض
نقدي شرط ألا يلحق ذلك ضرراً بالدائن.
ج ـ معيار عدم مشروعية المصلحة التي يرمي صاحب
الحق إلى تحقيقها: وهذا المعيار أتت على ذكره الفقرة الثالثة من
المادة السادسة المذكورة، فتكون المصلحة غير مشروعة إذا كان تحقيقها مخالفاً
لأحكام القانون، أو معارضاً النظام العام أو الآداب، أو المقتضيات الاقتصادية والاجتماعية،
وهو معيار موضوعي، لأن الشخص المعتاد لا يستعمل حقه بغية تحقيق غرض غير مشروع.
ويمكن استخلاص هذا المعيار من الوسائل المستعملة ولا سيما إذا كانت غير مشروعة.
ويمزج هذا المعيار بين العنصر الذاتي Subjectif والعنصر المادي الموضوعي، إذ إنه يتلمس
فيه وجه المصلحة… وتقدير مشروعية هذه المصلحة. فعند خلو استعمال الحق من أي مصلحة،
أو عندما يكون استعمال الحق لتحقيق مصلحة غير مشروعة، فعندئذٍ يتحقق الخطأ الذي
يعد تعسفاً موجباًللتعويض.
مراجع للاستزادة: |
ـ
عبد الرزاق السنهوري، الموجز في النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني
(المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت، د. ت).
ـ
محسن شفيق، القانون المدني المقارن /نظرية الالتزامات/
(مطبعة الجامعة السورية، 1947).
ـ
مصطفى الزرقا، صياغة قانونية لنظرية التعسف في استعمال الحق في قانون إسلامي (دار
البشير، ط 1، عمان 1983).
ـ
يوسف نجم جبران ـ القانون والجرم وشبه الجرم (ديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر،
منشورات عويدات، ط2، بيروت ـ باريس 1981).
ـ
هنري برول، سوسيولوجيا الحقوق، ترجمة عيسى عصفور، سلسلة زدني علماً (مؤسسة عويدات،
بيروت ـ باريس 1974).
ـ
عبد السلام التونجي، مؤسسة المسؤولية في الشريعة الإسلامية (منشورات جمعية الدعوة
الإسلامية العالمية، ط1، طرابلس 1994).
ـ
حسين عامر، التعسف في استعمال الحقوق وإلغاء العقود (الهيئة المصرية العامة
للكتاب، ط2، القاهرة 1998).
ـ
مصطفى العوجي، القانون المدني ـ المسؤولية المدنية ـ الجزء الثاني (مؤسسة بحسون،
الطبعة الاولى، بيروت 1996).
ـ
زهدي يكن، المسؤولية المدنية أو الأعمال غير المباحة (منشورات المكتبة العصرية، صيداـ
بيروت، د.ت).
ـ
جيرار كورنو، معجم المصطلحات القانونية، ترجمة منصور القاضي (المؤسسة الجامعية،
بيروت 2000).
ـ
شوقي ضيف، المعجم القانوني (مجمع اللغة العربية، القاهرة
1999).
ـ
سلمان بو ذياب، مبادئ القانون المدني (المؤسسة الجامعية، ط1، بيروت 2000).
ـ
الآن بينا بنت، القانون المدني الفرنسي ـ الالتزامات،
ترجمة منصور القاضي (المؤسسة الجامعية بيروت 2000).
ـ
جان بصيبص، الدعاوى المالية (مؤسسة عز الدين، بيروت 1993).
ـ
الغزّالي، إحياء علوم الدين (دار الفكر، ط3، بيروت، د.ت).
ـ
وهبة الزحيلي، موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته (دار الفكر، ط4، دمشق 1997).
ـ
فتحي الدريني، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده (مؤسسة الرسالة، ط3، بيروت 1984).
ـ
فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق (مؤسسة الرسالة، ط2، بيروت 1977).
- التصنيف : القانون الخاص - النوع : القانون الخاص - المجلد : المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام - رقم الصفحة ضمن المجلد : 391 مشاركة :