التظلم الإداري
تظلم اداري
administrative appeal - recours administratif
مهند نوح
أولاً -
تعريف التظلم الإداري
Le recours
administratif:
التظلم الإداري يعني أن يقصد الفرد الذي صدر بحقه قرار أضر به باب
الإدارة، ويطلب منها إعادة النظر بالقرار الذي أصدرته، وتصحيحه أو تطهيره من العيوب
التي لحقته، وذلك بإلغائه أو سحبه، ويسمى التظلم ولائياً
إذا قدم للجهة التي أصدرت القرار ويسمى رئاسياً إذا قدم إلى الجهة الرئاسية للجهة
التي أصدرت القرار.
والتظلم بهذا المعنى يعدّ طريقاً بديلاً من تسوية بعض المنازعات الإدارية،
وذلك بإنهائها في مراحلها الأولى، وتحقيق العدالة الإدارية بطريق أيسر للناس، حيث
قدر المشرع أن الأفراد لو طرقوا باب الإدارة قبل لجوئهم إلى القضاء الإداري؛ لأمكن
حل كثير من الإشكالات ودياً، وفي وقت قصير، ودون إنفاق التكاليف التي يستلزمها
الطريق القضائي؛ لأن صدور القرار الإداري معيباً لا يعني أن الإدارة أرادت حكماً أن
يكون القرار كذلك، وإضافة إلى ما تقدم فإن التظلم للإدارة يؤدي إلى نتائج لا يمكن
الوصول إليها بالطريق القضائي، فرقابة القضاء تتمثل بنواحي المشروعية أساساً، أما
الإدارة فإنها تستطيع أن تعدل القرار أو أن تلغيه لمجرد عدم ملاءمته.
ثانياً -
شروط التظلم الإداري:
لكي يحقق التظلم الإداري آثاره
القانونية؛ لابد أن تتحقق فيه الشروط القانونية التالية:
1- يجب أن ينصب التظلم على قرار معيّن، وهذا يحتم أن يكون التظلم لاحقاً على إصدار القرار، ومن
ثم فلا يجوز أن يقدم التظلم ضد الإجراءات التمهيدية للقرار، كأن ينصب على إنذار
سابق على إصدار القرار.
2- يجب
أن يقدم التظلم من قبل صاحب الشأن، أي الشخص
القانوني الذي مس القرار مركزاً قانونياً له، أو من يمثله قانوناً، كمحاميه مثلاً.
والقاعدة هي ألا يفيد من التظلم إلا صاحبه، ومن ثم فإنه لا يجوز الاستناد إلى
التظلمات التي قدمها الغير حتى لو انصبت على الموضوع نفسه للقول بإنتاج التظلم
لأثره القانوني.
3- يجب
أن يقدم التظلم إلى الجهة الإدارية مصدرة
القرار، أو إلى الجهات الرئاسية لها، وبالتالي إذا قدم لغير هذه
الجهات فإنه لا ينتج أثره القانوني، والعلة من ذلك واضحة، إذ إن التظلم يقدم إلى
الجهة التي أصدرت القرار أو إلى الجهات الرئاسية لها؛ لأن هاتين الجهتين لهما ولاية
على القرار، ومن ثم فإنهما تستطيعان سحبه أو إلغاءه، أما الجهة غير المختصة؛ فلا
تملك شيئاً حيال قرارات لم تصدرها، وليس لها أي ولاية حيالها.
بيد أن ذلك لا يعدّ قاعدة مطلقة، إذ أقر القضاء الإداري المصري بالأثار
القانونية للتظلم ولو قدم إلى غير الجهة التي أصدرته؛ في حال علمت به الجهة المختصة
التي أصدرت القرار أصلاً، ويكون ذلك إذا وصل التظلم إلى جهة غير مختصة، وأحالته إلى
الجهة المختصة به ضمن الميعاد القانوني لتقديمه.
ويجري الواقع العملي في الجمهورية العربية السورية أن يتم التظلم من
القرارات التي تصدرها السلطات الإدارية المختصة بناء على توصية الأجهزة الرقابية
(الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش - الجهاز المركزي للرقابة المالية)، ويقدم التظلم في هذه الحالة إلى الجهة
الإدارية التي أصدرت التوصية بناء على تقرير الجهة الرقابية، فتقوم الجهة الإدارية
بفتح حوار مع الجهة الرقابية حول موضوع التظلم، وعادة لا ينتج التظلم أثراً إلا إذا
كانت هناك وقائع جديدة أو وقائع لم يحط بها التقرير التفتيشي،
وتطبق هذه القاعدة ضمن أضيق الحدود.
4- يجب أن يهدف
التظلم إلى الحصول من الجهة المتظلم إليها على قرار إداري قابل للطعن بطريق الإلغاء، ومن ثم يجب أن يكون القرار حاسماً في تحديد هدفه سواء
بسحب القرار أم إلغائه أم تعديله. فإذا كان القصد من التظلم الحصول على مقابلة مع
المتظلم، أو الغرض منه أخذ رأي الإدارة، أو مجرد الاحتجاج؛ فإن الطلب المقدم إلى
الإدارة لا ينتج أثراً قانونياً.
5- يجب أن يقدم
التظلم ضمن الميعاد الأصلي للطعن بالإلغاء (ستون يوماً من
تاريخ نفاذ القرار- المادة 22 من قانون مجلس الدولة السوري)؛ لأن مرور هذا الميعاد
من شأنه أن يؤدي إلى استحالة المساس بالقرار من قبل الإدارة و القضاء على السواء،
وبالتالي لا يجدي أي تظلم، والعبرة في هذا المجال ليست بتاريخ تقديم التظلم، إنما
بميعاد وصوله للجهة صاحبة العلاقة، لذلك لا يكفي أن يثبت المتظلم أنه قد أرسل تظلمه
في الميعاد المحدد قانوناً، بل يجب عليه أن يثبت أن هذا التظلم المرسل في الميعاد
قد وصل إلى الجهة صاحبة العلاقة، وضمن الميعاد المحدد لرفع دعوى الإلغاء.
6- يشترط في التظلم أن
يكون مجدياً، أي يمكن أن ينتهي بنتيجة
في مصلحة المتظلم؛ بأن تسحب الجهة المتظلم إليها القرار محل التظلم أو تعدله أو
تلغيه، وهذا يفترض منطقاً وقانوناً أن تملك الإدارة المتظلم إليها مثل هذه السلطة،
وإلا فلا داعي لتقديم التظلم.
7- لا يشترط في التظلم شكل
معيّن، فقد يحصل بعريضة يقدمها صاحب الشأن يودعها في ديوان
الإدارة، كما يمكن أن يكون بإنذار على يد محضر، أو بخطاب بريدي مضمون، أو بخطاب عن
طريق الكاتب بالعدل… إلخ؛ وذلك كله ما لم يوجد نص خاص يقرر أوضاعاً شكلية محددة
لتقديم التظلم. وعلى العموم لا يؤثر في الوجود القانوني للتظلم إغفال التوقيع عليه،
أو إذا كان خالياً من إلصاق الطابع عليه، إذ يكفي أن يقدم التظلم تحت مسمع الإدارة
وبصرها حتى يترتب أثره القانوني.
ثالثاً-
أنواع التظلم الإداري:
يكون
التظلم اختيارياً Le recours
facultatif، ويمكن أن يكون إجبارياً Le recours obligatoire، والتظلم الاختياري خاضع لتقدير ذوي الشأن إن
شاؤوا أخذوا به، وإن شاؤوا
تركوه، وطرقوا باب القضاء مباشرة، وذلك راجع إلى أن القانون لا يلزم به، ويعدّ
التظلم الاختياري هو الأصل، كما يستطيع صاحب العلاقة أن يجمع الطريقين في آن معاً،
فبعد تقديم التظلم ضمن الميعاد القانوني (ستون يوماً من تاريخ نفاذ القرار)، يحق
لصاحب الشأن ألا ينتظر رد الإدارة على التظلم المذكور، وألا ينتظر مرور الستين
يوماً من تاريخ وصول تظلمه للجهة الإدارية، ويقدم على رفع دعوى الإلغاء خلال المدة
الأولى الأصلية التي قدم فيها تظلمه. وفي هذه الحالة يمكن أن تستجيب الإدارة لطلبات
المتظلم كلها أو بعضها، فإذا استجابت لكل الطلبات، فعندئذٍ تحكم المحكمة برد الدعوى
لأنها أصبحت غير ذات موضوع، أما إذا استجابت لجزء من الطلبات فإن المدعي يكون
بالخيار إما أن يتابع الدعوى بالنسبة إلى ما تبقى من طلبات، أو أن يقنع بما أعطته
الإدارة، ويسقط حقه بالدعوى برمتها، ويكون هذا الحل وارداً غالباً عندما تقوم
الإدارة بتلبية مطالب جوهرية له واردة في تظلمه، فلا يبقى لموضوع الدعوى سوى
المطالب الثانوية.
أما
التظلم الوجوبي، فهو التظلم الإلزامي، ويكون التظلم كذلك إذا فرضه المشرع بالنص القانوني، حيث يورد المشرع في
هذه الحالة طائفة من القرارات لا يمكن الطعن بها إلغاء قبل التظلم منها، وهذا هو ما
كان عليه الحـــــــــــال في القضايا الجـــــــــــوهرية للعاملين في الدولة في
ظل قانون مجلس الدولة رقم (55) لسنة 1959، وذلك في المادة (12) منه، والتي نصت على
ما يلي:
«لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال
السيادة، ولا تقبل الطلبات الآتية:
1- الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم مصلحة شخصية.
2- الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات الإدارية المنصوص عليها في
البندين (ثالثاً) و(رابعاً) - عدا ما كان منها صادراً عن مجالس تأديبية ـــ والبند
(خامساً) من المادة (8)؛ وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت
القرار أو إلى الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم».
أما الطلبات التي لا يجوز قبولها قبل التظلم منها والمذكورة في البنود
ثالثاً ورابعاً وخامساً من المادة (8) من قانون مجلس الدولة فتتمثل فيما يلي:
Ÿ الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات
الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو بمنح علاوات.
Ÿ الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات
التأديبية.
Ÿ الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات
الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق
التأديبي (باستثناء المراسيم والقرارات التي تصدر استناداً إلى أحكام المادة (85)
من قانون الموظفين الأساسي). وهذا يعني أن معظم القرارات التي تصدر بالشأن الوظيفي
للعاملين في الدولة لا يجوز مخاصمتها قضائياً قبل التظلم منها لدى الإدارة، بيد أن
القانون (7) لسنة 1990 قد ألغى هذا الحكم، حيث أعفى الدعاوى التي يرفعها العاملون
في الدولة من أي تظلم وجوبي، ومن ثم فإنه يجوز قبول جميع دعاوى العاملين في الدولة
دون اللجوء إلى التظلم المسبّق، ولعل المشرع أراد من وراء هذا الإلغاء التخفيف من
كم الدعاوى العمالية التي يمكن أن ترد شكلاً بسبب عدم تقديم التظلم المسبّق.
ومن ثم فإن ما ورد في المادة (67) من قانون العاملين الأساسي من أحقية كل
عامل أن يطالب بأي حق من حقوقه أو أن يشرح أي ظلامة تقع عليه وعن طريق التنظيم
النقابي المختص؛ إنما يصب في خانة التظلم الاختياري.
رابعاً -
الآثار القانونية للتظلم:
يحدث التظلم الإداري أثرين مهمين، هما تمكين الإدارة من إعادة النظر بالقرار
من جهة، و قطع الميعاد من جهة أخرى:
1- تمكين الجهة الإدارية من إعادة النظر
بالقرار:
يترتب على التظلم الإداري تمكين الجهة المختصة من إعادة النظر بالقرار محل
التظلم، حتى لو تم الطعن بهذا القرار أمام القضاء، ويمكن للسلطة الإدارية أن تقوم
بسحب القرار أو إلغائه أو تعديله، ولكن من الملاحظ أنه إذا كان من شأن التظلم دفع
الإدارة إلى إعادة البحث في القرار محل التظلم؛ فإنه لا يؤدي إلى إيقاف تنفيذه،
فالقرار يظل نافذاً ومنتجاً لآثاره، مع ملاحظة أنه توجد حلول مغايرة أحياناً في بعض
الأنظمة القانونية المقارنة، حيث يؤدي التظلم الإداري في ظل النظام القانوني
الألماني مثلاً في حالات متعددة إلى إيقاف تنفيذ القرار حتى لو باشرت الإدارة في
تنفيذه.
2- قطع مهلة دعوى الإلغاء:
وفقاً للمادة (22) من قانون مجلس الدولة السوري ينقطع سريان مهلة دعوى
الإلغاء بالتظلم إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئاسية،
ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه، وإذا صدر القرار بالرفض
يجب أن يكون مسبباً، ويعدّ مضي ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه
السلطات المختصة بمنزلة رفضه، وتكون مهلة الطعن بالإلغاء عندئذٍ ستين يوماً من
تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة.
ومن الواضح وفقاً للنص سالف الذكر أن ميعاد دعوى الإلغاء ينقطع بتقديم
التظلم (حكم المحكمة الإدارية العليا رقم (936) في الطعن (2377) لسنة 1990، مجموعة
المبادئ لسنة 1990، ص 242)؛ ولو كان اختيارياً (وهذه هي الفرضية الوحيدة في القانون
السوري حالياً)، أما عن كيفية حساب ميعاد دعوى الإلغاء فيجب التمييز بين رفض
الإدارة الصريح للتظلم وبين الرفض الحكمي (الضمني) له.
فالرفض الصريح هو أن يصدر قرار صريح برفض التظلم خلال الستين يوماً التالية
على تقديمه، وينتهي سبب الانقطاع من تاريخ الإخطار برفض التظلم، ويبدأ ميعاد الطعن
القضائي من اليوم التالي لهذا الإخطار.
أما الرفض الحكمي (الضمني) فهو أن تمضي ستون يوماً على تقديم التظلم دون أن
تجيب عنه السلطة المختصة، وينتهي سبب الانقطاع ويبدأ ميعاد الطعن القضائي بالإلغاء
من اليوم التالي لانقضاء الستين يوماً اللاحقة على تقديم التظلم، وإذا رفعت الدعوى
بعد مضي هذه المدة؛ فإنها تكون غير مقبولة.
وفي كل الأحوال يجب على المتظلم أن يبادر برفع الدعوى قبل رفض التظلم صراحة
أو حكماً؛ إذا أصبح التظلم غير مجدٍ؛ كأن يتنازل المتظلم عن التظلم مما ينطوي على
إقرار منه بعدم رغبته في بحث التظلم؛ الأمر الذي تنتفي معه الحكمة من انتظار مدة
الستين يوماً المقررة للجهة الإدارية للبت في التظلم.
وإضافة إلى ما تقدم فإن هناك أثراً قانونياً مهماً ينجم عن التظلم أقره
الاجتهاد القضائي، وهو ذاك المتعلق بإثبات العلم اليقيني بالقرار محل الادعاء أمام
القضاء الإداري، فتقديم التظلم إلى الإدارة المعنية يثبت علم صاحب العلاقة بالقرار
محل الادعاء من تاريخ تقديم تظلمه، ومن ثم فقد استقرت المحكمة الإدارية العليا على
اعتبار بدء سريان مدة الطعن بالإلغاء من تاريخ إيداع التظلم بحسبانه التاريخ الذي
علم فيه صاحب العلاقة يقينياً بالقرار (حكم المحكمة الإدارية العليا رقم (68-2) في
الطعن رقم (586) لسنة 1997، مجموعة المحامي مصباح المهايني،
ج1، ص 596).
خامساً -
إثبات التظلم الإداري:
يقع على المتظلم إثبات تقديم التظلم، ومن ثم فلا يعتد بقول المدعي: إنه تظلم
في الميعاد القانوني، مادام يجهل تاريخ تظلمه، ولا يمكنه الإرشاد عنه أو تقديم ما
يدل عليه، ويستطيع المدعي أن يثبت تقديمه للتظلم بجميع طرق الإثبات المعتمدة لدى
القضاء الإداري، ويتجلى ذلك خصوصاً في تقديم كتاب التظلم مع إضبارة
الدعــــــــــوى، وقد دون عليه رقم الإيداع في ديوان الإدارة صاحبة العلاقة
وتاريخه.
مراجع للاستزادة: |
- إدوار عيد، القضاء الإداري، الجزء الأول، أصول
المحاكمات الإدارية (بيروت 1974).
- رأفت فودة، النظام القانوني للميعاد في دعوى الإلغاء (دار النهضة العربية،
القاهرة 1998).
- سليمان الطماوي، القضاء الإداري، قضاء الإلغاء
(دار الفكر العربي، القاهرة 1996).
- حسين عثمان محمد عثمان، قانون القضاء الإداري (منشورات الحلبي الحقوقية،
بيروت 2006).
- مصطفى أبو زيد فهمي، القضاء الإداري ومجلس الدولة (بلا دار نشر، الطبعة
الثالثة، القاهرة 1966).
- محمد محمد عبد اللطيف، قانون القضاء الإداري
(دار النهضة العربية، القاهرة 2002).
- محمد كامل ليلة، الرقابة على أعمال الإدارة (دار النهضة العربية، بيروت
1968).
- M. AUBY, Traité des recours en matière administrative, (Litec,1992).
- R. ODENT, Contentieux administratif; T.1, (Dalloz; Paris, 2007).
- G. PEISER, Contentieux administratif, (Dalloz, Paris,2004).
- التصنيف : القانون العام - النوع : القانون العام - المجلد : المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة - رقم الصفحة ضمن المجلد : 193 مشاركة :