التحكيم الشرعي
تحكيم شرعي
legitimate arbitration - arbitrage légitime
أحمد
بدر الدين حسون
لقد عني
التشريع الإسلامي بموضوع الحكم بين الناس والتحكيم في منازعاتهم، وأوضحت الآيات
القرآنية أن ذلك من أهم الأسباب التي دعت إلى إرسال الرسل، وبعث الأنبياء، وأن
إنزال الكتب السماوية إنما جاء لتحقيق هذا الهدف.
قال تعالى: )إِنَّا
أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا
أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً([النساء105].
ويُعَدُّ
التحكيم وسيلة فعالة وسريعة لحل المنازعات التي تثار بين الخصوم، ويؤدي التحكيم
دوراً أساسياً ومهماً بصفته وسيلة من وسائل فض المنازعات، يقوم بجانب القضاء
والصلح، إذ يعدّ أول وسيلة من وسائل فض المنازعات وأقدمها عرفها الإنسان منذ
القديم.
وأبرز قضية قبل
الإسلام حُكِّم فيها رسول الله r في رفع الحجر الأسود إلى مكانه في بناء الكعبة المشرفة حينما
اختلفت قبائل قريش عليها في حينه.
واستمر التحكيم
بالازدهار؛ ولاسيّما حين ازدهرت التجارة الدولية والنشاط التجاري بين الناس في ظل
العولمة، حتى أصبح التحكيم على شكل منظمات وهيئات دولية ومراكز.
أولاً:
تعريف
التحكيم
التحكيم Arbitration في اللغة: مصدر حَكَّمَه في الأمر والشيء؛ أي:
أَمرَه أن يحكم فاحتكم، وجعله حَكَمَاً، فهو حَكَم، ومُحَكّم، وفَوَّض الحكم إليه،
جاء في القرآن الكريم:
)فَلا
وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا
يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا([النساء65].
ومن معاني التحكيم في اللغة: الحكم. يقال: قضى بين الخصمين، وقضى له،
وقضى عليه.
وفي الاصطلاح: التحكيم: تولية الخصمين حاكماً يحكم بينهما.
وفي مجلّة الأحكام العدليّة: التحكيم عبارة عن اتّخاذ الخصمين -
أي: المدَّعِي والمدَّعَى عليه - حاكماً برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما. ويقال
لذلك: حَكَم بفتحتين، ومُحَكَّم بضمّ الميم، وفتح الحاء، وتشديد الكاف المفتوحة.
ومن حيث مفهوم
التحكيم فهو نوع من القضاء الخاص يقوم على مبدأ سلطان الإرادة، أي: إن أطراف
النزاع تتفق فيما بينها على اللجوء إلى التحكيم في حل خلافاتها ومنازعاتها التي قد
تحصل، أو حصلت، ويعدّ هذا الاتفاق تخلياً من المتعاقدين أو الخصوم عن حقهم في
اللجوء إلى القضاء واعتمادهم التحكيم بصفته سبيلاً لحل الخلاف بينهم.
1- الحكم
التكليفيّ:
التحكيم مشروع.
وقد دلّ على ذلك الكتاب والسنّة والإجماع.
أمّا الكتاب
الكريم فقوله تعالى: )وَإنْ
خِفْتُم شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ
أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا([النساء35]، قال القرطبيّ: «إنّ هذه الآية دليل
إثبات التحكيم»، وقال الكاساني: «فكان الحكم من الحكَمين بمنزلة حكم القاضي
المقلد».
وأمّا السنّة
المطهّرة؛ فإنّ رسول الله r رضي بتحكيم سعد بن معاذ t في أمر اليهود من بني قريظة حين جنحوا إلى ذلك، ورضوا بالنزول على
حكمه، عَن أَبي أُمَامَةَ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِي
يَقُولُ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ،
فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ r إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ
الْمَسْجِدِ قَالَ لِلأَنْصَارِ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»، أَوْ «خَيْرِكُمْ»،
فَقَالَ: «هَؤُلاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ»، فَقَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ،
وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ، قَالَ: «قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ»، وَرُبَّمَا قَالَ:
«بِحُكْمِ الْمَلِكِ».
وإنّ رسول
اللّه r رضي
بتحكيم الأعور بن بشامة في أمر بني العنبر حين انتهبوا أموال الزكاة.
وفي الحديث
الشريف عَن شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ r مَعَ
قَوْمِهِ، سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ r، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ،
وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ؟»، فَقَالَ: إِنَّ
قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ
كِلا الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «مَا أَحْسَنَ هَذَا! فَمَا لَكَ مِنَ
الْوَلَدِ؟»، قَالَ: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: «فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟»، قُلْتُ: شُرَيْحٌ، قَالَ: «فَأَنْتَ
أَبُو شُرَيْحٍ».
وعن أبي هريرة t قال: قال النبيّ r: «اشترى رجل من رجل عقاراً، فوجد الرجل الذي اشترى
العقار في عقاره جَرَّة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما
اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما
فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام،
وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه،
وتصدقا».
وقد ذكر ابن
حجر ما يمكن أن يستدل بظاهر قوله: (فتحاكما) على أن الذي جرى هنا تحكيم، وإن
كان بعض العلماء يرى أنهما تحاكما إلى قاضٍ منصوب للناس، وليس إلى محكم.
وفي الحديث: «من حكم بين اثنين تحاكما إليه، وارتضياه، فلم يقل بينهما بالحق؛ فعليه
لعنة الله».
وعن عائشة رضي
الله عنها قالت: «كان بيني وبين النبيّ r كلام، فقال: «أجعل بيني وبينك عمر؟»، فقلت:
لا، قال: «أجعل بيني وبينك أباك؟». قلت: نعم»(14).
أمّا الإجماع،
فقد كان بين عمر وأبيّ بن كعب t منازعة في نخل، فحكّما بينهما زيد بن ثابت t.
كما تحاكم
عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم رضي الله عنهم.
وقد وقع مثل
ذلك لجمع من كبار الصحابة، ولم ينكره أحد فكان إجماعاً.
وبناءً
على ذلك ذهب الفقهاء إلى جواز التحكيم.
بيد أنّ من الحنفيّة من امتنع عن الفتوى بذلك، وحجّته: أنّ
السلف إنّما يختارون للحكم من كان عالماً صالحاً ديّناً، فيحكم بما يعلمه من أحكام
الشرع، أو بما أدّى إليه اجتهاد المجتهدين. فلو قيل بصحّة التحكيم اليوم لتجاسر
العوامّ، ومن كان في حكمهم إلى تحكيم أمثالهم، فيحكم الحكم بجهله بغير ما شرع
اللّه تعالى من الأحكام، وهذا مفسدة عظيمة، ولذلك أفتوا بمنعه.
وقال أصبغ من المالكيّة: لا أحبّ ذلك، فإن وقع مضى.
ومن الشافعيّة من قال بعدم الجواز، ومنهم من قال بالجواز
إذا لم يكن في البلد قاضٍ. ومنهم من قال بجوازه في المال فقط(21).
ومهما يكن فإنّ
جواز التحكيم هو مذهب الحنفيّة، والأظهر عند جمهور الشافعيّة، وهو مذهب الحنابلة.
أمّا المالكيّة: فظاهر كلامهم نفاذه بعد الوقوع.
وطرفا
التحكيم:
هما الخصمان اللذان اتّفقا على فضّ النزاع به فيما بينهما، وكلّ منهما يسمّى
المحكِّم بتشديد الكاف المكسورة، وقد يكون الخصمان اثنين، وقد يكونان أكثر من ذلك.
والشرط في طرفي
التحكيم: الأهليّة الصحيحة للتعاقد الّتي قوامها العقل، إذ من دونها لا يصحّ
العقد.
2- أهمية
التحكيم
تتجلى
أهمية التحكيم بتوافر العناصر الآتية فيه:
أ- المساندة
في تخفيف العبء على المحاكم وبالتالي خدمة مصالح الدولة في عدم تكدس القضايا
والسرعة في فض المنازعات؛ لأن المحكمين عادة ما يكونون متفرغين للفصل في خصومة
واحدة، وعموماً لا تتعدى 6 أشهر، وفي القانون السوري وضع مدة شهر للمُحَكَّم
لإصدار حكمه؛ إلا إذا قدَّم مسوّغات للتمديد، وفي جميع الأحوال لا يتجاوز مدة 3
أشهر.
ب-
قلة التكاليف والنفقات والاقتصاد في المصروفات: حيث إن نفقات التحكيم أقل كثيراً
من نفقات رسوم المحاكم وأتعاب المحاماة وإجراءات التنفيذ.
جـ-
السرية: حيث إن ملف الخصومة بين الطرفين يبقى تحت علم المحكَّمين حصراً في حين
جلسات التقاضي في المحاكم علنية، والمحكَّمون يقسمون اليمين في كل قضية يتولون
التحكيم فيها للمحافظة على الحياد والسرية.
د-
السهولة والبساطة في الإجراءات، والحرية المتاحة لهيئة التحكيم بحسم الخلاف غير
مقيدة إلا بما ينفع حسم الموضوع.
هـ-
حرية اختيار المحكَّمين، فطريقة اختيار المحكَّمين برضا تام من المتنازعين بحيث
يشعر كل منهم بكامل الاطمئنان؛ لأنهم اختاروا بإرادتهم من يحكم بينهم.
و-
تلافي الحقد بين المتخاصمين، ففي أغلب الأحيان يأتي القرار أقرب ما يكون للتراضي؛
ويؤدي القرار إلى وأد الخصومة والمشاحنات، وبالتالي اطمئنان النفوس والرضا وإعادة
العلاقات الطيبة.
ز-
التخصص في حل النزاع.
ثانياً:
التحكيم بين الزوجين والتفريق للشقاق:
إن مؤسسة
التحكيم الشرعي تقوم على إصلاح ذات البين بين الزوجين، وبذل الجهد للحيلولة دون
وقوع التفريق بين الزوجين المتداعيين الذي يؤدي في حال حصوله إلى انهيار أسرة
بكاملها؛ وهي أساس المجتمع.
الشقاق: هو
النزاع بين الزوجين، سواء أكان بسبب من أحد الزوجين، أم بسببهما معاً، أم بسبب أمر
خارج عنهما، فإذا وقع الشقاق بين الزوجين، وتعذّر عليهما الإصلاح؛ فقد شرع
بعث حكمين من أهلهما للعمل على الإصلاح بينهما وإزالة أسباب النزاع والشقاق بالوعظ
وما إليه.
ومهمّة
الحكمين هنا الإصلاح بين الزوجين بحكمة ورويّة.
ويُلاحَظ أن
أصول التحكيم بين طرفين مختلفين في القضايا الشرعية أمر مختلف عما هو عليه التحكيم
في القضايا المدنية والتجارية والخلافات المالية.
فالغاية
الأساسية
من التحكيم في الخلافات الشرعية: سعي الحكمين إلى الصلح
ورأب الصدع الذي نشب بين الزوجين.
ويمارس الحكمان
هذا الدور قبل اللجوء إلى تحديد مسؤولية كل من الزوجين عن الخلاف الحاصل بينهما،
فهذه المهمة لا يتم اللجوء إليها إلا عند تعذر إصلاح ذات البين واستحالته.
وقد اختلف
الفقهاء في مهمّة الحكمين، وفي شروطهما، وذلك على الوجه التالي:
1- مهمّة
الحكمين:
ذهب الحنفيّة
إلى أنّ مهمّة الحكمين الإصلاح لا غير، فإذا نجحا فيه فبها، وإلاّ تركا الزّوجين
على حالهما ليتغلّبا على نزاعهما بنفسيهما، إمّا بالمصالحة، وإمّا بالصبر، وإمّا
بالطلاق، وإمّا بالمخالعة، وليس للحكمين التفريق بين الزوجين إلاّ أن يفوّض
الزوجان إليهما ذلك، فإن فوّضاهما بالتّفريق بعد العجز عن التوفيق، كانا وكيلين
عنهما في ذلك، وجاز لهما التفريق بينهما بهذه الوكالة.
وذهب المالكيّة
إلى أنّ واجب الحكمين الإصلاح أوّلاً، فإن عجزا عنه لتحكّم الشقاق كان لهما
التفريق بين الزوجين دون توكيل، ووجب على القاضي إمضاء حكمهما بهذا التفريق إذا
اتّفقا عليه وإن لم يصادف ذلك اجتهاده، وإن طلّقا، واختلف الحكمان في المال بأن
قال أحدهما: الطّلاق بعوض، وقال الآخر: بلا عوض، فإن لم تلتزمه المرأة فلا طلاق
يلزم الزوج، ويعود الحال كما كان، وإن التزمته وقع، وبانت منه، وإن اختلفا في قدره
بأن قال أحدهما: طلّقنا بعشرة، وقال الآخر: بثمانية، فيوجب ذلك الاختلاف للزوج خلع
المثل، وكذلك لو اختلفا في صفته، أو جنسه.
وذهب الشافعيّة
إلى أنّه إن اشتدّ الشقاق بين الزوجين بعث القاضي حكماً من أهله وحكماً من أهلها،
وهما وكيلان لهما في الأظهر، وفي قول: هما حاكمان مولّيان من الحاكم، فعلى الأوّل:
يشترط رضاهما ببعث الحكمين، فيوكّل الزوج حكمه بطلاق وقبول عوض خلع، وتوكّل
الزّوجة حكمها ببذل عوض وقبول طلاق، ويفرّق الحكمان بينهما إن رأياه صواباً، وإن
اختلف رأيهما بعث القاضي اثنين غيرهما، حتّى يجتمعا على شيء، وعلى القول الثاني:
لا يشترط رضا الزوجين ببعثهما، ويحكّمان بما يريانه مصلحةً من الجمع أو التفريق.
وذهب الحنابلة
إلى أنّ مهمّة الحكمين الأولى التوفيق، فإن عجزا عنه لم يكن لهما التفريق في قول
كالحنفيّة، وفي قول آخر: لهما ذلك.
2- شروط
الحكمين:
اشترط
الفقهاء في الحكمين شروطاً، هي:
أ-
كمال الأهليّة، وهي: العقل والبلوغ والرشد، فلا يجوز تحكيم الصغير والمجنون
والسفيه.
ب-
الإسلام، فلا يحكَّم غير المسلم في المسلم، لما فيه من الاستعلاء عليه.
ج-
الحرّيّة، فلا يحكم عبد، وللحنابلة قول آخر بجواز جعل العبد محكَّماً، ما دام
التحكيم وكالةً.
د-
العدالة، وهي: ملازمة التقوى ومقتضيات المروءة.
هـ-
الفقه بأحكام هذا التحكيم.
و- أن
يكونا من أهل الزوجين إن أمكن على سبيل الندب لا الوجوب.
ثمّ إن وكّل
الزوجان الحكمين بالتفريق برضاهما كان لهما التفريق أيضاً بعد العجز عن الجمع
والتوفيق، وفي حال التوكيل في التفريق يشترط إلى جانب ما تقدّم: أن يكون الزوجان
كاملي الأهليّة راشدين، لما في ذلك من احتمال ردّ بعض المهر.
واقع التحكيم
الشرعي:
يعزى السبب في إخفاق التحكيم الشرعي إلى الإدارة السيئة للجلسات التي يعتمدها
الحكمان، فطريقة المواجهة المباشرة للزوجين بعضهما بعضاً جعلت كل واحد منهما
متهماً تجاه الآخر، وقد أصبح كل منهما مقتنعاً أن دوره أمام الحكمين محصور في
إثبات براءته مما ينسب إليه، فتتحول جلسات التحكيم إلى ساحة صراع بدلاً من أن يكون
مجلس وفاق ووئام، وهذا الصراع يؤدي في النتيجة إلى استحالة عقد الصلح بينهما.
آلية المصالحة
تستوجب من الحكمين اتباع الخطوات الآتية:
(1)
الاجتماع مع كل من الزوجين على انفراد؛ بقصد إيجاد حالة من المشترك بينهما، وإفهام
كل واحد منهما بهذه الرغبة، وطلب التعاون منه لتحقيقها.
(2)
عدم لجوء الحكمين إلى جمع الزوجين في مجلس واحد إلا بعد تكرار الاجتماع بهما على
انفراد وتهيئتهما.
(3)
ترك كل واحد من الزوجين يتكلم بكل ما لديه، ويفضفض كل ما في جعبته.
(4) ـ
مواصلة استماع الحكمين دون ملل؛ لأن الفضفضة تؤدي غالباً إلى التمهيد لحل المشكلة
بنسبة عالية.
(5)
إذا تبين للحكمين أن أحد الزوجين صعب المراس، عنيد، متشنج؛ فإن تعامل الحكمين معه
يحتاج منهما إلى ضرورة التركيز على المصالح والأهداف المشتركة بينه وبين زوجه
الآخر، وتذكيره بالضرر الذي يحيق به بحال إخفاق مشروع المصالحة.
(6)
على الحكمين عدم اللجوء مطلقاً إلى الاستهزاء والاستخفاف بعقل كل من الزوجين أو
التهكم عليهما أو اتهامهما بقصور الفهم والعلم؛ لأن ذلك يزيده العناد والصلابة.
(7)
عند جمع الزوجين مع بعضهما في مجلس واحد، يكون الحكمان قد تفهما الأسباب الجوهرية
التي تحتاج إلى حل، ويكونان قد أسقطا من حسابهما الأسباب الملفقة من كليهما على
الآخر، وأسقطا الأسباب الثانوية، ويبقى القاسم المشترك الذي تنصب عليه جهود
الإصلاح دون غيره من الأسباب التي تهاترت في أثناء الاجتماع الانفرادي مع كلا
الزوجين.
3- نصيحة
وتوجيه للقضاة:
من الضروري
بمكان أن يراعي القاضي - عند تعيينه الحكمين لتسهيل المهمة والقدرة على إيجاد الحل
- الأمور الآتية:
¯ أن يكونا من البيئة الاجتماعية ذاتها التي يتبع لها الزوجان.
¯ أن يكونا على معرفة بالعادات والتقاليد والأعراف السائدة في بيئة
الزوجين.
وهناك ضرورة
للتعاون بين وزارتي العدل والأوقاف في هذا المجال بحيث ترشح وزارة الأوقاف من
قبلها من تثق بقدراتهم ومعرفتهم الدينية والعلمية والأخلاقية.
ثالثاً:
التحكيم التجاري
1- شروط
المحكَّم:
أ- أن
يكون معلوماً. فلو حكّم الخصمان أوّل من دخل المسجد مثلاً لم يجز بالإجماع، لما
فيه من الجهالة؛ إلاّ إذا رضوا به بعد العلم، فيكون حينئذ تحكيماً لمعلوم.
ب- أن
يكون أهلاً لولاية القضاء.
وثمّة أحكام
تفصيليّة لهذا الشرط يرجع إليها في مبحث (دعوى) و(قضاء).
ج-
ألاّ يكون بين المحكّم وأحد الخصمين قرابة تمنع من الشهادة.
أمّا المالكيّة فلهم في ذلك ثلاثة
أقوال:
القول
الأوّل:
أنّه يجوز مطلقاً، سواء أكان الخصم الحكم قاضياً أم غيره.
الثاني:
أنّه لا يجوز مطلقاً للتهمة.
الثالث:
التفرقة بين أن يكون المحكّم قاضياً أو غيره، فإن كان الخصم المحكّم قاضياً لم
يجز، وإن لم يكن قاضياً جاز.
القول الأوّل
هو المعتمد، وبه أخذ الحنابلة.
2- محلّ
التحكيم:
اختلف الفقهاء
فيما يصلح أن يكون محلاً للتحكيم.
فعند الحنفيّة
لا يجوز التحكيم في الحدود الواجبة حقّاً للّه تعالى، ولا في القصاص.
وأمّا
المالكيّة، فإنّ التحكيم عندهم جائز إلاّ في ثلاثة عشر موضعاً، هي:
الرشد، وضدّه،
والوصيّة، والحبس (الوقف)، وأمر الغائب، والنسب، والولاء، والحدّ، والقصاص، ومال
اليتيم، والطلاق، والعتق، واللعان.
وأمّا
الشافعيّة فإنّ التحكيم عندهم لا يجوز في حدود اللّه تعالى. ولو حكّم خصمان رجلاً
في غير حدّ اللّه تعالى جاز مطلقاً بشرط أهليّة القضاء. وفي قول: لا يجوز. وقيل:
بشرط عدم وجود قاضٍ بالبلد، وقيل: يختصّ التحكيم بالأموال دون القصاص والنكاح
ونحوهما.
وأمّا
الحنابلة: فقد اختلفوا فيما يجوز فيه التحكيم.
ففي ظاهر كلام
أحمد أنّ التحكيم يجوز في كلّ ما يمكن أن يعرض على القاضي من خصومات، يستوي في ذلك
المال والقصاص والحدّ والنكاح وغيرها، حتّى مع وجود قاضٍ؛ لأنّه كالقاضي ولا فرق.
وقال القاضي أبو
يعلى بجواز التحكيم في الأموال خاصّةً، وأمّا النكاح والقصاص والحدّ فلا يجوز فيها
التحكيم؛ لأنّها مبنيّة على الاحتياط، فلا بدّ من عرضها على القضاء للحكم.
3- شروط
التحكيم:
يشترط في
التحكيم ما يأتي:
أ-
قيام نزاع وخصومة حول حقّ من الحقوق.
ب- تراضي
طرفي الخصومة على قبول حكمه، أمّا المعيّن من قبل القاضي فلا يشترط رضاهما به؛
لأنّه نائب عن القاضي، ولا يشترط عند الحنفيّة تقدّم رضا الخصمين عن التحكيم، بل
لو رضيا بحكمه بعد صدوره جاز، وعند الشافعيّة: لا بدّ من تقدّم التراضي.
ج-
اتّفاق المتخاصمين والحكم على قبول مهمّة التحكيم.
ومجمل هذين
الاتّفاقين يحقق ركن التحكيم الّذي هو: لفظه الدالّ عليه مع قبول الآخر.
د-
الإشهاد على الحكم، وليس هذا شرطاً لصحّة التحكيم، وإنّما هو شرط لقبول قول الحكم
عند الإنكار، ولا بدّ من الإشهاد في مجلس الحكم.
4- لزوم الحكم
ونفاذه:
متى أصدر الحكم
حكمه؛ أصبح هذا الحكم ملزماً للخصمين المتنازعين، وتعيّن إنفاذه دون أن يتوقّف ذلك
على رضا الخصمين، وحكمه في ذلك كحكم القاضي.
وليس للحكم أن
يرجع عن حكمه، فلو رجع عن حكمه، وقضى للآخر لم يصحّ قضاؤه؛ لأنّ الحكومة قد تمّت
بالقضاء الأوّل، فكان القضاء الثاني باطلاً.
مراجع للاستزادة: |
- الدر المختار للحصكفي 5/428، مع حاشية ابن عابدين، ط، البابي
الحلبي، ورد المحتار على الدر المختار 5/428، ط /دار الفكر.
- البحر الرائق
شرح كنز الدقائق/ دار الكتاب الإسلامي.
- تفسير روح
المعاني/ دار إحياء التراث العربي.
- الموسوعة
الفقهية الكويتية 29/56.
- نظرة أخرى في
مجال الإصلاح القضائي؛ التحكيم الشرعي، المحامي زياد حمادي، صحيفة العروبة، الأحد
24/8/2008.
- البحر الرائق
شرح كنز الدقائق / دار الكتاب الإسلامي.
- الفتاوى
الهندية/ دار الفكر.
- التصنيف : العلوم الشرعية - النوع : العلوم الشرعية - المجلد : المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة - رقم الصفحة ضمن المجلد : 122 مشاركة :