بطاقات الائتمان
بطاقات ايتمان
credit cards - cartes de crédit
موسى خليل
العلاقات القانونية التي تنشأ بواسطة بطاقات الاعتماد
أول من أصدر بطاقات الاعتماد كانت المتاجر الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية التي هدفت إلى إخلاص العميل باستمرار بتعامله مع الشركة نفسها في مختلف المدن والولايات؛ وذلك عن طريق إعطائه تسهيلات في الوفاء. ثم بدأت الهيئات المالية مثل Diners Club (1949) و American Express (1958) في إصدار بطاقات تمكن المستفيد منها من الحصول على سلع وخدمات شركات النقل والفنادق الكبرى وغيرها. ثم دخلت المصارف؛ إذ ظهرت البطاقات المصرفية للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1957 و1958 وفي فرنسا عام 1967.
هنالك تسميات مختلفة للبطاقات المصرفية: بطاقة الائتمان أو الاعتماد وبطاقة الدفع - وبطاقة السحب الإلكترونية… إلخ.
وهذه التسميات نقلت عن ترجمتها من اللغة التي أنشئت بها بطاقة الاعتماد «الإنكليزية» أو من الفرنسية باعتبارها المدرسة المرجع بالنسبة إلى القانون في سورية.
ففي الإنكليزية تدعى Credit card, debit card and digital cash card
الاختلاف في الأسماء يؤدي إلى الاختلاف في الوظائف فالـ Debit card تسمح للزبون بدفع ثمن مشترياته لدى مواقع البيع المعتمدة.
والـ Digital cash card تسمح بسحب الأموال من العلب الإلكترونية في المصارف المخصصة.
والـ Credit card تجمع بين بعض هذه الوظائف أو كلها، ويسمح بدفع لاحق لمشتريات مالية؛ أي يتضمن عملية ائتمان أو اقتراض أو اعتماد.
جميع هذه التسميات لها خصائص مشتركة، وتنشئ علاقات قانونية متماثلة. لذا لابد من تحديد ماهية بطاقة الائتمان وبيان العلاقات القانونية الناجمة عنها.
أولاً: ماهية بطاقة الائتمان
1- تعريف بطاقة الائتمان:
لا يوجد تعريف جامع واف معتمد عليه لبطاقات الاعتماد.
فقد عرفها الفقهاء بأنها بطاقة تصدر عن إحدى مؤسسات الائتمان أو إحدى الجهات المرخص لها بذلك قانوناً تسمح لحاملها بسحب أو تحويل نقود من وإلى حسابه.
وعرفتها الدكتورة سميحة القلوبي بأنها «عقد تتعهد بمقتضاه الجهة المصدرة للبطاقة - وهي في الغالب أحد البنوك - بفتح اعتماد في حدود مبلغ معيّن لمصلحة شخص يسمى حامل البطاقة، ويدعى «العميل»؛ الأمر الذي يمكنه من الوفاء وسداد قيمة مشترياته لدى المحال التجارية التي ترتبط في ذات الوقت بالجهة مصدرة البطاقة بعقد يلزمها بقبول الوفاء بمقتضى هذه البطاقات بمبيعاتها أو خدماتها؛ وذلك خلال مدة معيّنة».
هنالك تعاريف فقهية عديدة أخرى يُرى عدم شموليتها وعدم تجردها في مفهومها القانوني.
وباستثناء الدنمارك لا يوجد تعريف لجميع البطاقات المصرفية في أوربا. فهنالك تعريف لبطاقات الاعتماد في فرنسا وفي إنكلترا. أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد اعتمدت قانوناً خاصاً بها يدعى Electronic Funds Transfer Act, 1979. وفي فرنسا هنالك تشريع بخصوص بطاقات السحب والإيفاء منذ عام 1935 عُدّل في كانون الأول/ديسمبر 1991، عرّف بطاقات السحب أنها: «بطاقة تصدرها منشأة أو مؤسسة أو مصلحة تسمح لحاملها بسحب الأموال».
بجميع الأحوال تعدّ بطاقات الاعتماد من وسائل الدفع التي قد تضفى عليها أحياناً صفة الائتمان، وهذا ما يستدعي التطرق إلى خصائصها.
2- خصائص بطاقات الائتمان:
أ- من حيث الشكل:
من حيث الشكل تكون البطاقة مصنوعة من البلاستيك أو ما يشابهه، وتدون عليها بعض المعلومات الآتية أو كلها:
¯ اسم الهيئة الدولية وشعارها (ڤيزا - ماسترز - أمريكان…).
¯ اسم المصرف المصدر.
¯ اسم حامل البطاقة.
¯ تاريخ إصدارها وانتهاء صلاحيتها.
¯ نموذج التوقيع.
¯ الجزء الإلكتروني.
¯ صورة صاحب البطاقة.
¯ الرقم الخاص بالبطاقة.
أشهر البطاقات المعروفة عالمياً هي أمريكان إكسبرس American Express وبطاقة الڤيزا Visa Card وبطاقة الماستر Master Card.
ب- من حيث المضمون:
من حيث المضمون تتميز بطاقة الائتمان بأنها:
¯ أداة وفاء - أو دفع.
¯ أداة ائتمان بحيث تسمح في بعض الأحيان بتسديد قيمة البضائع، ومن ثم منح الزبون أجلاً للوفاء.
¯ تصدر عن جهة مرخص لها بإصدارها، وإلا فإنها غير قادرة على الأداء بوظيفتها؛ لأن الدولة لا يمكن أن تسمح بإصدار بطاقات تحل محل النقود دون أن تتمكّن من ممارسة رقابتها على ذلك.
¯ إسمية لا تسمح بالتظهير أو التحويل.
¯ محدودة المدة غالباً.
¯ يوجد فيها ثلاثة أطراف ظاهرياً وأربعة أطراف عملياً: الهيئة الدولية أو الوطنية - المصرف المصدر - الزبون - والتاجر القابل بالوفاء بواسطتها.
وأهم ما في البطاقة أنها أداة وفاء؛ وتدرس على أنها أحد أساليب الدفع.
فقد دخلت الحياة العملية للوفاء بالالتزامات بين التجار وغير التجار إذ يسدد بواسطتها العميل قيمة بضائعه ومشترياته لدى التجار الممتهنين بطريقة مبسطة، فبدلاً من أن يدفع الزبون (الحامل للبطاقة) قيمة مشترياته نقداً أو بواسطة شيك؛ يبرز البطاقة للتاجر الذي ينظم على الفور فاتورة يدون عليها معلومات البطاقة بعد أن يتصل بمركز البطاقة يبين ملاءة الشخص وقبوله للدفعة إضافة إلى توقيع الزبون على الفاتورة.
وحالياً تمت أتمتة البطاقة وربط الأطراف فيها بشبكة إلكترونية بحيث يكون بالبطاقة قسيمة ذكية تحتوي على معلومات ورمز مرتبط بالمصرف مصدر البطاقة، يضعها التاجر في آلة إلكترونية ويستخدم الزبون رمزه السري فيوافق على الدفع، ويحصل التاجر على فاتورة مدفوعة حتماً له (لا حاجة إلى توقيع غالباً - فرنسا).
وبعض البطاقات تنطوي على علاقة ائتمان حيث إن العميل أو الزبون غير ملزم بسداد قيمة المشتريات مباشرة، بل شهرياً أو سنوياً أو كل فترة محددة وبحدود معيّنة؛ وبالتالي غالباً ما يرافق إصدار البطاقة فتح حساب مصرفي للزبون (العميل).
وهي أيضاً أحد وسائل سحب النقود من الآلات المصرفية المحددة.
ثانياً: العلاقات القانونية التي تنشأ بواسطة بطاقات الاعتماد
1- أطراف بطاقات الاعتماد:
من حيث المبدأ، أطراف التعامل هم:
أ- المركز العالمي للبطاقة: وهو غالباً مؤسسة عالمية تتولى إنشاء البطاقة ورعايتها والموافقة على عضوية المصارف فيها وتسوية المستحقات المالية بينهما والقيام بدور المحكم لأي نزاع ينشأ بين المتعاملين بالبطاقة.
ب- مصدر البطاقة: وغالباً المصارف والمؤسسات المالية المنتشرة في جميع أنحاء العالم حيث تتعاقد مع المركز العالمي للبطاقة للاشتراك في إصدارها بوصفها عضواً والموافقة على دفع مستحقات التجار عن جملة البطاقات الصادرة منهم.
ج- التاجر: ويقصد بذلك جميع الأشخاص المعنويين أو الطبيعيين الذين يوافقون على قبول البطاقة والوفاء بموجبها ثم الرجوع على مصدر البطاقة بقيمة الفواتير المقبولة لديهم بموجبها.
د- الزبون أو العميل أو حملة البطاقات: وهم الأشخاص المعنويون أو الطبيعيون الذين يوافقون على طلبات المصدر للحصول على البطاقة، ويستخدمونها لتسديد قيمة مشترياتهم أو التزاماتهم المختلفة لدى التجار القابلين لها أو لسحب مبالغ نقدية من الآلات المخصصة لذلك.
2- العلاقات بين أطراف البطاقة:
ما هي الطبيعة القانونية للبطاقة؟ وما هي طبيعة العلاقات القانونية التي تنشأ بين أطرافها؟
إن بطاقة الاعتماد تهدف إلى تمكين المستهلك من الحصول على السلع والخدمات دون الحاجة إلى حمل النقود؛ وبالتالي هنالك علاقة تعاقدية كأساس للعلاقات بين أطراف البطاقة.
أ- العلاقة الأولى: والتي هي بين التاجر والزبون حامل البطاقة، هي عقد بيع أو توريد خدمة أو تقديمها (نقل) وافق التاجر على تسديد قيمته بموجب البطاقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل ينقضي التزام الزبون تجاه التاجر بمجرد استخدام البطاقة وقبولها من قبل التاجر؟
استقر التعامل على أن التزام الزبون لا ينقضي إلا بالوفاء الفعلي للثمن من المصرف المصدر إلى مصرف التاجر، ولا ينقضي التزام التاجر إلا بعد استرجاع الزبون عملياً لأمواله.
ب- العلاقة بين المصرف والزبون (العميل - حامل البطاقة): ذهب التعامل المصرفي إلى تسمية هذا العقد على أنه عقد انضمام.
حيث توجد نماذج تعاقدية يلتمس فيها العميل بالانضمام إلى نظام البطاقة المصرفية والحصول على إحداها وتحديد شروط استخدامها (بالتفاوض النظري) بينه وبين المصرف (عملياً من قبل المصرف).
وقد اشترطت أغلب التشريعات (توصيات الاتحاد الأوربي) أن تكون العقود خطية.
وذهب القانون الفرنسي إلى أن البطاقات تتضمن أمراً بالدفع غير قابل للرجوع عنه إلا في حالة السرقة أو التزوير أو إفلاس الحامل أو حالة التصفية القضائية.
وغالباً ما يرافق عقد الانضمام فتح حساب جارٍ للزبون من قبل المصرف المصدر.
وينتهي العقد بانتهاء مدته أو باتفاق الفريقين، وغالباً ما يشترط المصرف إنهاء العقد في كل وقت لأسباب يرتئيها.
يكون التزام المصرف بالدفع للتاجر بموجب عقد الانضمام كتصرف الوكيل المكلف بالدفع لحساب حامل البطاقة.
أما حامل البطاقة فالالتزام الأساسي عليه هو إيفاء المصرف النفقات والمبالغ التي سددها للتجار بموجب استخدام البطاقة؛ أي بموجب عقد الانضمام.
ج- العقد المبرم بين المركز العالمي للبطاقة والمصرف المصدر: يتقدم المصرف المصدر بطلب إلى المنظمة الأصلية (صاحبة البطاقة) للسماح له بالتعامل مع التجار لتحصيل فواتير مبيعاتهم التي تتم باستخدام البطاقة سواء كانت البطاقة التي أصدرها لعملائه أم البطاقات المصدرة بمعرفة المصارف الأخرى؛ أي تكون مهمة المصرف القيام بعملية المتلقي، ويكون المركز العالمي للبطاقة مؤسسة مالية تتولى إنشاء البطاقة ورعايتها والموافقة على عضوية المصارف في جميع أنحاء العالم للمشاركة في إصدارها، ويقوم بتسوية المستحقات المالية بين المصارف المشتركة والقيام بدور المحكم في أي نزاع ينشأ بين المصارف المتعاملة بالبطاقة أو حتى بين المصارف والتجار.
هذه المراكز نوعان:
q نوع لا تمنح فيه المنظمة الراعية الترخيص لأي مصرف محلي بإصدار البطاقة إلا في نوع واحد من بطاقاتها وبشرط أن يكون لدى المصرف المصدر لهذه البطاقة حساب للعميل وأن يكون المصرف المصدر ضامناً له أمام المنظمة «أمريكان إكسبرس مثلا».
q نوع تشارك في عضوية إصدارها جميع المصارف على مستوى العالم تحت رعاية منظمة عالمية، مثل بطاقة الڤيزا والماسترز Visa- Masters.
د- العقد المبرم بين المصرف والمصدر والتاجر: يخضع هذا العقد في نشأته للقواعد العامة التي تخضع لها العقود عامة (أهلية، رضا، محل، سبب). ويبرم لمدة محددة أو غير محددة وقابل للإنهاء من أحد الطرفين، ويتضمن التزام المصرف بتحصيل قيمة الفواتير لمصلحة التاجر (فقط مثل تحصيل بقية الأوراق التجارية)، ويمكن للمصرف أن يسمح للتاجر بالسحب على حساب مدين بضمان هذه الفواتير بنسبة متفق عليها 80% أو 90% مثلاً من قيمتها مقابل حصول المصرف على فوائد على الأرصدة المدينة، ويلتزم المصرف بأن يدفع للتاجر قيمة الفواتير المنظمة على أثر استعمال بطاقة الاعتماد، وهذا الالتزام تعهد شخصي غير قابل للرجوع فيه - ولا يمكن للمصرف أن يمتنع بحجة عدم وجود مؤونة أو عدم ملاءة الحامل - ضمن حد معيّن أسبوعياً. ويكون المصرف بمنزلة المتضامن أمام التجار الدائنين ضمن الحدود المتفق عليها، وفيما يجاوز الحدود المتفق عليها يكون وكيلاً عن الزبون في الوفاء.
وهذا الالتزام على المصرف شخصي أمام التجار، ويولد عنه حق شخصي له تجاه الزبون، وليس للعميل أن يتمسك تجاه المصرف بما قد يكون له ضد التاجر (كوجود نزاع حول صلاحية البضاعة)، كل ذلك في حدود المبلغ المحدد والمتفق عليه.
أما فيما يجاوز ذلك فإن مركز المصرف هو مركز الوكيل كما سبق ذكره؛ أي يمكن للزبون الاعتراض على الدفع وسحب الوكالة، وفي حال حصل الوفاء دون اعتراض الزبون حامل البطاقة في الوقت المناسب؛ فإن العميل يكون ملزماً بالدفع تجاه المصرف الذي يحق له أن يسترد ما دفعه من العميل.
ويلتزم العميل بأن يرد للمصرف ما يدفعه الأخير سداداً لفواتيره إضافة إلى الفوائد إن وجبت، كما يلزمه العقد بعدم إساءة استخدام البطاقة واستخدامها استخداماً سليماً طبقاً لقواعد العقد وعلى مقتضى حسن النية.
يلتزم التاجر من قبله بعدم رفض بطاقة الاعتماد بوصفها وسيلة لتسديد قيمة المشتريات؛ لأن تعاقده والتزامه في مواجهة المصرف اشترط لمصلحة الغير؛ وهو حامل البطاقة كما يلتزم التاجر بأن يبيع للحامل بالسعر نفسه بالنسبة إلى غير حملة البطاقات (أو أرخص).
ويحدد العقد بدقة الأصول التي يتوجب على التاجر احترامها عند التعامل بالبطاقة ومنها مثلاً: التحقق من عدم انتهاء مدة صلاحية البطاقة.
يعترف التاجر للمصرف بحقه في الحصول على عمولة على مجموع الفواتير، والعقد بين الزبون (حامل البطاقة) من جهة وبين الجهة المصدرة يخضع للقواعد العامة المدنية.
إذا نشأ نزاع بين الزبون والتاجر المورد بشأن المشتريات؛ فإن القضاء الفرنسي يأمر بوقف تمويل هذه العملية بشرط اختصام المصرف أو الجهة مصدرة البطاقة، وفي حال تعذر تحديد المسؤولية ومعرفة المخطئ سواء كان التاجر أم العميل أم المصرف فالمستقر عليه في القضاء الفرنسي انعقاد مسؤولية المصرف على أساس المسؤولية عن المخاطر وتحمل التبعة، وتوجد قرينة على مسؤولية المصرف حتى يثبت العكس وهذا ما ذهب إليه القضاء الفرنسي الذي وضع مدة سنتين كتقادم خاص لدعاوى المسؤولية الخاصة بالعلاقات العقدية في شأن أطراف البطاقة تبدأ من تاريخ وقوع الحادثة محل النزاع.
مراجع للاستزادة: |
- بيار إميل طوبيا، بطاقة الاعتماد والعلاقات التعاقدية المنبثقة عنها (منشورات الحلبي، بيروت 2000).
- علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية (دار النهضة، القاهرة).
- موسى خليل متري، «محاضرات في التشريعات المصرفية» لطلاب الدراسات العليا في كلية الحقوق بجامعة دمشق.
- التصنيف : القانون التجاري - النوع : القانون التجاري - المجلد : المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة - رقم الصفحة ضمن المجلد : 5 مشاركة :