logo

logo

logo

logo

logo

الدمى في العصور الكلاسيكية

دمي في عصور كلاسيكيه

-

الدمى في العصور الكلاسيكية

تقنيات صناعة الدمى

 

تُعدّ الدمى الطينية من القطع الفنية التي كان لها قدسية خاصة منذ أقدم العصور، وقد لعبت دوراً كبيراً في الحياة الدينية والاجتماعية، ومع تقدم الزمن صار لها وظائف وخصائص ومميزات منفردة بحسب كل عصر وكل منطقة جغرافية.

في بداية العصر الهلنستي - أي في الربع الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد - كانت الدمى الطينية تحمل عموماً تقاليد الفن الإغريقي وخصائصه؛ إضافة إلى بعض التأثيرات المشرقية المحلية، وكانت الغاية منها دينية مرتبطة بنمط العبادات السائدة في كل منطقة؛ أو اجتماعية كألعاب الأطفال وهدايا تذكارية للمسرح.

وكان من أهم الدمى الطينية تلك التي تحمل في خصائصها المواضيع الميثولوجية، والتي تتمحور حول أشكال الحياة اليومية في بلاد اليونان القديمة والمناطق التي انتشرت فيها الثقافة الإغريقية ومن بعدها الثقافة الرومانية مثل الدمى التي تمثل بسيشه Psyche ربة الروح الإنسانية وإيروس Eros رب الحب، ويُلفيان متلازمين مع بعضهما لهما أجنحة توصلهما إلى قلوب البشر لنشر المحبة بينهم.

دمية من الفخار الأجوف تمثل مشهداً مثيولوجياً (بسيشه وايروس)، مدافن الجبيبات- جبلة.

 

دمية ديك من الطين الممتلئ، مدافن الجبيبات- جبلة.

وقد صنعت الدمى عموماً من طين ناعم في ورشات ومشاغل خاصة، وكانت تلون بعد الشوي بألوان مختلفة على أساس أرضية كلسية بيضاء؛ إذ كان لكل دمية لونها الخاص خصوصاً في العصر الهلنستي، وكان أيضاً لكل جزء أو أي تفاصيل للدمية لونها الخاص، فاللباس يكون أحياناً بلون أزرق مخضر؛ ولون الشعر بنياً أو أسود، أما الجسم (المكشوف) فكان اللون الزهري أو الأبيض مخصصاً للنساء، واللون البني للرجال، والشفاه بلون أحمر والعيون بلون أسود، وأما العناصر التزيينية مثل الأكاليل؛ فكانت بلون زهري أو أزرق، وكانت دعامة الدمية أو المسند المرتكزة عليه بلون أزرق مائل للأخضر.

 

إناء بشكل حصان جالس، مدافن الجبيبات- جبلة.

 

إناء بشكل وجه إفريقي، مدافن الجبيبات- جبلة

وأنماط الدمى مختلفة ومتنوعة صورت مختلف مظاهر الحياة الدينية والاجتماعية السائدة خلال العصرين الهلنستي والروماني ومن ثم في العصر البيزنطي، وهي على عدة أشكال: دمى إنسانية، أو دمى حيوانية أو دمى طيور، أو دمى تضم أشكالاً إنسانية وحيوانية أو طيوراً أو دمى هياكل مصغرة. أو دمى تزيينيّة على الأواني.

تقنيات صناعة الدمى:

استمرت تقنية صناعة الدمى بالطريقة اليدوية التي كانت معروفة خلال عصر الحديد الثالث ولاسيما الدمى الحيوانية، ولكن صنعت الدمى عامّة بالقالب وبعدة طرائق، أقدمها طريقة القالب المؤلف من قطعة واحدة حيث تكون الدمية ممتلئة بشكل متطاول أو دائري (Plaquette)، فتظهر الجهة الأمامية بشكل نافر عليها الزخارف. أما الجهة الخلفية فتشكل بأداة أو باليد وتكون بشكل أملس، يمكن أن يكون لها ثقب أو ثقبان من أجل التعليق ولاسيّما الأشكال الدائرية، وغالباً كانت تمثل عليها الآلهة، مثل الإله ديونيزوس Dionysos.

وتطورت تقنية صناعة الدمى بالقوالب المفرغة خلال العصر الهلنستي، وسميت بالفخار الأجوف (تاناغراTanagra ) الذي عرف في اليونان وآسيا الصغرى منذ القرن الخامس ق.م، واستمر خلال العصر الروماني، حيث تصنع الواجهة الأمامية والخلفية للدمية بقالبين منفصلين، وتُضغَط بالإصبع، فتظهر علامات الإبهام عليها غالباً، ويُلصقان قبل الشوي، وتُختَم أحياناً على الكتف من الظهر، وتكون القواعد غالباً مستطيلة، ويأتي بعضها مفتوحاً من الأسفل، ويكون بشكل مستطيل أو بيضوي، أو دائري أو نصف دائري.

 

دمية برونزية لأفروديت منهوبة من أحد المواقع السورية

وكانت الدمى ذات الأشكال المجسمة من الأمام والخلف تمثل في معظمها الآلهة مثل أفروديت Aphrodite إلهة الحب التي تتصف بالعري التام أو الجزئي، وتمثل برفع ردائها بذراعها اليمنى في حين تسدل الذراع الأخرى للأسفل، وتكون الأرداف مغطاة بواسطة جزء من الرداء غالباً.

وثمة دمى نصف عارية لبعض الآلهة، مثل الإله هِرَقل أو هيراكليس Heracles في الميثولوجيا الإغريقية وأبولون Apollon، حيث يكون الرأس دائماً فارغاً، ونادراً ما يأتي ممتلئاً، ويركب الرأس والأذرع على الجسم.

أما الدمى ذات الأشكال نصف المجسمة؛ فكانت تحمل الصورة الإنسانية شبه التامة، وتُجرى بعض التفاصيل التكوينية للجسم أحياناً بواسطة ختم، والخلفية خالية من الزخارف ولها فتحة تسمى بثقب التهوية من أجل طرد الرطوبة الداخلية للدمية، ويكون الجسم بشكل بيضوي أو دائري، ونادراً ما يأتي مربعاً، وهذه الخصائص من الورش الموجودة في سورية الشمالية، وأحياناً يُلفى ثقب دائري صغير خلف الرأس من أجل التعليق خاصة في الدمى القبرصية.

 

دمية طينية لخيال فارسي - موقع عين منين - عصور كلاسيكية

وعرف في العصرين الهلنستي والروماني التنوع الكبير للدمى الطينية خاصة فيما يتعلق بالمواضيع الاجتماعية مثل: الدمى التي تمثل مشاهد جنسية، والطفل المتأبط صدر أمه والتي تعبر عن حنان الأم وعطفها، والدمى التي تمثل مشهد الخطيب، وتجسده من خلال الفم المفتوح وغطاء الرأس بالعمامة، والمشاهد المسرحية، والموسيقيات اللائي تعزف كل منهن على آلتها الموسيقية مثل القيثارة أو الدف أو المزمار، والأقنعة، وتماثيل النساء المتميزة بغطاء الرأس؛ ولها عصبة أو إكليل عليه زينة، ودمى ألعاب الأطفال خاصة الطيور مثل الحمام والدجاج، وتكون الدمية ممتلئة وأحياناً تكون مصنوعة باليد.

كما صنعت بعض الأواني بشكل دمى حيوانية مثل: الكبش أو الخروف، الكلب، الجمل، الحصان وطيور مثل الديك، ولونت غالباً باللون الأحمر، وأحياناً بشكل وجه إفريقي، وربما استخدمت لأمور تتعلق بالعبادة، وأحياناً تأتي الدمى كجزء تزييني على جسم بعض الأواني وعلى القبضات خاصة بشكل دمى حيوانية أو بشكل طيور.

إن تقنيات صناعة الدمى الطينية المعروفة في العصر الهلنستي استمرت خلال العصر الروماني؛ وذلك مع استمرار مواضيعها الدينية والاجتماعية، وقد أخذ الفن الروماني في بدايته تقاليد الفن في العصر السابق وخصائصه، ولكن مع دخول القرن الأول الميلادي أصبحت الدمى تأخذ صفات الفن الروماني وطابعه الخاص به؛ وذلك بما يناسب طبيعة الحياة الدينية والاجتماعية السائدة خلاله.

لكن منذ نهاية القرن الرابع الميلادي وبعد تأسيس الامبراطورية البيزنطية بدأت الدمى الطينية تأخذ طابعاً مختلفاً عن العصرين السابقين؛ وذلك بما يلائم تعاليم الدين المسيحي؛ خاصة في تصوير السيد المسيح أو أتباعه أو السيدة العذراء، مثل الدمى التي لها شكل دائري أو قرصي، كما بدأت تظهر خلال هذا العصر الدمى المصنوعة بالجص، وهذه التقنية ستبلغ أوج ازدهارها خلال العصر الأموي.

مسعود بدوي

 

التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد السابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1045
الكل : 58491322
اليوم : 63836