logo

logo

logo

logo

logo

دمشق في العصر الإسلامي

دمشق في عصر اسلامي

-

دمشق في العصر الإسلامي

التطور العمراني لمدينة دمشق

أسوار مدينة دمشق وأبوابها

أسواق مدينة دمشق

شبكة الطرق في مدينة دمشق

شبكة المياه في مدينة دمشق

 

وصل العرب المسلمون في عهد الخليفة أبي بكر الصديق  إلى أبواب مدينة دمشق في سنة ١٣هـ/٦٣٤م، وحاصروها حصاراً شديداً ثمّ كان فتحها سنة ١٤هـ/٦٣٥م في عهد الخليفة عمر بن الخطاب . وقد نزل الصحابي أبو عبيدة بن الجّراح عند باب الجابية، فطلب جماعة من وجوه المدينة وعقلائها الأمان على أن يُبقي لهم خمس كنائس، فأجابهم وكتب لهم عهد الأمان والصلح، ففتحوا له الباب، ودخل عندئذٍ دمشق. أما الصحابي خالد بن الوليد فقد نزل عند «باب شرقي»، وأقام فيه معسكره، وجعل لجنوده مسجداً فيه (بجانب تربة الشيخ أرسلان)، وكان أول مسجد يقام في دمشق. ثم إن كراهية سكان دمشق للحكم البيزنطي دفعت بمجموعة من الأشراف إلى تفويض والد القديس يوحنا الدمشقي «الأسقف منصور بن سرجون» إجراء مفاوضاتٍ مع خالد لأجل دخول المسلمين صلحاً. وفي السنة نفسها نقب «القسّ يونس بن مرقص» السور الشرقي وكانت داره ملاصقة للسور، وأقبل على خالد، وطلب الأمان، فأمّنه، وأدخل جيش خالد وفتح الباب، فأوقع بالروم بغتة، وتوغّلوا في المدينة حتى اجتمع مع جيش أبي عبيدة. وعلى أثر ذلك انسحبت القوات البيزنطية نحو الشمال، فأنهى هذا الفتح قرابة ألف سنة من هيمنة الغرب عليها. وقد ضمن المسلمون للعرب النصارى في دمشق وما جاورها أموالهم وامتلاك أراضيهم ومنازلهم وكنائسهم في عهدة ٍ عمرية شرط عدم الإضرار بالمسلمين. ثم عيّن الخليفة عمر بن الخطاب  الصحابي معاوية ابن أبي سفيان والياً على الشام، والذي استمر في ولايته خلال العصر الراشدي.

دمشق القديمة

التطور العمراني لمدينة دمشق:

لم تلبث دمشق أن صارت مركز الدولة الجديدة بعد أن أصبح معاوية بن أبي سفيان خليفة المسلمين، وأعلن تأسيس الخلافة الأموية التي صارت دمشق عاصمتها ومركز سياستها العسكرية والمالية، وغدت طوال قرن من الزمن مركز إشعاع للعالم الإسلامي الذي امتدت حُدوده إلى مشارف الصين شرقاً، وبلاد المغرب وفرنسا غرباً، وأقصى اليمن جنوباً وإلى حدود القسطنطينية شمالاً؛ فكان العصر الأموي بحقٍّ بمنزلة العصر الذهبي لدمشق. ولقد شيّد معاوية جامع الصحابة؛ وداره التي عُرفت بدار الإمارة إلى جوار الجدار الجنوبي لهذا الجامع، وكانت مؤلفةً من جناح خاص بأهل الخليفة، وجناح آخر يستقبل فيه رجال الدولة، ويخرج منه عبر باب خاص للصلاة في الجامع. وقد دخل مع الإسلام تيار فني جديدٌ لم يلبث أن طبع مدينة دمشق بطابعه شيئاً فشيئاً، حتى ظهر أوج هذا التيار الفني الإسلامي الجديد في الجامع الأموي [ر] الشهير. ثم أخذ سكان دمشق بإشادة الدور السكنية والمدارس والأسواق وغيرها حوله. وكانت دار الخليفة عمر بن عبد العزيز بحذاء الجدار الشمالي للجامع الأموي مكان المدرسة السمسياطية اليوم، ويُعرف قصر لهشام بن عبد الملك مكان المدرسة المجاهدية في سوق القلبقجية حالياً. وكذلك شُيّدت الحمامات والقيساريات والمستشفيات. ويذكر المؤرخون أحواض المياه والسقايات التي كانت منبثة على أطراف الشوارع وأبواب المباني العامة والمدنية وفي الأسواق.

الجامع الأموي متوسطاً دمشق القديمة

إن استتباب الأمن وما حصلت عليه دمشق من رخاء وازدهار دفع السكان إلى إنشاء أحياء سكنية خارج الأسوار، وامتد البناء إلى ضفاف بردى وسفوح قاسيون. وشقّ يزيد بن معاوية نهر يزيد، فساعد هذا النهر على امتداد الخضرة والعمران إلى أعالي السفح، وبهذا امتد العمران إلى الشاغور البراني والميدان والقدم جنوباً؛ إضافة إلى قصري الحجاج وعاتكة في المنطقتين اللتين عُرفتا باسميهما... وامتد العمران غرباً إلى القنوات والمزة، وإلى القصاع والفراديس وغيرها شمالاً.

وكان هناك ميدانان عامّان: ميدان الحصى في الجنوب، والمرج الأخضر في الغرب، وكذلك ثلاث مقابر رئيسية خارج أبواب المدينة: مقبرة الباب الصغير في الجنوب والتي تضم مقامات آل البيت وقبور عدد من الصحابة والخلفاء الأمويين، ومقبرة باب الفراديس (الدحداح) في الشمال، ومقبرة باب توما في الشرق والتي تُعرف اليوم بمقبرة الشيخ أرسلان.

قبة الخزنة في الجامع الأموي

وفي العصر العباسي غابت شمس العمران عن دمشق بانتقال عاصمة الخلافة إلى بغداد سنة ١٣٢هـ/٧٤٩م؛ إلا أن العباسيين لم ينسوا دمشق كل النسيان، وظلت تستهويهم، فكانوا يشدّون الرحال إليها لزيارة جامعها والتنزه في مغانيها؛ فقد زارها المهدي ثالث خلفاء العباسيين ثم الرشيد والمأمون والمعتصم والمتوكل الذي فكّر بنقل العاصمة إليها. قال ابن عساكر: «لم يزل ملوك بني العباس تخف إلى دمشق طلباً للصحة وحسن المنظر. أقام بها المأمون، وأجرى إليها قناة من نهر منين إلى معسكره بدير مرّان، وبنى القبة التي في أعلى جبل ديرمران، وصيّرها مرقباً، يوقد في أعلاه النار؛ لكي ينظر إلى ما في عسكره إذا جنّ عليه الليل، وكان ضياؤها يبلغ إلى ثنية العقاب وإلى جبل الثلج (جبل الشيخ)»، ويذكر المؤرخون أن قبة الخزنة القائمة في صحن الجامع الأموي بُنيت في خلافة المهدي نحو سنة ١٦٠هـ/٧٧٦م. وقد نشأت عدة ضواحٍ خارج سور دمشق كحي العقيبة شمالاً والشاغور جنوباً وقصر الحجاج في الجنوب الغربي.

(المدرسة النووية  (العصر السلجوقي 

(مسجد خالد بن الوليد (العصر السلجوقي -الأيوبي 

وظلت دمشق تعاني الإهمال وقلة الاهتمام حتى ذَبُلَ عمرانها وضاع العديد من خططها ومنشآتها، كما لم تتحسن أحوالها بعد تمكن الفاطميين من ضمها لحكمهم مع جنوبيّ سورية؛ وتعرض الجامع الأموي لحريق سنة ٤٦١هـ/١٠٦٨م، فضاع معه رونق المدينة وجمالها.

ومن العصر الفاطمي ثمّة محراب يخصّ مسجد فلوس [ر] (زاوية الرفاعي) في حي الميدان جنوبي دمشق، ويمتاز هذا المحراب بزخارف وكتابات كوفية مشجّرة. وتُلفى أيضاً لوحة كتابية من عشرة أسطر منقوشة بالخط الكوفي مؤرخة سنة ٤٤٤هـ/١٠٥٢م على صخرة عند الربوة ذُكر فيها اسم المستنصر بالله وأعمال جرت في مسجد الربوة وما أوقف عليه. وبدأت في هذا العصر تتبدل معالم أحياء دمشق، فأصبحت الأزقة متعرجة على نحو أكبر، وتحفّ بها بيوت من ثلاث طبقات.

وفي سنة ٤٦٨هـ/١٠٧٦م دخل السلاجقة دمشق؛ لتدخل بظلهم مرحلة انتعاش تدريجية منذ زمن الأمير أتسز بن أوق، الذي بنى قلعة دمشق في الزاوية الشمالية الغربية من السور. وبلغ هذا الانتعاش ذروته في عهد السلطان نور الدين محمود بن زنكي ليصبح نهضة عمرانية كبيرة، ما تزال آثارها ماثلة للعيان في العديد من المنشآت الرائعة مثل البيمارستان النوري[ر]، وحمام نور الدين الشهيد[ر]، وفي نشاط حركة بناء المدارس مثل المدرسة النورية [ر] ودار الحديث النورية [ر] أقدم دار للحديث بدمشق، وإعادة بناء سور دمشق وتجديده إذ جعل عند كل باب مسجداً وسويقةً؛ كمسجد الباشورة [ر] عند الباب الصغير، ومسجد باب شرقي، ومسجد باب توما، ومسجد باب السلامة وغيرها.

تربة السلطان صلاح الدين

تربة المدرسة الفروخشاهية والأمجدية

وقد دفعت هذه النهضة العمرانية حركة البناء إلى خارج الأسوار، فنشأت ضاحية مهمة، هي حي الصالحية الذي سكن به المهاجرون المقادسة الذين نزحوا إلى دمشق إثر كارثة سقوط القدس بيد الصليبيين سنة ٤٩٢هـ/١٠٩٨م، وشيدوا به دير الحنابلة.

وفي العصر الأيوبي- وعلى الرغم من انشغال الدولة بالحروب الصليبية- بلغت الحركة العمرانية حداً لا مثيل له في تاريخ دمشق. وفي طليعة المنشآت المعمارية قلعة دمشق التي أنشأها الملك العادل بعد أن هدم القلعة السلجوقية بمعظمها. ونشطت كذلك حركة بناء المدارس العديدة كالمدرسة العمرية [ر] والماردانية [ر] والركنية [ر] والصاحبية [ر] والأتابكية[ر] والبدرية [ر] والجهاركسية [ر] والمرشدية[ر] في الصالحية، والمدرسة العزيزية والعادلية [ر] والقليجية[ر] والبادرائية والشامية والأمجدية [ر] والعزية [ر] في دمشق القديمة وما جاورها. ونشأت كذلك المساجد الجامعة كجامع الحنابلة [ر] والتوبة [ر] وجراح [ر] والمصلى. وانتشر بناء الرباطات والخوانق والحمامات، وبناء الترب بكثرة؛ وهي قباب فخمة تُتخذ مدافن، كما بُني البيمارستان القيمري [ر] في الصالحية. وتوسعت الحركة العمرانية باتجاه حي الأكراد الجديد، وكثرت الأسواق حتى بلغت ١٣٩ سوقاً. وفي هذه الفترة بدأ النصارى يتجمعون في الطرف الشمالي الشرقي من المدينة، واليهود في الجنوب الشرقي، والمسلمون كانوا متكاثرين في الجزء الغربي يجذبهم إليه الجامع الكبير والقلعة والأسواق.

المدرسة الركنية البرانية

وظل هذا الازدهار قائماً حتى شهر آذار/مارس سنة ٦٥٨هـ/١٢٦٠م؛ حين استباح المغول بقيادة هولاكو المدينة، ودمروا العديد من مبانيها وآثارها حتى هزموا في معركة عين جالوت على يد المماليك الذين ضموا بلاد الشام لسلطنتهم؛ ليبدأ في دمشق عصر طويل من الازدهار والبناء حتى صارت العاصمة الثانية لهم بعد القاهرة؛ فقد نشطت الحرف والصناعات، فتكاثرت الدباغات ومصانع الورق والفخار والخزف. وشُيّدت القصور مثل القصر الأبلق الذي كان في موقع التكية السليمانية؛ والحمامات، مثل حمام الورد [ر]، وحمام السلطان، وحمام التوريزي [ر]؛ والجوامع والمساجد، مثل جامع يلبغا [ر] ومسجد الأقصاب [ر] والجوزة [ر] والمعلق [ر] والسنجقدار [ر] وتنكز [ر] والتوريزي [ر] والورد [ر] (برسباي)، وجامعَي منجك [ر] والدقاق [ر] (الكريمي) ومسجد ابن هشام، والخانات مثل خان الجقمق [ر]، والمدارس مثل المدرسة الظاهرية [ر] والجقمقية [ر] والشاذبكية [ر] والخيضرية [ر] ودار القرآن والحديث التنكزية [ر] والمدرسة السيبائية [ر] التي أقامها آخر ولاة السلطنة المملوكية في دمشق الأمير سيباي.

ونشأت أحياء جديدة حول دمشق مثل محلة النيرب والربوة، وأسواق مهمة كسوق الخيل في محلة تحت القلعة، وفيها دار البطيخ ودار الخضار (سوق الهال). وتوسّعت الصالحية حتى غدت مدينة كبيرة أُحصي فيها في أواخر العصر المملوكي نحو ٥٠٠ مسجد وعدة جوامع ومئة مدرسة وعشرة خانات وعشرين حماماً وعدة أسواق. وانتشرت الأسبلة في أنحاء دمشق كسبيل البريدي [ر] والخزنة[ر] والورد [ر] وغيرها. وكذلك استمر الاهتمام بالترب ذات القباب الفخمة؛ ولا سيما على مسار الحج، وتوزعت المقابر بعيداً عن المدينة القديمة: جنوباً في منطقة الميدان مقابر واسعة ومتعددة، وفي سفوح قاسيون عدد كبير من المقابر، أهمها مقبرة الشيخ إبراهيم في أبي جرش ومقبرة الجوعية في حي الأكراد.

وشهدت دمشق عند دخول العثمانيين سنة ٩٢٢هـ/ ١٥١٦م حركة نشاط عمراني، حيث شُيّد العديد من المنشآت الدينية التي تحمل عمارتها الطراز العثماني الوارد مع العثمانيين من آسيا الوسطى والأناضول، فأقام السلطان سليم الأول التكية السليمية [ر]، كما عمّر جامع الشيخ محيي الدين بن عربي ومقامه في الصالحية. ثم شيّد السلطان سليمان الكلية السليمانية[ر]. ثم شُيّد العديد من الجوامع والمساجد مثل جامع الدرويشية[ر]، وجامع السنانية [ر] ومساجد الياغوشية [ر] والنابلسي والقاري[ر] وسنان آغا [ر] والشهداء [ر] وغيرها، وكلها تحمل مميزات الطراز العثماني، وكُسيت جدران كثير منها بالقاشاني ذي اللون الأزرق الذي شاع في هذا العصر.

كما انتشر بناء المدارس؛ كالمدرسة الفتحية [ر] ومدرسة إسماعيل باشا العظم [ر] والمدرسة السليمانية الجوانية [ر] ومدرسة عبد الله باشا العظم [ر]، وبناء التكايا كالتكية الأحمدية [ر] والمرادية النقشبندية [ر] والمولوية [ر] والعسالي [ر]، وبناء الزوايا كالزاوية الصمادية [ر] وزاوية أبي الشامات [ر]، وبناء الحمامات كحمام فتحي [ر] والبكري [ر] والخياطين [ر] والقيشاني [ر] وغيرها، عدا عن بناء العديد من المقامات والترب في مقبرة باب الصغير وغيرها... وكذلك عمّت الأسبلة مدينة دمشق كسبيل النرجس والسروجي [ر] وأبي الشامات [ر] وغيرها الكثير...

مقبرة الباب الصغير ومقاما تها

وانتشر بمدينة دمشق في هذا العصر إنشاء البيوت السكنية الضخمة المميزة بأفنيتها الواسعة المزروعة بالأشجار والأزهار وأبنيتها الضخمة ذات العناصر الثرية المتعددة من حيث تصميماتها ووظائفها المتلائمة مع ظروف العصر واحتياجاته والمنفتحة على الفناء الداخلي للمنزل، في حين ظهرت هذه العمائر بواجهات خارجية بسيطة قليلة الفتحات، ومن أهم هذه البيوت بيت نظام [ر] وبيت السباعي [ر] وقصر أسعد باشا العظم[ر].

وعلى الرغم من ذلك فقد شهد القرن ١٣هـ/١٩م توسعاً وامتداداً لرقعة مدينة دمشق، فظهرت أحياء سكنية جديدة مثل حي المهاجرين وحي الميدان وحي القنوات وحي ساروجا.

وقد كان لوقوع دمشق على طريق الحج أثر جيد ساهم في نشاط الحركة الصناعية والتجارية بها، فانتشرت بها الخانات الضخمة مثل خان الزيت [ر] وخان سليمان باشا [ر] في سوق مدحت باشا وخان الجمرك [ر] وخان المرادية [ر] وخان الحرير [ر] وخان الرز [ر] وخان أسعد باشا [ر] الذي يُعدّ أكبر خانات دمشق وأشهرها.

صورة جوية لمقبرة الباب الصغير

كما عرف العصر العثماني الاعتناء بإقامة الأسواق، فأقام الوالي مدحت باشا سنة ١٢٩٤هـ/١٨٧٧م سوق مدحت باشا على الجزء الغربي من الشارع المستقيم.

أما سوق الحميدية فقد أقام الجزء الغربي منه الممتد من باب النصر حتى سوق العصرونية الوالي محمد باشا العظم سنة ١١٩٤هـ/١٧٨٠م، ثم أكمل الوالي راشد ناشد باشا الجزء الشرقي الممتد من سوق العصرونية حتى الباب الغربي للجامع الأموي سنة ١٣٠١هـ/١٨٨٤م، وحمل كامل السوق اسمه (سوق الحميدية) نسبة إلى السلطان عبد الحميد الثاني الذي انتهى في عهده.

وقد شهد أوائل القرن ١٤هـ/ أواخر القرن ١٩م وبالتحديد سنة ١٣١٠هـ/١٨٩٣م آخر حرائق الجامع الأموي حيث لم يسلم من النار إلا الظلة الغربية منه، فكان ذلك من الكوارث الكبرى التي حلت بعمران المدينة، ولم يتمكن أهلها من تداركها وإعادة ترميم الجامع إلا بعد سنوات من العمل المتواصل.

مقبرة الروضة وجامع الحنابلة في الصالحية

ويلاحظ في أواخر العصر العثماني ظهور تأثير تيار فني وافد من البلدان الأوربية، يحمل طابع فن الباروك والركوكو [ر] اللذين عرفا في أوربا خلال القرنين ١٢هـ/١٨م و ١٣هـ/١٩م؛ إذ بدأ هذا التيار يظهر في مباني العاصمة إسطنبول، ثم انتشر في ولايات الدولة بوساطة الولاة والباشوات والتجار والأغنياء الذين قلدوا العاصمة، فظهر في دمشق عدد من الأبنية التي تحمل تأثيرات التيار الجديد؛ منها الثكنة الحميدية [ر] التي أنشئت سنة ١٢٨٩هـ/١٨٧٣م (جزء من كلية الهندسة بجامعة دمشق) والسرايا التي شيدت سنة ١٩٠٠م، وهي مقر وزارة الداخلية القديم اليوم، وبناء العابد الذي شيد سنة ١٩٠٨م في ساحة المرجة، ودار المعلمين (وزارة السياحة حالياً) التي بنيت سنة ١٩١١م، وقصر ناظم باشا، وهناك العديد من البيوت المبنية على الطراز نفسه مثل بيت لزبونة في حي الأمين، ودار سعيد أفندي القوتلي بجوار الجامع الأموي.

جامع السنجقدار

جامع المعلق

وقد حَفِل عهد السلطان عبد الحميد بحركة عمرانية واسعة ومهمة تناولت أيضاً البنى التحتية لمدينة دمشق؛ بدءاً من جرّ مياه عين الفيجة من مسافة ٢٠ كم إلى دمشق، وربط دمشق القديمة بشبكة طرق حديثة إلى أحيائها البعيدة، وتسيير خطوط «الترامواي» بين أحيائها، ثم تنفيذ الخط الحجازي الذي ربط دمشق بسكة حديد تصلها ببيروت وحوران والحجاز، وبناء محطة توليد الكهرباء على نهر بردى لإنارة دمشق وما جاورها (سنة ١٩٠٥م) وإنشاء مبنى البريد والبرق ونصبها التذكاري في وسط ساحة المرجة تخليداً للاتصالات البرقية بين دمشق والمدينة المنورة.

تربة آراق السلحدار

جامع الشيخ محيي الدين وتربته

وفي سنة ١٩١٨م دخل الجيش العربي دمشق؛ ولم يكد يعلن قيام أول حكومة سورية سنة ١٩١٩م عاصمتها دمشق؛ حتى دخل الجيش الفرنسي دمشق معلناً بداية الاستعمار الفرنسي ١٩٢٠م الذي استمر حتى سنة ١٩٤٦م، والذي مدّ يد البلاء والخراب على آثار دمشق وعمرانها وطابعها الإسلامي، والذي كان من أهم نتائجه على الصعيد الحضاري تدمير العدد الكبير من المنشآت الأثرية لمدينة دمشق القديمة سواء بالقصف ونيران المدافع، كما حدث في ١٨ تشرين الأول/أكتوبر سنة ١٩٢٥م، فدمر القصف منطقة سيدي عامود حيث أتت النار على أغلب عمائرها، حتى أطلق عليها اسم «الحريقة» الذي مازالت تحمله إلى اليوم؛ أم بالهدم المنظم بحجة التحديث والتطوير، إذ هدمت المدرسة القجماسية والمدرسة الأحمدية وجامع تنكز وغيرها من الآثار المهمة بحجج وهمية لا أساس لها من الصحة.

جامع الدرويشية

جامع سنان باشا

وعليه يلاحظ أن التطور العمراني لمدينة دمشق في العصر الإسلامي قد اقترن بالمكانة السياسية والتجارية للمدينة ضعفاً وقوةً، ومع أن المدينة قد عرفت فترات ضعف في مكانتها السياسية، فقد حافظت أبداً على مكانة تجارية جيدة، هذه المكانة التي ساهمت بدعم التطور العمراني للمدينة، الذي عرفت دمشق فيه كل أنواع العمائر الدينية والعسكرية والمدنية، واختلفت طرزها عبر تاريخ دمشق، من الطراز الأموي والعباسي والسلجوقي والأيوبي والمملوكي ثم إلى الطراز العثماني؛ مع عدم اختفاء التأثير المباشر للنمط الدمشقي المحلي والذي اندمج معها، فأنتج مزيجاً رائعاً وطرازاً إسلامياً حمل ملامح دمشقية أصيلة.

أسوار مدينة دمشق وأبوابها

مازالت مدينة دمشق القديمة تحتفظ بأجزاء مهمة من سورها التاريخي الذي ما يزال يضرب حولها نطاقاً ظاهر المعالم، ويشكل مع القلعة أهم المعالم العسكرية للحضارة الإسلامية في دمشق، وهو أكبر المعالم الأثرية الباقية فيها حيث يصل طوله إلى ٤٥٠٠م.

وقد أنشأ الرومان بعد دخولهم سورية سنة ٦٤ق.م بناء الأساسات الأولى لهذا السور، واستخدموا في بناء جدرانه أحجاراً كلسية بيضاء، وجاءت مداميكه كبيرة يقرب ارتفاع الواحد منها المتر، وجاء المسقط العام لذلك السور مستطيلاً طوله ١٥٠٠، وعرضه ٧٥٠م، وكان لهذا السور سبعة أبواب.

وقد حافظ المسلمون على سور دمشق حتى سنة ١٣٢هـ/٧٥٠م، ثم بدأ يتعّرض للتدهور، وأصبح عرضة للعوادي، فأخذ سورها ينهار ويفقد مميزاته العسكرية، وتتراكب عليه التعديات عبر المراحل التاريخية اللاحقة حتى سنة ٥٤٩هـ/١١٥٤م عندما دخل السلطان نور الدين محمود بن زنكي دمشق، واتخذها عاصمة لدولته، وبدأ فيها نهضة معمارية لم تلبث أن شملت سور المدينة، حيث أعاد بناءه بالكامل، وبنى أبراجه، وأضاف عليه ثلاثة أبواب جديدة، هي: باب النصر من الجهة الغربية، وباب الفرج، وباب السلامة من الجهة الشمالية.

المدرسة الفتحية

الزاوية الصمادية

وقد بنى نور الدين على هذه الأبواب مآذن، وجعل لكل مئذنة مسجداً، وبنى خلف كل باب باشورة وسويقة بها حوانيت مملوءة بالبضائع، فاستغنى أهل كل باب من هذه الأبواب بما عندهم؛ مما زاد في تحصين هذه الأبواب.

محطة سكة الحديد الحجاز

وجاء تخطيط بدنات الأسوار الجديدة منحرفة عن أساساتها الرومانية، وصار المسقط العام لها أقرب إلى الدائرة منه إلى المستطيل المنتظم، فهو لا ينطبق مع السور الروماني القديم إلا في الجزء الشمالي الممتد من باب السلامة إلى الزاوية الشمالية الشرقية للسور، وأيضاً في قسم من طرفه الشرقي عند الباب الشرقي؛ بوقت دفع السور بالمنطقة القائمة بين باب الفرج وباب الفراديس نحو ضفة نهر بردى، وأبقى على السور القديم، فنشأ بينهما زقاق سُمّي «زقاق بين السورين».

نصب ساحة المرجة وبناء العابد

واستمرت العناية بسور دمشق في العصر الأيوبي، فرُمّمت وجُددّت بعض الأبواب، وشُيّد برج الملك الصالح أيوب. وكذلك في العصر المملوكي قام نائب السلطنة بدمشق الأمير سنجر الحلبي بترميم السور وتحصينه سنة ٦٥٨هـ/١٢٥٩م. وفي سنة ٧١٧هـ/١٣١٧م جاء سيل هائل خسف جزءاً من السور، وحمل برجاً، فأُعيد بناؤه.

وفي العصر العثماني فقدَ السور كثيراً من أهميته، وأُهمل تدريجياً؛ ولا سيما بعد تطور آلة الحرب واستعمال البارود وبسبب قوة هذه الدولة ومنعتها تجاه أي عدوان خارجي، وأصبحت دمشق بمأمن من الغارات والغزوات، فلم يبقَ من منفعة كبيرة للتحصينات القديمة، ثم خُرب العديد من أبواب السور، وتهدم العديد من أجزائه، وأقيمت الأبنية المحدثة فوقه، وضاعت معالم خندقه، حتى صار اليوم متقطع الأجزاء بعدما غطت المساكن أجزاء متعددة منه، وزالت أقسام كبيرة منه؛ ولا سيما في الجهة الغربية حيث زال باب النصر منذ سنة ١٢٨٠هـ/١٨٦٣م، وزال معه كل الجزء الممتد من الزاوية الجنوبية الغربية للقلعة حتى باب الجابية، وكل ما يمكن تتبعه منه هي الأجزاء الممتدة بين باب السلامة وباب توما؛ وبين الباب الشرقي حتى باب كيسان ومنه للغرب باتجاه عقدة دوار المطار حيث جرى ترميم هذه الأجزاء وإظهارها مؤخراً.

(ترام دمشق (بداية القرن 20م

ويظهر في العديد من الأجزاء الباقية من هذا السور تراكب واضح في أشكال أحجار المداميك التي تعود إلى مراحل البناء والتجديد المختلفة لهذا السور، فالأجزاء السفلى مبنية بأحجار كبيرة يراوح ارتفاع كل منها بين ٨٠–١٠٠سم، هي من بقايا السور الروماني القديم، أو أخذت منه، ويعلو هذه الأحجار مداميك مبنية بأحجار منحوتة أيضاً ارتفاع كل منها بين ٥٠–٧٠سم، وهي من التجديدات الإسلامية التي جرت حتى نهاية العصر المملوكي، في حين أن الأجزاء المبنية باللبن والحجر غير المنحوت وما شاكله هي من العصر العثماني.

وقد احتفظت المدينة بثمانية أبواب، هي: باب شرقي، باب توما، باب السلامة، باب الفراديس (العمارة)، باب الفرج، باب الجابية، الباب الصغير، باب كيسان.

وكان السور يضم أيضاً عدداً من الأبراج بقي بعض منها، وأهمها اثنان: الأول يقع جنوب باب الجابية، وهو برج دائري يحمل اسم نور الدين محمود بن زنكي، بناه سنة ٥٥٩هـ/١١٦٤م، ويقع الثاني شرق باب توما- وهو مربّع- شُيِّد زمن الملك الأيوبي الصالح أيوب سنة ٦٤٦هـ/١٢٤٨م.

١- بـاب شـرقي:

يقع هذا الباب في الجدار الشرقي لسور مدينة دمشق، وقد سمي بذلك لوقوعه شرقي البلد، بناه الرومان أوائل القرن ٣م.

يتألف من ثلاث فتحات معقودة؛ أوسطها أكبرها، وعلى طرفيها فتحتان أصغر منها إلى الشمال والجنوب منها، وكان يغلق على كل منها باب، وينتصب بين الباب الأوسط والباب الجانبي الشمالي مئذنة ذات جذع مربّع.

باب شرقي

وقد نزل على هذا الباب خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم فتح دمشق، ومنه دخل نور الدين، وهو الذي أضاف إليه من الداخل مسجداً صغيراً ومئذنةً بناها فوق الباب، ويعلو فتحة الباب الشمالي منه نقش كتابي يرد فيه أن السلطان نور الدين أمر بعمارة هذا الباب والأسوار والخندق في سنة ٥٥٩هـ/١١٦٤م.

والباب مبني بالأحجار البيضاء المنحوتة بأحجام كبيرة في أقسامه السفلية. أما القسم العلوي من طرفه الشمالي والكائن فوق الباب الشمالي فحجارته صغيرة الحجم، وفي نهاية الواجهة من هذا القسم روشن، على جانبيه مزغلتان لرمي السهام، وبين الباب الشمالي والباب الأوسط أيضاً ثلاثة مرامٍ يعلو بعضها بعضاً، يتوصل إليها من باب صغير يقع في الباب الشمالي، وثمّة مزغلة أخرى بين الباب الأوسط والباب الجنوبي.

٢- بـاب تـومـا:

يقوم في الجهة الشمالية الشرقية من سور المدينة، نزل عليه الصحابيان عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة رضي الله عنهما.

باب توما

وفي العصر السلجوقي قام السلطان نور الدين بترميم هذا الباب، وأقام عنده مسجداً، ورفع فوقه مئذنة، ثم قام الملك الناصر داود ابن الملك المعظم عيسى الأيوبي سنة ٦٢٥هـ /١٢٢٨م بإعادة بناء هذا الباب على طراز إسلامي مبتكر، كما جُدِّد في زمن السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون بإشارة الأمير تنكز نائب الشام في سنة ٧٣٤هـ/١٣٣٣م؛ كما يُذكر في النقش الكتابي الموجود على عتبة الباب من الخارج، ويبلغ الارتفاع الحالي للباب ٤٣٨سم، وعرضه ٣٢٢سم، وسماكته سبعة أمتار. وتتألف واجهته الخارجية من كتلة باب مغطاة بعقد مخموس في أسفله فتحة باب الدخول التي يعلوها عتب حجري كبير يعلوه عقد عاتق، ويعلو عقد الباب ثلاث مزاغل يُلفى على طرفيها روشنان بكل منهما سقاطتان. ويغلق على فتحة الباب مصراعان من الخشب المصفح بألواح معدنية، ويحتوي المصراع الأيمن منهما على باب خوخة صغير.

٣- بـاب السـلامة:

يقع في الجهة الشمالية، وهو من الأبواب التي بناها السلطان نور الدين، وقد تهدم لاحقاً نتيجة الأحداث المتعاقبة، فأُغلِق، ثم جُدّد في العهد الأيوبي أيام الصالح أيوب سنة ٦٤١هـ/١٢٤٤م.

سُمّي بهذا الاسم تفاؤلاً؛ لأن القتال مع الأعداء كان يصعب عليهم من ناحيته لما وراءه من الأشجار والأنهار، وهو أجمل أبواب المدينة على الإطلاق، وكتلة مدخله مشابهة لباب توما الحالي من حيث شكل العقد والمزاغل والرواشن التي تعلوه، ويعلو فتحة الدخول عتب عليه نقش كتابي ورد فيه أن الملك الصالح أيوب أمر بتجديد عمارة هذا الباب سنة ٦٤١هـ/١٢٤٤م. على عضادة الباب الشمالية التي يجري النهر من تحتها مرسوم مملوكي طُمِست أكثر حروفه.

٤- بـاب الفـراديـس:

هو أيضاً من أبواب الجهة الشمالية للسور، يسمّى اليوم باب العمارة، وهو الآن في سوق العمارة الممتد إلى الجامع الأموي، وهو منسوب إلى محلة كانت خارج البلد تسمى الفراديس. والفراديس هي البساتين، وقد أمر ببناء هذا الباب السلطان الملك الصالح إسماعيل كما يُقرأ في النقش الموجود على الباب والمكتوب بخط نسخي أيوبي.

وهو باب مزدوج، الداخلي منهما على حذاء السور الأصلي قبل أن يُدفع إلى الشمال نحو ضفة نهر بردى، وهو باب بسيط معقود، والخارجي باب ضخم مستطيل، بني بحجارة ضخمة قديمة، وعلى عتبته من الخارج كتابة طُمِست، وتفتتت أطراف عضادتيه، وركبت فوقه الدور.

٥- بـاب الفـرج:

يقع في الجهة الشمالية، يُتوصل منه اليوم إلى شارع الملك فيصل، أحدثه السلطان نور الدين، وسمّاه باب الفرج تفاؤلاً لما وُجِد من الفرج لأهل البلد بفتحه، وكان أمام الباب جسر متحرك.

باب الفرج

وهو باب مزدوج، الداخلي على حذاء السور الأصلي قبل أن يدفع إلى الشمال نحو ضفة نهر بردى، وهو مزيّن بنقوش مخرّمة تظهر على عضادته اليسرى من الداخل. أما عضادته الأخرى فقد اختفت بين الدكاكين، وفوقه عتبة ضاعت أكثر كتابتها تشير إلى تجديد الباب من قبل الصالح أيوب في سنة ٦٣٩هـ/١٢٤٢م، ويبلغ ارتفاع هذا الباب ٣٨١سم، وعرضه ٣٠٥سم، وفي سنة ١٩٤٨م قامت مديرية الآثار بترميمه.

أما الباب الخارجي فملاصق لنهر بردى قبل أن يُغطّى. وقد أعيد بناؤه في القرن ٩هـ/١٥م إبان العصر المملوكي، وهو ضخم ومستطيل، وفوقه عتبة طمست معالم كتاباتها، وأمامه عضادتان كان يعلوهما قوس سقطت، وعلى كل من العضادتين ومن الشرق والغرب رنك نقشت فيه زهرة الزنبق شعار نور الدين.

٦- بـاب الجـابيـة:

هو الباب الغربي لسور دمشق، ارتفاعه ٢٨٣سم، وعرضه ٣٠٦سم، سُمّي كذلك نسبة إلى قرية الجابية الواقعة في الجولان؛ لأن الخارج إليها كان يخرج منه، وكان ذا ثلاثة أبواب؛ الأول كبير في الوسط، وكان مخصصاً للمشاة، والآخران بابان صغيران، خُصِّص أحدهما لمن يشرّق بدابته، والآخر لمن يغرّب بها.

ومن هذا الباب دخل الصحابي أبو عبيدة بن الجراح عند فتح دمشق، وقد أعاد نور الدين بناء هذا الباب، ثم جدده الملك الناصر داود ابن الملك المعظم عيسى في العصر الأيوبي. وهو مبني بالحجارة الضخمة، ومدخله معقود، ويعلو فتحة بابه عتب مستقيم، ويدخل منه لمساحة مغطاة بقبوين، وقد حُفر على الحجر أعلى الباب نقش كتابي يفيد أن السلطان نور الدين أمر بعمارة الباشورة والقبو سنة ٥٦٧هـ/١١٧١م.

٧- باب الصغير:

هو من أبواب الجهة الجنوبية لسور دمشق، أطلق العرب عليه اسم الباب الصغير؛ لأنه كان أصغر أبواب المدينة، وعُرف في العصر العثماني بباب الحديد؛ لأنه كان مدعّماً بصفائح الحديد.

وقد نزل عليه يزيد بن أبي سفيان في حصار دمشق، وجدده الملك المعظم عيسى الأيوبي سنة ٦٢٣هـ/١٢٢٦م، ومنه دخل تيمورلنك سنة ٨٠٣هـ/١٤٠٢م عندما نهب دمشق وأحرقها.

باب الصغير

وارتفاع الباب ٣٧٣سم، وعرضه ٢٥٠سم، ومدخله معقود ومغطى بعقد نصف دائري، وأمامه باشورة، وعلى بابه مسجد يسمى اليوم مسجد الباشورة، وبه نقشان كتابيان، يحمل الأول منهما نص تجديد الملك المعظم عيسى للباب سنة ٦٢٣هـ/١٢٢٦م، ويحمل النقش الثاني نص مرسوم يفيد أن السلطان نور الدين أمر بإبطال الرسوم على التجار المسافرين إلى العراق والقادمين منه لدمشق، وذلك سنة ٥٥١هـ/١١٥٦م.

٨- باب كيسان:

يقع في الجهة الجنوبية الشرقية، نزل عليه يزيد بن أبي سفيان عند حصار العرب المسلمين لدمشق؛ إضافة إلى نزوله على الباب الصغير في الوقت نفسه، سُمّي بذلك على اسم مولى الصحابي معاوية ابن أبي سفيان «كيسان».

وقد بقي الباب مستخدماً إلى القرن ٦هـ/١٢م عندما سدّه السلطان نور الدين لخوفه من سهولة دخول الأعداء منه، وبقي هذا الباب مسدوداً طوال العصر الأيوبي إلى أن أعاد فتحه الأمير سيف الدين منكلي بغا الشمسي نائب السلطنة في العصر المملوكي بالشام سنة ٧٦٥هـ/١٣٦٤م، وجدّد في داخله مسجداً كان مهجوراً، ويُعرف بمسجد الشاذوري، وعقد عنده جسراً فوق الخندق، وفي سنة ١٩٢٥م جُدّد الباب، وأدخلت عليه تعديلات كما تشير اللوحة المؤرخة عنده.

باب كيسان

وفي عهد الاستعمار الفرنسي- وتحديداً سنة ١٩٣٩م، وبتخطيط المهندس الفرنسي «دولوري»- أقيمت عند مدخله كنيسة على اسم القديس بولس الرسول تخليداً لذكراه وحادثة تهريبه من السور في القرن الأول الميلادي، فأصبح الباب الأثري مدخلاً للكنيسة!

أما أهم الأبراج المتبقية في سور مدينة دمشق فهما برجان:

1 - برج السلطان نور الدين محمود بن زنكي:

يقع جنوب باب الجابية بالزاوية الجنوبية الغربية للسور، أمام دخلة الحلواني في جنوب جامع سنان باشا، وهو أحد الأبراج التي بناها نور الدين في السور، وعليه نقش كتابي يشير إلى بنائه سنة ٥٦٩هـ/١١٧٣م، وقد تهدم هذا البرج، فقام بإعادة بنائه السلطان محمد بن قلاوون، وما زال ذلك مثبتاً بنص كتابي منقوش على بدنة البرج، وهو برج قاعدته مربعة، ثم يقوم على شكل نصف دائرة، ارتفاع ما بقي منه عشرة أمتار.

برج السلطان نور الدين

برج في السور الجنوبي

2 - برج الملك الصالح أيوب:

يقع شرق باب توما في الزاوية الشمالية الشرقية من السور مقابل زاوية الشيخ أرسلان، شُيّد زمن الملك الأيوبي الصالح أيوب سنة ٦٤٦هـ/١٢٤٨م، ومسقطه شبه مستطيل طول ضلعه الأماميّة ٨,٦٠م، والجانبيّة الغربيّة ٥,٧٠م، والشرقيّة ٥,١٠م، ويبلغ ارتفاعه عشرة أمتار.

وما يزال البرج يحتفظ بالكثير من معالمه المعمارية ومزاغله والكوابيل التي كانت تحمل رواشنه التي كانت تمتد على واجهاته الثلاث، وما زال بدنه يحمل نقشاً كتابياً يفيد عن المنشئ وتاريخ الإنشاء.

أسواق مدينة دمشق:

بلغت دمشق في عهد الدولة الأموية مكانة لم تبلغها من قبل، فلم تلبث المنطقة حول الجامع الأموي أن شهدت ظهور أسواقٍ جديدةٍ سرعان ما تطورت، واتصلت بالشارع المستقيم أحد أهم الأسواق التجارية، وشهدت ازدهاراً تناسب مع تلك المكانة السياسية لدمشق التي لم تلبث أن ذهبت عنها بعد دخول العباسيين لها سنة ١٣٢هـ/٧٥٠م؛ مما كان له أبلغ تأثير في مكانتها التجارية وعمارة أسواقها وتحول طرق التجارة عنها، فأصيبت بحالة من الركود استمرت حتى وصول السلطان نور الدين محمود بن زنكي إليها سنة ٥٣٩هـ/١١٤٥م واتخاذها عاصمة، وابتدأ فيها نهضة عمرانية كان من أهم نتائجها انتشار الاستقرار والأمن فيها وإعادة الاعتبار لمكانتها التجارية، فنشطت أسواقها، وأعيد ترميم ما خرب منها وإحياؤه؛ فرُصفت طرقاتها، وغُطيت أسقفها بالجملونات الخشبية.

واستمر نشاط هذه الأسواق حتى منتصف القرن ٨هـ/١٤م؛ إذ شهدت في العصر المملوكي توسعاً وازدهاراً، فتوسع نمو الأسواق خارج الأسوار، ونشأت أسواق جديدة جهة الشمال والشمال الغربي للمدينة القديمة مثل سوق الخيل ثم سوق النحاسين وسوق الحدادين وأسواق البياطرة والسروجية وغيرها من الأسواق التي حملت جميعها اسم «سوق تحت القلعة»، وقد تطورت هذه الأسواق لتشكل أهم الأحياء الملاصقة لدمشق جهة الشمال والشمال الغربي والذي حمل اسم «حي سوق ساروجا» المعروف باسمه حتى اليوم والذي كان يُدعى «سويقة صاروجا» نسبة إلى الأمير صارم الدين صاروجا في عهد الأمير تنكز. ونشأ في جنوب المدينة القديمة أسواق تخصصت بتجارة الحبوب والمواد الغذائية الآتية من حوران ومصر والحجاز، ولم تلبث هذه الأسواق أن تطورت لتصبح حياً متكاملاً عرف باسم «حي السويقة» المعروف حتى اليوم بهذا الاسم.

السور الجنوبي

وكان لدخول تيمورلنك إلى دمشق سنة ٨٠٣هـ/١٤٠٠م وتدميره لها ونقله للعديد من صنّاعها وحرفيّيها الماهرين لعاصمته سمرقند الأثر الأكبر في تخرب العديد من هذه الأسواق وضياع العديد من الحرف الدمشقية.

وفي العصر العثماني زادت أهمية دمشق التجارية حيث أصبحت محطة لتجمع قوافل الحج الشرقي والشمالي؛ مما ساهم بالحفاظ على ما تبقى من هيبتها التجارية، وأدى بوضوح إلى توسع أسواقها جنوباً خارج الأسوار باتجاه طريق الحج، فامتدت الأسواق بمحاذاة حي السويقة بين منطقتي الشاغور وقصر الحجاج، واندمجت مع أسواق منطقتي باب مصلى والميدان، وامتدت حتى باب الجابية والقلعة؛ لتشكل محوراً تجارياً حافظ على أهميته فترة طويلة.

أما الأسواق في شمال المدينة في ذلك العصر؛ فقد شهدت تطوراً مقبولاً مع زيادة العناية بحي ساروجا الذي أُطلق عليه اسم «إسطنبول الصغرى»، وامتدت الأسواق شرقاً حتى اتصلت بباب توما بوقت حافظت أسواق مركز المدينة على مكانة جيدة؛ فبنى الوالي مدحت باشا سوقاً جديداً بالشارع المستقيم سنة ١٢٩٥هـ/١٨٧٨م، وسماه باسمه، بعد ما كان الوالي محمد باشا العظم قد بنى القسم الغربي من سوق الحميدية سنة ١١٩٥هـ/١٧٨٠م، ليقوم الوالي راشد ناشد باشا ببناء القسم الشرقي منه سنة ١٣٠١هـ/١٨٨٣م.

وفيما يلي تصنيف مختصر للأسواق بحسب تسمياتها:

١- المهن: وهي أسواق تركّزت ضمن أسوار دمشق وحولها بدءاً من العصر السلجوقي وانتهاءً بالعصر العثماني. وأهمها: أسواق الحرير والقلبقجية والخياطين والصاغة والقوافين (الأحذية) والقباقبية والسلاح والبزورية والصقالين (سوق الرز) والسكرية والصوف والقطن والسروجية والنحّاسين والمناخلية والمِسكيّة والتي كانت محلاتها تبيع أصنافاً تدلّ عليها أسماؤها.

سوق الحمدية

٢- الأبواب: وهي أسواق أُنشئت عند أبواب سور دمشق من قبل السلطان نور الدين الذي شيّد الأبواب، وجعل عند كل باب سويقة. ومن أهمها: أسواق باب شرقي وباب توما وباب الجابية. وعُرفت كذلك أسواق أخرى باسم الأبواب؛ كسوق باب البريد وسوق باب سريجة والتي كانت محلاتها تبيع أصنافاً مختلفة ومتعددة شملت جميع المستلزمات الحياتية.

سوق مدحت باشا

٣- المواقع: وهي أسواق أُنشئت في مواقع تاريخية مهمة وسكنية مكتظة خلال العصور السلجوقية والأيوبية والمملوكية. ومن أهمها: أسواق منطقة القيمرية والعمارة والسويقة. والتي كانت محلاتها تبيع مختلف المستلزمات، ومنها النحاسيات والأدوات المعدنية والخشبية وغيرها.

٤- الأوابد: وهي أسواق أُنشئت في العصر العثماني بجانب الأوابد التاريخية المهمة؛ ولاسيما الجوامع الكبيرة، ومن أهمها: سوق الدرويشية عند جامع درويش باشا، والذي كانت محلاته تبيع اللوازم الخشبية المتنوعة والسلع الأخرى، وسوق السنانية عند جامع سنان باشا، والذي كانت محلاته تبيع الحبوب بأنواعها والنشا وغيره.

سوق البزورية

٥- المنشئين: وهي أسواق عُرفت بأسماء منشئيها في العصر العثماني، كسوق الحميدية على اسم السلطان عبد الحميد خان الثاني، والذي بلغ طوله ٦٠٠م بعرض معدله ١٥م، وتوزعت أصناف ما يباع فيه بين الأقمشة والمطرّزات والسجاد والملبوسات والتحف وبعض المطاعم للبوظة والحلويات، وكذلك سوق مدحت باشا على اسم والي دمشق مدحت باشا في عهد السلطان عبد الحميد، والذي تنوّعت مبيعاته بين البسط والعباءات والملبوسات والأغباني والأقمشة والعطارة.

وقد بُنِيت هذه الأسواق بالحجارة، وجُعلت محلاتها تطل على محاور السوق بعقود نصف دائرية، وقد رصفت محاور السوق بالحجارة، وغُطِّيت بالقباب والأسقف الخشبية التي استُبدلت بها التوتياء بدءاً من عهد الوالي حسين ناظم باشا في بداية القرن ١٤هـ/٢٠م، وأقيم بها عدد كبير من الخانات المهمة التي مازال العديد منها قائماً يشهد على طراز عمارة وعناية تستحق الوقوف عندها. وقد حافظت هذه الأسواق على متاجراتها بالسلع الثمينة كالبهار والحلي والأقمشة؛ إضافة إلى عنايتها بتجارة المفرق لتغطية احتياجات أهل المدينة.

كما كان لفتح قناة السويس سنة ١٢٨٦هـ/١٨٦٩م تأثير سيّئ في أسواق دمشق؛ حين تحول الحجاج الأتراك وغيرهم عن الطريق البري المار عبر دمشق، وركبوا السفن للوصول بها للأماكن المقدسة.

شبكة الطرق في مدينة دمشق:

يمكن أن تُحدّد مدينة دمشق القديمة بمساحة بيضوية الشكل، قطرها الطويل شارع مدحت باشا (١٦٠٠م)، وقطرها الصغير (١٠٠٠م)، يمتد من باب الفراديس إلى الباب الصغير؛ أي بمساحة ١.٦كم٢ تقريباً.

وبهذا كانت مدينة دمشق القديمة محدودة المساحة، يقع معظمها داخل أسوارها قبل أن تتوسع نحو الشمال الغربي في أحياء سوق ساروجا والعقيبة، ونحو الجنوب في أحياء الشاغور البراني والميدان، وكانت معظم أبنيتها تشغل الجانب الجنوبي من نهر بردى.

ويخترق مدينة دمشق القديمة من الغرب إلى الشرق شارعان متوازيان:

الأول: الطريق المستقيم الذي يصل بين الباب الشرقي وباب الجابية، ويطلق على الجزء الغربي منه اسم سوق مدحت باشا.

والثاني: جادة سوق ساروجا.

وعلى هذين الطريقين الرئيسيين تتعامد جميع الطرق المتجهة من الشمال إلى الجنوب. وفي المدينة القديمة كانت أغلب الطرق تبتدئ بأبواب تؤدي إلى الطريق المستقيم، أو إلى الأسواق الكبيرة، وفي الأحياء الشمالية تهبط الطرق نحو سوق ساروجا ومنها إلى الطرق التي تتممها نحو الجنوب، وتوصلها إلى أبواب المدينة القديمة.

وبين هذين الطريقين الرئيسيين يقوم شارع ثالث صغير، هو سوق الحميدية الواقع جنوب القلعة، وينفذ منه إلى جامع بني أمية الكبير.

وفي الشمال خمسة طرق تمتد خارج كتلة المدينة:

حارة الورد تستمر حتى المرجة، وتوصل إلى حي الأكراد، ثم يمتد طرق العقيبة والدحداح والقزازين حتى تصل إلى باب العمارة، وتبقى جادة عاصم التي تصل إلى باب السلامة.

إن الظاهرة التي تبدو أساسية في دمشق تتجلى في التمايز الصارخ بين الأحياء الحافلة بالنشاط الاقتصادي وبين الأحياء السكنية. ففي وسط المدينة حيث النشاط الاقتصادي تكون عريضة منتظمة ومفتوحة على شبكة ممتدة دون انقطاع حتى حدود المدينة.

أما في الأحياء السكنية فشبكة الشوارع غير منتظمة، وقد عُدّت تلك السمة عموماً من الصفات المميزة للمدينة العربية الإسلامية.

وتتصل تلك الأحياء السكنية مع شبكة الشوارع الرئيسية للمدينة بوساطة درب، وتستعمل كلمة الدرب بدلاً من الحارة أو الحي، وتصب في هذا الدرب شبكة أصغر من الشوارع الثانوية التي يطلق عليها اسم زقاق. وهذه الأزقة تنتهي في طريق مسدود، ولا يتصل بعضها ببعض.

أما الحارات نفسها فهي وحدات عمرانية مستقلة مغلقة في أغلب الأحيان، وكأن كل حارة مدينة صغيرة بمسجدها وطريقة توزيع المياه فيها وحمامها وسويقتها.

وأول ما يلفت الانتباه عند اجتياز الأحياء باب واسع للحي، كان يغلق في أحوال الحصار والاضطرابات، ويُكتفى بالمرور من باب صغير مفتوح في وسطه، يطلق عليه اسم خوخة. وفي التوغل بالحي يظهر التواؤه وتفرعه إلى أزقة صغيرة لها بدورها أبواب خاصة بها تؤدي إلى عشرات البيوت.

وظاهرة الحارات المغلقة كانت وسيلة مبتكرة ومدروسة بدقة لحراسة قلب المدينة بأبسط الصور وأكثرها فعالية.

إن نسيج الحارة يشبه فروع الشجرة وأغصانها، وفي كثير من الحالات تتألف من ٤٠-٥٠ داراً وقد التحمت في كيان واحد، بل هي جزيرة سكنية تنعم بأفضل شروط السكن العصري، فهي بعيدة عن ضوضاء حركة المرور، ويترابط الأهالي بحسن الجوار أو القربى. وفي كثير من الحالات تتشابك الحارات مع بعضها مثل أشجار الغابات، وتتحول إلى حارة كبيرة يطلق عليها اسم «محلة». لكن المحلة تبقى مرتبطة مع بقية أرجاء المدينة بعدد قليل نسبياً من الممرات لها بوابات تُغلق، ولا يمكن للقادم الدخول إلى تلك المحلة إلا عن طريق تلك البوابات.

وكمثال؛ فإن حارة النَّقّاشات تشغل مساحة ١٠٠م ×١٠٠م، وتضم نحو ١٥٠ بيتاً ليس لها إلا مدخلان ضيقان كانا يغلقان في الماضي.

وأما شوارع دمشق القديمة فكانت مبلّطة بالحجارة المحدّبة والمكعّبة المنتظمة، وكان يحفّ بها رصيف من جانب واحد وأحياناً من جانبين، ولقد تحدّث رحالة القرنين ١٢ و١٣هـ/١٨و١٩م عن هذا النوع من الرصف، وكان من عجائب بلاد الشرق في وصفهم. ونتيجة لضيق الأزقة والشوارع؛ فإن بعض الغرف العلوية في بيتين متقابلين على جانبي زقاق أو شارع واحد تكون متلاصقة مع بعضها مشكلة مظلة تقي من المطر والحر الشديد، وتضفي عليه مظهراً جمالياً، خصوصاً أن بعضها مغطى بقناطر يتواصل فوقها البناء من جانبي الشارع. وقد لاحظ الرحّالة ابن بطوطة تنظيم شوارع دمشق وأزقتها، فقال: «وكان لكلِّ زقاق رصيفان في جنبيه يمرّ عليهما المترجّلون، ويمرّ الركبان بين ذلك».

شبكة المياه في مدينة دمشق

مياه الأنهار:

كانت مدينة دمشق القديمة تتزود بالمياه من ثلاثة أفرع من نهر بردى، وهي: تورا وبانياس والقنوات، ويتولى كل منها شطراً من المدينة؛ فيختص تورا بالأحياء الواقعة إلى الضفة اليسرى من نهر بردى، ويختص بانياس بالأحياء الواقعة إلى ضفته اليمنى، حتى خط بين القلعة والجامع الأموي وجادة القيمرية، ويصل إلى باب توما. أما القنوات فيغذي الأحياء الواقعة إلى الجنوب من الخط المذكور آنفاً.

وبعد نمو المدينة خارج السور ونشوء أحياء وشوارع جديدة أسهمت قناة تورا بريّ الأحياء الواقعة إلى جنوبها، على الضفة اليسرى لنهر بردى، وتولّى يزيد تغذية أراضي الصالحية وركن الدين وأبي جرش والشركسية بالمياه، واختص المزّاوي بإعطاء المزة حاجتها من المياه، وأرسل الداراني قسماً من مياهه إلى حي الميدان.

تجري مياه الأنهار بوساطة القساطل من مقسم إلى آخر، ويتألف المقسم (الذي يطلق عليه اسم الطالع [ر] في دمشق) من حوضٍ مستطيل الشكل في أغلب الأحيان، تظهر في وسطه فوهة القسطل الموصل للمياه، تخرج المياه منها، وتنبع كما تنبع العيون. وعلى جوانب هذا الحوض فتحات تحدّد أنصبة المياه يختلف اتساعها بين طالع وآخر، فبعضها صغير لا يزيد على خمسة سنتيمترات، يوفّر المياه إلى منزل واحد، وبعضها الآخر كبير يبلغ ١٨سم، يوفّر المياه إلى حي كامل. وهذه الفتحات تنقل المياه من القناة الرئيسية إلى القنوات الثانوية، وترسلها إلى المنازل في قساطل جوفية، فتخرج من وسط البركة أو من أحد جوانبها. ومن ثمّ ينبغي أن تكون البركة أقل ارتفاعاً من الطالع بما لا يقل عن عشرين سنتيمتراً، فكلما كان الفرق بينهما واسعاً كانت المياه أشد تدفقاً، وكانت قنوات الطالع أقل خراباً من غيرها.

سبيل زاوية أبي الشامات

وتقام معظم هذه المقاسم عند مفترق الطرق، والمتبقّي يختفي في جدران المنازل على شكل نافذة صغيرة مزودة بقضبان حديدية، أو ضمن حجرة صغيرة تفتح كما تفتح الخزانة، وقد يقوم الطالع في مدخل البيت، يوزع المياه إلى برك غرفة الاستقبال والباحة والمطبخ، وربما قامت فتحة الطالع الواحدة بتوزيع مياهها بين البيوت المتجاورة، فتدخل المياه إلى المنزل، ويذهب الفائض إلى المنزل الآخر المجاور.

حارة في دمشق القديمة

ويُلاحظ أن معظم القنوات الرئيسية وجدت أساساً لخدمة الجوامع والحمامات العامة، فقد كان الجامع الأموي مثلاً هو الثاني بعد القلعة بالنسبة إلى من يستفيد من بانياس، فالتفرعات تتجه نحو أماكن العبادة، وفي الجوامع تلتقي القنوات التي تغذيها الفروع المختلفة؛ كي تحصل على المياه اللازمة للوضوء باستمرار، حتى في مجالات إصلاحها أو تنظيفها.

وللحمامات العامة أهمية كبيرة أيضاً في مدينة دمشق، فالقساطل الكبيرة تتجه إلى الحمّامات بعد الجوامع، وفي حالات كثيرة لا تتقاسم البيوت سوى المياه الزائدة عن حاجة هذه الحمّامات الكثيرة. وغالباً ما يشترك في تغذية الحمّام نهران، وذلك لحاجته إلى جريان المياه فيه باستمرار، كما هو الحال في حمام القرماني في سوق ساروجا، وحمام السلسلة في العمارة، وحمام السروجي خارج باب الصغير، وكلها كانت تتلقى مياهها من بانياس والقنوات باستثناء القرماني الذي كان يتزود من تورا وبانياس.

حارة القيمرية

ومن دراسة توزيع المياه يتبين أن شبكة القنوات تلخص تاريخ نمو المدينة، فقد تخصص بانياس والقنوات بتزويد المدينة القديمة. وعندما توسعت المدينة خارج الأسواق أنشئت تفرعات جديدة تنطلق من الفروع الأصلية لنهري بانياس والقنوات، في حين بقيت تفرعات تورا حتى مطلع القرن ١٣هـ/١٩م تروي الحدائق والبساتين. أما أحياء قاسيون التي كان يفصلها عن المدينة أكثر من ٤كم من الأراضي الزراعية فيما مضى؛ فقد أوجدت لنفسها أيضاً شبكة تغذية من مياه نهر يزيد.

الآبار والطوالع في مدينة دمشق:

من خلال استعراض مجموعة البيوت بغية معرفة مصدرها المائي تبين أن جميع المنازل تقريباً تتغذى من الطوالع المنتشرة بغزارة في أزقة دمشق وحاراتها. حتى إن هناك زقاقاً سمي «بالسبع طوالع»؛ وهذا تأكيد لغزارتها ضمن السور.

أما في ساروجا فقد تباين الأمر؛ إذ لوحظ أن هناك بيوتات تتغذى من الطالع، وأخرى من الآبار، ومن خلال أخذ عينة: تبين أن ٦٠٪ من المنازل تتغذى بالطالع مقابل ٤٠٪ منها تتغذى بالآبار. أما منازل حي القنوات فقد تميزت بكثرة طوالعها حتى بلغت النسبة ٩٠٪.

وأخيراً فإن منطقة الميدان قد تميزت بندرة الطوالع المغذية لبيوتاتها، لذلك فإن ٩٠٪ منها تتغذى عن طريق الآبار، ومن الجدير ذكره أنه عندما جيء بطالع إلى منطقة الميدان سمي الزقاق كله باسمه؛ أي زقاق الطالع.

وبعيد دخول الاستعمار الفرنسي لسورية أصيبت مدينة دمشق بنوع من التشتت والفوضى العمرانية نتيجة الظروف السياسية والعسكرية؛ إضافة إلى التخبط المستمر في تنظيمها؛ فتلاشت منها محلات وأسواق وخانات ومدارس ومساجد ومتنزّهات، ففقدت المدينة كثيراً من سمعتها التاريخية، وانعدمت الناحية الجمالية فيها، وقامت أسواق مرتجلة في غير أماكنها مثل سوق الحريقة والأسواق الحديثة الأخرى.

زكريا كبريت، غزوان ياغي

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد السابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1053
الكل : 58492154
اليوم : 64668