logo

logo

logo

logo

logo

الخابور

خابور

Khabur - Khabur

 الخابور

الخابور

المناخ القديم

تاريخ التحريات الأثرية

تاريخ الاستيطان

الفخار في منطقة الخابور

 

 

ينبع نهر الخابور Khabur من جنوب – شرقي تركيا، ويدخل الأراضي السورية بالقرب من مدينة رأس العين، وتزداد غزارة النهر نتيجة وجود عدة ينابيع يصل عددها إلى ٣٠٠ نبع أهمها عين الزرقا والفوارة وعين أرخوم وعين جاموس، وما زالت عين كبريت من أهم الينابيع في الوقت الحالي، ويرفد النهر بعد مروره برأس العين وقبل وصوله إلى مدينة الحسكة رافدان هما جرجب وزركان، وعند مدينة الحسكة ترفده خمسة روافد أخرى، وهي بالترتيب عويج وخنزير والجغجغ وجراح والرميلة، وتشكل هذه الروافد السبعة مع نهر الخابور شكل المثلث، وتعرف هذه المنطقة بالخابور الأعلى. يجري نهر الخابور جنوب مدينة الحسكة بعد التقاء الروافد بمجرى واحد ضيق، فيمر بصبوار ويغادر محافظة الحسكة قبيل موقع تل الشيخ حمد، ويدخل محافظة دير الزور ويستمر حتى التقائه نهر الفرات عند البصيرة، ويطلق على هذا القسم من الخابور منطقة الخابور الأدنى.

يبلغ طول النهر من منبعه حتى التقائه نهر الفرات ٤٤٠ كم، وارتفاعه عند المنبع ٣٤٧م فوق سطح البحر، و٢٩٤م عند مدينة الحسكة و١٨٧م عند التقائه نهر الفرات. كما يراوح عمقه بين ١,٥م و٣,٥م، أما عرضه فهو بين ٢٠ و٦٠متراً، وغزارته وسطياً ٤٠ متراً مكعباً في الثانية، وبهذا يعد نهر الخابور ثاني أكبر ينابيع العالم من حيث حجم التصريف، ويقدر مستوى التدفق السنوي بـ١٨٠٠ مليون متر مكعب.

يتميز الخابور الأعلى بهطل مطري غزير يصل حتى ٥٠٠مم، وينخفض حتى ٢٥٠مم جنوبي الحسكة، ويصل حتى ١٥٠مم في الخابور الأدنى بالقرب من نهر الفرات، وتصبح هنا الزراعة البعلية غير ممكنة مما يحتاج إلى أنظمة ري للزراعة. ويغطي وادي الخابور مساحة ١٦٠٠٠كم مربع، هي المصدر الرئيس لزراعة الحبوب في سورية.

منظر لنهر الخابور من تل الشيخ حمد

أقيمت حديثاً مجموعة سدود على نهر الخابور؛ اثنان منها بين رأس العين ومدينة الحسكة (سدّا الحسكة الغربي والشرقي)؛ أما السد الثالث فقد أقيم في منطقة الخابور الأدنى جنوب الحسكة بنحو ٢٥كم.

يعرف الإقليم الذي يوجد فيه نهر الخابور بإقليم الجزيرة السورية، وهو حالياً يقع ضمن محافظة الحسكة، وحدودها الإدارية الحالية من الشمال تركيا وشرقاً وجنوباً العراق، أما من الغرب فيحدها واديا نهري البليخ والفرات، وتأخذ المحافظة شكل مثلث يقع في أقصى شمال شرقي سورية، وتبلغ مساحتها نحو ٢٣,٣٠٠ كم مربع. أما إقليم الجزيرة الطبيعي فهو الممتد غرباً من نهر الفرات، ويرسم حدوده الشرقية نهر دجلة الذي يفصله عن جبال زاغروس وكردستان، وأما الحدود الجنوبية فغير واضحة المعالم تماماً، ولكن يمكن عدّ الخط الواصل بين نهري الفرات ودجلة عند بغداد هو الحد الجنوبي له. وهذا الإقليم معروف في العصور الوسطى وقد جرت العادة عند العرب أن تسمي إقليم ما بين الفرات ودجلة بـ «الجزيرة»، وورد في الكتب التراثية العربية باسم «إقليم الجزيرة» و«إقليم أَقُور». ويذكرها ياقوت الحموي بقوله «وهي التي بين دجلة والفرات مجاورة الشام، تشتمل على ديارمضر وديار بكر، سميت بالجزيرة لأنها بين دجلة والفرات وهي صحيحة الهواء، جيدة الرَّيع والنماء، واسعة الخيرات، بها مدن جليلة، وحصون وقلاع كثيرة، ومن أُمهات مدنها: حَرَّان، الرُّها، الرّقة، رأس عين، نصيبين، سنجار، الخابور، ماردين، آمد، ميّافارقين، الموصل، وغير ذلك مما هو مذكور في مواضعه».

تنتشر أراضي الجزيرة السورية بسطحها السهلي المنبسط، ويقسم جبلان- هما جبل: سنجار وجبل عبد العزيز- القسم الشمالي عن الجنوبي. يقع جبل عبد العزيز على الجهة اليمنى لنهر الخابور، ويرتفع حتى ٩٢٠م (قمة جبل غرة) وهو أعلى جبل في الجزيرة، ويمتد من الشرق إلى الغرب بطول ١٠٠كم. أما جبل سنجار فيقع على الجهة اليسرى لنهر الخابور وبالقرب من الحدود العراقية، ويطلق على قسمه الممتد في الأراضي السورية «جبل جريبا» ويرتفع ٦٤٦م عن سطح البحر. وثمة مرتفعات أخرى مثل طوال العبا، وجبل كراتشوك، وجبل كوكب البركاني، ومنطقة الحمة (خشام)، وجبل حاج أوغلي. ويقدر عدد السكان في الوقت الحالي نحو ٢,٦٠٠.٠٠٠ نسمة.

المناخ القديم

نظراً لأهمية منطقة حوض الخابور وكثافة الاستيطان القديم فيه جرت عدة أبحاث في مجال البيئة القديمة لمعرفة ماهية العلاقة بينها وبين الاستيطان، وقد استخدم فيها تحليل لنوى سرير البحر وحلقات الأشجار ومستوى البحيرات في المنطقة. ففي القرون الأولى من عصر الهولوسن وبعد تراجع العصر الجليدي وبعد عصر درياس الأول والثاني (١٠٠٠٠- ٩٥٠٠ ق.م) عمَّ عصر دافئ (من ٩٥٠٠ - ٨٥٠٠ ق.م)، أعقبه عصر درياس الثالث البارد حتى ٨٢٠٠ قبل الآن، وبعدها أخذ منحى الدفئ بالتصاعد بصورة واضحة في العصور التالية التي كانت تتخللها فترات مناخ لطيف (٨٢٠٠ حتى ٦٨٠٠ ق.م) ودفء كبير وحار خلال ٥٥٠٠ ق.م، أما خلال الألف الخامس فقد كان المناخ جافاً، في حين أصبح خلال الألفين الرابع والثالث رطباً، ووصلت الرطوبة إلى أعلى درجاتها خلال النصف الثاني من الألف الرابع. وأشارت الدراسات إلى أن التغيرات البيئية وفقدان أنواع من الحيوانات كان لهما دور كبير في نشوء المدن الدول في النصف الأول من الألف الثالث، ولكن عاد المناخ ليكون جافاً خلال النصف الثاني من الألف الثالث؛ مما أدى إلى هجران بعض التلال مثل تل ليلان. وقد بين تحليل لعظام حيوانات اكتشفت في مواقع متعددة في حوض الخابور أن هناك استخداماً للحيوانات المدجنة والبرية، والأخيرة كانت مستخدمة أكثر في الخابور الأدنى. كذلك تميز المناخ بالجفاف خلال الألف الثاني، وفي بعض الأحيان كانت الفيضانات في مواسم الشتاء سبباً آخر في هجران الكثير من المواقع بعد الألف الثاني، في حين أن استيطان الألف الأول يشير إلى تقلص استيطان المدن الكبيرة لتحل مكانها مدن قليلة الارتفاع وفي مناطق جديدة أكثر عزلة وأكثر اتساعاً.

تاريخ التحريات الأثرية

بدأت التحريات الأثرية عام 1850م مع أعمال أوستن هنري لايارد Austen Henry Layard في تل عجاجة الذي كشف فيه عن تمثال لثور مجنح وما يعرف بـ لاماسو lammasu والذي تبين أنه الموقع القديم شاديكاني Shadikanni. كما قام في عام 1887م كل من فان موريتس Van Moritsوكولدوي Koldoy بجولة أثرية امتدت من تل عجاجة إلى البصيرة. ثم قام ماكس فون أوبنهايم Max von Oppenheim ولفترات متقطعة بالتحريات الأثرية المختلفة ابتدأها عام 1899م، ثم لاحقاً بين عامي 1911 و1913م، وأخيراً بين عامي 1927 و1929م، كان ذلك التحري في غربي الخابور، كذلك نقب في تل حلف. وبين الحربين العالميتين قام أنطوان بوادبار Antoine Poidebard بدراسة للطرق الرومانية في الخابور الأدنى ووادي جغجغ بالاستعانة بالتصوير الجوي أول مرة. ثم قام لاحقاً عام 1934م ماكس مالوان Max Mallowan بمسوحات متعددة في الخابور الأعلى وبدأ العمل في تل براك وشغر بازار. وبعد التطور في مجال علم الآثار والعلوم المساعدة قام فرانك هول F.Holl عام 1986م من جامعة يال بمسوحات في الخابور الأعلى وأجرى تنقيبات محدودة في الخابور الأدنى ، وتابع العمل بمسح أثري مكثف عام 1994 - 1995م في محيط جبل عبد العزيز وتم تسجيل 300 موقع من مختلف العصور. كما قامت بيرتيل ليونيه B. Lyonnet بمسح أثري في الخابور الأعلى وبتصنيف للفخار الإسلامي خاصة. وركز هارتموت كونه Hartmut Kuhne على مسح الخابور الأدنى وذلك في عمليات إنقاذ قبيل إنشاء السد. كما قام مونشامبيه Monchambert بمسح للمنطقة العليا من الخابور الأدنى.

تاريخ الاستيطان

كشفت التحريات الأثرية الاستيطان المتواصل والمكثف في منطقة الخابور، وبينت أيضاً قدمها وأنها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، فقد عثر على موقعين يعودان إلى العصر الحجري القديم الأدنى في حوض الخابور الأعلى؛ وهما: موقع الراشو ويقع نحو 12كم شرق رأس العين وكشف فيه عن فؤوس حجرية وأدوات حجرية ليست لفلوازية Levallois. أما الموقع الثاني فهو خربة القادر جنوب تل تمر نحو 10كم، وعثر فيه على فؤوس حجرية صغيرة. وكلا الموقعين يعودان إلى نهاية العصر الحجري القديم الأدنى Lower Paleolithic. كما كان هناك دلائل أكثر على استيطان العصر الحجري القديم الأوسط Middle P.؛ إذ تم إحصاء عشرة مواقع يُذكر منها موقع مناكي Menaake ويبعد 1كم جنوبي خربة القادر، وموقع تل بقر الذي يبعد ١٠كم جنوب غربي الدرباسية وضم نوى وأدوات لفلوازية، وهي مشابهة لأدوات موقع الطابون B-C في فلسطين. وهناك تل المتسلم وتل خانيكي وغيرها.

أما مواقع العصر الحجري القديم الأعلى Upper P. فلم يعثر على دلائل عليها، ولكن ربما تحمل التحريات القادمة دلائل أخرى، في حين كانت مواقع العصر الحجري الحديث Neolithicملحوظة وعثر على عدة مواقع منها سكر الأحيمر وتل فيدا وتل الفخيرية. وقد كانت مواقع العصر الحجري الحديث الفخاري Pottery N. أكثف من سابقتها، وعثر على أربعة عشر موقعاً أهمها تل كشكشوك II وتل الرحيقي وتل شيخنه وتل كنيكه. ويمكن ملاحظة توسع المواقع في هذه الفترة كما في تل المتسلم وتل شغر بازار وأم مسامير وتل بقر، والموقع الأخير يرجح أنه محطة صيد لكونه معزولاً.

يعد موقع تل حلف الموقع النموذجي الذي أسس لثقافة حلف (خلال العصر الحجري النحاسي Chalcolithic)، وكان الفخار المكتشف العامل الأهم في تحديد هذه الثقافة. ودلت مواقع أخرى مثل تل زيادة وأم قصير وتل خزنة على استيطان من عصر عبيد.

كما كشف عن مواقع تعود إلى فترة أوروك (نهاية الألف الرابع قبل الميلاد) ولها صلات واضحة مع مواقع معاصرة من جنوبي بلاد الرافدين، وكانت تتميز بفخار الزبادي مشطوفة الشفاه beveled- rim bowl.

أما استيطان العصور التاريخية فقد كان الأكثر كثافة في منطقة الخابور، وقد ورد ذكر اسم نهر الخابور في النصوص القديمة ليّعد عماد استقرارها الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، ففي اسم ثنائي لآلهة من آشور ذكر اسم نهر الخابور، أما اسم «خابوريتُ» Haburitum فهو اسم مقرّ لأربعة عشر إلهاً. وذكر اسم سيد نهر الخابور lugal- hu-bur في لائحة آلهة العالم السفلي. كما ورد في مجمع آلهة سلالة أور الثالثة اسم ربة نهر الخابور ha-bu-ri-tum إلى جانب دجن و»مالكُ» Malkum وكان يسمح لها أن تمد نفوذها مع دجن حتى جنوبي الفرات. وقد استمر استخدام صيغة اسم الخابور حتى هذا اليوم.

رسم لفخاريات متنوعة من الخابور

وتبرز النصوص في ماري أهمية نهر الخابور في التبادل التجاري بين الشمال والجنوب مثل الدور الذي أدَّاه نهر الفرات، ولهذا قام «زمري لم» ملك ماري بإخضاع الممالك الشمالية الصغيرة الواقعة في الخابور الأعلى الغربي ومنطقة ما بين النهرين، وهناك رسالة موجهة من حاكم «ساغارات» إلى «زمري لم» يخبره فيها أنه على إثر الفيضانات فقد اضطر إلى استخدام السد القديم، وأنه هو نفسه قبل أن يصبح حاكماً أوصى ببناء سد جديد، غير أن مشروعه لم يخرج إلى حيز التنفيذ. وأيضاً هناك ما يفيد بوجود ثلاثة سدود متعاقبة مع جسر يمتد على مجرى الخابور الأدنى.

تم الكشف عن قناة تصل من المجرى الأدنى للخابور وتنتهي عند نهر الفرات بالقرب من باغوز ممتدة مسافة كيلومتر واحد، وربما تكون من أجل الري، ونظراً لعرضها الذي يزيد على عشرين متراً يمكن ترجيح استعمالها للملاحة، وهذا ما يؤكد الدور المهم للخابور في التجارة والتواصل مع الجنوب.

وبعد فترة أوروك ميز الباحثون فجوة في الاستيطان بداية الألف الثالث قبل الميلاد، وقد تشكلت أول التجمعات السياسية المعقدة في منطقة الخابور أكثر منها امتداداً لتأثير أوروك من الجنوب الرافديني- كما في موقع تل ليلان منتصف الألف الثالث قبل الميلاد- وقد امتهنت الزراعة البعلية. وتتميز بفخار ملون محزز يدعى فخار نينوى V وانتشر في القسم الشرقي من الخابور حتى نهر دجلة شمالاً، في حين انتشر خلال النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد فخار معدني حجري في غربي حوض الخابور وما وراءه. والملاحظ خلال هذه الفترة ازدياد عدد المستوطنات وأحجامها، ونشأت مستوطنات مهمة مثل تل خويرة وتل بيدر التي كانت تدعى التلال الأكليلية نظراً لشكلها. ومع نهاية الفترة الأكادية حصل تذبذب مناخي استمر عدة قرون.

أما تلال منطقة الخابور الأدنى خلال هذه الفترة فقد كانت تتميز بأنها مراكز تخزين للحبوب، وهذا ما كشفته التحريات في تل الرقاعي وتل عتيج وتل كرما وتل زيادة، ووظيفتها الأساسية هي توريد الحبوب إلى ماري. ولوحظ استيطان من الفترة الأكادية في مواقع مثل تل براك وليلان وبيدر.

ومع بداية الألف الثاني تشير الوثائق إلى معلومات كثيرة عن منطقة الخابور تم ذكر بعضها أعلاه، وأن المنطقة أصبحت تحت نفوذ مملكة يمحاض بعد نهاية مملكة ماري. ويعرف فخار هذه الفترة بفخار الخابور، وهو أوانٍ ملونة أول ما تعرف عليها مالوان في موقع شغر بازار. ومع تزايد النفوذ الحوري خلال هذه الفترة يُشاهد أحد أهم مراكزها في تل موزان (أوركيش القديمة) وكانت تسمى منطقة الجزيرة باسم «شوبارتو» وهو مصطلح جغرافي معناه «بلاد الشمال» وما لبث الحوريون في النصف الثاني من الألف الثاني أن سيطروا على مملكة ميتاني في شمالي الرافدين وسورية وعاصمتها واشوكاني (من المرجح أنها تل فخيرية حالياً)، ومع انهيار ميتاني أمام الحثيين في القرن الرابع عشر كان النفود الآشوري في هذه الفترة في تصاعد وكانت الامبراطورية الآشورية الوسطى في توسعها، وقد أطلق الآشوريون على منطقة مثلث الجزيرة اسم «خانيكلبات»Hanigalbat ، ووقعت منطقة الخابور تحت سيطرة الآشوريين خلال توسع أدد- نيراري الأول الذي هزم شاتورا الثاني Sattuara ملك ميتاني والذي أبقى عليه على حكم خانيكلبات تابعاً له. ولاحقاً كان عليه أن يقاتل واساشاتا Wasašatta حاكم خانيكلبات، وبعد انتصاره في إريتي استولى أدد- نيراري على مدن عديدة في منطقة الخابور مثل: أماساكي وكحت ونابولا وحرّا و»شدوخُ» وواشوكاني (عاصمة ميتاني) . ولاحقاً بعد فترة ضعف للنفوذ الآشوري سيطر شلمنصر الأول على منطقة الخابور سيطرة مباشرة واستمرت السيطرة خلال حكم توكولتي نينورتا الأول، وبعده لم تعد السيطرة الآشورية قوية وأصبحت السيطرة إدارية وعدّت منطقة الخابور جزءاً من خانيكلبات، وما لبثت أن أصبحت خلال حكم توكولتي نينورتا آشور خارج سيطرتهم؛ مع العلم أن بعض المدن بقيت تحت سيطرة مباشرة من الآشوريين كما أشارت النصوص المكتشفة في مواقع مثل سوتو Sutu و»طاباتَ» (تل طابان) وتل أماساكي في الشمال الشرقي.

سيطر تيجلات- بلاصر الأول على منطقة الخابور مجدداً ولكن كان على خليفته آشور-بيل – كالا أن يقاتل الآراميين في باوزا نابولا وميغريسِ ودور كاتليمو (تل الشيخ حمد في الوقت الحالي).

وتقلص النفوذ الآشوري في منطقة الخابور مقابل توسع الآراميين وتأسيسهم لمدن محدودة، وتأسست بيت بحياني ومركزها «جوزانَ» (تل حلف) وتل فخيرية التي كشف فيها عن تمثال هد يسعي. ومع بداية الدولة الآشورية الحديثة خلال حكم أدد- نيراري الثاني تغير الوضع فسيطر الآشوريون على المنطقة وأخذوا الهبات والجزية من بيت خلوبي Bit-halupe في منطقة الخابور الأدنى؛ ومن مراكز محددة في منطقة الخابور الأعلى. وأبقى الآشوريون على الحكام الآراميين مع استثناء شاديكاني (تل عجاجة في الوقت الحالي) التي حكمت من قبل حكام كهنة مثل بيل- إيريش Bel-ereš في فترة حكم الملك الآشوري أشور- رابي Aššur-rabi II II (1013 - 973 ق.م). أنشأ الآشوريون في مراكزهم قنوات للري نظراً لحاجة المزروعات إلى الري.

وخلال الفترة الرومانية كان الخابور الأعلى حدودياً بين الرومان والبارثيين والساسانيين، وكان نهر الجغجغ يدعى في الفترة الرومانية باسم ميكدونيوس، وبعدها باسم ساوكوراس، أما المصارد العربية فقد أوردته باسم «بالهرماس».

أما في الفترة البيزنطية فقد كانت منطقة الخابور تضم بعض المراكز المهمة مثل نصيبين وديار بكر ودارا.

الفخار في منطقة الخابور

كان الفخار مميزاً لعصور مختلفة منذ العصر الحجري الحديث الفخاري كما في مواقع تل كشكشوك II وتل بقر وتل المتسلم وشغربازار، وهو فخار بدائي مصنوع باليد وخشن، ومع دخول العصر الحجري النحاسي وفترة حلف لوحظ أن الفخار الحلفي قد عثر عليه أول مرة في موقع تل حلف وقد أخذ التسمية منه، وهو فخار صنعت أوانيه الملونة من الطين الناعم الجيد وكانت مشوية بالأفران المخصصة لهذه الغاية، وصبغت بألوان تتفاوت من الأبيض الكريم ومن الأحمر إلى البني وهو ما يطلق عليه اصطلاحاً polychrome، وزخرفت بألوان فاتحة على خلفية غامقة، ورسمت فيها أشكال هندسية جديدة كالخطوط المتقاطعة، كما لوحظ استخدام واضح لأشكال رؤوس الثيران التي أضحت ميزة هذه الفترة. وقد عثر في موقع تل حلف على نماذج كثيرة من هذه الفترة، وكذلك من مواقع شغر بازار وكشكشوك I وخزنة II في الجزيرة السورية. ويعد موقع أم قصير أحد أهم المواقع من خلال التنوع الكبير في الأواني الفخارية، وكذلك مواقع شمس الدين وخربة الشنف وصبي أبيض ودامشلية على ضفاف نهر البليخ.

وقد بينت التحاليل المخبرية لعجينة الفخار في موقع شغربازار أن العجينة مجلوبة من وادي دار المجانب للموقع، وتبين أن المواقع الحلفية الأخرى مثل تل عقاب وتل عمبرا قد استقدمت الفخار من موقع شغربازار- مثل الطاسات والجرار الملونة- الذي يعود إلى فترة حلف المتأخر، وهذا يدل على أن تجارة الفخار خلال العصر الحلفي كانت رائجة حينها.

وعرفت منطقة الخابور فخار فترة عبيد التي أنتجت في مراحله الباكرة أنواعاً فاخرة ذات لون واحد ومزخرفة بخطوط هندسية، وفي مرحلة متقدمة أنتجت أشكالاً جديدة مثل الأباريق الدائرية ذات المثاعب والتي تسمى الأواني السلحفائية. ومع نهاية الفترة العبيدية تراجع الفخار الملون وأصبحت أنواعه عادية وزخارفه هندسية بسيطة كما في موقع كشكشوك وأنتجت منه كميات أكبر بفضل استخدام الدولاب السريع .

   
أوانٍ فخارية متنوعة من الخابور

ومع نهاية مرحلة أوروك (نهاية الألف الرابع) انتشر في كل أنحاء منطقة الخابور فخار الزبادي المشطوفة الشفاه beveled-rim bowl، وهو معروف في جنوبي بلاد الرافدين.

أما في الألف الثالث قبل الميلاد فقد انتشرت آنية نينوى V، وهي نماذج ملونة ومحززة عثر عليها أولاً في القسم الشرقي من الخابور الأعلى في مواقع مثل شغر بازار، وضمت أكواباً وجراراً وطاسات بعضها حمل رسوماً لطيور وأشكالاً هندسية. أما في العصر الأكادي فقد انتشرت الآنية السوداء ذات الرنين المعدني/الحجري على نحو رئيس في غربي الخابور.

وإبان النصف الأول للألف الثاني انتشرت آنية بالجزيرة وجوارها اصطلح على تسميتها «آنية الخابور» ويعدّ ملوان الذي عثر على كسر آنية وآنية فخارية تختلف عن غيرها بزخارفها وأشكالها خلال تحريه الأثري في تلي براك وشغر بازار وغيرها من تلال الجزيرة أول من أطلق هذا الاسم فتبناه الباحثون. وقد استُخدم في زخرفتها من الألوان الأسود أو البني أو الأحمر مع مشتقاتها، وزخارفها على الجسم خطوط تحزم الوعاء عريضة وضيقة و تحصر بينها أشكالاً هندسية متنوعة. وهي صنفان: قديم ويحوي جراراً وقدوراً وحققاً وقصاعاً تدل أشكالها ومادتها الطينية وألوانها على قدمها، وحديث شبيه بفخار نوزي.

أما في الألف الأول قبل الميلاد فقد كان الفخار المستخدم من نوع بسيط plain.

عمار عبد الرحمن

 

مراجع للاستزادة:

-فان لير ولوفريه، «الخابور» الحوليات الأثرية العربية السورية مج 4 - 5، 1954-1955، ص.153.

- T. J. Wilkinson, Recent Archaeological Surveys in Northern Syria, in AAAS 45-46 (2002-2003), pp. 21-29.

-Katleen Deckers and S. Riehl, Resource exploitation of the upper Khabur basin (NE Syria) during the third millennium BC., in Paléorient Vol. 34 N2, (2008), pp.173-189.

-Yoshihiro Nishiaki, Preliminary results of the prehistoric survey in the Khabur Basin, Syria: 1990-1991 seasons, in Paléorient Vol. 18 N.1, (1992), p.98 .

-Aris Politopoulos, From Mitanni to Middle Assyrians: Changes in Settlement Patterns and Agriculture in the Land of Hanigalbat, University of Leiden, Faculty of Archaeology 2012.


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1056
الكل : 58492582
اليوم : 65096