logo

logo

logo

logo

logo

حينه (موقع-)

حينه (موقع)

Hineh -

 حينة

حينة (موقع -)

استيطان العصر البرونزي الوسيط

استيطان العصر الروماني

المعبد

المدافن

العصر البيزنطي

 

 

تقع بلدة حينة Hineh على السفوح الجنوبية الشرقية لجبل الشيخ على ارتفاع ١١٠٠م، وتبعد عن دمشق نحو ٤٧ كم باتجاه الغرب، وهي تستند إلى تل طبيعي بركاني تغطيه بقايا ومعالم أثرية تعود إلى العصور القديمة، أهمها الرومانية والبيزنطية والإسلامية. كما ينتشر في داخل البلدة ومحيطها الكثير من المنشآت والمعاصر والكهوف والعناصر المعمارية والمدافن المبنية أو المنحوتة في الصخر. وهناك العديد من النقوش الحجرية المكتوبة باليونانية واللاتينية والنقوش العربية المبكرة.

أجرت المديرية العامة للآثار والمتاحف العديد من مواسم التنقيب والمسح الأثري في البلدة ومحيطها بدءاً من عام ٢٠٠٣ حتى ٢٠١١ برئاسة محمود حمود، وتوصلت إلى أن السكن الأقدم فيها يرجع إلى بداية الألف الثاني ق.م، لكن أهم الفترات التي مرت عليها كانت خلال العصرين الروماني والبيزنطي، واستمر السكن فيها بلا انقطاع طوال العصور الإسلامية حتى العصر الحديث.

استيطان العصر البرونزي الوسيط:

جاءت مكتشفات هذا العصر من تل الكروم الذي لا يبعد أكثر من ٣٠٠م عن تل حينة من جهة الشرق؛ إذ عثر في جزئه الأعلى على مدفنين جماعيين مهدمين يعودان إلى هذا العصر؛ وتحديداً إلى الفترة الواقعة بين ١٨٠٠ و ١٧٥٠ق.م.

المدفنان من النوع البئري الذي شاع وجوده في تلك الفترة التاريخية، ووجدا تحت سوية تحتوي على قبور وتوابيت تعود إلى العصر الروماني، أدى حفرهما إلى إلحاق الأذى بهذين المدفنين، وتهدم سقفهما على ما يحتويانه من أثاث جنائزي وهياكل عظمية.

وقد تبين أن المدفنين قد استخدما للدفن خلال فترة طويلة نسبياً، ويمكن أن يكون كل مدفن يخص عائلة أو عشيرة بعينها. عثر في المدفنين على العديد من الهياكل العظمية المتناثرة التي تعود إلى أطفال وبالغين من الجنسين بوضعيات مختلفة، كما عثر على بعض اللقى المعدنية كالفؤوس والمشابك، وعشرات الأواني الفخارية المميزة جداً كان من بينها بعض الأواني الطقسية الصغيرة الحلقية الشكل؛ علاوة على جرار لبعضها ثلاث قوائم على شكل العروة، وهناك الصحون والزبادي والطاسات والأكواب والقوارير وأباريق الزيت السورية والتي يحمل الكثير منها زخارف جميلة رائعة رسمت على شكل خطوط باللونين الأسود والبني الضارب للحمرة. كما وجدت أباريق تذكّر بفخار تل اليهودية في مصر والمشابه لفخار الساحل السوري ومواقع أخرى في سورية وفلسطين والأردن.

منظر عام لحينة

استيطان العصر الروماني:

هناك الكثير من المنشآت والعناصر المعمارية المنتشرة في كل مكان من القرية ومحيطها العائدة إلى هذا العصر، من ضمنها قواعد وتيجان أعمدة وأجزاء منها ومذابح وسواكف وتوابيت وأجران وحجارة منحوتة، بيد أن أهم الأبنية التي تعود إلى هذا العصر:

المعبد:

على الرغم من أنه غير واضح المعالم بسبب تموضعه تحت بيوت سكان البلدة الحالية؛ فإنه كان بناءً ضخماً كما يظهر من منصته (البوديوم Podium) التي بقي جزؤها الشرقي بطول يقارب ٤٠م، كما بقي جزء كبير من الأرضية المرصوفة بحجارة كبيرة الحجم. ويوجد نقش كتابي على جداره الخارجي يشير إلى أن حاكم سورية الروماني بوبليوس هيلفيوس برتيناكس Publius Helvius Pertinax في الفترة بين ١٧٩ و١٨٢م (أصبح امبراطوراً للدولة الرومانية بين شهري كانون الأول/ديسمبر وآذار/مارس من عام ١٩٣م)؛ «أمر ببناء سور المعبد الخارجي»، وهذا يدل على أن بناء هذا المعبد يرجع إلى ما قبل هذا التاريخ.

علاوة على هذا المعبد هناك الكثير من المنشآت المنحوتة في الصخر، ومنها عدد كبير من معاصر الزيتون والعنب والبيوت السكنية والمدافن مختلفة الأشكال والأحجام ومقالع الحجارة وغيرها. وإلى الشرق من البلدة بمسافة لا تزيد على ٢كم، هناك موقع تغطيه الصخور البازلتية التي نقش على بعضها عشرات النصوص والرسوم التي يعتقد أنها تعود إلى العصر الأموي والفترة السابقة له.

المعبد

المدافن:

تم الكشف عن مجموعة من المدافن بنماذج متعددة: منها ما هو منحوت في الصخر، ومنها التوابيت المصنعة من الحجر الكلسي بأغطيتها، وهناك المدافن المبنية بالحجارة العادية، وهي أكثر انتشاراً، وتم الكشف عن العشرات منها. وقد جرى تنقيب ثلاثة قبور متجاورة ومتوازية ومتشابهة من حيث الشكل والمحتويات في الجهة الجنوبية الشرقية من تل حينة، يبعد أحدها عن الآخر بحدود ٢٥٠سم. اتجاهها شمال جنوب بنيت جدرانها من الحجارة الكلسية المشذبة؛ أبعادها متقاربة وهي بحدود ٢٢٠×٩٠×١٠٠سم. حالات الدفن فيها فردية لنساء بالغات وضعت الجثة مستلقيةً على الظهر، الرأس في الشمال، والأقدام في الجنوب. عثر فيها على عدد من الأواني الزجاجية والفخارية مختلفة الأحجام والأشكال، يحمل بعضها زخارف مختلفة وجميلة، منها الكؤوس والمدامع والقوارير والمباخر؛ إضافة إلى بعض قطع الحلي كالحلق والأقراط والأطواق والأساور والخواتم والخرز وبكل الأحزمة وفلك المغازل. وقد تم صناعة هذه اللقى من مواد مختلفة، منها المعدن كالذهب والحديد، ومنها الزجاج، والخشب، والحجر، والعظم، والعاج. وضعت المرفقات على يمين رأس الميت وعند أقدامه من الجهتين. وقد تميز أحد القبور بوجود لقية نادرة؛ وهي الجزء الأسفل من حذاء مصنع من الحديد والجلد، يشابه ما عثر عليه في أحد المدافن الرومانية الواقعة في بلدة الطيبة بمنطقة الكسوة، وكشف عنه علي أبو عساف خلال ستينيات القرن الماضي.

مسقط مدفن جماعي

عثر في تل الكروم المجاور على عدد من القبور احتوت أحياناً بعض الأثاث الجنائزي، ومنها كؤوس زجاجية؛ لكنها لم تترافق مع وجود هياكل عظمية، بل مع بعض البقايا العظمية والرماد، مما يشير إلى ممارسة عادة حرق الجثث في المنطقة، وهي ممارسة عرفت في بعض المواقع السورية منذ الألف الثاني ق.م حتى العصر الروماني وإن على نحو قليل ونادر.

تم العثور على أكثر من شاهدة قبر، أهمها اثنتان يرجع تاريخ الأولى (أبعادها ١١٠×٣٦سم) إلى القرن الثالث للميلاد، وتحمل كتابة يونانية مؤلفة من خمسة أسطر، مضمونها «تشجع يا باريكبيلوس، ليس هناك من أحد خالد». أما الثانية (أبعادها ٩٢×٣٣)؛ فيرجع تاريخها إلى عام ١٨٦م، وتحمل نقشاً يتضمن «هنا أستريح، اسمي أغريبينوس بن أمارورس توفيت باكراً جداً عندما كان عمري ٢٢ عاماً، كنت يتيماً ربتني جدتي وأعمامي».

 
أوانٍ فخارية من موقع حينة كؤوس من حينة  

توجد إلى الغرب من البلدة مقبرة تعود إلى العصر الروماني ما زال الأهالي يستخدمونها لدفن موتاهم حتى الآن، تشير فخامتها إلى أنها كانت مخصصة للأغنياء حيث نحتت معظم مدافنها في الصخر. وهي ذات أشكال ونماذج متنوعة: فردية، ونواويس جماعية أبوابها في سقفها أو في جدرانها، على واجهة أحدها تمثالان نصفيان ونقش يوناني يذكر أحد الأشخاص اسمه «أرخيلاوس».

العصر البيزنطي:

في البلدة الكثير من الشواهد الأثرية التي تعود إلى هذا العصر، منها مجموعة المنازل التي تم الكشف عنها مؤخراً في تل الكروم، وتتوسطها منشأة اقتصادية تتكون من عدة معاصر للزيتون والعنب، ورصفت أرضيتها بالحجارة، لكن أكثر الاكتشافات أهمية خلال هذه المرحلة هي المدافن الجماعية التي يخص كل منها عائلة بعينها، ومن نماذجها:

١ـ مدفن على شكل غرفة مستطيلة صغيرة الحجم ٣٧٥×٢٥٠×١٧٥سم، اكتشف بجوار المبنى البلدي، بني بحجارة بازلتية وكلسية منحوتة، يتم النزول إليه عبر درج يصل إلى المدخل، ثم بهو يتقدم ستة قبور (في كل طابق ثلاثة منها)، متوضعة في الواجهة الداخلية، احتوت القبور على بعض العظام المبعثرة وبعض المرفقات الجنائزية التي ترجع إلى القرنين الخامس والسادس للميلاد، منها بعض الأواني الفخارية والمسارج المزخرفة والحلي كالخرز والأساور المعدنية والزجاجية، وهناك بكل الأحزمة والأبازيم، والأجراس وبعض القطع النقدية، وفلك مغازل للحياكة.

٢ـ مدفن له شكل القبر العادي وجد على السفح الجنوبي لتل حينة، وهو مبني بالحجارة الكلسية والبازلتية ومغطى بألواح من الحجارة البازلتية، يبلغ ارتفاعه ١٨٥سم وطوله ٢١٠سم غرب شرق، وعرضه يصل لـ١٠٠سم من الأسفل، احتوى على ما يزيد على الثلاثين هيكلاً عظمياً أو بقايا هيكل لنساء وأطفال ورجال بالغين، سجيت على الظهر فوق بعضها وأحياناً في المستوى الواحد بجانب بعضها، وفي مستويات أخرى تم جمع عظام المتوفين سابقاً في إحدى زوايا القبر لوضع الميت الجديد، وغالباً ما وضعت طبقة رقيقة من التراب بين كل مستوى وآخر.

عثر على بعض المرفقات الجنائزية داخل هذا المدفن من ضمنها بعض الحلي كالأساور والخرز والخواتم، صنع أغلبها من البرونز والزجاج؛ علاوة على المسارج الفخارية والأجراس البرونزية وغيرها من اللقى التي يرجع تاريخها إلى القرنين الخامس والسادس للميلاد.

٣ـ مدفن مؤلف من غرفة يتقدمها ممر عثر عليه في تل الكروم اكتشف عام ٢٠٠٨م، وتبين أنه تعرض للتخريب والنهب، بُني من الحجارة الكلسية والبازلتية، طوله مع المدخل ٦م، وعرضه من الغرب للشرق ٦.٧٥م ارتفاعه حتى أعلى السقف قرابة ٢م. مدخله ينفتح نحو الشمال، يليه ممر قصير يؤدي إلى مدخل آخر، ثم حجرة الدفن لها بهو أبعاده ٢٠٠×١٧٥سم، أرضيته مشغولة بطبقة من الطينة الكلسية نقشت عليها بعض الرسوم الهندسية. يحتوي المدفن على ١٥ قبراً تتوزع على طابقين تحيط بالحجرة من جهاتها الثلاث.

عثر في بهوه على إبريق من الفخار وآخر من الزجاج زخارفهما متشابهة، وما يقارب الخمسين من المسارج الفخارية التي كان يستخدمها زوار المدفن في بعض المناسبات. ومن المعروف اهتمام رجال العقيدة المسيحية بالمسارج؛ لأنها ترمز إلى النور الخالد الذي تطلبه الكنيسة للمتوفى، كما ترمز إلى المجد الذي ينعم به القديسون في رحاب الخالق العظيم؛ لكون النور أحد عناصر السعادة السماوية، ولهذا كان للمسارج دور كبير في التقاليد الجنائزية حتى إنها عُدّت من أثاث المتوفى، فوضعت في قبره أو في أحد النوافذ أو الكوى الصغيرة.

تُعدّ طريقة بناء هذا المدفن فريدة من نوعها في منطقة دمشق، وهي تتشابه مع مدافن منطقة زاكية والطيبة في جنوب دمشق ومنطقة الجولان وفلسطين والأردن، لكن تقنية بنائها جميعاً تذكر بالمدافن الساحلية - وخاصة في عمريت – مع أن هذه تسبق مدفن حينة بعدة قرون.

 

بينت دراسة المسارج أنها تتكون من ثلاث مجموعات يعود أقدمها إلى أواخر العصر البيزنطي (القرنين السادس والسابع)، ومجموعة تعود إلى العصر الأموي، ومجموعة ثالثة تعود إلى بداية العصر العباسي. وهذا يعني أن هذا المدفن الذي ربما كان يخص عائلة بعينها تدين بالمسيحية ظل مستخدماً للدفن مدة زادت على ثلاثمئة سنة في ظل حكم أكثر من نظام سياسي بيزنطي وأموي وعباسي.

أخيراً، تشير الأبنية والمعالم الأثرية في بلدة حينة - ولاسيّما المدافن بكثافتها وأنواعها وما احتوته من أثاث جنائزي – إلى حالة من الاستقرار الاجتماعي والسياسي التي شهدتها المنطقة خلال بعض الفترات التاريخية، ترافقت مع حالة من النشاط الاقتصادي المتنوع - التجاري والصناعي والزراعي والرعوي – أثمر مستوى مرتفعاً من الثراء المادي لدى السكان وصل إلى أرقى مراحله خلال العصرين الروماني والبيزنطي حيث أضحت البلدة مركزاً كبيراً ومهماً لكل منطقة الحرمون.

مسارج من حينة

محمود حمود

 

مراجع للاستزادة:

ـ محمود حمود، «من كنوز مدافن حينة ١و٢»، مهد الحضارات، العدد ٦/٧ و٨/٩، دمشق ٢٠٠٨ و ٢٠٠٩.

ـ إبراهيم عميري، المدافن والطقوس الجنائزية في العصور الكلاسيكية في ريف دمشق (دمشق ٢٠١٣).

-J. Aliquot, Inscriptions grecques et latines de Syrie (Mont Hermon: Liban et Syrie), IFPO, (Beyrouth, 2008).


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1047
الكل : 58491482
اليوم : 63996