logo

logo

logo

logo

logo

البرونزي (العصر-)

برونزي (عصر)

Bronze (Period) - Bronze (L'âge du)

البرونزي (العصر -)

نائل حنون

العصر البرونزي القديم

العصر البرونزي الوسيط

العصر البرونزي الحديث

 

يأتي العصر البرونزي  Bronze Age ثانياً في «نظام العصور الثلاثة» المتبع في تقسيم تاريخ الحضارات القديمة. وهذه العصور هي الحجري والبرونزي والحديدي بحسب المادة المستعملة في صنع الأدوات. وكان أول من وضع هذا النظام كريستيان تومسن Christian THomsen  في 1816- 1819م لغرض تصنيف مجموعات المواد الأثرية في متحف الدنمارك الوطني. وعلى الرغم من أن تومسن وضع نظام التقسيم هذا بناءً على قناعة خاطئة تقول: إن المواد الثلاث استعملت بالتتابع؛ إذ لم يكن الحجر في الاستعمال حين توافر البرونز، وكذلك الحال للأخير حين توافر الحديد؛ وجد أنه أنسب تقسيم بعد أن وضعت له قواعد محكمة قسمت بموجبها عصوره الثلاثة إلى عصور ثانوية وأدوار، وأدخل فيه العصر الحجري- النحاسي بين العصرين الحجري والبرونزي. وأصبحت تسمية العصور بحسب هذا التقسيم مصطلحات فنية نظرية لا تعبر عن التغير التقني؛ إذ بات مفروغاً من أن استعمال الحجر والبرونز والحديد لم يقتصر على العصر المسمى باسم كل مادة.

يقسم العصر البرونزي إلى ثلاثة عصور ثانوية مبكر ووسيط ومتأخر؛ أو قديم ووسيط وحديث. وكل من هذه العصور الثانوية قسم إلى أدوار أو مراحل. على أن تسمية العصر البرونزي وتقسيماته- وكذلك العصر الحديدي- لم تشمل جميع مناطق الشرق الأدنى؛ وإنما اقتصرت على الغرب السوري وبلاد الأناضول. أما في بلاد الرافدين وبلاد فارس؛ فتُميز العصور القديمة بثقافات تحمل أسماء المواقع الأولى التي وجدت آثارها فيها مثل حلف والعبيد وأوروك، والعصر شبه العيلامي والعيلامي القديم والوسيط في بلاد فارس. حتى في بلاد الأناضول يسمى جزء من العصر البرونزي الوسيط باسم المملكة الحثية القديمة، ويطابق العصر البرونزي الحديث عصر الامبراطورية الحثية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عدداً من الباحثين يتبعون غوردن تشايلد  Gordon Childe في وصفه لمطلع العصر البرونزي بأنه «الثورة المدنية» urban revolution في مقابل «الثورة الزراعية» التي نسبت إلى العصر الحجري الحديث.

العصر البرونزي القديم:

لم يبتدئ العصر البرونزي القديم (أو المبكر) في كل المناطق بتاريخ واحد. ففي حين أنه ابتدأ في الغرب السوري في نحو 3600ق.م - بحسب أحدث الدراسات- كانت بدايته في بلاد الأناضول بعد ذلك التاريخ بنحو قرنين من الزمان. وكانت نهاية هذا العصر في سورية في نحو 2000ق.م، ودام في بلاد الأناضول حتى قيام المملكة الحثية القديمة في نحو 1650ق.م. يقابل هذا العصر في بلاد الرافدين أواخر دور أوروك القديم وأوروك المتأخر وعصر جمدة نصر وعصر فجر السلالات والدولة الأكادية وسلالة أور الثالثة. ويقسم العصر البرونزي المبكر إلى أربع مراحل أو أدوات، هي: الأول (3600- 3000ق.م) والثاني (3000- 2800ق.م) والثالث (2800- 2450ق.م) والرابع أ (2450- 2300ق.م) والرابع ب (2300- 2000ق.م).

أوغاريت مدينة  من العصر البرونزي

في العصر السابق للعصر البرونزي القديم ابتدأ استعمال النحاس بشكله الأصلي مادة ثانية - نادرة الاستعمال- بعد الحجر في صناعة الأدوات؛ ولذلك سمي العصر الحجري- النحاسي. ثم اكتشف أن النحاس يمكن أن يمزج مع كميات أقل من معادن أخرى - أندر في وجودها من النحاس- مثل القصدير والزرنيخ والإثمد antimony بنسب تراوح من 7:1 إلى 10:1 لتكوين سبيكة البرونز. وقد لوحظ أن هذه السبيكة- خصوصاً مع القصدير- ليست مطواعة مثل النحاس فقط؛ وإنما قابلة للتكيف والانتزاع من القوالب أيضاً.

على الرغم من أن البرونز استعمل في تسمية هذا العصر- الذي يشهد مرحلة التطور إلى التمدن والانتقال إلى العصور التاريخية- لم يكن سوى عامل مساعد في هذا الانتقال الحضاري. كما أن الخصائص الحضارية للعصر لا تقتصر على البرونز بحد ذاته، وإنما تتقدم عليه عناصر أساسية أخرى. والسمة الأساسية الأولى للحضارة في هذا العصر هي نشوء المدن التي تتميز من القرى  بخاصيتين رئيستين؛ هما الأبنية البارزة monumental والتحصينات [ر]. وإذا كان هناك دور للبرونز؛ فهو أنه جعل تنفيذ الأولى ممكناً بتوافر الأدوات المناسبة، وحفز على إنشاء الثانية لمواجهة التهديد الذي مثلته الأسلحة البرونزية الجديدة التي هي أكثر كفاية من سابقاتها. وقد ثبت أن الخاصية الأولى كانت عنصر اجتذاب في زمن السلم؛ والثانية في زمن الحرب، وهذا ما أدى إلى زيادة الكثافة السكانية. ولم تكن هذه الزيادة على حساب الريف وإمكاناته الزراعية، بل على العكس يجد الباحثون أنها ساعدت على تكون هالة من الأراضي الزراعية تحيط بالمدينة، وتدار باقتدار من قبل ملاك تكمل لهم المدينة احتياجاتهم؛ أي إنه مع نشوء المدن وتزايد سكانها ازدهرت الزراعة، وأخذت تعيل قرويين أكثر. ولما كان النمو السكاني المصدر الأكثر ضماناً للنمو الاقتصادي؛ فقد صار السبب المباشر لظهور السمة الثانية للحضارة في العصر البرونزي القديم، وهي تراكم رأس المال. وهذه قادت بدورها إلى السمة الثالثة المتمثلة بابتكار الكتابة؛ ذلك أن هذا الابتكار كان أساساً استجابة للاحتياجات الاقتصادية. ومن المؤكد أن تراكم رأس المال حفز تصاعد التخصص الحرفي والمهني، وحرك ابتكار الكتابة التعليم؛ ليصل المجتمع إلى ما وراء حدود المجالات الاقتصادية لصياغة أولى السجلات التأريخية والنتاجات الأدبية.

يحذر الباحثون من فهم بداية العصر البرونزي القديم على أنها ظهور مفاجئ لتقنية البرونز؛ إذ إنه من الصعوبة تحديد تواريخ للمواد المعدنية، لكن يمكن القول: إن هذه التقنية لقيت انتشاراً واسعاً حين أدركت مزايا البرونز. كما أن المواقع الرئيسية التي اكتشفت فيها آثار هذا العصر لم تظهر تغيراً سكانياً مقترناً ببدايته. ومن هذه المواقع تبه كورا [ر] في شمالي العراق وتل براك [ر] في سورية. ولم يكن  نشوء المدن الأولى أمراً ملازماً للبدء في استعمال البرونز. ففي فلسطين أحرزت أريحا مواصفات المدينة قبل نهاية العصر الحجري بأمد، وتأخر نشوء المدن في سورية وبلاد الأناضول إلى ما بعد بدايات العصر البرونزي القديم.

يقترن العصر البرونزي القديم الأول في سورية مع دور أوروك [ر] الأخير الذي تظهر خلاله صلات حضارية وثيقة مع جنوبي وادي الرافدين. وتشمل العناصر المشتركة العمارة والفخار والمواد الأخرى سواء ذات الاستعمال اليومي أم الخاص. في بعض المواقع شكلت المواد المشتركة جزءاً من المخلفات المادية في حين غلب الطابع المحلي على بقية هذه المخلفات. وهذا الانتشار لثقافة دور أوروك الأخير لم يقتصر توثيقه على سورية فقط؛ ولكن أيضاً شمالي وادي الرافدين وجنوب- شرقي بلاد الأناضول وغربي إيران. وتتسق هذه الظاهرة الحضارية مع بروز المجتمعات المتمدنة المعقدة الأولى في جنوبي وادي الرافدين وفي الشرق الأدنى عموماً. فنتيجة لذلك التطور أخذ ما يسمى أحياناً «امتداد أوروك»  اسمه من الدور نفسه وكذلك من اسم أكبر مدن جنوبي وادي الرافدين الجديدة وأشهرها. وقد كشفت التنقيبات في وادي الفرات الأوسط في سورية عن سلسلة مواقع ذات ثقافة مادية تحمل خصائص رافدينية، ويظهر بعضها أدلة على أنها مواقع تأسست حديثاً في هذا العصر، وأوضحها حبوبة كبيرة وقناص [ر]. وعلى بعد 8كم شمال حبوبة كبيرة يوجد جبل عارودة، وهو الموقع الآخر من هذا العصر، وكان له دور المركز الإداري لمجموعة مواقع معاصرة موجودة في أسفل وادي النهر. ومن هذه المواقع تل الحاج وحديدي وشيخ حسن. ومن المواقع المهمة التي وجدت فيها آثار دور أوروك الأخير تل براك  الذي وجد أصلاً قبل هذا الدور بأمد طويل. وفي منطقة الخابور أيضاً وجدت آثار هذا الدور في تل بري  وتل غويران [ر].

في المرحلة التي أعقبت دور أوروك الأخير في سورية - خلال العصر البرونزي القديم- يمكن تمييز شواهد مجموعتين من الثقافة الأثرية المادية. الأولى محلية في الغرب، والثانية تمثل ثقافة نينوى 5 في منطقة الخابور شمال- شرقي سورية. قوام المجموعة الأولى فخار واسع الانتشار في غربي سورية مقترن بتوجهات محلية اجتماعية وسياسية بعيدة عن المركزية. بيد أن التسلسل الزمني النسبي هناك ما يزال غير مفهوم على نحو كامل. وقد بنيت التعاقبات الزمنية الأولية لهذه المرحلة على أساس المعلومات المستمدة من حفر جس عميقة في مواقع سهل العمق وحماة ومواقع الفرات الأوسط (شيوخ فوقاني وقرة قوزاق وتل أحمر وتل حديدي وحبوبة كبيرة الشمالي) ومن موقع حمام التركمان في وادي البليخ. والتاريخ المحدد لهذه المرحلة مقرر من فحوصات الكربون 14 فيما بين 3100 و2600/ 2500ق.م. ومثلما هو الحال في منطقة الخابور؛ استمر تصنيع الأختام الأسطوانية- التي دخلت أولاً في دور أوروك- مع صنع أختام مسطحة محلية استعملت في مواقع مثل تل الجديدة (في سهل العمق) وتل حلاوة (على الفرات الأوسط) وبعض مواقع حوض سد تشرين.

لقد أثبتت فحوصات الكربون 14 الخاصة بآثار المجموعة الثانية في حوض الخابور أن تاريخها يمتد من نحو 3100 إلى 2500ق.م، وتُعدّ تطوراً محلياً خلال هذه المرحلة. ولما كانت التنقيبات الأثرية في تل ليلان في منطقة الخابور كشفت عن أطول تسلسل طبقي لهذا العصر؛ فقد اتخذ من قبل بعض المختصين أساساً لوضع التسلسل الزمني في منطقة الجزيرة استناداً إليه. وبحسب هذا التسلسل عزيت الطبقة الثالثة في ليلان بأدوارها الثلاثة الأولى (III a-c) إلى عصر الجزيرة المبكر الأول (2900- 2700ق.م). والطبقة الثالثة بدورها الرابع ( III d) إلى عصر الجزيرة المبكر الثاني (2600ق.م)، والطبقة الثانية أ (II a) إلى عصر الجزيرة المبكر الثالث أ (2500ق.م)، والطبقة الثانية ب (II b) إلى عصر الجزيرة المبكر الثالث ب (2350- 2250ق.م)، ثم يأتي عصر الجزيرة المبكر الرابع (2200ق.م) والخامس (بعد 2100ق.م).

وفيما يخص عصر نينوى 5 فباستثناء العمارة العامة على المقياس الكبير في تل ليلان - من نهاية العصر- لا تلاحظ مجمعات قصور أو معابد ضخمة في مواقع هذا العصر. والمعابد المكتشفة من أواخر العصر في كل من مواقع شغار بازار وكشكوك 3 ورقاي وبراك هي أبنية صغيرة تتكون من غرفة منفردة مع دكة مذبح من اللبن. وفي منطقة الخابور الأوسط - جنوبي الحسكة- تم التنقيب في 12 موقعاً صغيراً من عصر نينوى 5. وهناك خمسة مواقع أثبتت التنقيبات أنها تأسست في أوائل الألف الثالث قبل الميلاد، ودامت السكنى فيها طوال عصر نينوى 5. وهذه المواقع هي: رقاي وعتيج وتنينير وبديري ومليبية [ر].

شهد منتصف الألف الثالث قبل الميلاد بزوغ مدن كبيرة ودول مقترنة بها في سورية. وتبرز في هذا المشهد المدينتان- المملكتان إيبلا (تل مرديخ) في الغرب وماري (تل الحريري) في الشرق. وفي منطقة الخابور قدمت مواقع مثل ليلان أفضل مثال مؤرخ عن التمدن بمساحة بلغت 100 هكتار في القرن السادس والعشرين قبل الميلاد. وغطت مراكز ثانوية - مثل حمام التركمان في وادي البليخ وتل بيدر في وادي الخابور- مساحات تبلغ نحو 15- 30 هكتاراً. مع وجود مدن في غربي سورية ووادي الفرات الأوسط والبليخ بمساحات من 50 أو 60 هكتاراً. وكشفت التنقيبات عن قصور من هذا العصر في مواقع البنات والكبير والبيعة وخويرة وبيدر فضلاً عن تلك المكتشفة في إيبلا وماري. وتظهر هذه القصور بأشكال مجمعات بمقياس كبير ينم عن السلطة السياسية والاقتصادية ذات الشأن. المعابد كانت عنصراً مشتركاً في المراكز المدنية مع التغاير الإقليمي. ففي ماري يظهر المعبد متعدد الغرف والمرافق في مقابل المعابد الصغيرة in antis في منطقة الفرات الأوسط. أما في جنوبي سورية فإن الدليل الأثري من هذا العصر متفرق، ويأتي من التنقيبات السورية في الممسخين (50كم شمال دمشق). وفي منطقة حوران- جنوب- شرقي دمشق- وجدت مجمعات سكنية مع أنظمة مائية بارزة. من أهم هذه المواقع التي درست على نحو مكثف خربة الامباشي [ر] التي حدد تاريخ السكن الرئيسي فيها، بفحوصات كربون 14 والعينات الفخارية، من نحو 2600- 1700ق.م.

رقم عليها كتابات مسمارية من إيبلا

تظهر المجموعات الفخارية في سورية- من منتصف الألف الثالث قبل الميلاد- دلائل واضحة على التخصص الحرفي والإنتاج المكثف والقياسية. وفي مجال استعمال المعادن حدث تصاعد على نحو لافت مع تقدم تقني كبير. وفي الوقت الذي بقي فيه النحاس الزرنيخي شائعاً تزايد استعمال البرونز القصديري في سورية وبلاد الرافدين. غير أن القرون الأخيرة من العصر البرونزي القديم شهدت دلائل على التوتر، أو حتى الانهيار. ففي منطقة الخابور هجرت مواقع عدة بعد انتهاء عصر الوجود الأكادي في سورية. ومن هذه المواقع التي هجرت في نحو 2200ق.م  تل ليلان والمواقع القريبة: خويرة وبيدر وأبو حجيرة وجميع مواقع الخابور الأوسط التي تم التنقيب فيها. ولم تستمر السكنى حينذاك سوى في تلي براك وموزان. وفي غربي سورية ظهر الدليل على تفكك المركزية في نحو 2000ق.م، وتعرضت مواقع للحرق والتدمير مثل تل مرديخ والسويحات والسلنكحية. وهجرت مواقع مثل تل أحمر وأم المرا وحمام التركمان وحديدي. ولم تكن هذه الظاهرة مقتصرة على سورية؛ وإنما شملت فلسطين ومصر وقبرص وبلاد الأناضول وأيجيا [ر]. وقد تجاوز عدد المواقع الأثرية التي نقب فيها؛ وضمت آثار من العصر البرونزي المبكر في سورية 73.

العصر البرونزي الوسيط:

عدّ الباحثون القرون الأربعة الأولى من الألف الثاني قبل الميلاد العصر البرونزي الوسيط، وقسموه إلى دورين يمتد الأول (MB I) من 2000 إلى 1800ق.م، والثاني (MB II) من 1800 إلى 1600ق.م. وقد بني تحديد هذا العصر على التغير الواضح في الثقافة المادية بين العصر البرونزي المبكر والوسيط. ويظهر فخار العصرين اختلافاً واضحاً في الشكل والزخارف وطريقة الصنع، وصارت للدمى الطينية أشكال جديدة. وفيما يخص مخططات البيوت والمدن حدثت تغييرات بارزة. ومن اللافت أن التنقيبات الأثرية في القصر القديم في إيبلا وفي مواقع الفرات الأوسط - مثل تلول البنات والكبير والسويحات وحديدي- وفرت أدلة على حدوث انتقال تدريجي في طراز الفخار بين الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد. وقدمت التنقيبات في قصر تل البيعة [ر] دليلاً مهماً على تعاقب الفخار في أوائل الألف الثاني ق.م.

يحدد الباحثون عدة عوامل تضافرت لكي تؤدي إلى الانتقال إلى العصر البرونزي الوسيط. من بين هذه العوامل محفزات اقتصادية أو سياسية مع بقاء إمكانات إدارية سابقة بمعيار أصغر؛ فضلاً عن تطورات تقنية وأحوال مناخية معتدلة. والعامل الأخير وراء هذا الانتقال هو عامل سكاني يتضح من خلال نصوص القرون الأولى  من الألف الثاني قبل الميلاد. ففي هذه النصوص تبرز أسماء ملوك أموريين حكموا في سورية وبلاد الرافدين. ولم يمض وقت طويل حتى كانت الصفة المميزة سياسياً لهذا العصر حكم سلالات أمورية في جميع الممالك من ساحل البحر المتوسط غرباً إلى جبال زاغروس شرقاً؛ وبضمن ذلك بلاد بابل وإشنونّا [ر] وبلاد آشور والجزيرة وماري وقطنا ويمخد وألالاخ. وبعد 1750ق.م قامت السلالة الأمورية في مصر السفلى حيث سمي حكامها «الهيكسوس» [ر]. ولقد ساعد اندماج الأموريين الكامل في المكون السكاني على إضفاء زخم ميز المساق الحضاري في المنطقة خلال هذا العصر، فكان هناك تطور كبير في شتى مجالات المعرفة والأدب فضلاً عن التقنيات والتنظيمات الإدارية.

وبحسب نصوص ماري قامت مملكة اسمها أبوم Apum في منطقة دمشق في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد. واكتشفت آثار العصر البرونزي الوسيط حديثاً في مواقع مثل تل سكّا (في الغوطة الشرقية)، دير خبية (في منطقة الكسوة جنوب دمشق)، ويبرود (شمال- شرق دمشق). وفي منطقة حوران في جنوبي سورية يرجح أن يكون تل الدبة مركزاً إقليمياً في هذا العصر، وهو ما ينطبق أيضاً على تل عشترة شمال درعا. وكشفت حفرة جس عميقة في بصرى عن آثار سكنى من هذا العصر في هذا الموقع الكلاسيكي المعروف.

العصر البرونزي الحديث:

استغرق العصر البرونزي الحديث القرون الأربعة الثانية من الألف الثاني قبل الميلاد (1600- 1200ق.م)، ويقسمه الباحثون إلى دورين: أول (1600- 1400ق.م)، وثانٍ (1400- 1200ق.م). ويأتي أوضح تعاقب أثري لهذا العصر  من تل العطشانة الذي تعود طبقاته الست  العليا إلى العصر البرونزي الحديث. وفي حماة تعود إليه الطبقة  G 1-3، وفي منطقة البليخ تعود إلى الدور الأول منه الطبقة الثامنة ب (VIII B) في موقع حمام التركمان؛ وإلى الدور الثاني موقع صبي أبيض. أما في منطقة الخابور؛ فيعود إليه القصر والمعبد من عصر ميتاني في تل براك والسكنى الآشورية الوسيطة في تل الشيخ حمد (دور- كتليمو قديماً). ومن المعروف أن هذا العصر هو عصر ازدهار أوغاريت وقصور راس ابن هاني؛ على ساحل البحر المتوسط، وإيمار (مسكنة حالياً) على الفرات الأوسط.

خرزة لازوردية ثمانية الأوجه من كنز أور

كانت سورية في هذا العصر تتوسط تعاقباً من القوى الامبراطورية التي عاشت حالات من العلاقات الدولية والتحالفات والمنافسات فيما بينها. وتشمل هذه القوى دول ميتاني ومصر والامبراطورية الحثية وبلاد آشور. ومن بين هذه الدول كانت ميتاني الوحيدة التي قامت في سورية. وخلال ذلك كان التراث الحضاري السوري في حالة نشاط. فعلى الرغم من التأثيرات الحثية في الفنون الصغرى في مواقع فري ومسكنة وراس شمرا وتل العطشانة كان تراث الثقافة المادية السورية هو السائد. وإلى الشرق من تل العطشانة كشف جزئياً عن بقايا أبنية عامة في موقعي جنديرس وآفس [ر]. وهناك دليل أضعف على سكنى من هذا العصر في تل مرديخ وطوقان و«أبو ضنة» [ر]. بقايا معمارية اكتشفت في تل أم المرا من عصر ميتاني تشمل بيوتاً تتوسط كلاً منها غرفة مركزية مع مواد فخمة مثل آنية من المرمر وفخار مزجج. وكانت مدينة قطنا (تل المشرفة) من المراكز المهمة في هذا العصر الذي يعود إليه القصر الملكي ومعبد نن- إيجال [ر]. وإلى الغرب من قطنا كانت قادش (تل نبي مند) مركزاً مهماً ضم أبنية عامة. ولا يوجد شك في أن أكبر كمية مهمة من آثار العصر البرونزي الحديث جاءت من موقع مدينة أوغاريت. وقد عُدّ القصر الملكي في هذه المدينة إحدى المآثر المهمة من هذا العصر بمساحته البالغة هكتاراً تقريباً وبغرفه وباحاته التي يتجاوز عددها التسعين. ووجدت آثار العصر حوالي أوغاريت وفي المناطق الساحلية القريبة مثل تل دَرّوك وعمريت وسيانو وسوكاس وراس البسيط.

إناء فخاري من ماري

يُعدّ موقع منباقة (أيكَلتي قديماً)- في منطقة الفرات الأوسط- من أفضل المواقع الموثقة من العصر البرونزي الحديث في هذه المنطقة. وقد كشف في هذا الموقع عن دليل على إنتاج حرفي مكثف للفخار مع مرافق خزن وبقايا عمارة سكنية. ويضاهي منباقة تل البازي الذي اكتشفت فيه مواد خام وأسلحة وأدوات مصنعة من البرونز. وظهرت آثار العصر في تل القطار على الفرات وفي مواقع حوض سد تشرين: شيوخ فوقاني وشيوخ تحتاني وتل أحمر. وكانت إيمار (مسكنة) المركز الرئيسي في هذا العصر على الفرات الأوسط. وفي منطقة الخابور يأتي الدليل الأوضح على  العصر من تل براك وتل الحميدية على نهر الجغجغ وكذلك من مواقع: خويرة وبيدر وعربيد. وعلى الخابور الأوسط يعود إلى هذا العصر موقعا بديري وأم قصير، وهناك أيضاً تل حويش شمال الحسكة.

لقد حلت نهاية العصر البرونزي الحديث تحت ضغط حوادث وغزوات تعرضت لها المنطقة كلها، وتنسب إلى من يطلق عليهم اسم «شعوب البحر» ويرجع بعض الباحثين بداية تداعيات تلك الحوادث إلى سقوط طروادة والمدن المسينية على الساحل الإغريقي. فقد أطلق ذلك موجات من الهجرة أبحرت مع امتداد السواحل الشرقية للبحر المتوسط بحثاً عن مناطق جديدة للاستقرار فيها. وضمت المجموعات المهاجرة أقواماً مثل الفلسطينيّين والصقليين والتيرينايين والإتروسكيين والسردينيين؛ وقد اكتسحت تلك الأقوام المراكز المدنية للعصر البرونزي الحديث، وعجلت في إنهائه ممهدة لبروز قوى جديدة لقيادة العالم المتمدن في العصر الحديدي اللاحق.

مراجع للاستزادة:

- P. Akkermans And G. Schwartz, The Archaeology Of Syria, (Cambridge,  2003). 

- J. S. Cooper  And G. M.  Schwartz (Eds.), The Study Of The Ancient Near East In The Twenty- First Century, (Winona, Lake, In., 1996). 

- W. W. Hallo And W. K. Simpson, The Ancient Near East: A History, (New York, 1971).


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1058
الكل : 58492267
اليوم : 64781