logo

logo

logo

logo

logo

التطعيم

تطعيم

-

 ¢ التطعيم

التطعيم

التطعيم عبر العصور الإسلامية:

فن التطعيم في العصرين الفاطمي والأيوبي 

 

 

جاء في كتب اللغة أن كلمة طعِم (بفتح الطاء وكسر العين) تعني ذاق أو أكل. وقيل: طعّم الغصن بآخر لتقويته أو تحسينه، ووصل به غصناً آخر من غير شجرة بغية اشتقاق نوع آخر منه.

وقيل: إن كلمة طعم العظم؛ أي صار ذا مخ، وطعّم الخشب بالصدف ونحوه؛ أي ركّبه فيه للزخرفة.

يبدو مما سبق أن التطعيم في اللغة يعني عملية دمج واتحاد بين مادتين مختلفتين؛ إحداهما أصل الشيء، والأخرى دخيلة على الأصل. يخيل للناظر من إحداث هذا الدمج أن الأصل أكل أو احتوى المادة الأخرى حتى صارت جزءاً لا يتجزأ منها من شدة الدمج بين المادتين وتداخلهما.

أما التعريف الاصطلاحي لفن التطعيم كمصطلح أثري؛ فهو أسلوب زخرفي يتمثل في تزيين القطع الخشبية الكبيرة أو الصغيرة وزخرفتها بقطع أقل في الحجم وأثمن ومن مواد مختلفة من عاج أو عظم أو صدف أو أبنوس أو غير ذلك من المواد، حيث تقطع هذه المواد قطعاً صغيرة مسطحة أو مصقولة بعد أن يتم تحضير المناطق المراد زخرفتها، ثم توضع هذه المواد المراد التطعيم بها في إطار زخرفي وفي أشكال فنية معيّنة؛ مما يضفي على هذه القطع الخشبية نوعاً من الأبهة والحسن.

وهناك طريقتان للتطعيم، هما:

الأولى: يقوم فيها الصانع بلصق قطع صغيرة الحجم من المادة المراد التطعيم بها بعضها إلى جانب بعض على سطح الخشب فيتألف منها شكل زخرفي، وأحياناً أخرى تلصق القطع، وترتب ترتيباً زخرفياً، يترك بين القطع فراغ يُملأ بالمعجون الملون باللون المراد التلوين به، وهذه الطريقة تشبه إلى حد بعيد طريقة صناعة الفسيفساء الزجاجية والزخرفية، ويسمى هذا النوع من التطعيم بالمزيف.

الثانية: يحضر على سطح الخشب الأشكال الزخرفية؛ ثم يوضع فيه بعض القطع من مواد أثمن وأعلى قيمة، وربما وضعت قطع من الخشب تلون بلون آخر، هذا النوع من التطعيم هو ما يعرف بالتطعيم الحقيقي.

زخارف نباتية بحشوات مطعمة بالصدف

التطعيم عبر العصور الإسلامية:

كانت زخرفة القطع الخشبية المختلفة بأشكال نباتية وهندسية أو رسوم مطعمة من الأعمال الفنية التي انتشرت في بلدان الشرق القديم، ثم أخذها اليونان والرومان، ومن ثم وصلت إلى المسلمين العرب الذين ساهموا على نحو كبير وبارز في إنتاج جملة كبيرة من التحف الخشبية، وطوروا في أشكالها ورسومها وزخرفتها، ويشهد ما وصل منه أن العرب كان لهم باع طويل في هذا المجال.

فن التطعيم في العصرين الأموي والعباسي فيما بين القرنين ( 1 – 3 هـ/7 – 9 م):

من خلال ما وصل من تحف خشبية مطعمة في بداية العصر الأموي – ولاسيما في بلاد الشام – يُرى مدى تأثر تلك التحف المطعمة بالأساليب الفنية والزخارف التي سادت في هذه البلاد قبل أن يفتحها المسلمون والتي كانت بأغلبها ذات تأثيرات هلنستية ممزوجة ببعض العناصر الفنية البيزنطية والساسانية؛ إضافة إلى بعض العناصر الزخرفية القبطية المصرية.

لذلك فإن العناصر الزخرفية التي ظهرت على القطع الخشبية المطعمة كانت أشكالَ عقود وزخارف نباتية قريبة من الطبيعة مثل أوراق العنب ومشتقاتها وعناقيد العنب والمراوح النخيلية وكيزان الصنوبر وورقة الأكانتس؛ إضافة إلى سعف النخيل والفروع النباتية، وكثيراً ما كانت هذه العناصر النباتية تضم وحدات هندسية على شكل دوائر متقطعة أو متماسة أو معينات ومثلثات ومربعات، وإلى جانب ذلك ظهر الخط الكوفي متناسقاً مع تلك الوحدات .

تفصيلة في خشب منبر مدرسة الأشرف برسباي في العصر المملوكي - القاهرة 836هـ/ 1432م تفصيلة خشب مطعم بالعاج لمنبر تربة قايتباي في العصر المملوكي - القاهرة 877هـ/1472م

أما الرسوم الآدمية فكانت تشبه الرسوم البيزنطية والمسيحية السائدة قبل الفتح الإسلامي من حيث الموضوع؛ فهي تمثل قصص الدين المسيحي؛ وإن كان أسلوب الأداء من حيث التقابل والتماثل التام يبين امتزاج الفنين البيزنطي والساساني الذي وجد في مشرق العالم الإسلامي قبل نشأة سامراء، لذا فإن العناصر والأشكال الزخرفية خلال العصر الأموي كانت قريبة من الطبيعة دون تحوير، ويظهر مدى التأثر الهلنستي للقطع الخشبية المطعمة والتي يرجع تاريخها إلى العصر الأموي من خلال بعض التحف التي وصل منها تلك القطعة الخشبية الموجودة بمتحف اللوفر بباريس والمطعمة بحشوة من العاج قوام زخارفها فرع نباتي يتموج في تشكيلات حلزونية تنبثق منه أوراق العنب وعناقيده، وقد نفذت هذه الزخارف بالأسلوب الهلنستي.

وفي بداية القرن 3هـ/9م في عصر العباسيين حدث تطور فني زخرفي خط فيه ملامح الزخرفة الإسلامية أسلوباً جديداً بما يعدّه بعض مؤرخي الفنون ابتكاراً خاصاً بالمسلمين، وقد تأثر أسلوب فن التطعيم من الناحية الزخرفية به، وعرف هذا بأسلوب سامراء، فظهرت العناصر الزخرفية النباتية المحورة على أسطح القطع الخشبية المطعمة، فرسمت الفروع النباتية وأشكال الزهريات والمراوح النخيلية والأوراق الكاسية، وظهرت كل هذه العناصر بشكل زخرفي محور تنبثق من تفريعات نباتية.

ويبدو أن العناصر النباتية تطورت على نحو ملحوظ في تلك الفترة؛ إذ صارت وحدات كبيرة تتمم بعضها بعضاً؛ بحيث لا تترك أرضية ظاهرة.

كما اشتملت بعض القطع الخشبية المطعمة على بعض رسوم الطيور محورة، ذلك إلى جانب بعض الكتابات الخطية بالخط الكوفي المتقن. ويحتفظ المتحف الإسلامي بالقاهرة بقطعة خشبية مطعمة بالعاج نقشت بنقوش تشبه إلى حد بعيد طراز سامراء، وينسب إلى العصر الطولوني كما يوجد في المتحف نفسه عدد من القطع الخشبية المطعمة بالعظم عثر عليها في أطلال مدينة الفسطاط تزينها زخارف بسيطة وبالأسلوب نفسه المشار إليه.

 
خزنة وكرسي ومنضدة جزء من مجموعة كاملة من الخشب المزخرف بطريقة الموزاييك - صناعة دمشق 

فن التطعيم في العصرين الفاطمي والأيوبي

(القرن 4– 7هـ/10– 12م):

حدثت طفرة كبيرة في مجال الصناعات الخشبية وفن التطعيم في عصر الفاطميين؛ إذ تم تطعيم صناديق الحلي والعطور صغيرة الحجم، وانتشر تطعيم أغلفة المصاحف بصورة رائعة، وما تزال المتاحف العربية والعالمية تحفظ بعضاً من هذا التراث الخشبي المطعم الذي يمكن من خلاله الوقوف على أهم ما يميز الأساليب الزخرفية للخشب المطعم عند الفاطميين. ولعل أبرزه هو دقة الصناع ومهارتهم في تلك الفترة واهتمامهم بالتفاصيل الصغيرة؛ الأمر الذي وصل بهم حد الإبداع، كذلك استخدام أشكال الحيوانات والطيور كعنصر زخرفي بصورة كبيرة عما قبل في العصور السابقة؛ إذ ظهرت الرسوم الحيوانية والآدمية مع استمرار أسلوب سامراء.

وكما ظهرت على الخشب المطعم موضوعات تصويرية تم حفرها على الخشب لعدة مستويات، وتم تطعيم أجزاء منها، وقد مثلت هذه الموضوعات الحياة الاجتماعية في العصر الفاطمي أحسن تمثيل، لذا ظهر على الخشب المطعم مناظر صيد ومجالس طرب وشراب. وقبيل نهاية الدولة الفاطمية ظهرت بعض الزخارف الهندسية التي تقوم على أساس شكل نجمي أطلق عليها الطبق النجمي.

 
كراسي مزخرفة بطريقة الموزاييك  

وكانت قوام زخارف الخشب المطعم في العصر الفاطمي–عموماً–عناصر حيوانية وطيور مثل الفيل والأسد والغزال والفرس والطاووس والعصافير، وكلها كانت محورة إلى حد بعيد.

أما الزخارف النباتية فكانت تمثل العنصر الرئيسي في الزخرفة الفاطمية على الخشب المطعم، فأوراق العنب وعناقيده كانت تظهر بين الحين والآخر وسط المراوح النخيلية.

وظهرت الأشكال الهندسية من مثلثات ومربعات وأشكال سداسية أو نجمية بداخلها وحدات زخرفية يُمثّل كل منها موضوعاً زخرفياً قائماً بذاته.

علاوة على ما سبق ظهرت بعض الكتابات الكوفية على قطع الأخشاب المطعمة. كما يُلاحَظ في بعض الأحيان عناصر لزخرفة قبطية على قطع الخشب المطعم، ويعلل بعض الباحثين ذلك أن الفاطميين كانوا من أكثر الحكام تسامحاً مع الأقباط. ومن أروع القطع الخشبية التي وصلتنا، ويرجع تاريخها إلى العصر الفاطمي تلك التي توجد في متحف المتروبوليتان بنيويورك، وهي قطعة خشبية مطعمة بالعظم يزينها شكل صياد وغزال على أرضية من التفريعات النباتية، وتعود إلى القرن 5هـ/11م.

وأيضاً ينسب إلى العصر الفاطمي بعض صناديق من الخشب المطعم بالعاج تنحصر زخارفها في أشكال موسيقيين وراقصين وصيادين وعقبان منشورة بين تفريعات العنب، ويذكر أن هذه الصناديق تنسب إلى عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، وتُعدّ من أسمى ما وصل إلينا من فن التطعيم بالعاج في هذا العصر.

 
تاج خشبي ذو زخارف نباتية مطعّمة بالعظم 

أما العصر الأيوبي فقد استمرت الأساليب الفنية والزخرفية على الخشب المطعم كما كانت متبعة في العصر الفاطمي؛ نظراً لعدم طول فترة الحكم الأيوبي- باستثناء إحلال خطّ النسخ تدريجياً محل الكوفي على القطع الخشبية المطعمة. كما عُني فن التطعيم في هذه الفترة بالاهتمام بالعناصر النباتية والأشكال الهندسية.

ويوجد في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة قطعة خشبية مطعمة بالعاج قوام زخارفها عناصر نباتية وهندسية ينسب إلى العصر الأيوبي.

فن التطعيم في العصرين المملوكي والعثماني (القرن7-12هـ/12-19م):

ما تزال الآثار المملوكية الباقية تحتفظ بأمثلة عديدة من أروع ما أنتجه صناع هذا العصر من الخشب المطعم بالعاج والعظم والأبنوس فيما بين القرنين (7–9هـ/13–15م). فقد نحا فن التطعيم منحى جديداً؛ إذ استخدمت رقائق العظم والأبنوس في زخرفة الأبواب والمشربيات وكراسي العشاء.

 
خزنة خشبية ذات زخارف متنوعة مطعمة بالعظم، صناعة دمشقية 

وطعمت المنابر والخزائن ذات الأحجام الكبيرة بالعاج والأبنوس، وعلى اتساع مساحات التطعيم؛ فإن الفنانين المسلمين برعوا فيها إلى درجة عالية وصلت بهم حد الإعجاز.

وقد ابتكر فنانو العصر المملوكي أشكالاً جديدة من المراوح النخيلية والزخارف النباتية التي أضفت على فن التطعيم طابعاً جمالياً رائعاً، وإلى جانب الزخارف النباتية شاع في هذا العصر الزخارف الهندسية ذات الشكل السداسي والتي زينت بزخارف نباتية دقيقة متشابكة، وكانت غالباً تنتظم حول شكل نجمي. كما ظهر في هذا العصر حشوات مستطيلة الشكل اشتملت على بعض الآيات القرآنية والأدعية أو النصوص الإنشائية؛ إضافة إلى أسماء السلاطين والأمراء وأسماء الصناع.

ومن أروع أمثلة الخشب المطعم والتي يرجع تاريخها إلى العصر المملوكي كرسي العشاء الموجود بمتحف الفن الإسلامي بمصر، وهو مطعم بالعظم والأبنوس بأسلوب بديع يزخر بعناصر زخرفية نباتية وهندسية.

وفي متحف المتروبوليتان بنيويورك يوجد مصراعا باب به عدد من الحشوات العاجية، قوام زخارفه نباتية، كما يحتفظ المتحف الإسلامي بمصر بقطعة من الخشب مطعمة بالعاج تزينها زخارف نباتية وهندسية تنسب إلى مصر في العصر المملوكي خلال القرن (8هـ/14م).

 
مفروشات خشبية ذات زخارف نباتية مطعّمة بالعاج أو العظم أو الصدف صناعة دمشقية 

وبقي فن التطعيم في العصر العثماني على النهج نفسه الذي سار عليه في عهد من سبقوهم؛ ولاسيما الأيوبيين والمماليك؛ إذ تم تطعيم قطع من أبواب وشبابيك ومنابر وكراسي وصناديق المصاحف، وشاع التطعيم بالصدف والأبنوس والعاج والعظم، وظل قوام زخرفة القطع الخشبية المطعمة عناصر نباتية وأشكالاً هندسية غلب فيها الأطباق النجمية. وإضافة إلى هذه العناصر ظهرت الكتابات الخطية من آيات قرآنية وأسماء سلاطين وصناع، وتواريخ الصنع كانت تدون على القطع الخشبية المطعمة. وتزخر المتاحف التركية بالكثير من القطع الخشبية المطعمة؛ حيث يوجد في متحف الفن الإسلامي بإسطنبول أمثلة رائعة من الخشب المطعم بالصدف والأبنوس من كراسي وصناديق ومصاحف عليها زخارف نباتية دقيقة وبديعة.

ومن ذلك أيضاً قطعة مثلثة الشكل طول القاعدة 210 سم، وارتفاعها 201 سم، يبدو من شكلها أنها كانت جانباً من منبر، قوام زخرفها هندسية وأشكال لأطباق نجمية، يرجع تاريخها إلى القرن (11هـ / 17م).

فاطمة السليطي

 

مراجع للاستزادة:

- سعاد ماهر، الفنون الإسلامية (الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 1987م).

- م.س. ديماند، الفنون الإسلامية، ترجمة أحمد عيسى (دار المعارف، القاهرة 1982م).

- إرنست كونل، الفن الإسلامي، ترجمة أحمد موسى (دار صادر، بيروت 1966م).

 


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1042
الكل : 58491917
اليوم : 64431