logo

logo

logo

logo

logo

الأيقونة

ايقونه

Ikone -

الأيقـونة

إلياس الزيات

حرب الأيقونات

الأيقونة في سورية وأهم نماذجها

 

تأتي كلمة أيقونة Eikôn من اليونانية، وتعني الصورة أو الشبه، وتطلق التسمية على كل مُنتج أيقوني تم صنعه بالدهان على لوح خشبي أو على الجدار، أو بالفسيفساء أو بمواد أخرى كالمينا والمعدن والعاج والنسيج أو الزجاج أو تصاوير على الكتب. هذا وإن جماليات هذا الفن واحدة وكنهه الروحي واحد.

لقد ظهر مدلول كلمة أيقونة مع المسيحية في الحقبة الأولى من انتشارها في المنطقة العربية بدءاً من سورية وفلسطين وبلاد الرافدين ومصر، وانطلاقاً منها لاحقاً إلى آسيا الصغرى وبيزنطة وإيطاليا. إلا أنه لايمكن تحديد الزمن الذي بدأ فيه استعمال كلمة "أيقونة"، ولكن ربما أخذ هذا المدلول شكله المادي في صورة الشهيد التي وضعت في المصليات التي بُنيت - فيما بعد- في المكان الذي دُفن فيه، في كل من سورية ومصر بداية في فترة القرن الثالث والرابع الميلاديين، ورافق ذلك انتشار الحركة الرهبانية بالتوازي في البلدين معاً في الفترة المذكورة.

وإذا كان أولياء الأمر في الكنيسة الأولى قد سمحوا - ربما على مضض - بوضع صورة الشهيد بحيث لا يتعدى ذلك المكان الذي وُجد فيه رفاته، ورافق ذلك مكافحة الرهبان للترتيل والاكتفاء بالقراءة (المجوّدة)، إلاّ أنه ومنذ القرن الرابع والخامس الميلاديين بدأت إشادة الكنائس بجوار المصليات التي حوت رفات الشهيد، كما ضُبط الإنشاد في الكنائس بالطرق التي تيسّر فيها ذلك.

وترك القرن الثالث الميلادي (بين السنة 230- 250م) في سورية آثاراً من الفن الأيقوني في دورا أوربوس[ر] (صالحية الفرات) في غرفة المعمودية في بيت التبشير المسيحي بأسلوب مناسب لتيار من تيارات الفن السوري في ذاك الزمن.

ولعل المرء يتساءل عن مصدر هذا الفن وكيفية دخوله إلى المسيحية في فترة القرنين الثالث والرابع؟ لقد أثبتت البحوث أن النسق الأيقوني في سورية جاء شبيهاً بالنسق التدمري حيث يتعاقب أشخاص الأرباب والكهان في التطواف في المعابد في تماثل ووجهوههم إلى الناظر، والأكثر قرباً إلى النهج المسيحي هي الوجوه الجنائزية التدمرية. أما في مصر - ففي المرحلة المتأخرة من الحضارة المصرية - فيشاهد وجه المتوفى مرسوماً بالألوان في مكان الوجه من المومياء (بورتريات الفيوم) بوساطة ألوان الشمع encaustique.

أما صورة الشهيد التي يفترض أنها الأيقونة المسيحية الأولى - وعُطف فنها على فنون تدمر والفيوم - فكان لا بد أن تختلف من حيث المضمون عن شبيهاتها في تدمر ومصر لأن واقع الحال قد آل بها إلى ذلك لأنها مثّلت واقعاً مختلفاً وبُنيت على إيمان بحقيقة مختلفة. بمعنى أن صورة المتوفى في الحقبة المتأخرة من العصور القديمة في حضارات كل من سورية ومصر قد مثّلت الشخص في صفاته الدنيوية مع تضمين صورته هذه إشارات رامزة إلى صفته التراتبية وكتابة فوق كتفيه تدل على اسمه، ولكن أهم تلك الإشارات الرامزة كانت العينين الكبيرتين اللتين تنظران إلى ما وراء الأفق والكون، والرأس الكبير إلى الجسم نسبياً والموقف الجبهي تجاه المشاهد، فما كان قد تسرّب من هذا الأمر ومن تلك الإشارات إلى الأيقونة المسيحية فإن المسيحية أعطته مضموناً مختلفاً، فأصبحت صورة القديس الشهيد لا تمثله بوصفه جسماً اعتراه الموت بل صاحباً للمسيح الحي المنتصر على الموت في "انبعاثه حياً"، كما أصبحت صورة الشهيد تُعتمد وثيقة صالحة للاستنساخ والنشر بين المريدين لكونها تقارب شبه الأصل الحي اعتماداً على الوصف المتناقل للهيئة والسن مع ما يشير إلى المهنة التي كان يمارسها القديس في الدنيا.

إلا أنه وإن كان لايوجد وثائق مادية تثبت المقولة الآنفة الذكر عن الأيقونة المسيحية الأولى إنها كانت صورة الشهيد التي وُضعت في المصلى المبني في مكان استشهاده، فذلك لأن المصليات الأولى قد اندثر أغلبها (تكشف عن بقاياها الحفريات الآثارية الحديثة منذ عشرينيات القرن الماضي في سورية ولبنان والأردن وفلسطين ومصر وتركيا) كما أن عمليات نقل الرفات واقتسامها توزيعاً وتبركاً كانت متبعة فيما بعد في كل أصقاع الامبراطورية البيزنطية، مما أزال المواقع الأصلية للكثير من العينات التي يمكن اعتمادها في عملية المقاربة. ثم إن الحج إلى مقامات الأولياء قد تغيرت عاداته وسُبله منذ نشوء المسيحية في جنوبي سورية وانتشارها منها إلى اليوم. (تجدر الملاحظة هنا أنه يمكن ذكر مكانين قد استمر الحجيج إليهما: القبر المقدس في القدس الشريف وضريح مار اليان في حمص).

إلا أن علم الآثار والمكتشفات يدلان على استمرار التأثير المتبادل بين الحضارات المتجاورة لقرون لاحقة تصل إلى القرنين السادس والسابع الميلاديين، ويقصد بذلك حصراً المعنى الفنيّ أي ما يسمى "أسلوباً فنياً"، فثمة معطيات يتلمس فيها درب الأيقونة في حقبة انتشار المسيحية الأولى من سورية من القرن الثالث الميلادي حتى القرن السابع، يستخلص منها ما يلي:

1- إن الكنائس البازيليكية المعروفة في سورية التي تعود في معظمها إلى القرنين الرابع والخامس الميلاديين وبعضها إلى القرن السادس (مثل كنائس القرى الأثرية في الشمال السوري - المدن المنسيّة - وكنائس منطقة أفامية، وكنائس الجنوب السوري) كانت أرضياتها مرصوفة بالفسيفساء وتحمل رموزاً مسيحية تمثل درب الخلاص الذي يبدأ من المدخل وينتهي في قدس الأقداس (الهيكل)، فمن تلك الكنائس ما بقي قائماً ومنها ما عُثر على مخططه المعماري والأرضية الفسيفسائية أو أجزاء منها.

أيقونة المسيح الضابط الكل (كنيسة القديس جاورجيوس - جديدة عرطوز)

2- ضمت الكنائس المذكورة على جانبي الحنية الرئيسية في صدر الكنيسة غرفتين، واحدة على اليمين لتحضير خدمة الطقوس وأخرى على اليسار وفيها رفات القديس (بقايا العظام) موضوعة في مُذْخَر، وهو صندوق رخامي (يسمى بالفرنسية reliquaire, ossuaire) وله فتحتان، علوية يُصب الزيت فيها وأخرى في القاعدة لأخذ الزيت الذي تقدّس بملامسة بقايا القديس، وكان الزيت المقدّس يوضع في حواجل ampoules حتى يأخذها الحاج الزائر إلى حيث يسكن للتبرك بها والاستشفاء بزيتها، وعليه فقد تفنن الصناع في عمل حواجل الزيت هذه من الفخار المشوي أو الزجاج، فكان منها ما حمل رسوماً أيقونية محفورة عليها بمواصفات عالية الجودة من حيث الموضوع ومن حيث الفن. هذا وقد توزّع من تلك الحواجل - في المتاحف العربية والمتاحف العالمية - نماذج بعضها من فلسطين (القبر المقدس) وبعضها من سورية (دير سمعان العمودي)[ر]، فضلاً عن الأدوات الطقسية كالمباخر والسُرج والقناديل التي حمل بعضها نقوشاً أيقونية.

صعود المسيح إلى السماء (كاتدرائية قسطنطين وهيلانة - يبرود)

ومن خلال استقراء مسيرة الفن المسيحي تلك يبرز سؤالان:

كيف كان الأثر الملموس للفن التدمري في الفن المسيحي الناشئ أولاً، وثانياً إلى متى امتد التأثير المشترك السوري المصري في ذاك الفن؟ وكأن الإجابة عن التساؤلين تتداخل وتتقاطع في بعض النقاط، وعليه يمكن القول:

1- إن الأثر المسيحي الأول الواضح في سورية، في دورا أوربوس من القرن الثالث الميلادي في جداريات غرفة المعمودية في بيت التبشير المسيحي (حالياً في متحف جامعة ييل في أمريكا) يندرج في زمرة الآثار الموجودة في المعابد الأخرى في تلك المدينة والعائدة إلى مذاهب دينية مختلفة وكلها من الفترة الزمنية نفسها؛ وكانت جدران تلك المعابد كلّها مزينة برسوم جدارية يعود أسلوبها إلى الفن التراثي الذي حمل معنى الفن الهلنستي- الروماني مترجماً إلى "فن سوري"، ومن تلك الجداريات مثالان يظهر فيهما بجلاء أثر فن تدمر: معبد ميترا (متحف جامعة ييل) وفيه رسمان سُمي كل منهما "النبي"؛ إذ يمثل إنساناً جالساً على عرش يحمل بيده صولجاناً. ثم الكنيس الموسوي (متحف دمشق) وفيه مشهد "إيليا وشفاء ابن الأرملة".

2- في مجموعة الأيقونات المسيحية الباقية في دير سانت كاترين في طور سيناء، التي يرجع تأريخها إلى الفترة بين القرنين الخامس والسابع الميلاديين - أي الفترة السابقة لحرب الأيقونات - هذه الأيقونات المصورة بتقنية ألوان الشمع، وهي التقنية المستعملة في صور (بورتريات) الفيّوم المصرية، مما حدا بعض الباحثين بناءً على التشابه في التقنية على تقرير عائدية هذه الأيقونات إلى مصر؛ فمن بينها أيقونة تمثل القديسين سرجيوس وباخوس (متحف مدينة كييف) التي يظهر فيها تأثير فن تدمر جلياً في اللباس والأيدي وملامح الوجهين والنظرة الجبهية إضافة إلى ما رآه بعض الباحثين في إثبات وجود الأثر السوري في تلك الأيقونة (علماً أن القديسين الممثلين فيها قد استشهدا في مدينة سرجيوبوليس (الرصافة)[ر] السورية في القرن الثاني الميلادي)، فمن الطبيعي أن يدوم التأثير الأسلوبي بضعة قرون (من الثالث إلى السابع الميلادي)، ومن ثم فشبه جزيرة سيناء التي فيها الدير المذكور - وإن كانت عائديتها الإقليمية إلى مصر اليوم - كانت في تلك الحقبة الزمنية تقع في حدود بلاد الشام الجنوبية جغرافياً، ثم إن التأثيرات الفنية لا تخضع للتقسيمات الإدارية أو الجغرافية؛ ذلك ما يفسّر وجود الأثر السوري التدمري واضحاً في تلك الأيقونة وجانبياً في غيرها من الأيقونات السينائية.

حرب الأيقونات:

دامت تلك الحرب في بيزنطة من 730 م إلى 843م، أي من حكم الامبراطور ليون الثالث الأيصوري Leo III the Isaurian وانتهاءً بحكم الامبراطورة تيودورة Theodora، وقد تحملت بيزنطة خلال الحرب وزر أشخاص ماتوا من أجل الأيقونة، فكانت قضية بيزنطية بالدرجة الأولى، وكانت الإشكالية تنحصر في صنع صورة مقدسة أو تحريمها؟ وقد ألقى ذلك بظله على نواحي الحياة الدينية البيزنطية، وتزامنت تلك الحرب مع فترة من الحقبة الأموية في سورية.

العذراء أرحب من السماوات (كنيسة رقاد السيدة للروم الأرثوذكس - إدلب)

ولئن كان الخليفة الأموي يزيد الثاني (يزيد بن عبد الملك) قد أصدر، قبل البيزنطيين في السنة ٣٠١هـ/721م أمراً حرّم فيه اللجوء إلى التشخيص (صورة بشرية أو تمثال أو أيقونة في بيعة النصارى)، فإن يوحنا الدمشقي - المنصور بن سرجون - الذي عاش بين سنة 675م وسنة 750م وبدأ حياته في دمشق علمانياً زامل يزيد بن معاوية والأخطل، ثم ختمها راهباً في دير مار سابا بالقرب من القدس، وكان ضليعاً بعلوم عصره ومساهماً في علم اللاهوت المسيحي ومرجعاً فيه، فكتب ثلاث رسائل دفاعاً عن الأيقونة مما استوجب إصدار حرمٍ ضده من كنيسة القسطنطينية.

لقد دُمّر خلال حرب الإيقونات الكثير من الأيقونات ومن الجداريات ومن المخطوطات المصوّرة، واستبدل بالجداريات المصورة جداريات زخرفية رامزة، واستشهد في سبيل الدفاع عن الأيقونة رهبان ورجال دافعوا عن وجودها في الكنائس وضرورتها الطقسية والتربوية.

ويُذكر أن أسباباً اقتصادية دعت إلى تلك الحرب أيضاً، ومنها الصراع بين السلطة المدنية والسلطة الكنسية على ملكية الأراضي التابعة للأديار وعائدات تلك الأراضي، بسبب حاجة الدولة إلى الأموال اللازمة للحملات الحربية.

صاغت الكنيسة نتيجة لتداعيات تلك الحرب في مجمع نيقية الكنسي المنعقد في السنة 787م قوانين حددت فيها شروط رسم الأيقونات وضبط أسلوبها، وفي أنها يجب أن تكون معبّرة عن كل كلمة صالحة نُطق بها، وأن تتوخى أن يتجسّد فيها القديسون المتجلّون بالألوهة، تمجيداً لهم واحتراماً لذكراهم من دون تعبّد لصورتهم.

وقد أبدع الفنانون البيزنطيون بعد ذلك - في ظل الأسرة الحاكمة المقدونية (867- 1081م) وأسرة كومنين (1081- 1185م) ثم أسرة باليولوغوس (1261- 1453م) - في رسم الأيقونة (يقال كتابة الأيقونة)، فسميت الأيقونة أيقونة بيزنطية.

وإذا ماقيل "فن بيزنطي" يعني ذلك أنه متصل أساساً ببيزنطية العاصمة، ولكنه يسمى كذلك بسبب ظهوره في ربوع الامبراطورية، وعلى وجه التخصيص في مصر وسورية. وبعد سقوط القسطنطينية ظل يزدهر حيثما حلّت الكنيسة الأرثوذكسية.

الأيقونة في سورية وأهم نماذجها:

لم تكن سورية في منأى بسبب موقعها الجغرافي عن التجاذبات الفكرية والفنية في المشرق العربي وعالم البحر المتوسط، وذلك فيما ظهر من نماذج الفن المسيحي في الحقبة المتأخرة من العصور القديمة، ويستمر في العصور الوسطى حتى يصل إلى العصور الحديثة.

وهذا الفن المسيحي وبالرغم من كل ما يربطه بالتقاليد السابقة له من الفن اليوناني الروماني لا يمكن عدّه مجرد استمرار هجين للفن الكلاسيكي. وتشكل هذه الأعمال مجموعة مركبة ولكنها مترابطة وذات سمة خاصة، هذا الفن الذي شع في كل الامبراطورية، واكتسب أهمية خاصة؛ لأن مدارس الفن المسيحي القديمة بدأت في إطاره وتطورت خلال قرون عدة.

وهنا ثمة ملاحظة مهمة جديرة بالذكر: إن وجود معابد متباينة الانتماء الديني في دورا أوروبوس جنباً إلى جنب في القرن الثالث الميلادي، ومزينة جميعها بفن جداري ذي ملامح سورية يُظهر مدى التعددية الروحية لدى الشعب السوري آنذاك، وكذلك التعايش المذهبي بين أتباع تلك المذاهب.

إن دراسة تاريخ الأيقونة المسيحية في سورية تظهر مسيرة طويلة تصل حتى العصور الحديثة على الرغم من وجود فترات انقطاع زمنية في تلك المسيرة، وهذا ما يشكل فجوات تعوق البحث العلمي في هذا المجال؛ ففي الحقبة بعد القرن الثامن الميلادي حتى الحادي عشر لا يوجد شيء، ثم بعد الثالث عشر حتى السابع عشر لا يوجد شيء أيضاً.

القديس مار موسى الحبشي (كاتدرائية سيدة السلام - حمص)

وفيما يلي استقراء لبعض نماذج الفن الأيقوني في سورية وبتسلسل زمني:

1- من القرن السادس الميلادي: يوجد إنجيل طقسي، وهو مخطوط سرياني كتب باللغة السريانية وزيّن بالرسوم الأيقونية سنة 586م في دير مار يوحنا في بيت زغبا التي كانت تقع في جبل أريحا إلى الشمال من مدينة أفاميا السورية، (هذا المخطوط محفوظ في المكتبة اللورنتية في فلورنسا).

2- التصوير الجداري:

ثمة نماذج من هذا الفن في كنيسة دير مار موسى الحبشي[ر] الواقع شرقي مدينة النبك. فقد وُجدت هناك أيقونات جدارية متوضعة فوق بعضها بطبقات ثلاث تعود في أقدمها إلى القرن الحادي عشر الميلادي والأخيرة منها إلى القرن الثالث عشر. وهذه الجداريات مرسومة بين معلمين محليين بسبب مقاربة أجزاء منها ببعض رسوم المخطوطات السريانية.

كما يوجد في مدينة قارة جداريات في دير مار يعقوب وفي كنيسة القديسين سرجيوس وباخوس، وكذلك في مدينة حمص في كنيسة مار اليان. وكل تلك الجداريات تعود إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين.

3- نهضة التقليد الأيقوني في سورية في الحقبة العثمانية:

بعد دخول العثمانيين إلى سورية في أوائل القرن 10 هـ /16م ساد جوّ من الهدوء في البلاد الأمر الذي استدعى نشوء عمارة جديدة للنفع العام: تكايا ومدارس وحمامات وخانات وسُبُل، ورافق ذلك - في القرن11هـ/ 17م - نهضة للفنون والآداب في دمشق وحلب خاصة (البلد الذي اشتهر بالتجارة مع العالم الخارجي) مما سهّل بناء كنائس شرقية وتزيينها بالأيقونات، وسهّل كذلك دخول الإرساليات الأجنبية الدينية (اللاتينية) إلى البلاد، ورافق ذلك حركة نهضوية في الترجمة ونسخ المخطوطات قام بها المسيحيون والمسلمون على السواء؛ هذا وقد كلّف عبد الله بن زاخر (٩٧٠١- ٢٦١١هـ/ 1668- 1748م) تركيب أول مطبعة بالحرف العربي في حلب.

لقد انطلق حينها فن الأيقونة على يد يوسف المصوّر الحلبي (نحو سنة 1667م)، وكان هذا خطاطاً ومترجماً ضليعاً باللغتين اليونانية والعربية فنقل وترجم مخطوطات دينية وذلك إلى جانب عمل الأيقونات، وكان هو مؤسس مدرسة للتصوير الأيقوني في حلب شملت بعده ثلاثة أجيال من المصورين من عائلته: نعمة الله بن يوسف المصوّر وحنانيا بن نعمة الله وجرجس بن حنانيا، وقد تركوا جميعاً أيقونات مهمة في كنائس سورية ولبنان وأديارها، واستمر إنتاجهم خلال القرنين17 و 18 م، ويدل هذا الإنتاج على معرفة بأصول المهنة ولاهوت الأيقونة. ولقد غلب على إنتاج الحلبيين الصفة البيزنطية اليونانية التي كانت سائدة في الجزر والأديار اليونانية منذ القرن السادس عشر، فربما كان قد عرفها أولاد يوسف المصوّر عن كثب.

وإلى جانب أسماء العائلة الحلبية كان هناك مصورون آخرون من أسمائهم: حنا القدسي وعيسى القدسي وكيرللس الدمشقي وهم من القرن الثامن عشر.

4- وقد برزت في القرن 19م ظاهرة أيقونية ثانية، وهي أيقونات الأراضي المقدسة، صنع معظمها في مدينة القدس وتدعى أيقونات مدرسة القدس؛ وهي مختلفة أسلوباً عن أيقونات المدرسة الحلبية لأنها تأثرت بالمطبوعات الدينية الغربية التي كانت ترد الأراضي المقدسة. فحصل مزج محبب على يد المصورين بين الأسلوب الشرقي وأسلوب تلك المطبوعات أدى إلى ظهور أسلوب مدرسة القدس للتصوير الأيقوني في القرن التاسع عشر. وقد اشتهر من أسماء مصوريها نقولا تيودوري القدسي وميخائيل مهنا القدسي وحنا صليبا القدسي. وأيقوناتهم متوزعة في كنائس سورية ولبنان وفلسطين ومصر وأديارها.

أيقونة سمعان العمودي وسمعان الجبل العجيب (دير البلمند - لبنان)

وإلى جانب مصوري مدرسة القدس هناك أسماء مصورين مثل: ميخائيل الكريتي ونعمة ناصر حمصي وبطرس عجمي، وأيقونات هؤلاء موجودة في كنائس سورية ولبنان وأديارها، ولكل منهم أسلوب عُرف به وهو مختلف عن أسلوبي الحلبيين والمقادسة، ولكنه لا يخرج عن التقليد الكنسي.

مراجع للاستزادة:

- المطران جورج خضر، الأيقونة، تاريخها وقداستها (دار النهار، بيروت 1977).

- مجموعة من المؤلفين في أيقونات ملكية، متحف سرسق (بيروت 1969).

- Mahmoud ZIBAWI, L’icône, sens et histoire (Paris, 1993).

- A. GRABAR, L’iconoclasme byzantin (Flammarion, 1984).


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1057
الكل : 58492352
اليوم : 64866