خشب في عصور تاريخيه
-

 الخشب

 الخشب

الخشب في العصور التاريخية

اشتهرت سورية بالخشب منذ أقدم العصور، وكان مصدره سلسلة الجبال الساحلية التي تنمو فيها الأشجار الصنوبرية كالأرز والصنوبر والسرو والبلوط والسنديان وغيرها، والتي كانت أخشابها مطلوبة بكثرة في بلاد الرافدين ووادي النيل لاستخدامها في عمليات بناء المعابد والقصور والسفن بسبب صلابتها الشديدة وطولها المناسب. وتذكر ملحمة جلجامش رحلة بطلها مع صديقه إنكيدو إلى «غابة الأرز»، مما يدل على وجود علاقات بين مدينة أوروك السومرية ومنطقة الساحل السوري الغنية بالأشجار الصنوبرية منذ القرن السابع والعشرين قبل الميلاد على الأقل. وتعود أقدم إشارة إلى تصدير الخشب من سورية إلى بلاد الرافدين إلى عهد «ميسكيلاجا» أمير مدينة «أداب» السومرية ومعاصر «لوجال زاجيزي» ملك مدينة أوما (2375 - 2350 ق. م) التي تذكر استيراد الخشب من «جبال الأرز» التي هي جبال الأمانوس، التي يرد ذكرها أيضاً في كتابات شروكين الأكادي (2350 - 2285ق.م) وحفيده نرام سن (2260 - 2223ق. م) اللذين يقولان: إن الآلهة أهدتهما جبال الأرز وجبال الفضة (جبال طوروس). ويذكر جوديا أمير مدينة لجش السومرية (2143- 2124ق.م) أنه استورد الأخشاب والأحجار من سورية. ويذكر يخدون لم ملك ماري (1820-1798ق. م) الذي قام بحملة عسكرية وصل فيها إلى شواطئ البحر المتوسط الشرقية أنه قطع أخشاب الأرز والسرو والصنوبر من الجبال الساحلية، وأرسلها إلى ماري لبناء معبد شماش- إله الشمس- فيها.

بوابة بلوات (متحف إسطنبول)

بوابة بلوات (المتحف البريطاني)

 

ويرد ذكر جبال الأمانوس «موطناً لأشجار الأرز» في كتابات تعود إلى العصر البابلي القديم. وسبب تسمية جبال الأمانوس بأنها «جبال الأرز» هو غناها بهذا النوع من الأشجار إضافة إلى أنواع أخرى. أما جبال لبنان فكانت معروفة على نطاق أكبر في مصر موطناً لخشب السرو. وقد أدت مدينة جبيل دور المركز في تصدير الأخشاب إلى وادي النيل منذ الألف الثالث قبل الميلاد حيث كان سكانها يُعرفون هناك بـ « قاطعي الأخشاب» ويذكر سنوفرو أول ملوك الأسرة الرابعة (2613 - 2589ق.م) في حولياته المنقوشة في حجر بالرمو إرساله البعثات التجارية مرات متعددة إلى فينيقيا لجلب أخشاب الأرز والصنوبر من جبال لبنان لاستخدامها في بناء السفن؛ ولصناعة أبواب القصور والمعابد والتوابيت وأشياء أخرى. وتحدد الحوليات عدد سفن إحدى البعثات بأربعين سفينة كبيرة.

وتتحدث قصة «وينامون» التي تعود إلى منتصف القرن الحادي عشر قبل الميلاد ( زمن آخر فراعنة الأسرة العشرين) عن رحلة قام بها الكاهن «وينامون» من طيبة في صعيد مصر إلى جبيل على الساحل الفينيقي للحصول على خشب الأرز اللازم لإصلاح سفينة الإله «آمون» المقدسة التي ستنقل تمثاله من طيبة في جنوبي مصر إلى مدينة تانيس في الدلتا وترميمها.

وقد كان جبل حرمون مصدراً للأخشاب المصدرة إلى بلاد الرافدين، ويتردد ذكره كثيراً في العهد القديم إلى جانب جبل لبنان بوصفه مصدراً لأنواع متعددة من الأخشاب. وتذكر العديد من نصوص ماري إرساليات متعددة من الأخشاب إلى بلاد الرافدين عبر ماري مع تيار الفرات، مصدرها مدينة كركميش[ر] (جرابلس حالياً) الواقعة بالقرب من جبال طوروس التي كانت مركزاً لتصدير أخشاب منطقة طوروس إلى ماري ومدن بلاد الرافدين الأخرى. وتتحدث تلك النصوص عن أنواع مختلفة من المراكب والسفن المصنوعة من أخشاب الأرز والصنوبر التي كانت تمخر مياه الفرات جيئة وذهاباً. ويفتخر ملوك العصرين الآشوريين الوسيط والحديث- ومنهم تجلات بلاصر الأول وآشور ناصربال الثاني و شلمنصَّر الثالث وآشور بانيبال في حولياتهم بقيامهم بحملات على سورية وصلوا فيها إلى جبال الأمانوس وغيرها وقطعهم أخشاب الأرز والصنوبر والبلوط والسرو هناك؛ ومن ثم إرسالها إلى آشور ونينوى وكلخ وغيرها من المدن الآشورية لبناء المعابد والقصور. وقد أكدت الحفريات الأثرية الحديثة صحة ذلك حيث عُثر على بقايا قطع خشبية في مواقع تلك المدن. ويذكر نبوخذ نصَّر الثاني ملك بابل (605 -562 ق. م) قيامه بقطع أشجار الأرز الضخمة في غابات لبنان العالية من أجل بناء زقورة الإله مردوخ وبوابة عشتار في مدينة بابل. ومن المعلوم شهرة كنعانيي الساحل السوري ( الفينيقيين ) في صناعة السفن من أخشاب الأرز والصنوبر والإبحار بها بعيداً في حوض البحر المتوسط وما بعده.

تابوت توت عنخ آمون

لوح برونزي على بوابة بلوات يصور عربة آشورية

(متحف الشرق - اسطنبول)

لوح برونزي على بوابة بلوات يصور جيشاً يحمل غنائم

(متحف الشرق - إسطنبول)

 

وعُثر على أخشاب أو أدوات خشبية في بعض المواقع الأثرية، ففي تل مرديخ (إيبلا) عُثِر على قطع خشبية متفحمة استخدمت في صناعة أبواب القصور الملكية ونوافذها وتماثيل وأدوات موبيليا مختلفة إضافة إلى رفوف المحفوظات الملكية. وتتحدث بعض النصوص عن إرسال قطع من أثاث خشبي هدايا من ملوك إيبلا إلى ملوك المدن والممالك الأخرى وحكامها. ويبدو أن أجزاء من القصور الملكية بنيت بالخشب؛ ولا سيما الأسقف. وتظهر في ساحة البلاط الملكي من القصر (ج) قطع حجرية ضخمة كانت مرتكزاً لأعمدة خشبية كبيرة تحمل سقف الرواق الملكي. وحُصِل على الخشب اللازم لذلك من الجبال الساحلية القريبة من إيبلا كالأمانوس وطوروس ولبنان وغيرها.

آلة موسيقية خشبية من مقبرة أور الملكية

 

وقد كشفت الحفريات الأثرية في موقع قطنة[ر] (تل المشرفة حالياً) عن عدد كبير من القطع الخشبية التي كانت مستخدمة في بناء بعض أجزاء القصر الملكي الرئيس الذي بني في الزاوية الشمالية الغربية من الأكروبول، وكان في وسط قاعة الاستقبال الضخمة أربع قواعد بازلتية لأعمدة دائرية خشبية كبيرة يصل ارتفاعها إلى ما بين 10 - 12م، كانت تحمل السقف بالتأكيد، جُلِبت من جبال لبنان القريبة. وكان القصر يتألف من طابقين، ويضم نحو مئة غرفة. وقد عثر المنقبون الألمان في البئر المجاورة للجناح الغربي- والبالغ عمقها 17م - على كميات كبيرة من الأخشاب التي سقطت عند تهدم القصر في العام 1350 ق. م؛ وكان من بينها دعامات سقف طولها خمسة أمتار، ووزنها نحو 800كغ. ويظهر أن هذه الدعامات كانت من أرز لبنان. وأظهرت حفريات ألالاخ [ر] (تل عطشانة حالياً) استخدام الأخشاب المجلوبة من جبال الأمانوس القريبة في بناء القصور؛ ولا سيما قصر ياريم لم الثالث حاكم تلك المدينة في العصر البرونزي الوسيط. واستخدمت الأخشاب في أوغاريت في تشييد القصور والمعابد إلى جانب الحجارة. واكتُشف الكثير من الأدوات المصنوعة من الخشب في مقابر (كمقبرة أور الملكية نحو 2500ق.م) وقصور ومعابد في المدن الرافدية المختلفة؛ ولا سيما في المدن الجديدة التي بُنيت في العصر الآشوري الحديث كإمغور إنليل وكلخو ودور شروكين.

وعُثِر في العديد من قبور الفراعنة المصريين على أدوات مختلفة صنعت من خشب الأرز الفينيقي كالتوابيت والقوارب الصغيرة والأثاث المنزلي كما في مقبرة الملكة حوتيب حوروس زوجة سنوفرو وأم خوفو ( الأسرة الرابعة ) ومقبرة توت عنخ آمون آخر فراعنة الأسرة الثامنة عشرة.

عيد مرعي


- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد السادس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق