الدقاق (جامع-)
دقاق (جامع)
-
الدقّاق (جامع -)
يقع جامع الدقّاق في مدينة دمشق خارج أسوارها الجنوبية، في منطقة ميدان سلطاني، على الجانب الشرقي لشارع الميدان الرئيسي (مسار الحج)، مقابل حمام الدرب [ر]، شرق التربة الرشيدية [ر] وجنوب زقاق شيخ حرب الأول. ويعرف بجامع كريم الدين أو الكريمي نسبة إلى منشئه؛ وبجامع القبيبات نسبة إلى موقعه في الميدان الفوقاني.وهو مشيدة مملوكية، أنشأه وكيل الخاص السلطاني ببلاد الشام القاضي كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله بن السديد المصري في سنة ٧١٨هـ/١٣١٨م.
وهو مسجد جامع عظيم له أربع واجهات مبنية من الحجر ومغطاة باللياسة والكلسة التقليدية: الواجهة الشمالية ملتصقة بالدور السكنية، ولا يظهر منها سوى مئذنته المرتفعة التي تقع خلف منتصف الرواق الشمالي للصحن، وهي ذات جذع شبه مربع بسيط خالٍ من الزخارف ومغطى باللياسة الكلسية، تعلو كلَّ ضلع من أضلاعه نافذةٌ معقودة بعقد نصف دائري، تطلّ الجنوبية منها على قاعدة خشبية مسطحة محمولة على كابولين (بروزين) خشبيين، تحوي مزولة رخامية تشبه الموجودة في مئذنة العروس بالجامع الأموي، وتبرز شرفة المؤذن الخشبية المثمنة عن الجذع قليلاً، وتغطيها مظلة خشبية مثمنة أيضاً ترتكز على أعمدة خشبية في أركان الدرابزين الخشبي للشرفة، ويعلوها جوسق (الجزء العلوي لجذع المئذنة) مثمن من طبقتين: السفلية منها مزيّنة بحنيات مصمتة معقودة، والعلوية متطاولة تغطيها قلنسوة نصف دائرية ذات إطار زخرفي ومتوّجة بالهلال. والواجهة الشرقية تطلّ على زقاق نعير الأول، وغُطّي قسمها الشمالي بدورٍ سكنية، وبقي قسمها الجنوبي ظاهراً، وقد توسط قسميها المدخلُ الشرقي للجامع، وهو يحوي باباً خشبياً مستطيلاً معقوداً بعقد مدبب من داخله، وهو ذو مصراعين تعلوه مظلة خشبية بارزة تستند إلى الجدار بوساطة كوابيل خشبية كبيرة.
الصحن والمئذنة |
وأما القسم الجنوبي فيشكّل الواجهة الشرقية للحرم، وهي ذات سقف جملوني (سنامي)، وتحوي شباكين مستطيلين متماثلين ومتناظرين مغطيين بالمشبكات المعدنية تعلوهما أربعة شبابيك متناظرة، وتظهر كتلة المجاز القاطع في الخلف بسقف مرتفع ومستوٍ وواجهة تحوي شباكين مستطيلين.
أما الواجهة الجنوبية فهي متناظرة تماماً تنصّفها كتلة المحراب البارزة، وينصّف سقفها الجملوني واجهة كتلة المجاز القاطع الذي يحوي ثلاثة شبابيك مستطيلة متماثلة، وتتوزع على طول الواجهة أربعة شبابيك مستطيلة متماثلة ومتناظرة مغطاة بالمشبكات المعدنية يعلوها أربعة عشر شباكاً مستطيلاً متماثلاً. وأما الواجهة الغربية المطلّة على شارع الميدان الرئيسي فهي مغلقة بالمحلات التجارية، ولا يظهر منها سوى المدخل الغربي في طرف قسمها الشمالي، ومدخل رئيسي في قسمها الجنوبي يُوصَل إليه من زقاق متعامد مع شارع الميدان الرئيسي.
أما المدخل الغربي فهو ذو واجهة مبنية من مداميك الحجر الأبلق (البازلتي الأسود والكلسي الطحيني)، وهو يحوي باباً معدنياً كبيراً ذا مصراعين معقوداً بعقد وتري قد عُملت صنجاته (أحجار حباته) من الحجر الأبلق المزرر النباتي، وتنصّف أعلاه لوحة حجرية بيضاء دائرية نُقش بداخلها الآية الكريمة: ]إنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً[ (النساء :١٠٣) ١٢٤١هـ (١٨٢٥م)؛ أي في العصر العثماني المتأخر، وقد أحاط بهذه اللوحة مثلثان دائريان ذوا إطارين حجريين أسودين يحويان زخارف نباتية بديعة، وينتهي أعلى المدخل بعقد مرتفع واسع نصف دائري وإفريز مستوٍ بارزٍ قليلاً، ويفتح هذا الباب على دهليز طويل يبلغ طوله نحو ٣٢م يحوي جزءاً مستحدثاً على جداره الشمالي، ويؤدي في نهايته إلى باب واسع يفتح على الرواق الغربي لصحن الجامع.
أما المدخل الرئيسي فهو يتألف من بهو ذي مسقط مستطيل في صدره باب خشبي ضخم ذو مصراعين معقود من داخله بعقد حجري وتري بازلتي أسود، يفتح على الفراغ المربع الجنوبي للرواق الغربي، والذي تغطّيه قبة نصف كروية ملساء ترتكز على عقود مدببة ودعائم حجرية، وقد زُخرفت مثلثاتها الكروية الركنية وقاعدتها بزخارف نباتية ملونة. ويلي هذا الفراغ المربع فراغ مماثل له ثم باقي الرواق الغربي المغطى بسقف خشبي يرتكز على عقود حجرية مدببة محمولة على أعمدة حجرية أسطوانية؛ والمفروشة أرضيته بمداميك الحجر الأبلق المتوازية، والتي تطلّ عليها قاعة واسعة ثم أربع غرف صغيرة ثم قاعة الإمام؛ وذلك عبر خمسة أبواب وخمسة شبابيك. ويصل الرواق الغربي في نهايته الشمالية إلى قاعة التربة المربعة المرتفعة قليلاً عن مستوى الرواق والمغطاة بقبة نصف دائرية أيضاً.
المدخل الغربي من الخارج | المدخل الرئيسي من الداخل |
أما الرواق الشمالي فقد اختفى، وحلّت محلّه توسعة حديثة ذات حرم وسدّة وواجهة جنوبية تطلّ على الصحن عبر عقود واسعة مرتفعة مدببة تحاكي العقود الأثرية. وأما الرواق الشرقي فهو يشابه الرواق الغربي غير أنه قد استُحدث في طرفه الشمالي دهليز ودرج وميضأة ومطهرة.
صحن الجامع واسع ذو مسقط مربع تنصّفه بركة الميضأة الكبيرة ذات المسقط المضلع (١٦ضلعاً) والمبنية من الحجر المزّي، وتتوسّطها نافورة حجرية. وقد رُصفت أرضية الصحن بالحجر البازلتي الأسود والكلسي المزّي في تشكيلات هندسية جميلة؛ غير أن الجزء الجنوبي منها قد توسّطتها تشكيلات رخامية هندسية ملونة. وللصحن واجهة جنوبية رصينة تشكل الواجهة الشمالية للحرم الأثري، وقد كُسي الجزء الأسفل منها بمداميك من الحجر المشهّر (الأصفر والأبيض)، وأُطّرت فتحاتها بالحجر حديثاً. وهي واجهة متناظرة تحتوي عن يمين ويسار على شباك ومدخلين للحرم متماثلين، وتنصّفها واجهة المدخل الرئيسي للحرم التي تحتوي على باب مستطيل خشبي واسع وفوقه فتحة معقودة بعقد نصف دائري تعلوها الشبابيك الثلاثة لكتلة المجاز القاطع البارزة عن السقف الجملوني (السنامي) للحرم.
الواجهة الشمالية للحرم | الصحن والرواق الشرقي |
ويفتح باب الحرم الرئيسي على حرم ذي مسقط مستطيل مغطّىً بسقف جملوني قد زُينت أجزاؤه الخشبية الحاملة بزخارف ملونة. والحرم مقسوم إلى ثلاثة أقسام: قسم وسطي يمثل رواق المجاز القاطع، وقسمين شرقي وغربي متماثلين؛ غير أن الشرقي منهما ينتهي شرقاً بعقدين مدببين محمولين على دعامات جدارية ووسطية ثم شباكين مستطيلين متماثلين يطلّان على ساحة الحمام (زقاق نعير الأول)، والغربي منهما تنصّف واجهته الغربية خزانة جدارية مستطيلة، ولها باب في طرفها الشمالي يُفضي إلى غرفة ذات مسقط شبه منحرف استعملت ميضأة.
الرواق الغربي وواجهة التربة | سقف الحرم الأثري |
أما رواق المجاز القاطع فيرتفع سقفه المستوي عن سقف الحرم مُفسِحاً المجال لفتح شبابيك مستطيلة علوية متماثلة للإنارة والتهوية؛ ثلاثة في كلٍّ من الجانبين الشمالي والجنوبي، واثنان في كلٍّ من الجانبين الشرقي والغربي. وهذا السقف يرتكز على جدران الحرم وعلى أربعة عقود مدببة محمولة على دعامتين وسطيتين وأربع دعائم جدارية؛ مما شكّل فراغين لهذا الرواق: فراغ جنوبي يحوي المحراب والمنبر، وفراغ شمالي أوسع منه يحوي في طرفه الشمالي دكّة المبلغ الخشبية، وهي ذات مسقط مستطيل ترتكز على عمودين رخاميين أسطوانيين وعلى الجدار الشمالي للحرم، يُصعد إليها عبر درج خشبي دائري في طرفها الغربي.
الرواق الغربي من الأعلى |
وأما الواجهة القبلية (الجنوبية) للحرم فهي متناظرة تعلوها شبابيك زجاجية مستطيلة متماثلة ومتناظرة، وينصّفها المحراب الرئيسي المجدّد سنة ١٢٩٦هــ/١٨٧٨م، وهو ذو حنية نصف دائرية مزينة بالرخام الملون ومعقودة بعقد مدبب يرتكز على سويريتين رخاميتين، ويحيط بالمحراب واجهة من الرخام الأبيض تعلوها لوحة زخرفية كتابية تحوي الآية الكريمة من سورة آل عمران: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} (آل عمران:٣٩). وعن يمين المحراب منبر رخامي رشيق عُمل بدلاً من المنبر الخشبي الجميل الصنعة، يُصعد عبر درجاته إلى جلسة الخطيب المعقودة بعقود ضامّة زخرفية يعلوها أفاريز من المقرنصات البديعة، وقد غُطّيت بقبة نصف كروية مدببة ومتوّجة بالهلال وكذلك ينصّف كلاً من جزأي الواجهة الجنوبية الشرقي والغربي محرابٌ مشابه للمحراب الرئيسي؛ ولكنهما أصغر قليلاً، ويحيط بكل محراب منهما شباكان مستطيلان.
المحراب الرئيسي والمنبر | دكة المبلغ |
وقد تعرّض الجامع للهدم أكثر من مرّة كان يُرمّم بعدها. كما جدّدته دائرة الأوقاف الإسلامية سنة ١٣٥٠هــ/١٩٣١م، وبنت له دكاكين على الشارع العام. وكذلك رُمِّم الصحن وأروقته والواجهة الشمالية للحرم الأثري نحو سنتي ٢٠٠٦-٢٠٠٧م.
زكريا كبريت
مراجع للاستزادة: - يوسف بن عبد الهادي، ثمار المقاصد في ذكر المساجد، الذيل لأسعد طلس (مكتبة لبنان، بيروت ١٩٧٥م). - عبد القادر بدران، منادمة الأطلال ومسامرة الخيال (المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، دمشق ١٩٦٠م). - أكرم العلبي، خطط دمشق (دار الطباع، دمشق ١٩٨٩م). - قتيبة الشهابي، مآذن دمشق (وزارة الثقافة، دمشق ١٩٩٣م). |
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد السابع مشاركة :