جبلة (ميناء-)
جبله (ميناء)
-
جبلة
جبلة (ميناء -)
يعدّ ميناء جبلة أحد الموانئ الطبيعية المنتشرة على طول الساحل السوري-اللبناني، يقع في منتصف شاطئ المدينة القديمة ومحاط بها، وهو ميناء طبيعي صغير يأخذ شكلاً نصف مستدير، يتألف من مدخل رئيسي وحوض داخلي مفتوح مباشرة باتجاه الغرب.
في الجهة الشمالية من الميناء هناك مرتفع صخري يسمى قصر بيت زيفا، شاهد فيه الرحالة ري Rey بقايا برج قديم لم يبقَ منه شيء الآن، حيث أقيم في مكانة بناء حديث خصِّصَ لإدارة ميناء الصيد في جبلة .
على الجهة الشرقية للجرف الصخري ثمة بعض المغاور المنحوتة ضمن الصخر، ربما كانت تستعمل قديماً مستودعات أو غرفاً خدمية للصيادين، وما زالت حتى الآن تستخدم غرفاً خدمية. وفي الجهة الغربية لهذا المرتفع مغارة ينفتح بابها باتجاه الغرب، حيث يذكر شيخ الربوة الدمشقي في حديثه عن جبلة « أنه كان فيها مقر لملك له سِربٌ أو سرداب يركب الراكب فيه تحت الأرض إلى ظهر السفينة بالبحر ويركب في السفينة إلى وسطه تحت الأرض محجوباً».
ولهذا تحدث بعض المتخصصين عن وجود سرداب ينتهي إلى برج في الجهة الشمالية من المينـــاء؛ وأن المــغارة التي يطلق عليها أهالي جبلة اسم مغارة البابين المحفورة أسفل الكتلة الصخرية تتصل بالسرداب الذي يعتقد أن نهايته في المسرح، لكن أعمال التنقيب لم تثبت هذه الرواية حتى الآن.
ميناء جبلة |
- الرصيف الشمالي: يقع في الجهة الشرقية من المرتفع الصخري على شكل حرف L مقلوب يبلغ طوله 40م وعرضه 12,5م، وهو مبني بحجارة رملية وكلسية كبيرة ومتوسطة وصغيرة الحجم فوق الصخر الطبيعي مباشرة ومحفوظة على أربعة مداميك، تدل طريقة بنائه على أعمال الترميم التي تمت فيه ولا سيما في الفترة الصليبية بدءاً من سنة 1098م؛ إذ لاحظ الرحالة ري عام 1860م أن بعض التحسينات والترميم فيه تعود إلى هذه الفترة.
الزاوية الجنوبية الشرقية من الرصيف مجهزة بدرج عرضه 280سم مؤلف من ثلاث درجات، وذلك من أجل تسهيل حركة الصعود والنزول إلى القوارب، وقد تم حديثاً إضافة طبقة إسمنتية أدت إلى اختفاء معالمه وطمسها.
- الرصيف الجنوبي: هو شبه جزيرة صغيرة عليها بعض التحصينات المبنية بحجارة منحوتة كبيرة الحجم؛ تظهر على طول حافة المدخل الرئيسي من جهة الجنوب، ويبدو أنها قاعدة منحوتة تعد أساساً لسور بُني فوقها، وقد نَفَدتْ حجارته مع الزمن ولم يبقَ منها سوى بعض الحجارة المنحوتة جيداً، ويطلق عليها أهل جبلة اسم المطبقة، وهي تتألف من خمسة أحجار أبعادها 2,5×2×1,5م، وهي تشبه سور جزيرة أرواد ويعتقد أن سور جبلة كان مبنياً على هذا الشكل.
عند الحافة الجنوبية للميناء وضمن البحر ثمة حجارة يطلق عليها الصيادون اسم المطبقة أيضاً، وهي عبارة عن حجارة غير مشذبة ربما أُلقيَ بها في البحر أو هي بقايا رأس الحافة الجنوبية للميناء الذي دمرته الأمواج، وتمتد على مسافة 50م وتنتهي على عمق 6م تقريباً، ويعتقد أن هذا الجزء كان يحمي مدخل الميناء من الرياح والأمواج الغربية والجنوبية الغربية، وهذا دليل على بنائه حاجز أمواج، مثل حاجز الأمواج في مرسى رأس ابن هانئ.
وثمة أعمدة رمادية اللون على الامتداد الشمالي للهضبة ترجِّح أن المكان كان معبداً أو فناءً للمعبد ربما يعود تاريخه إلى العصر الروماني. وفي عام 1969م وفي أثناء بناء أرصفة أمواج الميناء الحديث وحاجزه أزيلت معظم آثار هذه التحصينات والأعمدة الغرانيتية، ولم تعد موجودة في مكانها، وإنما متناثرة على الهضبة وفي الحوض الداخلي يستعملها الصيادون مرابط لقواربهم، كذلك ثمّة آثار مستودعات منحوتة في الجهة المطلة على الحوض الداخلي للميناء.
أُقيم حاجز حديث للأمواج على طول الحافة الجنوبية، بيد أنه طُمست المعالم الأثرية لهذه الحافة في البحر وعلى البر ماعدا القليل منها، وقد تم خلال هذه الأعمال الكشف عن بقايا حمولة سفينة قديمة توضعت عند منتصف نهاية المدخل الرئيسي المؤدي إلى الحوض الداخلي للميناء؛ وقد كانت محملة بقواعد أعمدة مربعة كبيرة وبمجموعة من الأعمدة مختلفة الأطوال والأقطار.
- المرسى الداخلي:
أكدت الدراسات أن عدم وجود نهر أو مسيل مائي يصب في شاطئ المرسى الداخلي قد ساعد على الحفاظ على عمقه وذلك على نحو أفضل من ميناءي تل سوكاس أو مرفأ الفيض؛ إذ يبلغ متوسط حمولة السفن في هذا الميناء من 100-150 طناً وغاطسها 1,5-2م، وقد تبين ذلك من خلال الصور المأخوذة للميناء في عشرينيات القرن الماضي.
كما أدت أعمال توسيع الميناء وتحسينه وتعميق حوضه سنة ٢٠٠٤م إلى الكشف عن بقايا أعمدة غرانيتية رمادية اللون وأخرى من الحجر الكلسي والعثور على كسر فخارية يمتد تاريخها من العصر الهلنستي حتى الفترة العثمانية، وهي ذات مصادر مختلفة من دول حوض البحر المتوسط ومواقعه مثل: رودوس وقبرص وأنطاكية وشمالي إفريقيا، وهذا يشير إلى استخدام الميناء خلال مختلف الفترات الكلاسيكية والإسلامية؛ واستخدامه أيضاً قبل هذه الفترات خلال العصر الفينيقي. وهذا يؤكد الدور الكبير والمهم لميناء جبلة في التبادل الثقافي والاقتصادي وفي عمليات الاستيراد والتصدير مع دول حوض البحر المتوسط عبر العصور المختلفة.
مسعود بدوي
مراجع للاستزادة: - حسين حجازي، الموانئ والمرافئ والمراسي القديمة في ساحل القطر العربي السوري (طرطوس ١٩٩٢). - متري هاجي أثناسيو، سورية المسيحية في الألف الأول الميلادي، المجلد الأول، الطبعة الأولى (بيروت ١٩٩٧). - Ross Burns, Monuments of Syria: an historical guide, London-New York, 1992. - Maurice Dunand, De l’Amanus au Sinaï, sites et monuments, Beyrouth, 1953. -Jean-Paul Rey-Coquais, Arados et sa pérée aux époques grecque, romaine et byzantine, Paris, 1974. |
- المجلد : المجلد الرابع مشاركة :