جبله بيضاء

Jeblet al-Bayda -

 جبلة البيضا

جبلة البيضا

 

يقع موقع جبلة البيضا Jebelet El-Beda فوق هضبة في الجهة الجنوبية الشرقية لجبل عبد العزيز في محافظة الحسكة، يبعد عن تل حلف نحو 70 كم، على ارتفاع 775م فوق مستوى سطح البحر. في أثناء التنقيب في تل حلف عام 1913م؛ قام البارون ماكس فون أوبنهايمMax Von Oppenheim باستطلاع جبل عبد العزيز، واكتشف في أحد أقسام الجبل - وهو موقع جبلة البيضا- تماثيل ومنحوتات يمكن رؤيتها من مسافة بعيدة، فقام أوبنهايم بنقل بعض هذه القطع إلى برلين عام 1927. عاد أوبنهايم للتنقيب في الموقع عام 1927، وعثر على:

	الحفريات والتنقيبات في جبلة البيضا

• منحوتة من الحجر البازلتي الأسود بارتفاع نحو 2م، مشوهة لم يبقَ منها سوى الجذع، يبدو أنها تمثل رجلاً ذا مكانة بارزة.

• نحو عشرين تابوتاً حجرياً، معلمة على سطحها بدوائر حجرية مملوءة بحصى صغير، ولم يعثر داخل هذه التوابيت على أي لقى جنائزية.

• مسلة حجرية كبيرة من حجر البازلت الأسود، بارتفاع 45,3م الوجه الأمامي والخلفي منحوتان بمشهدين متطابقين، إلا أن الظهر مشوه بسبب محاولة بعض الأشخاص صنع حوض من هذه المسلة التي نقلها أوبنهايم إلى برلين، ودُمرت هناك خلال الحرب العالمية الثانية. يصور المشهد المنحوت على هذه المسلة رجلاً ملتحياً يبدو أنه الملك، يرتدي ثوباً مشرشباً من جلد الخروف الناعم، يترك الكتف اليمنى عارية، منحوت بشكل ملتوٍ؛ إذ صور الجذع من الأمام وباقي الجسم من الجانب، يلتفت إلى اليسار، يضع على رأسه غطاء غير متدلٍّ يغطي الجبهة. ملامح الوجه مختزلة ومحوَرة، اللحية خطوط متعرجة غير طويلة، وجُمع شعر الرأس على شكل عقدة خلف الرأس. يحمل هذا الملك بيده اليمنى المطوية إلى صدره هراوة رأسها موجه إلى أسفل، حيث يدوس الملك على رجُلين لا يفوق حجمهما ثلث حجم الملك. يتشابه هذان الرجلان مع الملك المنحوت في الصف العلوي من المسلة من حيث ملامح الوجه المختزلة والمحورة، غير أنهما حاسرا الرأس، غير ملتحيين، يحمل كل منهما فأساً غير واضحة المعالم. بسبب عدم احتواء هذه المسلة على أي نص مسماري؛ فمن الصعب معرفة الأشخاص المنحوتين عليها، سبب إقامتها، أو حتى وضع تأريخ دقيق لها، لكن من خلال دراسة الصفات الفنية للنحت كالتفريق بالحجم بين الشخصية الرئيسية والشخصيات الثانوية في المشهد المنحوت، الثوب المشرشب، عقدة الشعر خلف الرأس، الفؤوس و الهراوة التي تحملها الشخصيات المنحوتة، يمكن تأريخ هذه المسلة نحو عصر فجر السلالات الثالث (2700-2350ق.م).

التمثال الحجري المكتشف في جبلة البيضا	المسلة الحجرية التي عُرضت في متحف برلين

كان الموضوع الحربي وتخليد الانتصارات شائعاً في عصر فجر السلالات الذي يؤرخ منه «نصب العقبان» الشهير، ولم يبتعد أسلوب النحت في هذه المسلة عن التقاليد الفنية المتبعة خلال هذا العصر، فالمشهد المنحوت مقسم إلى صفين متراصين، نُحت الملك المنتصر بحجم أكبر بكثير من حجم أتباعه أو أعدائه؛ على الرغم من تشابه الهيئة بين الاثنين، وهناك نوع من الجمود والاختزال في نحت الشخصيات. إن نحت المشهد ذاته على وجه المسلة وقفاها هو حالة فريدة في عصر فجر السلالات، قد تكون لها دلالات عديدة،، منها أنه أريد لهذه المسلة أن تكون علامة فارقة في هذا الموقع بحيث أن الداخل أو الخارج من الموقع يرى المشهد المنحوت ذاته.

رأس الملك المنحوت في المسلة الحجرية

من خلال دراسة اللقى الأثرية المكتشفة في جبلة البيضا يمكن القول إن هذا الموقع كان مقراً لمجتمعات نصف بدوية، وإنه كان تابعاً لتل حلف، مارس فيه ملوكها طقوس عبادة الآلهة ودفن الموتى، أو أنه كان محطة مرور لملوك خلدوا انتصاراتهم من خلال إقامة بعض المنحوتات الحجرية. كما أن مقارنة هذه اللقى مع قطع أخرى من تل حلف، سواء من حيث اللباس - وهو ثوب مشرشب يصل حتى الركبة، ويترك الكتف عارياً- أم تسريحة الشعر الملموم في قفا الرأس، أم حتى أسلوب النحت؛ إذ نُحتت الشخصيات بشكل ملتوٍ، فصُوِّر الجذع من الأمام وباقي الجسم من الجانب، وحاول الفنان إبراز الملامح الرئيسية في الوجه مثل العينين والأنف، كما أن هناك جموداً واضحاً في تصوير الأشخاص. كل هذا يشير إلى أن هذه القطع وبالتالي موقع جبلة البيضا يعودان إلى عصر فجر السلالات الثالث (2700-2350ق.م).

فرح الجاري

مراجع للاستزادة: - علي أبو عساف، آثار الممالك القديمة بالجزيرة وطور عابدين (دمشق ٢٠١١م). - Edwards, I. E. S., C. J. Gadd, And N. G. L Hammond. (ed).: The Cambridge Ancient History, Cambridge, 1971, Vol.1, part 2. - Max. Von Oppenheim , Tell Halaf – Djebelet el Beda und zurück (Berlin, 1930).

---

- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد الرابع مشاركة :