التوريزي (حمام-)
توريزي (حمام)
-
التوريزي (حمام -)
أحمد الدالي
يقع حمام التوريزي في مدينة دمشق بمنطقة القنوات في حي باب سريجة بجادة الدرب السلطاني، هذا الموقع الذي ذكرته المراجع باسم محلة «قبر عاتكة» براس الشويكة، وتبلغ مساحة هذا الحمام نحو ٥٩٠ متراً مربعاً.
ذكره النعيمي في حديثه عن التربة التوريزية والجامع بها التي أنشأها الأمير غرس الدين خليل التوريزي الدستاري صاحب الحجاب بدمشق، قال الأسدي في تاريخه: »في سنة ثمان وأربعين وثمانمئة في شهر ربيع الأول منها، وفي هذه الأيام فتح حمام الأمير غرز الدين خليل التوريزي شرقي مدرسته وهو حمام كبير حسن وأُجِّر في كل يوم بأكثر من أربعين درهم (ماً)». وقد عدَه إيكوشار في زمرة حمامات القرن الخامس عشر الميلادي (١٤٤٤م)، وهو تاريخ متطابق مع التاريخ الذي حدده النعيمي الدمشقي وهو سنة ٨٤٨هـ.
أحد نماذج قباب حمام التوريزي وقمرياتها من الخارج | قبة قسم الجواني من الداخل |
حافظ الحمام على مكانة متقدمة بين حمامات دمشق التاريخية، وكان دائم التجديد والترميم؛ حيث رمم للمرة الأخيرة سنة ٢٠٠٥م، وجددت أرضياته وجدرانه وأسقفه بأكملها، وتم تجديد القباب من الداخل والخارج وكذلك مضاويها الزجاجية-التي تتميز بكثرتها وجمال تكويناتها الفريدة-على نحو أعاد إلى الحمام الكثير من بهجته على الرغم مما ألحقه هذا الترميم بالحمام من تغيرات قللت أصالة بعض عناصره المعمارية والزخرفية.
يتميز الحمام بواجهته المبنية من مداميك الحجر البازلتي الأسود والحجر المزي بالشكل المتناوب (الأبلق)، تتضمن الواجهة مدخل الحمام الواقع جهة اليسار وتعلو باب الدخول لوحة زخرفية مربعة، والشباك الذي يقع على يمينها في دخلة جدارية تنتهي من الأعلى بصفوف من المقرنصات الجدارية اللطيفة، كما تتميز الواجهة بالحشوتين الحجريتين القرصيتين المزخرفتين بالنحت على الحجر المزي؛ الواقعتين يمين الشباك ويساره على مستوى الحشوة المربعة نفسها الباقية فوق باب الدخول. ولدى التدقيق بالمدخل والقوس التي تعلوه؛ وبمراجعة المخططات القديمة للواجهة، صار من الممكن ملاحظة عملية الترميم السابقة التي غيرت من عناصر المدخل الذي كان ينتهي بعقد ثلاثي مشغول بالمقرنصات المتصاعدة؛ وأضافت القوس التي صارت تعلو حنية باب الدخول.
قسم البراني والبركة المثمنة في حمام التوريزي | قسم الجواني |
يؤلف الحمام مع المسجد والتربة مجموعة معمارية متكاملة، ويأخذ الحمام شكلاً مستطيلاً، يتم الدخول إليه من ضلعه الشمالية، وهو مقسم بحسب تقسيمات الحمامات التقليدية المعروفة ابتداءً من البراني فالوسطاني وصولاً إلى الجواني الذي تليه الخزانة، ويعقبها القميم الذي ينفصل مدخله عن مدخل الحمام الرئيسي؛ حيث يمثل الحمام نموذجاً كاملاً للحمامات التقليدية.
يتم الدخول من البراني الذي يتألف من فراغ مربع الشكل، تحيط به من جهاته الثلاث مصاطب الزبائن؛ وفي الجهة الرابعة الجنوبية الإيوان، تتوسطه بركة مثمنة من الحجر المزي الذي استخدم أيضاً في بلاط الأرضية وبالتناوب بشكل تزييني مع الحجر البازلتي الأسود، وتحدد المربع المذكور أربع أقواس، ترتكز عليها رقبة بها ثماني نوافذ معقودة؛ تعلوها قبة البراني المفتوحة بقمتها والمركب عليها (قفاعة) مضلَعة بها ثماني نوافذ.
المدخل الرئيسي |
يستخدم سطح الحمام عادة لنشر المناشف، ويتم الوصول إليه من البراني حفاظاً على خصوصية وظيفة الحمام التي تستوجب زيادة الرطوبة والحرارة والبخار، وكذلك في هذا الحمام فإن الوصول إلى السطح يتم من خلال باب في الزاوية الجنوبية الغربية من البراني؛ حيث يؤدي إلى درج يتوصل منه إلى السطح العالي، ويتم الولوج إلى الأقسام الداخلية الأخرى للحمام من مدخل مجاور للباب المذكور يفضي إلى دهليز يؤدي إلى المراحيض التي تأخذ موقعاً يتوسط البراني والوسطاني، كما يفضي هذا الدهليز إلى الوسطاني الذي يتألف في هذا الحمام من قسمين: وسطاني أول ووسطاني ثانٍ، والوسطاني الأول يأخد شكلاً مستطيلاً يمتد باتجاه شرق غرب، في طرفه الشمالي بركة كان يغرف منها الماء البارد بأوانٍ (دلاء) إلى الأجران لتعديل حرارة الماء المنساق من حلل الماء الحارة (النارية والدخانية والخراج) إلى الأجران، ولما أصبحت الأجران تموَن بالماء البارد من صنابير لها تمديدات خاصة بها؛ استخدمت مياه هذه البركة لتنظيف الحمام. في الجهة الشرقية لهذا الجزء مصطبة لاستراحة المستحمين عليها خلال فترات الاستحمام، تعلو هذا الوسطاني قبَة ذات مقرنصات، وفي منتصف الجدار الغربي مصب مقرنص، أما أرض الوسطاني الأول فمبلطة بالحجر البازلتي والمزي.
الوسطاني في حمام التوريزي |
يتم الدخول إلى الوسطاني الثاني من باب في الجدار الشمالي، حيث يأخذ هذا الجزء بالوسط شكلاً مضلعاً من عشر أضلاع؛ يبدو أقرب ما يكون إلى الشكل الدائري؛ وهو مسقوف بقبة ذات مقرنصات جميلة أيضاً. يتم الدخول من الوسطاني الثاني هذا إلى أربع مقصورات تتوزع بمقصورتين شرقاً ومثلهما غرباً؛ وفي كل مقصورة جرن، وكذلك يتصدر الجدار الداخلي لكل منها دخلة جدارية تستخدم لوضع حاجات المستحم في المقصورة، ويفتح بالجدار الشمالي لهذا الجزء فتحة باب يتوصل منها إلى القسم الثالث للحمام وهو الجواني.
قبة قسم البراني في حمام التوريزي | أرضية قسم الوسطاني في حمام التوريزي | واجهة حمام التوريزي وعناصرها المعمارية والزخرفية |
يأخذ الجواني شكل مثمن متطاول باتجاه شرق غرب، وأرضية الجواني كأغلب الحمامات مبلطة بالحجر المزي والبازلتي، وهو يتألف في الوسط من فسحة مثمنة أيضاً مغطاة بقبة نصف دائرية ذات تشكيلات بديعة من المقرنصات والمضاوي الزجاجية الملونة، يوزع الجواني إلى أربع مقصورات، الشمالية الشرقية منها تدعى مقصورة «العاشقة» أرضيتها مبلطة وبها جرنان، والمقصورة الجنوبية الشرقية تسمى مقصورة «الصنعة»؛ ويتم فيها تكييس من يرغب من الزبائن؛ وفيها جرن واحد ومغطس، أما الشمالية الغربية فتدعى مقصورة «ستي» السيدة عاتكة؛ وهي بجرن واحد وأرضها مبلطة بتشكيلة من الرخام يحيط بها الحجر البازلتي والمزي، وتدعى الجنوبية الغربية مقصورة «الشيخ» وأرضيتها من الحجر الرحيباني؛ وتحتوي على جرنين أحدهما جرن الشيخ، ولكل من المقصورات الأربع سقف بشكل قيود أو قبة بمقرنصات، وهذا ما وصفه منير كيال وما كان الحال عليه قبل ترميم الحمام بالكامل، حيث يُشاهد اليوم أرضيات الحمام كلها من الحجر المزي والبازلتي والرخام المشقف بتكوينات هندسية مميزة.
رسم توضيحي رقم ١ لمقرنصات حمام التوريزي | رسم توضيحي رقم ٢ لمقرنصات حمام التوريزي |
رسم توضيحي رقم ٣ لمقرنصات حمام التوريزي | الواجهة الرئيسية الشمالية لحمام التوريزي |
وينفتح على الجواني ثلاثة أواوين: شرقي وغربي لكل منهما جرن، وشمالي ذو مصاطب ثلاث من دون أجران، وتلي هذا الإيوان الخزانة التي يليها القميم، وقد غطيت الأواوين الثلاثة بأقبية أسطوانية، وألحقت بالجواني في أثناء الترميم الأخير تغيرات ضاعت معها معالمه الأصلية.
يعدّ الحمام مثالاً نموذجياً للحمامات الدمشقية من حيث التشكيل المعماري؛ ومخطط توزيع الماء وتسخينه، بيد أن ما يتفرد به الحمام وليس له مثيل في سائر حمامات دمشق؛ هو التكوين البديع لسقف الجواني ومقرنصاته؛ وعلاقته بأسقف الأواوين ومقرنصاتها؛ والتي يمكن تشبيهها بغابة المقرنصات.
مسقط حمام التوريزي ومخطط توزيع الماء فيه |
كان هذا الحمام ولا يزال من الخمسينيات يستقبل الرجال في فترة ما قبل الظهر والنساء في فترة ما بعد الظهر حتى الغروب، وقد استعاض عن المواد القابلة للاشتعال من قمامة وروث حيوان ونشارة خشب من أجل تسخين الماء بالمازوت، وأصبح يعتمد على الأسلوب الحديث في تسخين المياه وتدفئة الحمام المعتمد على المراجل، كما استعاض عن الاعتماد على نهر بانياس والقنوات، بمياه بئر حفرت في الحمام للاستعمالات المختلفة؛ ومياه نبع الفيجة للشرب.
ولا يزال هذا الحمام يعمل في حي قبر عاتكة، ويعرف على لسان العامة حمام التيروزي (كما دوّن على اللوحة الموضوعة فوق باب الدخول) أو التيروزية.
مراجع للاستزادة: - ميشيل إيكوشار وكلود لوكور، حمامات دمشق، ج١، تعريب ممدوح الزركلي ونزيه الكواكبي (مطبعة الإنشاء، دمشق ١٩٨٥م). - منير كيال، الحمامات الدمشقية (وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق ١٩٦٦م). - أكرم حسن العلبي، خطط دمشق (دار الطباع، دمشق ١٩٨٩م). |
- المجلد : المجلد الرابع مشاركة :