تات (جورج)

G.Tate -

 تات (جورج -)

(1944 - 2009)

جورج تات Georges Tate عالم آثار فرنسي، ولد في منطقة باريس وتألق في ريعان شبابه في مجال البحث الأثري في المشرق العربي، حتى أصبح أحد أهم المقربين من العالم الفرنسي الكبير أرنست يل E. Will ، وعمل معه لفترة طويلة في إدارة المعهد الفرنسي للآثار في الشرق الأدنى، ليصبح فيما بعد مديراً لهذا المعهد بين عامي 1981 و1990، وعلى الرغم من تلك الأعباء الإدارية فقد تابع تات دراساته في شمالي سورية؛ إذ كان يقود منذ عام 1976 البعثة الأثرية الفرنسية فيها. وأكمل مسيرة العمل الأثري بمنهجية علمية من دون التقليل من قيمة أعمال الذين سبقوه أو عاصروه في الدراسة، لذا فإنه من غير الممكن التحدث عن القرى الأثرية في شمالي سورية- أي ما يسمى بالمدن الميتة، أو المدن المنسية – من دون الحديث عن الدراسات العلمية التي قدمها جورج تات الذي يعد أحد أهم مؤسسي أركان البحث العلمي الأثري في هذه المنطقة خلال العصرين الروماني والبيزنطي؛ مكرّساً حياته العلمية في دراستها، وقد مثّلت أبحاثه وكتاباته مرجعاً أساسياً في كتابة جزء مهم من تاريخ الريف السوري خلال العصرين الروماني والبيزنطي؛ إذ أعطى تفسيرات واضحة وصحيحة عن تطور هذه المنطقة خلال قرون عديدة، كما دافع عن الهوية السورية للآثار الموجودة في المدن المنسية خلال تلك الفترة.

غادر جورج تات سورية إلى فرنسا ليعمل أستاذاً في الآثار والتاريخ القديم في جامعتي فرانش كونته وفيرساي وعمل طوال خمسة أعوام (1997 - 2002) معاوناً علمياً لمدير البحث العلمي في فرنسا، ومديراً لقطاع العلوم الإنسانية في هذه المؤسسة العلمية الكبيرة، وعمل خلال هذه الحقبة من حياته في إنشاء مركز علمي حول تاريخ سورية في جامعة فيرساي يضم مجموعة من الباحثين والمختصين. كما نشر الكثير من المؤلفات والكتب عن سورية، أهمها كتابه المعروف «أرياف شمالي سورية من القرن الثاني حتى القرن السابع الميلادي»، وقد قدّم فيه رؤية علمية حول تطور هذه المنطقة، مركّزاً على الهوية السورية للفن المعماري فيها، كما عالج الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي ساعدت على الاستيطان في هذه المواقع خلال العصرين الروماني والبيزنطي، وكذلك مسألة الهجرة منها وأسبابها.

ونشر أيضاً كتاباً موجزاً عن المشرق العربي في زمن الحروب الصليبية أعطى من خلاله رؤية صحيحة عنه، وعن حقيقة هذه الحروب في التاريخ، كما نشر كتاباً مهماً في السنوات الأخيرة من حياته حول الامبراطور البيزنطي جوستنيانوس[ر] Justinianos.

عمل على توطيد العلاقات العلمية بين فرنسا وسورية في قطاع الآثار، من خلال أبحاثه العلمية والوظائف الإدارية التي تقلّدها؛ وتقوية التعاون العلمي مع المديرية العامة للآثار في سورية بطريقة صحيحة وعلمية؛ بصفته مديراً للمعهد الفرنسي في الشرق الأدنى خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي؛ إذ شارك في كثير من الفعاليات العلمية في المديرية العامة للآثار والمتاحف، وسعى إلى تطوير البحث العلمي، مؤكداً ضرورة تأهيل الكوادر السورية من خلال نشاطات المعهد الفرنسي في دمشق أو البعثة الأثرية العاملة في المدن المنسية. درّس جورج تات تاريخ سورية في الجامعات الفرنسية، وشجع البحث الأثري فيها، وكان خير من أوصل الحقيقة العلمية عنها إلى فرنسا، كما كان سنداً للطلبة السوريين في فرنسا، ولم يتوانَ في تقديم المعرفة والمشورة العلمية لهم وكان مؤمناً بالتعاون العلمي مع سورية والمشاركة في تأهيل الكوادر السورية بمنهجية علمية.

قام جورج تات خلال السنوات الأخيرة من حياته بإعادة تأسيس هيكلية المعاهد الفرنسية الموجودة في الشرق الأدنى، والمختصة في مجال التاريخ والآثار؛ بطريقة أكثر فعالية في مجال التعاون العلمي مع بلدان المشرق العربي.

كان جورج تات شخصية معروفة في الأوساط العلمية السورية؛ لدى الكثير من أبناء هذه المنطقة الذين أحبوه من خلال علمه واحترامه الكبير لتقاليدهم، وقد حاز هذا العالم وسام الاستحقاق السوري من السيد الرئيس الراحل حافظ الأسد لدوره الكبير في تطوير مجال البحث الأثري السوري.

أخيراً عرف جورج تات بالحكمة والمعرفة والتواضع والسخاء، أحبّ سورية وعمل فيها لمدة تزيد على أربعين عاماً، وكان يعدها دائماً وطناً ثانياً له، كما كانت له مواقف نبيلة ومشرفة تجاه الحقوق العربية في الصراع العربي الإسرائيلي.

مأمون عبد الكريم