خيروكيتا
Khirukita -

 خيروكيتا

خيروكيتا

 

يتوضع موقع خيروكيتا Khirokita على الطريق الرئيس بين ليماسول وليفكوزيا؛ على سفح هضبة في أسفل سلسلة جبال ترودوس، في المنعطف الغربي لوادي نهر ماروني الذي يصل بين جبال ترودوس والبحر الأبيض المتوسط، على بعد ستة كليومترات من الساحل الجنوبي لجزيرة قبرص، وثلاثين كيلومتراً من مدينة لارنكا الحالية، ومساحته 1,5 هكتار.

اكتشف الموقع بورفيريوس ديكايوس Porphyrios Dikaios مدير مصلحة الآثار القبرصية؛ فأجرى عدة أسبار أتبعها بستة مواسم بين عامي ١٩٣٦ و١٩٤٦م، تابعت مصلحة الآثار التنقيب في الموقع مدة موسمين: الأول عام ١٩٧٢م بإدارة د.خريستو D. Christou ون. ستانلي N. Stanley. وأما الثاني فكان عام ١٩٧٦م بإدارة أعضاء مدرسة الآثار البريطانية في القدس. استأنفت بعدها بعثة فرنسية أعمال الحفريات عام ١٩٧٧م بإدارة آلان لوبران Alain Le Brun بتمويل من المركز الوطني للبحوث العلمية الفرنسي ووزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، واستمر التنقيب في الموقع بإدارة لوبران إلى عام ٢٠٠٧م.

احتضن الموقع مستوطنة تعود في تاريخها إلى العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار PPNB (الألف السابع قبل الميلاد)، وتبين أن هناك نقاط تشابه متعددة بينه وبين بعض مواقع الحضارة النطوفية، ولاسيما عين الملاحة ومرحلة ما قبل الفخار في أريحا.

بنيت المستوطنة داخل منحدر للنهر يؤمن لها حماية طبيعية من ثلاث جهات؛ من الشمال والشرق والجنوب الشرقي. ولتأمين الحماية من الجهة الغربية بني سور من الحجر والطين المدكوك والآجر المجفف بطول مئة وثمانين متراً وسماكة مترين ونصف المتر وارتفاع ثلاثة أمتار.

يمثل مدخل القرية نظاماً معمارياً معقداً، صُمِّم ليتغلب على الفارق في الارتفاع بين المستوى الذي بنيت عليه القرية وبين الأرض المحيطة بها التي تنخفض عنها قرابة المترين. تميز بناء المدخل هذا بعدد من الميزات التي تكفل مراقبة الطريق الداخل إلى القرية؛ فضم درجاً حجرياً له إحدى عشرة درجة على ثلاث مجموعات؛ كل مجموعة تتعامد بزاوية قائمة مع المجموعة التي تليها، وضم كذلك بناءً حجرياً رباعي الزوايا له سطح مجصص يرتبط بالسور الخارجي للقرية. وكان على من يرغب الدخول إلى القرية أن يمر بأول نقطة مراقبة وهي البناء الحجري، ويصعد أول مجموعة من الدرجات، ثم ينعطف يساراً لصعود مجموعة الدرجات الثانية، وبعدها ينعطف إلى اليمين لصعود مجموعة الدرجات الثالثة، وفي الأعلى يجب الانعطاف يميناً من جديد والمشي عدة أمتار ثم الدخول إلى القرية.

 

موقع خيروكيتا الأثري (العصر الحجري الحديث)

 

بنيت بيوت خيروكيتا على شكل دائري شبيه بأكواخ التولوس Tholos، وتنوعت مساحات هذه البيوت، فكانت أقطار البيوت الصغيرة تراوح ما بين03,2 - 4م، وتراوح أقطار البيوت الكبيرة ما بين 7 - 9م. وكثيراً ما كانت البيوت ذات جدران مضاعفة بنيت أجزاؤها السفلى من الحجر الجيري المحلي، أما الأجزاء العليا فبنيت من الطين المدكوك والآجر المجفف تحت أشعة الشمس. غطيت أرضيات البيوت وسطوح الجدران الداخلية بالجص الطيني الذي استخدم قاعدة لوضع زخارف جدارية ملونة، وبني في أسفل الجدران مقاعد حجرية وفتحت فيها نوافذ وخزائن.

كما عثر على عدد من الأبنية التي اجتمعت كخلية النحل لتؤلف منزلاً كبيراً، وكل بناء منها له وظيفة محددة؛ فبعضها استخدم للسكن، وبعضها الآخر استخدم للطبخ؛ حيث عثر في وسطه على مواقد للطهو، وغيرها استخدم مشاغل لنشاطات اقتصادية مثل طحن الحبوب؛ حيث عثر فيها على منشأة للطحن وفيها حاوية لجمع الدقيق. رصفت أفنية البيوت وساحاتها بحجارة مسطحة، وعثر فيها على طاولات دائرية لتناول الطعام، وممرات للدخول إلى الفناء والخروج منه، وكانت أسقف البيوت مسطحة وليست مقببة، وتألفت من إطار خشبي مصنوع من أغصان أو قصب أو طين مدكوك.

 

بيوت خيروكيتا بعد إعادة البناء

 

وجد في عدد من البيوت أعمدة حجرية صلبة كانت تحمل على الأرجح طابقاً ثانياً يوصل إليه عن طريق سلم، ولمداخل البيوت عتبة عالية لمنع دخول المطر والطين، ووجد في بعض الأحيان درجات حجرية تقود إلى داخل الغرف. وعثر داخل البيوت على مواقد وخزانات وحفر التخزين.

بنيت المدافن في خيروكيتا تحت أرضيات البيوت- وذلك ليكون الأموات على اتصال دائم بالأحياء- بشكل مشابه لموقع أوغاريت وموقع جبيل (بيبلوس) على الساحل السوري. وكان الدفن الفردي بوضع مثني هو القاعدة المتبعة، وهناك بعض الشواهد على تقديم الأضاحي إلى الأموات، مما يدل على فكرة عبادة الأجداد عند أهل الميت.

كانت أغلب المقابر خالية من اللقى والهدايا، ولكن عثر في بعض قبور المنازل على بقايا الموتى من نساء وأطفال، وزودت بعضها بأدوات وحلي كالإبر والمخارز العظمية، وبعضها الآخر بأوانٍ حجرية، وكثيراً ما كانت مكسورة لاعتقادات دينية، كما وجدت قلادات من صدف وخرزات حجرية حول عنق بعض النساء، ودبابيس وتقدمات أخرى مع الرجال أو الأطفال.

أدوات حجرية من خيروكيتا

تميز حرفيو خيروكيتا بصناعة الأواني الحجرية من الصوان ومن حجر الأنديسيت المحلي، ولاسيما الطاسات الأنبوبية الرمادية المائلة إلى الخضرة، والأطباق القليلة العمق المستديرة والمربعة وذات الأشكال شبه المستطيلة، وقد عثر على آنية حجرية من طراز خيروكيتا في سويات سهل العمق A، مرحلة ما قبل 6000 ق.م. وزينت الأواني الرقيقة ذات الجودة بتحزيزات أو شرائط تشكيلية كالعقد والتضليعات التي تذكر بالأواني الخشبية وصناعة السلال، وزينت بعض الطاسات برؤوس بشرية أو حيوانية مثل الخراف والثيران، كالتي عثر عليها في عين الملاحة وفي أريحا- الطبقة B، وربما استخدمت سراجاً للإنارة، ووضعت لبعضها مسكات لها شكل الإبهام أو القرون. وصنعوا الحلي من حجر البيكريت الموجود بكثرة قرب خيروكيتيا، وأحضروا حجر الأوبسيديان من الأناضول لاستخدامه في صناعة أدواتهم، وهذا دليل على وجود علاقات من نوع ما مع بلاد الأناضول، كما صنعوا دمى طينية وحجرية ذات رؤوس تخطيطية رمزية.

استمرت حضارة خيروكيتا حتى الألف الرابع قبل الميلاد ثم اختفت فجأة كما ظهرت من دون أن تعرف أسباب ذلك.

إبراهيم توكلنا

 

مراجع للاستزادة:

-Alain Le Brun, Le Néolithique de Chypre, (Paris, 2007).

-Alain Le Brun, The Cypriot Aceramic Neolithic as Seen from Khirokitia, in the Earliest Prehistory of Cyprus”, (Boston, 2001).


- التصنيف : عصور ما قبل التاريخ - المجلد : المجلد السادس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق