دمي في عصور تاريخيه
-

الدمى في العصور التاريخية

 

 

الدمى Figurines هي نماذج صغيرة لأشكال متنوعة إنسانية أو حيوانية، مصنوعة باليد أو بالقالب بأسلوبٍ يُظهر أبعادها الثلاثة. وتشتمل أيضاً على الصفائح الطينية plaques التي كانت تُصنع بالقالب وتظهر تفاصيل العناصر الفنية على سطح وحيد؛ في حين يأخذ الطرف الآخر شكل صفيحة خالية من الزخارف بعد تسويتها لإزالة الآثار الناجمة عن عملية الضغط داخل القـالب. غالباً ما كانت تُصنع هذه المنتجات الفنية من الطين الناعم الذي استمر استخدامه حتى العصور التاريخية إلى جانب الحجر والخشب والمعدن والعاج، وهي من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان منذ العصر الحجري القديم واستُخدمت في الفترات جميعها في سورية وبلاد الرافدين. كان إنتاج هذه الدمى المُتمثلة بالآلهة الأم مرتبطاً بالخصوبة منذ عصور ما قبل التاريخ واستمر في العصور اللاحقة على نحو مرتبط بعبادة الربة عشتار (إنانا). وقد عُثر على هذه الدُّمى في البيوت والقبور والقصور والمعابد؛ إذ تعدَّدت استعمالاتها في مختلف أوجه الحياة لأغراض سحرية بهدف طرد الأرواح الشريرة من خلال كسرها أو دفنها أو حرقها، أو لأغراض شعائرية أو دينية، وربما كان بعضها يستخدم ألعاباً للأطفال.

دمية طينية من إيبلا - متحف إدلب - الألف الثالث ق.م

تُصنَّف الدُّمى تبعاً للشكل إلى قسمين: الدُّمى الإنسانية والدُّمى الحيوانية. للدُّمى الإنسانية نوعان: أنثوية ومن أهم أشكالها المرأة العارية، وذكورية وتمثل آلهة أو أشخاصاً أو أشكالاً مخيفة لشياطين ووحوش. أما أشكال الدُّمى الحيوانية فقد اقتصرت على الحيوانات ذات القوائم الأربع: الخراف، الأغنام، الكلاب، البقريات، الأسود، الخنازير، كما وجدت بينها نماذج للأسماك والطيور كالعصافير والطيور الجارحة. علاوةً على بعض الأشكال المركبة من إنسان وحيوان ونماذج من العربات والفرسان. كما مثلت الصفائح الطينية أشكالاً أنثوية عارية وأرباباً وعازفين وموسيقيِّين.

ثلاث دمى طينية أنثوية طينية، تؤرخ الألف الثاني ق.م، سرقت من مواقع الشمال

جرة على شكل دمية أنثوية اكتشفت في جبيل ربما كانت مصدرها من إيبلا - الألف الثالث ق.م

أُنتجت الدُّمى التي تُمثّل أشكالاً إنسانية وحيوانية منذ الألف الرابع ق.م، وقد ازدادت وتنوعت كمية هذه المنتجات الطينية في العصر السّومري في بلاد الرافدين وفي سورية خلال الفترات التاريخية المبكرة؛ فقد شغلت مكاناً بارزاً بين الأعمال الفنية في تلك الفترة، وهذا يدل على وجود فن شعبي مختلف عن الفن الرسمي الملكي. كثُرت دمى الحيوانات رباعية الأرجل كالبقريات والأغنام في الألف الثالث ق.م. إلى جانب الدمى الأنثوية التي تضمنت أشكالاً مختلفة التفاصيل. شُكلت ملامح وجه بعض الدمى بأسلوب قبيح يطغى على الزينة التي كانت تُجمِّل العنق والصدر؛ فكان الأنف على شكل منقار وغُطي الرأس والأذنان بغطاء يشبه الخوذة كدمى إيبلا. من أشهر مواضيع الدمى والصفائح الطينية في العصور التاريخية الأنثى العارية التي تمَّ تشكيلها من الطين بأسلوب تجريدي يبرز مناطق الخصوبة. تنوعت فيها تسريحات الشعر واختلفت وضعية الذراعين المضمومتين إلى الصدر في أغلب الأحيان. كما تمَّ تزيينها وتمثيل الجزء السفلي منها بشكل تخطيطي على هيئة عمود. انتشرت هذه الدمى الأنثوية بكثرة في مختلف مناطق بلاد الرافدين وسورية، حيث تميزت دمى منطقة الفرات الأوسط وسورية الغربية بتسريحة الشعر المعقدة وباليدين اللتين تحضنان الثديين كتلك التي عُثر عليها في تل حلاوة وإيبلا وسلنكحية وأم المرا وماري. وفي هذه الأخيرة تمَّ الكشفُ عن الكثير من الصفائح والدمى الطينية للمرأة العارية التي تضع يديها أسفل الثديين إضافةً إلى الدمى النسائية المزينة بأقراصٍ صغيرة والدمى الحيوانية والذكورية العارية. وتعد هذه المنتجات تقاليد فنية سورية ورافدية.

إناء عليه أشكال طيور وحيوانات - إيبلا - الألف الثالث ق.

دمية طينية من إيبلا - متحف إدلب - الألف الثالث ق.م

لم تُصنع الدمى الطينية المبكرة- الإنسانية والحيوانية- بإتقان كبير على عكس الدمى الأنثوية الصغيرة المصنوعة من مواد أخرى، والتي أبدع الفنان في صُنعها. وقد عُثر في ماري (ضمن ما يسمى بكنز أور) على دمية من المعدن لربة عارية تقود عربة، وأخرى من العاج كانت قد جُسدت عارية أيضاً وذراعاها مضمومتان إلى الصدر، وهي من الأعمال الفنية النادرة بالنسبة إلى تلك الفترة، حيث يتضح من أسلوب التشكيل الفني لملامح الوجه في هذه الدمى أنها كانت تنتمي إلى التقاليد الفنية السورية.

-دمية طينية من أحد المواقع السورية، تؤرخ بين ٢٧٥٠- ١٩٠٠ق.م

خلال الألف الثاني ق. م- في الفترة التي تشمل عصر البرونز الوسيط- حافظت الدمى الطينية الصغيرة المقولبة أو المصنوعة باليد على مكانتها المرموقة وأُنتجت بكثرة. استمرت تقاليد المنتجات الفنية العائدة إلى العصر البرونزي المبكر، وأصبحت تقنية تصنيع الدمى باليد من سمات هذه الفترة، وكانت تُجسِّد مواضيع مختلفة: الإنسان في ممارساته اليومية الحرفية أو الدينية، دمى نسائية وحيوانية، مواضيع أسطورية كأسطورة دموزي وعشتار والزواج المقدس الذي تم تمثيله إلى جانب الآلهة على مجموعة من الصفائح الطينية في الشرق القديم. لم يتخل الفنانون عن إنتاج الدمى الأنثوية العارية المعروفة سابقاً في المنطقة، والتي ترمز إلى الربة عشتار؛ بل استمر إنتاجها وكانت من أكثر المواضيع شهرةً؛ إذ تميزت بتسريحة الشعر المعقّدة، وباليدين اللتين تحضنان الثديين، والوركين البارزين. وتميز النمط النموذجي لدمى هذه الفترة بالثديين اللذين تم لصقهما على الجسد وبعضو الخصوبة على شكل مثلث منقّط. وقد مُثلت الأنثى العارية أو الربة عشتار على الكثير من الصفائح الطينية التي عُثر عليها في مختلف مواقع بلاد الرافدين وسورية مثل: كيش وإيبلا[ر] وقطنة[ر] وحماة، أم المرا[ر] وتل حلاوة [ر] وماري، والتي ظهرت في منتجاتها تأثيرات رافدية من خلال تجسيد الآلهة مع الأسود على الصفائح الطينية. وقد شكّلت الدمى الحيوانية للبقريات والمواشي في بعض المواقع نسبة كبيرة من اللقى الأثرية مقارنةً بالدمى الإنسانية

 الذكورية.

دمية أنثوية طينية نهبت خلال الحرب من مواقع الشمال السوري - بداية الألف الثاني ق.م

في عصر البرونز المتأخر تمَّ تقليد المواضيع السابقة في إنتاج الدمى والصفائح الطينية التي تمثل أغلبها الأنثى العارية التي ترمز إلى الربة الأم. وأصبحت المنتجات الفنية تصنع بالقالب؛ ممّا أدى إلى ظهور نمطية في الأشكال، كما استُبدل بالأسلوب التجريدي الذي طغى على منتجات عصري البرونز القديم والوسيط أسلوب أكثر واقعية؛ إذ صار للدمى الأنثوية العارية أنمـاط خـاصة ظهر فيها بعض التنوع كوضعية الذراعين، إمّا مسبولتان على جانبي الجسم، وإمّا موضوعتان فوق الثديين، كلتاهما أو إحداهما؛ في حين كانت الذراع الأخرى ممتدة إلى جانب الجسم. زُيّنت هذه الدمى بحلي (أساور وقلائد) وتنوعت تسريحات الشعر كتلك التي تمَّ الكشف عنها في ممباقة[ر]، إيبلا، تل حديدي[ر]، تل أفس [ر]، أم المرا. وظهرت أيضاً دمى الأرباب على العرش وأخرى تمثل أشخاصاً يحملون آلات موسيقية في كلٍّ من إيبلا وتل حديدي.

دمية أنثوية طينية تمثل إلهة يونانية تؤرخ بين ١٤٠٠-١٠٠٠ق.م

دمى حجرية من تل صبي أبيض - عصر البرونز الحديث

كما عرفت الصفائح التي تمثل الأنثى العارية بوضعيات متعددة انتشاراً واسعاً في سورية امتد من الساحل السوري حتى الفرات الأوسط مثل: رأس الشمرا [ر]، حماه [ر]، تل ممباقة، أم المرا.

صفيحة طينية لإله من الألف الثالث ق .م

وهناك أيضاً مجموعة من الدمى الحجرية غير واضحة المعالم، نُحتت بأسلوب مختزل من البازلت أو الحجر الكلسي، اختلف الباحثون في تحديد وظيفة هذا النوع من الدمى التي كانت شبه طبيعية أو على شكل كتل حجرية غير منتظمة في وضعية القرفصاء، انتشرت هذه الدمى في عصور البرونز جميعها في المشرق وشمالي بلاد الرافدين وسورية.

دميتان أنثويتان من الطين نهبتا في أثناء الحرب

وفي عصر الحديد استمرت الأنماط السابقة وبدأت تحمل الكثير من القيم والمعاني الفنية إلى أن وصلت إلى قمة الإتقان خلال عصر الحديد III. فقد أُنتج بوفرة وبشـكل متقن النمط السائد في تلك الفترة، والذي يمثل الربة عشـتار من خلال دمى وصفائح تم تصويرها بأشكال متباينة، ومن أهم المواقع التي أنتجت فيها هذه الدمى تل المسطومة [ر]، تل قرقور[ر]، تل أفس. كما انتشر خلال هذا العصر نمط متميّز من الدمى الذكورية التي تتمثل بالخيّال أو الفارس الذي يمتطي صهوة جواده.

في الواقع كانت دمى الفرسان قد أُنتجت في سورية وبلاد الرافدين منذ نهاية الألف الثالث ق.م. مُعلنةً بذلك ظهور نمط جديد من الدمى الذي سيستمر إنتاجه حتى العصر الهلنستي. وفي بداية الألف الأول ق.م ازداد عدد هذه المنتجات اليدوية الصنع على نحو ملحوظ إلى أن أصبحت تُصنع بالقالب وبكميات كبيرة في القرن السادس ق.م. لتكون سمة من السمات الفنية في ذلك العصر.

وقد عُرفت هذه المنتجات في مناطق واسعة من سورية بدءاً من الشمال حتى مناطق الجنوب السوري وصولاً إلى فلسطين. ويتضح من أسلوبها الفني أنها تنتمي إلى تقاليد مشرقية تشير إلى وجود مدرسة فنية خلال الألف الأول ق.م كانت منتشرة في كامل المشرق، والتي كان من أهم ميزاتها صفائح الأنثى العارية والفارس الذي يمتطي حصاناً.

سوزان ديبو

 

- التصنيف : العصور التاريخية - المجلد : المجلد السابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق