الدكة (خان-)
دكه (خان)
-
الدكة (خان -)
يقع خان الدكة في مدينة دمشق القديمة داخل السور في منطقة الشاغور الجواني، في حارة الفسقار مقابل جامع سيدي هشام، بداية شارع مدحت باشا من الجهة الغربية وإلى يسار الداخل إلى السوق، يليه ويجاوره من الشرق خان الزيت [ر]، ويليه خان جقمق [ر]، وتعود كلها إلى الفترة المملوكية، ويعد خان الدكة من أقدم خانات المدينة التي ما زالت قائمة حتى اليوم، وتبلغ مساحته نحو ٨٦٥م٢.
موقع خان الدكة في مدينة دمشق القديمة |
اختلفت المصادر التاريخية في تحديد تاريخ بنائه ووظيفته الأصلية، فقد ذكرت بعض المصادر التاريخية أنه أنشئ لبيع الدقيق والقمح في سنة ٧٤٠هـ/١٣٣٩م، في فترة ولاية الأمير سيف الدين يلبغا اليحياوي الناصري نائب السلطنة المملوكية بالشام وصاحب جامع يلبغا[ر] الشهير بساحة المرجة.
ذكره ابن عبد الهادي المقدسي (٨٤٠هـ/١٤٣٦م-٩٠٩هـ/١٥٠٣م) في رسالته «الإعانات في معرفة الخانات»: «خان التكة بسوق جقمق». والتكّة: هي رباط السراويل من الأعلى (يقابلها اليوم الزنّار أو القشاط)، وذكرت بعض المصادر الأخرى الخان باسم «الدكة»، والدكّة (المصطبة): هي المكان المرتفع، كما ورد في «خارطة» شرطة دمشق بتسمية «خان الشركة».
مخطط الخان |
ولعل الخان من الأوقاف التي أوقفها- على المدرسة الجقمقية- الأمير سيف الدين جقمق نائب السلطنة في دمشق الذي عُيِّن سنة ٨٢٢هـ/١٤١٩م، والذي ذكرت المراجع أنه أوقف عليها السوق المسمى باسمه (بداية سوق مدحت باشا اليوم)، لكن أوقاف المدرسة قد نهبت بعد مقتل الأمير جقمق سنة ٨٢٤هـ/١٤٢١م، وهذا ما يفسر اليوم وجود مالكين متعددين لمحلات الخان.
ذكره العلبي في خططه: «خان الدكة، ويعرف بخان التكة، وخان الجواري، من الخانات القديمة في دمشق، وقد زاره كارل واتسنجر وقال إن أعمدته الكلاسيكية المعاد استعمالها ترجع إلى بقايا أعمدة الشارع المستقيم، وقد تحول الخان حديثاً إلى مصبغة، ثم إلى ورشات للنسيج الوطني، وفيه اليوم اثنا عشر مخزناً وبركة حديثة وصفان من الأعمدة، ومعظمه متهدم ومحدث، وليس فيه من القديم إلا عمده واسمه».
مدخل خان الدكة من سوق مدحت باشا |
ورد عنه في الجرد التاريخي والأثري للخانات: «خان الدكة: وكان يسمى قديماً خان الجواري ويباع فيه العبيد، وقدرت قيمته سنة ٧٤٠ﻫـ/١٣٣٩م بمبلغ ١١٠.٠٠٠ درهم، وأطلق عليه اسم خان الدكة (أي المصطبة) منذ نهاية العصر المملوكي، وهو لا يزال قائماً في الطرف الشمالي من القسم الغربي من سوق مدحت باشا، إنه خان مهمل يتألف من طابق أرضي فقط، يدخل من دهليز محاط بأربع غرف، غرفتين من كل جانب إلى باحة مكشوفة غير منتظمة تحتوي في وسطها على بركة حديثة ذات ١٢ ضلعاً، والباحة محاطة (بثماني) غرف، إضافة إلى قاعة واسعة في الزاوية الشمالية الشرقية لا تزال تستعمل للطباعة على الأقمشة. وفي الباحة صفان متوازيان من الأعمدة، يتكون كل صف من ثلاثة أعمدة كلاسيكية، متباعدان عن بعضهما بـ ١٤.٩٠م؛ ربما كانت تحدد مصطبة يُعرض عليها العبيد للبيع مما يبرر الاسم الثاني للخان «خان الدكة». وقد كان الخان يشتمل على مصابغ في بداية القرن ١٤هـ/٢٠م، ثم حُوِّلت إلى دكاكين بدءاً من سنة ١٣٤٦هـ/١٩٢٨م، بينما انتقل سوق العبيد إلى خان الجوار (خان الحرمين)، وخان الدكة لا يمثل في حالته الراهنة قيمة أثرية كبيرة إلا أنه أقدم خان لا يزال موجوداً بدمشق».
مازالت الأعمدة (التي ذكر أنها كانت تحمل المنصة) قائمة في الخان، ويظهر ثلاثة منها في جدران الفسحة السماوية، وبعضها الآخر ضمن الفراغ الواقع في الجهة الشمالية الغربية والمستخدم حالياً مطبعة، وارتفاع ما يظهر منها في الفسحة السماوية يؤكد أنها كانت مستخدمة لحمل منصة.
ولعل أهم ما بقي أيضاً من الخان عناصر بوابته المبنية من الحجر الكلسي، وتأخذ شكلاً مستطيلاً، مع قطاعات دائرية حجرية تزيينية في زواياها العليا، التي يعلوها ساكف مستقيم، تعلوه قوس عاتقة، وتؤطر هذه العناصر قوس من حجر البازلت الأسود، تعلوها وتتداخل مع الجدار ليكون لها دور جمالي وإنشائي. وتكسو الكلسة العربية البيضاء ما بقي من مساحة الواجهة فوق المدخل، كما يلحظ على يسار المدخل سبيل ماء، لا تدل عناصره المعمارية على أنه من الفترة التاريخية نفسها للبوابة وعناصرها. ويؤدي المدخل الذي ينفتح على شارع مدحت باشا مباشرة إلى دهليز مكشوف قد تكون الجدران المطلة عليه ونوافذها المعقودة من عناصر الخان الأصلية، ويؤدي إلى الفسحة السماوية التي تأخذ شكلاً غير منتظم بسبب تداخل الكتلة المبنية معها، وقد حل محل البركة الأصلية - التي تتوسط الفسحة والتي كانت قائمة حتى سنة ١٣٥٩هـ/١٩٤٠م، والتي ذكر أنها ذات ١٢ ضلعاً- بركة أخرى صغيرة محدثة.
عمود في الواجهة الغربية الداخلية لفناء خان الدكة | عمود في الواجهة الشمالية الداخلية لفناء خان الدكة |
جرى ترميمه سنة ١٢٩٠هـ/١٨٧٣م، ثم جُدد سنة ١٣٢٣هـ/١٩٠٥م، وذلك وفق ما ذُكر في وثائق المحكمة الشرعية وسجلاتها.
يميز الخان أيضاً أنه يتألف من طابق واحد، ويضم اليوم ١٦ محلاً تجارياً، يستخدم أغلبها لبيع الملبوسات، أو مستودعات لتلك المهنة، وقد جرى عليه العديد من التغييرات والتعديلات الأخرى من قبل مستخدميه على الجدران والأسقف وواجهات المحلات، وأغلب تلك التعديلات جرت بمواد حديثة شوهت طابعه الأصلي، وطالت أيضاً أرضيته التي أصبحت من الحجر الحديث.
وربما جرت تلك التعديلات في فترة الأربعينيات من القرن الماضي، الأمر الذي قد يفسر عدم تسجيله أثرياً بقرار إفرادي على الرغم من أنه أقدم خانات مدينة دمشق، لكنه مسجل أثرياً بقرار تسجيل المدينة القديمة.
أحمد دالي
مراجع للاستزادة: - أكرم حسن العلبي، خطط دمشق (دار الطباع، دمشق ١٩٨٩م). - عبد القادر الريحاوي، العمارة العربية الإسلامية خصائصها وآثارها في سورية (دار البشائر، دمشق ١٩٩٩م). |
- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد السابع مشاركة :