درويشيه (جامع)
-

 الدرويشية (جامع -)

 

يقع جامع الدرويشية (درويش باشا) في مدينة دمشق القديمة مجاوراً لأسوارها الغربية؛ في منطقة القنوات؛ على الضلع الغربية لشارع سعد زغلول (جادة الدرويشية) وعند الزاوية الشمالية لالـتقـائها مع زقاق الدرويشية.والجامع مشيّدة عثمانية بمساحة تبلغ نحو ٦٥٠م٢، ضمن مجموعة درويش باشا المعمارية المؤلفة من سبيل ومكتب ملحقين بالجامع إضافة إلى تربة وسبيل جنوبيه. بدأ بتشييدها والي دمشق درويش باشا- حين تصدّر ولايتها- سنة ٩٧٩هـ/١٥٧١م وأتمّها سنة ٩٨٢ هـ/١٥٧٤م؛ قبل تولّيه نيابة مرعش، وأوقف عليها أوقافاً. كان في موضعه مسجد صغير فعمّره جامعاً نزهاً، وعيّن الشيخ إسماعيل النابلسي مدرّساً فيه. ومما قاله أسعد طلس في ذيل كتاب «ثمار المقاصد في ذكر المساجد»: «وهذا الجامع من أعظم جوامع دمشق وأبهاها منظراً وأغناها نقوشاً وزخارف وقاشانياً، أما محرابه ومنبره فهما آيتان من آيات الفن...».رمّمته دائرة الآثار خلال السنوات ١٣٦٥-١٣٦٨هـ/ ١٩٤٥-١٩٤٨م، ثم تعرّض لتعديلات وإضافات متعددة، ثم قامت مديرية أوقاف دمشق بترميمه تحت إشراف زكريا كبريت، وتم افتتاحه سنة ١٤٣٢هـ/٢٠١٠م فاسترجع حلّته القشيبة.

منظر عام
الرواق الجنوبي للصحن

للجامع أربع واجهات: تلتصق الغربية منها بجدار جامع المدرسة المغيربية [ر]، وتشكل الواجهة الشرقية- وهي الرئيسية- الواجهة الرائعة لمجموعة الدرويشية الكاملة من جامع ومكتب وتربة، ويجتمع الجامع والمكتب في كتلة واحدة لتدل على الطراز العثماني الدمشقي. وأهم ما يميّز هذه الواجهة هو مدخل الجامع الذي تعلو واجهته عن الواجهة الباقية مشكلةً عقداً مدبباً عالياً من الحجارة البيضاء والسوداء مؤطّراً بشريط زخرفي يضم تحته الباب المعقود بعقد وتري ذي صنجات معشّقة من الأبلق وما يعلوه من زخارف هندسية وكتابية، وجاءت المئذنة فوق المدخل لتؤكد المدخل وتظهر البراعة الإنشائية والروعة المعمارية، وثمة قبة صغيرة تسقف المستوى الأول لدرج المئذنة عن يمين جذعها. وأما العنصر الجمالي الآخر فهو المكتب الموجود في الزاوية الجنوبية فوق قبوة جادة القنوات (ساباط)، وهو مسقوف بقبة نصف كروية ملساء متوّجة بالهلال، وله شباكان شرقيان متماثلان. وللواجهة الشرقية ثلاثة شبابيك متماثلة تعلوها قمرية تفتح على الرواق الشرقي للحرم، ويعلو جميعها عقد حجري مدبّب. وهذه الواجهة مكسوّة كلها بالحجر الأبلق (الأبيض والأسود) في صفوف متناوبة تنتهي بإفريز حجري علوي يؤطر الواجهة كلها.أمّا الواجهة الجنوبية فهي بسيطة ومغطّاة باللياسة والكلسة، ولا يحرّكها سوى بروز المحراب ووجود عدة فتحات صغيرة علوية معقودة بعقد مدبب.

الواجهة الشمالية مبنية من مداميك الحجر المتناوبة من اللونين الأبيض والأسود (الأبلق)، ولها شباكان متماثلان مغطّيان بمشبّكات معدنية يطلّان على صحن الجامع، يعلوهما عقدان مدبّبان حجريان. ولا يميّز هذه الواجهة سوى شريط حجري زخرفي يحيط بالشباك الشرقي والسبيل الرائع في الزاوية الشرقية منها، والذي يعلوه عقد واسع مدبب ومتجاوز من الحجارة البيضاء والسوداء، وهو يستند إلى صفّين من المقرنصات الحجرية، ويضم لوحة ذات إطار زخرفي هندسي حجري تضم أحجاراً مزررة بيضاء وسوداء تتوسطها لوحة زخرفية كتابية من القاشاني تحوي النص الآتي:

«أحيا دمشق وأهلها بسبيله

درويش باشا دام فعل جميله

قبل الكريم ثوابه لمـا أتــى

تــاريـخـه لله خـير ســبيــله».

الصحن وبركة الميضأة
مدخل الحرم

ثم تنتهي الزاوية الشمالية الشرقية للواجهة بشطفة تعلوها مقرنصة.وللجامع مئذنة فريدة شُيّدت بالحجارة الصقيلة فوق المدخل، ويُصعد إليها بوساطة درجات حجرية منحوتة مركّبة على نواة بدءاً من يمين مدخلها حتى مستوى السطح، ثم يستمر الدرج صعوداً فوق كتلة المدخل. قاعدتها مربعة تنتقل إلى رقبة مثمنة بوساطة مثلثات هرمية، ثم تنتقل إلى الجذع المؤلف من عشرين ضلعاً بوساطة المثلثات الهرمية أيضاً، وهو يحوي كوى إضاءة معقودة بعقد نصف دائري، وهو خالٍ من الزخارف إلا من شريطين زخرفيين بأسفله وأعلاه. ثم ينتقل الجذع إلى شرفة الأذان عبر مقرنصات حجرية؛ والتي يؤطرها درابزين من الحجر المزخرف بأشكال هندسية. ثم تعلو الشرفة مظلّة مضلّعة معدنية بارزة قليلاً عنه. ثم يعلو المظلة الجوسق المضلع ذو النوافذ المعقودة المصمتة، وأمّا القلنسوة فهي مخروطية مضلّعة ومغطّاة بألواح الرصاص، تنتهي بتفاحات وهلال نحاسي. وقد ذكر محمد بن جمعة المقّار في حوادث سنة ١١٣٦هـ/١٧٢٣م ما نصّه: «وفي عاشر شهر ربيع الثاني سنة ست وثلاثين وماية وألف تزعزعت منارة جامع الدرويشية، وعُمّرت عمارة جديدة من الأسفل إلى فوق».يتم الدخول إلى الجامع من الجادة الرئيسية الشرقية من خلال باب خشبي ذي مصراعين مزخرفين بزخرفة هندسية؛ ضمن تجويف بعمق متر واحد عن الواجهة، وهو مزوّد بمسكتين نحاسيتين زخرفيتين، وله عقد وتري بُني من أحجار متناوبة من اللونين الأبيض والأسود فيها بعض الزخارف، ثم يعلوه عقد حجري مدبب، ثم يحيط بهذا العقد إطار حجري زخرفي بأشكال هندسية؛ ثم تعلوه لوحة زخرفية ضمنها لوحة كتابية نصّها:

في دولة السلطان بالعدل مراد

من قام بالفرض وأحيا السنة

درويش باشا قد أقام معبداً
وكم له أجر به ومنّة

بناه خير جامع تاريخه
لله فاسجد واقترب بجنّة

ويحيط بكامل المدخل شريط زخرفي حجري أيضاً. ويفضي هذا المدخل إلى بهوٍ مربعٍ صغير يعلوه عقد نصف دائري حجري أسود يرتكز على الجدران، يعلوه عقد حجري مدبب من اللونين الأبيض والأسود يستند إلى الدعائم الجانبية، وأرضية هذا البهو الصغير ذات إطار حجري من اللونين الطحيني والأسود يتوسطه رخام أبيض وسمّاقي.

ثم يفضي هذا البهو الصغير إلى صحن مستطيل، تتوسطه بركة ذات اثنتي عشرة ضلعاً، والتي تـتوسطها أيضاً نافورة حجرية ذات طبقتين، ويحيط بالبركة إطار حجري منخفض قليلاً لتصريف المياه بعرض نحو ١٢سم. أرضية الصحن مرصوفة بالحجر المزي عموماً يتخلله الحجر الأسود قليلاً، وثمة تربيعات زخرفية رخامية ذات أشكال هندسية بالألوان الأبيض والسمّاقي والأسود على الضلع الموازية لرواق الحرم الخارجي. سقف الصحن مفتوح، وتبرز مظلة خشبية على الضلعين القبلية والشرقية معتمدةً على كوابيل خشبية، تستند إلى منحوتات حجرية مُنزلة بين العقود، وقد غُطّي حديثاً بسقف شفاف متحرك يوفر التهوية والإنارة.

دكة المبلغ والرواق الغربي للحرم
القبة المركزية للحرم

واجهة الصحن الشمالية لها شباكان متماثلان، والشباك ذو إطار حجري باللونين الأبيض والأسود، يعلوه عقد حجري مدبب من الحجر الأبيض والأسود يتضمن لوحة من القاشاني الأزرق المتضمن آيات كريمة، وتزنرها أشكال زخرفية نباتية، ثم يعلو الشباك صفّ من المقرنصات الحجرية البسيطة.

واجهة الصحن الغربية ينصّفها باب غرفة الإمام المقببة، والتي تفتح على الصحن عبر شباك ذي إطار حجري أبلق مع وجود مشبّكات معدنية. وإلى يمين هذا الباب باب معقود بعقد مدبب يفضي إلى غرفة صغيرة، وهو ذو واجهة حجرية من اللونين الأبيض والأسود، ويعلو قفل العقد دائرة زخرفية ذات أشكال هندسية، ثم يعلوها صف من المقرنصات البسيطة.

واجهة الصحن الشرقية تنصّفها واجهة المدخل الرئيسي الحجرية من اللونين الأبيض والأسود والتي تحيط بالعقد المدبّب، وعن يسارها باب معقود يماثل الباب المواجه له في الواجهة الغربية، وهو يؤدي إلى المئذنة، وتعلوه كوّة إنارة لدرج المئذنة.

الواجهة القبلية

وأمّا واجهة الصحن الجنوبية- وهي الواجهة البديعة للرواق الخارجي للحرم، والمؤلفة من خمسة عقود مدببة من الحجر الأبيض والأسود- فهي ترتكز على أعمدة أسطوانية رخامية بيضاء ذات تيجان وقواعد حجرية سوداء منحوتة بالمقرنصات البسيطة، ويعلوها إفريز حجري بسيط. يرتفع مستوى أرضية هذا الرواق عن الصحن بمقدار نصف متر مكسوٍّ بوزرة رخامية متناوبة من اللونين الأبيض والأسود؛ ما عدا الأرضية المنخفضة للعقد الوسطي الذي ينصّف هذا الرواق؛ والذي يزنّره إطار زخرفي حجري يحيط بالعقد المدبب يدل على مدخل الحرم.

لوحة من القاشاني على جدار الرواق الخارجي
السبيل

والرواق الخارجي للحرم (الجنوبي للصحن) بديع متماثل ومتناظر، مؤلف من خمسة فراغات مسقوفة بخمس قباب، كل قبة محمولة على أربعة عقود حجربة مدببة من اللونين الأبيض والأسود عبر مثلثات كروية في الأركان: الفراغ الغربي الأول له واجهة غربية ملتصقة مع جامع المدرسة المغيربية، وهي مبنية من الحجر الأبلق وتنصّفها لوحة زخرفية نباتية من القاشاني. ولهذا الفراغ واجهة جنوبية تتصدّرها لوحة رائعة من القاشاني ذات إطار زخرفي نباتي مكتوب أعلاها:

«سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين

جنات عدن فادخلوها خالدين»


ضمن هذا الإطار محراب زخرفي تعلوه كتابة الآية (١٨) من سورة الجن من الذكر الحكيم: {وأنّ المَساجدَ لله فلا تدعو مع الله أحداً}.

ويتدلى منه رسم قنديل إنارة، يأتي تحته بيتان من الشعر:

يا ناظراً لمثال نعل نبيّه


قبل مثال النعل لا متكبراً


وامسح بوجهك نعله إذ مسّه

قدم النبي مروحاً ومكِّبراً

ثم يأتي شكل النعلين، ثم حاملان لشمعدانين.

وعلى يمين لوحة المحراب لوحة زخرفية نباتية يعلوها النص الآتي:

قد كان في حسن بناه كاتباً

محمد ومن سُمي بابن سفر

كذاك منصور الذي هندسه

كلاهما يرجو الدعاء ممن حضر

وتعلو اللوحتين صفوف حجرية متناوبة لنهاية العقد الذي تعلوه قمريّة ذات إطار حجري من اللونين الأبيض والأسود. والفراغ الغربي الثاني الأوسط له واجهة جنوبية فيها شباك يطلّ على الحرم ومزوّد بمشبّكات معدنية، ويعلوه ساكف حجري كلسي يعلوه عقد مدبب متناوب ضمنه لوحة كتابية من القاشاني نصّها:

«جر آغ مسجد ومحراب ومنبر

أبو بكر وعمر وعثمان وحيدر»

وتحيط بها زخرفة نباتية كالعادة، ثم تحيط بالعقد كله صفوف حجرية متناوبة. عن يمين الشباك لوحة زخرفية نباتية من القاشاني.

وأمّا الفراغان الشرقيان الأول والثاني فينصّف واجهتهما الشرقية شباك يعلوه العقد الحجري المدبّب الذي يطلّ على الجادة الرئيسية. وأما واجهته الجنوبية فهي تماثل واجهة الفراغ الغربي، ولكنها تختلف عنها في الكتابات وفي استبدال لوحة القاشاني يمين اللوحة المرسوم فيها محراب بمحراب ذو حنية بسيطة من القاشاني أيضاً ويعلوه النص الآتي:

يا حسنه من جامع ما مثلـه

باشر فيه رجب بهمتــه


ومَن ّربُّ العرش في تاريخـــه

جزاؤه قصر زها في جنتـه

ومكتوب فوق لوحة المحراب المختفية معظم بلاطاته الأصلية:

عجلوا بالصلاة قبل الفـوت

وعجلوا بالتوبة قبل الموت

ومكتوب فوق اللوحة عن يسار لوحة المحراب الآية الكريمة (٥٠) من سورة الروم:

فانظر إلى آثار رحمة الله

كيف يحيي الأرض بعد موتها

إن ذلك لمحيي الموتــــى

وهـــــو على كل شيء قدير

وأما الشباك فمكتوب أعلاه:

كعبة العشاق باشداين مــقام

مركه ناقص آمد انيجاشد تمـام

وأما الفراغ الأوسط - وهو الجزء الرئيسي من الرواق الذي يؤدي إلى باب الحرم- فإن أرضيته بمستوى أرضية الصحن ذاته، ولها إطار من الحجر المزّي ضمنه لوحة رخامية كبيرة ذات زخرفة هندسية تعطي شكل المحراب، وهي من اللون الأبيض والأسود والسمّاقي. وهذا الجزء الرئيسي مفتوح على الفراغين الشرقي والغربي للرواق عبر درجة مرتفعة، وواجهته الجنوبية ينصّفها مدخل ذو عقد وتري من الحجر الأبيض والأسود المزرر النباتي، يعلوه إطار زخرفي حجري مزّي هندسي، وهذا الإطار يعلو ليشكل لوحة زخرفية نباتية من القاشاني عن اليمين وعن الشمال، وفي أعلى وسطها لوحة زخرفية كتابية. ثم يُصعد من هذا المدخل إلى الحرم من باب خشبي مزخرف ذي مصراعين عبر درجتين حجريتين.

وفيما عدا ذلك تتشابه العقود والأحجار.وأما مدخل الحرم فله باب خشبي ذو زخارف هندسية يفتح على موزع (مربع) صغير، أرضيته ذات إطار حجري بداخله إطار رخامي أبيض تتوسطه قطعة واحدة من الغرانيت ذي اللون الأحمر القاني، وسقف هذا المربع خشبي ذو زخرفة هندسية. ثم يؤدي هذا المربع إلى الحرم عبر باب خشبي ثانٍ ذي عقد وتري وعلى محور المحراب ذاته.

والحرم قاعة مستطيلة الشكل مؤلفة من ثلاثة أجزاء: القاعة الوسطى والرواق الشرقي والغربي؛ فأمّا القاعة الوسطى - وهي القاعة المركزية الكبيرة - فإنها مسقوفة بقبة ضخمة عالية متوّجة بالهلال ومطلية بالدهان، وقمتها ذات إطار زخرفي نباتي ملون تتوسّطه الآية الكريمة: {قُلْ كُلٌّ يَعملُ على شاكِلَتِهِ} (الإسراء:٨٤) مكررة أربع مرات، وتتوسطها دائرة زخرفية نباتية. وترتكز هذه القبة العالية على رقبة دائرية ذات ست عشرة نافذة ذات عقود نصف دائرية. وتستند رقبة القبة المبنية من الآجر إلى مثلثات كروية تستند إلى العقود الضخمة المدببة الحجرية، والتي تستند أيضاً إلى دعائم ضخمة ذات زوايا مشطوفة، تيجانها وقواعدها ذات مثلثات هرمية بسيطة. وتدعم هذه القبة من الخارج أكتاف ضخمة من زوايا جدران الحرم.يتوسط الواجهة القبلية لهذه القاعة المحراب، وهو ذو عقد رخامي مدبب يرتكز على عمودين مخروطيين ذوي قاعدتين وتاجين منحوتين بزخارف نباتية، وتتصلان مع جذع العمود بحلقتين نحاسيتين من الأعلى والأسفل.

وأما الجدار الداخلي الحالي لحنية المحراب فهو ذو محاريب صغيرة يعلوها زخارف رخامية ذات مثلثات ملونة من الأبيض والأسود والأحمر القاني، تعلوه طاسة مزخرفة بأشكال هندسية من اللونين الأبيض والأسود، يحيط بهذا المحراب إطار ملون من الخيط المزخرف يعلوه إطار حجري مزخرف ثم يعلوه إطار رخامي ملون عريض، تتوسطه لوحة رخامية هندسية ملونة بديعة، ثم يحيط به إطار زخرفي حجري، ثم يعلوه إفريز حجري أسود، ويعلوه أخيراً إفريز آخر زخرفي نباتي، ثم تعلو هذا المحراب بالكامل آية كريمة بالقاشاني تستمر على جميع الواجهات الداخلية للقاعة المركزية، تبدأ بالبسملة ثم بداية سورة الرحمن وانتهاء بالآية (٢٧):

{ويبقَى وجهُ ربِّكَ ذو الجلالِ والإكرامِ}.

ثم يعلوها شباك وسطي ذو عقد مدبب ، وعن يمينه وشماله قمريتان ذواتا إطارين حجريين. وعن يمين المحراب ويساره زخارف رخامية وحجرية هندسية ونباتية متنوعة وجميلة منتشرة على الواجهة الجنوبية كلها، وكذلك شمعدانان ضخمان أثريان قاعدتهما من النحاس المشغول.

أما المنبر الرخامي البديع والمرتفع عن أرضية الحرم بدرجتين؛ فإنه يقع عن يمين إطار المحراب مباشرة، حيث يعلو مدخله ذا الباب الخشبي عقد رخامي وتري يعلوه تاج من المقرنصات البديعة، ثم يُصعد عبر تسع درجات رخامية إلى جلسة الخطيب التي يحفّها بيرقان أعلاهما طابتان وهلالان من الفضة المشغولة. وهذه الجلسة مغطاة بسقف يعتمد على أربعة أعمدة رخامية مربعة ذات زخارف رخامية تعلوها عقود رخامية بيضاء، وهذا السقف تؤطره مقرنصات رخامية بديعة يعلوها إفريز رخامي مزخرف نباتي، ثم تعلو هذا السقف ثمانية أعمدة دائرية رخامية تحمل قبة رخامية يعلوها الهلال الرخامي. وأسفل المنبر مفتوح من الشرق إلى الغرب لضمان الاستمرارية البصرية لصفوف المصلين وذلك عبر فتحة باب ذات عقد وتري ملاصقة للجدار القبلي؛ ثم عبر أربع فتحات صغيرة ذات عقود مدببة.وأما دكّة المبلّغين فهي موجودة على الجزء الغربي من الجدار الشمالي للحرم، حيث يُصعد إليها من خلال درج حجري في تجويف داخل فراغ الشباك تحتها، وهي ترتكز على جدار الحرم من الجهة الشمالية وعلى أعمدة رشيقة مثمنة ذات تيجان مقرنصة من الجهات الباقية، ولها درابزين خشبي مزخرف. وبوجه عام فإن الدكّة تتحلى بغنى زخرفي ظاهر وجمال رشيق.

والجدار الشمالي للحرم يُنصّفه باب الحرم الذي تعلوه لوحة القاشاني الكتابية والشباك المعقود مع القمريتين، وتوجد الدكّة المذكورة أعلاه عن يسار باب الحرم والتي ينصّفها شباك مفتوح على الرواق الخارجي، أما عن يمين باب الحرم فثمة شباك آخر مماثل غير أنه يعلوه عقد حجري مدبب يحوي لوحة زخرفية قاشانية نباتية وكتابية، وثمة لوحة زخرفية نباتية من القاشاني عن يسار هذا الشباك وأخرى عن يمينه.وأما أروقة الحرم الداخلية فهي غربية وشرقية:

فالرواق الغربي متناظر ومسقوف بثلاث قباب، القبة الوسطى عالية ومحمولة على رقبة ثمانية الأضلاع تحتوي على ثماني فتحات مختلفة المقاييس والزخارف. والقباب كلها محمولة بدورها على مثلثات كروية مرتكزة على أربعة عقود عرضية مدببة، وهي ترتكز من الجهة الشرقية على عمودين رخاميين مخروطيين من اللون الأبيض ذوي تاجين بمثلثات هرمية متناسقة وقاعدتين دائريتين ذواتي طوق نحاسي، ثم تستند العقود في الزوايا إلى أكتاف مضلعة، وأما من الجهة الغربية فتستند إلى نصفي تاجين هرميين مُنزّلين في جدار الحرم الغربي. وتحتوي واجهة هذا الرواق الغربية على ثلاث خزائن جدارية، تتوسط ما بينها لوحات زخرفية من القاشاني والرخام ذي الأشكال الهندسية الملونة. ويعلو هذه الخزائن الجدارية عقد حجري مدبب ضمنه لوحة زخرفية وكتابية من القاشاني. وتحتوي واجهة الرواق الشمالية على عقد مدبب وإفريز حجري بداخله خزانة جدارية يعلوها عقد حجري مدبب تعلوه فتحة دائرية داخلها لوحة زخرفية وكتابية من القاشاني. وأما واجهته الجنوبية فهي مماثلة للشمالية تقريباً، غير أن لوحتها زخرفية من الرخام الأبيض والأسود.

أما الرواق الشرقي فهو يماثل الرواق الغربي تقريباً، غير أنه يمتاز عنه أن أعمدته رخامية ثمانية الأضلاع وذات زخارف نباتية محفورة على ارتفاع الجذع كله، إضافة إلى أن فتحات الرواق الشرقية شبابيك مفتوحة على الجادة الرئيسية وذات مصاريع من خشب وزجاج ومشبّكات معدنية؛ إضافة إلى قمريّة أعلى الشباك الوسطي، غير أن واجهة هذا الرواق الجنوبية تتضمن خزانة جدارية يعلوها عقد حجري مدبّب ضمنه لوحة زخرفية كتابية من القاشاني، ويحيط بهذه الخزانة لوحات زخرفية رخامية من اللونين الأبيض والأسود، وتماثل واجهته الشمالية الجنوبية سوى أن اللوحات الزخرفية هي نباتية ومن القاشاني.

زكريا كبريت

مراجع للاستزادة:

- محمد بن جمعة المقّار، ولاة دمشق في العصر العثماني، تحقيق صلاح الدين المنـجد (دمشق ١٩٤٩م).

- نجم الدين الغزي، الكواكب السائرة (دار الآفاق الجديدة، بيروت ١٩٧٩م).

- عبد الباسط العلموي، مختصر تنبيه الطالب وإرشاد الدارس، تحقيق صلاح الدين المنجد (مطبوعات مديرية الآثار القديمة العامة، دمشق ١٩٤٧م).

- يوسف بن عبد الهادي، ثمار المقاصد في ذكر المساجد، الذيل لأســعد طلــس (مكتبة لبنان، بيروت ١٩٧٥م).

 


- التصنيف : آثار إسلامية - المجلد : المجلد السابع مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق